الكتاب الثالث: الأمراض الجزئية - الفن الأول: أمراض الرأس والدماغ - المقالة الأولى: أمراض الرأس والدماغ

المقالة الأولى

أمراض الرأس والدماغ

فصل في معرفة الرأس وأجزائهقال جالينوس: إن الغرض في خلقة الرأس ليس هو الدماغ ولا السمع ولا الشمّ ولا الذوق ولا اللمس، فإن هذه الأعضاء والقوى موجودة في الحيوان العديم الرأس، ولكن الغرض فيه هو حسن حال العين في تصرّفها الذي خلقت له. وليكون للعين مطلع ومشرف على الأعضاء كلّها في الجهات جميعها، فإن قياس العين إلى البدن قريب من قياس الطليعة إلى العسكر. وأحسن المواضع للطلائع وأصلحها هو الموضع المشرف ثم أيضاً لا حاجة إلى خلق الرأس لكل عين على الإطلاق، بل للحيوان اللين العين المحتاجة عينه إلى فضل حرز ووثاقة موضع، فإن كثيراً من الحيوانات العديمة الأرؤس خلق له زائدتان مشرفتان من البدن، وهندم عليهما عينان ليكون لكل منهما مطلع ومشرف لبصره ثم لم يحتج في تصرفات عينه إلى خلقة رأس لصلابة مقلته، وإنما الحاجة إلى الرأس للحيوانات التي تحتاج أعينهم إلى كنّ وتحتاج إلى أن تأتيها أعصاب لحركات شتّى من حركات المقلة والأجفان، لا يصلح لمثلها عضو واحد متباعد متضائل ونحن نستقصي ذلك في باب العين وأجزاء الرأس الذاتية وما يتبعها هي: الشعر ثم الجلد ثم اللحم ثم الغشاء ثم القحف ثم الغشاء الصلب ثم الغشاء الرقيق المشيمي ثم الدماغ جوهره وبطونه، وما فيه ثم الغشاءان تحته ثم الشبكة ثم العظم الذي هو القاعدة للدماغ.

فصل في تشريح الدماغ فأما تشريح الدماغ، فإن الدماغ ينقسم إلى جوهر حجابيّ وإلى جوهر مخي وإلى تجاويف فيه مملوءة روحاً. وأما الأعصاب، فهي كالفروع المنبعثة عنه لأعلى، إنها أجزاء الخاص به. وجميع الدماغ منصّف في طوله تنصيفاً نافذاً في حجبه ومخّه وبطونه لما في التزويج من المنفعة المعلومة، وإن كانت الزوجية في البطن المقدم وحده أظهر للحس، وقد جوهر الدماغ بارداً رطباً.

أما برده قليلاً، فلشغله كثرة ما يتأذى إليه من قوى حركات الأعصاب وانفعالات الحواس وحركات الروح في الاستحالات التخيلية والفكرية والذكرية، وليعتدل به الروح الحار جداً النافذ إليه من القلب في العرقين الصاعدين منه إليه، وخلق رطباً لئلا تجففه الحركات وليحسن تشكّله وخلق ليّنماً دسماً. أما الدسومة فليكون ما ينبت منه من العصب علكاً.

وأما اللين فقد قال جالينوس: إن السبب فيه ليحسن تشكله واستحالته بالمتخيلات، فإن اللين أسهل قبولاً للاستحالات. فهذا ما يقوله.

وأقول: خلق ليناً ليكون دسماً وليحَسن غذاؤه للأعصاب الصلبة بالتدريج، فإن الأعصاب قد تغتذي أيضاً من الدماغ والنخاع، ثم الجوهر الصلب لا يمد الصلب بما يمدّه اللين، وليكون مِا ينبت عنه لدنا، إذا كان بعض النابت منه محتاجاً إلى أن يتصلّب عند أطرافه لما سنذكره من منافع العصب، ولما كان هذا النابت محتاجاً إلى التصلب على التدريج وتكون صلابته صلابة لدنٍ ، وجب أن يكون منشؤه جوهراً لدناً دسماً والدسم اللزج لين لا محالة.

وأيضاً ليكون الروح الذي يحويه الذي يفتقر إلى سرعة الحركة ممداً برطوبة، وأيضاً ليخص بتخلخله فإن الصلب من الأعضاء، أثقل من اللين الرطب المتخلخل. لكن جوهر الدماغ أيضاً متفاوت في اللين والصلابة، وذلك لأن الجزء المقدم منه ألين والجزء المؤخر أصلب، وفرق ما بين جزأين باندراج الحجاب الصلب الذي نذكره فيه إلى حد ما، وإنما لين مقدم الدماغ لأن أكثر عصب الحسّ وخصوصاً الذي للبصر والشتم ينبت منه، لأن الحس طليعة البدن وميل الطليعة إلى جهة المقدم أولى. وعصب الحركة أكثره ينبت من مؤخره وينبت منه النخاع الذي هو رسوله وخليفته في مجرى الصلب وحيث يحتاج إلى أن ينبت منه أعصاب قوية وعصب الحركة يحتاج إلى فضل صلابة لا يحتاج إليه عصب الحس، بل اللين أوفق له فجعل منشؤه أصلب وإنما أدرج الحجاب فيه ليكون فضلاً، وقيل ليكون اللين مبرأ عن مماسة الصلب لأن ما يغوص فيه صلب وليّن جداً. ولهذا الطي منافع أخرى، فإن الأوردة النازلة إلى الدماغ المفترقة فيه تحتاج إلى مستندٍ وإلى شيء يشدها فجعل هذا الطي دعامة لها وتحت آخر هذا العطف، وإلى خلفه المعصرة وهي مصبّ الماء إلى فضاء كالبُركة، ومنها تتشعب جداول يفترق فيها الدم ويتشبه بجوهر الدماغ ثم تنسفها العروق من فوهاتها وتجمعها إلى عرقين كما سنذكره في تشريح ذلك. وهذا الطي ينتفع به في أن يكون مثبتاً لرباطات الحجاب اللصيق بالدماغ في موازاة الدروز من القحف الذي يليه. وفي مقدم الدماغ منبت الزائدتين الحلميتين اللتين بهما يكون الشم، وقد فارقتا لين الدماغ قليلاً ولم تلحقهما صلابة العصب، وقد جلل الدماغ كله بغشاءين أحدهما رقيق يليه، والآخر صفيق يلي العظم وخلقا ليكونا حاجزين بين الدماغ وبين العظم. ولئلا يماس الدماغ جوهر العظم ولا يتأدى إليه الآفات من العظم وإنما تقع هذه المماسة في أحوال تزيد الدماغ في جوهره، أو في حال الانبساط الذي يعرض له عقيب الانقباض، وقد يرتفع الدماغ إلى القحف عند أحوال مثل الصياح الشديد. فلمثل هذا من المنفعة ما جعل بين الدماغ وعظم القحف حاجزان متوسطان، بينهما في اللين والصلابة وجعلا اثنين لئلا يكون الشيء الذي تحسن ملاقاته للعظم بلا واسطة هو بعينه الشيء الذي تحسن ملاقاته الدماغ بلا واسطة، بل فرق بينهما فكان القريب من الدماغ رقيقاً والقريب من العظم صفيقاً، وهما معاً كوقاية واحدة وهذا الغشاء مع أنه وقاية للدماغ، فهو رباط للعروق التي في الدماغ ساكنها وضاربها وهو كالمشيمة يحفظ ألم. ضاع العروق بانتساجها فيه. وكذلك ما يداخل أيضاً جوهر الدماغ في مواضع كبيرة مزردة. ويتأدى إلى بطونه وينتهي عند المؤخر منقطعاً لاستغنائه بصلابته عنه.

والغشاء الثخين غير ملتصق بالدماغ ولا بالرقيق التصاقاً يتهندم عليه في كل موضع بل مستقل عنه، إنما يصل بينهما العروق النافذة في الثخين إلى الرقيق والثخين مسمر إلى القحف بروابط غشائية تنبت من الثخين تشده إلى الدروز لئلا تثقل على الدماغ جداً. وهذه الرباطات تطلع من الشؤون إلى ظاهر القحف، فتثبت هناك حتى ينتسج منها الغشاء المجلل للقحف. وبذلك ما يستحكم ارتباط الغشاء الثخين بالقحف أيضاً.

وللدماغ في طوله ثلاثة بطون، وإن كان كل بطن في عرضه ذا جزأين فالجزء المقدّم محسوس الانفصال إلى جزأين يمنة ويسرة، وهذا الجزء يعين على الاستنشاق وعلى نفض الفضل بالعطاس وعلى توزيع أكثر الروح الحساس وعلى أفعال القوى المصورة من قوى الإدراك الباطن. وأما البطن المؤخر، فهو أيضاً عظيم لأنه يملأ تجويف عضو عظيم ولأنه مبدأ شيء عظيم، أعني النخاع ومنه يتوزعّ أكثر الروح المحرّك وهناك أفعال القوّة الحافظة لكنه أصغر من المقدم، بل من كل واحد من بطني المقدم. ومع ذلك فإنه يتصاغر تصاغراً متدرجاً إلى النخاع، ويتكاثف تكاثفاً إلى الصلابة وأما البطن الوسط، فإنه كمنفذ من الجزء المقدم إلى الجزء المؤخر وكدهليز مضروب بينهما. وقد عظم لذلك وطول لأنه مؤدّ من عظيم إلى عظيم، وبه يتّصل الروح المقدّم بالروح المؤخر وتتأدى أيضاً الأشباح المتذكّرة، ويتسقف مبدأ هذا البطن الأوسط بسقف كري الباطن كالازج، ويسمى به ليكون منفذاً ومع ذلك مبعداً بتدويره من الآفات وقوياً على حمل ما يعتمد عليه من الحجاب المدرج، وهناك يجتمع بطنا الدماغ المقدمان اجتماعاً يتراءيان للمؤخر في هذا المنفذ وذلك الموضع يسمى مجمع البطنين وهذا المنفذ نفسه بطن.

ولما كان منفذاً يؤدي عن التصور إلى الحفظ، كان أحسن موضع للتفكّر والتخيل على ما علمت ويستدل على أن هذه البطون مواضع قوى تصدر عنها هذه الأفعال من جهة يعرض لها من الآفات، فيبطل مع آفة كل جزء فعله أو يدخله آفة والغشاء الرقيق يستبطن بعضه فيغشي بطون الدماغ إلى الفجوة التي عند الطاق وأما ما وراء ذلك، فصلابته تكيفه تغشية الحجاب إياه وأما التزريد الذي في بطون الدماغ، فليكون للروح النفساني نفوذ في جوهر الدماغ كما في بطونه، إذ ليس في كل وقت تكون البطون متّسعة منفتحة أو الروح قليلاً بحيث تسعه البطون فقط.

ولأن الروح إنما تكمل استحالته عن المزاج الذي للقلب إلى المزاج الذي للدماغ، بأن ينطبخ فيه انطباخاً يأخذ به من مزاجه، فهو أول ما يتأدى إلى الدماغ يتأدّى إلى جوفه الأول فيطبخ فيه ثم ينفذ إلى البطن الأوسط فيزداد فيه انطباخاً، ثم يتمّ انطباخه في البطن المؤخر والانطباخ الفاضل إنما يكون لمخالطة وممازجة ونفوذ في أجزاء المطبوخ من أجزاء الطابخ كحال الغذاء في الكبد على ما نصفه فيما يستقبل، لكن زرد المقدّم أكثر إفراداً من زرد المؤخّر لأن نسبة الزرد إلى الزرد كنسبة العضو إلى العضو بالتقريب، والسبب المصغر للمؤخر عن المقدم موجود في الزرد وبين هذا البطن وبين البطن المؤخر، ومن تحتهما مكان هو متوزعّ العرقين العظيمين الصاعدين إلى الدماغ اللذين ذكرناهما إلى شعبهما التي تنتسج منها المشيمة من تحت الدماغ. وقد عمدت تلك الشعب بجرم من جنس الغد، يملأ ما بينها ويدعمها كالحال في سائر المتوزعات العرقية، فإن من شأن الخلاء الذي يقع بينها أن يملأ أيضاً بلحم غددي، وهذه الغدة تتشكّل بشكل الشعب الموصوفة وعلى هيئة التوزعّ الموصوف. فكما أن التشعب والتوزعّ المذكور يبتدئ من مضيق ويتفرع إلى سعة يوجبها الانبساط، كذلك صارت هذه الغدّة صنوبرية، رأسها يلي مبدأ التوزعّ من فوق وتذهب متوجهة نحو غايتها إلى أن يتم تدلي الشعب ويكون هناك منتسج على مثال المنتسج في المشيمة فيستقر فيه. والجزء من الدماغ المشتمل على هذا البطن الأوسط، خاصة أجزاؤه التي من فوق دودية الشكل مزردة من زرد موضوعة في طوله، مربوط بعضها ببعض ليكون له أن يتمدد، وأن يتقلّص كالدود وباطن فوقه مغشى بالغشاء الذي يستبطن الدماغ إلى حد المؤخر وهو مركب على زائدتين من الدماغ مستديرتين، إحاطة الطول كالفخذين يقربان إلى التماس ويتباعدان إلى الانفراج تركيباً بأربطة تسقى وترات لئلا يزول عنها، تكون الدودة إذا تمددت وضاق عرضها، ضغطت هاتين الزائدتين إلى الاجتماع فينسد المجرى، وإذا تقلصت إلى القصر وازدادت عرضاً، تباعدت إلى الافتراق فانفتح المجرى وما يلي منه مؤخر الدماغ أدقّ وإلى التحدّب ما هو فيتهندم في مؤخر الدماغ كالوالج منه في مولج، ومقدمه أوسع من مؤخره على الهيئة التي يحتملها الدماغ.

والزائدتان المذكورتان تسميان: العنبتين ولا تزريد فيهما البتة بل هما ملساوان ليكون سدهما وانطباقهما أشد، ولتكون إجابتهما إلى التحريك بسبب حركة شيء آخر أشبه بإجابة الشيء الواحد. ولدفع فضول الدماغ مجريان أحدهما في البطن المقدم وعند الحدّ المشترك بينه وبين الذي بعده، والآخر في البطن الأوسط وليس للبطن المؤخر مجرى مفرد، وذلك لأنه موضوع في الطرف وصغير أيضاً بالقياس إلى المقدم فلا يحتمل المجرى ويكفيه.

وللأوسط مجرى مشترك لهما وخصوصاً وقد جعل مخرجاً للنخاع يتحلل بعض فضوله ويندفع من جهته وهذان المجريان إذا ابتدآ من البطنين، ونفذا في الدماغ نفسه توربا نحو الالتقاء عند منفذ واحد عميق مبدؤه الحجاب الرقيق وآخره وهو أسفله عند الحجاب الصلب، وهو مضيق فإنه كالقمع يبتدئ من سعة مستديرة إلى مضيق، فلذلك يسقى قمعاً، ويسمى أيضاً مستنقعاً، فإذا نفذ في الغشاء الصلب لاقى هناك مجرى في غدة، كأنها كرة مغموزة في جانبين متقابلين فوق وأسفل وهي بين الغشاء الصلب، وبين مجرى الحنك ثم هناك المنافذ التي في مشاشية المصفى في أعلى الحنك.

فصل في أمراض الرأس الفاعلة للأعراض فيه يجب أن يعلم أن الأمراض المعدودة كلها، الرأس ولكن غرضنا ههنا في قولنا الرأس هو الدماغ وحجبه ولسنا نتعرض لأمراض الشعر، ههنا في هذا الموضع فنقول: إنه يعرض للدماغ أنواع سوء المزاجات الثمانية المفردة والكائنة مع مادة وهي: إما بخارية وإما ذات قوام. ويكثر فيه أمراض الرطوبة، فإن كل دماغ فيه أول الخلقة رطوبة فضلية، تحتاج إلى أن تتنقّى إما في الرجم، وإما بعده. فإن لم تنق عظم منها الخطب وكلها إما في جره الدماغ، وإما في عروقه وإما في حجبه. ويعرض له أمراض التركيب إما في المقدار مثل أن يكون أصغر من الواجب، أو أعظم من الواجب أو في الشكل مثل أن يكون شكله متغيراً عن المجرى الطبيعي، فيعرض من ذلك آفة في أفعاله.

أو تكون مجاريه وأوعيته منسدة، والسدد إما في البطن المقدم، وإما في البطن المؤخر وإما في البطنين جميعاً ناقصة أو كاملة، وإما في الأوردة وإما في الشرايين وإما في منابت الأعصاب، وإما أن تنخلع رباطات حجبه أو يقع افتراق به بين جزأين.

ويعرض له أمراض الاتصال لانحلال فرد فيه نفسه، أو في شرايينه وأوردته أو القحف.

ويعرض له الأورام إما في جوهر الدماغ نفسه أو في غشائه الرقيق أو الثخين أو الشبكة أو الغشاء الخارج وكله عن مادة من أحد الأخلاط الحارة أو الباردة، أما من الباردة العفنة فيلحق بالأورام الحارة والباردة الساكنة تفعل أوراماً هي التي ينبغي أن تسمّى باردة وكأنك لا تجد من أمراض الدماغ شيئاً إلا راجعاً إلى هذه أو عارضاً من هذه.

وأمراض الدماغ تكون خاصية، وتكون بالمشاركة وربما عظم الخطب في أمراض المشاركة فيه حتى تصير أمراضاً خاصية قتّالة، فإنه كثيراً ما يندفع إليه في أمراض ذات الجنب والخوانيق مواد خنّاقة قتّالة، وكثيراً ما تصيبه سكتة قاتلة بسبب أذى في عضو آخر مشارك.

فصل في الدلائل التي يجب أن يتعرّف منها أحوال الدماغ فنقول المبادي التي منها نصير إلى معرفة أحوال الدماغ، هي من الأفعال الحسية والأفعال السياسية أعني التذكر والتفكر والتصوّر وقوّة الوهم والحدس والأفعال الحركية، وهي أفعال القوّة المحركة للأعضاء بتوسّط العضل ومن كيفية ما يستفرغ منه من الفضول في قوامه ولونه وطعمه، أعني حرافته وملوحته ومرارته أو تفهه. ومن كميته في قلّته وكثرته، أو من احتباسه أصلاً ومن موافقة الأهوية والأطعمة إيّاه ومخالفتها وإضرارها به، ومن عظم الرأس وصغره ومن جودة شكله المذكورة في باب العظام ورداءته، ومن ثقل الرأس وخفّته، ومن حال ملمس الرأس وحال لونه ولون عروقه، وما يعرض من القروح والأورام في جلدته ومن حال لون العين وعروقها وسلامتها ومرضها وملمسها خاصة ومن حال النوم واليقظة، ومن حال الشعر في كميته أعني قلّته وكثرته وغلظه ورقّته وكيفيته، أعني شكله في جعودته وسبوطته ولونه في سواده وشقرته وصهوبته وسرعة قبوله الشيب وبطئه، وفي ثباته على حال الصحة أو زواله عنها بتشقّقه أو انتثاره أو تمرّطه وسائر أحواله.

ومن حال الرقبة في غلظها ودقّتها وسلامتها أو كثرة وقوع الأورام والخنازير فيها، وقلتهما وكذلك حال اللهاة واللوزتين والأسنان. ومن حال القوى والأفعال في الأعضاء العصبانية المشاركة للدماغ، وهي مثل الرحم والمعدة والمثانة.

والاستدلال على المشاركة يكون على وجهين: أحدهما من حال العضو المشارك للدماغ، فيما يعرض للدماغ على ما عرض للدماغ، والثاني من حال العضو الذي ألم الدماغ بمشاركته إياه أنه أي عضو هو وما الذي به وكيف يتأدى إلى الدماغ.

وهذه الاستدلالات قد يستدل منها على ما هو حاضر من الأفعال والأحوال، وعلى ما يكون ولم يحضر بعد، مثل ما يستدلّ من طول الحزن والوحوش على المنالنخوليا المطلّ أو القطرب الواقع عن قرب، ومن الغضب الذي لا معنى له على صرع أو مالنخوليا حاراً ومانيا ومن الضحك بلا سبب على حمق أو على رعونة.

فصل في كيفية الاستدلال من هذه الدلائل على أحوال الدماغ وتفصيل هذه الوجوه المعدودة حتى ينتهي إلى آخر تفصيل بحسب هذا البيان فصل في الاستدلال الكلي من أفعال الدماغأما الدلالة المأخوذة من جنس الأفعال، فإن الأفعال إذا كانت سليمة أعانت في الدلالة على سلامة الدماغ، وإن كانت مؤفة دلت على آفة فيها، وآفات الأفعال كما أوضحنا ثلاث هي: الضعف والتغير والتشوش ثم البطلان. والقول الكلي في الاستدلال من الأفعال، أن نقصانها وبطلانها يكون للبرد ولغلظ الروح من الرطوبة والسدّة، ولا يكون من الحر إلا أن يعظم فيبلغ أن تسقط القوة وأما التشوش، أو ما يناسب الحركة فقد يكون من الحرّ وقد يكون من اليبس.

فصل في الاستدلالات المأخوذة من الأفعال النفسانية الحسّية والسياسية والحركية والأحلام من جملة السياسية.
فنقول هذه الأفعال قد تدخلها الآفة على ما عرف من بطلان، أو ضعف أو تشوّش مثال ذلك: إما في الحواس فلنبدأ بالبصر: فإن البصر تدخله الآفة، إما بأن يبطل، وإما بأن يضعف، وإما بأن يتشوّش فعله ويتغيّر عن مجراه الطبيعي، فيتخيّل ما ليس له وجود من رج مثل الخيالات والبقّ والشعل والدخان. وغير ذلك فإن هذه الآفات إذا لم تكن خاصة بالعين، استدل منها على آفة في الدماغ. وقد تدل الخيالات بألوانها، ولقائل أن يقول إن الخيال الأبيض كيف يدلّ منها على البلغم الغالب وهو بارد، وأنتم نسبتم التشوش إلى الحرّ، فنقول ذلك بحسب المزاج لا بحسب اعتراض المواد للقوة الصحية الكاملة الحرارة الغريزية.

وأما في السمع فمثل أن يضعف فلا يسمع إلا القريب الجهير أو يتشوّش فيسمع ما ليس له وجود من خارج، مثل الدوي الشبيه بخرير الماء، أو بضرب المطارق، أو بصوت الطبول، أو بكشكشة أوراق الشجر أو حفيف الرياح أو غير ذلك. فيستدلّ بذلك إمّا على مزاج يابس حاضر في ناحية الوسط من الدماغ أو على رياح وأبخرة محتبسة فيه، أو صاعدة إليه وغير ذلك مما يدل عليه. وإما أن يبطل أصلاً والضعف والبطلان لكثرة البرد والذي يسمع كأنه يسمع من بعيد، فلرطوبة.

وأما في الشم، فبأن يعدم أو يضعف أو يتشوش فيحس بروائح ليس لها وجود من خارج منتنة أو غير منتنة فيدلّ في الأكثر على خلط محتبس في مقدم الدماغ، يفعله إن لم يكن شيئاً خاصاً بالخيشوم.

وأما الذوق واللمس، فقد يجريان هذا المجرى إلا أن تغيرهما عن المجرى الطبيعي في الأكثر يدل على فساد خاص في الإنهاء القريبة، وفي الأقل على مشاركة من الدماغ خصوصاً مثل ما إذا كان عاماً كخدر جميع البدن، وقد تشترك الحواس في نوع من الضعف والقوة، يدل على حالة في الدماغ دائمة وهي الكدورة والصفاء. وليس مع كل ضعف كدورة فقد يكون ضعف مع الصفاء مثل أن يكن الإنسان يبصر الشيء القريب والقليل الشعاع إبصاراً جيّداً صافياً، ويرى الأشياء الصغيرة منها ثم إذا بعدت أو كثر شعاعها، عجز عن إدراكها فإذن الكدورة والصفاء قد يكونان معاً في الضعف والصفاء قد يكون لا محالة مع القوة، لكن الكدورة دائماً تدل على مادة، والصفاء على يبوسة. وهذه الكدورة ربما استحكمت بغتة فكان منها السَدر وهو يدلّ على مادة بخارية في عروق الدماغ والشبَكة والحكم في الاستدلالات عن هذه الآفات أن ما يجري مجرى التشوش، فهو في أكثر الأمر تابع لمزاج حار يابس. وما يجري مجرى النقصان والضعف، فهو في الأكثر تابع لبرد إلا أن يكون مع شدة ظهور فساد وسقوط قوّة، فربما كان مع ذلك من الحرارة ولكن الحرارة ملائمة للقوى بالقياس إلى البرد. فما لم يعظم استضرار المزاج به وفساده، لم يورد في القوى نقصاناً فيجب أن لا يعوّل حينئذ على هذا الدليل، بل تتوقّع الدلائل الأخرى المذكورة لكل مزاج من المزاجين، والبطلان قد يدل على تكّد أسباب النقصان إن كان لسبب دماغي، ولم يكن لسبب آفات في الآلات من فساد وانقطاع وسدّة، وبالجملة زوال عن صلوحها للأداء أو لسبب في العضو الحسّاس نفسه، ومن الأعضاء الحساسة، ما هو شديد القرب من الدماغ فيقلّ أن لا تكون الآفة فيهما مشتركة مثل السمع والشم، فأكثر آفاته التي لا تزول بتنقية وتعديل مزاج يكون من الدماغ. ولذلك ما يكون سائر الحواس إذا تأذت بمحسوساتها دلّت على آفة فيها من حر أو يبس لم يبلغا أن يسقط القوة والسمع ثم الشمّ وفي الأكثر يدل على أن ذلك المزاج في الدماغ. وأما الأفعال السياسية: فإن قوة الوهم والحدس دالة على قوة مزاج الدماغ بأسره وضعفه دالّ على آفة فيه موقوفة إلى أن يتبين أيّ الأفعال الأخرى اختلّ، فمنها فساد قوة الخيال والتصور وآفتها، فإن هذه القوّة إذا كان قوية، أعانت في الدلالة على صحة مقدم الدماغ وهذه القوة إنما تكون قوية، إذا كان الإنسان قادراً على جودة تحفظ صور المحسوسات مثل الأشكال والنقوش والحلو والمذاقات والأصوات والنغم وغيرها، فإن من الناس من يكون له في هذا الباب قوّة تامة، حتى إن الفاضل من المهندسين ينظر في الشكل المخطوط نظرة واحدة فترتسم في نفسه صورته وحروفه ويقضي المسألة إلى آخرها مستغنياً عن معاودة النظر في الشكل.

وكذلك حال قوم بالقياس إلى النغم وحال قوم بالقياس إلى المذاقات وغير ذلك، وبهذا الباب تتعلّق جودة تعرف النبض، فإنه يحتاج إلى خيال قويّ ترتسم به في النفس قوى الملموسات وهذه القوة إذا عرضت لها الآفة.

أما بطلان الفعل فلا تقوى فيه صورة خيال محسوس بعد زواله عن النسبة التي تكون بينه وبين الحاسة، حتى يحسّ بها وإما ضعف وإما نقصان وإما تغير عن المجرى الطبيعي، بأن يتخيّل ما ليس موجوداً دل ضعفه وتعذره، وبطلان فعله في الأكثر على إفراط برد أو يبس في مقدم الدماغ أو رطوبة. والبرد هو السبب بالذات والآخران سببان بالعرض لأنهما يجلبانه. ودل تغير فعله وتشوّشه على فضل حرارة وهذا كلّه بحسب أكثر الأمور وعلى نحو ما قيل في القوى الحساسة، وقد يعرض هذا المرض لأصحاء العقل حتى تكون معرفتهم ميل والقبيح تامة وكلامهم مع الناس صحيحاً، لكنهم يتخيّلون قوماً حضوراً ليسوا بموجودين خارجاً، ويتخيّلون أصوات طبالين وغير ذلك كما حكى جالينوس، أنه كان عرض لروطلس الطبيب ومنها فساد في قوة الفكر والتخيّل، إما بطلان ويسمّى هذا: ذهاب العقل، وإما ضعف، ويسمى حمقاً ومبدؤهما برد مقدّم الدماغ أو يبوسته أو رطوبته، وذلك في الأكثر على ما قيل وإما تغيّر وتشوّش حتى تكون فكرته في ما ليس. ويستصوب غير الصواب ويسمّى: اختلاط العقل فيدلّ: إما على صرم، وإما على مادة ، صفراوية حارة يابسة، وهو الجنون السبعي ويكون اختلاطه مع شرارة، وإما على مادة سوداوية وهو المالنخوليا ويكون اختلاطه مع سوء ظن ومع فكر بلا تحصيل. والمائل من تلك الأخلاق إلى الجبن أدلّ على البردَ والمائل منها إلى الاجتراء والغضب، أدلّ على الحر وبحسب الفروق التي بينها ونحن نوردها بعد، وربما كان هذا بمشاركة عضو آخر. ويتعرف ذلك بالدلائل الجزئية التي نصفها بعد.

وبالجملة إذا تحركت الأفكار حركات كثيرة، وتشوشت وتفنّنت فهناك حرارة.

وقد يقع أيضاً تشوّش الفكر في أمراض باردة المادة، إذا لم تخل عن حرارة مثل اختلاط العقل في ليثرغس، ومنها آفة في قوة الذكر إما بأن يضعف وإما بأن يبطل كما حكى جالينوس، أن وباء حدث بناحية الحبشة كان عرض لهم بسبب جيف كثيرة بقيت بعد ملحمة بها شديدة، فصار ذلك الوباء إلى بلاد يونان فعرض لهم أن وقع بسببه من النسيان ما نسي له الإنسان اسم نفسه وأبيه. وكثر ما يعرض من الضعف في الذكر، يعرض لفساد في مؤخر الدماغ من برد أو رطوبة أو يبس ويتشوّش فيقع له أنه يذكر ما لم يكن له به عهد، فيدلّ على مزاج حار مع مادة أو بلا مادة. والمادة اليابسة أولى بذلك. كل ذلك إذا لم يفرط المزاج فتسقط القوّة، ونقول قولاً مجملاً أن بطلان هذه الأفاعيل، ربما يكون لغلبة البرد إما على جرم الدماغ، فيكون مما يستولي على الأيام أو على تجاويفه وقد يكون لبرد مع رطوبة وربما جلبه اليبس. وكذلك ضعفها وإما تغيرها فلورم أو مزاج صفراوي أو سوداوي، أو جسم مجرد والاستدلال من أحوال الأحلام مما يليق أن يضاف إلى هذا الموضع، فإن كثرة رؤية الأشياء الصفر والحارّة، تدل على غلبة الصفراء وكذلك كثرة رؤية أشياء تناسب مزاجاً مزاجاً ولا يحتاج إلى تعديدها. والأحلام المتشوشة تدل على حرارة ويبوسة، ولذلك تنذر بأمراض حارة دماغية وكذلك الأحلام المفزعة والتي لا تذكر تدل على برد ورطوبة في الأكثر، ورؤية الأشياء كما هي تدل على ذلك.

فصل في الاستدلال من الأفعال الحركية وما يشبهها من النوم واليقظةوأما الدلائل المأخوذة من جنس الأفعال الحركية، فأما بطلانها وضعفها فيدل على رطوبة فضلية في آلاتها رقيقة كثيرة، ويدل في أي عضو كان على آفة قي الدماغ إلا أن الأخص به ما كان في جميع البدن كالسكتة أو في شق واحدٍ كالفالج واللقوة الرخوة. وربما اتفقا أعني البطلان والضعف من حرّ الدماغ أو يبسه في نفسه أو في شيء من الأعصاب النابتة عنه، لكن ذلك يكون بعد أمراض كثيرة، وقليلاً قليلاً وعلى الأيام والذي في عضو واحد كالاسترخاء ونحو ذلك. فربما كان لأمراض خاصة بذلك العضو، وربما كان عن اندفاع فضل من الدماغ إليه وأما تغيرها فإن كان بغتة دلّ على رطوبة أيضاً وإن كان قليلاً قليلاً فعلى يبوسة، أعني في الآلات والذي يخصّ الدماغ فمثل تغيّر حركات المصروع بالصرع الذي هو تشنّج عام ولا يكون إلا عن رطوبة، لأنه كائن دفعة أو بمشاركة عضو آخر بحسب ما تبيّن، ويدلّ على سدّة غير كاملة ومثل رعشة الرأس، فإن جميع هذه يدلّ على مادة غليظة في ذلك الجانب من الدماغ أو ضعف أو يبوسة إن كان بعض أمراض سبقت وكان حدوثه قليلاً قليلاً.

وأما ما كان في أعضاء أبعد من الدماغ، فالقول فيه ما قلنا مراراً وهذه كلّها حركات خارجة عن المجرى الطبيعي، ونقول أيضاً إن كان الإنسان نشيطاً للحركات فمزاج دماغه في الأصل حاراً ويابس، وإن كان إلى الكسل والاسترخاء فمزاجه بارد أو رطب. وإذا كان به مرض وكانت حركاته إلى القلق هو حار. وإن كانت إلى الهدء ولم تكن القوّة شديدة السقوط، فهو إلى البرد. ومما يناسب هذا الباب الاستدلال من حال النوم واليقظة: فاعلم أن النوم دائماً تابع لسوء مزاج رطب مرخٍ أو بارد مجمّد لحركة القوى الحسية، أو لشدّة تحلّل من الروح النفساني لفرط الحركة أو لاندفاع من القوى إلى الباطن لهضم المادة، ويندفع معها الروح النفساني بالاتباع كما يكون بعد الطعام. فما لم يجر من النوم على المجرى الطبيعي ولم يتبع تعباً وحركة، فسببه رطوبة أو جمود فإن لم تقع الأسباب المجمّدة ولم تدلّ الدلائل على إفراط برد مما سنذكره، فسببه الرطوبة ثم ليس كل رطوبة توجب نوماً. فإن المشايخ مع رطوبة أمزجتهم، يطول سهرهم ويَرَى جالينوس أن سبب ذلك من كيفية رطوباتهم البورقية، فإنها تسهر بأذاها للدماغ، إلا أن اليبوسة على كل حال مسهّرة لا محالة.
فصل في الدلائل المأخوذة عن الأفعال الطبيعية مما ينتفض وما ينبت من الشعر وما يظهر من الأورام والقروح.

وأما الدلائل المأخوذة من جنس أفعال الطبيعة، فتظهر من مثل الفضول بانتفاضها في كميتها وكيفيتها أو بامتناعها وانتفاضها، يكون من الحنك والأنف والأذن وبما يظهر على الرأس من القروح والبثور والأورام، وبما ينبت من الشعر، فإن الشعر ينبت من فضول الدماغ ويستدلّ من الشعر بسرعة نباته أو بطئه وسائر ما قد عدد من أحواله.

فلنذكر طريق الاستدلال من انتفاضات الفضول عن المسالك المذكورة، وهذه الفضول إذا كثرت دلت على المواد الكثيرة ودلّت على السبب الذي يكثر به في العضو الفضول، كما قد علمته وعلى أن الدافعة ليست بضعيفة. وأما إذا امتنعت أو قلّت، ووجد مع ذلك إما ثقل، وإمّا وخز وإما لذع وإما تمدد وإما ضربان وإمّا دوار وطنين، دل على سدد وضعف من القوّة الدافعة وامتلاء. ويستدلّ على جنسه بأن اللاذع الواخز المحرق القليل الثقل المصفر للون في الوجه والعين، يدلّ على أن المادة صفراوية. والضرباني الثقيل المحمّر للّون في الوجه والعين والنافخ للعروق، يدلّ على أنها دموية. والمكسِّل المبلد المصبِّر اللون معه إلى الرصاصيّة الجالب للنوم والنعاس، يدل على أنها بلغمية.

فإنَ كمد اللون في تلك الحال وفسد الذِّكر وكان الرأس أخف ثقلاً ولم يكن النوم بذلك المستولي ولم يكن سائر العلامات، دل على أنها سوداوية. فإنّ كان شيء من هذه مع طنين ودوار وانتقال، دل على أن المادة تولّد ريحاً ونفخاً وبخاراً، وأن له حرارة فاعلة فيها وأما إن كان احتباس الفضول مع خفّة الرأس، دل على اليبس على الإطلاق. وهذا الباب الذي أوردناه يختص بكميّة الانتفاض والامتناع، وإما من كيفيته فمثل الضارب إلى الصفرة والرقّة والحرارة والمرارة واللذغ، يدلّ علي أنها صفراوية وإلى الحمرة والحلاوة مع حمرة الوجه والعينين ودرور العَرَق والحرارة، يدل على أنها دمويّة. والمالح أو الحلو مع عدم سائر العلامات أو البور في البارد المَلْمَس أو الحار الملمس يدلّ على بلغم فعلت فيه حرارة، والتفه الغليظ البارد الملمس، يدل على بلغم فجّ وهذه الاستدلالات من كيفية المنتفض في طعمه ولونه ولمسه وقوامه.

وأما من الرائحة فعفن الرائحة وحدتها يدلّ على الحر وعدم الرائحة ربما دل على البرد ليس بدلالة الأوّل على الحر.

وأما ما يتعلق بالأشياء التي تظهر على جلدة الرأس وما يليها من القروح والبثور والأورام، فإنها تدلّ في الأكثر على مواد كانت فانتفضت ولا تدل على حال الدماغ في الوقت دلالة واضحة، اللهم إلا أن يكون في التزيد ولأنك عارف بأسباب الأورام الحارة والباردة والصلبة منها والسرطانيّة والقروح الساعية والساكنة وغير ذلك، فليس بصعب عليك الاستدلال منها على حال الرأس والشعر أيضاً، فقد عرفت في الكتاب الأوّل أسباب حدوثه وعرفت السبب في جعودته وسبوطته ورقّته وغلظه وكثرته وقلته وسرعة شيبه وبطئه، وستعلم سبب تشقّقه وتمرطه وانتثاره في أبواب مخصوصة، فيعرف منها كيفية الاستدلال من الشعر، ونحن نحيل بذلك على ذلك الموضع هرباً من التطويل والتكثير.

فصل في الدلائل المأخوذة من الموافقة والمخالفة وسرعة الانفعالات وبطئها أما العلامات المأخوذة من جنس الموافقة والمخالفة وسرعة الانفعال وبطئه، فإنّ الموافقات والمخالفات لا تخلو إمّا أن تعتبر في حال لا ينكر صاحبها من صحّته التي يحسبه شيئاً أو في حال خروجه عن الصحة وتغير مزاجه عن الطبيعة، فموافقه في حال صحّته التي يحسبه هو الشبيه لمزاجه فمزاجه. يعرف من ذلك ومخالفه في تلك الحالة ضدّ مزاجه. وأما في حال خروجه عن صحته وتغيّر مزاجه عنه فالحكم بالضدّ وقد قلنا فيما سلف من الأقاويل الكليّة أنّ الصحّة ليست في الأبدان كلها على مزاج واحد وأنه يمكن أن تكون صحة بدن عن مزاج يكون مثله مما يجلب مرضاً لبدن آخر، لو كان له ذلك المزاج إلاّ أنه يجب أن يعتبر ما يخالفه في الطرف الآخر أيضاً مقيساً بما يخالفه في هذا الطرف حتى يعلم بالحدس المقدار الذي له من المزاج. فإنّ الإفراطين معاً مخالفان مؤذيان لا محالة، وإنما يوافق صحة ما، من الخارج عن الاعتدال، ما لم يفرط جداً والدماغ الذي به سوء مزاج حار، ينتفع بالنسيم البارد والأطلية الباردة والروائح الباردة طيبة، كانت كالكافوريّة أو الصندليّة والنيلوفريّة ونحوها أو منتنة كالحمئية والطحلبية. وينتفع بالدعة والسكون والذي به سوء مزاج بارد، ينتفع بما يضاد ذلك فينتفع بالهواء الحار والروائح الحارة الطيبة والمنتنة أيضاً المحلِّلة المسخّنة وبالرياضات والحركات، والذي به سوء مزاج يابس يتأذّى بما يستفرغ منه وينتفض عنه. والذي به سوء مزاج رطب ينتفع بما يستفرغ منه وينتفض عنه.

وأما الاستدلال من سرعة انفعالاته مثل أن يسخن سريعاً أو يبرد سريعاً، فالذي يسخن سريعاً يدل على حرارة مزاج على الشريطة المذكورة في الكتاب الكلّي، وكذلك الذي يبرد سريعاً وكذلك الذي يجفّ سريعاً، فقد يكون ذلك لقلّة رطوبته أو لحرارة مزاجه، ولكنّ الفرقان بينهما، أنّ الأوّل يوجد معه سائر علامات يبوسة الدماغ مثل السهر وغيره مما نذكره في باب علامات مزاج الدماغ. وهذا الثاني إما يعرض له اليبوسة في الأحايين عند حركة عنيفة أو حرارة شديدة، أو ما يجري مجراه من أسباب اليبوسة ثم لا يكون له في سائر الأوقات دليل اليبوسة. والذي لحرارة مزاجه، فيكون معه سائر علامات الحرارة في المزاج. والذي يرطب سريعاً فقد يكون لحرارة جوهره، وقد يكون لبرد جوهره وقد يكون لأنّ مزاج جوهره الأصلي رطب وقد يكون لأنّ مزاج جوهره الأصلي يابس، فإن كانت من حرارة كانت هناك علامات الحرارة ثم كان ذلك الترطيب ليس مما يكون دائماً ولكنه عقيب حرارة مفرطة وقعت في الدماغ، فجذبت الرطوبات إليه فملأته، ثم إن بقي المزاج الحار غالباً أعقبه اليبس النفض وإن غلبت الرطوبات عاد الدماغ فصار بارداً رطباً، وإن استويا حدثت في أكثر الأمر العفونة والأمراض العفنة والأورام، لأن هذه الرطوبة ليست بغريزيّة فتتصرف فيها الحرارة الغريزيّة تصرفاً طبيعيّاً، بل إنما تتصرف فيها تصرفاً غريباً وهو العفونة.

وأما إن كان لبرد المزاج لم يكن حدوث الرطوبة دفعةً، بل على الأيام ثم يصير الترطّب ويكون بسرعة وتكون علامات برودة مزاج الدماغ موجودة وإن كان ذلك لرطوبة الدماغ نفسه فتكون السرعة في ذلك لأحد شيئين: إمّا لأن الرطوبة بفعل البرد ويفسد البرد القوة الهاضمة المغيرة لما يصل إلى الدماغ من الغذاء، فيظهر ترطب فماذا حدث ذلك البرد دفعةً، كان الترطب بسرعة بعده دفعة. وإذا حدث مع ذلك سدد في المجاري، عرض أن تحبس الفضول، ثم هذا يكون دائماً ولازماً ليس مما يكون نادراً وكائناً دفعةً دفعةً.
وأمّا الكائن ليبوسة الدماغ، فسببه النشف الذي يقع دفعة إذا وقعت يبوسة، ويكون مع علامات اليبوسة المتقدمة ويكون شبيهاً بما يقع من الحرارة إلا فيما يختلفان فيه من علامات الحرارة وعلامات اليبوسة. فهذه الدلائل المأخوذة من سرعة الانفعال وليس يجب أن يعتبر سرعة الانفعال بحسب ضعف القوى الطبيعية لا سيّما في الترطب، لأن ضعف القوى الطبيعية تابع لأحد هذه الأسباب، وليس كل الموافقات والمخالفات مأخوذة من جهة الكيفيّات، بل قد تؤخذ من جهة الهيئات والحركات كما يرى صاحب العلّة المعروفة بالبيضة، يؤثر الاستلقاء على سائر أوضاع ضجعته.

فصل في الاستدلال الكائن من جهة مقدار الرأس وأمّا التعرُّف الكائن بحسب صغر الرأس وكبره، فيجب أن تعلم أنّ صغر الرأس سببه في الخلقة قلّة المادة، كما أنّ سبب كبره كثرة المادة، أعني المادة النطفيّة المتوزعة في التوزيع الطبيعي للرأس ثم إن كان قلة المادة مع قوة من القوة المصورة الأولى، كان حسن الشكل وكان أقل رداءة من الذي يجمع إلى صغر الرأس رداءة الشكل في الخلقة التي تدلّ ، على ضعف القوّة، على أنه لا يخلو من ردِاءة في هيئة الدماغ وضعف من قواه وضيق لمجال القوى السياسية والطبيعية فيه. ولذلك ما بتّ أصحاب الفراسة القضية، بأنّ هذا الإنسان يكون لجوجاً جباناً سريع الغضب متحيّراً في الأمور.
وقال جالينوس: إنّ صغر الرأس لا يخلو البتة عن دلالة على رداءة هيئة الدماغ، وإن كان كبر الرأس ليس دائم الدلالة على جودة حال الدماغ ما لم يقترن إليه جودة الشكل وغظ العنق وسعة الصدر، فإنها تابعة لعظم الصلب والأضلاع التابعين لعظم النخاع وقوته التابعين لقوّة الدماغ، فإنّ كثرة المادة إذا قارنها قوة من القوّة المصورة كان الرأس على هذه الهيئة.

ومما يؤكد ذلك أن يكون هناك مناسبة لسائر الأعضاء، فإن قارنه ضعف منها كان رديء الشكل ضعيف الرقبة صغير الصلب، أو مؤفّ ما يحيط به.

وينبت عنه على أنّه قد يعرض من زيادة الرأس في العظم، ما ليس بطبيعي مثل الصبيان يعرض لهم انتفاخ الرأس، وتعظمه ما ليس في الطبع بل على سبيل المرض، ويكون السبب فيه كثرة مادة تغلي، وكذلك يعرض أيضاً للكبار في أوجاع الرأس الصعبة وقد يعرض أن يصغر اليافوخ ويلطأ الصدغ عند استعلاء الحمرة على الدماغ، فقد عرفت إذاً دلائل صغر الرأس وكبره. ومن علامات جودة الدماغ أن لا ينفعل من أبخرة الشراب وما سنصفه معها، وينفعل من تلطيفه وحرارته فيزداد ذهنه.

فصل في الاستدلال من شكل الرأس أمّا دلائل شكله، فقد عرفناك في باب عظم القحف أن الشكل الطبيعي للرأس ما هو، والرديء منه ما هو، وأن الرداءة للشكل إذا وقعت في جزء من أجزاء الرأس، أضرت لا محالة بخواص أفعال ذلك الجزء من الدماغ كالذي قد قال جالينوس: إن المسفط والمربّع مذموم دائماً والناتئ الطرفين مذموم إلاّ أن يكون السبب فيه قوّة من القوة المصورة، أي تكون أفرطت في فعلها، ويدلّ على قوة هذه القوة شكل العنق ومقداره والصدر.

فصل في الاستدلال ممّا يحسه الدماغ بلمسه من ثقل الرأس وخفته وحرارته وبرودته وأوجاعه.

وأما الدلائل المأخوذة من ثقل الرأس وخفته، فإن ثقل الرأس دائماً يدلّ على مادة فيه لكن المادة الصفراوية تفعل ثقلاً أقل وإحراقاً أشد. والسوداوية ثقلاً أكثر من ذلك ووسوسة أكثر.

والدموية ثقلاً أشد منهما، وضرباناً ووجعاً في أصول العين لنفوذ الكيموس الحار وحمرة وانتفاخاً في العروق أشدَ. والبلغم ثقلاً أكثر من الجميع ووجعاً أقل من الدموي والصفراوي ونوماً أكثر من السوداوي وبلادة فكر وكسلاً وقلة نشاط.

وأما الدلائل المأخوذة من الحرارة والبرودة أعني ما يلمسه الرأس منهما في نفسه وما يلمسه غيره من خارج، فلا يخفى عليك: أما الحار فدليل على حرارة إن دام فمزاجيّة وإن حدث وآذى فعرضية. وكذلك حكم البارد على قياسه، وكذلك حكم القشف اليابس وعلى قياسه إن لم يكن برد من خارج مخشّن مقشف، وكذلك الرطب إنْ لم يكن حرّ من داخل معرق والأوجاع الأكالة التي تخيل أن في رأس الإنسان دبيباً يأكل، واللذّاعة فإنها تدلّ على مادة حارة، والضربانية على ورم حار. ويؤكد دلالتها لزوم الحمّى، والثقيلة الضاغطة على مادة ثقيلة باردة، والممددة على مادة ريحيّة. والانتقال يؤكد ذلك. والوجع الذي كأنه يطرق بمطرقة، يدل على مثل البيضة والشقيقة المزمنة، والوجع أيضاً يدل بجهته مثل أن الوجع الذي بمشاركة المعدة، يكون على وجه والذي بمشاركة الكبد، على هيئة أخرى كما سنذكره وقد يدل مع ذلك بدوامه، فإنّ الوجع إذا دام في مقدم الرأس ومؤخّره، أنذر بالعلّة المعروفة بقرانيطس.

فصل في الاستدلالات المأخوذة من أحوال أعضاء هي كالفروع للدماغ مثل العين واللسان والوجه ومجاري اللهاة واللوزتين والرقبة والأعصاب.

أما الاستدلال من العين، من جملتها فمن حال عروقها، ومن حال ثقلها وخفتها، من حال لونها في صفرته أو كمودته أو رصاصيته أو حمرته، وحال ملمسها وجميع ذلك يقارب جداً في الدلالة لما يكون في الدماغ نفسه. وقد يستدل بما يسيل منها من الدمع وْالرمص، وما يعرض لها من التغميض والتحديق وأحوال الطرف، ومن الغور والجحوظ والعظم والصغر والآلام والأوجاع، فإن جفاف العين قد يدلّ على يبس الدماغ وسيلان الرمص والدموع إذا لم يكن لعلة في العين نفسها يدلّ على رطوبة مقدم الدماغ، وعظم عروق العين يدل على سخونة الدماغ في الجوهر وسيلان الدمع لغير سبب ظاهر يحلّ في الأمراض الحارة على اشتعال الدماغ وأورامها، وخصوصاً إذا سالت من إحدى العينين، وإذا أخذ يغشي الحدقة رمص كنسج العنكبوت، ثم يجتمع فهو قريب وقت الموت. والعين التي تبقى مفتوحة لا تطرف كما قد يكون في قرانيطس وأحياناً في ليثرغس، ويكون أيضاً في فرانيطس عند انحلال القوّة يدل على آفة عظيمة في الدماغ، والكثيرة الطرف تدل على اشتعال وحرارة وجنون. واللازمة ينظرها موضعاً واحداً وهي المبرسمة، تدل على وسواس ومالنخوليا، وقد يستدل من حركاتها على أوهام الدماغ، من اعتقادات الغضب والغم والخوف والعشق والجحوظ، يدل على الأورام أو امتلاء أوعية الدماغ والصغر والغور، يدل على التحلل الكثير مِن جوهر الدماغ، كما يعرض في السهر والقطرب والعشق. وإن اختلفت هيئاتها في ذلك كما سنفصله في موضعه، وكذلك قد يدل على حمرة الدماغ وقوبا فيه. وأما المأخوذة من حال اللسان، فمثل أن اللسان كثيراً ما يدل بلونه على حال الدماغ، كما يدلّ ببياضة على ليثرغس وبصفرته أولاً، واسوداده ثانياً، على فرانيطس، وكما يدلّ بغلبة الصفرة عليه واخضرار العروق التي تحته على مصروعية صاحبه وليس الاستدلال بلون اللسان، كالاستدلال بلون العين فإنّ ذلك شديد الاختصاص بالدمغ وأما لون اللسان، فقد يستدل به على أحوال المعدة لكنه إذا علم أن في الدماغ آفة، لم يبعد الاستدلال به. وأما المأخوذ من الوجه، فإما من لونه فأنت تعلم دلالة الألوان على الأمزاجة، وإما من سمنه وهزاله، فإن سمنه وحمرته يدل على غلبة الدم وهزاله مع الصفرة يدلّ على غلبة الصفراء وهزاله مع الكمودة، يدل على غلبة اليبس السوداويّ، والتهيّج يدلّ على غلبة الدم، والمائية بعد أن تكون هذه أحوالاً عارضة ليست أصليّة، وبعد أن يعلم أن لا علّة في البدن تغير السحنة إلا في جانب من الدماغ، وأما المأخوذة من حال الرقبة، فإنها إن كانت قويه غليظة، دلت على قوة من قوى الدماغ ووفوره، وإن كانت قصيرة دقيقة فبالضد، وإن كانت مهيأة لقبول خنازير وأورام، فالسبب في ذلك ليس ضعفاً فيها، ولا إذا خلت عن ذلك فالسبب فيه قوّة لها، بل السبب في ذلك ضعف القوة الهاضمة التي في الدماغ، لشيء من أنواع المزاج الذي نذكره، وقوّة من القوة الدافعة فإنّ نواحي العنق، قابلة لما يدفعه الدماغ باللحم الرخو الغددي الذي فيها. وكذلك حال الدلائل المأخوذة من حال اللهاة واللوزتين والأسنان أيضاً، وأمّا المأخوذة من حال الأعضاء العصبانية الباطنة، فذلك من طريق أحكام المشاركة، فإنها من الواجب أن تشارك الدماغ والنخاع، كما إذا دامت الآفات عليها جلبت إلى الدماغ النوع من المرض الذي بها أو ربما أحدث بها ذلك من الدماغ، فالأعصاب إذاً قويت وغلظت وقويت مسالكها التي تتحقق عليها دلت على قوّة الدماغ ودل ضد ذلك على ضدها.

فصل في الاستدلال من المشاركات لأعضاء يشاركها الدماغ ويقرب منها.

إذا كانت الأعضاء المشاركة للدماغ قوية، فالدماغ قوي وإن كانت كثيرة الآفات لا لأسباب ظاهرة تصل إليها، فإن الدماغ ضعيف أو مؤف، وربما كانت تلك الآفات في الأعضاء الأخرى بمشاركة آفة الدماغ مثل ما يتّفق أن لا ينهض المريض لبول، أو براز محتاج إليه لعدم الحس، كما يتفق في ليثرغس وقد السبات السهري ونحوه، أو أثقل الحركة عليه كما فيهما. وفي فرانيطس ومثل العجز عن الازدراد، والغصص والشرق في هذه الأمراض ومثل دلائل النفس فإن النفس قد ينقطع، ويبطل بسبب آفة في الدماغ متعدية إلى الحجاب وأعضاء النفس، وكما أن كبر النفسِ وعظمه أدلّ على صبار أو ضيقه وصغره على السباب السهري والليثرغس وقد يستدل من طريق المشاركات في الأوجاع أيضاً على أحوال الدماغ وعلى النحو المذكور، وقد يستدل من كيفية المشاركة، مثل إنه إن بلغ الوجع أصول العينين في الصداع، دلّ على أن السبب خارج القحف وقد يستدل أيضاً من امتلاء العروق وخلائها ومن لون الجلدة وغير ذلك مما سلف بعضه في خلل أبواب أخرى.

فصل في الاستدلال على العضو الذي يألم الدماغ بمشاركته.

إن أكثر الأعضاء إيذاء للدماغ بالمشاركة هي: المعدة، فيجب أن يستدل على ذلك من حال الشهوة والهضم، وحال الجشاء والقراقر، وحال الفواق والغثيان، وحال الخفقان المعدي.

وينظر في كيفية الاستدلال من هذه على المعدة حيث تكلمنا في المعدة.

ويستدل أيضاً من حال الخواء والامتلاء، فإن مشاركات الدماغ للمعدة وهي ممتلئة أو ذات نفخة، يظهر في حال امتلائها. وأما مشاركته إياها بسبب الحرارة والمرّة الصفراء وأوجاعها التي تكون من ذلك ومن شدّة الحس، فيظهر في حال الخواء، وكثيراً ما يكون الامتلاء سبباً لتعدل المزاج وساداً بين البخار الحار وبين الدماغ. وأخص ما يستدلّ به موضع الوجع في ابتدائه واستقراره، فإن أمراض الدماغ بمشاركة المعدة، قد يدلّ عليها الوجع إذا ابتدأ من اليافوخ، ثم انصبّ إلى ما بين الكتفين، ويشتدّ عند الهضم، وقد يمرض الرأس بمشاركته الكبد، فيكون الميل من الأوجاع إلى اليمين، كما إذا كان بمشاركة الطحال، كان الميل من الأوجاع إلى اليسار، وقد تكثر مشاركة الدماغ للمراق وما يلي الشراسيف، فيكون الوجع مائلاً إلى قدام جداً وقد يشارك الرحم فيكون مع أمراض الرحم. ودلائلها المذكورة في بابه ويقف الوجع حاق اليافوخ وأكثر مشاركات الدماغ للأعضاء يقع بأبخرة تصعد إليه، وطريق صعودها إما ما يلي قدام الشراسيف فيحس أولاً بتمددها إلى فوق وتوتر وضربان في العرق الذي يليها، ويحس ابتداء الألم من قدام. وأما ما يلي ناحية القفا فيحس ابتداء الألم من خلف، وتوتر العروق والشرايين الموضوعة من خلف، ويحس هناك بالضربان، وإذا راعيت أعراض العضو المشارك، فيجب أن لا يكون العرض عرض لذلك العضو في نفسه، بل لسبب مشاركته للدماغ لا مشاركة الدماغ له. فإنك كما تستدلّ من الغثيان على أن العلة الدماغية بشركة المعدة، فلا يبعد أن تغلط فتكون العلة في الدماغ أولاً، وتكون خفيفة وإما يظهر الغثيان في المعدة لمشاركتها للدماغ في علة خفية به، فيجب أن ترجع إلى الأصول التي أعطيناك في الكتاب الأول التي تميز بها الأمراض الأصلية، من أمراض المشاركة.

فصل في دلائل مزاج الدماغ المعتدل.

فالدماغ المعتدل في مزاجه، هو القوي في الأفاعيل الحساسية والسياسية والحركية المعتدل في انتفاض ما ينتفض منه، واحتباسه القوي على مقاومة الأعراض المؤذية أشقر شعر الطفولة نارية، أحمر شعر الترعرع، وإلى السواد عند الاستكمال من الخلقة والنشو، وسط في الجعودة والسبوطة ونباته ومدة شبابه كل في وقته وشبيه غير مستعجل ولا متأخر عن الوقت الطبيعي ولا يسرع إليه الصلع.

فصل في دلائل الأمزجة الواقعة في الجبلة: يرى جالينوس أن الحرارة تولد اختلاط العقل والهذيان، وليلحق بهذا الطيش وسرعة وقوع البداءات وافتتان العزائم وأن البرودة تولد البلادة، وسكون الحركة وليلحق بهذا بطء الفهم وتعذر الفكر والكسل، وأن اليبوسة تفعل السهر ويدل عليها السهر وليشرط في هذا ما لم يكن من الرطوبات البورقية، ولم يكن مع ثقل في الدماغ، ودوام استفراغ الفضول أو غير ذلك من دلائل الرطوبة، فإن الرطوبة المالحة والبورقية بشهادة جالينوس نفسه، تفعل أرقاً كما في المشايخ وأما الرطوبة، فتفعل النوم المستغرق، واشترط مع نفسك الشرط المذكور.

ويرى جالينوس أن الدلالة على أن مزاجاً غالباً بلا مادة، وهو عدم سيلان الفضول مع دلالة سوء المزاج، والدلالة على أنه غالب بمادة سيلان الفضول، ونحن نقول إن لم يكن سد أو ضعف من القوة الدافعة، وعلامة ذلك ما ذكرناه فرغنا عنه، فالدلائل حرارة المزاج للدماغ سرعة نبات الشعر في أول الولادة، أو في البطن وسواده في الابتداء. أو تسوده بعد الشقرة سريعاً، وجعودته وسرعة الصلع وسرعة امتلاء الرأس، وثقله من الأسباب الواقعة مثل الروائح ونحوها، وتأذيه بالروائح الحادة، وقلة استعمال النوم مع خفته وظهور عروق العينين، وذكاء ما سرعة التقلب في الآراء والعزائم، كحال الصبيان، ويدل عليه اللمس وحمرة اللون، ونضج الفضول المنصبة المنتصبة والمنتفضة واعتدالها في القوام بالقياس إلى غيره.

وإما دلائل المزاج البارد، فزيادة نفض الفضول على ما ذكر من الشرط وسبولة الشعر، وقلة سواده وسرعة الشيب، وسرعة الانفعال من الآفات وكثرة النوازل وعروض الزكام لأدنى سبب، وخفاء العروق في العينين، وكثرة النوم، وتكون صورته مثل صورة الناعس، بطيء حركة الأجفان والثبات على العزائم كحال المشايخ.

وأما دلائل المزاج اليابس، فنقاء مجاري الفضول وصفاء الحواس، والقوة على السهر وقوة الشعر وسرعة نباته لدخانية المزاج في السنّ الأوّل، وسرعة الصلع، وجعودة الشعر. وأما دلائل المزاج الرطب، فسبوطة الشعر بوطء النبات منه، وبطء الصلع وكدورة الحواس، وكثرة الفضول والنوازل واستغراق النوم. وأما دلائل المزاج الحار اليابس، فعدم الفضول وصفاء الحواس وقوة السهر، وقلّة النوم، وإسراع نبات الشعر في الأول، وقوته وسواده وجعودته وسرعة الصلع جداً، وحرارة ملمس الرأس وجفوفه مع حمرة بيّنة فيه، وفي العين، وتنقّل في العزائم وعجلة فيها وقوّة الفهم والذكر وسرعة الأفعال النفسية.

وأما دلائل المزاج الحار الرطب، فإنه إن كان ذلك المزاج غير بعيد جداً من الاعتدال، كان اللون حسناً والعروق واضحة والملمس حاراً ليّناً وكون الفضول أكثر وأنضج، والشعر أسبط إلى الشقرة غير سريع الصلع، ويكون التسخّن والترطب سريعين إليه. وأما إن كان بعيداً منه، فيكون مسقاماً قبولاً للنكايات من الحر والبرد، والأمراض العفنية في جوهره سريعاً، وتكون حواس صاحبه ثقيلة كدرة وعيناه ضعيفتان، ولا يصبر عن النوم، ويرى أحلاماً مشوّشة.

وأما دلائل المزاج البارد اليابس، فأن يكون الرأس بارد الملمس، حائل اللون خفي العروق فيه وفي العينين، بطيء نبات الشعر أصهبه رقيقه بطيء الصلع، خصوصاً إن لم يكن يبسه أغلب من برده، ويكون متضرراً بالمبردات على الشرط المذكور وتكون الحواس صافية في الشيبة، فإذا طعن في السن ضعف بسرعة وهرم، وظهر التشنج والتعفن والتقبض في نواحي رأسه، ويكون سريع الشيخوخة وتكون صحته مضطربة، فتارة يكون خفيف الرأس منفتح المسالك، وتارة يكون بالخلاف. وأما المزاج البارد الرطب، فيكون الإنسان فيه كثير النوم مستغرقاً فيه رديء الحواس، كسلان بليداً كثير استفراغ الفضول من الرأس، ويدلّ عليه أيضاً بطء الصلع وسرعة وقوع النوازل، وأما دلائل الأورام وغيرها فسنقوله في التفصيل.

فصل في علامات أمراض الرأس مرضاً مرضاً هذا الباب والذي قبله، كالنتيجة من الأصول التي أعطيناها في الاستدلال على أحوال الرأس، ويجب أن تحفظ هذه الدلائل، فلا يحتاج أن تعاد في كل باب من الأبواب التي نتكلم عليها في أمراض نواحي الرأس، فإنَا إن أعدناها في باب ما، فإنما نعيدها ليكون ذلك معيناً على معرفة كيفية الرجوع إلى هذه القوانين الكلية في أبواب أخرى، قد اقتصرنا فيها على ما يكون أوردناه في ذلك الباب الواحد. وكذلك يجب أن توطن نفسك عليه من الرجوع إلى القوانين الكلية في المعالجات الجزئية للرأس، اللهم إلا فيما لا يكون قد ذكر في الكلّيات، ووجب تخصيص ذكره في الجزئيات.

في علامة سوء المزاج الحار بلا مادة: يدل عليه التهاب مع عدم ثقل وسهر وقلق في الحركات، وتشوّش في التخاييل وإسراع إلى الغضب، وحمرة عين وانتفاع بالمبردات وتقدم المسخّنات. في علامة سوء المزاج البارد بلا مادة: برد يحس مع عدم ثقل وكسل وفتور وبياض لون الوجه، والعين ونقصان في التخيلات، وميل إلى الجبن وانتفاع بالمسخنات، وتضرر بالمبرّدات.

في علامة سوء المزاج اليابس بلا مادة: خفة وتقدم إستفراغات وجفاف الخيشوم، وغلبة سهر.

في علامة سوء المزاج الرطب بلا مادة: كسل وفتور مع قلة ثقل وقلة سيلان ما يسيل، أو اعتداله وإفراط نسيان وغلبة نوم.

في علامة الأمزجة المركبة التي تكون بلا مادة: امتزاج علامتي المزاجين واستدل على غلبة الحر، مع اليبوسة بسهر واختلاط عقل، وعلى غلبة البرد معه بحالة تشبه المرض المعروف بالجمود، وربما تأدت إليه واستدلّ على غلبة الرطوبة مع الحرارة، بغلبة نوم ليس شديد الإسبات وعلى غلبة البرودة مع الرطوبة بالنوم السباتي.

وأضيف إلى ما أوردناه سائر الدلائل المركّبة من دلائل الأفراد، في علامة غلبة المواد: أما الصفراوية فنقل ليس بالمفرط ولذع والتهاب وإحراق شديد ويبس في الخياشيم، وعطش وسهر، وصفرة لون الوجه والعين.

في علامة غلبة المواد الدموية: يدلّ عليها زيادة ثقل، وربما صحبه ضربان، ويكون معه انتفاخ الوجه، والعينين، وحمرة اللون ودرور العروق وسبات.

في علامات المواد الباردة البلغمية: برد محسوس وطول الأذى، وأزماته وقلّة حمرة اللون والوجه والعين، وقلة صفرته مع ثقل محسوس. لكن ذلك الثقل في المادة البلغمية أكثر، ومع كسل وبلادة وسبات ونسيان، ورصاصية اللون في الوجه، والعين واللسان. في علامة المواد السوداوية: يكون الثقل أقلّ، ويكون السهر أكثر ووساوس وفكر فاسدة، وكمودة لون الوجه والعين، وجميع الأعضاء.

في علامة الأورام الحارة: فحمى لازمة وثقل وضربان، ووجع يبلغ أصل العين، وربما جحظت معه العينان، واختلاط عقل وسرعة نبض، فإن كان في نفس الدماغ، كان النبض مائلاً إلى الموجبة وإن كان في الحجب، كان الألم أشد وكان النبض مائلاً إلى المنشارية.

وأما علامات الأورام البلغمية: فنسيان وسبات وكثرة الثقل، ونبض موجي وترهل وتهيج.
وأما علامات الأورام السوداوية: فسهر، ووسواس مع ثقل مخصوص، وصلابة نبض وقد تركنا ما يجب أن نذكر ههنا دلائل ضعف الدماغ وقوّته، وعلامات الخلط الغالب عليه ودلائل أمراضه الخاصية، والتي تكون بالمشاركة تعويلاً على ما أوردناه من ذلك في باب الصداع، فليتأمل من هِناك فإنه مورد هذا الموضع ولينقل منه إلى الأبواب.

فصل في قوانين العلاج إنا إذا أردنا أن نستفرغ مادة، فإن دلت الدلالة على أن معها دماً وافراً وليس في الدم نقصان أي مادة كانت، بدأنا بالفصد من القيفال، ومن عروق الرأس المذكورة في باب الفصد، مثل عروق الجبهة والأنف وعروق ناحية الأذن. ويجب أن يقع فصدها في خلاف جانب الوجع.

فإن كان الأمر عظيماً والدم غالباً، فصدنا الوداج وإنما يميل إلى الفصد، وإن غلبت الأخلاط الأخرى أيضاً فنبدأ به لأن الفصد استفراغ مشترك للأخلاط، فإن كانت المادة دماً فقط، كفى الفصد التام وإن كانت أخلاطاً أخرى، نظرنا فإن كان ذلك بشركة البدن كله استفراغنا البدن كله، ثم فصدنا الرأس وحده واستعملنا الاستفراغات التي تخصه، ولا نقدم عليها البتة إلا بعد استفراغ البدن كله إن كان في البدن خلط، وذلك إن علمنا أن المادة فيه نضجية، وذلك بمشاهدة ما ينجلب إليه، وإن لم يكن رقيقاً جداً أو غليظاً جداً. وإن كان المرض قد وافى المنتهى، وكنا قد تقدمنا بالإنضاج بالمروخات والنطولات، والضمّادات المنضجة استفرغنا من الرأس خاصة بالغرغرة إن لم نخف آفة في الرئة، ولم تكن النوازل المستنزلة بالغرغرة من جنس خلط جاد لاذع، ولم يكن الإنسان قابلاً لأمراض الرئة، وكان يمكنه الاحتراس عن نزول شيء رديء إلى الرئة، وكان حال الرأس أشدّ اهتماماً له من حال الرئة. واستعملنا أيضاً المشمومات المفتحة المعطسة والسعوطات والنطولات لتجذب المواد من الرأس.

وربما ضمدنا الرأس بعد الحلق بأدوية مسهلة لحبس الخلط الذي فيه إذا لم نخف من تلك الضمادات إفساد مزاج، وكنا نثق أن المادة منضجة سهلة الاستفراغ ومع هذا كله، فنتوقى في استفراغ الأخلاط الباردة أن لا نسهل منها الرقيقة، ونحبس الغليظة وسبيل وصولنا إلى هذا الغرض، أن نستفرغ بعد التليين بالملينات المنضجات. وكلما استعملنا استفراغاً، أتبعناه تلييناً ونتوقى في إستفراغات الأخلاط الحادة التي يضطر فيها لا محالة إلى أدوية حارة في بعض الأوقات، مثل الأيارج والسقمونيا، والتربد مع الاسطوخودس أن يبقى بعدها سوء مزاج حار، بل نجتهد في أن لا يبقى بعدها ذلك، وذلك بأن نتدارك الإسهال الكائن بها، والاستفراغ الواقع بالغرغرة، وغير ذلك تداركاً بالضمادات المبردة، وأن نتوقى استعمالها إلا بعد نقة مأخوذة من عادة المريض، إنّ ما يشربه من ذلك يسهله، ويستفرغه حتى لا يكون سقينا إياه سبباً لهلاك أو فساد، فإن كانت الأخلاط غير نضيجة أنضجنا أولاً كلاً بواجبه كما نذكر، وإن كانت الأخلاط متصعدة من جانب أو من البدن كله جذبنا إلى الخلاف مثلاً إن كان من أسافل، أو من البدن كله استعملنا الحقن، والحمولات وعصبنا الأطراف، وخصوصاً الرجل واستفرغنا العضو مثلاً إن كانت المعدة فبأيارج فيقرا أو كان الطحال فيما يخصه، وكذلك كل عضو ودبرنا كلاً بحسب تدبيره الذي يخصه، فهذه قوانين كلية في أمر المواد، وأي مادة استفرغت وحدث بسببها سوء مزاج عالجنا بالضد. ومما تشترك فيه المواد المختلفة في الرأس من الرطوبات على مذهب أصحاب الكي، أن يكون حيث ينتهي إليه السبابة والخنصر، ممسوحاً من طرف الأنف أو حيث ينتهي إليه نصف خيط طوله من الأذن إلى الأذن، وليحلق أولاً الرأس، ولنرجع الآن إلى التفصيل. أما الدم، فإن كان في البدن كله، وكان حصل في الرأس مادة وافرة، فصدت القيفال، وإن كان يعد لم يحصل وهو في الحصول فصحت الأكحل، وإن خفت الحصول قبل أن يأخذ في الحصول، مثل أن يقع سبب جذاب للأخلاط حول الرأس من حر خارجي أو ضربة أو غير ذلك، فصدت الباسليق وإن شئت أن تجذب أكثر من ذلك، فصدت الصافن وحجمت الساق فوق الكعب بشبر، وفصدت عروق الرجل، وإن كان بمشاركة عضو فصدت العرق المشترك لهما، إن أردت أن تستفرغ منهما جميعاً، وكانت المادقارة وإن أردت الجذب إلى ناحية مع استفراغ العضو المشارك، فصحت عرقاً يشارك العضو المتقدم بالعلة، ويقع في خلاف جهة الرأس ثم إذا توجهت نحو الرأس وحده أو كان الدم من أول الأمر وحده فيه، فما كان واقعاً في الحجب الخارجة من القحف على ما سنذكره من الأمراض الجزئية، أو كان الوجع محسوساً بقرب الشؤون وأردت علاجاً خفيفاً فالحجامة عند النقرة، وكان غائراً وكان لا يرجى انجذابه إلى خارج القحف، فصدت عرق الجبهة خاصة إن كان الوجع مؤخراً، وبعد أخذ الدم يتناول المستفرغات المتخذة من الهليلج وعصارات الفواكه، إن بقيت حاجة ويستعمل الحقن وإن كانت العلة صعبة، مثل سكتة دموية مثلاً فصدت من الوداج.

وأما المنضجات: فإن كانت المادة بلغمية، فأمهات الأدوية التي تستعمل في إنضاجها هي ما فيه تلطيف وتقطيع وتحليل، كالمرزنجوش،، وورق الغار، والشيح، والقيسوم، والأذخر، والبابونج، وإكليل الملك، والشبث، والبسفانج، والأفتيمون وهما: أخصّ بالسوداوية، وحاشا وزوفا، والفوذنج والسذاب، والبرنجاسف، وكل مما كتبناه في جداول التحليل، والإنضاج من الأدوية والحارة، وإن كان تحصيل التدبير في البلغمي والسوداوي مختلفاً بما سنذكره.

وهذه الأدوية يجب أن يتصاعد في درجاتها بمقدار المادة، فإن كانت كثيرة الكمية شديدة الكيفية، جعلنا الأدوية الحارة قوية حتى في الدرجة الرابعة، مثل العاقر قرحا، والفربيون، وغير ذلك، اللهم إلا أن يخاف غليان المواد، وذلك إن كانت كثيرة جداً، وخفنا أنها إذا سخنت، إزداد حجمها وأوجب تمدداً مؤلماً، أو ورماً فهنالك يجب أن نبدأ فنستفرغ منها شيئاً، ثم نأخذ في إنضاج الباقي، والأصوب في إنضاج الأخلاط الليّنة الفجة، أن يكون العلاج والتضميد بأدوية معتدلة التسخين، وتستعمل الهدّ والتعصيب لينضج برفق، وإن كانت قليلة الكمّية، أو كانت ضعيفة الكيفية اقتصرنا من التي لا كثير تسخين فيها على اللطيفة في الدرجة الأولى، وإن كانت متوسّطة فعلى المتوسّطة، وإن كانت المادة سوداوية، لم نقتصر على هذه الأدوية حتى لا يزيد في التخفيف. ولا سيما إن كان السوداء غير طبيعي، بل حراقياً، بل يحتاج في إنضاج المادة السوداوية إلى التليين والترطيب، لا محالة ثم يعقب بالمنضجات المحللة اللطيفة التحليل التي في درجة الثانية، والثالثة، والأولى أن يجمع الملينة، والمرطبة مع الحارة المقطّعة المحللة. وأما المادة الحارة، فإنضاجها يجمع قوامها، ويفتح مع ذلك ويقطع وهذه هي المبردات المرطبة التي فيها جلاء وغسل، مثل ماء الشعير، ولبن الماعز الحليب، ويجتنب اللبن من كان به ضعف قوّة مع الصداع والمنضجات التي بهذا الشرط ويستعمل المياه التي طبخ فيها أوراق الخلاف، والبنفسج والنيلوفر، وعصا الراعي، والبقول الباردة كلها المكتوبة في جداولها من الأدوية المفردة مخلوطة بشيء من الخلّ، ليغوِّصها وينفذ قوّتها. فإن كان فيها أدنى غلظ، زيد البابونج، والخطمي وإن كان بصاحب العلة سهر وأراد أن لا يسهر، جعل فيها قشور الخشخاش. وأقول أن الخلّ مشترك لجميع المواد، فإن تبريده يمكن أن يكسر بأدنى شيء ثم يبقى غوصه بالأدوية، وتقطيعه هذا إذا استعمل في المواد الباردة، وأما في إنضاج المواد الحارة، فلا إيثار عليه والأدهان الحارة كلّها المذكورة في القراباذين المتخذة من الرياحين، والزهر، والنبات داخلة في إنضاج الباردة. وإن كانت المواد شديدة البرد، أو كثيرة الكمية، أو عسرة الانحلال، فالأدهان المتّخذة بالصموغ الحارة والأفاويه القوية، ودهن البان، والزنبق، والنرجس، والسوسن، والأقحوان، والغار والمرزنجوش، والناردين، أو زيت قد طبخ فيه سذاب رطب، أو فوذنج رطب، أو شبث رطب أو بابونج رطب، وما أشبهه مما يذكر في القراباذين، والنفط، وأما دهن البلسان فللطفه، يتحلّل بسرعة فلا ينتفع فيه في الأطلية والمروخات انتفاعا كثيراً يليق بقوّته، ونحن نقابل المادة بالاستفراغ، وبالجذب إلى خلاف، وبهما جميعاً والجذب إلى الخلاف هو الجذب إلى اليد والرجل، ويعين عليه دلكها بملح ودهن بنفسج، أو دهن بابونج بحسب المزاج، ومما يستعمل فيما نحن فيه الرياضة التي يحفظ فيها الرأس حتى لا يتحرّك مع البدن، وإنما تحرّك الأسافل وحدها وهي رياضة يكون الإنسان فيها متعلقاً في حبل، أو متدلياً من جدار يتماسك عليه أعالي بدنه ولا يزال يحرّك الرجل، ويتعبها وهذا بعد الاستفراغ وذلك الأطراف وشدّها من فوق إلى أسفل من هذا القبيل، وخصوصاً عند التغذية، وقد يبقى الرأس وحده بالرياضة الخفيفة كالدلك، والغمز حتى المشط، واستعمال الأراجيح من المنقّيات الخاصة، كما يفعل في آخر ليثرغس حسب ما تعلم.

وأما الأمر الجامع للتدبيرين جميعاً فالحقن والحمولات، والمُدرَات والمعرقات بحسب المادة والقوة، وكلها معدَودة في القراباذين.

وأما المسهّلات التي تستفرغ الرأس بشركة البدن، فبحب الأيارج وحبّ القوقايا، وحب أسطوخودوس، وهذه هي أوفق للأخلاط المحترقة التي الغلبة عليها المرار، وفيها مع ذلك غلط بل هي كالمشتركة للمرارية والبلغمية، وأقوى من كله نقيع الصبر المتخذ بماء الهندبا، وخصوصاً الذي هو أقوى منه وهو المكتوب في القراباذين، أو نقيع الأيارج، والقيء بالسكنجبين مع بزر السرمق.

وأما طبيخ الهليلج والإجاص، والشاهترج وشراب الفواكه، وشراب البنفسج وطبيخ الخيار شنبر وما أشبه هذه مقوّاة بالسقمونيا، وغير مقواة بحسب حال البدن، وخلوه عن الحمى، أو كونه فيها. وبحسب السنّ والقوة، وأمثال ذلك في موافقة للأخلاط المرارية الرقيقة، وأما أيارج أركاغانيس وأيارج روفس وأيارج لوغاديا وأيارج جالينوس والحب المتخذ بحجر اللازورد، والخربق على ما نذكره فموافقة للأخلاط الغليظة، والسوداوية، وكذلك كل ما وقع فيه أسطوخودوس، ويصلح لها أيضاً القيء بشرب السكنجبين، وبزر الفجل، وشحم الِحنظل مع سائر الأدوية المخرجة للأخلاط الغليظة اللزجة، مما حددنا وذكرنا، وسائر المركبات المفصّلة في القراباذين على أن لها طبقات الأولى ما كان بأيارج، وتربد وأفتيمون، وغاريقون، وجندباستر وما أشبهه، ثم الحبوب الكبار ثم الأيارجات، ثم الخربقان الأسود للسوداء، والأبيض للبلغم مع حذر وتقية، واللازورد، والحجر الأرمني للسوداء بلا حذر ولا تقية، ويجب أن يبتدأ من الأضعف، ويتدرج حتى يعلم من حال العلة أنها قد انقطعت. وأما المسهلات الرقيقة لتنقية الرأس، فهي: الشبيارات التي يتخذ منها حبّ كبار ليفعل الوزن القليل الفعل الكافي باللبث ولا يضرّ لقلّته تكريره، وينام عليه لئلا يبطل الحركة واليقظة فعله، وكان القانون والعمدة فيها الصبر، والأيارج ثم تقع معها المصطكى لتقوية المعدة، ويقع فيها الهليلج ليمنع البخار الحاد أن تولد منها في المعدة عن الرأس، فإن أريد للأخلاط المرارية استعين فيها بالسقمونيا، وما أشبهه، وربما كان استعمال السقمونيا مع الصبريات المستعملة لسبب تنقية الرأس نفسه، أو المعدة، وإن كان مرض الدماغ بمشاركتها مانعاً لتسخينها المفرط لفضل مكثها وتهييجها المقصر عن تمام التنقية بما يعين على التنقية. وإن أريد المعين في إخراج الأخلاط البلغمية استعين بشحم الحنظل مع الزنجبيل، والتربد والأسطوخودوس.

وإن أريد للأخلاط السوداوية، استعين بالخربق القليل، أو الأفتيمون والبسفايج، وما أشبهه وهي حبوب كثيرة بنسخ مختلفة تجدها في القراباذين، ويعرف منافعها واختيارها هناك.

وأما المنقّيات الخاصة بالرأس، فمن ذلك الغرغرات وكان المرِّي مستعمل في جميعها، فإن كانت الأخلاط مرارية صرفة لم تستعمل في تنقيتها الغرغرة، خوفاً من نزولها إلى الصدر، وقد اكتسبت فضل حدة من الأدوية المنقّية الحادة، فإن المطلقة للصفراء برفق ولطف واعتدال مزاج، لا تؤثر في الغرغرة أثراً كبيراً، فإن كان شيء من ذلك نافعاً فالسكنجبين البزوري مع الهندبا وحده، والسكنجبين العنصلي المتّخذ بالسقمونيا، وماء اللبلاب وماء الإجاص، وشراب البنفسج، والتمر هندي، مع قليل سقمونيا وما يجري هذا المجرى.

وأما إن كانت الأخلاط مرارية مع غلظ: فالغرغرة تكون بالمرّي والصبر، أو بالأيارج أو السكنجبين البزوري، والعنصلي مع الأيارج ولك أن تقوِّي ذلك بالسقمونيا، وقليل تربد، ولا نزيد على هذا.

وأما إن كانت الأخلاط الغليظة بلغمية، فزد عليها شحم الحنظل، والزنجبيل والأسطوخودوس، والتربد، وأيارج أركاغانيس ويوسطوس، وربما احتجت إلى أن تستعمل معها الخردل، والعاقر قرحا، والفلفل مع المصطكى تزيد بذلك تقوية فعل الدواء إذا كانت الأخلاط شديدة القوة، وكذلك ربما مضغت العاقر قرحا والفلفل، والزنجبيل، والوج حتى الميويزج، وما أشبهها وقد يخلط بها الملطّفات مثل الزوفا، والدار صيني والسليخة، والصعتر وقشور أصل الكبر، والفودنج وما يجري مجراها.

وأما العطوسات، فللأخلاط المرارية مثل بخار الخل المذاب فيه قليل سقمونيا، وشمِّ الفقاع الحامض الحاد، وللبلغمية الكندس، والفلفل والبصل والثوم، والحرف والخردل، والبزور الحادة وما جرى مجراها، وقد يتّخذ من هذه الأدوية ضمّادات، ويتّخذ منها أطلية على الأصداغ. وأما السعوطات فمنها ما يراد به التبريد والترطيب، ومنها ما يراد به التحليل، ومنها ما يراد به التقوية، وإذا استعملت السعوطات المحللة القوية، فتدرج في استعمالها. واستعملها أول مرة بدهن الورد، أو باللبن أو بما يجري مجراهما، وفي المرة الثانية، بعصارة السلق، ونحوها وفي المرة الثالثة بماء المرزنجوش، ونحوه فإن كان مبدأ المادة والبخارات، إنما هو من المعدة، فتأمل جوهر الخلط الحاصل في المعدة، وتعرفه بما تعلم في باب أمراض المعدة واستفرغه.

وأما إذا كانت المادة الرأسية بخارات ورياح محتقنة: فيجب أن تحتلها بماء طبخ، فيه الشيح والأفتيمون والحاشا والأدوية المذكورة في أبوابه، وتقطر أيضاً دهن الياسمين، والمرزنجوش، والغار في الأذن، وأما إذا أردت أن تقوي جرم الدماغ، وتمنع الأخلاط المرارية عن الصعود إليه من المعدة، وما يليها فيجب أن تطعمه الفواكه الحامضة، وخاصة الرمان الحامض، والتفاح والكمثري، والحصرم وخصوصاً بعد الطعام.

وأما معالجتك السدد فبالنطولات المفتحة دائماً، ويجب أن يكن سكبها وسكب كل نطول يستعمل في كل غرض سكباً من مكان علو ليكون غوص قوتها أكثر، والرأس منتصب ليقع على اليافوخ فوق مؤخر الرأس، والعظام الصلية ويكون أيضاً بالمضوغات، وحبوب الشبيار والأدهان المحللة.

وإن كان سبب الألم رياحاً، في المعدة نقيت، ثم أعطيت دهن اللوز الحلو والمر بماء طبيخ الأصول، والحلبة والقردمانا وما أشبهه، وأعطيت دهن الخروع مع نقيع الصبر. وأما معالجتك للأورام الحارة: فيجب أن يبتدأ فيها أولاً بما يدفع من المبردات المذكورة، مخلوطة بالخل وماء الورد إلا أن يكون هناك وجع شديد، وحينئذ فاجتنب الخلّ، وينفع فيها استعمال دهن الورد مبرداً مقداراً صالحاً غير مفرط مضروباً بالخل الكثير، أو القليل في الجبهة والرأس، وماء عنب الثعلب، والقرنفل، والزعفران، والصندل، وشياف ماميثا والطين الأرمني، والعدس المقشر ونحو ذلك، ومياه قد طبخت فيها القوابض الباردة، ومن الحارة القابضة القوية، ما فيها تركيب أيضاً في مزاجها بالبرد كالأثل، واجتنب الأدوية الشديدة البرد المتخذة من مثل الخشخاش، والأفيون وغير ذلك، إلا عند حاجة شديدة ووجع شديد، والبابونج قد يكسر قوة المخدرات في الأنطلة، والقيء مما لا ينتفع به في معالجات أمراض الرأس، إلا أن يكون بمشاركة مادة في المعدة، أصلح وجوه دفعها القيء قال جالينوس: ليس حال الصداع في شدة الحاجة إلى المخدرات، حال القولنج فإن وجع القولنج، قد يبلغ أن يقتل، ولا كذلك الصداع في كثر الأمر فإن كانت المواد شديدة الحدة، استعملت ماء الفواكه المذكورة، ثم تشتغل بالمنضجات المذكورة للمواد الحادة، ثم تستعمل ما فيه أدنى تحليل مثل مياه قد طبخ فيها الكشك، وأصول الآس، ومن الأدهاندهن البابونج الطري وحده، أو مخلوطاً بدهن الورد بحسب حدة المرض وقوام المادة، وقرب العهد من المبتدي وبعده، ثم مياه قد طبخ فيها أصول الكِرَفس والرازيانج، وبزورهما، والنخالة، والحلبة، والخطمي، وإكليل الملك والأقحوان الأبيض، ومن الأدهان دهن الشبث، ونحوه أيضاً حتى ينتهي فيحلل حينئذ. وأيضاً ضمادات متخذة من هذه وأما الاستفراغات الواجبة، فتتقدم بها بحسب المادة، ويستعمل في تغذية صاحب الورم الصفراوي خاصة الأغذية الخفيفة الرطبة.

وأما الأورام الباردة، فيبدأ فيها أولاً كما في غيرها بالاستفراغ، ويستعمل فيها ما يقع فيه دهن الخروع، ودهن اللوز المر والفيقرا ونحو ذلك من أصناف الأشربة المعروفة. بمياه الأصول، ويقتصر من الرادعات في ابتدائه على دهن الورد، ويخلط بها الملطفات كالحاشا، والفودنج، والجندبيدستر خاصة، ثم يستحمل العنصل وخلّه ضماداً أو غرغرةً إن أمكن ذلك، وربما سقوا من الجندبيدستر ثلثي مثقال وخصوصاً لأصحاب ليثرغس، ثم يستعمل المنضجات التي فيها إرخاء، وقليل تحليل مما ذكرناه، ثم بعد ذلك وعند الانتهاء، فيستعمل في جميع الباردة والحارة المرخيات، ويكون المستعمل في الباردة المرخيات التامة والمحللات القوية من المياه والضمادات والأدهان. واعلم أن جميع من يشكو علة مادية في رأسه، فإنه يتضرر بالخمر، وبالإبطاء في الحمام، وجميع من به مرض في حجب الدماغ، فإنه يتضرر بالماء البارد جداً.

وأما معالجات سوء المزاج الحار وحده: فما فيه تبريد من البقول والأدهان الباردة المبردة، كدهن الورد، والخلاف، والنيلوفر، والبنفسج وخير ذلك كه دهن الورد، ودهن حب القرع، ودهن بزر الخس، ودهن بزر الخشخاش، وربما استعملوا دهن بزر البنج عند شدة الوجع، وخير هذه الأدهان، ما أصله زيت معتصر من زيتون إلى الفجاجة غير مملح، وقد أكثر ورق ما يربى فيه وكان طرياً. وأما البقول الباردة، وما يجري مجراها فأنت تعرفها كلها وهي: مثل الخس، والبقلة الحمقاء، وجرادة القرع، وما يشبه ذلك وأيضاً ورق الخلاف، وورق النيلوفر، وعنب الثعلب، وعصا الراعي، وحيّ العالم، أو ماء الخيار، والقرع وسويق الشعير مع الخلّ، وماء الورد والكافور، والصندل، وأقاقيا، واللخلخة بدهن الورد، والخلّ ولا يتجاوز ذلك إلى ما فيه تخدير وإجماد للروح، إلا لضرورة شديدة. وقالوا: ولا يجب أن يكون الخلّ شديد الحدّة، والخمرية فإن فيه ضرراً ومن ذلك لعاب بزر القطونا بالخل، وماء الكزبرة وأوراقه، ويجب أن يجنب هذه الأضمدة والأطلية مؤخّر الدماغ الذي هو منشأ العصب، فإن هذه الأشياء إنما تنفع الدماغ من طريق الشأن الذي في اليافوخ، والشأن الأكليلي، وأما من طريق الخلف، فلا يصل إلى صميم الدماغ وتفسد منابت الأعصاب. أيضاً مما يعالجون به أن يتشمّموا الروائح الباردة، ويسعطوا بمثل هذه الأدهان والعصارات، ويجعل الأغذية من العدس والمحّ، أعني الماش والكشك، والأسفاناخ، والقطف، والطفشيل، وما أشبه ذلك، ويفرش هذه البقول والأوراق في مسكنه، حتى يكون في بيت بارد مفروشاً فيه الأغصان المبرّدة، وقد أمر أن يكون فيها ماء الشاهسفرم، فاغية الحنّاء، وأظن إن الأصوب أن يكون القرب منه من الشاهسفرم مرشوشاً بالماء البارد، وكذلك ينفعه تقريب الفواكه الباردة، والجمد أو المياه الغزيرة، فإن لم يجد مع الحرارة يبوسة بل رطوبة بلا مادة، وهذا قليل جداً في أمراض الدماغ، فاجعل الأطلية من مياه الفواكه التي فيها قبض كما ذكرنا، ولا سيما في ابتداء الأورام الحارة، وجميع هؤلاء يجب أن يمنعوا الحركات النفسانية الباطنة، وترديد الحدقة في الملامح، ويجنبوا النظر في التباريق، والتراويق وكذلك يخفّف على أسماعهم.

وأما إن كان سوء المزاج بارداً، فاستعمل الضمّادات والمياه المتخذة من الأدوية الحارة المذكورة، والأدهان المذكورة، خاصةً دهن السذاب المسخن، وإن احتيج فيه إلى زيادة تقوية، خلط به فربيون، كذلك دهن الغار والمرزنجوش، ونحوها وإن كان مع ذلك سوداوياً، وكان سوداء طبيعياً أو بلغمياً، فسخّنه مع ترطيب.

وأما إن كان إحتراقياً، فاجتنب كل ما يجفّف أو يسخن، واقتصر على المرطبات من الألبان، والأدهان، والنطولات، والأضمدة والأغذية.

فإن كان مع البرد يبس جمعت أيضاً بين الترطيب والتسخين.

وإن كان مع البرد رطوبة، استعملتَ المفرغات المذكورة، والأدوية التي فيها نشف مع الحرارة، مما ذكر لك في الجداول. ويجب أن تعلم أن السيالات تستعمل على الرأس قطراً على ما ذكرنا، وتستعمل حبساً في محبس من عجين أو صوف مبلول، يكلّل به الرأس ويكون مصبّها مما يلي المقدم من اليافوخ، وما كان منها ليّناً فيجب أن لا يترك عليه اللطخ منه، بل يغسل ولا يحبس نفسه في المحبس الإكليلي مدّة كثيرة، بل يجدد فإنه سريع التعفّن، وأجود ذلك أن يستعمل بعد الحلق، وكذلك جميع الضمّادات والمروخات، وإذا غذوت أصحاب أمراض الرأس المادية، فادلك الأطراف، وجفف جانب الرأس، وقوِّه بالرادعات، ثم أغذه حسب ما ترى من كمية المادة وكيفيتها، وقس على ذلك نظائره.