الكتاب الثالث: الأمراض الجزئية - الفن الثالث: تشريح العين

الفن الثالث

تشريح العين

وأحوالها وأمراضها وهو أربعة مقالات:

المقالة الأولى
أحوال العين والرمد

فصل في تشريح العين: فنقول: قوّة الإبصار ومادة الروح الباصر، تنفذ إلى العين من طريق العصبتين المجوّفتين اللتين عرفتهما في التشريح، وإذا انحدرت العصبة والأغشية التي تصحبها إلى الحجاج اتّسع طرف كل واحد منهما، وامتلأ، وانبسط اتساعاً يحيط بالرطوبات التي في الدقّة التي أوسطها الجليدية، وهي رطوبة صافية، كالبرد والجليد، مستديرة، ينقص تفرطحها من قدّامها استدارتها، وقد فرطحت ليكون المتشنج فيها أوفر مقداراً، ويكون للصغار من المرئيات قسم بالغ تتشنّج فيه، ولذلك فإن مؤخرها يستدقّ يسيراً ليحسن انطباقها في الأجسام الملتقمة لها، المستعرضة، المستوسعة عن دقة، ليحسن التقامها إياها، وجعلت هذه الرطوبة في الوسط، لأنه أولى الأماكن بالحرز، وجعل وراءها رطوبة أخرى تأتيها من الدماغ لتغذوها، فإن بينها وبين الدم الصرف تدريجاً. وهذه الرطوبة تشبه الزجاج الذائب، ولون الزجاج الذائب صفاء يضرب إلى قليل حمرة. أما الصفاء، فلأنها تغذو الصافي، وأما قليل حمرة، فلأنها من جوهر الدم ولم يستحل إلى مشابهة ما يغتذي به تمام الاستحالة، وإنما أخرت هذه الرطوبة عنها لأنها من بعث الدماغ إليها يتوسط الشبكي، فيجب أن تلي جهته، وهذه الرطوبة تعلو النصف المؤخر من الجليدية إلى أعظم دائرة فيها، وقدامها رطوبة أخرى تشبه بياض البيض، وتسمى بيضية، وهي كالفضل عن جوهر الجليدية، وفضل الصافي صافٍ، ورضعت من قدام لسبب متقدم، ولسبب كالتمام.

والسبب المتقدم هو أن جهة الفضل مقابلة لجهة الغذاء، والسبب التمامي هو أن يدرج حمل الضوء على الجليدية ويكون كالجنة لها، ثم أن طرف العصبة يحتوي على الزجاجية والجليدية إلى الحد الذي بين الجليدية والبيضية، والحد الذي ينتهي عنده الزجاجية عند الإكليل احتواء الشبكة على الصيد، فلذلك تسمى شبكتة، وينبت من طرفها نسج عنكبوتي يتولد منه صفاق لطيف، تنفذ معه خياطات من الجزء المسمى الذي سنذكره، وذلك الصفاق حاجز بين الجليدية وبين البيضية ليكون بين اللطيف والكثيف حاجز ما، وليأتيه غذاء من أمامه نافذ إليه من الشبكي والمشيمي، وإنما كان رقيقاً كنسج العنكبوت، لأنه لو كان كثيفاً قائماً في وجه الجليدية، لم يبعد أن يعرض منه لاستحالته أن يحجب الضوء عن الجليدية من طريق البيضيّة، وأما طرف الغشاء الرقيق، فإنه يمتلئ وينتسج عروقاً كالمشيمة، لأنه منفذ الغذاء بالحقيقة، وليس يحتاج إلى أن يكون جميع أجزائه مهيأة للمنفعة الغذائية، بل الجزء المؤخر، ويسمى مشيمياً. وأما ما جاوز ذلك الحدّ إلى قدام، فيثخن صفاقاً إلى الغلظ ما هو، ذا لون أسمانجوني بين البياض والسواد، ليجمع البصر وليعدل الضوء فعل إطباقنا البصر عند الكلال التجاء إلى الظلمة، أو إلى التركيب من الظلمة والضوء، وليحول بين الرطوبات، وبين القرني الشديد الصلابة، ويقف كالمتوسط العدل، وليغذو القرنية بما يتأذى إليه من المشيمية، ولا يتم إحاطته من قدامه لئلا يمنع تأدي الأشباح، بل يخلي قدامه فرجة، وثقبة كما يبقى من العنب عند نزع ثفروقه عنه، وفي تلك الثقبة تقع التأدية، إذا انسدت منع الإبصار، وفي باطن هذه الطبقة العنبية خمل حيث يلاقي الجليدية ليكون أشبه بالمتخلخل اللين، وليقل أذى مماسِّتِهِ.

وأصلب أجزائه مقدمه حيث تلاقي الطبقة القرنية الصلبة، وحيث يتثقب ليكون ما يحيط بالثقبة أصلب، والثقبة مملوءة رطوبة للمنفعة المذكورة، وروحاً يدل عليه ضمور ما يوازي الثقبة عند قرب الموت. أما الحجاب الثاني، فإنه صفيق جداً ليحسن الضبط، ويسمى مؤخره طبقة صلبة وصفيقة، ومقدّمه يحيط بجميع الحدقة وتشف، لئلا تمنع الإبصار، فيكون ذلك في لون القرن المرقق بالنحت والجرد، ويسمى لذلك قرنية. وأضعف أجزائه ما يلي قدّام، وهي بالحقيقة كالمؤلفة من طبقات رقاق أربعة، كالقشور المتراكبة، إن انقشرت منها واحدة لم تعم الآفة. وقول قوم: إنها ثلاث طبقات، ومنها ما يحاذي الثقبة لأن ذلك الموضع إلى الستر والوقاية أحوج، وأما الثالث فيختلط بعضل حركة الحدقة، ويمتلئ كله لحماً أبيض دسماً، ليليّن العين والجفن، ويمنعها أن تجف، وتسمى جملته الملتحم، فأما العضل المحركة للمقلة، فقد ذكرناها في التشريح، وأما الهدب، فقد خلق لدفع ما يطير إلى العين وينحدر إليها من الرأس، ولتعديل الضوء بسواده، إذ السواد يجمع نور البصر، وجعل مغرسه غشاء يشبه الغضروف، ليحسن انتصابها عليه، فلا يضطجع لضعف المغرس، وليكونا للعضلة الفاتحة للعين مستنداً كالعظم يحسن تحريكه.

وأجزاء الجفن جلد، ثم أحد طاقي العشاء، ثم شحمه، ثم عضله، ثم الطاق الآخر، وهذا هو الأعلى. وأما الأسفل، فينعقد من الأجزاء العضلية، والموضع الذي في شقه خطر هو ما يلي موقه عند مبدأ العضلة.

فصل في تعرّف أحوال العين وأمزجتها والقول الكلي في أمراضها: يتعرف ذلك من ملمسها، ومن حركتها، وعن عروقها، ومن لونها، ومن شكلها، ومن قدرها، ومن فعلها الخاص، وحال ما يسيل منها، وحال انفعالاتها. فأما تعرف ذلك من ملمسها، فأن يصيبها اللمس حارة، أو باردة، أو صلبة يابسة، أو لينة رطبة. وأما تعرف ذلك من حركتها، فأن تتأمل هل حركتها خفيفة، فتمد على حرارة أو على يبوسة، كما يفصل ذلك ملمسها، أم ثقيلة فتدل على برد ورطوبة. وأما تعرف ذلك من عروقها، فأن تتعرف هل هي غليظة واسعة، فيدل ذلك على حرارتها، أم دقيقة خفية، فيدل ذلك على برودتها، وأن تتعرف هل هي خالية، فيدل ذلك على يبوستها، أم ممتلئة، فيمل ذلك على كثرة المادة فيها. وأما تعرف ذلك من لونها فإن كل لون يحل على الخلط الغالب المناسب، أعني الأحمر والأصفر والرصاصي والكمد.

وأما تعرف ذلك من شكلها، فإن حسن شكلها، يدل على قوتها في الخلقة، وسوء شكلها على ضد ذلك. وأما حال عظمها وصغرها فعلى حسب ما قيل في الرأس وأما تعرّف ذلك من فعلها الخاص، فإنها إن كانت تبصر الخفي من بعيد ومن قريب معاً، ولا تتأذى بما يرد عليها من المبصرات القوية، فهي قوية المزاج معتدلة، وإن كانت ضعيفة الإبصار، وعلى خلاف ذلك، ففي مزاجها أو خلقتها فساد وإن كانت لا تقصر في إدراك القريب وإن دق وتقصر في إدراك البعيد، فروحها صافٍ صحيح قليل، تدعي الأطباء أنه لا يفي للانتشار خارجاً لرقته، ويعنون بذلك الشعاع الذي يعتقدون أنه من جملة الروح، وأنه يخرج، فيلاقي المبصر وإن كانت لا تقصر في إدراك البعيد، فإن أدنى منها الدقيق لم تبصر، وإن نحي عنها إلى قدر من البعد أبصرته، فروحها كبير كدر غير صاف، لطيف، بل رطب، ومزاجها رطب، تدّعي الأطباء أنه لا يرقّ، ولا يصفو إلا بالحركة المتباعدة. وإذا أمعن الشعاع في الحركة رق ولطف، وإن كانت تضعف في الحالين، فروحها قليل كدر، وأما تعرف ذلك من حال ما يسيل منها، فإنها إن كانت جافة لا ترمص البتة، فهي يابسة، وإن كانت ترمص بإفراط، فهي رطبة جداً.

وأما من حال انفعالاتها، فإنها إن كانت تتأذى من الحر، وتتشفى بالبرد، فبها سوء مزاج حار، وإن كانت بالضد فبالضد. واعلم أن الوسط في كل واحد من هذه الأنواع معتدل، إلا المفرط في جودة الإبصار فهو المعتدل.

والعين يعرض لها جميع أنواع الأمراض المادية، والساذجة، والتركيبية الآلية والمشتركة. وللعين في أحوالها التي تعرض لها من هيئة الطرف، والتغميض، والتفتيح، واللون، والدمعة، أحكام متعلقة بالأمراض الحادّة، يجب أن تطلب منها. وأمراض العينين قد تكون خاصة، وقد تكون بالمشاركة. وأقرب ما تشاركه، الدماغ والرأس، والحجب الخارجة والداخلة، ثم المعدة. وكل مرض يعرض للعين بمشاركة الحجاب الخارج، فهو أسلم مما كان بخلافه.

فصل في علامات أحوال العين: علامات كون مرض العين بشركة الدماغ أن يكون في الدماغ بعض دلائل آفاته المذكورة، فإن كان الواسطة الحجب الباطنة، ترى الوجع والألم يبتدئ من غور العين، وإن كانت المادة حارة، وجدت عطاساً وحكةً في الأنف، وإن كانت باردة، أحسست بسيلان بارد. وقلما تكون هذه المشاركة بسوء مزاج مفرد، وإن كانت المشاركة مع الحجب الخارجة وكانت المادة تتوجّه منها، أحس بتمدد يبتدئ في الجبهة والعروق الخارجة. وتظهر المضرة فيما يلي الجفن أكثر، وإن كانت بمشاركة المعدة كانت العلامات المذكورة في باب مشاركة الدماغ للمعدة، وإن كان هناك خيالات بسبب المعدة، قلت في الخواء، وكثرت في الامتلاء.

وأما علامات المرض المادي من حيث هو في نفس العين، فان الدموي يدل عليه الثقل، والحمرة، والدمع، والانتفاخ، ودرور العروق، وضربان الصدغين، والالتزاق، والرمص، وحرارة الملمس، وخصوصاً إذا اقترن به علامات دموية الرأس.

وأما البلغمي، فيدل عليه ثقل شديد، وحمرة خفية مع رصاصية ما والتصاق، ورمص، وتهتج، وقلة دموع. وأما الصفراوي، فيدل عليه النخس والالتهاب مع حمرة إلى صفرة، ليست كحمرة الدموي، ورقة دمع حاد، وقلة الالتصاق. وأما المزاجات الساذجة، فيمل عليها الثقل مع الجفاف، ومع وجود دلائل ذكرناها في باب التعرف. وأما الأمراض الآلية والمشتركة، فيأتي لكل واحد منها باب.

فصل قي قوانين كلية في معالجات العين: معالجات العين مقابلة لأمراض العين، ولما كانت الأمراض إما مزاجية مادية، وإما مزاجية ساذجة، وإما تركيبية، وإما تفرق اتصال، فعلاج العين، إما استفراغ ويدخل فيه تدبير الأورام، وإما تبديل مزاج، وإما إصلاح هيئة، كما في الجحوظ، وإما إدمال وإلحام، والعين تستفرغ المواد عنها، إما على سبيل الصرف عنها، وإما على سبيل التحليب منها. والصرف عنها هو أولاً من البدن إن كان ممتلئاً، ثم من الدماغ بما عرفت من منقيات الدماغ، ثم النقل عنها من طريق الأنف، ومن العروق القريبة من العين مثل عرقي المأقين. وأما التحليب منها، فيكون بالأدوية المدمعة. وأما تبديل المزاج، فيقع بأدوية خاصية أيضاً.

وأما تفرق الاتصال الواقع فيها، فيعالج بالأدوية التي لها تجفيف غير كثير، وبعيد من اللذع وأنت ستطلع على هذه الأدوية من كلامنا في الرمد وسائر علل العين.

ويجب أن تعلم أن الأمراض المادية في العين يجب أن يستعمل فيها تقليل الغذاء وتناول ما يولد الخلط المحمود، واجتناب كل مبخر وكل ما يسوء هضمه، وإذا كانت المادة منبعثة من عضو قصدت فصد ذلك العضو، وإذا كانت المادة تتوجه من الحجاب الخارج، استعملت الحجامة، واستعملت الرواح على الجبهة، ومن جملتها قشر البطيخ للحارة، والقلقديس للباردة، والعروق التي تفصد للعين، هي مثل القيفال، ثم العروق التي في نواحي الرأس، فما كان من قدّام، كان أنفع في النقل من الموضع، وما كان من خلف كان أنفع في الجذب.

واعلم أن ما يحدث في العين من المواد، ويحتاج إلى نقله عنها إلى عضو آخر، فأصوب ما ينقل إليه هو المنخران، وذلك إذا لم تكن في فريق الانصباب إلى العين. وهذا النقل إنما هو بالعطوسات والنشوقات المذكورة في مواضع أخر، حيث ذكرنا تدبير أوجاع الرأس. وأدوية العين منها مبدلات للمزاج، إما مبردة مثل عصارات عنب الثعلب وعصا الراعي، وهو البطباط، وماء الهندبا، وماء الخس، وماء الورد وعصارته، ولعاب بزر قطونا، ومنها مسخنات مثل المسك والفلفل، والوج والماميران ونحوها، ومنها مجففات مثل التوتيا والأثمد والإقليميا، ومن جملتها مقبضات، مثل شياف ماميثا، والصبر، والفيلزهرج، والزعفران، والورد، ومنها ملينات مثل اللبن، وحكاك اللوز، وبياض البيض، واللعاب، ومنها منضجّات مثل العروق، وماء الخلبة، والزعفران، والميبختج، وخصوصاً منقوعاً فيه الخبز، ومنها محلّلات مثل الأنزروت، وماء الرازيانج، ومنها مخدرات مثل عصارة اللفّاح، والخشخاش والأفيون. واعلم أنه إذا كان مع علل العين صُداع، فابدأ في العلاج بالصداع، ولا تعالج العين قبل أن تزيله، وإذا لم يغن الاستفراغ والتنقية والتدبير الصائب، فاعلم أن في العين مزاجاً بارداً، أو مادة خبيثة لحجة في الطبقات تفسد الغذاء النافذ إليها، أو هناك ضعف في الدماغ، وفي موضع آخر تنقذف منه النوازل إلى العين، فاعلم هذه الأشياء.

فصل في حفظ صحة العين وذكر ما يضرّها: يجب على من يعتني بحفظ صحة العين أن يوقيها الغبار، والدخان، والأهوية الخارجة عن الاعتدال في الحر والبرد، والرياح المفججة والباردة، والسمومية، ولا يديم التحديق إلى الشيء الواحد لا يعدوه. ومما يجب أن يتقيه حقّ الاتقاء كثرة البكاء، ويجب أن يقل النظر في الدقيق إلا أحياناً على سبيل الرياضة، ولا يطيل نومه على القفا، وليعلم أن الاستكثار من الجماع أضرّ شيء بالعين، وكذلك الاستكثار من السكر والتملؤ من الطعام، والنوم على الامتلاء، وجميع الأغذية والأشربة الغليظة، وجميع المبخّرات إلى الرأس، ومن جملتها كل ما له حرافة، مثل الكرّاث، والحندقوقي، وجميع ما يجفّف بإفراط، ومن جملته الملح الكثير، وجميع ما يتولد منه بخار كثير، مثل الكرنب والعدس، وجميع ما ذكر في ألواح الأدوية المفردة ونسب إلى أنه ضارّ بالعين. وليعلم أن كل واحد من كثرة النوم، والسهر شديد المضرّة بالعين، وأوفقه المعتدل من كل واحد منهما. وأما الأشياء التي ينفع استعمالها العين، ويحفظ قوتها، فالأشياء المتخذة من الإثمد، والتوبا مثل أصناف التوتيا المرباة بماء المرزنجوش، وماء الرازيانج. والاكتحال كل وقت بماء الرازيانج عجيب عظيم النفع، وبرود الرمان الحلو عجيب نفعه أيضاً، وأيضاً البرود المتخذ من ماء الرمانين معتصراً بشحمهما، منضجين في التنور مع العسل كما ستقف عليه في موضعه. ومما يجلو العين ويحدها الغوص في الماء الصافي وفتح العين في داخله.

وأما الأمور الضارة بالبصر، فمنها أفعال وحركات، ومنها أغذية، ومنها حال التصرّف في الأغذية فأما الأفعال والحركات فمثل جميع ما يجفف، مثل الجماع الكثير وطول النظر إلى المضيئات، وقراءة الدقيق قراءة بإفراط، فإن التوسّط فيها نافع، وكذلك الأعمال الدقيقة والنوم على الامتلاء في العشاء، بل يجب على من به ضعف في البصر أن يصبر حتى ينهضم، ثم ينام، وكل امتلاء يضره، وكل ما يجفف الطبيعة يضرُّه، وكل ما يعكر الدم من الأشياء المالحة والحريفة وغيرها يضرّه، والسكر يضره، وأما القيء، فينفعه من حيث ينقي المعدة، ويضرّه من حيث يحرك مواد الدماغ، فيدفعها إليه، وإن كان لا بد، فينبغي أن يكون بعد الطعام وبرفق، والاستحمام ضار، والنوم المفرط ضار، والبكاء الكثير وكثرة الفصد، وخصوصاً الحجامة المتوالية ضارة. وأما الأغذية فالمالحة، والحريفة والمبخرة وما يؤذي فم المعدة، والكراث، والبصل، والثوم، والبافرو أكلاً، والزيتون النضيج، والشبث والكرنب، والعدس.

وأما التصرّف في الأغذية، فأن يتناولها بحيث يفسد هضمها ويكثر بخارها جمل ما بين في موضعه، وقد وقفت عليه، وتقف عليه في مقالات هذا الكتاب الثالث.

فصل في الرمد والتكدر: الرمد منه شيء حقيقي، ومنه شيء يشبهه، ويسمى التكدر، والتخثر. والخثر وهو يسخن، ويرطب، يعرض من أسباب خارجة تثيرها وتحمّرها، مثل الشمس، والصداع الإحتراقي، وحُمى يوم الاحتراقية،. والغبار، والدخان، والبرد في الأحيان لتقبيضه، والضربة لتهييجهما، والريح العاصفة بصفقها. وكلّ ذلك إثارة خفيفة تصحب السبب، ولا ترتث بعده ريثاً يعتدّ به، ولو أنه لم يعالج لزال مع زوال السبب في آخر الأمر، ويسمى باليونانية طارطسيس، فإن عاونه سبب بدني أو بادئ معاضد للبادئ الأول، أمكن حينئذ أن يستفحل، وينتقل ورماً ظاهراً حقيقياً انتقال حمّيات اليوم إلى حميات أخرى، وإذا انتقل، فهو في بدء ما ينتقل يسمى باليونانية لقويكما. ومن أصناف الرمد ما يتبع الجرب في العين، ويكون السبب فيه خدشة للعين، وهو يجري في أول الأمر مجرى التكدر، وإنما يتأتى علاجه بعد حكّ الجرب. وأما الرمد بالجملة، فهو ورم في الملتحمة، فمنه ما هو ورم بسيط غير مجاوز للحد في درور العروق والسيلان والوجع، ومنه ما هو عظيم مجاوز للحد في العظم، يربو فيه البياض على الحدقة فيغطيها، ويمنع التغميض، ويسمى كيموسيس، ويعرف عندنا بالوردينج. وكثيراً ما يعرض للصبيان بسبب كثرة موادهم وضعف أعينهم، وليس يكون عن مادة حارة فقط، بل وعن البلغمية والسوداوية، ولما كان الرمد الحقيقي ورماً في الحدقة، بل الملتحمة، وكل ورم، إما أن يكون عن دم، أو صفراء أو بلغم، أو سوداء، أو ريح، فكذلك الرمد لا يخلو سببه عن أحد هذه الأسباب، وربما كان الخلط الموزم متولّداً فيها، وربما كان صائراً إليها من الدماغ على سبيل النزلة من طريق الحجاب الخارج المجلّل للرأس، أو من طريق الحجاب الداخل، وبالجملة من الدماغ ونواحيه، فإنه إذا اجتمع في الدماغ مواد كثيرة وامتلاء، فأقمن بالعين أن ترمد، إلا أن تكون قوية جداً، وربما كانت الشرايين هي التي تصمت إليها فضولها إذا كانت الفضول تكثر فيها، سواء كانت الشرايين من الداخلة، أو الخارجة. وربما لم تكن المادة صائرة إليها من ناحية الدماغ والرأس، بل تكون صائرة إليها من الأعضاء الأخرى، وخصوصاً إذا كانت العين قد لحقها سوء مزاج، وأضعفها، وجعلها قابلة للآفات، وهي التي تصب إليها تلك الفضول.

ومن أصناف الرمد ما له دور ونوائب بحسب دور انصباب المادة ولولدها واشتداد الوجع في الرمد، إما لخلط لذّاع يأكل الطبقات، وإما لخلط كثير ممدّد، وإما لبخار غليظ، وبحسب التفاوت في ذلك، يكن التفاوت في الألم. ومواد ذلك كما علمت، إما من التمدد، وإما من الرأس نفسه، وإما من العروق التي تؤدي إلى العين مادة رديئة حارة أو باردة، وربما كان من العين نفسها، وذلك أن يعرض لطبقات العين فساد مزاج لخلط محتبس فيها، أو رمد طال عليها فتحيل جميع ما يأتيها من الغذاء إلى الفساد، ومن كانت عينه جاحظة، فهو أقبل لعظم الرمد ونتوئه لرطوبة عينه، واتساع مسامها.

وقد تكثر الدموع الباردة في أصناف من الرمد لعدم الهضم، وكثيراً ما ينحلّ الرمد بالاختلاف الطبيعي. واعلم أن رداءة الرمد بحسب كيفية المادة وعظمه بحسب كمية المادة.

واعلم أن البلاد الجنوبية يكثر فيها الرمد ويزول بسرعة، أما حدوثه فيهم كثيراً، فلسيلان موادهم وكثرة بخاراتهم، وأما برؤه فيهم سريعاً، فلتخلخل مسام أعضائهم وانطلاق طبائعهم، فإن فاجأهم برد صعب، ومدهم لاتفاق طرو مانع قابض على حركة سيالة من خلط ثائر.

وأما البلاد الباردة والأزمنة الباردة، فإن الرمد يقل فيها، ولكنه يصعب، أما قلته فيها، فلسكون الأخلاط فيها وجمودها، وأما صعوبتها، فلأنها إذا حصلت في عضو لم يتحلل بسرعة لاستحصاف المجاري، فمددت تمديداً عظيماً حتى يعرض أن يتقطر منها الصفاق، وإذا سبق شتاء شمالي، وتلاه ربيع جنوبي مطير، وصيف ومد كَثُر الرمد، وكذلك إذا كان الشتاء دقياً جنوبياً يملأ البدن الأخلاط، ثم تلاه ربيع شمالي يحقنه. والصيف الشمالي كثير الرمد، خصوصاً بعد شتاء جنوبي، وقد يكثر أيضاً في صيف كان جنوبي الربيع، جاف الشتاء شمالية، وقس الأبدان الصلبة على البلاد الشمالية والأبدان اللينة المتخلخلة على البلاد الجنوبية، وكما أن البلاد الحارة ترمد، فكذلك الحمام الحار جدا إذا دخله الإنسان، أوشك أن يرمد. واعلم أنه إذا كان الرمد وتغير حال العين يلزم مع العلاج الصواب، والتنقية البالغة،فالسبب فيه مادة رديئة محتقنة في العين يفسد الغذاء أو نوازل من الدماغ والرأس على نحو ما بيناه فيما سلف.

العلامات: اعلم أنّ الأوجاع التي تحدث في العين، منها لذّاعة أكّالة، ومنها متمدّدة: واللذّاعة تدلّ على فساد كيفية المادة وحدّتها، والممددة تدل على كثرتها، أو على الريح. وأسرع الرمد منها أسيله دمعاً، وأحدّه لذعاً. وأبطؤه أيبسه. والرمص دلالة على النضج، أو على غلظ المادة، والذي يسرع من الرمص مع خفة الأعراض الأثقل، فهو يدل على غلظ المادة. والذي يصحب النضج وتخفّ معه العين في الأول قليلاً وينحلّ سريعاً، فهو المحمود. والذي حده صغار أقل دلالة على الخير، فإن صغر الحبّ يدل على بطء النضج، وإذا أخذت الأجفان تلتصق، فقد حان النضج، كما أنه ما دام سيلان مائي، فهو ابتداء بعد.

وبعد هذا فنقول: أما التكدّر فيعرف لخفته وسببه وفقدان الورم البادي، وما كان من الرمد بمشاركة الرأس، دل عليه الصُداع، وثقل الرأس، فإن كان الطريق للنزلة من الدماغ إلى العين وإنما هو من الحجاب الخارج المحلّل للرأس، كانت الجبهة متمدّدة، والعروق الخارجة دارَّة، وكان الانتفاخ يبادر إلى الجفن، ويكون في الجبهة حمرة وضران، فإن كان من الحجاب الداخل لم يظهر ذلك، وظهر عطاس وحكّة في الفم والأنف، وإن كان بمشاركة المعدة رافقه تهوعّ وكرب. وعلامة ذلك الخلط في المعدة.

وأما الرمد الدموي، فيدلّ عليه لون العين، ودرور العرق، وضربان الصدغين، وسائر علامات الدم في نواحي الدماغ، ولا يدمع كثيراً بل يرمص ويلتزق عند النوم.

وأما الصفراوي، فيدلّ عليه نخس أشدّ، ووجع محرق ملتهب أشد، وحمرة أقل، ودمعة رقيقة حارة ربما قرحت، وربما خلت عن الدمع خلو الدموي، ولا يلتزق عند النوم، وقد يكون من هذا الجنس ما هو حمرة تضرب العين، وهي من جملة الأمزجة الخبيثة، وربما كوت العين وقرّحتها قراحة ذبابة ساعية. ومن الرمد الصفراوي جنس حكّاك حاف مع قلة حمرة وقلّة رمص، ولا يظهر الورم منه حجم يعتد به، ولا سيلان، وهو من مادة قليلة حادة.
وأما البلغمي، فيدل عليه ثقل شديد، وحرارة قليلة، وحمرة خفيفة، بل السلطان يكون فيه للبياض، ويكون رمص والتصاق عند النوم، ويكون مع تهيّج، ويشاركه الوجه واللون، وإن كان مبدؤه المعدة صاحَبَه تهوع، وقد يبلغ البلغمي أن تنتأ فيه الملتحمة على السواد غطاً من الورم، إلا أنه لا يكون بين الحمرة شديدها ولا يكون معه دموع، بل رمص. وأما السوداوي، فيدل عليه ثقل مع كمودة وجفاف وإدمان وقلة التصاق. وأما لريحي فيكون معه تمدّد فقط بلا ثقل ولا سيلان، وربما أورث التمدّد حمرة.

معالجات التكدر: التكدر وما يجري مجراه من الرمد الخفيف، فربما كفى فيه قطع السبب، فإن كان السبب معيناً من امتلاء من دم أو غيره، استفرغ، وربما كفى تسكين حركتها، وتقطير لبن، وبياض بيض، وغير ذلك فيها، فإن كان التكَثر من ضربة، قطر في العين دم حار من ريش حمام وغيره، أو من دم نفسه، وربما كفى تكميد بإسفنجة، أو صوفة مغموسة بمطبوخ، أو دهن ورد وطبيخ العدس، أو يقطر فيها لبن النساء من الثدي حاراً، فإن لم ينجع ذلك، فطبيخ الحلبة والشياف الأبيض.

والذي يعرض من برد، فينفعه الحمّام إن لم يكن صار رمداً وورماً، ولم يكن الرأس والبدن ممتلئين، وينفع منه التكميد بطبيخ البابونج، والشراب اللطيف بعد ثلاث ساعات من الطعام. والنوم الطويل على الشراب من علاجاته النافعة، كان من الشمس، أو من البرد، أو غيره.

وما كان من الرمد سببه الجرب، ثم كان خفيفاً، فليحك الجرب أولاً، ثم يعالج الرمد، وربما زال بعد حكّ الجرب من تلقاء نفسه، فإن كان عظيماً لا يحتمل مقارنة تدبير الحك، استعمل الرفق والتليين والتنقية حتى ينقاد ويحتمل المقارنة بينه وبين تدبير الحك.

فصل في العلاج المشترك في أصناف الرمد وانصباب النوازل إلى العين: القانون المشترك في تدبير الرمد المادي وسائر أمراض العين المادية، تقليل الغذاء، وتخفيفه، واختيار ما يولّد خلطاً محموداً، واجتناب كل مبخّر، واجتناب كل سوء هضم، واجتناب الجماع والحركة، وتدهين الرأس والشراب، واجتناب الحامض، والمالح، والحريف، وإدامة لين الطبيعة، والفصد من القيفال، فإنه يوافق جميع أنواعه. ويجب أن لا يقع بصر الرمد على البياض وعلى الشعاع، بل يكون ما يفوش له ويطيف به أسود وأخضر، ويعلق على وجهه خرقة سوداء تلوح لعينه. والأسود في حال المرض، والأسمانجوني في حال الصحة.

ويجب أن يكون البيت الذي يسكنه إلى الظلمة، ويجب أن يجلب إليه النوم، فإنه علاج جيد، ويجب أن لا يترك الشعر يطول، فإنه ضار بالرمد جداً، إلا أن يكون الشعر مرسلاً في الأصل، فإنه يقع من حيث يجفف الرطوبات جذباً إلى غذائها، وإذا كان البدن نقياً والخلط الفاعل للرمد ناشئاً في العروق ومن جنس الدم الغليظ، وخصوصاً في تخر الرمد، فإن الاستحمام ليرقق المادة، وشرب الشراب الصرف ليزعجها ويخرجها نافعان، والحمام بعد الاستفراغ أفضل علاج للرمد، وخصوصاً إذا كان التكميد يسكن الوجع، ومما يجب أن يدبر في الرمد وسائر أمراض العين المادية، هو إعلاء الوسادة والحذر من طأطأته، ويجب أن يبعد الدهن من رأس الأرمد، فإنه شديد المضرة له، وأما تقطير الدهن ولو كان دهن الورد في الأذن، فعظيم المضرة جماً، وربما عظم الرمد حتى يضيق على الطبقات.

وإن كانت المادة منبعثة من عضو، فينبغي أن يستفرغ من ذلك العضو، ويجذب إلى ضد الجهة بأي شيء كان بفصد وحقنة وغير ذلك، وربما لم يغن الفصد من القيقال واحتيج إلى فصد شريان الصدغ، أو الأذن، لينقطع الطريق الذي منه تأتي المادة، وذلك إذا كانت المادة تأتي العين من الشرايين الخارجة، وإذا أريد سل هذه الشراييون، فيجب أن يحلق الرأس، ويتأمل أي تلك الصغار أعظم وأنبض وأسخن، فيقطع ويبالغ في استئصاله إن كان مما يسل، وهي الصغار دون الكبار، وربما سل الذي على الصدغ. ويجب أن يخزم أولاً، ثم يقطع بعد أن يختار ما سلف ذكره من أن يكون ما يُبتَر أو يقطع أعظم الصغار وأسخنها. ويجب قبل البتر أن يشد ما دونه بخيط إبريسم شداً شديداً طويلاً، ويترك الشد عليه، ثم يقطع ما وراءه، فإذا عفن جاز أن يبان الشد، وهذا يحتاج إليه فيما هو أعظم، وأما الصغار، فيكفي أن يشرط شرطاً عنيفاً ليسيل ما فيها من الدم، وقد يقارب ذلك النفع حجامة النقرة وإرسال العلق على الجبهة، وإذا لم يغن ما عمل فصد من المأق ومن عروق الجبهة. على أن حجامة النقرة بالغة النفع.

وإذا تطاولت العلة، استعملت الشياف الذي يقع فيه نحاس محرق وزاج محرق، وربما كفى الاكتحال بالصبر وحده. وإذا طال الرمد ولم ينتفع بشيء، فاعلم أن في طبقات العين مادة رديئة تفسد الغذاء الوارد عليها، فافزع إلى مثل التوتياء المغسول مخلوطاً بالملينات، مثل الاسفيذاج، وإقليميا الذهب المغسول، والنشا، وقليل صمغ، وربما اضطر إلى الكي على اليافوخ لتحتبس النزلة، فإنه ربما كان دوامه لدوام نزلة، فإذا كان المبدأ من الحجب الباطنة، كان العلاج صعباً، إلا أن مداره على الاستفراغات القوية مع استعمال ما يقوي الرأس من الضمادات المعروفة لهذا الشأن، مثل الضماد المتخذ من السنبل، والورد، والأقاقيا بماء الكزبرة الرطبة، والكزبرة الرطبة نفسها واليابسة مع قليل زعفران يترك على الموضع ساعة أو ساعتين، ثم يبان، وقد تستعمل فيها المغريات ومعدلات المواد الحادة، والألبان من جملتها.

ولا يصلح أن يترك القطور منها في العين زماناً طويلاً، بل يجب أن يراق ويجمد كل وقت، ومنها بياض البيض، وليس من الواجب فيه أن يجمد، بل أن يترك ساعة لم تضر، وهو أحمد من اللبن، وإن كان اللّبن أحلى. وبياض البيض يجمع مع تليينه وتمليسه أن لا يلحج، ولا يسد المسام. وطبيخ الحلبة يجمع مع تحليله وإنضاجه أن يملس ويسكّن الوجع. ودهن الورد من هذا القبيل. وبالجملة يجب أن يكون الدواء المستعمل في العين، خصوصاً في الرمد لا خشونة فيه، ولا كيفية طعم كمر، أو حامض، أو حريف. ويجب أن يسحق جيداً ليذهب الخشونة، وما أمكنك أن تجتزئ بالمسخنة العديدة الطعم فذلك خير. وقد تستعمل فيه السعوطات السلقية وما يجري مجراها مما يخرج من الأنف بعض المادة، وذلك عندما لا يخاف جذبها إلى العين مادة أخرى، وقد تستعمل فيها الغراغر. ومن المعالجات النافعة التكميد بالمياه الفاترة بإسفنجة، أو صوفة، وربما أغنى استعماله مرة أو مرتين غنى كثيراً، وربما احتاج إلى تكرير كثير بحسب قوة الرمد وضعفه، وإذا كان الماء المكمد به طبيخ إكليل الملك والحلبة، كان أبلغ في النفع، وقد يطلى على الجبهة الروادع، خصوصاً إذا كان الطريق لانصباب المادة هو الحجاب الخارج، وهنه الروادع مثل قشر البطيخ خاصة، ومثل شياف ماميثا، ومثل الفيلزهرج، والصبر، وبزر الورد والزعفران والأنزروت، والمياه، مثل: ماء عنب الثعلب، وماء عصا الراعي، وكذلك العوسج، وسويق الشعير، وعنب الثعلب والسفرجل. وإن كانت الفضلة شديدة الحدة والرقة، استعملت اللطوخات الشديدة القبض، كالعفص، والجلنار، الحسك. والتضميد به لمجاري النوازل تأثير عظيم، هذا إن كانت المادة حارة، وإن كانت باردة، فيما يجفف ويقبض ويقوي العضو مع تسخين، مثل اللطخ بالزئبق والكبريت والبورق. ويجب أن يدام تنقية العين من الرمص بلبن يقطر فيه، فيغسلها، أو ببياض البيض، فإن احتيج إلى مسّ، فيجب أن يكون برفق.

ويجب إن كان الرمد شديداً أن يفصد إلى أن يخاف الغشي، فإن إرسال الدم الكثير مبرئ في الوقت، ويجب ما أمكن أن يؤخر استعمال الشيافات إلى ثلاثة أيام، وليقتصر على التدبير المذكور من الاستفراغات وجذب المواد إلى الأطراف ولزوم ما ذكرناه من الأماكن والأحوال. ثم إن استعمل شيء بعد ذلك، فلا بأس به، وكثيراً ما يبرأ الرمد بهذه الأشياء من غير علاج آخر. وإما لين الطبيعة فأمر لا بد من الإسهال للخلط المستولي على الحم بعد الفصد، ولا خير في التكميد قبل التنقية، ولا في الحمام أيضاً، فربما صار ذلك سبباً لجذب مادة كثيرة بقطر طبقات العين. ويجب أن لا يستعمل في الابتداء المكثفات القوية والقابضة الشديدة، فتكثف الطبقة وتمنع التحليل ويعظم الوجع، خصوصاً إذا كان الوجع شديداً. والضعيفة القبض أيضاً في الابتداء لا تغني في منع المادة، وتضر بتكثيف الطبقة الظاهرة وتحقن فيها المادة، فإن اتفق شيء من هذا، تدورك بالتكميد بالماء الحار دائماً، والاقتصار على الشياف الأبيض محلولاً في ماء إكليل الملك صواب، فإن الأقوى من ذلك مع امتلاء الرأس ربما أضر. وأما المحللة، فاجتنبها في أول الأمر اجتناباً شديداً، وربما احتيج بعد استعمال هذه القابضات، وخصوصاً إذا خالطتها المخدرات إلى تقطير ماء السكر وماء العسل في العين، فإن حدث من هذا هيجان للعلة، برّدته بما لا تكثيف فيه لتتداركه به.

ويجب أن يعني كما قلنا قبل هذا بتنقية الرمص برفق لا يؤذي العين، فإن في تنقية الرمص خفيفاً للوجع، وجلاء للعين، وتمكيناً للأدوية من العين، وربما أحوج اشتداد الوجع إلى استعمال المخدرات، مثل عصارة اللفاح،. والخس، والخشخاش، وشيء من السمّاق، فدافع بذلك ما أمكنك، فإن استعملت شيئاً من ذلك للضرورة، فاستعمله على حذر، وإما أمكنك أن تقتصر على بياض بيض مضروب بماء قد طبخ فيه الخشخاش فافعل، وربما وجب أن تجعل معه حلبة لتعين في تسكين الوجع من جهة التحليل، وتحلّل أيضاً وتزيل آفة المخدر.

فأما إن كانت المادة رقيقة أكالة فلا بأس عندي باستعمال الأفيون والمخدرات، فإنه شفاء، ولا يعقب وجعاً، وإن كان يجب أن يعتقد أنه من حيث يضر بالبصر مكروه، ولكن الأفيون فيما حدث من الأوجاع عن مادة أكّالة ليست ممددة شفاء عاجل. وعلاج اللذع التغرية والتبريد والتلطيف، وعلاج التمديد إرخاء العين والتحليل بما نذكر كلاّ في مكانه، وتقل المادة. وإذا أزمنت العلة ففصد المأقين، وفصد الشريان الذي خلف الأذن.

ويجب أن يجتنب أصحاب الرمد، وأصحاب النوازل إلى العين، -كما. قلنا مراراً- تدهين الرأس، وتقطير الدهن في الأذن. وجملة العلاج للرمد كعلاج سائر الأورام من الردع أولاً، والتحليل ثانياً، إلا أنه يستدعي لأجل العضو نفسه فضل ترفق، وهو أن يكون ما يقمع ويردع، أو يلطف ويحلّل ويجلو، ليس بعنيف الممر؟ مؤلم للحس، محدث للخشونة، وذلك لا يتم إلا بأن يكون قبض ما يردع معتدلاً ولذع ما يحلل خفياً، بل الأولى أن يكون في ذلك تجفيف بلا لذع، وأن يكون مكسور العنف بما يخلط من مثل بياض البيض، ولبن المرأة محلوباً على محك الشيافِ الذي يكتحل به. وإذا كانت المادة قد استفرغت ولم تسكّن الأوجاع في غاية العنف، فاستعمل الشياف المعروف باليومي مخلوطاً بمثل صفرة البيض، فلا يبعد أن يبرأ العليل من يومه، ويدخل الحمام من مسائه، ويكون الذي بقي تحليل لبقية مادة بمثل الشياف السنبلي، وربما أوجب الوقت أن يشمّمه من شياف الأصطفطيقان في اليوم الأول شيئاً يسيراً، ويزيده في اليوم الثاني منه، فيكون معه البرء. فإذا استعصت المادة في الرمد المتقادم على التحليل، فربما احتجت إلى مثل عصارة قثّاء الحمار وغير ذلك مما أنت تعلم.

معالجات الرمد الصفراوي والدموي والحمرة: التدبير المشترك لما كان من الرمد ما سببه مادة صفراوية أو دموية، الفصد والاستفراغ، فإن كان الدم دماً حاراً صفراوياً، أو كان السبب صفراء وحدها، نفع مع الفصد الاستفراغ بطبيخ الهليلج، وربما جعل فيه تربد، وإن كان فيه أدنى غلظ وعلمت أن المادة متشربة في حجب الدماغ، قوّيته بأيارج فيقرا، وربما اقتصر في مثله على نقيع الصبر. وإن كان هناك حرارة كان الماء الذي ينقع فيه ماء الهندبا، أو ماء المطر، وجميع ذلك، يجب أن تبتدئ فيه بتضميد العين بالمبرّدات من انعصارات، مثل عصارة لسان الحمل، وعصارة ورق الخلاف واللعابات وتقطيرها فيها، ثم بياض البيض بلبن الأتن ومفرداً، ثم الشياف الأبيض، وسائر الشيافات التي نذكرها في الروادع، ولا يبلغ بها مبلغاً تتكثِّف له الطبقات وتحتقن المواد ويشتدّ الوجع. فإذا ارتدعت المادة بالاستفراغ والجذب والرواح، فتمرّج المنضجات، ولتكن أولاً مخلوطة بالرواح، ثم تصرف، ولتكن أولاً مرفقة مخلوطة بمثل ماء الورد.

والألبان فيها قوة انضاج، وفي لعاب بزر قطونا مع الردع انضاج مّا، ولعاب حبّ السفرجل أشدّ إنضاجاً منه، وماء الحلبة جيد الإنضاج، مسكّن للوجع، وهو أول يبدأ به من المنضجات، وليس فيه جذب، وإن احتيج إلى تغليظ شيء من ذلك فبالعابات، أو إلى تبريده فبالعصارات. وقد جربت عصارة شجرة تسمى باليونانية أطاطا، وبالفارسية أشك، وفي ابتداء الرمد الحار وانتهائه، فكان ملائماً بالخاصية القوية.

وقد تعقد هذه العصارات وتحفظ، ثم يتخطّى أمثال ذلك إلى طبيخ إكليل الملك، مدوفاً فيه الأنزروت الأبيض، خصوصاً المربّى بألبان النساء والأتن، وإذ أخذ ينحطّ زدت في استعمال المحلّلات مما هو أقوى، كالأنزروت في ماء الحلبة، والرازيانج، والتكميد بماء طبخ فيه الزعفران والمرّ، واستعملت الحمّام إن علمت أن الدماغ نقي، وسقيته بعد الطعام القليل بساعات شيئاً من الشراب انصرف القويّ العتيق قليل المقدار. فإن استحم بعده بماء حار أو كمد كان ذلك أنفع.

واستعمل أيضاً الشيفات المذكورة الموصوفة في القراباذين لانحطاط الرمد وآخره، فإن كانت المادة دموية حجمت بعد الفصد، وأدمت دلك الأطراف وشدها أكثر مما في غيرها، واستعملت في أول الأمر العصارات المذكورة، ثم خلطت بها ألباب الخبز، ثم نقعت ذلك الخبز في الميبختج، وخلطته به، وربما وجب أن يخلط بذلك قليل أفيون إذا اشتدّ الوجع، فإن كانت المادة الصفراوي استفرغت بعد الفصد بما يخرج الصفراء، واستعملت الاستحمام بالماء العذب، وربما وافق صبّ البارد منه على الرأس والعين، وربما غسل الوجه بماء بارد مع مزج قليل مع الخلّ فنفع. ويجب أن يكون في الصفراوي اجتراء على استعمال القابضات في الأول بلا إفراط أيضاً، ويستعمل الشيافات القابضة محلولة في العصارات، وأما الحمرة من جملة ذلك، فيجب أن يستعمل عليها بعد الاستفراغ بالمسهّلات والحقن، الضمّاد المتخذ من قشور الرمان مطبوخة على الجمر، ومسحوقة بميبختج، أو عسل، ويدام تكميدها بإسفنج حار. والتضميد بدقيق الكرسنّة والحنطة مطبوخاً بشراب العسل، أو بأصل السوسن المدقوق ينفعه. ويجب أن يدام غسل العين باللبن ويدام تبريدها وترطيبها، لكن الاقتصار على التبريدات مما يبطئ ويبلّد، وإذا تحلّلت العلّة وبقيت الحمرة، ضمدت بصفرة البيض المشوية مسحوقة بزعفران وعسل وسائر ما كتب للحمرة في القراباذين.

معالجات الرمد البارد: وأما الرمد الكائن من الأسباب الباردة، فيجب أن يستفرغ الخلط البارد، وربما احتيج إلى التكرير مشروباً كان أو محتقناً أو غرغرة، وأن يكون أول العلاج بالرادعات التي ليست بالباردة جداً، ولكن التي فيها تلطيف ما مثل المر والأنزروت. وإن استعملت شياف السنبل مع بعض المياه المعتدلة كان صالحاً،وإن لم يكن في طبقات الحدقة آفة إكتحلت بماء أغلي فيه الزعفران، وقلقليس، وعسل. ويجب أن تلطخ الجبهة في الابتداء بقلقديس، وخصوصاً إذا كان طريق المادة من الحجاب الخارج، وكذلك لا بأس بغسل الوجه بماء أديف فيه القلقديس.

وإن لطخت الأجفان في الابتداء بالترياق وبالكبريت والزرنيخ كان جيد. وشرب الترياق أيضاً نافع، وقد جرّب في ذلك ورق الخروع مدقوقاً مخلوطاً بشب وورق الخطمي مطبوخاً في شراب، ونحن نذكر في القراباذين أقراصاً صالحة، لأن تلطخ الأجفان بها، وماء الحلبة، ولعاب بزر الكتان، مما ينفع تقطيره في عين الرمد البارد، وبعد ذلك الشياف الأحمر اللين، والشياف الأحمر الآخر الأكبر، وشياف لافرة حيانا، والأنزروت مدوفاً في عصارة أوراق الكبر، والتضميد بأوراق الكبر وحدها. وينفع هؤلاء كلهم التدبير اللطيف، واستعمال الحمّام والشراب الصرف الأبيض.

معالجات الوردينج: وما كان من الرمد صار وردينجاً، فعلاجه الاستفراغ والفصد والحجامة، وربما احتجت إلى سل الشريان، فإن كان من ورم حار، واستفرغت من جميع الوجوه، ومن عروق الرأس، وحجمت، فيجب أن يستعمل مثل الشياف الأبيض من الرادعات، ومن العصارات اللينة الباردة، وأما الأضمدة من خارج فمثل الزعفران وورق الكزبرة، وإكليل الملك بصفرة البيض والخبز المنقوع في ربّ العنب، وربما احتيج أن يخلط به من المخدرات شيء، والأطلية أيضاً من مثل ذلك، ومن الماميثا، والحضض، والصبر. ومما جرّب له، صفرة البيض مع شحم الدب، يجعل منهما كالمرهم، ويجعلان على خرقة توضع على العين. وكذلك الورد ينفع في عقيد العنب، ثم يسخن مع صفرة البيض، ويوضع على العين، وإذا اشتدّ الوجع، ينفع زعفران مسحوق بلبن وعصارة الكزبرة، تقطر في العين، ويستحب في الوردينج أن يشغل بالعلاجات الخارجة، ويقتصر على تقطير اللبن في العين ثلاثة أيام إن احتمل الحال والوقت. وقد جرّب الكحالون في الوردينج لوجع المتقرّح أن يكحل بالأنزروت والزعفران وشياف ماميثا والأفيون، فإن كان الوردينج بعد الرمد الغليظ البارد استفرغت بالايارجات ضرره، واستعملت اللعابات اللينة المأخوذة بعصارة الكرنب، أو سلافته، وربما احتجت أن تمزجها بماء عنب الثعلب، وربما احتجت أن تخرجها بمرّ وزعفران.

معالجات الرمد الريحي: فأما الرمد الريحي، فيعالج بالأطلية والتكميدات والحمّامات. والتكميد بالجاورس أنفع التكميدات له، وربما أقدم المخاطرون على استعمال المخدرات عند شلة الوجع، وذلك وإن سكّن في الوقت، فإنه يهيجه بعد ساعة تهييجاً أشد مما كان لمنعه الريح من التحلل، فعليك بالمحلّلات اللطيفة.

فصل كلام قليل في أدوية الرمد المستعملة: أما الشياف الأبيض، فإنه مغر مبرّد مسكّن للوجع، مصلح للخلط اللذاع، وقد يخلط به الأفيون فيكون أشدّ إسكاناً للوجع، لكنه ربما أضر بالبصر وطول بالعلة للتخدير والتفجيج. ومما يجري مجراه القرص الوردي، فإنه عظيم المنعفة في الالتهاب والوجع، وهو كبير وصغير.

وتجد في القراباذين أقراصاً، وشيافات من هذا القبيل، وتجد في جدول العين من الأدوية المفردة الرادعة مثل المرداسنج، والكثيراء، والحضض، والورد، والاثمد الأصفهاني، وأقاقيا، وماميثا، وصندل، وعفص، وطين مختوم، وسائر العصارات، والصمغ، وغير ذلك من المفردات التي تخصّ بالمواد الغليظة، مثل المرّ، والزعفران، والكندر، والسنبل، وجندبيدستر، وقليل من النحاس الأحمر، والصبر خاصةً، وحماما، وقرن أيل محرق، وأقراص. وأما التقدير والخلط بما هو أبرد وبما هو أسخن، فذلك إلى الحس الصناعي في الجزئيات.

وأما سائر المختلطات المجربة، فنذكر هذا في القراباذين. ومن الرّادعات المجربة لشدة الوجع والمادة الغليظة، شداد الأساكفة بعسل خالص وماء الحلبة، يجعل في المأقين بميل، وأما من المركبات، فمثل شياف أصطفطيقان، والأحمر اللين، وشياف الشاذنج الأكبر، وأقراص الورد من جملتها جيد بالغ النفع جداً.

المقالة الثانية
أمراض المقلة

وأكثره في العلل التركيبية والاتصالية فصل في النفاخات: قد يحدث في العين نفاخات مائية في بعض قشور القرنية التي هي أربع طباق عند قوم، وعند الباقين ثلاث طباق، فتحتقن هذه المائية بين قشرين من هذه الطبقات الأربع أو الثلاث، وتختلف لا محالة مواضعها. وأغورها أردؤها، وقد تختلف بحسب زيادتها ونقصانها في المقدار، وقد تختلف من قبل كيفها، وقد تختلف من قبل لونها وقوامها، وقد تختلف من قبل عذوبتها وحدّتها وأكالها. وما كان منها إلى القشرة الأولى رديء أسود، لأن ذلك لا يعوق البصر عن إدراك العنبية. والغائر يمنع عن إدراكه، لأنه أبعد من تشفيق الشعاع إياه، فيرى أبيض، والكثير الحاد المائية رديء، لأنه يؤلم بتمديده وبتأكيله جميعاً، وكلما كان أغور كان كثر تمديداً وكثر انتشاراً تأكل، وما يحاذي البقية منه يضر بالإبصار، خصوصاً إذا أكل وقرح.

المعالجات: علاجها ما دامت صغيرة بالأدوية المجففة، بمثل دواء طين شاموس، أي طين الكوكب، وهو أن يؤخذ طين شاموس مقلياً ثلاث أواق، وتوتيا أوقية واحدة، وإقليميا مغسول، وكحل مغسول، من كل واحد أوقيتان، توبال النحاس المغسول في نسخة أربع أواق، وفي بعض النسخ أوقية واحدة، أفيون ثلاث أواق، صمغ أربع أواق، يسحق بماء المطر، ويعمل منه شيات يستعمل بماء الحلبة. وإذا كبرت، فيعالج بالحديد، أي بالشقّ بالمبضع، وقد عالجت أنا بالمبضع من به هذه العلة، فخرجت المائية المجتمعة تحت القرنية واستوى سطح القرنية، وعالجت بعد ذلك باللبن وشياف الأيارج فبرئ.

فصل في قروح العين وخروق القرنية.

قروح العين تتولد في الأكثر عن أخلاط حادة محرقة، وهي سبعة أنواع، أربعة في سطح القرنية يسميها جالينوس قروحاً، وبعض من قبله خشونة، أولها قرح شبيه بدخان على سواد العين، منتشر فيه، يأخذ موضعاً كثيراً ويسمى الخفي، وربما سمي قتاماً، ثم صنف آخر، وهو أعمق وأشد بياضاً وأصغر حجماً، ويسمى السحاب، وربما سمي أيضاً قتاماً، والثالث الإكليلي ويكون على الإكليل أي إكليل السواد، وربما أخذ من بياض الملتحمة شيئاً، فيرى على الحدقة أبيض، وما على الملتحمة أحمر، والرابعة يسمى الاحتراقي، ويسمى أيضاً الصوفي، ويكون في ظاهر الحدقة كأنه صوفة صغيرة عليه، وثلاثة غائرة إحداها يسمى لوبويون، أي العميق الغور، وهي قرحة عميقة ضيقة نقية، والثانية تسمى لوبوما، أي الحافر، وهو أقلّ عمقاً وأوسع أخذاً، والثالثة أوقوما، أي الاحتراقي أيضاً، وهي وسخة ذات خشكريشة، في تنقيتها مخاطرة، فإن الرطوبة تسيل لتأكّل الأغشية وتفسد معها العين. والقروح تحدث في العين، إما عقيب الرمد، وإما عقيب بثور، وإما بسبب ضربة وكثيراً ما يكون مبدأ القرحة من داخل، فينفجر إلى خارج، وربما كان بالعكس.

العلامات: علامة القروح في المقلة، نقطة بيضاء إن كانت على القرنية، وحمراء إن كانت على الملتحمة، أو على الإكليل، ويكون معها وجع شديد وضربان، وإذا كانت المدة التي توجد بالرفادة بيضاء، دلّت على وجع ضعيف وضربان قوي، وإن كانت صفراء، أو كمدة، أو رقيقة، كانت في ذلك أخف. وأما إذا كانت حمراء فالوجع أخف جداً، وإذا كانت كبراء، فالوجع شديد.

المعالجات: متى كانت القرحة في العين اليمنى، نام على اليسرى، أو في اليسرى، نام على اليمنى. ويجب أن يلطّف تدبيره أولاً، فإذا انفجرت القرحة، يقل التدبير إلى الأطراف، وإلى الفراريج لئلا تضعف قوته، فلا تندمل قرحته، ويكثر فضول بدنه. ويجب أن لا يمتلئ، ولا يصيح، ولا يعطس ما أمكن، ولا يدخل الحمام إلا بعد نضج العلة، فإن دخل لم يجب له أن يطيل المكث. والعمدة تنقية الرأس بالاستفراغات الجاذبة إلى أسفل، وكذلك ينفع فيه الاحتجام على الساق كثيراً، وفصد الصافن، وإدامة الإسهال كل أربعة أيام بما يخرج الفصل الحار الرقيق من الأطبخة والنقوعات، وإن كان هناك رمد، عولج أوّلاً بالاستفراغ المذكور في بابه بأدوية تجمع بين تسكين الوجع وإدمال القرح، مثل شياف النشاستجي، والكندري، والاسفيذاج، وتقطير لبن النساء في العين، وإن كان هناك سيلان، خلط بذلك ما له قوة مانعة. وبالجملة، فإن قانون اختيار الأدوية فيه، أن يختار كل ما يجفف بلا لذع إذا اشتدت الحرارة، واستعملت شياف الشادنج اللين، والشياف الكندري كان نافعاً جداً. ومن الشيافات النافعة، شياف سفانيون، وقويبس، وإن كان سيلان، فشياف مادرفوس، وأما لروسرس، وإن كان السيلان مع حدة، فشياف ساير بابون، وإن كان بلا حدة فالشياف الذي يقع فيه مر، وناردين. وإن كان في القروح وسخ، نفي بشراب العسل، أو بماء الحلبة مع شيء من هذه الشيافات المذكورة، أو بلعاب بزر الكتان، أو بألبان النساء. وإن كان تأكل شديد، اضطربت إلى استعمال طرحاطيقون وإذا تنقّت القرحة فاقبل على المجففات بلا لذع مثل شياف الكندر ومثل الكندر نفسه، والنشاستج ، والاسفيداج، والرصاص المحرق المغسول، والشياف الأبيض، وشياف الآبار خاصة، وكذلك رماد الصدف المغسول ببياض البيض، أو رماد الصدف الكبير المغسول بمثله شاذنج.

وهنا صفة شياف لونابيس، وهو قوي. نسخته: يؤخذ إقليمياً ستة عشر مثقالاً، إسفيذاج مغسول أوقية، نشا وأفيون وكثيراء من كل واحد مثقالان، يدقّ ويلت بماء المطر يعجن ببياض البيض.

أخرى: باسمه وأقوى منه، يؤخذ إقليمياً بحرق مغسول وإسفيذاج مغسول ثمانية ثمانية، مر ستة، كحل محرق مغسول واحد، نشا ستة، رصاص محرق مغسول طلق من كل واحد أربعة، كثيراء ثمانية، يسحق بالماء، ويعجن ببياض البيض، ويستعمل، فإنه نافع جداً.

فصل في خروق القرنية: قد تكون عن قرحة نفذت، وقد تكون عن سبب من خارج، مثل ضربة، أو صدمة خارقة، وحينئذ تظهر العنبية. فإن كان ما يظهر منها شيئاً يسيراً، سقي النملي والمورشارج، والذبابي، وذلك بحسب العظم والصغر، وإن كان أزيد من ذلك حتى تظهر حبة العنبية، سمي العنبي، وما هو أعظم سمّي النفاخي. فإن خرجت العنبية جداً حتى حالت بين الجفنين والانطباق، سمّي المسماري، وإن ابيضت العنبية فلا برء له. واعلم أن القرنية إذا انخرقت طولاً لم ير بياض، ولكن يرى صدع، وكأن الناظر قد طال، وقد يمكن أن يبين هذا بوجه أوضح، فيقال أن الخرق قد يكون في جميع أجزاء القرنية وقشورها، فيكون النتوء من جوهر العنبية، وقد يكون في بعض أجزاء القرنية، ويكون الناتئ منها نفسها، ويكون عند تأكل بعض قشورها، ويشبه النفّاخة. ويفارق النفاخات والنفّاطات، بأن النفاخات والنفاطات يكون منها في بياض العين حمرة معها، ودمعة وضربان وتنكبس تحت الميل، وليس كذلك هذا، وإذا كان النتؤ من جهة القرنية أي من نفسها، تكون صلبة جاسية، ولا تنكبس تحت الميل. وأما النتوء الذي يكون سببه انخراق القرنية في جميع قشورها وبروز العنبية كلها أو بعضها، فأصنافه أربعة، الصغير الذبابي، والنملي، وقد يشبه إذا صغر النفاخة والنفّاطة، ويفارقها بأنها تكون على لون العنبية في السواد والزرقة والشهلة، فإن فارق لونها لون الطبقة العنبية، فهي نفّاخة، وقد يحقق بالحدس في أمرها أن يرى مطيفاً في أصلها شيء أبيض كالطراز، وإنما ذلك يكون حافة خرق القرنية، وقد ابيضت عند اندمالها، والثاني الذي ذكرناه وسميناه العنبي، والثالث أكبر من ذلك، ويمنع الانطباق، ويقال له النفّاخي والمسماري، والرابع كأنه من جنس النفاخي، إلا أنه مزمن ملتحم بما خرج منه من القرنية بارز عنه، ويقال له الفلكي، وهو الشبيه بفلكة المغزل الملتحمة بالغزل.

المعالجات: ما دام في طريق التكوّن، فعلاجه علاج القروح والبثور على ما قلناه من أنه يحتاج إلى تنقية البدن، كيف كانت العلة استفراغاً بالفصد والإسهال، وبعد الاستفراغ يستعمل الاستحمام بالماء العذب، وخصوصاً إذا كان في المزاج حدة من غير أن يلبث في هواء الحمام إلا قليلاً، ولا أيضاً أن يكثر غمس رأسه في ماء الإبزن حاراً كان، أو بارداً، ولا يستعمل الأدهان على الرأس، فإن بعض ذلك يرسل المادة إلى العين بتحليل المادة الموجودة في الدماغ، ويجذب ما ليس فيه إليه، وبعضه بتكثيف مسام التحلل، فإذا لم يجد تحللاً سالت إلى أطراف الدماغ.

ويجب أن تكون الأغذية جيدة الكيموس معتدلة باردة رطبة، وسائر البدن كذلك، وما دام بثراً أنضج، وعولج علاج القروح، فإذا تقرح استعمل عليه أولاً الأضمدة القابضة مع الجالبة، مثل السفرجل والعدس مطبوخين بعسل، ومثل مز الرمّان، وعصارة ورق الزيتون، ومحّ البيض والزعفران، أو رمان مزّ مطبوخ مع يسير من الخل، أو ماء الحصرم مهري، ثم يتخذ ضمّاداً، فإن احتمل قطر في العين مع نشا ونحوه، فإذا صار خرقاً عُولج بعلاج الخرق. وأما النملي، فيعالج بالمائعات القابضة، والتكميد بالخلّ، والماء، والخمر العفص، أو بماء أغلي فيه ورد، ويكحل بالشيافات القابضة. ومن النوافع فيه عصارة ورق الزيتون، وعصارة عصا الراعي. ومن الأدوية المفردة القابضة السنبل، والورد، والرصاص المحرق، والقيموليا، والطين المختوم، والاسفيذاج، ومن الأكحال، عفص جزءين، كحل عشرة أجزاء، ومن الشيافات، شياف حنون، وأغردينون، وباروطيون، وديالناس، والشياف العربي. ولما هو أقوى شياف بريطوسلس، إذا قطر منه شياف عصب ونام مستلقياً.

نسخة شياف قوي لذلك: يؤخذ رماد المسك الذي يخلص فيه النحاس، والزعفران، والنشا، والكثيراء، يعجن ببياض بيض دجاج باض من يومه، وربما جعل فيها الحجر اليماني.

شياف جيد: وهو شياف باردبيون ينفع من جميع أنواع البثر، وصفته: يؤخذ كحل محرق مغسول أربعة مثاقيل، إسفيذاج محرق مغسول ستة مثاقيل، حُضَض هندي ستة عشر مثقالاً، سنبل ثمانية مثاقيل، جعدة مثقالين، إقليميا محرق مغسول ثمانية مثاقيل، أقاقيا أصفر عشرون مثقالاً، جندبيدستر ستة مثاقيل، صبر مثله، صمغ عشرون مثقالاً، يسحق بماء المطر وينشّف. واعلم أن الواجب عليك إذا أخذت القرحة في النتوء، أن يلزم للعين الرفادة والاستلقاء. وأما المسماري، فلا علاج له. وقوم لأجل الحسن يقطعون النواتئ من المورشارحات. والأصوب أن لا يقطع، ولا يحرك، وربما انصبت المادة وانتقلت إلى العين الأخرى.

فصل في البثور في العين: ما كان على القرنيّة يكون إلى البياض، وما كان على الملتحمة يكون إلى الحمرة.

علاجه: الفصد وتقطير الدم في العين على ما نذكر في باب الطَرفة وتضميد العين بصوفة مغموسة في بياض البيض مضروباً بالخمر، ودهن الورد، وتقطير لبن يقع فيه بزر المرو، وشياف الآبار، وشياف خنافيون.

فصل في المدة تحت الصفاق: هذه مدة تحتبس تحت القرنية، إما في العمق، وإما في القرب، فيشبه موضع القرنية الظفرة، وإذا تأكلت معه شظية سمي قلقطانا.

المعالجات: قال بولس: يعالج بمثل شراب العسل وعصارة الحلبة إذا أزمن وغلظ، وشياف الكندر بالزعفران وبالآبار أو يفتح بإكليل الملك ولعاب بزر الكتان والفجل الرطب المطبوخ، إن لم يمنع رمد، وينقى بمثل شياف المرّ والشتاهترج. وإن لم يكن قرحة استعملت هذا الشياف. ونسخته: يؤخذ قلقديس وزعفران من كل واحد أوقية، مرّ درهم ونصف، عسل رطل، ويشيف حسبما تدري، وأيضاً دواء المغناطيس المتخذ للظفرة، وأيضاً دواء طين ساموس المذكور في باب النفّاخات.

فصل في السرطان في العين: أكثره يعرض في الصفاق القرني.

العلامات: وجع شديد، وتمدد في عروق العين، ونخس قوي يتأذى إلى الأصداع، وخصوصاً كما يتحرّك صاحبه، وحمرة في صفاقات العين، وصداع وسقوط شهوة الطعام، والتألّم بكل ما فيه حرارة، وهو مما لا يطمع في برئه، وإن طمع في تسكينه. وليس يوجع السرطان في عضو من الأعضاء، كإيجاعه إذا عرض في العين. واستعمال الأدوية الحادة مما يؤذي صاحبه، ويثير وجعاً لا يطاق.

المعالجات: إن لم يكن بدّ من علاجه، فليكن الغرض تسكين الوجع، وأن ينقّى البدن وناحية الرأس من الخلط العكر، ويغتذي بالأغذية الجيدة الكيموس الحنطية التي لا تسخين فيها. وشرب اللبن نافع منه، ويجب أن يستعمل فيه بياض البيض مع إكليل الملك، وشيء من زعفران، والشياف الأبيض، وكل شياف يتخذ مثل النشا، والاسفيذاج، والصمغ، والأفيون، وجميع اللواتي تقع فيها سائر المليّنات، والمخدرات، وشياف سمرديون، وشياف مامون، والقيروطي، المتخذ من مح البيض ودهن الورد.

فصل في الغَرب وورم الموق: إنه قد يخرج في موق العين خرّاج، فربما كان صلباً يتحرك بالمسّ، ولا ينفجر، ويكون من جنس الغدد، وأكثر عادته أن يرى نتوءاً في الموق، ويصاب بالغمز، ويوجع غمزه، ويكثر معه الرمد، وربما كان خراجاً بثرياً يجتمع وينفجر، فإذا انفجر فعل ناصوراً في أكثر الأمر، ويشتركان في أن كل واحد منهما يتزعزع تحت المس، ويغيب بالغمز وينتأ بالترك، وربما كان جوهر هذا البثر ونتوءه في الغور، فلا يظهر نتوءه من خارج، ولكن تدل عليه الحكة، وربما أصابته اليد عند الغمز البالغ. والغَرب ناصور يحدث في موق العين الأنسي، وأكثره عقيب خراج وبثر يظهر بالموضع، ثم ينفجر، فيصير ناصوراً، وذلك الخراج قبل أن ينفجر يسمى أخيلوس، ولأن ذلك العضو رقيق الجوهر يؤدي من باطنه إلى ظاهره كالجوبة يجدها من جانب عظم الأنف، ومن جانب المقلة، وإذا انفجر ترك بعد أو عسر التئامه، لأن العضو رطب ومع رطوبته متحرّك دائم الحركة، ولذلك ما يصير ناصوراً. وربما كان انفجاره إلى خارج، وربما كان انفجاره إلى داخل يمنة أو يسرة، وربما كان انفجاره إلى الجانبين جميعاً، وكثيراً ما يطرق انفجاره إلى الأنف، فيسيل إليه، وقد يبلغ خبث صريده العظما فيفسده ويسوده، ثم يأكله، ويفسد غضاريف الجفن، ويملأ العين مدة تخرج بالغمز.

المعالجات: الغرب ورم مزمن، وأخفه الحديث، فأما الحديث منه، فيعالج بأدوية مسهلة نذكرها، وأما الزمن، فإن علاجه الحقيقي هو الكي الذي نَصِفُه، أو ما يقوم مقامه، مثل الديك برديك يبدأ فيُحَكّ الناصور بخرقة، ثم يتخذ فتيلة بديك برديك وتحشى. وقد زعم بعضهم أنه نقي، وأخذ عنه اللحم الميت، وغمست قطنة في ماء الخرنوب النبطي، وجعلت فيه نفعت منه نفعاً شديداً. وإن أريد استعمال دواء غير الكي، فأفضله أن يعصر حتى يخرج ما فيه، ثم يغسل بشراب قابض يقطر فيه، وإن كان قليلاً لا يخرج ترك يومين وثلاثة معصوباً حتى يجمع شيئاً له قدر، ثم يغسل، ثم يقطر فيه شياف الغرب الذي نسبه محمد بن زكريا إلى نفسه، وخصوصاً المدوف منه في ماء العفص. وأفضل التقطير أن يقطره قطرة بعد قطرة، بين كل قطرتين ساعة، ومن أفضل تدبيره على الميل قطنة تغمس في الأدوية، وتجعل فيه سواء كان الدواء سيالاً، أو ذروراً. ويجب إذا استعمل الدواء أن يشد بعصابة، ويلزم السكون.

ومن الشيافات المجربة أن يؤخذ زرنيخ أحمر، وذرايج، وكلس ونوشادر، وشب أجزاء سواء، يجمع سحقاً ببول صبي وييبس ويستعمل يابساً.

وقد ينفع في ابتدائه وقبل الانفجار، أن يجعل عليه الزاج، ويجعل عليه أشق وميوزج، وكذلك الجوز الزنخ وكل ما هو قليل التحليل، وإذا سحق ورق السذاب البستاني بماء الرماد، وجعل أخيلوس قبل بلوغه العظم وبعده، يدمله ويصلح اللحم، لكنه يلذغ في أول وضع، ثم لا يلذغ، وإذا صار غرباً فاعلم أن القانون فيه أن ينقى أولاً، ثم يعالج. وينقيه أن يؤخذ غرقئ القصب الموجود في باطنه، وخصوصاً القريب من أصله الذي له غلظ ما، ويغمس في العسل، ويلزم الغرب القصب يابساً وحده بلا دواء آخر يجفف، فيكفي.

ومن المجريات للغرب شياف مامثيا، ومر، وزعفران بماء الطلحشقوق، ولا يزال يبدل.
ومنها أن يسحق الحلزون بخرقة، ويختلط من مر وصبر، ويستعمل، وهو مما ينتفع به في العلة، وهي بعد بثرة ولم يجمع. وقد ينتفع به فيه وهو قرحة.

ومنها ودع محرق، وزعفران، وطلحشقوق يابس بماء السماق الشمس. ومن العجيب فيه ورق السذاب بماء الرمان يجعل عليه، ومن خصوصيته أن يمنع أن يبقى أثر فاحش، ويجب أن لا يبالي بلذعه. ومما يفجر الخراج الخارج، ضماد من خبز مع بزر مرو، أو كندر بلبن امرأة، أو زعفران بماء الجرجير، أو مر بثلثه صمغ إعرابي يعجن بمرارة البقر، ويلزق عليه ولا يحرك حتى يبرئه.

ومن أدوية الغرب أن يتخذ فتيلة من زنجار معقود بالكور والأشق، وزعمت الهند أن الماش الممضوغ يبرئه، وزعم بعضهم أن المر وحده يبرئه إذا وضع عليه.

ومن الذرور المجرب فيه يؤخذ من العروق جزء، ومن النانخواه ثلث جزء، يسحقان أجزاء سواء ويجعل في المأق، والصبر وحده، مع قشار الكندر أيضاً، وتتأمل الأدوية المذكورة في الأقرابانين، وخصوصاً الدواء الحاد الأخضر، ويتأمل أدوية ألواح الأدوية المفردة. وإذا بلغ العظم ولم ينتفع بالأدوية، فلا بد من شقه، والكشف عن باطنه، وأخذ اللحم الميت إن كان حتى يبلغ العظم، ثم تدبيره بعد ذلك على ثلاثة أوجه: إن كان العظم صحيحاً، حك سوادان ظهر به وملئ دواء من الأدوية المدملة، وشد وترك مدة، وإن كان الأمر أعظم من هذا، فلا بد من كي، وربما احتيج إلى أن يثقب اللحم الفاسد ثقباً نافذاً، ويقصد بذلك إلى أن يكون أمر الكي أغور ما يكون في أسفل الجوبة لا يميل إلى الأنف، ولا يميل إلى العين، فيسيل الملتحمة، بل إلى جانب الأنف في الغور حتى إذا ثقب الموضع ثقباً واحداً، أو ثقوباً صغاراً ثلاثة ونفذ، وسال إلى الدم ناحية الفم والأنف، يكوى حينئذ كية بالغة مع تقية أن يصيب ناحية المقلة، بل يجب أن يضغط المقلة ضبطاً بالغاً، ثم يكوى ويذر فيه الأدوية، ويعصب، وربما أغنى الكي عن الثقب، وليقصر عليه ما أمكن.

والدواء الرأسي من الأدوية الجيدة في ذلك، ويجب إذا كوي وذر فيه الدواء، أن يوضع على نفس العين إسفنج مبلول بماء مبرد، أو عجين دقيق مبرد بالثلج إثر عجين مبرد بالثلج كما كاد الدواء أن يسخن بدلته.

فصل في زيادة لحم الموق ونقصانه: قد تعظم هذه اللحمة حتى تمنع البصر، وقد تنقص جداً حتى تخفى حتى لا تمنع الدمعة، وأكثر عند خطأ الطبيب في قطع الظفرة. أما الزيادة، فيعالج بأدوية الظفرة، ولا يستأصل، فيحدث الدمعة، وأما النقصان الحادث عن القطع، فلا علاج له، وإن كان من جهة أخرى، فربما أمكن أن يعالج بالأدوية المنبتة للحم التي فيها قبض وتخفيف، كالأدوية المتخذة من الماميثا، والزعفران، والصبر بالشراب، والأدوية المتخذة بالصبر، والبنج بالشراب، والحب وحده، إذا ذر على الموق نفع، والشراب نفسه نافع، خصوصاً إذا طبخ فيه ما له قوة نابضة.

فصل في البياض في العين: اعلم أن البياض في العين منه رقيق حادث في السطح الخارج يسمى الغمام، ومنه غليظ يسمى البياض مطلقاً، كلاهما يحدثان عن اندمال القرحة أو البثرة إذا انفجرت واندملت.

المعالجات: أما الرقيق منه والحادث في الأبدان الناعمة، فيجب أن يدام تبخيره بالمياه الحارة والاستحمام بالماء الحار، ثم يستعمل اللحس دائماً، وقد ينفعه عصارة شقائق النعمان، وعصارة قنطوريون الرقيق، وأيضاً عروق جزء، ونانخواه ثلثا جزء يتخذ منه ذروراً.

وأقوى منه أنزروت، سكر طبرزد، زبد البحر، زراوند، بورق، يكتحل به بعد السحق. ومما ينفع منه كحل أسطريماخون، وكحل الآبار القوي، وأصطفطيقان، وطرخماطيقون.

وأما المزمن الغليظ والكائن في أبدان غليظة، فيجب أن يستعمل تليين البياض بالتبخرات والاستحمامات المذكورة، وتكون الشيافات المذكورة التي يكتحل بها مدفونة في ماء الوج، أو ماء الملح الأندراني المحلول ومكتحلاً بها في الحمام.

وإن لم ينجع الحمامات، استعمل الاكتحال بالقطران مع النحاس المحرق، يتخذ منه كالشياف، وأيضاً شياف قرن الأيل، وأيضاً الاكتحال ببعر الضب وحده، أو مع مسحقونيا، أو نحاس محرق، أو مع الملح الدرداني مقلواً. وأقوى من هذا خرء الخطاطيف بشهد، أو عسل، وزبل سام أبرص يكتحل به بكرة وعشية. ومما هو معتدل شيح محرق مع سرطان بحري، وقليميا الذهب، وإذا كان للبياض تقعره، استعمل ماميران، وأشق، ومر، وبعر الضب سواء، أو دواء مغناطيس المذكور في باب الظفرة.

وقد يستعمل أصباغ يصبغ البياض، منها أن يؤخذ المتساقط من ورد الرمان الصغار، وقاقيا، وقلقديس، وصمغ من كل واحد أوقية، إثمد وعفص من كل واحد ثلاثة دراهم يذاب بالماء، وإن لم يوجد ورد الرمان فقشره، أو أقماعه، أو الغشاء الشحمي الذي بين حبه، وأيضاً عفص وقاقيا من كل واحد درهمان، قلقديس درهم واحد يتخذ منه صبغ.

ومن الأصباغ كحل بهذه الصفة. ونسخته: يؤخذ رصاص محرق مغسول، وزعفران، وصمغ من كل واحد مثقالان، رماد بيوت سبك النحاس مغسولاً بماء المطر مثقالان، توبال النحاس مغسولاً نصف مثقال. ويستعمل منه كحل آخر جيد في الغاية نسخته: يؤخذ قلقطار، عفص أخضر، من كل واحد أربعة مثاقيل، يحل بالماء ويستعمل دفعات كثيرة: آخر: عفص، أقاقيا، من كل واحد جزء، نصف جزء، يسحق بماء شقائق النعمان، وكذلك الاكتحال بخرء الحمام والعصافير.

فصل في السبل: السبل غشاوة تعرض للعين من انتفاخ عروقها الظاهرة في سطح الملتحمة والقرنية، وانتساخ شيء فيما بينها كالدخان، وسبه امتلاء تلك العروق، إما عن مواد تسيل إليها من طريق الغشاء الظاهر، أو من طريق الغشاء الباطن لامتلاء الرأس، وضعف العين، وقد يعرض من السب حكة، ودمعة وغشاوة وتأذ من ضوء الشمس، وضوء السراج فيضعف البصر فيهما، لأنه متأذ قلق، فيؤذيه ما يحمل عليه، وقد يعرض للعين السبلة أن تصير أصغر، وينقص جرم الحدقة منها، والسبل من الأمراض التي تتوارث وتعدي.

العلامات: علامة السبل الذي مبدؤه الحجاب الخارج، ما ذكرناه مراراً من درور العروق الخارجة، وحمرة الوجه، وضربان شديد في الصدغين، أو درور في عروق الرقبة. وعلامات الآخر ما تعرفه مما هو خلاف هذا مما قد بيّن لك في القانون.

المعالجات: يجب أن يهجر معه جميع ما يهجره صاحب النوازل إلى العين مما ذكرناه، ولا نعيده الآن، وأن يستعمل من الإستفراغات والمنقّيات ما ذكرناه، وأن يتجنب الأدهان والأضمدة على الرأس والسعوط، فقد كُره فيه أيضاً، وأنا لا أرى بأساً باستعماله إذا كان الرأس نقياً. وقد رخص جالينوس في سقيه شراباً، وتنويمه عقيبه إذا كان نقيّاً، ولا مادة في بدنه ورأسه، ويشبه أن يكون هذا موافقاً في السبل الخفيف.

والقوي منه لا يستغنى فيه عن اللقط. وأحسن اللقط أن ينفذ خيوط كثيرة تحت العروق، فإذا استوفيت جذبت إلى فوق لتشيل السبل، ثم يلقط بمقراض حاد الرأس لقطاً لا يبقي شيئاً، إذ لو أبقى شيئاً لرجع إلى ما كان، بل أردأ، ثم يستعمل بتدبير منع الالتزاق المذكور في باب الظفرة، وإذا وجعت العين من تأثير اللقط لم يقطع عنها صفرة البيض وذلك شفعاؤه، وبعد ذلك يستعمل الشياف الأحمر والأخضر ليحلّل بقايا السبل وينقي العين. وأجود الأوقات للّقط الربيع، والخريف، ولكن بعد التنقية والاستفراغ، وإلا أمال الوجع الفضول إلى العين.

وأما الأدوية النافعة من السبل، فإنما تنفع الحديث في الأكثر، فمما جُرِّب قشر البيض الطري كما يسقط من الدجاجة، يغمس في الخلّ عشرة أيام، ثم يصفى ويجفف في كن، ويسحق، ويكتحل به. ومما جرّب كحل العين بالرمادي، مضافاً إليه مثله مارقشيثا.

ومما جرّب كحل العين ببول ترك فيه برادة النحاس القبرسي يوماً. ومن المركّبات شياف أصطفطيقان، والأحمر الليّن، والأحمر الحاد، والأخضر، وطرخاطيقون، وشياف روسختج، ودواء مغناطيس المذكور جميع ذلك في الأقراباذين، وشياف الجلنار والشبث. وإذا قارن السبل جَرب، فقد جُرّب له شياف السماق، وهو شياف يتخذ من السماق وحده، وربما جعل فيه قليل صمغ وأنزروت، ويكتحل به، فإنه يقطع السبل ويزيل الرمد.

فصل في الظفرة: فنقول هي زيادة من الملتحمة، أو من الحجاب المحيط بالعين يبتدئ في أكثر الأمر من الموق، ويجري دائماً على الملتحمة، وربما غشت القرنية ونفذت عليها حتى تغطي الثقبة، ومنها ما هو أصلب، ومنها ما هو ألين، وقد يكون أصفر اللون، وقد يكون أحمر اللون، وقد يكون كمد اللون. ومن الظفرة ما مجاورته للملتحمة مجاورة ملتزق، وهو ينكشط بسرعة وبأدنى تعليق، ومنه ما مجاورته مجاورة اتحاد، ويحتاج إلى سلخ حسبما أنت تعلم ذلك.

المعالجات: أفضل علاجه الكشط بالحديد، وخصوصاً لما لان منه، وأما الصلب، فإن كاشطه إذا لم يرفق أدى إلى ضرر، ويجب أن يشال بالصنارات، فإن تعلق سهل قرضه، وإن امتنع سلخ بشعرة، أو إبريسم ينفذ تحته بإبرة، أو بأصل ريشة لطيفة، وإنما يحتاج إلى ذلك في موضع أو موضعين، فإن لم يغن احتيج إلى سلخ لطيف بحديد غير حاد، ويجبَ أن تستأصل ما أمكن من غير تعرض للحمة الموق، فيعرض الدمعة، واللون يفرق بينهما. وإذا قطعت الظفرة قطر في العين كمون ممضوغ بملح، ثم يتلافى لذعه بصفرة البيض ودهن الورد والبنفسج، وإذا لم يستعمل تقطير الكمون الممضوغ بالملح التزقت الملتحمة بالجفن، ولذلك يجب أيضاً أن يقلب المريض العين كلّ وقت، ثم بعد ثلاثة أيام يستعمل الشيافات الحادة ليستأصل البقية، وأما استعمال الأدوية عليه، فأمر لا كبير غناء له فيما غلظ من الظفرة، ومع ذلك، فإنها لا تخلو من نكاية بالحدقة لحدتها، فإنها لا بد من أن تكون شديدة الجلاء مخلوطة بالمعفنة. ومن الأكحال المجربة له شياف طرخماطيقون، وقلطارين، وشياف قيصر، وباسليقون الحاد، وروشناي، ودينارحون، وهذه كلها مكتوبة في الأقراباذين.

وقد جرب له أن يؤخذ من النحاس المحرق، ومن القلقديس، ومرارة التيس، أجزاء سواء ويتخذ منه شياف، أو أن يؤخذ قلقديس، وملح أندراني، من كل واحد جزء، صمغ نصف جزء، ويستفّ بالخمر، أو نحاس محرق، وقلقند، وقشور أصل الكبر، ونوشادر، ومرارة التيس أو البقر مع عسل، أو عسل وحده مع مرارة المعز، أو مغناطيس، وزنجار، ومغرة وأشق من كل واحد جزءان زعفران جزء للأوقية من ذلك قوطولي عسل، وأيضاً قلقند، ونوشادر يتخذ منه كحل، فانه عجيب للظفرة، وهو يقرب من تأثير الكشط، أن يؤخذ خزف الغضائر الصيني، ويحكّ عنه التغضير، ويسحق سحقاً ناعماً، وبعد ذلك، فيخلط بدهن حبّ القطن، أو يسحقان معاً، ثم يدخل ميل في جلد ويؤخذ به من الدواء، ويحك به الظفرة دائماً كل يوم مراراً، فإنه يرقّقها ويذهب بها.

ويجب أن يكبّ قبل استعمال الأدوية على بخار ماء حار حتى يسخّن العين، ويحمر الوجه، أو يدخل الحمام، وعندي أن يكبّ على بخار شراب مغلي، أو يشرب قليل من الشراب الممزوج، ثم يحك به الظفرة. وقد ينفع في الظفرة الخفيفة والغليظة أن يسحق الكندر، وينقع في ماء حار حتى يأتي عليه ساعة، ويصفى ويكتحل به. وقد جرّبت أنا من كان به ظفرة غليظة حمراء متقادم سحق الكندر القديم سحقاً ناعماً، وصببت الماء الحار في الغاية على رأسه في الهاون، ثم خلطت بدستج الهاون معاً خلطاً بالغاً حتى صار لون ذلك إلى الإخضرار، واستعملت فوجدت نافعاً في الغاية.

فصل في الطرفة: فنقول هي نقطة من دم طري أحمر، أو عتيق مائت، أكهب، أسود، قد سال عن بعض العروق المنفجرة في العين بضربة مثلاً، أو لسبب آخر مفجر للعروق من امتلاء، أو ورم حتى يعتق فيه، ومن جملته الصحيحة والحركة العنيفة، وربما كان عن غليان الدم في العروق، وربما حدث عن الطرفة الضربية خرق لطيف في الحدقة، والذي في الملتحمة من الخرق أسلم.

المعالجات: يقطر عليه دم الحمام، أو الشفانين، أو الفواخت والوراشين، وخاصة من تحت الريش، وإن كان في الابتداء خلط به شيء من الرادعات، مثل الطين المعروف بقيموليا، والطين، الأرمني. وأما في آخره، فيخلط بالمحللات حتى الزرنيج مع الطين المختوم، وقد يعالج بلبن امرأة مع كندر، والماء المالح، وخصوصاً والمدوف فيه ملح أندراني، أو نوشادر، وخصوصاً إذا جعل فيه مع ذلك الكندر، وقطر على العين منه. وأيضاً شياف دينار دون نافع منه جداً. ودواء متخذ من حجر الفلفل، والأنزروت أجزاء سواء، زرنيخ مثل الجميع، وقد يخلط بذلك ملح اندراني، فيتخذ منه شياف، وقد يضمد به من خارج بقلي محرق بالخمر، أو بالخل، وكذلك فرق الحمام بالخل، أو الحمر، أو زبيب منزوع العجم ضماداً وحده، أو بخل، أو بسائر ما قيل، وخصوصاً إذا كان ورم. وكذلك الجبن الحديث، والقليل الملح، والجبن الحديث، وقشر الفجل، وإكليل الملك مع دم الأخوين، وأصل السوسن، وزعفران، أو عدس بدهن الورد، وصفرة البيض والأكباب على ماء حار طبخ فيه زوفا، وسعتر، أو التكميد به، أو خل طبخ فيه رماد، أو نقيع اللبان مع الصبر، أو ماء عصفر بري، أو نقيع الزعفران، أو ماء طبخ فيه بابونج وإكليل الملك، أو عصارتهما، أو سلاقة ورق الكرنب، أو التضميد بورق الكرنب مطبوخاً مدقوقاً. وللقوي المزمن خردل مدقوق مخلوط بضعفه شحم التيس ضماداً، أو زرنيخ محلول بلبن، أو رمان مطبوخ في شراب يضمد به، أو نانخواة وزوفا بلبن البقر، فإن حدث مع الطرفة خرق في الملتحمة مضغت الكمون والملح، وقطرت الريق فيه. وورق الخلاف نافع منه جداً إذا ضمد به.

فصل في للدمعة: هذه العلة هي أن تكون العين دائماً رطبة برطوبة مائية، فربما سالت دمعة، ومنه مولود، ومنه عارض. ومن العارض لازم في الصحة، ومنه تابع لمرض، إن زال زال، كما يكون في الحميات. والسبب في العارض ضعف الماسكة، أو الهاضمة المنضجة، أو نقصان من الموق في الطبع، أو بسبب استعمال دواء حاد، أو عقيب قاطع الظفرة. ومبدأ تلك الرطوبات الدماغ، ويسيل منه إلى العين في أحد الطريقين المتكرر ذكرهما مراراً، وما كان مولوداً أو مع استئصال قطع الموق فلا يبرأ، وسيلان الدمع الذي يكون في الحميات والأمراض الحادة، ويكون بلا علة، فيكون لآفة دماغية، وأورام دماغية، وقد يعرض في الحميات السهرية من حميات اليوم. وأما في الحميات العفنية المطوية، فيكثر، وقد يكثر سيلان الدمع في التمدد، وهذا كله من جنس ما هو عارض سريع الزوال، تابع لمرض إن زال زال معه.

المعالجات: القانون في علاجها استعمال الأدوية المعتدلة للقبض، فأما الكائن عقيب قطع الظفرة أو تأكيلها بدواء، فيعالج بالذرور الأصفر، وأقراص الزعفران، وشياف الصبر، وشياف الزعفران بالبنج، وإن تكحل على الماق نفسه بالكُندر، أو بِدخانه خاصةً، وبالصبر، والماميثا، والزعفران، وإن كانت قد فنيت واستؤصلت، فلا تنبت البتة، والكائن لا عن قطع الظفرة، فالتوتياء، والأكحال التوتيائية خاصة الكحل التوتيائي المذكور في باب البياض، وجميع الشيافات اللزجة، والشياف الأبيض، والأنزروتي، وشياف أصطفطيقان، وسائر ما ذكرنا في القراباذين. ومما حرب فيه الدواء المتخذ من ماء الرمان الحامض بالأدوية، وصفة ذلك أن يطبخ الرطل منه على النصف، ثم يلقى فيه من الصبر الأسقوطري، ومن الحضض ومن الفيلزهرج، ومن الزعفران، ومن شياف ماميثا من كل واحد مثقال، ومن المسك دنقان، ويشمس أربعين يوماً في زجاج مغطى. ومما جرب فيه دخول الحمام على الريق والمقام فيه، وتقطير الخلّ والماء في العين كثيراً. وأما المولود منه فعسر ما يقبل العلاج البتة.

فصل في الحَوَلِ: قد يكون الحول لاسترخاء بعض العضل المحركة للمقلة، فتميل عن تلك الجهة إلى الجهة المضادة لها، وقد يكون من تشنج بعضها، فتميل المقلة إلى جهتها. وكيف كان، فقد يكون عن رطربة، وقد يعرض عن يبوسة كما يعرض في الأمراض الحادة.

وما يكون السبب فيه تشنج العضل، فإنما يكون عن تشنج العضل المحركة، فإن تشنجها هو الذي يحدث في العين حولاً. وإما لتشنج العضل الماسكة في الأصل، فلا يظهر آفة بل ينفع جداً. وكثيراً ما يعرض الحول بعد علل دماغية، مثل الصرع، وقرانيطس، والسَدر ونحوه للاحتراق واليبس، أو الامتلاء أيضاً. واعلم أن زوال العين إلى فوق وأسفل هو الذي يُرِي الشيء شيئين، وأما إلى الجانبين فلا يضر البصر ضرراً يعتد به.

المعالجات: أما المولود به فلا يبر، اللهم إلا في حال الطفولية الرطبة جداً، فربما رجي أن يبرأ، خصوصاً إذا كان حادثاً، فينبغي في مثله أن يسوّى المهد ويوضع السراج في الجهة المتقابلة لجهة الحول ليتكلف دائماً الالتفات نحوه، وكذلك ينبغي أن يربط خيط بشيء أحمر يقابل ناحية الحول، أو يلصق شيء أحمر عند الصدغ المقابل، أو الأذن، وكل ذلك بحيث يلحقه في تأمله وتبصّره أدنى كلفة، فربما نجع ذلك التكليف في تسوية العين وإرسال الدم مما يجعل النظر مستقيماً.

وأما الذين يعرض لهم ذلك بعد الكبر والمشايخ، ويكون سببه استرخاء، أو تشنجاً رطباً، فيجب أن يستعملوا تنقية الدماغ بالاستفراغات التي ذكرنا بالأيارجات الكبار ونحوها، ويلطفوا التدبير، ويستعملوا الحمام المحلّل. ومن الأدوية النافعة في الحول أن يسعطوا بعصارة ورق الزيتون، فإن كان عروضه عن تشنّج من يبس، فيجب أن يستعملوا النطولات المرطبة، وإذا لم يكن حمى، سقوا ألبان الأتن مع الأدهان المرطبة جداً. وبالجملة يجب أن يرطب تدبيرهم، وأن يقطَر في العين دماء الشفانين، وأن يضمدوا ببياض البيض، ودهن الورد، وقليل شراب، ويربط، يفعل ذلك أياماً.

فصل في الجحوظ: قد يقع الجحوظ، إما لشقة انتفاخ المقلة لثقل بها، وامتلائها، وإما لشدة إنضغاطها إلى خارج، وإما لشدة استرخاء علاقتها، والعضلات الجاحظة لعلاقتها المذكورة والواقع لشدة انتفاخ المقلة لثقلها وامتلائها، فإما أن تكون المادة في نفس العين ريحية، أو خليطية رطبة، وربما كان الامتلاء خاصاً بها، وربما كان بمشاركة الدماغ أو البدن، مثل ما يعرض عند احتباس الطمث للنساء. والذي يكون لشدة انضغاطها إلى خارج فكما يكون عند الخنق، وكما يكون عند الصُداع الشديد، وكما يكون بعد القيء والصياح، وللنساء بعد الطلق الشديد للتزحير، وربما كان مع ذلك من مادة مالت إلى العين أيضاً إذا لم يكن النفاس نقتاً، وربما كان من فساد مزاج الأجنة أو موتها وتعفنها. وأما الكائن لاسترخاء العضلة، فلأن العضلة المحيطة بالعصبة المجوّفة إذا استرخت لم تثقل المقلة، ومالت إلى خارج.

والجحوظ قد يكون من استرخاء العضلة فقط، فلا يبطل البصر، وقد يكون مع انتهاكها فيبطل البصر. وقد يجحظ العينان في مثل الخوانيق، وأورام حجب الدماغ، وفي ذات الرئة، ويكون السبب في ذلك إنضغاطاً، وقد يكون السبب في ذلك امتلاء أيضاً. وكثر ما يكون مع دسومة ترى، وتورم في القرنية.

العلامات: ما كان من مادة كثيرة مجتمعة في الحدقة، فيكون هناك مع الجحوظ عظم، وما كان من انضغاط، فربما كان هناك عظم إن أعانته مادة، وربما لم يكن عظم، وفي الحالين يحس بتمدد دافع من خلف، ويعرف من سببه. وما كان الاسترخاء العضلة، فإن الحدقة لا تعظم معها، ولا يحس بتمدد شديد من الباطن، وتكون الحدقة مع ذلك قلقة.

المعالجات: أما الخفيف من الجحوظ، فيكفيه عصب دافع إلى باطن، ونوم على استلَقاء، وتخفيف غذاء، وقلة حركة، وإدامة تغميض، فإن احتيج إلى معونة من الأدوية، فشياف السماق. وأما القوي منه، فإن كان هناك مادة احتيج إلى تنقيتها من البدن والرأس بما تمري من المسهّلات، والفصد، والحجامة في الأخدعين، والحقن الحارة.

وبالجملة، فإن الإسهال من أنفع الأشياء لأصنافه، وكذلك وضع المحاجم على القفا. ويجب أن يدام التضميد في الابتداء بصوف مغموس في خلّ، وتنطيل الوجه بماء بارد، أو ماء ملح بارد، وخصوصاً مطبوخاً فيه القابضات، مثل قشور الرمان، والعلّيق، ومثل الخشخاش، والهندبا، وعصا الراعي، فإن لم يكن عن امتلاء، انتفع الجميع بهذا التدبير في كل وقت، إن كان هناك امتلاء، فيجب بعد الابتداء أن تحلل المادة، وإن كان عن استرخاء، فيجب أن يستعمل الأيارجات الكبار، والغراغر، والشمومات، والبخورات المعروفة، وبعد ذلك يستعمل القابضات المشددة. وأما الذي عند الطلق، فإن كان عن قلة سيلان دم النفاس أو فساد الجنين، فإدرار الطمث وإخراج الجنين، وإن كان عن الانضغاط فقط، فالقوابض.

ومن الأدوية النافعة في النتوءوالجحوظ دقيق الباقلا بالورد، والكندر، وبياض البيض، يضمد به، وأيضاً نوى التمر المحرق مع السنبل جيّد للنتوء والجحوظ.

فصل في غؤر العين وصغرها: قد يكون ذلك في الحميّات، وخصوصاً في السهرية، وعقيب الاستفراغات والأرق والغم والهم. والأرقية منها تكون العين فيها نعاسية ثقيلة عسرة الحركة في الجفن دون الحدقة، وفي الغمّ ساكنة الحدقة. وقد حكي أنه عرض لبعض الناس اختلاف الشقين في برد شديد وحر شديد، فعرض للعين التي في الشقّ البارد غؤر وصغر، فاعلم ذلك بجملته.

فصل في الزرقة: اعلم أن الزرقة تعرض، إما بسبب في الطبقات، وإما بسبب في الرطوبات. والسبب في الرطوبات، أنها إن كانت الجليدية منها كثيرة المقدار، والبيضية صافية وقريبة الوضع إلى خارج ومعتدلة المقدار أو قليلته، كانت العين زرقاء بسببها إن لم يكن من الطبقة منازعة، وإن كانت الرطوبات كَدِرة، أو الجليدية قليلة، والِبيضية كثيرة، أظلم إظلام الماء الغمر، أو كانت الجليدية غائرة، كانت العين كحلاء. والسبب في الطبقات هو في العتبيّة، فإنها إن كانت سوداء كانت العين بسببها كحلاء، وإن كانت زرقاء صيرت العين زرقاء. والعنبيّة تصير زرقاء، إما لعدم النضج مثل النبات، فإنه أول ما ينبت لا يكون ظاهر الصبغ، بل يكون إلى البيض، ثم أنها مع النضج تخضر، ولهذا السبب تكون عيون الأطفال زرقاً وشهلاً، وهذه زرقة تكون عن رطوبة بالغة. وإما لتحلّل الرطوبة التي يتبعها الصبغ إذا كانت نضيجة جداً، مثل النبات عندما تتحلّل رطوبته يأخذ يبيضّ، وهذه زرقة عن يبس غالب.

والمرضى تشهل أعينهم، والمشايخ لهذا السبب، لأن المشايخ تكثر فيهم الرطوبة الغريبة، وتتحلّل الغريزية، وإما أن يكون ذلك لون وقع في الخلقة، ليس لأن العنبية صار إليها بعد ما لم يكن، وقد يكون لصفاء الرطوبة التي منها خلقت، وقد يكون لإحدى الآفتين إذا عرضت في أول الخلقة، ويعرف ذلك بجودة البصر ورداءته. فالزرقة منها طبيعية، ومنها عارضة، والشهلة تحدث من اجتماع أسباب الكحل، وأسباب الزرقة.، فيتركب فنها شيء بين الكحل والزرقة وهو الشهلة، وإن كانت الشهلة للنارية على ما ظنه أمبادقلس، لكانت العين الزرقاء مضروُرة لفقدانها النارية التي هي آلة البصر، وبعض الكحل يقصر عن الزرق في الإبصار إذا لم يكن الزرق لا آفة. والسبب فيه أن الكحل الذي يكون بسبب البيضية يمنع نفوذ أشباح الألوان بالبياض لمضادته للأشفاق، ومثل الذي يكون لكدورة الرطوبة، وكذلك إن كان السبب كثرة الرطوبة، فإنها إذا كانت كثيرة أيضاً لم تجب إلى حركة التحديق والخروج إلى قدام إجابة يُعْتَدُّ بها. وإذا كانت العين زرقاء بسبب قلّة الرطوبة البيضية، كانت أبصر بالليل وفي الظلمة منها بالنهار، لما يعرض من تحريك الضوء للمادة القليلة فتشغلها عن التبيّن، فإن مثل هذه الحركة يعجز عن تبيُّن الأشياء كما يعجز عن تبيُّن ما في الظلمة بعد الضوء. وأما الكحلاء بسبب الرطوبة فيكون بصرها بالليل أقلّ بسبب أن ذلك يحتاج إلى تحديق وتحريك للمادة إلى خارج، والمادة الكثيرة تكون أعصى من القليلة، وأما الكحل بسبب الطبقة، فيجمع البصر أشد.

المعالجات: قد جرب الاكتحال ببنج مجفف يطبخ في الماء حتى يصير كالعسل ويكتحل به، أو يؤخذ إثمد أصفهاني وزن ثلاثة دراهم، لؤلؤ دراهم، مسك وكافور من كل واحد وزن دانق، دخان سراج الزيت أو الزنبق وزن درهمين، زعفران درهم، يجمع الجميع بالسحق، ويستعمل. والزعفران نفسه ودهنه، مما يسوّد الحدقة، وكذلك عصارة عنب الثعلب، أو يؤخذ من عصارد الحسك وزن درهمين، ومن العفص المسحوق وزن درهم، نوى الزيتون المسودّ على الشجر، ودهن السمسم غير مقشّر، من كل واحد وزن درهم يطبخ بنار لينة ويكتحل به.
ومما جرّب أن يحرق البندق، ويخلط بزيت، ويمرخ به يافوخ الصبي الأزرق العين، وأيضاً يدخل الميل في حنظلة رطبة ويكتحل به، حتى قيل أن ذلك يسوّد حدقة السنور جداً، وكذلك قشور الجلّوز مسحوقة منخولة، ويؤخذ أقاقيا جزءاً مع سدس جزء من عفص، يجمع ذلك بماء شقائق النعمان وعصارته، ويتخذ منه قطور، كذلك عصارة البنج، وعصارة قشور الرمان، وكذلك الظئر إذا كانت زنجية أو حبشية، وترضع الصبي فتزول الزرقة.

المقالة الثالثة
أحوال الجفن وما يمليه

فصل في القمل في الأجفان: مادة القمل رطوبة عفنة دفعتها الطبيعة إلى ناحية الجلد والقوة المهيئة لتولّدها حرارة غير طبيعية، وأكثر من يعرض له ذلك من كان كثير التفنُّن في الأطعمة قليل الرياضة غير متنظف ولا يستعمل الحمّام.

المعالجات: تبدأ بتنقية البدن والرأس ناحية العين بما علمت، وخصوصاً بغراغر متخذة من الخل والخردل، ثم تستعمل غسل العين ونطلها بماء البحر المالحة والكبريتية، ويلطّخ شفر الجفن بدواء متخذ من الشبّ ونصفه ميويزج، وربما زيد عليه من الصبر والبورق من كل واحد نصف جزء، والأحسن أن يكون ما يعجنه به خل العنصل، وأما الميويزج مع البورق، فدواء جيد له.

فصل في السلاق وهو باليونانية أنيوسيما: السلاق غلظ في الأجفان عن مادة غليظة، رديئة، أكالة، بورقيّة، تحمرّ لها الأجفان، وينتثر الهدب، ويؤدي إلى تقرّح أشفار الجفن، ويتبعه فساد العين، وكثيراً ما يحدث عقيب الرمد، ومنه حديث، ومنه عتيق رديء.

المعالجات: أما الحديث، فينتفع بضمّاد من عدس مطبوخ بماء بارد، أو بضمّاد من البقلة الحمقاء، والهندبا مع دهن الورد، وبياض البيض يستعمل ذلك ليلاً، ويدخل الحمام بعده، أو يؤخذ عدس مقشّر وسقاق، وشحم الرمان، وورد، يعجن ذلك بميبختج، ويستعمل ليلاً، ويُستحم بكرةً. وإدمان الحمام من أنفع المعالجات له. وأما العتيق المزمن، فيجب فيه أن يحجم الساق، ويفصد عرق الجبهة، ويدام استعمال الحمام. وأما الأدوية الموضعية، فمنها أن يؤخذ نحاس محرق نصف درهم، زاج ثلاثة دراهم، زعفران فلفل درهماً درهماً، يسحق بشراب عفص حتى يصير كالعسل الرقيق، ويستعمل خارج الجفن. وأما الكائن عقيب الرمد، فقد جرب له شياف على هذه الصفة، ونسخته: زاج الحبر المحرق، زعفران سنبل، من كل واحد جزء، ساذنج عشرة أجزاء، يشتف ويحك به الجفن.

فصل في جسا الأجفان: هو أن يعرض للأجفان عسر حركة إلى التغميض عن انفتاحه، وإلى الانفتاح عن تغميضه، مع وجع وحمرة بلا رطوبة في الأكثر، ويلزمه كثيراً أن لا يجيب إلى الانفتاح مع الانتباه عن النوم. وكثره لا يخلو عن تفاريق رمص يابس صلب، ولا يكون معه سيلان إلا بالعرض، لأنه عن يبس أو خلط لزج مائل إلى اليبوسة جداً، ولكن قد يكون وجع وحمرة. وأما إذا كانت حكة بلا مادة تنصت إليها، فتسمى يبوسة العين، وكثيراً ما يكون هناك مزاج حار، ومادة كثيرة غليظة تحتاج أن تُستفرغ.

المعالجات: يجب أن يُدام تكميد العين بإسفنج مغموسة في ماء فاتر، ويدمن الاستحمام بالماء العذب المعتدل، ويوضع على العين عند النوم بياض البيض، مضروباً بدهن الورد، ويدام تغريق الرأس بالمرطبات والأدهان والنطولات والسعوطات المرطبة بدهن البنفسج، والنيلوفر وغيره. وإن دلت الأحوال على أن مع اليبس مادة صفراوية بدهن البنفسج، استسهل باللبلاب، فإن فيه خاصية، وإن ظن أن هناك مادة غليظة مجففة تحتاج إلى تحليل، حلّلت بلعاب الحلبة، ولعاب بزر الكتان المأخوذين باللبن، فإن هذين إذا جعلا في العين أزالا الجسا، واستفرغا الخلط الرديء. ومما جرب له شحم الدجاج، ولعاب بزر قطونا، وشمع، ودهن الورد يجعل عليه دائماً، وفي الأحيان يستعمل ما يجلب الدموع، مثل شياف أراسياطراطس، فانه قد ينتفع به في المأدى المزمن منه باستعمال الأكحال المدمعة، فإنها تحلّل المادة الغليظة وتسيّلها، وتجلب من الرطوبات الرقيقة ما يليّنها ويحللها بتحللها.

فصل في غلظ الأجفان: هو مرض يتبع الجرب، وربما أورثه الأطلية الباردة على الجفن، وعلاجه: الاكتحال المتخذ من اللازورد، ومن الحجر الأرمني، ومن نوى التمر محرقاً، ومن الناردين، واستعمال الحمام دائماً، واجتناب النبيذ، وقد يحد كثيراً بالميل وبالشياف الأحمر الليّن، وأما الحك بالسكر، فربما هاج أو جَرُبَ به.

فصل في تهيّج الأجفان: يقع لموادّ رقيقة، وبخارات، ولضعف الهضم وسوئه، كما يكون في السهر والحميات السهرية، وقد يكون في أوائل الاستسقاء وسوء القنية، ولأورام رطبة مثل ذات الرئة، ومثل ليثرغس، وإذا حدث بالناقهين، أنذر كثيراً بالنكس، وخصوصاً إذا أطاف بها من سائر الأعضاء ضمور، وبقيت هي متهيجة منتفخة، والمعلاج قطع السبب والتكميد.

فصل في ثقل الأجفان: قد يكون للتهتج وأسبابه، وقد يكون لضعف القوة وسقوطها كما في الدق، وقد يكون للغلظ والشرناق ونحوه، وقد يعرض ثقل واسترخاء في ابتداء نوائب الحميات.

فصل في التصاق الجفنين عند الموق وغيره: قد يعرض للجفن أن يلتصق بالمقلة، إما بالملتحمة، وإما بالقرنية، وإما بكليهما، وقد يكون في أحد جانبي الموق، وقد يكون إلى الوسط، كما قد يكون شاملاً. والسبب فيه، إما قروح حديثة، وإما خرق الكحال إذا لقط من المقلة سبلاً، أو كشط ظفرة، أو حك من الجفن جرباً، ثم لم يكوه بالكمّون والملح ونحوه كما ذكرنا كياً بالغاً، ولم يراع كل وقت ما يجب أن يراعى فيه حتى التصق وانحس الأمر.
فصل في السدية: هو لحيمة بثرية تزيد في المقلة، فإن كان عند الموق، فالأصوب أن ينكأ، ثم يعالج بعلاج الغرب، أو يكحل بباسليقون، وبالدواء البنفسجي، وأدوية الظفرة، وخصوصاً الشياف الزرنيخي. وإن كان مع البياض والسواد، فعلاجه علاج الظفرة حسب ما بيناه.

فصل في انقلاب الجفن وهو الشترة: أصنافه ثلاثة: أحدها أن يتقلص الجفن ولا يغطي البياض، وذلك إما خلقة، وإما لقطع أصاب الجفن، وتسمى عين مثله العين الأرنبية. والثاني: الصنف الأوسط، وهو أن لا يغطي بعض البياض، ويسمى قصر الجفن، وسببه سبب الأول، إلا أنه أقل من ذلك. والثالث: هو أن لا ينطبق الجفن الأعلى على الأسفل، وذلك يكون، إما من غدة، وإما من نبات لحم زائد كان ابتداء، أو من تشنج عرض للجفن من قرحة اندملت عليه لا تدع الجفن الأعلى أن ينطبق على الأسفل، وقد يكون جميع ذلك من تشنج العضل المطبقة للجفن.

فصل في العلاج: أما الذي عن قصر الجفن، فعلاجه أن يشق ولا يخاط ويندمل بعد نشء لحم جلدي، وهذا للصنف الأول والثاني بالأكثر والأقل، وأما الذي عن غدة ولحم زائد، فيأخذهما بالحديد، وكذلك الذي عن أثر قرحة اندملت مقصرة للجفن، علاجه بالحديد يفتق، ويدمل والذي من تشنج، علاجه علاج التشنج بنوعيه.

فصل في البَرَدة: هي رطوبة تغلظ وتتحجر في باطن الجفن، وتكون إلى البياض تشبه البَرَد.

العلاج: يستعمل عليها لطوخ من وسخ الكوائر وغيرها، وربما زيد عليه دهن الورد، وصمغ البطم، وأنزروت، أو يطلى بأشق مسحوق بخل، وبارزذ، أو حلتيت، أو طلاء، أو ربياسيوس المذكور في باب الشعيرة.

فصل في الشعيرة: الشعيرة ورم مستطيل يظهر على حرف الجفن، يشبه الشعير في شكله ومادته في الأكثر دم غالب.

العلاج: تعالج بالفصد والاستفراغ بالأيارج على ما تدري، ثم يؤخذ شيء من سكبينج، ويحل بالماء، ويلطخ به الموضع، فإنه جيد جداً. وينفعه الكماد بالشحم المذاب، أو دقيق الشعير وقنّة، أو خبز مسخّن يرقد عليه، والكماد بذنب الذباب، والذباب المقطوف الرأس، أو بماء أغلي فيه الشعير، أو دم الحمام، أو دم الوراشين والشفانين، أو يؤخذ بورق قليل وقنّة كثيرة، فيُجمعان ويوضعان على الشعيرة. وطلاء أوربياسيوس، وهو أن يؤخذ من الكندر والمر من كل واحد جزء، لاذن ربع جزء، شمع شب بورق أرمني من كل واحد نصف جزء، ويُجمع بعكر دهن السوسن ويُطلى.

فصل في الشرناق: الشرناق زيادة عن مادة شحمية تحدث في الجفن الأعلى، فتثقل الجفن عن الانفتاح، وتجعله كالمسترخي، ويكون ملتحجاً ليس متحركاً تحرك السلعة، وأكثر ما يعرض يعرض للصبيان والمرطوبين، والذين تكثر بهم الدمعة والرمد. ومن علاماته أنك إذا كبست الانتفاخ بإصبعين، ثم فرقتهما نتأ في وسطهما.

المعالجات: علاج اليد، وصفته أن يجلس العليل، ويمسك رأسه جذباً إلى خلف، ويمدّ منه جلد الجبهة عند العين، فيرتفع الجفن، ويأخذه المعالج بين سبابته ووسطاه، ويغمز قليلاً، فتجتمع المادة منضغطة إلى ما بين الأصبعين، ويجذب ممسكاً لرأس الجلدة من وسط الحاجب، فإذا ظهر النتؤ قطع الجلدة عنه قطعاً شأفاً رقيقاً غير غائر، فإن الاحتياط في ذلك. ولأن يشرح تشريحاً بعد تشريح، أحوط من أن يغوص دفعةً واحدةً، فإذا ظهر بالتشريحة الأولى فبها، ونعمت، وإلا زاد في التشريح حتى يظهر، فإن وجده مبرأ، لف على يديه خرقة كتان، وأخذ الشرناق مخلصاً إياه يمنة ويسرة، وإن بقيت بقية لا تجيب، ذر عليها شيئاً من الملح ليأكلها، وإن كانت في كلاف وشديدة الالتصاق، أخذ المتبري منه وترك الآخر لا يتعرّض له، ويفوّض أمره إلى تحليل الملح الذي يُذرّه عليه، ثم يضع عليه خرقة مبلولة بخلّ.

وإذا أصبح من اليوم الثاني، وأمنت الرمد، فعالجه بالأدوية الملزقة، ويكون فيها حُضَض، وشياف ماميثا، وزعفران، وربما تعرّض للمتحد الذي لا تبرأ فيه بكشطه وسلخه بشعرات تنفذ بالصنانير تحته، ويحرّك يمنةً ويسرةً حتى يتبرأ، أو يفعل ذلك بأسفل ريشة، ويحتاج أن يحتاط في البطّ حتى لا يأخذ في الغور، فإن الباطّ إن مدد الجفن بشدة، وأمعن في البطّ حتى قطع الجلدة والغشاء الذي تحته بضربة واحدة، طلع الشحم من موضع القطع إذا ضغطه بالأصابع التي أدارها حول الجلدة الممتدة، فيحدث وجع شديد، وورم حاد، وتبقى بقية صلبة معوقة هي شرّ من الشرناق، وربما انقطع من العضلة الرافعة للجفن شيء صالح، فيضعف الجفن عن الانفتاح. وأما الحديث الضعيف منه، فكثيراً ما تشفى منه الأدوية المحللة دون عمل اليد.

فصل في التوتة: هي لحم رخو يحدث في باطن الجفن، فلا يزال يسيل منه دم أحمر وأسود وأخضر. وعلاجها التنقية بالمجففات الأكَالة، والشيافات الحارة، فإذا أكلت التوتة استعمل حينئذ الذرورات والشيافات التي تنبت اللحم فيما يقال في قروح الأجفان. وبالجملة علاجات الحكّة والجرب القرنيين.

فصل في التحجّر: التحجّر ورم صغير يدمى ويتحجر، وقد يخلص عنه عمل اليد، ثم استعمال أدوية القروح للأجفان.

فصل في قروح الجفن وانخراقه: يستعل عليها ضماد من عدس مقشر، وقشور الرمان مطبوخة بالخل، فإذا سقطت الخشكريشة وبطل التأكّل، استعمل عليها صفرة البيض مع الزعفران، فإنه يدمل، وإن شئت استعملت عليها شياف الكندر، وشياف الأبار مع شياف الاصطفطيقان والأحمر اللين، وأما انخراق الجفن، فيقبل الالتحام ويعالج بعلاج انخراق الجلود المذكور في بابه.

فصل في الجرب والحكّة في الأجفان: سببه مادة مالحة بورقية من دم حاد، أو خلط آخر حاد يحدث حكاً، ثم يجرّب. وأكثره عقيب قروح العين، ويبتدئ العلة أولاً حكة يسيرة، ثم تصير خشونة، فيحمرّ الجفن، ثم يصير تبنياً متقرّحاً، ثم يحدث المحبب الصلب عند اشتداد الشقاق في الحكة و التورّم.

المعالجات: إذا قارن الجرب رمد، فعالج الرمد أولاً، ثم أقبل على الجرب بعد أن لا تهمل أمر الجرب، وكذلك الحال والحكم إن كان هناك مرض آخر، فالواجب أن يراعي أشدّهما اهتماماً، وإذا رأيت تقرّحاً وورماً، فإياك أن تستعمل الأدوية الحادة ونحوها إلا بعد التوصل بالرفق إلى إمكان الحك، فإنك لجلب بالأدوية ألماً شديداً.

فأما الثاني والثالث من الأنواع المذكورة، فلا بد من الحك، إما بالحديد، وإما بأدوية تتخذ محاك، مثل زبد البحر، وخصوصاً الجنس المعروف منه بقيشورا وبورق التين أو يتخذ محك من ساذنج وزعفران ومارقشيثا يتخذ منه شياف ويحك به.

وأما الذي يقبل العلاج بالأدوية، وهو ما لم يبلغ درجة الثاني والثالث، فأول علاجه إدامة الاستفراغ والفصد، ولو في الشهر مرتين، وفصد المأقين بعد الفصد الكلّي، ومداومة الاستحمام، واجتناب الغبار والدخان والصياح، والتحرّز من شدة زَرِّ الأزرار، وضيق قوارة الجيب، والغضب، والحرد، وكثرة الكلام، ولط المخدة، وطول السجود، وكل ما يصمد المواد إلى فوق ويجذبها إلى الوجه. وينفع في ابتدائه الشياف الأحمر الليّن، وبعده الشياف الأخضر الليّن. فإن كان أقوى من ذلك فالحاد من كل واحد منهما وطرخماطيقون، وكحل أرسطراطس، وشياف الزعفران.

وقد يعالج بمرارة العنز، ومرارة الخنزير، وبالنوشادر، والنحاس المحرق، والقلقديس مجموعة وأفراداً، والباسليقون. والشياف الرمادي جيد جداً، وأيضاً دواء أراسسطس جيد جداً. ومن الأدوية النافعة دواء بهذه الصفة، ونسخته: كهربا جزء، قشور النحاس جزءان يعجن بعسل ويستعمل، أو صبر جزء نوشادر نصف جزء، يعجن بعسل ويستعمل.

أخرى: يؤخذ من النحاس المحرق ستة عشر مثقالاً، ومن الفلفل ثمانية مثاقيل، ومن القليميا أربعة مثاقيل، ومن المر مثقالان، ومن الزعفران مثقالان، ومن الزنجار خمسة مثاقيل، ومن الصمغ عشرون مثقالاً، يجمع ويحقّ بماء تودري، أو بماء المطر.

فصل في الانتفاخ: الانتفاخ ورم بارد مع حكة، وقد يكون الغالب عليه الريح، وقد يكون فضلة بلغمية رقيقة، وقد يكون فضلة مائية، وقد يكون فضلة سوداوية.

العلامات: الريحي يعرض بغتة، ويمتدّ إلى ناحية المأق، فيكون كمن عضه ذباب في ذلك الموضع، ويعرض في الصيف وللمشايخ، ولا يكون ثقل. والبلغمي يكون أبرد وأثقل، ويحفظ أثر الغمز ساعة، والمائي لا يبقى أثر الغمز فيه، ولا وجع معه. والسوداوي في الأكثر يعم الجفن والعين، ويكون مع صلابة وتمدد يبلغ الحاجبين والوجنتين، ولا يكون معه وجع شديد يعتدّ به، ويكون لونه كمداً، وأكثره يعرض بعد الرمد وبعد الجدري قطعاً.

المعالجات: يجب أن يبدأ أولاً، فيستفرغ البدن وينقى الرأس منه، فما كان منه إلى البلغم أميل استعمل التضميد بالخطمي. وأقوى منه ورق الخِروَع مدقوقاً مخلوطاً بالشبّ، والتكميد بإسفنجة مبلولة بخلّ وماء حار، وأيضاً يتخذ لطوخ من صبر، وفيلزهرج، وشياف ماميثا، وفوفل، وزعفران بماء عنب الثعلب، فإنه نافع.

فصل في كثرة الطرف: كثرة الطرف تكون من قذى في العين خفيف، وتكون من بثر، وقد تكثر في أصحاب التمدد والمتهيئين له، وتندر في الأمراض الحادة بتمدد وتشنّج.

فصل في انتثار الشعر: ينتثر شعر العين، إما بسبب المادة، وإما بسبب الموضع. وسبب المادة إما أن تقل مثل ما يكون في آخر الأمراض الحادة الصعبة، وإما أن تفسد بسبب ما يخالطها عند المنبت، مثل ما يقع في داء الثعلب، وهو أن يكون في باطن الجفن رطوبة حادة، أو مالحة، أو بورقية لا تظهر في الجفن آفة محسوسة، ولكنها تضر بالشعر. وأما الذي بسبب الموضع، فأن يكون هناك آفة ظاهرة، إما صلابة وغلظ فلا يجد البخار المتولد عنه الشعر منفذاً، وإما ورم، وإما تأكل، ويدلّ عليه حمرة ولذع شديد.

المعالجات: ما كان من ذلك بسبب الموضع، فتعالج الآفة التي بالموضع على حسب ما ذكر علاج كل باب منه في موضعه، وما كان سببه عدم المادة، فيعالج البدن بالإنعاش والتغذية. وتستعمل الأدوية الجاذبة لمادة الشعر إلى الأجفان مما نذكره، ومما هو مذكور في القراباذين، وفي ألواح الأدوية المفردة. وما كان بسبب رطوبة فاسدة استعملت فيه تنقية الرأس، وتنقية العضو، ثم عالجت علاج الشعر. وأما الأكحال النافعة من ذلك، فالحجر الأرمنيَ، و اللازورد. ومن المركبات كحل نوى التمر باللاذن المذكور في القراباذين، أو يؤخذ نوى البسر محرقاً وزن ثلاثة دراهم، ومرت الناردين درهماً، يتخذ منهما كحل. ومما جرب أن يسحق السنبل الأسود كالكحل، ويستعص بالميل، وأيضاً يكتحل بخرء الفار محرقاً، وغير محرق بعسل، وخصوصاً للسلاقي، أو يؤخذ تراب الأرض التي ينبت فيها الكرم مع الزعفران، والسنبل الرومي، وهو الاقليطي أجزاء سواء، ويستعمل منه كحل. ومما جرب، وجرّب لما كان من ذلك مع حكّة وحمرة وتكحل، أن يطبخ رمانة بكليتها وأجزائها في الخل إلى أن تتهرى، وتلصق على الموضع، وجميع اللازوقات نافعة. وأيضاً لذلك بعينه قليميا قلقطار زاج أجزاء سواء، يسحق ويستعمل. ومما جرب أيضاً أن يؤخذ خرء أرنب محرقاً وزن ثمانية دراهم، وبعر التيس ثلاثة دراهم، ويكتحل بهما، أو يكتحل بذباب منزوعة الرؤوس مجفّفة، أو يحرق البندق، ويسحق، ويعجن بشحم العنز، أو شحم الدب ويطلى به الموضع، فإنه يُنبت الشعر إنباتاً، ومع ذلك يسوده. وأيضاً يؤخذ من الكحل المشوي جزء، ومن الفلفل جزء، ومن الرصاص المحرق المغسول أربعة أجزاء، ومن الزعفران أربعة، ومن الناردين ثلاثة، ومن نوى التمر المحرق اثنان، ويتخذ كحلاً.

فصل في الشعر المنقلب والزائد: بالجملة، فإنّ علاج هذا الشعر أحد وجوه خمسة، الإلزاق والكي، والنظم بالإبرة، وتقصير الجفن بالقطع، والنتف المانع. فأما الإلصاق، فأن يشال ويسوّى بالمصطكي، والراتينج، والصمغ، والدبق، والأشق، والغراء الذي يخرج من بطون الصدف، وبالصبر والأنزروت، والكثيراء، والكندر المحلول ببياض البيض، ومن الألزاق الجيد، أن يلزق بالدهن الصيني. وأجود منه بغراء الجبن، وقد ذكرناه في القراباذين.

وأما علاج الإبرة، فأن تنفذ إبرة من باطن الجفن إلى خارجه بجنب الشعر، في سمها، ويخرج إلى الجانب الآخر، ويشد. وإن عسر إدخال الشعر في سم الإبرة، جعل في سمّ الإبرة شعر امرأة، وأخرجت من الإبرة طرفاً من ذلك الجانب بالشعر حتى يبقى مثل العروة من الجانب الباطن، فيجعل فيها الشعر، ويخرج، فإن اضطررت إلى إعادة الإبرة، فاطلب موضعاً آخر، فإن تثنية الغرز توسع الثقبة، فلا يضبط الشعر.

وأما القطع، فأن يقطع منبته من الجفن، وقد أمر بعضهم أن يشق الموضع المعروف بالإجانة، وهو عند حرف الجفن، ثم يدمل، فينبت عليه لا محالة لحم زائد، فيسوى الشعر، ولا يدعه ينقلب. وأما الكي، فأحسنه أن يكون بإبرة معقفة الرأس تحمي رأسها، فيمد الجفن، ويكوى بها موضع منبت الشعر، فلا يعود، وربما احتيج إلى معاودات مرتين أو ثلاثة فلا يعود بعد ذلك إليه البتة. وأما النتف المانع، فأن ينتف، ثم يجعل على الموضع الأدوية المانعة لنبات الشعر، وخصوصاً على الجفن مما قيل في ألواح الأدوية المفردة، ونقوله في باب الشعر الزائد.

فصل في الشعر الزائد: يتولد من كثرة رطوبة عفنة تجتمع في أجفان العين. المعالجات: علاجه تنقية البدن والرأس والعين بما علمت، ثم استعمال الأكحال الحادة المنقّية للجفن، مثل الياسليقون، والروشناي الأحمر الحاد، والأخضر الحاد، والشياف الهليلجي، وخصوصاً إن كانت هناك دمعة، أو عارض من أعراض الأخلاط، فإن لم يغن، عولج بالنتف، ينتف ويطلى على منبته دم قنفذ، ومرارته ومرارة خمالاون، ومرارة النسر، ومرارة الماعز، وربما خلطت هذه المرارات والدماء بجندبيدستر، واتخذ منها شياف كفلوس السمك.

وتستعمل عند الحاجة محلولة بريق الإنسان، ويصبر المستعمل عليه نصف ساعة. ومن المعالجات الجيدة أن يؤخذ مرارة القنفذ، ومرارة خمالاون، وجندبيدستر بالسوية، يجمع بدم الحمام، ويقرص. ومما وصف دم القراد، وخصوصاً قرادة الكلب، ودم الضفدع، ولكن التجربة لم تحقَقه. ومن الصواب فيما زعموا أن يخلط بالقطران.

ومما وصف أيضاً أن تستعمل مرارة النسر بالرماد، أو بالنوشادر، أو بعصير الكراث، وخصوصاً إذا جعلا على مقلى فوق نار حتى يمتزجا وينشى، وإن كان رماد صدف، فهو أفضل وسحالة الحديد المصدأ برِيق الإنسان غاية، وإن أوجع.

ومما جُرب الأرضة بالنوشادر، وصوصاً مع حافر حمار محرق بخل ثقيف، وكذلك زبد البحر بماء الاسفيوش، فإنه إذا خدر وبرد الموضع لم ينبت شعراً.

فصل في التصاق الأشفار: يكون ذلك في الأكثر بعد الرمد، فيجب أن يستعمل أنزروت وسكر طبرزذ أجزاء سواء زبد البحر ربع جزء، ويسحق الجميع سحقاً ناعماً، ويذر على موضع الأشفار، فإنه نافع.

المقالة الرابعة
أحوال القوّة الباصرة وأفعالها

فصل في ضعف البصر: ضعف البصر وآفته، إما أن يوجبه مزاج عام في البدن من يبوسة غالبة، أو رطوبة غالبة خلطية، أو مزاجية بغير مادة، أو بخارية ترتفع من البدن والمعدة خاصة، أو برد في مادة، أو غير ذي مَادة، أو لغلبة حرارة مادّية، أو غير مادية.

وإما أن يكون تابعاً لسبب في الدماغ نفسه من الأمراض الدماغية المعروفة، كانت في جوهر الدماغ، أو كانت في البطن المقدم كله، مثل ضربة ضاغطة تعرض له، فلا يبصر العين، أو في الجزء المقدّم منه. وأكثر ذلك رطوبة غالبة، أو يبوسة تعقب الأمراض، والحركات المفرطة البدنية، والنفسانية والاستفراغات المفرطة تسقط لها القوة وتجف المادة.

وإما أن يكون لأمر يختصّ بالروح الباصر نفسه، ما يليه من الأعضاء، مثل العصبة المجوفة، ومثل الرطوبات والطبقات والروح الباصر، وقد يعرض أن يرق، ويعرض له أن يكثف، ويعرض له أن يغلظ، ويعرض له أن يقل. وأما الكثرة، فأفضل شيء وأنفعه، وأكثر ما يحدث الرقة تكون من يبوسة، وقد تكون من شدة تفريق يعرض عند النظر إلى الشمس ونحوها من المشرقات، وربما أدى الاجتماع المفرط جداً إلى احتقان محلل، فيكثف فيه أولاً، ثم يرق جداً ثانياً وهذا كما يعرض عند طول المقام في الظلمة والغلظ، يكون لرطوبة، ويكون من اجتماع شديد ليس بحيث يؤدي إلى استعمال مزاج مرقق، وقد يكون السبب فيهما واقعاً في أصل الخلقة.

والقلة قد تكون في أصل الخلقة، وقد تكون لشدة اليبس، وكثرة الاستفراغات، أو لضعف المقدّم من الدماغ جداً، وصعوبة الأمراض، ويقرب الموت إذا تحللت الروح. وأما الضعف والآفة التي تكون بسبب طبقات، وأكثرها بسبب الطبقات الخارجة دون والذي يكون بسبب الطبقة نفسها، فيكون لمزاج رديء، وأكثره احتباس بخار فيها، أو فضل رطوبة تخالطها، أو جفاف ويبس وتقشف وتحشف يعرض لها، وخصوصاً للعنبيّة والقرنية، أو فساد سطحها بآثار قروح ظاهرة، أو خفية، أو مقاساة رمد كثير يذهب إشفافها، أو لون غريب يداخلها، كما يصيب القرنيّة في اليرقان من صفرة، أو آفة من حمرة، أو انسلاخ لون طبيعي، مثل ما يعرض للعنبيّة، فيزداد إشفافاً وتمكيناً لسطوة الضوء من البصر، ومن تفرقه للروح الباصرة، وربما أحدث تجفيفاً وتسخيناً لتمكن الهواء والضياء من الرطوبات، أو يرقق منها بسبب تأكّل عرض، فلا يتدرّج الضوء في النفوذ فيها، بل ينفذ دفعة نفوذاً حاملاً على الجليدية أو لنبات غشاء عليها كما في الظفرة، أو انتفاخ وغلظ من عروقها كما في السبل. وأما العارض للثقبة والمنفذ: فإما أن يضيق فوق الطبيعي لما نذكره من الأسباب في بابه، وإما أن يتسع، وإما يفسد سدّة كاملة أو غير كاملة، كما عند نزول الماء أو عند القرحة الوسخة العارضة للقرنية حيث تمتلئ ثقب العنبية من الوسخ، ونحن نذكر هذه الأبواب كلها باباً باباً.

وأما الكائن بسبب الرطوبات: فأمّا الجليدية منها، فبأن تتغير عن قوامها المعتدل، فتغلظ، أو تشتد دفعة، أو تزول عن مكانها الطبيعي، فتصير متأذّية عن حمل الضوء والألوان الباهرة لها، وأما البيضية، فأن تكثر جداً، أو تغلظ، ويكون غلظها، إما في الوسط بحذاء النقب، وإما حول الوسط، وإما في جميع أجزائها فيكون ذلك سبباً لقلة إشفافها، أو لرطوبات وأبخرة تخالطها وتغير إشفافها، فإن الأبخرة والأدخنة الغريبة الخارجة تؤذيها، فكيف الداخلة. وجميع الحبوب النفّاخة المبخرة مثقلة للبصر، وأما الزجاجية، فمضرّتها بالإبصار غير أولية، بل إنما تضرّ بالإبصار من حيث تضرّ بالجليدية، فتحيل قوامها عن الاعتدال لما تورده عليها من غذاء غير معتدل. وأما الطبقة الشبكية فمضرتها بالإبصار تفرق اتصالها، إما في بعضها فيقل البصر، وإما في كلها فيعدم البصر. وأما الآفة التي تكون بسبب العصبة، فأن يعرض لها سدّة، أو يعرض لها ورم، أو اتساع بها أو انهتاك.

العلامات: أما الذي يكون بشركة من البدن، فالعلامات فيه ما أعطيناه من العلامات التي تدل على مزاج كلية البدن، والذي يكون بشركة الدماغ، فأن يكون هناك علامة من العلامات الدالة على آفة في الدماغ مع أن تكون سائر الحواس مؤفة مع ذلك، فإن ذلك يفيد الثقة بمشاركة الدماغ، وربما اختص بالبصر أكثر اختصاصه، وبالشم دون السمع، مثل الضربة الضاغطة إذا وقعت بالجزء المقدم من الدماغ جداً، فربما السمع بحاله، وتبقى العين مفتوحة لا يمكن تغميض الجفن عليها، ولكن لا يبصر.

وعلامة ما يخصّ الروح نفسه، إنه إن كان الروح رقيقاً، وكان قليلاً رأى الشيء من القرب بالاستقصاء، ولم ير من البعد من الاستقصاء، وإن كان رقيقاً كثيراً كان شديد الاستقصاء للقريب وللبعيد، لكن رقته إذا كانت مفرطة لم يثبت الشيء المنير جداً، بل يبهره الضوء الساطع ويفرّقه، وإن كان غليظاً كثيراً لم يعجزه استقصاء تأمل البعيد ولم يستقص رؤية القريب، والسبب فيه عند أصحاب القول بالشعاع، وإن الإبصار إنما يكون بخروج الشعاع، وملاقاته المبصر، إن الحركة المتّجهة إلى مكان بعيد يلطف غلظها، ويعدل قوامها كما أن مثل تلك الحركة يحلل الروح الرقيقة، فلا يكاد يعمل شيئاً.

وعند القائلين بتأدية المشف شجّ المرئي غير ذلك، وهو أن الجليدية تشتدّ حركتها عند تبصّر ما بعد، وذلك مما يرقّق الروح الغليظ المستكنّ فيها، ويحلل الروح الرقيق خصوصاً القليل. وتحقيق الصواب من القولين إلى الحكماء دون الأطباء. وأما تعرّف ذلك من حال الطبقات والرطوبات الغائرة، فمما يصعب إذا لم يكن شيء آخر غيرها، ولكن قد يفزع إلى حال لون الطبقات وحال انتفاخها وتمددها، أو تحشّفها وذبولها، وحال صغر العين لصغرها، وحال ما يترقرق عليها من رطوبة، ويتخيل من شبه قوس قزح، أو يرى فيها من يبوسة.

والكدورة التي تشاهد من خارج ويكاد لا بصر معها إنسان العين، وهو صورة الناظر فيها، ربما دلّت على حال القرنية، وربما دلّت على حال البيضية. وصاحبها يرى دائماً بين عينيه كالضباب، فإن رؤيت الكدورة بحذاء الثقبة فقط، ولم يكن سائر أجزاء القرنية كدراً، دل على أن الكدورة في البيضية، وأنها غير صافية.

وإن عمت الكدورة أجزاء القرنية لم يشك أنها في القرنية، وبقي الشك أنها هل هي كذلك في البيضية أم لا. وقد يعرض للبيضة يبس، وربما عرض من ذلك اليبس أن اجتمع بعض أجزائه، فلم يشفّ فرأى حذاءه كوة أو كوى، وربما كان ذلك لآثار بثور في القرنية خفيّة تختل خيالات، فربما غلظ فيها ويظن أنها خيالات الماء، ولا يكون، وأما الضيق والسعة والماء وأحوال العصبة، فلنؤخر الكلام فيها. وَأما علامة تفرق اتصال الشبكية إذا كانت في جملتها، فيعدم البصر بغتة، واعلم أن كل فساد يكون عن اليبس، فإنه يشتد عند الجوع، وعند الرياضة المحللة، وعند الاستفراغات، وفي وقت الهاجرة والرطب بالضد.

المعالجات: إن كان سبب الضعف يبوسة، انتفع بماء الجبن والمرطبات، وحلب اللبن وشربه، وجعل الأدهان مرطبة على الرأس، وخصوصاً إن كان ذلك في الناقهين، وينفعه النوم والراحة والسعوطات المرطبة، وخصوصاً دهن النيلوفر، وما كان من ذلك في الطبقة، فيصعب علاجه. وأما إن كانت عن رطوبة، فاستعمال ما يحلل بعد الاستفراغات. وأما القيء فالرقيق منه مما ينفع، وخصوصاً للمشايخ، والعتيق يضرّ جداً، والغراغر والمخوطات والعطوسات نافعة. ومن الإستفراغات النافعة في ذلك شرب دهن الخروع بنقيع الصبر واستعمال ما يمنع البخار من الرأس كالإطريفل، وخصوصاً عند النوم نافع أيضاً.

وينتفع برياضات الأطراف، وخصوصاً الأطراف السفلى، وكذلك يجب أن يستعمل دلكها، فإن كان السبب غلظاً، فيعالج بما يجلو من الأدوية المذكورة في لوح العين، ويجب إذا استعملت الأدوية الحادّة أن تستعمل معها أيضاً الأدوية القابضة. وعن الأشياء النافعة في ذلك التوتيا المغسول المربى بماء المرزنجوش، أو ماء الرازيانج، أو ماء الباذروخ، وعصارة فراسيون.

وإدامة الاكتحال بالحضض تنفع العين جداً، وتحفظ قوتها إلى مدة طويلة، والاكتحال بحكّاكة الهليلج بماء الورد، وينفع جداً إذا كانت الرطوبة رقيقة مع حرارة وحكة.

ومن الأكحال النافعة في مثل ذلك المرارات كانت مفردة مثل مرارة القبّج، ومرارة الرق والشبّوط، والرخمة، والثور، والدب، والأرنب، والتيس، والكركي، والخطّاف، والعصافير، والثعلب، والذئب، والسنّور، والكلب السلوقي، والكبش الجبلي. ولمرارة الحبارى خاصةً خاصية عجيبة جداً، أو مركّبة.

ومن الأدهان النافعة دهن الخروع، والنرجس، ودهن حبّ الغار، ودهن الفجل، ودهن الحلبة، ودهن السوسن، ودهن المرزنجوش، ودهن البابونج، ودهن الأقحوان، والاكتحال بماء الباذروج نافع.

ومن الأدوية الجيدة المعتدلة، أن يحرق جوزتان، وثلاثون نواة من نوى الهليلج الأصفر، ويسحق ويلقى عليه مثقال فلفل غير محرق ويكتحل به. ومن الأدوية النافعة أن يؤخذ عصارة الرمان المزّ ويطبخ إلى النصف، ويدفع ويخلط به نصفه عسلاً ويشمس، ويستعمل.

وكذلك إن أخذ ماء الرمانين، وشُمس شهرين في القيظ، وصُفِّي، وجعل فيه دار فلفل، وصبر، ونوشادر، وقد يكون بلا نوشادر ينعّم سحق الجميع، ويلقى على الرطل منه ثلاثة دراهم ويحفظ، وكلما عتق كان أجود، ومن النوافع مع ذلك الوفي مع ماميران إذا سحقا كالاكتحال.

والاكتحال بماء البصل مع العسل نافع، وشياف المرارات قوي، والمرارات القوية هي مثل مرارة البازي، والنسر، أو يؤخذ صلابة وفهر كل من النحاس، يقطر عليها قطرات في خل، وقطرة من لبن، وقطرة عن عسل، ثم يسحق حتى يسود ذلك، ويكتحل به.

واعلم أن تناول الشلجم دائماً مشوياً ومطبوخاً مما يقوي البصر جداً، حتى أنه يزيل الضعف المتقادم، ومن قَدرَ على تناول لحوم الأفاعي مطبوخة على الوجه الذي يطبخ في الترياق وعلى ما فصِّل في باب الجذام حفظ صحة العين حفظاً بالغاً.

ومن الأدوية الجيدة للمشايخ، ولمن ضعف بصره من الجماع ونحو ذلك. ونسخته: يؤخذ توتيا مغسول ستّة، وشراب بقدر الحاجة، دهن البلسان أكثر من التوتيا بقدر ما يتفق، يسحق التوتيا ثم يلقى عليه دهن البلسان، ثم الشراب، ويسحق سحقاً بالغاً كما ينبغي، ويرفع ويستعمل.

وأيضاً دواء عظيم النفع حتى أنه يجعل العين بحيث لا يضرّها النظر في جرم الشمس. ونسخته: يؤخذ حجر باسفيس، وحجر مغناطيس، وحجر أحاطيس، وهو الشبّ الأبيض، والشادنج، والبابونج، وعصارة الكندس، من كل واحد جزء، ومن مرارة النسر ومرارة الأفعى من كل واحد جزء، يتخذ منه كحل. واستعمال المشط على الرأس نافع، وخصوصاً للمشايخ، فيجب أن يستعمل كل يوم مرات لأنه يجذب البخار إلى فوق، ويحركه عن جهة العين والشروع في الماء الصافي والانغطاط فيه وفتح العينين قدر ما يمكن، وذلك مما يحفظ صحة العين ويقويها، وخصوصاً في الشبان. ويحب خصوصاً لمن يشكو بخارات المعدة ومضرّة الرطوبة، أن يستعمل قبل الطعام طبيخ الأفسنتين، ، وسكنجبين العنصل، وكل ما يلين ويقطع الفضول التي في المعدة.

فصل في الأمور الضارّة بالبصر: وأما الأمور الضارة بالبصر، فمنها أفعال وحركات، ومنها أغذية، ومنها حال التصرّف في الأغذية، فأما الأفعال والحركات فجميع ما يجفف مثل الجماع الكثير، وطول النظر إلى المشرفات، وقراءة الدقيق بإفراط، فإن التوسّط فيه نافع. وكذلك الأعمال الدقيقة والنوم على الامتلاء، والعشاء، بل يجب على من به ضعف في البصر أن يصير حتى ينهضم، وكل امتلاء يضره، وكل ما يجفف الطبيعة يضره، وكل ما يعكّر الدم من الأشياء المالحة والحريفة وغيرها يضرّه، والسكر يضرّه، وأما القيء فينفعه، من حيث ينقي المعدة، ويضره من حيث يحرك مواد الدماغ، فيدفعه إليه، وإن كان لا بد، فينبغي أن يكون بعد الطعام وبرفق.

والاستحمام ضار، والنوم المفرط ضار، والبكاء الشديد، وكثرة الفصد، وخاصة الحجامة المتوالية. وأما الأغذية، فالمالحة، والحريفة، والمفجّرة، وما يؤذي فم المعدة، والشراب الغليظ الكدر، والكزاث، والبصل، والبافروج أكلاً، والزيتون النضيج، والشبث، والكرنب، والعدس.

فصل في العشاء: هو أن يتعطل البصر ليلاً، ويبصر نهاراً، ويضعف في آخره. وسببه كثرة رطوبات العين وغلظها، أو رطوبة الروح الباصر وغلظه. وأكثر ما يعرض للكحل دون الزرق، ولصغار الحدق، ولمن تكثر الألوان والتعاريج في عينه، فإن هذه تدل على قلة الروح الباصر في خلقته، وقد تكون هذه العلة لمرض في العين نفسها، وقد تكون بمشاركة المعدة والدماغ، وتعرف ذلك بالعلامات التي عرفتها.

المعالجات: إن كان هناك كثرة، فليفصد القيفال، والمأقين، ويستعمل سائر المستفرغات المعروفة، ويكرر، وربما استفرغ بسقمونيا وجندبيدستر، فانتفع به، ويسقون قبل الطعاه شراب زوفا، أو زوفا وسذاب يابس سفوفاً، ويسقون بعد الهضم التام قليلاً من الشراب العتيق. ومن الأدوية المُجَرية سيالة كبد المعزى المغزوز بالسكين، المكببة على الجمر، فإذا سالت أخذ مما يسيل، وذر عليه ملح هندي، ودار فلفل، واكتحل به، وربما ذر عليه الأدوية عند التكبيب. والانكباب على بخاره والأكل من لحمه المشوي كل ذلك نافع جداً، وربما قطع قطعاً عريضةً، وجعل منها شياف، ومن دار فلفل شياف، وجعل الشياف الأسفل والأعلى من الكبد، ويشوى في التنور، ولا يبالغ، ثم يؤخذ وتصفى عنه المائية، ويكتحل بها، وكذلك كبد الأرنب، وكذلك الشياف المتخذ من دار فلفل، والذي على هذه النسخة، وصفته: يؤخذ فلفل، ودار فلفل، وقنبيل أجزاء سواء يكتحل به. والمرارات أيضاً نافعة، وخاصة مرارات التيوس، والكباش الجبلية، وكذلك الاكتحال بدهن البلسان مكسوراً بقليل أفيون، والاكتحال بالفلافل الثلاثة مسحوقة كالغبار نافع جداً. وكذلك بالشب المصري، والاكتحال بالعسل، وماء الرازيانج يغمّض عليها العين مدة طويلة نافع جداً، وأقوى منه العسل إذا كان فيه قوة من الشب والنوشادر، ودماء الحيوان الحارة المزاج ينفع الاكتحال بها. وينفع الاكتحال بعصارة قثاء الحمار مكسورة ببزر البقلة الحمقاء، وشياف القلي، وشياف الزنجار. وينفع منه خرء الورل، والاصقنقور، أو يؤخذ منه مرارة الحدأة جزء، وفلفل جزآن، أشجّ ثلاثة أجزاء، يعجن بعسل، ويستعمل، وينفع منه فصد عرق الماقين إن لم يكن مانع حسب ما تعلم ذلك.

فصل في الجهر وهو أن لا يرى نهاراً: فنقول: سبب الجهر وهو أن لا يبصر بالنهار رقة الروح وقلته جداً، فيتحلل مع ضوء الشمس، ويجتمع في الظلمة، وربما كان سبب الجهر قليلاً، فيرى في الظلمة والظل ليلاً ونهاراً، ويضعف في الضوء، وعلاجه من الزيادة في الترطيب، وتغليظ الدم ما تعلم.

فصل في الخيالات: الخيالات هي ألوان يحس أمام البصر كأنها مبثوثة في الجو، والسبب فيها وقوف شيء غير شفّاف ما بين الجليدية وبين المبصرات. وذاك الشيء، إما أن يكون مما لا يحرك مثله في العادة أصلاً، وإنما يدركه القوي البصر الخارج عن العادة إدراكاً، وإما أن يكون مما تدركه الأبصار إذا توسطت، وإن لم تكن في غاية الذكاء، بل كانت على مجرى العادة. ومعنى الأول أن البصر إذا كان قوياً أدرك الضعيف الخفي من الأمور التي تطير في الهواء قرب البصر من الهباءات التي لا يخلو منها الجر وغيره، فتلوح له، ولقربها، أو لضوئها لا يحققها. وكذلك إذا كانت في الباطن من آثار الأبخرة القليلة التي لا يخلو عنها مزاج وطبع البتة، إلا أن هذين يخفيان على الأبصار ليست التي في غاية الذكاء، وإنما يتخيلان لمن هو شديد حدة البصر جداً، وهذا مما لا ينسب إلى مضرة.

وأما القسم الآخر: فإما أن يكون في الطبقات، وإما أن يكون في الرطوبات. والذي يكون في الطبقات، فهو أن يكون على الطبقة القرنية آثار خفية جداً بقيت عن الجدري، أو عن رمد وبثور أو غير ذلك، فلا يظهر للعين من خارج، ويظهر للعين من باطن من حيث لا يشف المكان الذي هو فيه، فيخفى تحته من المحسوس ومن الهواء الشاف أجزاء ترى كثيرة، بمقدار ما لو كانت بالحقيقة موجودة من خارج، لكان ذلك الجزء الصغير قدر شجها من الثقبة العنبية.

وأما التي تكون في الرطوبات، فهي على قسمين، لأنها، إما أن تكون قد استحال إليها جوهر الرطوبة نفسه، أو تكون قد وردت على جوهر الرطوبة مما هو خارج عنها.

والتي تكون قد استحال إليها جوهر الرطوبة نفسه، فإما أن يعرض لجزء منها سوء مزاج يغير لونها ويزيل شفيفها، فلا يشفّ ذلك القدر منها لبرد، أو لرطوبة، أو لحرارة يغلى ذلك القدر، ويثير فيه هوائية، ومن شأن الهوائية إذا خالطت الرقيقة الشفافة أن تجعلها كثيفة اللون، زبدية غير شافة، أو ليبوسة مكثفة جماعة جداً.

والذي يكون الوارد عليها منه هو من غيره فلا يخلو، إما أن يكون عرضياً غير متمكن، وهو من جنس البخارات التي تتصعد من البدن كله، أو من المعدة، أو من الدماغ إذا كانت لطيفة تحصل وتتحلل، وكما يكون في البُحرانات وبعد القيء وبعد الغضب، وإما أن يتمكن فيها، وينذر بالماء.

وتختلف هذه الخيالات في مقاديرها، فتكون صغيرة وكبيرة، وقد تختلف في قوامها، فتكون كثيفة ورقيقة خفية، وقد تختلف في أوضاعه فتكون متخلخلة، وقد تكون متكاثفة ضبابية، وقد تختلف في أشكالها، فتكون حبيبية، وتكون بقية وذبابية، وقد تكون خيطية وشعرية بالطول.

العلامات: علامة ما يكون من ذكاء الحس أن يكون خفيفاً ليس على نهج واحد وشكل واحد، ويصحب الإنسان مدة صحة بصره من غير خلل يتبعه. والذي يكون بسبب القرنية، تحل عليه أسبابه المذكورة، وأن يثبت مدة لا يتزايد، ولا يؤدي إلى ضرر في البصر غيره.

والذي يكون من سبب في البيضية، فأن تكون مدته طويلة ولم يؤد إلى آفة عظيمة ويكون، إما عقيب رمد حار، وإما عقيب سبب مبرد أو مسخن، وهو مما يعلم بالحدس، وخصوصاً إذا وجدت القرنية صقيلة صافية لا خشونة فيها بوجه، ثم كان شيء ثابت لا يزيد ولا يؤدي إلى ضرر عظيم. وأما الذي يكون سببه بخارات معدية وبدنية، فيعرف بسبب أنها تهيج مع المبخرات، وعند الامتلاء والهضم، وعند الحركات والدوار والسدر، ولا يثبت على حالة واحدة، بل يزيد وينقص، ولا يختص بعين واحدة، بل يكون في العينين، وإذا كان معه الغثيان صحت دلالته، وإذا كان القيء والاستفراغ بالأيارج وتلطيف الغذاء والعناية بالهضم يزيده أو ينقصه. وقد علمت في باب ضعف البصر علامات ما سببه يبس البيضية أو غيره، وإذا استمرت صحة العين والسلامة بصاحب الخيالات ستة أشهر، فهو على الأكثر في أمن، والذي هو من الخيالات مقدمة للماء، فإنه لا يزال يتدرج في تكدير البصر إلى أن ينزل الماء، أو ينزل يعده الماء دفعةً، وقلما يجاوز ستة أشهر، فإذا رأيت الخيالات تزول وتعود وتزيد وتنقص، فاعلم أنها ليست مائية. وإذا رأيت الثانية تطول مدتها ولا تستمر في إضعاف البصر، فاعلم أنها ليست مائية.
المعالجات لابتداء الماء والخيالات: أولى الخيالات بأن يقبل على علاجه ما كان منذراً بالماء، وأما سائر ذلك فما كان منه من يبوسة، فربما نفع منه المرطبات المعلومة. وإن كان عن رطوبة وغير ذلك مما ليس عن يبوسة تقع منه كل ما يجلو من الأكحال. وأما المنذر بالماء، فيجب أن يبدأ فينقي البدن، وخصوصاً المعدة، ثم تقبل على تنقية الرأس بالغرغرات والسعوطات والمضوغات.

وأما العطوصات فمن جهة ما ترخي وتنقي، يرجى منها التنقية، وتنقي من جهة عنف تحريكها، فيخاف منها تحريك الماء، وخصوصاً إن كان واقعاً دون العصبة وبقربها. واعلم أن أيارج فيقرا جليل النفع فيه. وكذلك حب الذهب، وما يقع فيه من أدوية القنطوريون، والقثاء المر، وقد علمت في أبواب علاج الرأس وتنقيته ما ينبغي أن تعتمده، ويجب أن تكون التنقية بأيارج فيقرا وحب الذهب على سبيل الشبيار متواترة جداً، ولا يستعمل لأدوية الملطفة والجلاءة أكحالاً إلا بعد التنقية.

وينفع في ابتداء الماء فصد شريان خلف الأذن، وينبغي أن يبتدأ بالأدوية اللينة مثل ماء الرازيانج بعسل وزيت، وبمثل ما قيل من أن شم المرزنجوش نافع لمن يخاف نزول الماء إلى عينه، وكذلك ينشف دهنه، وقد قيل أن إرسال الحرق على الصدغين ينفع في ابتدائه، وقد مُدح الاكتحال ببزر الكَتَم، وذكر أنه يزيل الماء ويحلله وأنه غاية، ثم يتدرّج إلى الأدوية المركَّبة من السكبينج وأمثاله، من ذلك: السكبينج ثلاثة، الحلتيت والخربق الأبيض من كل واحد عشرة، العسل ثمانية قوطوليات.

وعما هو مجرّب جداً، رأس الخطّاف بعسل يكتحل به، وشياف أصطفطيقان، وجميع المرارات المذكورة في باب ضعف البصر. وأقوى منه شياف المرارة المارستاني، وأيضاً كحل أوميلاوس، والكحل المذكور في الكتاب الخامس، وهو القراباذين، بمرارة السلحفاة، أو دواء اتعاسيوس بماء الرازيانج، أو شياف المرزنجوش، والساروس، والمرحومون. ودهن البلسان نافع فيه. ومما ينفع في ابتداء الماء أن يؤخذ مرارة ثور شاب صحيح البدن، فتجعل في إناء نحاس، وتترك قريباً من عشرة أيام إلى أسبوعين، ثم يؤخذ من المرّ والزعفران المسحوقين، ومن مرارة السلحفاة البرية، ومن دهن البلسان من كل واحد وزن درهمين، ويخلط الجميع ويجمع جمعاً بالغاً ويُكْتَحَل به.

وأيضاً يؤخذ من الخربق جزء، ومن الحلتيت جزء، ومن السكبينج خمس وعشر جزء، وهو ثلاثة أعشار جزء، ويُتَّخذ شياف ويُكتحل به. وأيضاً من الخربق الأبيض، والفلفل جزء، ومن الأشق ثلاثة أجزاء، ويتخذ منه شياف بعصارة الفجل، ويستعمل، ويجتنب السمك والمغلظات من الأغذية، والمبخرات والشرب الكثير من الماء، والشراب أيضاً ومتواترة الفصد والحجامة، بل يؤخر ذلك ما أمكن، إلا أن يشتد مساس الحاجة إلى ذلك والثقة بأن الدم حار وكثير.

فصل في الانتشار: الانتشار هو أن تصير الثقبة العَنبية أوسع مما هي بالطبع، وقد يكون ذلك عقيب صداع، أو سبب باد من ضربة أو صدمة، وقد يكون لأسباب في نفس الحدقة، وذلك، إما في البيضية، وإما في العنبيّة، فإن البيضية إن رطبت وكثرت، زحمت العنبية وحركتها إلى الاتساع.

وأما يبوسة البيضية، فلا يوجب الاتساع بالذات، بل بالعرض من حيث يتبعها يبوسة العنبية.

والعنبية نفسها إن يبست وتمددت إلى أطرافها تمدد الجلود المثقبة عند اليبس، عرض لها أن تتسع كما يتسع ثقب تلك الجلود، وخصوصاً إذا زوحمت من الرطوبات، وقد يعرض لها ذلك من رطوبة تداخل جوهرها، وتزيد في ثخنها وتمددها إلى الغلظ، فيعرض للثقبة أن تتسع، وقد يعرض ذلك لورم ممدد يحدث فيها، وقد تكون سعة العين طبيعية، ويضر ذلك بالبصر، فإنه يرى الأشياء أصغر مما يجب أن ترى، وقد يكون عارضاً، فيكون كذلك، وربما بالغ إلى أن لا يرى شيئاً، فإنه كثيراً ما تتسع العين حتى تبلغ السعَة الإكليل، ولا يبقى من البصر ما يُعتدّ به.

وما كان من ضربة أو صدمة، فلا علاج له، وقد سمعت من ثقة أنه عالج الاتساع الذي حصل من ضربة، بأن فصد المريض في الحال، وأعطاه حب الصبر فبرئ بعد أيام قلائل.

وإذا كان الاتساع من تفرق اتصال الطبقة الشبكية فلا علاج له بتة من كل وجه، وما كان من اتساع العصب المجوّف، فبرؤه عسير.

العلامات: قد ذكرناها في باب ضعف العين.

المعالجات: ما كان من ذلك طبيعياً، فلا علاج له، وما كان من يبوسة، فينفع منه ترطيب العين بالمرطبات المذكورة، وما كان من رطوبة، فينفع منه الفصد إن كان في البدن كثرة، وأيضاً فصد عررق المأقين يستفرغ من الموضع، وينفع منها، وكذلك فصد عروق الصاع وسلها، والاستفراغات التي علمتها وصب الماء الملح والمملح على الرأس، خصوصاً ممزوجاً بالخلِّ، ولا ينبغي أن يكثر الاستفراغات بالمسهّلات، فيضعف القوة ولا يستفرغ المطلوب، بل ربما كفاه الاستفراغ كل عشرة أيام بدرهم، أو درهم ونصف من حب القوقايا.

والغذاء ماء حمص بشيرج، ويكحل العين الأخرى بالتوتيا لئلا تنتشر كالأولى، ويجب أن يستعمل الأكحال المذكورة في باب الخيالات والماء. وينفع منه الحجامة على القفا لما فيه من الجذب إلى خلف.

وأما الكائن عقيب ضربة، فمما يتكلف في علاجه أن يفصد، ثم يحمم الرأس ثم يستعمل المبردات، ويُضمد بدقيق الباقلا من غير قشره، أو دقيق الشعير مبلولاً بماء ورق الخلاف، أو بماء الهندبا، وبصوفة مبلولة بمحّ بيض مضروب بدهن الورد وقليل شراب، ويقطر في العين دم الشفانين والفراخ، وفي اليوم الثالث يقطر فيها اللبن، والأكحال التي هي أقوى.

وبالجملة، فإن أكثر علاج هذا من جنس علاج الورم الحار، وبعد ذلك، فيستعمل شيافاً متخذاً من كندر، وزعفران، ومرّ من كل واحد جزء ومن الزرنيخ نصف جزء.

وهذا الدواء نافع من أمور ياسفيس وهو الإتساع. ونسخته: يؤخذ مرارة الجدي، ومرارة الكركي، مثقالان مثقالان، زعفران درهم، فلفل مائة وسبعين عمداً، رب السوس خمسة مثاقيل وثلثين، أشجّ مثقالان، عسل مقدار الحاجة، ويستعمل منه كحل يسحق بماء الرازيانج، ويخلط بالعسل. وللكائن من ضربة نصف مثقال، يسحق بعصارة الفجل إلى أن يجف، ويستعمل يابساً، وأيضاً مرارة التيس مثقال واحد، بعر الضب أو الورل يابساً مثقال ونصف، نطرون مثقال، فلفل، مرارة الكركي، من كل واحد مثقالان، زعفران مثقال أشج نصف مثقال، خربق أبيض مثقال، يسحق أيضاً بماء الرازيانج، ويخلط بالعسل، وما كان من الاتساع من انحراف الطبقة الشبكية أو اتساع العصبتين المجوّفتين، فلا علاج له اللهم إلا أن اتساع العصبتين المجوفتين عسر العلاج ومع ذلك يرجى.

فصل في الضيق: الضيق هو أن تكون الثقبة العنبية أضيق من المعتاد، فإن كان ذلك طبيعياً، فهو محمود، وإن كان مرضياً، فهو رديء أردأ من الانتشار،.وربما أدى إلى الانسداد.

وأسبابه: إما يبس من القرنية محشف يجمعه، فتنقبض الثقبة ويحدث الضيق أو السدة، وإما رطوبة ممددة للقرنية من الجوانب إلى الوسط، فتتضايق الثقبة مثل ما يعرض للمناخل إذا بقت واسترخت وتمددت في الجهات، وإما يبس شديد من البيضية، فتقل وتساعدها الطبقة إلى الضمور والاجتماع المخالف لحال الجحوظ. وكثر ما يعرض هذا يعرض من اليبوسة، وقد يمكن أن يكون ضيق الثقب من ضيق العصب المجوف حسب ما يكون اتساع الحدقة من اتساع العصبة المجوفة.

العلامات: قد ذكرناها في باب ضعف العين.

المعالجات: أما اليابس منه، فعلاجه بالمرطّبات من القطورات، والسعوطات، والنطولات من العصارات الرطبة، وغيرها كما تعلم، والأغذية اللينة والدسمة. وفي الأحيان لا تَجد بُداً من استعمال شيء فيه حرارة ما ليجذب المادة الرطبة إلى العين، ويجب أن يستعمل دَلْك الرأس والوجه والعين دلكاً متتابعاً قصير الزمان، وذلك كله ليجذب، فإن استعمال المرطبات الصرفة قد يضر أيضاً، وإذا استعملت أكحالاً جاذبة، فعاود المرطّبات.

وأما الرطب منه، فالأكحال المعروفة المذكورة في باب ضعف البصر والماء والخيالات، ومنها شياف بهذه النسخة. ونسخته: يؤخذ زنجار أشق من كل واحد جزء، زعفران جزء وثلث، صبر خمسة أجزاء، مسك نصف جزء، يتخذ منه شياف.

وأيضاً أشق مثقالان، زنجار أربعة مثاقيل، زبل الورل ثلاثة مثاقيل، زعفران مثقالان، صمغ مثقال واحد، يعجن بعسل، ويستعمل. وأيضاً فلفل وأشج من كل واحد جزءان، دهن البلسان تسع جزء، زعفران جزء، يُحلىّ الأشج في ماء الرازيانج، ويلقى عليه دهن البلسان، ويُستعمل بعد أن يعجن بعسل، فإن هذا جيد جداً. وقد عالجت أنا من كان به ضيق قد حصل بعد اندمال القرحة القرنية، وكانت القرحة غير غائرة، فعالجت بالمجلّيات المحلول بلبن النساء تارة، وبعصارة شقائق النعمان تارةً، وبعصارة الرازيانج الرطب الذي يعقد بالعسل تارةً، فبرأ، وكالة يرى الأشياء مثل ما كان يرى قبل ذلك.

فصل في نزول الماء: اعلم أن نزول الماء مرض سدي، وهو رطوبة غريبة تقف في العقبة العنبية بين اِلرطوبة البيضيّة والصفاق القرني، فتمنع نفوذ الأشباح إلى البصر، وقد تختلف في الكمّ، وتختلف في الكيف.

واختلافها في الكم، أنه ربما كان كثيراً بالقياس إلى الثقبة يسد جميع الثقبة، فلا ترى الحين شيئاً، وربما كان قليلاً بالقياس إليها، فتسد جهة، وتخلي جهة مكشوفة، فما كان من المرئيات بحذاء الجهة المسدودة لم يحركه البصر، وما كان بحذاء الجهة المكشوفة أدركه، وربما أدرك البصر من شيء من الأشياء نصفه، أو بعضه، ولم يحرك الباقي إلا بنقل الحدقة، وربما أدركه بتمامه تارة، ولم يدركه بتمامه أخرى، وذلك بحسب موضعه. فإنه إذا حصل بتمامه بإزاء السدة لم يدرك منه شيئاً، وإذا حصل بتمامه لإزاء الكشف أدرك جميعه.

وهذه السدة الناقصة، قد تقع إلى فوق ففوق، أو إلى فوق وأسفل، وقد يتفق أن يكون ذلك في حاق واسطة الثقبة وما يطيف بها مكشوفاً، وحينئذ إنما يرى من كل شيء جوانبه، ولا يرى وسطه، بل يرى في وسطه ككوة أو هوة ومعنى ذلك أنه لا يرى، فيتخيل ظلمة.

وأما اختلافه في الكيف، فتارة في القوام، فإن بعضه رقيق صاف لا يستر الضوء والشمس، وبعضه غليظ جداً. وفي اللون، فإن بعضه هوائي اللون، وبعضه أبيض جصي اللون، وبعضه أبيض لؤلؤي اللون، وبعضه أبيض إلى الزرقة أو الفيروزجية والذهبية، وبعضه أصفر، وبعضه أسود، وبعضه أغبر. وأقبله للعلاج من جهة اللون الهوائي، والأبيض اللؤلؤي، والذي إلى الزرقة قليلاً، وإلى الفيروزجيّة.

وأما الجبسي الجصي، والأخضر، والكدر، والشديد السواد، والأصفر، فلا يقبل القدح.

ومن أصناف الغليظ، صنف ربما صار صلباً جداً حتى يخرج أن يكون ماء، ولا علاج له.

وأقبله للعلاج من جهة القوام، هو الرقيق الذي إذا تأملته في الفيء النير فغمزت عليه إصبعك، وجدته يتفرق بسرعة، ثم يعود فيجتمع، فهذا يرجى زواله بالقدح، على أن مداومة هذا الامتحان مما يشوش الماء ويعشر القدح، وربما جربوا ذلك بوجه آخر. وهو أن يوضع على العين قطنة، ويُنفخ فيها نفخ شديد، ثم ينحى وينظر بسرعة هل يرى في الماء حركة، فإن رأى فهو منقدح، وكذلك إن كان التغميض لعين يوجب اتساع الأخرى. وما كان بعد سقطة أو مرض دماغي فحدث بعده عسر برؤه.

العلامات: العلامة المنذرة بالماء الخيالات المذكورة التي ليست عن أسباب أخرى، وقد شرحنا أمرها في باب الخيالات، وأن يحدث معها كدورة محسوسة، خصوصاً إذا كان في إحدى العينين، وأن تتخيل له الأشياء المضيئة كالأسرجة مضاعفة، وقد يفرق بين الماء والسدة الباطنة، بأن إحدى العينين إذا غمضت اتسعت الأخرى في الماء، ولم تتسع في السدة، وذلك لأن سبب ذلك الاتساع إندافع الروح الذي كان في العين المغمضة إلى الأخرى بقوة، فإذا أصابت سدة من وراء لم تنفذ، وهذا في أكثر الأمر، وفي أكثر الأمر تتسع الأخرى، إلا أنا يكون الماء شديد الغلظ، وإن لم تكن سدة، وفي الانتشار لا يكون شيء من هذا.

المعالجات: إني قد رأيت رجلاً ممن كان يرجع إلى تحصيل وعقل قد كان حدث به الماء، فعالج نفسه بالاستفراغات، والحمية، وتقليل الغذاء، واجتناب الأمراق والمرطبات، والاقتصار على المشويات والقلايا، واستعمال الأكحال المحتلة الملطفة، فعاد إليه بصره عوداً صالحاً، وبالحقيقة أنه إذا تدورك الماء في أوله، نفع فيه التدبير، وأما إذا استحكم، فليس إلا القدح، فيجب أن يهجر صاحبه الامتلاء والشرب والجماع، ويقتصر على الوجبة نصف النهار، ويهجر السمك والفواكه واللحوم الغليظة خاصة. فأما القيء، فإنه، وإن نفع من جهة تنقية المعدة، فهو ضار في خصوصية الماء، وقد عرفنا قانون علاجه الدوائي في باب الخيالات. ولنذكر أشياء مجربة: وصفتها: يؤخذ حب الغار المقشر عشرة أجزاء، والصمغ جزء واحد، يسحقان ببول صبي غير مراهق، للماء ولضعف البصر بالماء الساذج، ويستعمل. وكذلك أطيوس الأمدي يعجن بمرارة الأفعى بالعسل، ويكتحل به جيد جداً. أقول قد جرب ناس محصلون مرارة الأفعى، فلم يفعل فعل السموم البتة، وهذه التجربة مما ينقص وجوب الاحتراز منها، وأيضاً هذا الدواء مجرب جيد. ونسخته: يؤخذ عصارة الحب المنسوب إلى جزيرة فنقدس، وكمادريوس، ويسد من كل واحد مثقال يعجن بماء الرازيانج. وأما التدبير بالقدح، فيجب أن يتقدم قبله بتنقية البدن والرأس، خاصة، ويفصد إن كان يحتاج إليه، ثم يراعى أن لا يكونا المقدوح مصدوعاً، فيخاف أن يحدث في الطبقات ورم، أو مبتلى بسعال، أو شديد الضجر سريع الغضب، فإن الضجر والغضب كلها مما يحرك إلى العود، ويجب أن يهجر الشراب والجماع والحمام، ومع هذا فلا يجب أن يستعمل القدح، إلا بعد أن يقف الماء، وينزل ما يريد أن ينزل منه، ويغلظ قوامه قليلاً، ومن هذا يسمى الاستكمال وبعد المنفذ أسبه.

والفصد ضار له وغناؤه ماء الحمص ليلزم المرضع الذي تحركه إليه المقدحة من أسفل العين ولذلك قد يؤخر ذلك من المبدأ، وإذا أرادت أن تقدح، تقدم إلى صاحب الماء بأن يغتذي بالسمك الطري، والأغذية المرطبة المثقلة للماء، ويستعمل شيئاً مما هو مقوّ لمضرة الماء، ثم يقدح.

وبالجملة، فإن الماء إن كان رقيقاً جداً، أو غليظاً جداً، لم يطع القدح، فإذا أردت أن تقدح ألزم العليل النظر إلى الموق الإنسي، وإلى الأنف، ويحفظ على ذلك الشكل، فلا يكون بحذاء الكوة، ولا في موضع شديد الضَوء جداً، ثم يقدح، يبتدئ ويثقب بالمثقبة، أي بالمقدحة، فيمر بين الطبقتين إلى أن يحاذي الثقبة، ويجد هناك كفضاء وجوبة، ثم من الصناع من يخرج المقدحة، ويدخل فيها ذنب المهت، وهو الأقليد إلى موافاة الثقبة، ليهيئ للطرف الحاد من المهت مجالاً. وليعود العليل الصبر، ثم يدخل المهت إلى الحد المحدود، ويعلو به الماء ولا يزال يحطه حتى تصفو العين، ويكبسن الماء خلف القرني من تحت، ثم يلزم المهت موضعه زماناً صالحاً ليلزم الماء ذلك المكان، ثم يشيل عنه المهت، وينظر هل عاد، فإن عاد أعاد التدبير حتى يأمن، وإن كان الماء لا يجيب إلى ناحية خطه وإمالته، بل إلى ناحية أخرى، دفعه إلى النواحي التي يميل إليها، وفرقه فيها، فإن رأيت الماء عاد في الأيام التي تعالج فيها العين، فأعد المهت في ذلك الثقب بعينه، فإنه يكون باقياً، لا يلتحم. وإذا سال إلى الثقبة دم، فيجب أن يكبس أيضاً، ولا يترك يبقى هناك، فيجمد فلا يكون له علاج.

وإذا قدحت، فضع على عين المقدوح محّ بيض مضروباً بدهن البنفسج بقطنة، ويجب أن تشدّ الصحيحة أيضاً لئلا تتحرك، فتساعدها العليلة. ويلزمه النوم على القفا ثلاثة أيام في ظلمة، وربما احتيج إلى معاودات كثيرة لهذا التضميد، ومحافظة هذه النصبة، والاستلقاء أسبوعاً، وذلك إذا كان هناك ورم، أو صداع أو غير ذلك. لكن الورم يوجب حل الرباط القوي وإرخاءه. وبالجملة، فالأولى أن يحفظ العليل نصبته إلى أن يزول الوجع، فلا يحل الرباط، إلا في كل ثلاثة أيام، ويجدّد الدواء، ويجوز أن يكمد عند الحل بماء ورد وماء خلاف، أو قرع، أو ماء عصا الراعي وما أشبه ذلك. وللناس طرق في القدح، حتى أنَ منهم من يعتق أسفل القرنية، ويخرج الماء منها، وهذا فيه خطر، فإن الماء إذا كان أغلظ خرجت معه الرطوبة البيضيّة.

فصلان في بُطلان البصر: إنَ بطلان البصر، قد يقع من أسباب ضعف البصر، إذا أفرطت، فلينظر من هناك، ولكنا نقول من رأس، ولنترك ما يكون بمشاركة الدماغ وغيره، فإن ذلك مفهوم من هناك. فاعلم أن بطلان البصر، إما أن يكون وأجزاء العين الظاهرة سليمة في جوهرها، أو يكون ذلك، وقد أصابتها آفة محرقة، أو مسيلة، أو ما يجري مجراهما. وكلامنا في الأول، فإن كانت أجزاء العين في الظاهر سليمة في جواهرها، ولكنها أصابتها آفة من جهة أخرى غير ظاهرة للجمهور والعامة، فإما أن تكون الثقبة على حال صحتها، أو لا تكون. فإن كانت الثقبة على حال صحتها، فإما أن يكون هناك سدة مائية، أو تكون السدة ليست هناك، بل في القصبة المجوفة، إما لشيء واقف في أنبوبتها، وإما لانطباق عرض لها من جفاف، أو من استرخاء أو ورم فيها، أو ورم في عضلاتها ضاغط في نفسه، أو تابع لضغط عرض لمقدّم الدماغ على ما فسرناه فيما سلف، أو عرض لها انهتاك، أو تكون الجليدية أصابها زوال عن محاذاة الثقبة، أو يكون فسد مزاجها، فلم يصلح أن تكون آلة للإبصار. وأكثر ما يعرض ذلك لرطوبة تغلب عليها جداً، أو ليبوسة تغلب عليها، فتجتمع إلى ذاتها، وتستحصف، وتسمى هذه العلة علقوماً. ولا دواء لها، وتصير لها العين منخسفة شهلاء. وإما إن لم تكن الثقبة سليمة، فإما أنه يكون قد بلغ بها الاتساع الغاية القصوى، أو بلغ بها، الضيق الانطباق.

العلامات: أما علامة الماء والاتّساع والضيق وغير ذلك، فهو ما ذكر في بابه، وأما السبب فيما يكون للعصبة المجوفة، فذلك مما يسهل الإحاطة به جملة بالعلامة المذكورة فيِ باب الماء. وأما تفصيل الأمر فيه، فيصعب ولا يكاد يحاط به علماً، وإذا كان هناك ضرَبان وحمرة، فاحدس أن في العصبة ورماً حاراً. فإن كان ثقل وقلّة حرارة، فاحدس أن هناك ورماً بارداً. وإن كان الثقل شديداً والعين رطبة جداً، فالمادة رطبة. وإن كانت العين يابسة، فالمادة سوداوية. وإذا عرض على الرأس ضربة أو سقطة أجحظت العين أولاً، ثم تبعه غور منها وبطلان العين، فاحدس أن العصبة قد انهتكت.

فصل في بغض العين للشعاع: ذلك مما يدلّ على تسخن الروح واشتعاله وترققه، وينذر كثيراً بقرانيطس، إلا أن يكون بسبب جَرب الأجفان، وعلاجه ما تعرف.

فصل في القمور: قد يحدث من الضوء الغالب والبياض الغالب كما يغلب، إذا أديم النظر في الثلج، فلا يرى الأشياء، أو يراها من قريب، ولا يراها من بعيد لضعف الروح، وإذا نظر إلى الألوان تختل أن عليها بياضاً.

المعالجات: يؤمر بإدامة النظر في الألوان الخضر، والاسمانجونية، وتعليق الألوان السود أمام البصر، فإن كان قد اجتمع مع آفة الثلج ببياضه آفته ببرده، قطر في العين ماء طُبخ فيه تبن الحنطة فاتراً لا يؤذي، وقد يُكتحل عشية بالعسل، وبعصارة الثوم، وأيضاً قد يفتح العين على بخار نبيذ مقطور على حجر رحى محماة، أو تكمد العين بنبيذ صلب، أو يكب على بخار ماء طبخ فيه الحشائش المحللة الملطفة المعروفة، كالزوفا وإكليل الملك والبابونج ونحو ذلك.