الكتاب الثالث: الأمراض الجزئية - الفن التاسع: أحوال الحلق

الفن التاسع

أحوال الحلق

وهو مقالة واحدة: وهو مقالة واحدةفصل في تشريح أعضاء الحلق: يعني بالحلق، الفضاء الذي فيه مجريا النفس والغذاء، ومنه الزوائد التي هي اللهاة واللوزتان والغلصمة. وقد عرفت تشريح المريء، وتشريح الحنجرة. وأما اللهاة، فهي جوهر لحمي معلّق على أعلى الحنجرة، كالحجاب. ومنفعته تدريج الهواء لئلا يقرع ببرده الرئة فجأة، وليمنع الدخان والغبار، وليكون مقرعة للصوت، يقوي بها، ويعظم كأنه باب مؤصد على مخرج الصوت بقدره. ولذلك يضر قطعها بالصوت، ويهيئ الرئة لقبول البرد، والتأذّي به، والسعال عنه. وأما اللوزتان، فهما اللحمتان الناتئتان في أصل اللسان إلى فوق كأنهما أذنان صغيرتان، وهما لحمتان عصبيتان كغدتين ليكونا أقوى، وهما من وجه كأصلين للأذنين. والطريق إلى المريء بينهما. ومنفعتهما، أن يعبّيا الهواء عند رأس القصبة كالخزانة لكيلا يندفع الهواء جملة عند استنشاق القلب، فيشرق الحيوان. أما الغلصمة، فهي لحم صفاقي لاصق بالحنك تحت اللهاة متدلّ منطبق على رأس القصبة، وفوق الغلصمة الفائق، وهو عظيم، ذو أربعة أضلاع، اثنان من أسفل. وأما القصبة والمريء، فنذكر تشريحهما من بعد.

فصل في أمراض أعضاء الحلق: قد يعرض في كل واحدة من هذه أمراض المزاج، والأورام، وانحلال الفرد.

فصل في الطعام الذي يغصّ به وما يجري مجراه: إذا نشب شيء له حجم، فيجب أن يبدأ، ويلكم العنق، وما بين الكتفين ضرباً بعد ضرب، فإن لم يغن، أعين بالقيء، وربما كان في ذلك خطر.

فصل في الشوك وما يجري مجراه: أما الشوك وشظايا العود والعظم وما أشبه ذلك، فيجب أن ينظر، فإن كان الحس يدركه، أو كانت الريشة، أو عقافة من خيزران، أو وتر القوس مثنياً يناله، فإنه يدفع به، أو يجذب به فإن كانت الآلة الناقشة للشوك تناله، فالصواب استخراجه على ما نَصِف. وإن فات الحس، فيجب أن يتحسّى عليهالأحساء المزلقة، فإن لم ينجع، هيّج الفواقي والقيء، بالإصبع، والريشة والدواء. ومما جرب، أن يشرب كل يوم درهم واحد من الحرف المسحوق بالماء الحار، ويتقيأ، فإنه يقذف بالناشب. والأولى أن يتقيأ بعد طعام مالئ، وقد يشدّ خيط قوي بلحم مشروح ويبلع، ثم يجذب، فيخرج الناشب، وكذلك بالتين اليابس المشدود بخيط إذا مضغ قليلاً، ثم بلع، وقد يغرغر برب العنب المطبوخ فيه التين، فيبيّن الناشب عن موضعه، وقد يضمد الحلق من خارج بأضمدة فيها إنضاج وتفتيح رقيق لينفتح الموضع وتخرج الشوكة، أو ما يجري مجراها بذاتها، ومثال هذا الضماد المتخذ من دقيق الشعير بالزيت والماء الفاتر.

فصل في العلق: إنه قد يتفق أن يكون بعض المياة عالقاً علقاً صغاراً خفية يذهل خفاؤها عن التحرّز منها، فتبلع، وربما علقت في ظاهر الحلق، وربما علقت في باطن المريء، وربما علقت في المعدة، وربما كانت صغيرة لا يبصرها متأمل وقت علوقها، وإذا أتى على ذلك وقت يعتد به وامتصت من الدم مقداراً صالحاً، ربت جثتها وظهر حجمها.

علاماته: يعرض لمن علق به العلق، غم، وكرب، ونفث دم، وإذا رأيت الصحيح ينفث دماً رقيقاً، أو يقيئه أحياناً، فتأمل حال حلقه، فربما كانت به علقة.

معالجات: قد يعالج المدرك منه بالبصر بعلاج الأخذ والنزع على ما نصفه، وقد يعالج بالأدوية من الغراغر، إن كانت بقرب الحلق، والبخورات، ومنها السعوطات إن كانت مالت إلى الأنف، وبالمقيئات والمسهلات للديدان وما أشبهها، إن كانت وقعت في الغور وفي المعدة. وقد يحتال لها بحيل أخرى، من ذلك أن ينغمس الإنسان في ماء حار، أو يقعد في حمّام حار، وخصوصاً على ثوم تناوله، ثم لا يزال يكرّر أخذ الماء البارد المثلوج في فمه وقتاً بعد وقت حتى تترك العلقة الموضع الذي علقت به هرباً من الحرّ، وتميل إلى ناحية البرد، فإن احتيج أن يصبر على ذلك الحرّ إلى أن يخاف الغشي صبر عليه، فإنه تدبير جيد جداً في إخراجه، وكثيراً ما ينفع فيه الاقتصار على أكل الثوم، والقعود في الشمس فاغر الفم بحذاء ماء بارد مثلوج، ومن الناس من يسقي صاحب العلق الفسافس وضرباً من البقّ الحمر الدموية الشبيهة بالقراد الصغار الجلود التي يكاد يفسخها المس، وإن كان برفق بخلّ، أو شراب أو يبخر به الحلق بقمع، ولعله الذي يسقى في بلادنا الأنجل. والخل وحده إذا تحسي، فربما أخرجه من الحلق، وخصوصاً مع الملح. وأما الغراغر: فمنها الغرغرة بالخلّ والحلتيت وحدهما، أو بملح، والغرغرة بالخردل مع ضعفه من بورق، أو الخردل مع مثله نوشادر، أو الغرغرة بشيح مع نصفه كبريت، أو أفسنتين مع مثله شونيز، أو بخلّ خمر طبخ فيه الثوم وشيح وترمس وحنظل وسرخس، أو خل خمر مقدار أوقيتين، جعل فيه من البورق ثلاثة دراهم، ومن الثوم سنان. وللغرغرة بعصير ورق الغرب خاصيّة في إخراجه، وكذلك الغرغرة بالخلّ مع الحلتيت، أو قلقطار وماء.

وأما إذا حصل في المعدة، فيجب أن يسقى من هذا الدواء، ونسخته: شيح، قيسوم، أفسنتين، شونيز، ترمس، قسط، جوف البرنج الكابلي، سرخس، من كل واحد درهمان أن بخلّ ممزوج، وأيضاً يطعم صاحبه الثوم، والبصل، أو الكرنب، أو الفودنج النهري الرطب، والخردل مطيباً، وكل حاد حريف، ثم يتقيأ بعده إن سهل عليه القيء.

فإن لم يسهل، فالشيء المالح الحاد، وإن كان علوقها في الأنف، وأوجب إسعاطها، فسعط بالخلّ، والشونيز، وعصارة قثاء الحمار، والخربق، وإذا عرض أن ينقطع، فليحذر صاحبه الصياح، والكلام. وإن سال عم، أو قذفه، أو أسهله، فعالج كلاً بما تدري في باب. وللسورنجان خاصية في دفع ذلك. وأما كيفية أخذها بالقالب، فأن يقام البالغ للعلقة في الشمس، ويفتح فمه، ويغمز لسانه إلى أسفل بطرف الميل الذي كالمغرفة، فإذا لمحت العلقة ضع القلب في أصل عنقها لئلا تنقطع، وهذا القالب هو الذي تنزع به البواسير.

فصل في الخوانيق والذبح: إن الاختناق هو امتناع نفوذ النفس إلى الرئة والقلب، وهو شيء يعرض من أسباب كثيرة، مثل شرب أدوية خانقة، وأدوية سمّية، ومثل جمود اللبن في بعض الأحشاء.

لكن الذي كلامنا فيه الآن، هو ما كان بسبب يعرض في نفس آلات التنفس القريبة من الحنجرة من ورم، أو انطباق، أو عجز قوّة عن تحريك آلات الاستنشاق. وأنت تعلم أن الورم يسدّ، وأن ضغط العضو والمجاور يسدّ منافذ جار. وأنت تعلم أن العضل المحرّكة للأعضاء التحريك الجاذب إليها للهواء، وهي عضل الحنجرة كما نذكر حالها في باب التنفّس. إذا عجزت عن تحريكها وفعلها ليبس، استولى على هذه العضل التي في داخل الحنجرة وما يليها، أو لاسترخاء، أو لتشنج، أو لآفة أخرى لم يمكن الحيوان أن يتنفس، وإن كان المجرى غير مسدود. وأما الانطباق بسبب ضغط المجاور، فإنه قد يقع بسبب زوال الفقرات التي في أول العنق إلى داخل بسبب ضربة، أو سقطة، ولا علاج له، ولورم في عضل الخرز، أو أربطتها، أو في عضل المريء وأربطته بالمشاركة، أو لشيء من الأسباب التي تجذبها إلى داخل، أو لتشنّج يعرض فيها أيضاً بجذبها، وأردؤه اليابس، أو لآفات أخرى من آفات العصب يهيئ لذلك. وأكثر ما يعرض ذلك يعرض للصبيان بسبب لين رباطاتهم. وأعظمه خطراً ما كان في الفقرة الثانية، وما فوقها، وإذا كان دون ذلك فهو أسلم. وأشدّه ما كان في الفقرة الأولى، فإنه أشدّ وأحدّ، ومن باب المجاور ما يكون بسبب الديدان. وقد ذكرناه في باب عسر الازدراد.

وأما أقسام الورم بحسب الأعضاء المتورّمة، فهي أربعة: فإنها إما أن يكون الورم في العضلات الخارجة عن الحنجرة، المائلة إلى قدّام وإلى أسفل، حتى يكون الورم يظهر، وتظهر حمرته في مقدم العنف، أو الصدر، أو القص، أو يكون في العضلات الخارجة عنها، ولكن في التي إلى خلف وفي عضلات المريء حتى يكون الورم، ولونه يظهر في داخل الفم، وربما تأدّى إلى الفقار والنخاع بالمشاركة، أو يكون في العضلات الباطنة من المريء، وما يليه، فبضيق النفس بالمجاورة، ولا يظهر للحسّ ويكون في العضلات الباطنة من الحنجرة، وفي الغشاء المستبطن لها، وهو شرّ الأربعة، وهو لا يظهر للحسّ أيضاً، وقد يجتمع من هذه الأورام عدة، اثنان، أو ثلاثة.

وسبب هذه الأورام سبب سائر الأورام، وربما كان لبعض الأغذية خاصية في إحداث هذه الأورام، كالحندقوق. وقيل إن ترياقه الخسّ، أو الهندبا، وربما لم يكن السبب الامتلائي في البدن كله، بل كان البدن نقيّاً، وإنما فضلت الفضلة في الأعضاء المجاورة لأعضاء الحلق، فأحدثت ورماً، وقد يقسم هذا الورم، فيقال منه ظاهر للحسّ خارج، ومنه ظاهر للحسّ إذا تأمل باطن الحلق داخلاً، ومنه ما لا يظهر للحس، فمنه في المريء، ومنه في داخل الحنجرة، وإنما يتأمل ذلك بدلع اللسان بعد فغر الفم بشدة مع غمز اللسان إلى أسفل. وقد تعرض هذه الأورام من الدم، وقد تعرض من المرّة الصفراء، وقد تعرض من البلغم، وأكثر خنقه بإطباق العضل مرخياً. والبلغمي سليم، وبرؤه سريع سهل، وربما تطاول أربعين يوماً.

ومن البلغمي ما تولّده من بلغم لزج غليظ بارد، ومنه ما تولده من بلغم لطيف حار. ومثل هذا البلغم إذا نزل من الرأس، وهو إنما يكون من الرأس في أكثر الأمر، فإنه يتمكن إلى العضلات السفلى من الحنجرة، والذي من البلغم الغليظ، فيكون في عضلات أعلى الحنجرة لثقله وقلّة نفوذه، وقلّما يعرض من السوداء. وقال بعضهم: أنه لا يعرض البتّة، لأن السوداء يقلّ انصبابها من عضو إلى عضو دفعة، ولكنه لا يبعد مع نحور ذلك أن يعرض دفعة، أو قليلاً قليلاً، ثم يختنق. وربما كان انتقالاً من الورم الحار، وعلى كل حال فهو رديء. وكل ورم خناقي، فإما أن يقتل، وإما أن تنتقل مادته، وإما أن يجمع ويقيح. وقد يرم داخل القصبة، لكنه لا يبلغ أن يخنق.

والخناق الرديء المحرج إلى إدامة فتح الفم، ودلع اللسان، يسمّى الكلبي. فتارة يقال ذلك للكائن في العضل الداخل في الحنجرة، وتارة يقال للواقع في صنفي العضل معاً، وتارة يقال للذي يعرض إلى التشنّج إذا اندفعت المادة إلى جهة الأعصاب، وقد تنصبّ إلى ناحية القلب فتقتل، وقد تنصبّ إلى ناحية المعدة. وكل مخنوق يموت، فإنه يتشنّج أولاً.

والخناق الكلبي قد يقتل فيما بين اليوم الأول والرابع، وقد تكثر الخوانيق وأشباهها في الربيع الشتوي، وإذا اشتدّ الخناق جعل النشر منخرياً يستعان فيه بتحريك الورقة، وأحوجّ كثيراً إلى تحريك الصدر مع الورقة، وإلى إسراع، وتواتر إن أعانت القوة ولم يكن لنفسهم نفخة، وإن لم يكن خناقاً. وعروض الاختناق في الحمّيات الحادة رديء جداً، لأن الحاجة فيها إلى التنفس شديدة. وإذا عرض في يوم بحران كان مخوفاً قتالاً، فإن البحران بالأورم الخناقية قتال لا محالة.

العلامات: العرض العام لجميع أصناف الخوانيق: ضيق النفس، وبقاء الفم مفتوحاً، وصعوبة الابتلاع، حتى إنه ربما أراد صاحبه أن يشرب الماء فيخرج من منخريه، وجحوظ العينين، وخروج اللسان في الشديد منه ضعف حركته، وربما دام كثيراً، ويكون كلامه من الصنف الذي يقال أن فلاناً يتكلم من منخريه، وهو بالحقيقة بخلاف ذلك، فإن الذي ينسب إلى هذا في عادة الناس إنما هو مسدود المنخرين، فهو بالحقيقة لا يتكلم من المنخرين.

وأما الوجع فلا يشتدّ في البلغمي والصلب، ويشتدّ في الحار. وإن اشتد الوجع، فربما انتفخت الرقبة كلها، والوجه، وتدلّى اللسان. وأسلم الذبحة ما لا يعسر معها النفس.

ونبض أصحاب الخناق في أوله متواتر مختلف، ثم يصير صغيراً متفاوتاً، ويشترك جميع الورم في أنه يحسّ، إما بالبصر، وإما باللّمس بأن تحس أعضاء المريء والحنجرة جاسية متمدّدة، ويكون صاحبه كأنه يشتهي القيء، والزوالي يكون معه انجذاب من الرقبة إلى داخل، وتقصّع حيث زال الفقار، وإذا لمس أوجع، وإذا نام على قفاه لم يسغ شيئاً يبلغه البتّة، والفرق بين ضيق النفس الكائن بسبب الذبحة، والكائن بسبب ذات الرئة أن الذي في ذات الرئة لا يختنق دفعة وهذا قد يختنق. والفرق بين الورم في الحنجرة، والورم في المريء، أنه إذا كان البلع ممكناً والنفس ممتنع، فالورم في الحنجرة، أو كان بالعكس، فالورم في المريء وربما عظمت الحنجرة حتى يمتنع البلع، وربما عظم المريء حتى يمتنع التنفّس، وإنما يضيق النفس من أورام المريء ما كان في أعلاه، وأما دون ذلك فلا يمنعالنفس، وإن عسر أو ضيّق، لأنه لا يبلغ أن يزاحم القصبة وطرفها، فلا يدخلها هواء البتة. وإذا كان الورم في المريء وفي العضلات الداخلة، لم يتبين للحسّ ولطئ اللسان بالحنك لطأً شديداً. والفرق بين الورم الرديء الذي لا يبرأ، والورم الذي ليس بذلك الرديء، بل هو في آخر عضل المريء، وإن كان لا يرى، أنه لا يضيق معه النفس إلا عند البلع. والرديء منه الذي يكون داخل الحنجرة، ولا يظهر للحس من خارج منه شيء، ولا من داخل إذا تؤمل حلقه، بل هو غائر، ثم الذي لا يرى من داخل، ويرى من خارج. والخناق الرديء، فإنه يعجّل إلى منع التنفّس، وإذا استلقى صاحبه امتنع نفسه أصلاً، وإذا لم يستلق يكون عسر النفس أيضاً، دائم تمديد العنق احتيالاً للتنفس، يتململ، ويحبّ الانتصاب، ويقدر على الاضطجاع. وإذا بلع ضيق النفس والحاجة إلى إخراج البخار الدخاني إلى أن تزعج القوة المتنفسة الرطوبات إلى خارج في التنفس، فيظهر الزبد فلا رجاء فيه، ولا يجب أن يعالج.

على أنه قد يعرض أن يزيد المخنوق أحياناً، ثم يعافى، وذلك إذا كانت هناك قوة وشهوة غذاء.

وغلظ اللسان، واسوداده من العلامات الرديئة، وإذا كان مع الخوانيق الرديئة حمى شديدة، فالموت عاجل، لأن الحمى تحوج إلى نفس كثير. وقد قيل في علامات الموت السريع، أن من كان به خوانيق فتغير لون مؤخر عنقه عن حمرته المعتادة تغيراً إلى البياض، أو إلى الخضرة، وعرق إبطه وأرنبته عرقاً بارداً، فإنه يموت في أحد يوميه.

وأما علامات الرجاء، فأن تنتقل الحمرة إلى خارج، وكثيراً ما يفتحون حينئذٍ أعينهم، ويفيقون، وكذلك إذا تغير نفسهم، وأخذوا يتنفسون نفساً قصيراً، وذلك لأنهم يبتدرون في حال الشدة إلى تطويل النفس ليدخلوه قليلاً قليلاً، فإذا قصر، فقد زال سبب المستدعي للتطويل، وعادت الأعضاء إلى الحال الطبيعية. وكذلك إذا حدث ورم في الجانب المقابل رجي معه الانحلال لما عرفت.

وأما علامات انتقال الخناق، فهو أن يرى في الورم ضمور، وانحلال من غير انفجار إلى خارج مع استراحة، ثم يجب أن يتأمل أمر النبض، فإن صار موجباً عظيماً وحدث سعال، فهو ذا ينتقل إلى ذات الرئة، وإن كان النبض متشنّجاً، فهو ينتقل إلى التشنّج، وإن ضعف النبض جداً، وصغر، وتفاوت، وهاج خفقان وانحلّت الغريزية، وحدث غشي، فالمادة منصبّه إلى ناحية القلب. وإن حدث وجع في المعدة، وغثيان، فقد انصبّ إلى المعدة.

وأما علامات الجمع فأن يوجد لين قليل مع مجاوزة الرابع، وقد يعرض للخناق الذي تظهر حمرته في العنق، وناحية الصدر أن تغيب الحمرة، وذلك يكون على وجهين، إما لرجوع المادة إلى الباطن، وإما لاستفراغ المادة. وإذا كان بسبب استفراغ المادة، فهو مرجو، ويخفّ معه النفس الشديد. والآخر رديء.

وعلامات الدموي، منه علامات الدم المعلومة، وحمرة اللسان والوجه والعين. ووجدان طعم الدم، إما حلاوة، أو مثل طعم الشراب الشديد، والوجع الشديد التمددي، ضيق النفس.

وعلامات الصفراوي، التهاب وحرارة، وغمّ شديد، وعطش شديد، ووجع شديد جداً لذّاع، ومرارة، ويبس، وسهر، وليس يبلغ تضييقه للنفس مبلغ الواقع من الدم. وقد دلّ عليه لون اللسان، وحرقة الموضع وحدته، وكأن في الموضع شيئاً حريفاً لاذعاً. ووجع الصفراوي أقل من وجع الدموي.

وعلامات البلغمي ملوحة، أو بورقية مع حرارة ولزوجة، لأن هذا البلغم يكون فاسداً متعفناً. وقد يدل عليه بياض لون اللسان والوجه، وقلة العطس، وقلة الالتهاب، وقد يدلع اللسان بالإرخاء، وقلّما يعرض معه ورم في الغدد، ويكون الوجع معه قليلاً، أو معدوماً، ولا يكون معه حمّى، وتتطاول مدته إلى أربعين يوماً. وإذا جاهد صاحبه أمكنه الإساغة. وذلك لأنه ينفذ المبلوع في رخاوة.

وعلامات السوداوي الصلابة وطعم الحموضة والعفوصة، وأن يعرض قليلاً قليلاً، وربما كان انتقالاً من الورم الحار. وعلامات الكائن عن يبس الأعضاء المنفّسة أيها كانت، قلّة رطوبة في الفم، والانتفاع بالماء الحار في الوقت لما يرطّب ويرخّي. واعلم أنه قد يعرض للإنسان وجع راتب سنة، أو سنتين في حلقه، فيدل على تحجّر فضل في نواحي الحلق.

فصل في كلام كلّي في معالجات الأورام العارضة في نواحي الحلق، والحنجرة، والغدد التي تطيف بها، واللهاة، والغلصمة، واللوزتين: يجب أن يستفرغ أوّل كل شيء من المادة الفاعلة لذلك بالفصد، والإسهال، وأن يجذب المادة إلى الجهة المخالفة، ولو بالمحاجم توضع على المواضع البعيدة المقابعة لها، وربط الأطراف ربطاً مؤلماً، وأن يبتدأ بالأدوية القابضة ممزوجة بما له قليل جلاء كالعسل، وأفضلها قشور الجوز، ثم بربّ التوت.

واعلم أن المبادرة إلى التغرغر بالخلّ كما يبتدئ ورم اللهاة، أو خناق، مما يمنع ويردع ويجلب رطوبة كثيرة، ويكون معه امتناع ما كاد يحدث. ومن هذه الأدوية، مثل الشبّ، والعفص، والجلّنار، والرمانين المطبوخين إلى النهري، يتّخذ منهما لعوق.

ومما ينفع من ذلك حلق اليافوخ، ثم طلاؤه بعصارة أقاقيا، هذا في الأول، ثم يتدرّج إلى المنضجات، ثم إلى المفتّحات القوية، حتى إلى درجة النوشادر، والعاقرقرحا، وما نذكره. ومما ينفع في ذلك التعطيس بمثل الكندس، والقسط، وورق الدفلي، والمرزنجوش. ومن الأشياء المجرّبة التي تفعل بخاصيتها في أورام الخوانيق، واللهاة، واللوزتين، وبالجملة أعضاء الحلق نفعاً عظيماً، أن يؤخذ خيوط، وخصوصاً مصبوغة بالأرجوان البحري، فيخنق بها أفعى، ثم يطوّق عنق من به هذه الأورام، فإن ذلك ينفعه نفعاً بليغاً عظيماً عجيباً مجاوزاً للقدر المتوقّع. واللبن من الأدوية الشريفة. والانتهاء بما يردع ويليّن ويسكّن الأوجاع، ويجب أن يتأمل في استعمال ما يقبض، أو يحلّل، أو ينضج، وينظر إلى حال البدن في لينه وصلابته، فتقوى القوى في الصلبة، وتليّن في اللينة، وكذلك يراعي السنّ، والمزاج، والزمان، والعادة، وقد يخص أورام اللهاة واللوزتين، واسترخاؤهما القطع، ويفرد له باباً ومن وجوه العلاج الغمز على الموضع. ومواضعه ، ثلاثة: أحدهما عندما يزول الفقار، والثاني في أورام اللهاة واللوزتين المحوجة إلى إشالتها عن سقوطها إلى فوق، والثالث في الأورام البلغمية إذا ضيقت المنفذين، فاستعين بالغمز على تنقيتها وتلطيفها.

علاج الذبح والخوانيق وكل اختناق من كل سبب: أما الحار، فيجب أن يبدأ فيه بالفصد، ولا يخرج الدم الكثير دفعة، وخصوصاً إذا كانت قد أخذت القوّة في الضعف، بل يؤخذ عشرة عشرة كل ساعة إلى اليوم الثالث بالتفاريق المتوالية، فإن لم يكن أخذ في الضعف، فيجب أن لا يزال يخرج الدم إلى أن يعرض الغشي في القوي، ويجب أن لا ينحى بالتفريق نحو حفظ القوة، ودفع الغشي، فإن الغشي إذا عرض لهم أسقط قوتهم، فيجتمع عسر التنفس، وسقوط القوة، وخصوصاً، وهم مؤاخذون بتقليل الغذاء اختياراً، أو ضرورة، لا سيما إن كانت حمى.

وقد يجب أن يراعى في أمر الفصد شيئاً آخر، وهو أنه ربما كان سبب غلبة الورم في الخوانيق احتباساً، لا سيما من معتاد، كدم حيض ودم البواسير، وفي مثل ذلك يجب أن يكون الفصد من جانب يجذب إلى الجهة التي وقع عنها الاحتباس، مثل ما يجب ههنا من فصد الصافن، وحجامة الساق، فإذا خرج دم كثير، فربما سكن العارض من ساعته، وربما احتجت إلى إعادته من غد.

وبالحقيقة أنه إن احتملت الحال المدافعة بالفصد إلى النضج، فذلك أفضل لتبقى القوّة في البدن، ويقع الاستفراغ من نفس مادة المرض، ويقتصر على إرسال متواتر أياماً عشرين بعشر وزنات دم، أو خمس وزنات ويسهل التنفس، وكذلك أيضاً الغراغر تؤخّر، أن كان هناك امتلاء، وكانت الغراغر تؤلم خوفاً من الجذب، بل تستعمل الغراغر بعد التنقية. من الذبح صنف آخر يكون في أقصى الغلصمة، فإذا فصد قبل انحطاط العلة، انحطّ إلى المخنق، وأكثر ما يعرف به وقت الخناق من الابتداء، والتزيد، والانتهاء والانحطاط، هو من حال الازدراد، وتزيد عسره، ووقوفه، أو انحطاطه، وما دام في التزيد ولم يكن ضرورة لم يفصد الفصد البالغ، بل يقتصر على ما قلنا.

وإذا كان الخناق ليس بمشاركة من امتلاء البدن كله بل كانت الفضلة في ناحية الحلق فقط ولم يخش مدداً، جاز أن لا يفصد، بل يبعد عن بدنه أسباب التحلل المحوج إلى البدل الكثير، ويمنع الغذاء ليكون بدنه مستعملاً لدمه في الاغتذاء، وصارفاً إياه عن جهة الورم، كأنه يغصبها الدم، ثم يقبل على التحليل والإنضاج. وإن فصدت ربما لم يحتمل ذلك، ولم يكن بد من تغذية، وفي التغذية تعذيب، وخصوصاً حين لا يشبع، ولا يؤخر فصد العرق الذي تحت اللسان، بل يجب أن يبادر إلى ذلك، ولو في اليوم، بل ولو في خلل التفاريق المذكورة، وخصوصاً إذا كانت العروق التي تحت اللسان متمدّدة. وربما احتيج إلى فصد الوداج، وربما احتيج إلى شرط اللسان نفسه، وإلى حجامة الساق، فإنه نافع جداً. ومن كان يعتاده الخوانيق، فيجب أن يفصد قبل عروضها كما ترى امتلاء، وعند الربيع. ومما هو شديد النفع، المبادرة إلى استعمال الحقن القوية جداً، إلا أن تمنع الحمى، فحينئذ يجب أن يقتصر على الحقن اللينة. وللحقن القوية، والشيافات، منفعة في ذلك قوية. ويجب أن تربط الأطراف، ويطوق العنق بصوف، وخصوصاً صوف الزوفا مغموساً أية كان في الزيت، أو في دهن البابونج، فإنه مليّن مسكن للوجع، ثم في آخره تخلط به الجواذب حين لا تنفع هذه، وهي مثل البورق، والخردل، والقسط، والجندبيدستر، والكبريت، والمراهم القوية المحمّرة، وأيضاً بمثل عسل البلاذر، وكل ما ينقط، ويجب أن يقتصر في غذائهم إلى اليوم الثالث على السكنجبين، وشراب العسل، ثم يتدرج إلى ماء الشعير مع بعض الأشربة اللذيذة، ثم إلى محّ البيض، ثم إذا سهل البلغ استعملت الأحساء بخندروس. وفي آخره نجعل الأحساء من المنضجات، ثم المحلّلات.

وإذا عسر البلع وضعت المحاجم على الرقبة عند الخرزة الثانية بالمصّ، أو بالنار، ليتسع المنفذ قليلاً قليلاً، ويسيغ كل ما يتجرع من الأغذية، فإذا فرغ من ذلك أزلت المحاجم. وأما النارية، فإنها تسقط بنفسها، ولا بأس أن يشرط أيضاً، ويخرج الدم من هنا ومن الأخدعين، ثم يحجم محجمة واحدة على الرأس، وتوضع أيضاً محاجم على الذقن تحت الحلق، وذلك بعد قطع المادة، فإن جميع هذا يجذب المادة إلى خلاف، ويقلّلها. وكذلكالأول، ويضعها تحت الثدي، وعلى الكاهل، ولا بأس بإدخال ما ينقّي من الخيزران ونحوه ملفوفاً عليه قطنة، فإن في التنقية توسيعاً، وربما أدخل في الحلق قصبة معمولة من ذهب، أو فضة، أو نحوهما تعين على التنفس. وكذلك إذا اشتد الضيق، لم يكن من وضع المحاجم على الرقبة. وقد ينفع في توسيع البلع والنفس غمز الأكتاف وأما الأدوية في الابتداء، فالقوابض، وخصوصاً للدموي. وأفضل القوابض ما له مع قبضه جوهر لطيف يغوص به. ومن الأشياء التي أخرجتها التجربة، فإن القوابض المخلوطة المركبة أنفع من المفردة البسيطة. وربما اشتد الوجع في أول الأمر. فاحتيج إلى أن يخلط بالقوابض ما يسكّن الوجع ويلين، مثل شراب البنفسج، والفانيذ، واللبن الحار، ولعاب بزر كتان، والمبيختج، وربما لم تكن الانصباب، فلم يكن بدّ من المحلّلة يخلط بها، أو ربما لم يكن المادة كثيرة في الانصباب، ويكون الورم ليس قوياً، فيبتدأ، ويستعمل العفص، والنوشادر، فإنه يمنع بقوّة، ويحلل بقوة. وأما الصفراوي، فيجب أن يكون أكثر الفصد مصروفاً فيه إلى التبريد مع القبض، وقد يستعمل فيه لطوخات، وقد يستعمل فيه وفي كل غرغرات، ويستعمل نفوخات بمنفاخ ونثورات. فمن ذلك، التغرغر بالسكنجبين والماء، والخلّ والماء، فإنه عظيم المنفعة في أول الحار والبارد، وبرب التوت، وخاصة البري، ثم الذي ليس فيه سكر، أو عسل، ويستعمل في الابتداء صرفاً ومقوى بقوابض من جنس عصارة السماق والحصرم مجفّفين، وكما هما، والجلنار، وإنما يجعل في مثله العسل لينقَي لا ليقوي، وكذلك طبيخ القسب بالعسل، أو طبيخ السمّاق وبعقيد العنب. وأقوى من ذلك عصارة الجوز الرطب، وهي من أفضل أدوية هذا الورم، عصارة الورد الطري. ورب الخشخاش إذا خلط بالقوابض، كان شديد النفع في الابتداء. وأقوى من طبيخ الآس. والبلوط، والسماق، وماء الكزبرة، والسماق، وماء قشور الجوز، وماء الآس، وماء طبخ فيه العدس جداً، أو السفرجل القابض جداً. وللزعرور خاصية، والشب اليماني أيضاً له خاصية في ذلك وأيضاً ينفخ في الحلق نفوخاً من بزر الورد، والسماق، والجلنار أجزاء سواء، والكافور شيء قليل. وللصفراوي عصارات البقول الباردة مخلوطة بما له قبض ما، وعصارة عصا الراعي، وعصارة عنب الثعلب وعصارة قضبان الكرم. ومن المشتركات بينهما في الابتداء، بزر الورد، وبزر البقلة، ولعاب بزر قطونا، ونشاء، وطباشير، وسمّاق، وكثيرا، وكافور ويتخذ منه حبّ مفرطح، ويؤخذ تحت اللسان، وإذا انقطع التحلب، فيجب أن يخلط بربّ التوت المرّ، والزعفران، فإن المر غواص بقوة قبضه تحليله. ويغوص الزعفران، فيجتمعان على الإنضاج وإن رأيته يميل إلى الصلابة، خلط بالتوت شيئاً من البورق، وإذا قارب المنتهى، أو حصل فيه، فيجب أن يستعمل أيضاً ما فيه تسكين وتليين، كاللبن الحليب مدافاً فيه فلوس من الخيار شنبر، والزفت في رب التوت، أو طبخ التين، والحلبة، أو ربّ الآس مع الميبختج، أو عصير الكرنب بعسل، أو ميبختج، أو المقل العربي محلولاً برب العنب، فإنه نافع جداً، أو ماء الأصول مطبوخاً فيه زبيب، أو حلبة، وتمر، وتين، والمرّ، والزعفران، والدارصيني غرغرة بالسكنجبين، وماء العسل. وتستعمل الأضمدة أيضاً للإنضاج، مثل ضمّاد الساهر. وتقطير دهن اللوز في الأذن نافع في هذا الوقت. وإذا رأيته لا ينضج، ورأيت صلابة، وجب أن يستعمل في أدويته الكبريت. وإذا كان قد نضج، فاجتهد في تفجير الورم بالغراغر التي تجمع إلى التليين التفجير، كبعض الأدوية الحادة في اللبن يغرغر به، وإن كان ظاهراً، وتطاول، ولا ينفجر فلا بأس باستعمال الحديد. ومن الأدوية المعتدلة مع المبادرة إلى التفجير، طبيخ التين بالحلبة، والتمر، وطبيخ العدس بالورد، ورب السوسن، وبزر المرو. وبعد ذلك يتدرج إلى ما هو أقوى، فيخلط بربّ التوت، بورق وكثيرا، وأيضاً بزر مرو مدافاً في لبن ماعز، والأدهان المسخّنة، وخصوصاً مع عسل وسكّ، ويتغرغر بمثل ماء العسل طبخ فيه تين، وفودنج، ومرزنجوش، وشبث، ونعناع، وأصل السوس، ونمام مجموعة، ومفرقة. وللقسط -وخصوصاً البحري- منفعة عظيمة في مثل هذا الوقت. وفي حقيقة الانتهاء تقصد الجلاء التام والتفجير، بمثل النطرون، والبورق، والحلتيت، والمرّ، والفلفل، والجندبيدستر، وفرق الخطاطيف، وخرء الديك، يغرغر به مع رب التوت، بل بالنوشادر، والعاقرقرحا، وبزر الحرمل، والخردل، وبزر الفجل بالماء والسكنجبين، ويستعمل هذه نفوخات. ونفخ النوشادر مريح، وإذا انحطت العلة استعملت الشراب والحمّام والتنطيل. صفة حب نافع في الانتهاء: أصل السوسن أربعة أجزاء، حلتيت نصف جزء، يجمع بعصارة الكرنب، أو عقيد العنب. وأما علاج البلغمي. فمن ذلك أن يدخل في الحلق قضيب مغموز، معوّج، ملفوف عليه خرق، يطلى به الورم، وتنقّى به الرطوبة. وللعتيق منه حلتيت بدارصيني، أو يسهل بالقوقايا، والأيارج، ونحوه، ويحقن بالحقن الحادة القوية جداً. وأما علاج السوداوي، فأنفع الأدوية له دواء الحرمل غرغرة، ولطوخاً من داخل وخارج. وأما الأدوية التي لها خاصية وموافقة في كل وقت، فخرء الكلب الأبيض، والذئب الأبيض. يجوع الكلب ويطعم العظام وحدها حتى يبقى يخرأ أبيض يكون قليل النتن. وكذلك زبل الإنسان، وخصوصاً الصبي، ويجب أن يجهد حتى يكون ما يغتذي به بقدر ما ينهضم، وأفضله له الخبز، والترمس بقدر قليل، ويسقى عليه شراباً عتيقاً، ثم يؤخذ رجيعه، ويجفف، فإنه أقل نتناً. فإن اشتهى مع الخبز شيئاً آخر، فالأغذية الجيدة الهضم، الحسنة الكيموس، الحارة المزاج باعتدال، مثل لحوم الدجاج، والحجل، وأطراف الماعز، فإن هذه مع جودة الهضم تخرج ثفلاً قليل النتن. ومن أدويته الفاعلة بالملح بالخاصية الخطاف المحرق، يذبح، ويسيل الدم على الأجنحة، ثم يذر عليها ملح، ويجعل في موز كطين، ويسدر رأسه، ويودع التنور. لأن يودع الزجاج المطيّن بطين الحكمة أصوب عندي. وكذلك خرء الخطاطيف المحرق بقوة، وقد يحنّك صاحب الخناق الملح بالعسل، والخل، والزيت. وكذلك أورام اللهاة، وقد يحنّك أيضاً بمرارة الثور بالعسل، ومرارة السلحفاة، وزهر النحاس، ورؤوس السميكات المملوحة، خصوصاً اللهاة، وكذلك الغرغرة بالسكنجبين المطبوخ فيه بزر الفجل، والقلقطار، والقلقديس جيدان لورم النغانغ. ومن المركبات دواء التوث بالمر والزعفران، ودواء الخطاطيف، ودواء الحرمل، ودواء قشور الجوز الطري، وأقراص أندروس، ودواؤه جيد بهذه الصفة. ونسخته: خرء الكلب الأبيض محرقاً في خزف، أو غير محرق، أوقية فلفل، درهمين عفص محرق، قشور الرمان، لحى الخنزير، أو القرد، أو الضبع، من كل واحد نصف أوقية، مر، وقسط، من كل واحد نصف أوقية، ينفخ، أو يلطخ. وأيضاً في آخره، وفي وقت الشدّ عذرة صبي عن خبز، وترمس، وخرء الكلب، والخطاطيف المحرقة، والنوشادر، يكرر في اليوم مرات. وربما ورم لسان المخنوق أيضاً، وربما يحوج إلى معالجته، وقد تكلمنا في أمراض اللسان والذي يخص هذا الموضع مع وجوب الرجوع إلى ما قيل هناك، أن يحتال بعد الفصد في جذب المواد إلى أسفل، وقد يفعل ذلك في هذا الموضع أيارج فيقرا، فإن له خاصية في جذب المواد إلى أعالي فم المعدة، والمريء، والحلق، ثم يستعمل عليه المبردات الرادعة، كعصارة الخس، وهو ذو خاصية دل عليها رؤيا نافعة، ثم إن احتيج إلى تحليل لطيف فعل. وأما الفقاري، فما ينتفع به في تدبيره أن يحتال بغمز الموضع بالرفق إلى خلف، فربما ارتدت الفقارة. وذلك الغمز قد يكون بآلة، أو بالإصبع، وقد يجد بذلك راحة، والآلة شيء مثل اللجام يدخل في الحلق، ويدفع ما دخل إلى داخل. والغمز ضارّ جداً في الأورام، وإذا اشتدت الخوانيق، ولم تنجع الأدوية، وأيقن بالهلاك كان الذي يرجى به التخليص شقّ القصبة، وذلك بأن تشقّ الرباطات التي بين حلقتين من حلق القصبة من غير أن ينال الغضروف حتى يتنفس منه، ثم يخاط عند الفراغ من تدبير الورم، ويعالج فيبرأ.

ووجه علاجه، أن يمد الرأس إلى خلف، ويمسك، ويؤخذ الجلد ويشق. وأصوبه أن يؤخذ الجلد بصنارة، ويبعد، ثم يكشف عن القصبة، ويشق ما بين حلقتين من الوسط بحذاء شق الجلد، ثم يخلط، ويجعل عليه الذرور الأصفر، ويجب أن تطوى شفتا شق الجلد، ويخاط وحده من غير أن يصيب الغضروف والأغشية شيء. وهذا حكم مثل هذا الشقّ، وإن لم ينفع بهذا الغرض. فإن ظنّ أن في تلك الأربطة نفسها ورماً أو آفة، لم يجب أن يستعمل الشق، وإذا غشي على العليل، وخشيت أن يتم الاختناق، بادرت إلى الحقن القوية، وفصد العرق الذي تحت اللسان، وفصد عرق الجبهة، وتعليق المحاجم على الفقار، وتحت الذقن، بشرط، وغير شرط، فإن كان سبب اختناقه وغشيه العرق، فإنه ينكس ليسيل الماء، ثم يدخن بما له قوة وطيب حتى يستيقظ. أما المتخلص عن خناق الشدّ، فيجب أن يفصد، ويحقن، ويحسى أياماً حسواً من دقيق الحمص واللبن، أو ماء اللحم مدافاً فيه الخبز، وصفرة البيض. واعلم أن من كان به وجع في الحلق، فالأولى به هجر الكلام من أي وجع كان.

فصل في اللهاة واللوزتين: هذه قد يعرض لها نوازل تورمها حتى تمنع النفس، وقد تسترخي اللهاة من غير ورم، فيحتاج إلى ما جففها ويقبضها من الباردة والحارة، وربما احتيج إلى قطعها. وتقرب معالجتها من معالجة الخوانيق، وتعالج في الابتداء بلطوخات، ويرقق بمسها بريشة، فإن الإصبع في غير وقية وغير رفقة، ربما عنف. والعظيم منها القليل الالتهاب تستعمل عليه الأدوية العفصة.

والملتهب يصلح له ما هو أشد تبريداً، مثل ماء عنب الثعلب، ومثل بزر الورد وورقه، فإن لهما فعلاً قوياً.

ومما هو أقوى في هذا الباب الصمغ العربي، والكثيراء، والعنزروت بالبسفايخ لطوخاً، وأيضاً جلّنار جزآن، شب يماني جزء، منخولين بحرير، ويستعمل بملعقة مقطوعة الرأس عرضاً، وربما زيد فيه زعفران، وكافور، ويستعمل لطوخاً، وأيضاً العفص مسحوقاً بالخل يلطخ بريشة، وأيضاً ماء الرمان الحامض بالقوابض، وأيضاً حجر شاذنج، وحجر خروجوس محرقاً الذي يسمى أخراطيوس والحجر الأفررجي، وطباشير، وطين مختوم، والأرمني، وربّ الحصرم، وثمرة الشوكة المصرية، والشبّ اليماني، وبزر الورد، يتخذ منها مثل ذلك.

والتبخّر بأعواد الشبث مما يقبض اللهاة جداً، وأيضاً عصارة الرمان الحلو المدقوق مع قشره مع سدسه عسلاً مقوماً مثخّناً، فإنه لطوخ جيد. ويجب مع التغرغر بالقوابض أن يديم الغرغرة بالماء الحار، فإن ذلك يعده لفعل القوابض فيه وتليينه، ويمنع تصليب القوابض إياه، فإن أورثها القوابض صلابة، أو انعصاراً وانقباضاً مؤلماً، استعمل فيها اللعابات، والصمغ، والكثيراء، والنشا، والأنزروت، وبزر الخطمي، وماء النخالة، والشعير، أو يقوم عصارة أطراف العوسج بخمسه عسلاً، أو وزنه زيتاً، أو طبيخ الورد والسماق بسدسه عسلاً، يطبخ ويقوّم ويطلى من خارج بما له تجفيف وقبض قوي، مثل ما يتخذ بالعفص والشب اليماني والملح، وهو المتقدم على جميع ذلك قبل. وللسودواي عفص فجّ جزء، زاج أحمر سماق، من كل واحد ثلاثة أجزاء وثلث، ملح مشوي عشرين جزءاً ويستعمل.

دواء جيد في الأحوال والأوقات ونسخته: شب يماني ثلاثة أجزاء، بزر ورد جزآن، قسط جزء، يستعمل ضماداً بريشة أو بمرفعة اللهاة، وهو دواء جيد. أخرى: يؤخذ عصارة الرمان بقشره ويقوم بخمسه عسلاً ويطلى. وأيضاً: يؤخذ شب جزء، ونوشادر نصف جزء، وعفص فج ثلثا جزء، وزاج ثلاثة أجزاء، وإذا بلغ المنتهى أو قاربه، استعمل المرّ، والزعفران، والسعد، وما أشبهه. وللدارشيشعان خاصية، وفقّاح الأذخر وعيدان البلسان والأشنبة، تستعمل لطوخات. ومياهها غراغر، وخصوصاً إذا استعمل منها غراغر بطبيخ أصل السوسن، وبزر الورد مع عسل، ويقطر دهن اللوز في الأذن في كل وقت، فإنه نافع. فإن جمعت اللوزتان وما يليها، استعملت السلاقات المذكورة في باب الخناق، فإن دام الوجع ولم يسكن، عاودت الإسهال، فإن لم يتم بذلك استعملت القوية التحليل، مثل عصارة قثاء الحمار، والكرنب، والقنطوريون، والنطرون الأحمر بعسل، أو وحدها، وإذا صلب الورم وطال، فليس له كالحلتيت، وإذا أخذت تدقّ في موضع وتغلظ في موضع، فاقطع، وما أمكن أن يدافع بدلك، وتضمره بنوشادر يرفعه إليه بملعقة كاللجام فهو أولى. ولا يجب أن تقطع إلا إذا ذبل أصلها، فإنّ فيه خطراً عظيماً.
وهذه صفة غرغرة تجفف قروح أورام النغانغ وتنقّيها، ونسخته: عدس، جلّنار من كل واحد خمسة، شياف ماميثا، زعفران، قسط من كل واحد جزء، يطبخ بالماء، ويؤخذ من سلاقته جزء ويمزج بنصفه ربّ التوث، وربعه عسلاً، ويتغرغر به.

فصل في سقوط اللهاة: قد تسقط اللهاة بحمّى، وقد تسقط بغير حمى، وسقوطها أن تمتدّ إلى أسفل حتى لا ترجع إلى موضعها، وربما احتاج المزدرد إلى الغمز بالإصبع حتى يسوغ.

المعالجات: إن كان هناك حرارة وحمرة، فصدت، ثم استعملت الغراغر المذكورة في الأبواب الماضية، مثل الغرغرة بالخلّ وماء الورد، ثم يشال بورد، وصندل، وجلنار، وكافور، ورب التوث خاصة في الآلة الشبيهة باللجام. ويجب أن يكون برفق ما أمكن، فإن لم يكن هناك حرارة وحمرة، استعملتا غرغرة بالسكنجبين والخردل، أو المريّ النبطي، ويشال بالآلة المذكورة. والدواء الذي يشال به العفص والنوشادر مسحوقتين. وأقوى العلاج أن يكبس بالآلة إلى فوق ممتدّاً إلى خارج بالأدوية القوابض، أو المخلوطة بالمحلّلات على ما يجب، وربما غمز بالإصبع ملطوخة بمثل رث التوت، والجوز، وغير ذلك. ومن الأدوية الجيدة للكبس، جلنار، وشب، وكافور. ومن الجيدة في الإشالة، المسك، والنوشادر، والعفص بالجلّنار. والسك ألطف بعد أن لا يكون هناك آفة من ورم وامتلاء، فإذا وقف، تغرغر بماء الثلج غرغرة بعد غرغرة. ومما جرت لذلك أن يؤخذ بزر الورد نصف رطل، عصارة لحية التيس ثلاث أواق، يطبخ في العسل، أو في الطلاء، وهو أقوى. والصبيان قد يشيل لهاتهم العفص المسحوق بالخل، وخصوصاً إذا طلي منه على نوافيخهم.

فصل في إفراد كلام في قطع اللهاة واللوزتين: يجب أن ينظر في اللهاة دقّتها وضمورها، وخصوصاً في أسفلها، وخصوصاً إن غلظ طرفها ورشح منه كالقيح، فهو أوّل وقت، وحينئذ يقطع بالحديد، أو بالأدوية الكاوية، ويحتاط بإسهال لطيف يتقدمه، ونقص البدن عن الامتلاء، إن كان به من دم أو غيره، فإن القطع مع الامتلاء خطر، والدقيق المستطيل كذنب الفارة الراكب على اللسان من غير امتلاء وحمرة،. أو سواد، فإن قطعه قليل الخطر. فصفة قطعها أن يكبس اللسان إلى أسفل، ويتمكّن من اللهاة بالقالب ويجر إلى أسفل ولا يستأصل قطعها، بل يترك منها شيء، فإنك إن قربته من الحنك، لم يكد الدم يرقأ البتة مع أنه لا يجب أن يقطع شيئاً قليلاً، فتكون الآفة تبقى بحالها بل يجب أن يقطع قدر ما زاد على الطبيعي. وأما إذا كانت حمراء وارمة، ففي قطعها خطر، وربما انبعث دم لا يرقأ بكَل رقوء. ومن الأدوية القاطعة لها، الحلتيت، والشب لا يزال يجعل على أصلها، فإنه يسقطها. من الأدوية المسقطة إياها بالكي، هو النوشادر مع الحلتيت، والزاجات. ويجب أن يقبض بهذه الأدوية على اللهاة بالآلة الموصوفة، وتمسك ساعة من غير قطع حتى يعمل فيه، ثم يعاد فيه إلى أن تسودّ، فإن اسودت سقطت بعد ثلاثة أيام في الأكثر، ويجب أن يكون المعالج منكباً فاتح الفم حتى يسيل لعابة، ولا يحتبس في فمه. وأما اللوزتان فيعلقان بصنّارة، ويجذبان إلى خارج ما أمكن من غير أن ينجذب معها الصفاقات، فيقطعان باستدارة من فوق الأصل، وعند ربع الطول بالآلة القاطعة من بعد أن تقلب الآلة القاطعة، وتقطع الواحدة بعد الأخرى، وبعد مراعاة الشرائط المذكورة في لونها، وحجمها، فإذا سقط منها ما قطع، ترك الدم يسيل بقدر صالح وصاحبها منكبّ على وجهه لئلا يدخل الدم حلقه، ثم يتمضمض بماء وخل مبردين، ويتقيأ ويسعل لينقّي باطنه، ثم يجعل عليه ما يقطع الدم، مثل القلقطار، والشبّ، والزاج، يتغرغر بطبيخ العليق، وورق الآس مفتراً.

فصل في ذكر آفات القطع: من ذلك الضرر بالصوت، ومن ذلك تعريض الرئة للبرد والحر، فيعرض سعال عن كل برد وحرّ، ولا يصبر على العطش، ومن ذلك تعريض المعدة لسوء مزاج عن سبب بارد من ريح وغبار ونحوه، وكثيراً منهم يستبرد الهواء المعتدل، وكثيراً منهم استحكم البرد في صدره ورئته حتى مات، وقد يعرض منه نزف دم لا يحتبس.

علاج نزف دم قطع اللهاة واللوزتين: يجب أن توضع المحاجم على العنق والثديين، ويفصد من العروق السافلة المشاركة كالأبطي ونحوه فصداً للجذب. وأما المفردات الحابسة للدم واللطوخات المستعملة لذلك، فهي مثل الزاج يلطخ به، أو يذر الزاج عليه والمبرّدات بالفعل، فكماء الثلج، والعصارات الباردة القابضة المعروفة، مثل عصارة الحصرم، وعراجين الكرم والريباس، وعنب الثعلب، وماء السفرجل الحامض. ومن الأشياء المجربة التي لها خاصية في هذا الباب، ويجب أن يستعمل في الحال دواء شهد به من العلماء المعروف بديوحانس، وهو الكوهارك، وأيضاً عصارة لسان الحمل إذا استعمل، وخصوصاً بأقراص الكهرباء والطين المختوم، ويجب أن لا يستعمل منها شيء حار، بل بارد بالفعل، فإن الحرارة بما تجذب تبطل فعل الدواء.