الفن العاشر
أحوال الرئة والصدر
وهو خمس مقالات:
المقالة الأولى
الأصوات والنفس
فصل في تشريح الحنجرة والقصبة والرئة: أما
قصبة الرئة: فهي عضو مؤلف من غضاريف كثيرة دوائر، يصل بعضها على بعض، فما
لاقى منها منفذ الطعام الذب خلفه، وهو المريء وجعل ناقصاً وقريباً من نصف
دائرة، وجعل قطعه إلى المريء، ويماس المريء منه جسم غشائي لا غضروفي، بل
الجوهر الغضروفي: منه إلى قدّام، والتفّت هذه الغضاريف برباطات يجللها
غشاء، ويجري على جميع ذلك من الباطن غشاء أملس إلى اليبس والصلابة ما هو،
وذلك أيضاً من ظاهره، وعلى رأسه الفوقاني الذي يلي الفم، والحنجرة، وطرفه
الأسفل، ينقسم إلى قسمين، ثم ينقسم أقساماً تجري في الرئة مجاورة لشعب
العروق الضاربة والساكنة، وينتهي توزعها إلى فوهات هي أضيق جداً من فوهات
ما يشاكلها، ويجري معها. فأما تخليقها من غضروف، فليوجد فيها الانتفاخ، ولا
يلجئه اللين إلى الانطباق، ولتكون صلابتها واقية لها إذا كان وضعها إلى
قدام، ولتكون صلابتها سبباً لحدوث الصوت، أو معيناً عليه. وتأليفها من
غضاريف كثيرة مربوطة بأغشية، ليمكنها الامتداد والاجتماع عند الاستنشاق
والنفس، ولا تألم من المصادمات التي تعرض لها من تحت وفوق، ومن الانجذابات
التي تعرض لها إلى طرفيها، ولتكون الآفة إذا عرضت لم تتسع ولم تستمل، وجعلت
مستديرة لتكون أحوى وأسلم.
وإنما نقص ما يماس المريء منها، لئلا يزاحم اللقمة النافذة، بل يندفع عن
وجهها إذا مددت المريء إلى السعة، فيكون تجويفها حينئذ كأنه مستعار للمريء،
إذ المريء يأخذ في الانبساط إليه وينفذ فيه، وخصوصاً، والإزدراد لا يجامع
النفس لأن الإزدراد يحوج إلى انطباق مجرى قيصبة الرئة من فوق لئلا يدخلها
الطعام المار فوقها، ويكون انطباقها بركوب الغضروف المتكئ على المجرى،
وكذلك الذي يسمى الذي لا اسم له. وإذا كان الازدراد والقيء يحوجان إلى
انطباق فم هذا المجرى، لم يكن أن يكونا عندما يتنفس. وخلق لأجل التصويت
الشيء الذي يسمى لسان المزمار يتضايق عنده طرف القصبة، ثم يتسع عند
الحنجرة، فيبتدئ من سعة إلى ضيق، ثم إلى فضاء واسع، كما في المزمار، فلا بد
للصوت من تضييق المحبس. وهذا الجرم الشبيه بلسان المزمار، من شأنه أن ينضم،
وينفتح ليكون بذلك قرع الصوت.
وأما تصليب الغشاء الذي يستبطنها، فليقاوم حدة النوازل، والنفوث الرديئة،
والبخار الدخاني المردود من القلب، ولئلا يسترخي بقرع الصوت. وأما انقسامها
أولاً إلى قسمين، فلأنّ الرئة ذات قسمين. وأما تشعبها مع العروق السواكن،
فليأخذ منها الغذاء.
وأما ضيق فوهاتها، فليكون بقدر ما ينفذ فيها النسيم إلى الشرايين المؤدية
إلى القلب، ولا ينفذ إليها، فيها دم الغذاء، ولو ينفذ يحدث نفث الدم، فهذه
صورة قصبة الرئة. أما الحنجرة: فإنها آلة لتمام الصوت، ولتحبس النفس، وفي
داخلها الجرم الشبيه بلسان الزمامر من المزمار. وقد ذكرناه، وما يقابله من
الحنك، وهو مثل الزائدة التي تشابه رأس المزمار، فيتمّ به الصوت. والحنجرة
مشدودة مع القصبة بالمبريء شداً، إذا همَ المريء للإزدراد، ومال إلى أسفل
لجذب اللقمة، انطبقت الحنجرة وارتفعت إلى فوق، واستند انطباق بعض غضاريفها
إلى بعض، فتمددت الأغشية والعضل. وإذا حاذى الطعام مجرى المريء، يكون فم
القصبة والحنجرة ملتصقين بالحنك من فوق، فلايمكن أن يدخلها من الحاصل عند
المريء شيء، فيجوز بها الطعام والشراب من غير أن يسقط إلى القصبة شيء، إلاّ
في أحايين يستعجل فيها بالإزدراد قبل استتمام هذه الحركة، أو يعرض للطعام
حركة إلى المريء مشوّشة، فلا تزال الطبيعة تعمل في دفعه بالسعال. وقد ذكرنا
تشريح غضاريف الحنجرة وعضلها في الكتاب الأول.
وأما الرئة: فإنها مؤلفة من أجزاء، أحدها شعب القصبة، والثاني شعب الشريان
الوريدي، والثالث شعب الوريد الشرياني، ويجمعها لا محالة لحم رخو ما متخلخل
هوائي، خلق من أرقّ دم وألطفه. وذلك أيضاً غذاؤها، وهو كثير المنافذ، لونه
إلى البياض خصوصاً في رئات ما تم خلقه من الحيوان. وخلق متخلخلاً، ليتسع
الهواء، وينضج فيه، ويندفع فضله عنه كما خلق الكبد بالقياس إلى الغذاء، وهو
ذو قسمين: أحدهما إلى اليمين، والآخر إلى اليسار، والقسم الأيسر ذو شعبتين،
والقسم الأيمن ذو ثلاث شعب، ومنفعة الرئة بالجملة الاستنشاق.
ومنفعة الاستنشاق إعداد هواء للقلب أكثر من المحتاج إليه في نبضة واحدة.
ومنفعة هذه الاعداد، أن يكون للحيوان عندما يغوص في الماء، وعندما يصوّت
صوتاً طويلاً متّصلاً يشغله عن أخذ الهواء، أو يعاف استنشاقه لأحوال،
وأسباب داعية إليه من نتن وغيره، هواء معد يأخذه القلب. ومنفعة هذا الهواء
المعد أن يعدل بروحه حرارة القلب، وأن يمدّ الروح بالجوهر الذي هو أغلب في
مزاجه من غير أن يكون الهواء وحدة، كما ظنّ بعضهم يستحيل روحاً كما لا يكون
الماء وحده يغذو عضواً، ولكن كل واحد منهما، أما جزء غاذ، وأما منقذ مبذرق.
أما الماء فلغذاء البدن، وأما الهواء فلغذاء الروح، وكل واحد من غذاء البدن
والروح جسم مركب لا بسيط. وأما منفعة إخراج الفضل المحترق من الروح، وكل
واحد من غذاء البدن والروح جسم مركب لا بسيط. وأما منفعة إخراج الفضل
المحترق من الروح، وهو دخانيته والرئة لدخول الهواء البارد، فإن هذا
المستنشق يكون لا محالة قد استحال إلى السخونة، فلا ينفع في تعديل الروح.
وأما تشعّب العروق والقصبة في الرئة، فإن القصبة والشريان الوريدي يشتركان
في تمام فعل النفس. والشريان الوريدي، والوريد الشرياني يشتركان في غذاء
الرئة من الدم النضيج الصافي الجائي من القلب. وأما منفعة اللحم، فليسدّ
الخلل، ويجمع الشعب. وأما تخلخله، فليصلح للاستنشاق، فإنه ليس إنما ينفذ
الهواء في القصبة فقط، بل قد يتخلص إلى جرم الرئة منه، وفي ذلك استظهار في
الاستكثار، وليعين أيضاً بالانقباض على الدفع، فيكون مستعداً للحركتين،
ولذلك ما تنتفخ الرئة بالنفخ.
وأما بياضه، فلغلبة الهواء على ما يتغذى به،
ولتردده الكثير فيه. وأما انقسامها باثنتين، لئلا يتعطل التنفّس لآفة تصيب
أحد الشقّين. وكل شعبة تتشعّب كذلك إلى شعبتين. وأما الخامسة التي في
الجانب الأيمن فهي فراش وطيء للعرق المسمّى الأجوف، وليس نفعه في النفس
بكثير، ولما كان القلب أميل يسير إلى الشمال، وجد في جهة الشمال شاغل لفضاء
الصدر، وليس في اليمين، فحسن أن يكون للرئة في جانب اليمين زيادة تكون وطاء
للعروق، فقد وقعت حاجة. والرئة يغشيها غشاء عصبي، ليكون لها على ما علمت
حسن ما يوجّه، فإن لم يكن مداخلاً، كان مجللاً. على أنّ الرئة نفسها وطاء
للقلب بلينها، ووقاية له. والصدر مقسوم إلى تجويفين، يفصل بينهما غشاء ينشأ
من محاذاة منتصف القصّ، فلا منفذ من أحد التجويفين إلى الآخر. وهذا الغشاء
بالحقيقة غشاءان، وهو يتصل من خلف بالفقار، ومن فوق بملتقى الترقوتين.
والغرض في خلقهما، أن يكون الصدر ذا بطنين، إن أصاب أحدهما آفة كمل الآخر
أفعال التنفّس وأغراضه. ومن منافعها ربط المريء، والرئة، وأعضاء الصدر،
بعضها لبعض. وأما الحجاب، فقد ذكرنا صورته، ومنفعته في تشريح العضل، فإنه
بالحقيقة أحد العضل، وهو من ثلاث طبقات، المتوسّطة منها هي حقيقة الوتر
الذي به يتمّ فعلها والطبقة التي فوقها هي كالأساس والقاعدة لأغشية الصدر
التي تستبطنه، والطبقة السافلة مثل ذلك لأغشية الصفاق. وفي الحجاب ثقبان:
الكبير منهما منفذ المريء، والشريان الكبير، والأصغر ينفذ فيه الوريد
المسمى الأبهر، وهو شديد التعلّق به والالتحام.
فصل في أمزجة الرئة وطريق سلامات أحوالها: نقول: أما المزاج الحار، فيدلّ
عليه سعة الصدر، وعظم النفس، وربما تضاعف، والنفخة، والصوت، وثقله، وقلّة
التضرّر بالهواء البارد، وكثرته بالحار، وأعراض عطش يسكنه النسيم البارد
كثيراً من غير شرب، وكثيراً ما يصحبه لهب وسعال. وأما المزاج البارد، فيدل
عليه صغر الصدر، وصغر النفس، والصوت، وحدتهما والتضرر بكل بارد، وكثر تولد
البلغم فيها، وكثيراً ما يتضاعف به النفس، ويصحبه الربو والسعال. وأما
المزاج الرطب، فيدل عليه كثرة الفضول، وبحوحة الصوت، والخرخرة، وخصوصاً إذا
كانت مع مادة، وكانت مائلة إلى فوق، والعجز عن رفع الصوت لا لضعف البدن.
وأما المزاج اليابس، فيدلّ عليه قلّة الفضول، وخشونة الصوت، ومشابهته بصوت
الكراكي، وربما كان هناك ربو لشدة التكاثف، وكل واحد من هذه الأمزجة قد
يكون للرئة طبيعياً، وقد يكون عرضياً، ويشتركان في شيء من العلامات
ويفترقان في شيء. فأما ما يشتركان فيه: فالعلامات المذكورة، إلاّ ما يستثنى
من بعد، وأما ما يفترقان فيه، فشيئان: أحدهما، أن المزاج إذا كان طبيعياً،
كانت العلامة واقعة بالطبع، وإن كان عرضياً، كانت العلامة له عرضية، وقد
حدث به، إلا أن تكون العلامة من جنس ما لا يقع إلا بالطبع فقط، فتكون علامة
للطبيعي، مثاله عظم الصدر أو صغره.
واعلم أنّ أخصّ الدلائل على أحوال الصدر، والرئة، النفس في حرّه، وبرده،
وعظمه، وصغره، وسهولته، وعسره، ونتنه، وطيب رائحته، وغير ذلك من أحواله،
وكذلك الصوت أيضاً في مثل ذلك، ومثل ما يدلّ الخناقي منه على أن الآفة في
العضل الباسطة، والأبحّ على أنها في العضل القابضة، إن كانت الآفة في العضل
والسعال، والنفث، والنبض. وقد تبيّن لك كيفية دلائل النفس، وكيفية دلائل
الصوت، وكيفية دلائل السعال، وكيفية دلائل النفث. وأما النبض، وما يوجبه
بحسب الأمزجة، والأمراض، فقد عرفت ذلك.
والرئة مجاورة للقلب، والاستدلال من أحواله عليها أقوى، والنبض أدلّ على ما
يلي شعب العصبة من الرئة، والسعال أدلّ على ما يلي القصبة، ولحمية الرئة.
وإحساس اللذع والنخس دليل خاص على أن المادة في الأغشية والعضلات، فإذا كان
الانتفاث بسعال خفيف، فالمادة قريبة من أعالي القصبة وما يليها، وإن كانت
لا تنفث إلا بسعال قوي، فالمادة غائرة بعيدة، وقد تصحب آفات أعضاء الصدر
علامات من أعضاء بعيدة، مثل الدوار في أورام الحجاب، وحمرةَ الوجه في أورام
الرئة.
فصل في الأمراض التي تعرض للرئة: تعرض للرئة الأمراض المختصة بالمتشابهة
الأجزاء، والأمراض الآلية، وخصوصاً السدد في عروقها، وأجزاء قصبتها،
وخصوصاً العروق الخشنة، وفي خلخلة جرمها، وقد تكون لأسباب السدد كلها حتى
الانطباق، والأمراض المشتركة. و قد تكثر أمراض الرئة في الشتاء، والخريف
لكثرة النوازل، وخصوصاً في خريف مطير بعد صيف يابس شمالي، والهواء البارد
ضارّ بالرئة إلا أن تكون متأذّية بالحر الشديد، وكثيراً ما تؤدّي أمراض
الرئة إلى أمراض الكبد، كما تؤدي شدة بردها وشدة حرها إلى الاستسقاء وكذلك
الحجاب.
فصل في علاجات الرئة: لتتأمل ما قيل في باب الربو والتنفُّس، ولتنتقل إلى
غيره مما يشاركه في السبب من الأمراض، وقد تراض الرئة بمثل رفع الصوت، ومثل
النفس النافخ لتلطف بذلك فضولها، ولاستعمال الأدوية الصدريّة هيئة خاصة،
فإنها تجب أن تستعمل حبوباً ولعوقات في أكثر الأمر، تمسك في الفم ويبلع ما
يتحلل منها قليلاً قليلاً لتطول مدة عبورها في جواز القصبة ويتعاود،
فيتأدّى إلى القصبة والرئة، وخصوصاً إذا نام مستلقياً وارتخت العضل كلها
التي على الرئة وقصبتها. وأقرب وجوه إمالة فضول الرئة هو الجانب الذي يلي
المرء، فذلك ينتفع بالقيء كثيراً إذا لم يكن هناك مانع. فصل في المواد
الناشبة في الرئة وأحكامها ومعالجاتها: المواد التي تحصل في الرئة، قد تكون
من جنس الرطوبة، وقد تكون من جنس القيح، وقد تكون من جنس الدم. والمواد
الحارة الرقيقة. والمواد الناشبة في الرئة، قد يعسر انتفائها، أما لغلظها
ولزوجتها فلا تتنفث، وأما لرقتها فلا يلزمها الريح الدافعة إياها بالسعال،
بل تنعقد الرطوبة عن الريح، فتباينها الريح غير قالعة، وإما لشدة كثرتها،
وإذا كانت الأخلاط الصدرية غليظة، فلا تبالغ في التجفيف، بل اشتغل بالتليين
والتقطيع مع تحليل بمداراة، ويكون أهم الأمرين إليك التقطيع، أي تكون
العناية بالتقطيع أكثر منها بالتحليل واستعمل في جميع تلك الأدوية ماء
العسل فإنه ينفذها ويجلو أو يلين، وأنت تعرف طريق استعمال ماء العسل.
فصل في الأدوية الصدرية المفردة والمركبة وجهة استعمالها: الأدوية الصدرية
هي الأدوية التي تنقي الصدر وهي على مراتب.
المرتبة الأولى، مثل دقيق الباقلا، وماء العسل، وبزر الكتان المقلو،
واللوز، والشراب الحلو، فإنه شديد التفتيح لسدد الرئة، كما أنه شديد
التوليد لسدد الكبد، كما ستعلم علّته في باب الكبد. ومن الباردات حب
القثاء، والقند، والبطيخ، والقرع. وأما السمن، فإن اقتصر عليه كان إنضاجه
أكثر من تنقيته، فإن لعق مع عسل ولوز مرّ، كان إنضاجه أقلّ وتنقيته أكثر.
وأقوى من ذلك، علك البطم، واللوز المر، وسكنجبين العنصل، والحلبة،
والكُندر. وتمر هيرون له قوة في هذه المعنى، وأقوى من ذلك الكمّون،
والفلفل، والكرسنّة، وأصول السوسن، وأصل الجاوشير، والجندبيدستر بالعسل،
والعنصل المشوي مسحوقاً معجوناً بالعسل، والقنطوريون الكبير، والزراوند
المدحرج، والشونيز، والدودة التي تكون تحت الجرار، إذا جفّفت على خزف فوق
الجمر، أو في التنّور حتى تبيض وتخلط بالعسل، وكذلك الراسن إذا وقع في
الأدوية، وماؤه شديد النفع، والراوند من جملة ما يسهّل النفث، والساليوس
شديد المنفعة، والبُلْبُوس نافع منقّ جداً، خصوصاً النيء، وبعده الذي لم
يسلق إلا سلقة واحدة. والزعفران يقوي آلات النفس جداً، ويسهل النفس جداً،
وهذه الأدوية تصلح مشروبةً، وتصلح ضماداً.
ومن الأدوية المركّبة: حبّ أفلاطون، وهو حبّ الميعة، وشراب الزوفا بالنسخ
المختلفة، ودواء أندروماخس، ودواء سقلنيادوس، ودواء جالينوس، وأشربة
الخشخاش بنسخ، ودواء مغناوس، ودواء البلاذر بالهليلجات. ومما ينفث الأخلاط
الغليظة والمدة، أن يؤخذ من السكبينج والمر، من كل واحد مثقال، قردمانا
مثقالين، أفيون مثقال، جندبيدستر مثقال يعجن بشراب حلو الشربة منه نصف
مثقال.
ومما جُرب: هذا الدواء وصفته: يؤخذ كندر أربعة، ومر اثنين، مع ثلاث أواق
ميبختج يُطبخ كالعسل، ويُلعق، أو عصارة الكرنب بمثله عسلاً، أو سلاقته
يطبخان حتى ينعقد، أو النار نار الجمر.
وأيضاً: يؤخذ مرّ، وفلفل، وبزر الأنجرة، وسكبينج، وخردل يتخذ منه حبّ،
ويسقى منه غدوة وعشية عند النوم.
وأيضاً: خردل درهم، بورق تسع قراريط، عصارة قثاء الحمار وأنيسون، من كلّ
واحد قيراط ونصف، وهو شربة يخرج فضولاً كثيرة، وينقى بلا أذى.
ومن الأدوية القوية في ذلك أن يؤخذ المحروث، والخردل، وبزر الأنجرة، وعصارة
قثّاء الحمار، وأنيسون يجمع ذلك كله بعسل ويعجن به.
ومن الأخلاط المائلة إلى الحار حلبة أوقيتين، بزر كتان أوقية ونصف، كرسنّة
نصف أوقية، جوف حبّ القطن نصف أوقية، ربّ السوس أوقيتين، يلتّ الجميع بدهن
اللوز ويجمع بعسل.
وأيضاً: يؤخذ سبستان، وتين أبيض، وزبيب منزوع العجم، وأصول السوسن،
وبرشاوشان، يطبخ بالماء طبخاً ناعماً، ويسقى منه، وإن طبخ في هذا الماء
بسفايج، وتربد كان نافعاً. واعلم أنه كثيراً ما يحتبس الشيء في الصدر، وهو
قابل للانتفاث، إلا أن القوة تضعف عنه، وحينئذ فيجب أن يستعان بالعطاس.
فصل في كلام كليّ في التنفس: التّنفس يتمّ بحركتين ووقفتين بينهما على مثال
ما عليه الأمر في النبض، إلا أن حركة التنفس إرادية يمكن أن تغيَّر
بالإرادة عن مجراه الطبيعي، والنبض الطبيعي صرف، والغرض في النفس أن يملأ
الرئة نسيماً بارداً حتى بعد النبضات القلبية، فلا يزال القلب يأخذ منه
الهواء البارد، ويردّ إليه البخار الدخاني إلى أن يعرض لذلك المستنشق
أمران: أحدهما استحالته عن برده بتسخين ما يجاوره، وما يخالطه، واستحالته
عن صفاته بمغالطة البخار الدخاني له، فحينئذ يزول عنه المعنى الذي به يصلح
لاستمداد النبض منه، فيحتاج إلى إخراجه والاستدلال منه. وبين الأمرين
وقفتان، واستدخاله، -وهو الاستنشاق- يكون بانبساط الرئة تابعة لحركة أجرام
يطيب بها حين يعسر الأمر فيها، وإخراجه يكون لانقباض الرئة تابعة لحركة
أجرام يطيف بها. والنفس عند العامة هو المخرج، وعند الأطباء، وفي اصطلاح ما
بينهم تارةً المخرج كما عند العامة، وتارة هذه الجملة، كما أن النبض عند
العامة هو الحركة الانبساطية، وعند الأطباء فيه اصطلاح خاص على النحو
المعلوم فيه، وحركة النفس المعتدل الطبيعي الخالي عن الآفة، يتمّ بحركة
الحجاب، فإن احتيج إلى زيادة قوة لما ليس يدخل إلا بمشقة، أو لتقوي النفس
ليخرج نفخه، شارك الحجاب في هذه المعونة عضل الصدر كلها حتى أعاليها أو لا
بد، فبعض السافلة منها فقط، فإن احتيج إلى أن يكون صوتاً لم يكن بد من
استعمال عضل الحنجرة، فإن احتيج إلى أن يقطع حروفاً، ويؤلف منه كلام، لم
يكن بدّ من استعمال عضل اللسان، وربما احتيج فيها إلى استعمال عضل الشّفة.
وكما أنّ في النبض عظيماً، وصغيراً، وطويلاً،
وقصيراً، وسريعاً، وبطيئاً، وحاراً وبارداً، ومتواتراً، ومتفاوتاً، وقوياً،
وضعيفاً، ومنقطعاً، ومتّصلاً ومتشنّجاً، ومرتعشاً، وقليل حشو العروق وكثيره
وأموراً محمودة، وأموراً مذمومة، ولكلِّ ذلك أسباب كل ذلك دليل على أمر ما،
ولها اختلاف بحسب الأمزجة، والأسنان، والأجناس، والعوارض البدنية
والنفسانية، كذلك للنفس هذه الأمور المعدودة وما يشبهها، ولكلّ أمر منها
فيه سبب، وكل أمر منها دليل. فمن النفس عظيم، ومنه صغير، ومنه طويل، ومنه
قصير، ومنه سريع، ومنه بطيء، ومنه متفاوت، ومنه متواتر، ومنه ضيّق، ومنه
واسع، ومنه سهل، ومنه عسر، ومنه قوي، ومنه ضعيف، ومنه حار، ومنه بارد، ومنه
مستوٍ، ومنه مختلف.
ومن أصناف النفس ما له أسماء خاصة، مثل النفس المنقطع، والنفس المضاعف،
والنفس المنتصب، والنفس الخناقي، والنفس المستكره في الفترات، كما يكون في
السكتة ونحوها.
والآفات التي تعرض في آلات النفس، فيدخل منها آفة في النفس، إما أن يكون في
أعضاء النفس، أو في مباديها، أو فيما يشاركها، بالجوار.
وأعضاء النفس هي الحنجرة، والرئة، والقصبة، والعروق الخشنة، والشرايين،
والحجاب، وعضل الصدر، والصدر نفسه، فإن الآفة قد تكون في الصدر نفسه إذا
كان ضيقاً صغيراً، فيحدث لذلك في النفس آفة، وأما مباديها، فالدماغ نفسه،
والنخاع أيضاً، لأنه منشأ للحجاب، فإنه ينبت أكثر من الزوج الرابع من عصب
النخاع، وتتصل به شعبة من الخامس والسادس، والعصب الجائي إليها.
وأما الأعضاء المشاركة بالجوار إليها، فكالمعدة، والكبد، والرحم، والإمعاء،
وسائر الأحشاء، وتلك الآفات، إما سوء مزاج مضعّف حار، أو بارد، أو رطب، أو
يابس، أيا كان ساذجاً، أو بمادة من خلط محتبس، أو منصبّ إليه كثيراً، أو
لزجاً، أو غليظاً، والمدة والقيح من جملتها، أو من ريح، أو بخار، وإما مرض
آلي من فالج، أو تشنج، أو انحلال فرد من تصدع، أو تعفن، أو تقرّح، أو تأكل،
أو من ورم بارد، أو حار، أو صلب، أو من وجع. وأنت تعلم مما نقصه عليك أن
النفس قوي الدلالة، وجار مجرى النبض بعد أن تراعى العادة فيه، كما يجب أن
تراعي الأمر الطبيعي المعتاد في النبض أيضاً.
فصل في النفس العظيم والصغير وأسبابه ودلائله: النفس العظيم: هو النفس الذي
ينال هواء كثيراً جداً فوق المعتدل، وهو الذي تنبسط منه أعضاء النفس في
الجهات كلها انبساطاً وافر العظم ما يستنشق. والصغير الضيق يكون حاله في
ذلك بالضد، فيصغر ما يستنشق، وكذلك في جانب الإخراج. وأسباب النفس العظيم
هي: أسباب النبض العظيم، أعني الثلاثة المذكورة، فقد يظن أن الصغير هو الذي
يتم بحركة الحجاب فقط، وذلك ليس صحيحاً على الإطلاق، فإنه -وإن كان قد يكون
ما يتم بحركة الحجاب وحده صغيراً- فربما كان ذلك معتدلاً، فإن المعتدل لا
يفتقر إلى حركة غير الحجاب إذا كان الحجاب قويّ القوة، وربما كان النفس
صغيراً، فإن كانت الأعضاء الصدرية كلها تتحرك إذا كانت كلها ضعيفة، فلا يفي
الحجاب وحده بالنفس المحتاج إليها، ولا إن كانت الحاجة إلى المعتدل، بل
يحتاج أن يعاونه الجميع، ثم لا يكون بالجميع من الوفاء باستنشاق الهواء
وإخراجه الواقع مثلهما عن الحجاب وحده لو كان سليماً صحيحاً قوياً، لأنه
ليس واحد من تلك الأعضاء يفي بانبساط تام، ولا بالقدر الذي إذا اجتمع إليه
معونة غيره حصل من الجميع بسط للرئة كاف معتدل، وذلك لضعف من القوى، أو
الضيق من المنافذ، كما يعرض في ذات الرئة، لكن يجب أن يكون عظيم النفس،
معتبراً بمقدار ما يتصرّف فيه من الهواء مقبولاً، ومردوداً، ولن يتمّ ذلك
إلا بحركة جامعة من العضلة الصدريّة وما يليها، ثم لا تنعكس حتى تكون كلها
تتحرك فيه العضل كلها، فهو نفس عظيم، بل إذا تحِركت كلها الحركة التي تبلغ
في البسط والقبض تصرفاً في هواء كثير.
والصغير هو على مقابلته، وقد يبلغ من شدّة حركة أعضاء النفس للاستنشاق أن
تتحرك منبسطة من قدّام إلى الترقوتين، ومن خلف إلى عظم الكتفين، ومن
الجانبين إلى معظم لحم الكتف، وربما استعانت بالمنخرين، بل تستعين بهما في
أكثر الأحوال، وقد يختلف الحال في الانقباض أعظم، وذلك بحسب المادة التي
تحتاج إلى أن تخرج الانقباض، والكيفية التي تحتاج أن تعدل بالإدخال
والانبساط، فأيهما كانت الحاجة إليه أمس كانت الحركة التي تحبسه أزيد، فإن
احتيج إلى إطفاء اللهيب كان الانبساط عظيماً، وإذا اتفق في إنسان إن كان
غير عظيم الاستنشاق، بل صغيره، ثم كان عظيم الإخراج للنفس، كان ذلك دليلاً
على أن الحرارة الغريزية ناقصة، والغريبة الداخلة زائدة.
والأسباب في تجشم هذه الأعضاء كلها للحركة بعنف أربعة: فإنها إما أن تكون
بسبب عظيم الحاجة لالتهاب حرارة في نواحي القلب، وإما لسبب في العضل
المحركة من ضعف في نفسها، أو بمشاركة الأصول، ومثل ما هو في آخر الدق،
والسل، وفي جميع المدة، فإنها تضعف القوّة، أو لعلة إليه بها خاصة، أو
بمشاركتها المذكورة فيما سلف عن تشنج يعرض لها، أو فالج، أو سوء مزاج، أو
ورم ووجع، أو غير ذلك يعرض للعضل عن الانبساط، مثل امتلاء المعدة عن أغذية،
أو رياح إذا جاوز الحد فحال بين الحجاب والانبساط، فلم ينبسط هو وحده. وإما
لضيق المنافذ التي هي الحنجرة وجداول القصبة والشرايين، وما يتصل بها من
منافذ النفس، مثل التخلخل الذي في الرئة، فإنها إذا امتلأت أخلاطاً، كثرت
فيه السدد، أو عرض فيها الورم، وهؤلاء كأصحاب الربو، وأصحاب المدة، وأصحاب
ذات الرئة. وأما الغفلة مع حاجة، أو قلّة حاجة حتى طالت المدة بين النفسين
فاحتيج إلى نفس عظيم يتلافى ما وقع من التقصير، مثل نفس مختلط العقل إذا لم
يكن شديد برد القلب، فإنه يشتغل عنه، ثم يمعن فيه.
ومن جملة هذه الحاجة، عظم نفس النائم لأنه يكثر فيه البخارات الدخانية،
ويغفل فيه النفس عن إرادة إخراج النفس إلى أن يكثر بها الداعي ، فيخرج لا
محالة عظيماً، وكذلك نفس من مزاج قلبه ليس بذلك الحاد المتقاضي بالنفس،
فيدافع إلى وقت الضرورة ويتلافى بالعظم ما فاته بالمدافعة العلامات التي
يفرّق بها بين أسباب حركة الصدر كله، إن كان ذلك بسبب كثرة الحاجة، وتكون
القوة قرية كان النفس كثيراً في إدخاله، وفي نفخه، ويكون ملمس النفس حاراً
ملتهباً، والنبض أيضاً عظيماً دالاً على الحرارة، وتكون علامات الالتهاب
موجودة في الصدر، والوجه، والعينين، وفي اللسان في لونه وخشونته وغير ذلك،
فإن لم يكن ذلك، ولم تكن القوة ساقطة، وكأنها لا يمكنها البسط التام،
فالسبب الضيّق في شيء مما عددناه. وأما إن كانت الأعضاء كلها تحاول أن
تتحرّك، ثم لا تتحرك حركة يعتد بها، ولا تنبسط البسط التام، مثل ما يروم ما
لا يكون، ويعول كل التعويل على المنخرين ولا يكون هناك عند الرد نفخة،
فالقوّة المحرّكة التي للعضل مؤفّة، وإذا كان الضيق من رطوبة في القصبة وما
يليها، كان مع العلامات في النفس خرخرة، واحتاج صاحبه إلى تنحنح، وهو زيادة
علامة على علامة الضيق الكلي، وإن لم يكن ذلك كان السبب أغوص من ذلك، وإذا
حدث الضيق الخرخري دفعة فقد سالت إلى الرئة مادة من النوازل، أو سال إلى
الرئة أولاً ثم إلى القصبة ثانياً مدة وقيح من عضو من الأعضاء بغتة.
فصل في النفس الشديد: هو الذي يكون مع عظمه كأن القوة تتكلف هناك فضل
انزعاج للإدخال، والنفخ بالإخراج فيكون مع العظم قوة هم.
فصل في النفس العالي الشاهق: هو الصنف من النفس العظيم الذي يفتقر فيه إلى
تحريك أعالي عضل الصدر، ولا تبلغ الحاجة فيه إلى تحريك الحجاب، وأسافل عضل
الصدر، وكثيراً ما يحدث هذا النفس في الحميات الوبائية.
فصل في النفس الصغير: تعرف أسبابه للمعرفة بأسباب العظيم على سبيل
المقابلة، وقد يصغر النفس بسبب الوجع إذا حال الوجع بين أعضاء التنفس وبين
حركاتها، وقد يصغر النفس الضيق، وإذا اقترن به التثاؤب دل على موت الطبيعة،
وإذا اقترن به التواتر دل على وجع في أعضاء التنفس، وما يليها من المعدة
ونحوه، مثل قروحها وأورامها.
العلامات: علامات أسباب النفس الصغير المقابلة لأسباب النفس العظيم معلومة
بحسب المقابلة، وأما الذي يكون صغره عن الوجع لا عن الضيق، فيدل عليه وجود
الوجع، وإن صاحب الوجع لو احتمل ارجع وصبر عليه، أمكنه أن يعظم نفسه، ومع
ذلك، فقد يقع في خلال نفسه نفس عظيم تدعو الحاجة إليه وإلى احتمال الوجع،
أو تصيب الحاجة فيه غفلة من الوجع، والكائن عن الضيق بخلاف ذلك كله. النفس
الطويل هو الذي يطول فيه مدّة تحريك الهواء في استنشاقه ورده لتتمكن القوة
من التصرف في الهواء الكثير، وربما منع عن العظيم السريع وجع، أو ضيق فأقيم
الطول في استيفائه المبلع المستنشق مقام العظيم السريع.
فصل في النفس القصير: هو مخالف للطويل، وإذا قرن به التواتر كان سببه وجعاً
في آلة التنفس وما يليها، وإذا قرن به التفاوت دل على موت الغريزة.
فصل في النفس السريع: هو الذي تكون الحركة فيه في مدة قصيرة مع بلوغ الحاجة
لا كالقصير والصغير، والسبب فيه شقة الحاجة إذا لم يبلغ الكفاية فيها
بالعظم، إما لأن الحاجة فوق البلوغ إليه بالعظم، وإما لأن العظم حائل مثل
ما قيل في النبض. وذلك الحائل، إما في الآلة، وإما في القوة، قد تكون
السرعة في إحدى الحركتين أكثر منها قي الأخرى، مثل المذكور في النفس
العظيم.
فصل في النفس البطيء: هو ضد السريع، وضد أسبابه، وقد يبطئ الوجع إذا كان
العضو المتنفّس يحتاج إلى أن يتحرك برفق وتؤدة.
فصل في النفس المتواتر: هو الذي يقصر الزمان بينه وبين الذي قبله. ومن
أسبابه شدة الحاجة إذا لم ينقض بالعظم والسرعة، لأنها أكثر من البلوغ إليه
بهما، لأن دونهما حائلاً من وجع، أو ورم، أو ضيق لمواد كثيرة، أو انضغاط،
أو انصباب قيح في فضاء الصدر، أو شيء آخر من أسباب الضيق. وأنت تعرف الفرق
بين الواقع بسبب الحاجة، والواقع بسبب الوجِع وغير ذلك مما سلف لك في باب
العظيم. والنفس المتواتر على ما شهد أبقراط يستتبع آفة لتجفيف الرئة وأتعاب
أعضاء النفس فيما يليها.
فصل في النفس البارد: يدل على موت القوة، وطفء الحرارة الغريزية، واستحالة
مزاج القلب إلى البرد، وهو أردأ علامة في الأمراض الحادة، وخصوصاً إذا كان
معه نداوة، فتتمّ دلالته على انحلال الغريزية.
فصل في النفس المنتن: هو داخل في البخر، ويفارق سائر أصناف البخر بأن تلك
الأصناف، قد تروح النتن في غير حال التنفس، وهذا إنما ينتن عندما يخرج
النفس، وهذا يدل على أخلاط عفنة في أعضاء التنفس، إمّا القصبة، وإما الرئة
إذا عفن فيها خلط أو مدة.
فصل في الانتقالات التي تجري بين النفس العظيم والنفس السريع والنفس
المتواتر و أضدادها: لقد علمت أن الحاجة إذا زادت، ولم يكن لها حائل عظم
النفس، فإن زادت أكثر أسرع، فإن زادت أكثر تواتر، فإذا تراجعت الحاجة نقص
أولاً التواتر، ثم السرعة، ثم العظم، وكذلك إذا قلّ الحول والمنع، وإذا فقد
التراجع في المعاني الثلاثة، وجد التفاوت أكثر، ثم الإبطاء، ثم الصغر،
فيكون الخروج عن الطبيعي إلى الصفر أقلّ من إلى البطء، وأليهما أقل منه إلى
التفاوت. واعتبر هذا في الانبساط والانقباض جميعاً تحسب اختلاف الحاجتين
المذكورتين اختلافاً في الزيادة والنقصان، وإذا كان السبب في الانبساط أدعى
إلى الزيادة، كان الزمان الذي قبل الانبساط أقصر، وإذا كان مثل ذلك السبب
في الانقباض كان زمان السكون الذي قبل الانقباض أقصر، والنفس المتتابع
السريع يتبع ورماً حاراً وضيقاً عن سدة.
فصل في النفس المتحرّك أي المحرك للرئة: هذا النفس يدلّ على خور من القوة،
أو ضيق شديد خانق في الذبحة، أو جمع مدّة وانصبابها، أو خلط.
فصل في كلام كلي في سوء التنفس: سوء التنفس يعم الأحوال الخارجة عن الطبيعة
في التنفس التي لا تتبع أعراضاً صحية، بل أعراضاً مرضية آلية، وذلك مثل عسر
البول، وضيق النفس، وتضاعف النفس، وانقطاع النفس، ونفس الانتصاب. وقد يعرض
لأنواع سوء المزاج والامتلاء، والسدد، ومجاورة ضواغط، وأورام وأوجاع،
ولموانع للحركة، ولقروح في الحجاب ونواحي الصدر، وسقوط القوة من أمراض
ناهكة، وحمّيات حادة وبائية، وسموم مشروبة. وكل سوء تنفس وضيقه وعسره
لمادة، فإنه يزداد عند الاستلقاء، ويكون وسطاً عند الاضطجاع على جنب، ويخف
مع الانتصاب. وفي الخوانيق الداخلة يمتنع عند الاستلقاء أصلاً.
فصل في ضيق النفس: هو أن لا يجد الهواء المتصرف فيه بالنفس منفذاً في جهة
حركته إلا ضيقاً لا يتسرّب فيه إلا قليلاً قليلاً. وأسبابه، إما أورام في
تلك المنافذ التي هي الحنجرة، والقصبة، وشعبها، أو الشرايين، وفي نفس خلخلة
الرئة وجرمها.
وأشد أورامها تضييقاً للنفس ما كان صلباً، أو أخلاط كثيرة فيها غليظة، أو
لمزجة، أو مائية تجتمع في الرئة، أو انطباق يعرض لها من ضاغط مجاور من ورم
حار في كبد، أو معدة، أو طحال، أو أخلاط منصبة في الفضاء لاستسقاء، أو
غيره، مثل ما يكون من انفجار أورام في الجوف الأسفل تحول دون الانبساط، أو
تكاثف عن يبس، أو قبض، أو عن برد يصيب الرئة والحجاب، أو عن سبب في العصب
والحجاب، وهو أولى بأن يسمى عسر النفس، أو عن أبخرة دخانية تضيق مداخل
النفس في المواضع الضيقة.
وقد يكون سبب ضيق الصدر، فلا تجد الأعضاء المنبسطة للنفس مجالاً، وقد يكون
بسبب البُحران، وعلامة له إذا مالت المواد عن الأورام الباطنة إلى فوق، وقد
يكون عسر النفس وضيقه بسبب سيلان المواد عن الأورام الباطنة منتقلة إلى
نواحي الرأس، وتُنذر بأورام خلف. الأذنين، إن كان الأمر أسلم، أو في الدماغ
إن كان أصعب.
العلامات: علامات الأورام الخناقية قد سلفت لك. وأما علامة الورم الذي يكون
في نفس الرئة، فالوجع الثقيل، وفي العضلات والحجب الصدرية الوجع الناخس
الباطن، وهو أقوى وأشدّ، والظاهر وهو أضعف.
وأما في غضاريف الرئة، فالوجع الذي فيه مصيص، وربما أدى إلى السعال، وإن
كانت حارة، فالحمى. وعلامات الخناقية معروفة تشتدّ عند الاستلقاء، وأما
علامات امتلاء الأخلاط، فإن كانت في القصبة، فالنفث والشوق إلى السعال
والانتفاع به مع انتفاث الشيء بأدنى سعال ومع خرخرة، وإن كانت في الرئة كان
الحال كذلك، إلا أن السعال يأخذ من مكان أغور، ولا يكون خرخرة إلا بقدر ما
يصعب من المنفث، وإن كان في الفضاء، فثقل ينصبّ من جانب إلى جانب مع تغيّر
الاضطجاع، ثم يبدو النفث، ولا يكون فيه مع ضيق النفس سعال يعتدّ به.
فصل في النفس المختلف: النفس يختلف مثل أسباب اختلاف النبض، ويكون اختلافه منتظماً وغير منتظم.
فصل في النفس المتضاعف: هو من أصناف المختلف،
وهو النفس الذي يتمّ بالانبساط فيه، وهو الفحم، أو الانقباض، وهو التغيّر
بحركتين بينهما وقفة، كنفس الصبي إذ بكى، فيكون فيه فحم إذا انبسط، وتغير
إذا انقبض. وسببه، إما حرارة كثيرة، فلا ينتفع بما استنشق، بل يوجب ابتداء
حد في الزيادة، وإما ضعف في آلات النفس المعلومة يحوج إلى استراحة في
النفس، وإما لسوء مزاج مسقط للقوّة، أو مجفّف، أو مصلب للآلة، وهو الأكثر،
وإما لوجع فيها، أو في مجاوراتها أو ورم. والمجاورات مثل الحجاب، والكبد،
والطحال. والكبد أشدّ مشاركة من الطحال، وإما لمرض آلي مما قد عدّ مراراً،
أو كثرة تشنج كائن، أو يكون وهذا النفس علامة رديئة في الأمراض الحادة
والحمّيات الحادة. وأما إذا عرض من برد، فإنه مما يشفيه الحمّى.
فصل في النفس المنتصف: هو أن تكون الآفة في نصف الرئة والنصف الآخر سالماً
فيكون النفس نصف نفس سالم.
فصل في النفس العسر: هو أن تكون التصرّف في الهواء شاقاً كان ضيّق، أو لم
يكن ضيق. والسبب في آفات أعضاء التنفس على ما قيل في غيره، وربما كان لسبب،
كلهيب ناريّ يغلب على القلب، ويكون لبرد مميت للقوة المحركة، أو آيف لهما
كما يعرض عند برد الحجاب بسبب تبرده من طلاء، أو غيره، وقد يكون لسوء مزاج
يعرض للحجاب مثل برد من الهواء، أو برد من ضماد يوضع عليه لسبب في نفسه، أو
لسبب في المعدة، والكبد، فيقع هو في جوار ذلك الضمّاد، ولا يجود انبساطه،
وقد يكون لسدّة، فيحتبس عندها الريح المستنشق، ويحتاج إلى جهد حتى ينفتح.
وهذا مخالف للضيق، وربما كانت السدّة ورماً، وقد يكون لدواء مسهّل أثاره،
ولم يسهل، أو لحقنة حادّة لم تسهّل، وكذلك إذا لم يبلغ الفصد في ذات الجنب
الحاجة، ويجب أن تقرأ ما كتبناه في آخر قولنا في ضيق النفس ههنا أيضاً.
فصل في انتصاب النفس: هو النفس الذي لا يتأتى لصاحبه إلا أن ينتصب، ويستوي،
ويمدّ رقبته مداً إلى فوق، فينفتح بسببه المجرى، ولا يستطيع أن يحني العنق
لأنه يضيّق عليه النفس كما يضيق على منجذب الرقبة نحو خلف، وكذلك لا يقدر
أن يحني الصدر والصهر إلى خلف.
وإذا أزال هذه النصبة، وخصوصاً إذا استلقى، عرض له أن تنطبق منه أجزاء
الرئة بعضها مع بعض، فتسدّ المجاري لأنها في الأصل في مثله تكون مسدودة في
الأكثر، وإنما فيها فتح يسير يبطله ميلان الأجزاء بعضها على بعض.
وقد يكون ذلك الإنسداد عارضاً في الحميات ونحوها لأبخرة مائية ورطوبات
متحلبة، وقد تكون بالحقيقة لأخلاط مالئة، وسادة، وأورام، أو لأن العضل
مسترخية، فإذا لم تتحلّ إلى ناحية الرجل، بل تدلّت إلى ناحية الظهر والصدر
ضغطت.
فصل في كلام كلّي في نفس الطبائع والأحوال في نفس الأسنان: أما الصبيان،
فإنهم محتاجون إلى إخراج الفضول الدخانية حاجة شديدة، لأن الهضم فيهم أكثر
وأدوم، وليست حاجتهم إلى التطفئة بقليلة، وقوتهم ليست بالشديدة جداً، لأنهم
لم يكملوا في أبدانهم وقواهم، فلا بد من أن يقع في نبضهم تواتر وسرعة
شديدان، مع عظم ما ليس بذلك الشديد. وأما الشبان، فنفسهم أعظم، ولكن أقل
سرعة وتواتراً، إذا الحاجة تبغ فيهم بالعظم. وأما الكهول، فنفسهم أقلّ في
المعاني الزائدة من نفس الشبان، وليس في قلّة نفس المشايخ، وأما المشايخ،
فنفسهم أصغر وأبطأ وأشدّ تفاوتاً لما لا يخفى عليك.
فصل في نفس الممتلئ من الغذاء ومن الحبل والاستسقاء وغيره: نفسهم إلى
الصغر، لأن الحجاب مضغوط عن الحركة الباسطة، ولما صغر نبضهم لم يكن به من
سرعة وتواتر، وإن كانت القوة كافية، أو تواتر وحده، إن كانت منقوصة.
فصل في نفس المستحم: أما المستحم بالحار، فإنه يعظم نفسه للحاجة ولين
الآلة، ويسرع ويتواتر للحاجة، وأما المستحمّ بالبارد، فأمره بالعكس.
فصل في نفس النائم: إذا كانت القوّة قوية، فإن نفسه يعظم ويتفاوت للعلة
المذكورة في باب النبض، ويكون انقباضه أعظم وأسرع من انبساطه، لأن الهضم
فيه أكثر.
فصل في نفس الوجع في أعضاء الصدر: هو كما علمت مما سلف منا لك بيانه إلى
الصغر والقصر، وربما تضاعف، وربما عسر، وقد يبطؤ إذا لم يكن تلهب وتواتر
كما علمت، ويكون صغره وقصره أكثر من بطئه، لأن داعيه إلى الاحتباس وقلة
الأنبساط أكثر من داعية إلى الرفق، والتأدي بعظم الإنبساط أشدّ من التأدي
بالسرعة، فإن التهب القلب وسخن، لم يكن بد من سرعة وإن تؤدىّ بها.
فصل في نفس من ضاق نفسه لأي سبب كان ونفس صاحب الربو: يحتاج أن يتلافى ما
يكون بالضيق تلافياً من جهة السرعة والتواتر لأي سبب كان في أكثر الأمر،
فيكون نفسه صغيراً ضيقاً متواتراً، ونفس صاحب الربو مما يشرح في بابه.
فصل في نفس أصحاب المدة: قد يتكلّفون بسط الصدر كله مع حرارة ونفخة، ولا
يكون هناك عظم، ولا موجبات القوّة، لأنّ صاحب هذه العلة يكون قد أمعن في
الضعف، والقوة في أصحاب ذات الرئة والربو باقية.
فصل في أصحاب الذبحة والاختناق: يكون مع بسط عظيم ومع سرعة وتواتر للحاجة
وغور المادة لا يكون لهم نفخة.
فصل في كلام مجمل في الربو: الربو علة رئية لا يجد الوادع معها بداً من
تنفس متواتر، مثل النفس الذي يحاوله المخنوق، أو المكدود. وهذه العلّة إذا
عرضت للمشايخ لم تكد تبرأ، ولا تنضج، وكيف وهي في الشباب عسرة البرء أيضاً.
وفي أكثر الأمر تزداد عند الاستلقاء، وهذه العلّة من العلل المتطاولة، ولها
مع ذلك نوائب حادة على مثال نوائب الصرع، والتشنّج.
وقد تكون الآفة فيها في نفس الرئة، وما يتّصل بها لتلحّج أخلاط غليظة في
الشرايين، وشعبها الصغار ورواضعها، وربما كانت في نفس قصبة الرئة، وربما
كانت في خلخلة الرئة والأماكن الخالية، وهذه الرطوبات قد تكون منصبّة إليها
من الرأس، خصوصاً في البلاد الجنوبية، ومع كثرة هبوب الرياح الجنوبية،
وتكون مندفعة إليها من مواضع أخرى، وقد تكون بسبب توليدها فيها بردها،
فتبتدئ قليلاً قليلاً، وقد تكون بسبب خلط ليس في الرئة وشرايينها، بل في
المعدة منصبّاً من الرأس، والكبد، أو متولداً في المعدة، والبُهر الحادث
عند الإصعاد هو لمزاحمة المعدة للحجاب، ومزاحمة الحجاب للرئة، وقد تكون
الكبد إذا بردت أو غلظت معينة على الربو. وهذه الأخلاط قد تؤذي بالكيفية،
وقد تؤذي بالكمّية، والكثرة، وقد تكون في النادر من جفاف الرئة ويبسها
واجتماعها إلى نفسها، وقد تكون من بردها، وقد تكون لآفة مبادئ أعضاء
التنفّس من العصب، والنخاع، والدماغ، أو نوازل تندفع إليها منها، وقد تكون
بمشاركة أعضاء مجاورة تزاحم أعضاء النفس، فلا ينبسط مثل المعدة الممتلئة
إذا زاحمت الحجاب، وقد يعرض بسبب كثرة البخار الدخاني إذا احتقن في الرئة،
وصار إليها، وقد يكون بسبب ريح يحتقن في أعضاء التنفّس، ويزاحم النفس، وقد
يكون بسبب صغر الصدر، فلا يسع الحاجة من النفس، ويكون ذلك آفة جبلية في
النفس كما يعرض في الغذاء من صغر المعدة وقد يشتدّ الربو، فيصير نفس
الانتصاب، وكثيراً ما ينتقل إلى ذات الرئة.
العلامات: إن كان سبب الربو أخلاطاً ورطوبات في القصبة نفسها، كان هناك ضيق
في أول التنفس مع تنحنح، ونحير، واحتباس مادة واقفة، وثفل مع نفث شيء من
مكان قريب. وإن كانت الأخلاط عن نزلة، كان دفعة، وإلا كان قليلاً قليلاً.
وإن كانت في العروق الخشنة، دام اختلاف النبض خفقانياً، وربما أذى إلى
خفقان يستحكم ويهلك.
وأكثر نبض أصحاب الربو خفقاني، وإن كان خارج الفضاء كيف كان، لم يكن سعال، وإن كان بمشاركة المبادئ، دل عليه ما مضى لك، وإن كان بمشاركة المجاورات، دلّ عليه إزدياده بسبب هيجان مادة بها، وامتلاء يقع فيها، وإن كان عن نزلات دلّ عليه حالها، وإن كان عن انفجار مدة دفعه إلى أعضاء التنفس، دل عليه ما تقدّم من ورم وجمع، ثم ما حدث عن انفجار إن كان عن يبس، دلّ عليه العطش وعدم النفث البتة، وأن يقلّ عند تناول ما يرطّب واستعمال ما يرطّب، وإن كان بسبب ريح، دل عليه خفّة نواحي الصدر مع ضيق يختلف بحسب تناول النوافخ، وما لا نفخ له، وإن كان بسبب برد مزاج الرئة، وكما يكون في المشايخ، فإنه يبتدئ قليلاً قليلاً ويستحكم.
علاج الربو وضيق النفس وأقسامه: أما الكائن
عن الرطوبات، فالعلاج والوجه فيه أن يقبل على إفناء الرطوبات التي في
رئاتهم بالرفق والاعتدال، وإن علمت أن الآفة العارضة فيها هي الكثرة،
فاستفرغ البدن لا محالة بالإسهال، ويجب أن تكون الأدوية ملطّفة منضّجة من
غير تسخين شديد يؤدي إلى تجفيف المادة وتغليظها، ولهذا لم يلق الأوائل في
معاجين الربو أفيوناً، ولا بنجاً ولا يبروحاً، اللهم إلا أن يكون المراد
بذلك منع نزلة إذا كثرت، بل ولا بزرقطونا إلا ما شاء الله، ولذلك يجب أن
تتعهّد ترطيب المادة وإنضاجها إذا كانت غليظة أو لزجة، ولا تقتصر على
تلطيف، أو تقطيع ساذج، بل ربما أدى عنفه وعصيان المادة إلى جراحة في الرئة،
فإن جميع ما يدر يضرّ هذه العلة من حيث يدرّ لإخراجه الرقيق من الرطوبة،
وإذا أحسست مع الربو بغلظ في الكبد، فيجب أن تخلط بالأدوية الصدرية أدوية
من جنس الغافت، والأفسنتين. والذي يجمع بين الأمرين جمعاً شديداً، هو مثل
قوّة الصبغ، والزراوند أيضاً، وإذا كان المعالج صبياً، فيجب أن تخلط
الأدوية بلبن أمه، وتكفيهم الأدوية المعتدلة مثل الرازيانج الرطب مع اللبن.
ومما يعين على النضج والنفث، مرقة الديك الهرم.
ومن التدبير النافع لهم، أن يستعمل دلك الصدر وما يليه بالأيدي والمناديل
الخشنة، خاصةً إذا كان هناك نفس الانتصاب دلكاً معتدلاً يابساً من غير دهن،
إلا أن يقع إعياء، فيستعمل بالدهن، ويجب أن يستعمل في بعض الأوقات القيصوم،
والنطرون، ويدلك به دلكاً شديداً. وإن كانت المادة كثيرة، فلا بد من تنقية
بمسهل متّخذ من مثل بزر الأنجرة، والبسفانج، وفثاء الحمار، وشحم الخنظل.
ومن التدبير في ذلك بعد التنقية والقيء، استعمال الصوت، ورفعه متدرّجاً فيه
إلى قوة وطول. ومن التدبير في ذلك استعمال القيء المتّصل، وخصوصاً بعد كل
الفجل وشرب أربعة دراهم من البورق مع وزن خمس أواق من شراب العسل، وذلك إذا
قويت العلّة. صعب الأمر. والخربق الأبيض نافع جداً وهو في أمراض الصدر
مأمون غير مخوف. والأصوب أن يؤخذ قطع من الخربق، فيغرز في الفجل، ويترك
كذلك يوماً وليلةً، ثم ينزع عنه، ويؤكل ذلك الفجل، وأيضاً يؤخذ من الخردل،
فيغرز في الفجل، ويترك كذلك يوماً وليلةً، ثم ينزع عننه، ويؤكل ذلك الفجل،
وأيضاً يؤخذ من الخردل، والملح، من كل واحد وزن درهم، ومن البورق الأرمني
نصف درهم، ومن النطرون دانق يسقى في خمسة أساتير ماء وعسلاً، ومقدار العسل
فيه أوقية. ومن التدبير في ذلك، إدامة تليين الطبيعة ويعينهم على ذلك تناول
الكبر المملّح قبل الطعام، والطريخ العتيق، ومرقة الديك الهرم مع لبّ
القرطم، واللبلاب والسلق، فإن لم يلن بذلك، سقي ماء الشعير شديد الطبخ فيه
قليل أو فربيون.
والأفتيمون شديد النفع في هذه العلة. فإن اتخذ من ماء طبخ فيه الأفتيمون
ماء عسل. كان شديد النفع، وكذلك ليتناول منه مثقال بالميبختج. وكذلك طبيخ
التين، والفوذنج، والسذاب في الماء، يتخذ منه ماء العسل. وأيضاً طبيخ
الحلبة بالتين السمين مع عسل كثير، يستعمل قبل الغذاء بزمان طويل ويعاود.
وكذلك طبيخ الزبيب والحلبة بماء المطر. ومن التدبير في ذلك، رياضة يتدرّج
فيها من بطء إلى سرعة، لئلا تحدث فيهم المعاجلة اختناقاً لتحريكها المادة
بعنف. وأما اغتذاؤهم، فيجب أن يكون بعد مثل ما ذكرناه من الرياضة، ويكون
خبزهم خبزاً نضيجاً متوبلاً من عجين خمير، ونقلهم الملطّفات التي يقع فيها
حبّ الرشاد، وزوفا، وصعتر، وفوذنج، ودسومة أطعمتهم من شحوم الأرانب،
والأيايل، والغزلان، والثعالب خاصةً، ولا سيما رئاتها، فإن رئة الثعلب دواء
لهذه العلة إذا جفف، وسُقي منه وزن درهمين. وكذلك رئة القنفذ البري. وأما
لحمانهم، فمثل السمك الصخوري النهري دون الآجامي، ومثل العصافير، والحجل،
والدرّاج. ومرقة الديوك تنفعهم. وقد يقع لسان الحمل في أغذية أصحاب الربو.
وأما شرابهم، فليكن الريحاني العتيق الرقيق القليل المقدار، فأما إذا
أرادوا أن يكثروا النضج، ويعينوا على النفث، فليأخذوا منه الرقيق جداً.
وشراب العسل ينفعهم أيضاً. وفي الخمور الحلوة المعانة بأشياء ملطفة تضاف
إليها منفعة لهم لما فيها من الجلاء والتليين والتسخين المعتدل. ويجب أن
يساعدوا بين الطعام والشراب، ولا يرووا من الماء دفعة، بل دفعات، وأما
الأمور التي يجب أن يجتنبوها، فمن ذلك الحمّام ما قدروا، وخصوصاً على
الطعام والنوم الكثير، وخصوصاً نوم النهار.
والنوم على الطعام أضرّ شيء لهم، إلا أن يصيبهم فترة شديدة، وإعياء،
وحرارة، فليناموا حينئذ نوماً يسيراً، ويجب أن يجتنبوا كلَ حبة فيها نفخ،
وأن يجتنبوا الشراب على الطعام كان ماء أو شراباً.
والأدوية المسهلة القوية التي تلائمهم، فمثل أن يسقوا من الجاوشير، وشحم
الحنظل، من كل واحد نصف درهم بماء العسل، أو جندبادستر مع الأشقّ، وحب
الغاريقون، لا بد من استعماله في الشهر مرتين إذا قويت العلة. ونسخته:
غاريقون ثلاثة، أصل السوسن واحد، فراسيون واحد، تربد خمسة، أيارج فيقرا
أربعة، شحم حنظل، وأنزلوت، من كل واحد درهم، مر درهم، تعجن بميبختج،
والشربة وزن درهمين. وأيضاً شحم حنظل، نصف مثقال، أنيسون سدس مثقال، يعجن
بالماء، ويحبّب، ويستعمل بعد استعمال الحقنة الساذجة قبله بيوم، وهي التي
تكون من مثل ماء السلق، ودهن السمسم، والبورق، وما يجري مجرى ذلك.
وأيضاً شحم الحنظل دانقين، بزر أنجرة درهم، أفتيمون نصف درهم يعجن بماء
العسل، وهو شربة ينتظر عليها ثلاث ساعات، ثم يسقون أوقية، أو ثلاث أواق ماء
العسل. وأيضاً شحم حنظل، والشيح بالسوية، بورق نصف جزء، وأصل السوسن جزء،
ويحبّب. والشربة منه من نصف درهم إلى درهمين، ينتظر ساعة، ويسقى نصف قوطولي
ماء العسل.
وأيضاً خردل مثقال، ملح العجين نصف مثقال، عصارة قثّاء الحمار نصف مثقال،
يتّخذ منه ثمانية أقراص، ويشرب يوماً قرصاً ويوماً لا، وليشربه بماء العسل،
فإن هذا يليق الطبيعة وينفث بسهولة. وأما سائر الأدوية، فيجب أن ينتقل
فيها، ولا يواصل الدواء الواحد دائماً منها، فتألفه الطبيعة.
وأيضاً بين الأدوية والأبدان مناسبات لا تحرك إلاّ بالتجربة، فإذا جربت،
فالزم الأنفع. ويجب أن تراعي جهة مصب المادة، فإن كان من الرأس، فدبر الرأس
بالعلاج المذكور للنوازل مع تدبير تنقية الخلط، وربما وقع فيها المخدرات.
والطين الأرمني عجيب في منع النوازل. وأما تفاريق الأدوية، فمثل دواء
ديسقوريدس، ومثل الزراوند المدحرج يسقى منه كل يوم نصف درهم مع الماء، أو
مثل سكبينج مع شراب، والأبهل وجوز السرو، وأيضاً الفاشرستين، والناشر،
أربعة دوانيق ونصف بماء الأصول، وأيضاً الخل المنقوع فيه بزر الأنجرة
مراراً، أو وزن درهمين، بزر الحرف مقطّراً عليه دهن لوز حلو، أو أصل الفوّة
نصف، وربع مع سكنجبين عنصلي، فإن سكنجبين العنصل نافع جداً. والعنصل المشوي
نفسه، خصوصاً مع عسل، وزراوند مدحرج، والفوتنجين، والشيح، والسوسن،
وكمافيطوس وجندبادستر. وأيضاً مطبوخ قنطوريون، والقنطوريون بصنفيه نافع لهم
في حالين: الغليظ عند الحركة وفي الابتداء، والرقيق عند السكون، وفي
الأواخر يتّخذ لعوقا بعسل.
وأيضاً علك الأنباط وحده، أو مع قليل عاقرقرحا، وبارزد، وجاوشير قوي جداً
من هذه العلّة، إلا أنه مما يجب أن تتّقى غائلته العظيمة بالعصب. ودواء
الكبريت شديد النفع لهذا. وأيضاً يؤخذ من الحرف والسمسم، من كل واحد ثلاثة
دراهم، ومن الزوفا اليابس سبعة دراهم، والشربة بقدر المشاهدة، وأيضاً رئة
الثعلب يابسة خمسة، فوتنج جبلي أربعة، بزر كرفس وساذج من كل واحد ثمانية،
حماما وفلفل من كل واحد أربعة، بزر بنج اثنان، ويؤخذ عصارة بصل العنصل
بمثلها عسلاً، ويعقد على فحم، ويسقى منه بنطرون قبل الطعام، ومثله بعده.
وأيضاً فوتنج، وحاشا، وإيرسا، وفلفل، وأنيسون يعجن بعسل، ويستعمل قدر
البندقة بكرةً وعشية. وأيضاً فوتنج، وحاشا، وإيرسا، وفلفل، وأنيسون يعجن
بعسل، ويستعمل قدر البندقة بكرةً وعشية. وأيضاً جعدة، وشيح أرمني،
وكمافيطوس، وجندبادستر، وكندر، وزوفا من كل واحد مثقال، يخلط بعسل وهو
شربتان. أو بورق أربعة، فلفل أبيض اثنان، أنجدان ثلاثة، أشقّ اثنان، يعجن
بميبختج. والشربة منه قدر باقلاة بماء العسل. أو جندبادستر، وزراوند مدحرج،
وأشقّ من كل واحد درهمان، فلفل عشر حبات، تخلطه بربّ العنب. والشربة مقدار
باقلاة في السكنجبين. وأيضاً فراسيون، وقسط، وميعة، وحب صنوبر، من كل واحد
مثقال، جعدة، وجندبادستر، من كل واحد مثقال، فلفل أبيض، وعصارة قثاء
الحمار، من كل واحد نصف، يعجن بعسل، والشربة منه قدر باقلاة بماء العسل
المسخّن.
وأيضاً خردل، وبورق، من كلّ واحد جزآن، وفوتنج نهري، وعصارة قثاء الحمار،
من كل واحد جزء، يعجن بخلّ العنصل. والشربة منه مقدار كرسنّة بماء الشهد
على الريق. وأيضاً شيح، وأفسنتين، وسذاب معجوناً بعسل، أو تطبخ هذه الأدوية
بعسل، أو يعقد السلاقة بالعسل. والأول يسقى بالسكنجبين، أو طبيخ الفوتنج
باللبن، وخصوصاً إذا كان هناك حرارة. واعلم أن الراسن وماءه شديد النفع من
هذه العلة.
ومن الأدوية القوية فيها: الزرنيخ بالراتينج، يتّخذ منه حبّ للربو، ويسقى
الزرنيخ بماء العسل، أو الكبريت بالنمبرشت. ومن الأدوية الجيدة القريبة
الاعتدال: الكمون بخلّ ممزوج، وهو نافع جداً لنفس الانتصاب، وأيضاً لعاب
الخردل الأبيض بمثله عسل، يطبخ لعوقاً، ويستعمل، وعند شدة الاختناق وضيق
النفس يؤخذ من البورق أربعة دراهم، مع درهمين من حرف، مع خمس أواق ماء
وعسلاً، فإنه ينفع من ساعته، وهو نافع من عرق النسا والأدهان التي تقطر على
أشربتهم دهن اللوز الحلو، والمرّ ودهن الصنوبر. والمروخات، فمثل دهن
السوسن، ودهن الغار، يمزج به الصدر، وكذلك دهن الشبث. وأما التدخّن. فبمثل
الزرنيخ، والكبريت يدخّن بهما شحم الكلى. وأيضاً مرّ، وقسط، وسليخة،
وزعفران.
وأيضاً الميعة السائلة، والبارزد، والصبر الأسقوطري. وأيضاً زرنيخ، وزراوند
طويل، يسحقان ويعجنان بشحم البقر، ويتخذ منه بنادق، ويبخّر منه بدرهم عشرة
أيام كل يوم ثلاث مرات. وأما الكائن من الربو، وضيق النفس بسبب أبخرة
دخانية يستولي على القلب، وعن أخلاط تكون في الشرايين، فقد ينتفع فيهما
بالفصد، وأولاه من الجانب الأيسر.
وأما الكائن بسبب الريح، فالقصد في علاجه أمران: أحدهما تحليل الريح برفق،
وذلك بالملطّفات المعلومة، والثاني تفتيح السدد ليجد العاصي عن التحليل
منها منفذاً. ومما ينفع ذلك، التمريخ أيضاً بدهن الناردين، ودهن الغار،
ودهن السذاب. ومن الأضمدة النافعة، الشبث، والبابونج، والمرزنجوش مطبوخات،
يُكمّد بها الصدر، والجنبان. ومن المشروبات الشجرينا، والأمروسيا، وأيضاً
السكبينج، والجاوشير، الشربة من أيهما كان مثقال.
وأما الكائن من الربو وضيق النفس بسبب النوازل، فيجب أن يشتغل بعلاج منع
النوازل وتفتيت ما اجتمع. وأما المظنّون من ضيق النفس أنه بسبب الأعصاب وهو
بالحقيقة ضرب من عسر النفس، ومن سوء النفس ليس من باب ضيق النفس، فقد ذكرنا
علاجه في باب عسر النفس. وأما الكائن عن النفس، فينفع منه شِرب ألبان
الأتن، والمعز، والعصارات، والأدهان الباردة المرطبة، ودهن اللوز في
الإحساء الرطبة، والشراب الرقيق المزاج، وهجر المسخّنات بقوة، والمحللات
والمجففات مما عملت. ويوافقهم الأطلية المرطّبة، والمراهم، والمروّخات
الناعمة. وأما ضيق النفس الكائن بسبب الحرارة، ويوجد معه التهاب، فيجب أن
يستعمل فيها المراهم المبردة، والقيروطات المبرّدة، وهو بالحقيقة ضرب من
سوء النفس، لا ضيق النفس، وشراب البنفسج، وماء الشعير نافع فيه. وأن الكائن
عن البرد، فالمسخنات المشروبة والمطلية، وطبيخ الحلبة بالزيت نافع.
فصل في سائر أصناف سوء النفس: إن كان السبب في سوء التنفس حرارة القلب،
استعملت الأدوية المبردة مشروبة وطلاء، وإن كان السبب كثرة البخارات التي
في القلب نفسه، أو التي تأتي الرئة من مواضع أخرى، فافصد الباسليق، واستعمل
الاستفراغ بماء الجبن المتخذ بالكسنجبين مع أيارج فيقرا، واستعمل دلك
اليدين والرجلين. وإن كان السبب رطوبة معتدلة، إلا أنها سادة، فاستعمل ما
يجلو مثل حب الصنوبر، والجوز، والزبيب، وينفع من سوء التنفّس الرطب سكّرجة
من ماء الباذروج، أو من ماء السذاب. وإن كان السبب رطوبة غليظة، فاستعمل
المنقيات المذكورة القوية الجلاء، كالعنصل والزوفا، ونحوه. ونرجع إلى ما
قيل في باب الربو، وما عدّ في الصدريات، وإن كانت الأبخرة والرطربات تأتي
من مواضع أخرى عولج الدماغ منها بعلاج النزلة وتنقية الرأس، إلا أن تكون
النزلة من ضعف جوهر الدماغ، فلا علاج له وعولج ما يأتي من مواضع أخرى بعد
الفصد والاستفراغ، وتقبل على تقوية الصدر، بمثل الزراوند، والأسقورديون،
والاسطوخودس، والديافود الساذج والمقوى نافعان جداً في تقوية الرأس.
وإن كان بسبب الأعصاب، فاستعمل ما يقوّيها ويقوّي الروح، مثل الأدهان
العطرية. وإن كان الورم في المريء، أو سوء مزاج، عولج ذلك بما قيل في بابه.
وإن كان بمشاركة المعدة، نقّيت المعدة، وقوّيت بما نذكره في بابه. وإن كان
من برد، فاستعمل مثل الشجرينا، والأمروسيا، والأنقرديا. وإن كان من يبس،
فاستعمل مثل الفانيذ باللبن الحليب، وما قيل في أبواب أخرى. وإن كان من
رياح، استعملت الكمّادات المذكورة في باب الربو، والضمّادات وغيرها. واعلم
أن الزعفران من جملة الأدوية النافعة من سوء التنفس وعسره لتقويته آلات
التنفّس وتسهيله للنفس حسبما ينبغي.
فصل في عسر النفس من هذه الجملة ومعالجاته: إن كان ذلك من رطوبة، فان
جالينوس يأمر بدواء العنصل المعجون بالعسل في كل شهر مرتين، والشربة ستة
وثلاثون قيراطاً، واليوم الذي يأخذ فيه لا يتكلّم ولا يتحرك قبل ذلك اليوم
بيومين، وفي الساعة السابعة يتناول الخبز بالشراب الممزوج، وبالعشي صفرة
البيض مع لب الخبز، ومن الغد فروجاً صغيراً يتخذ منه مرقاً، ويستحم من عشية
الغد. فإن لم يزل بهذا استعمل معجون البسذ، ودواء أندروماخس، خصوصاً إذا
تطاولت العلة.
وإن كان السبب من الرأس، استعمل غسل الرأس كل أسبوع مرتين بصابون وبورق،
ويستكثر من المعطسات، ويتغرغر برب التوث، مع الصبر، والمر، يستعمل رياضة
التمريخ على الظهر، ويستعمل ربط الساق مبتدئاً من فوق إلى أسفل، ويستعمل
المنقيات المذكورة وحباً بهذه الصفة، وهو أن يؤخذ شيح، وقضبان السذاب،
وحشيش الأفسنتين، يحبّب كل يوم حبتين، كالحمص، وبعد السكنجبين، وخصوصاً
العنصلي. وأيضاً يؤخذ جندبادستر، وشيح من كل واحد جزء، أفسنتين وكمون من كل
واحد نصف جزء، ويحبّب كالحمص. ولعوق الكرنب جيد لهم. وأيضاً يؤخذ كلس العلق
الذي تحت الجرار إذا أحرق في كوز خزف حتى يترمد، ويخلط بعسل، ويستعمل منه
كل يوم ملعقة. وهذه الوجوه كلها تنفع إذا كان السبب عصبياً. وأما إن كان من
حرارة، فهذا القرص نافع جداً، وهو أن يؤخذ ورد ستبة، أصل السوسن أربعة
عشرة، أمير بارس اثنان، لك وراوند مصطكى وصمغ وكثيراء ورب سوس، وبزر
الخبازي، من كل واحد درهم، عصارة الغافت، وعصارة الأفسنتين، والسنبل،
الأنيسون، وبزر الرازيانج، من كل واحد ثلاثة دراهم زعفران نصف درهم، بزر
الخيار والقثاء والقرع والبطيخ من كل واحد درهم ويجب أن يستعمل الاستفراغ
بما يخرج الأخلاط الحارة. وأما إن كان بسبب ضعف منابت العصب، أو آفة، فيجب
أن يعالج بما يقوي الروح الذي في العصب، والأدهان الحارة العطرة، مثل دهن
النرجس، والسوسن، والرازقي، والأدهان المتخذة بالأفاويه، والقيروطيات
المتخذة من تلك الأدهان، ودهن الزعفران. والزعفران نفسه غاية في المنفعة.
وإن كان السبب ضربة أصابت منابت تلك لأعصاب، عالجت بما ينبغي من موانع
الورم.
المقالة الثانية
الصوت
الصوت فاعله العضل التي عند الحنجرة بتقدير
الفتح، ويدفع الهواء المخرج وقرعه وآلته الحنجرة والجسم الشبيه بلسان
المزمار، وهي الآلة الأولى الحقيقية، وسائر الآلات بواعث ومعينات، وباعث
مادته الحجاب، وعضل الصدر، ومؤدّي مادته الرئة، ومادته الهواء الذي يموج
عند الحنجرة. وإذا كان كذلك فالآفة تعرض له، أما من الأسباب الفاعلة، وأما
بسبب الباعث للمادة. وآفته، إما بطلان، وإما نقصان وإما تغيّر بحوحة، أو
حدّة، أو ثقل، أو خشونة، أو ارتعاش، أو غير ذلك. وكل واحد من هذه الأسباب،
إنما يعتلّ، إما لسوء مزاج مفرد، أو مع مادة، وخصوصاً من نزلة تعرض
للحنجرة، أو لما يعرض لها من انحلال فرد، أو انقطاع، أو ورم، أو وجع، أو
ضربة، أو سقطة.
وقد تكون الآفة فيه نفسه، وقد تكون بشركة المبدأ القريب من الأعصاب التي
تتشظى إلى تلك العضل ومباديها، أو البعيد، كالدماغ، وقد تكون بشركة العضو
المجاور من أعضاء الغذاء، أو أعضاء النفس، أو المحيط بهما من البطن والصدر
والمتصل بهما من خرزة الفقار، أو من الحنك، فإن تغيره إلى رطوبة، أو إلى
يبوسة وخشونة، قد تغيّر الصوت. ومن هذا القبيل قطع اللهاة، واللوزتين، فإن
صاحبها إذا صوت أحسّ كالدغدغة القوية الملجئة إلى التنحنح، وربما انسدت
حلوقهم عند كل صياح.
وأما من جهة المؤدّي، فإن الصوت يتغير بشدة حر الرئة، أو بردها، أو رطوبتها
وسيلان القيح إليها من الأورام، أو سيلان النوازل إليها، أو يبوستها.
فالحرارة تعظم الصوت، والبرودة تخدره وتصغّره، واليبوسة تخشنه وتشبهه
بأصواب الكراكي، والرطوبة تبحّه، والملاسة تعدّل الصوت وتملّسه. وإذا
امتلأت الرئة رطوبة، ولم تكن القصبة نقية، لم يمكن الإنسان أن يصوت صوتاً
عالياً ولا صافياً، لأن ذلك بقدر صفاء الرئة، والحنجرة، وضد صفائها.
وقد يختلف الصوت في ثقله وخفته بحسب سعة قصبة
الرئة، وضيقها، وسعة الحنجرة، وضيقها، وإذا اشتدت الآفات المذكورة في
الأعضاء الباعثة والمؤدية، بطل الصوت، ولم يجب أن يبطل الكلام، فإن الكلام
قد يتم بالنفس المعتدل، كرجل كان أصاب عصبه الراجع عند الحاجة إلى كشفه
بالحديد برد، فذهب صوته، والآخر عولج في خنازير، فانقطعت إحدى العصبتين
الراجعتين، فانقطع نصف صوته.
وإذا كانت الآفة بالعضل المثنية، صار الصوت أبح، وإذا كانت بالعضل المحرّكة
الباسطة، كان الصوت خناقياً، بل ربما حدث منه خناق، وإذا كانت بالعضل
المحرّكة القابضة صار الصوت نفخياً، وإذا بطل فعلها بطل الصوت، وإذا حدث
فيها استرخاء غير تام وحالة شبيهة بالرعشة ارتعش الصوت، وإذا لم تبلغ
الرطوبة أن ترخي أبحت الصوت، فالبحّة إذا عرضت تعرض عن رطوبة، ولو كثرت
قليلاً أرعشت، ولو كثرت كثيراً أبطلت. وقد يبح الصوت لسعة آلات التصويت،
فيحدث بها إعياء أو تورّم، وتوتّر. وأردؤه ما كان على الطعام، وقد يبح
للبرد الخشن، وللحر المفرط بما ييبسان المزاج، وكذلك السهر، والأغذية
المخشنة، ويبح لكثرة الصياح وتجلب بلة بسببها إلى الطبقة المغشية للحلق
والحنجرة. والبحوحة التي تعرض للمشايخ لا تبرأ، وإذا كان الصيف شمالياً
يابساً. وخريفه جنوبي مطير، فإن البحوحة تكثر فيه. والدوالي إذا ظهرت كانت
كثيراً من أسباب صلاح الصوت. واعلم، أن الناقهين، والضعاف، والمتخاشعين
المتشبهين بالضعفاء لقلّة قوتهم كأنهم يعجزون عن التصريف في هواء كثير،
فيضيقون الحنجرة حتى يحتد صوتهم، وإذا اجتهد الضعيف أن يوسع حنجرته ويثقل
صوته لم يسمع البتة.
علاج انقطاع الصوت: إن كان لسوء مزاج في بعض العضل، أو آفة، عولج بما يجب
في بابه مما علمته، ومن أحس بابتداء انقطاع الصوت، وجب أن يبادر بالعلاج
قبل أن يقوى، فيأخذ من صفرة بيضة مسلوقة، وسمسماً مقشراً، ولبناً حليباً من
كل واحد ملعقة، ويسقى بالماء كل يوم ثلاثة أيام. ويجب أن يتحسى ما ينطبخ في
باطن الرمانة الأمليسية الحلوة المطبوخة المدفونة في رماد حار، وتؤخذ عنه
إذا لانت، ويقلع أعلاها، ويصبّ ما فيها بالمخوض، ويصب فيه قليل ماء السكر،
ويشرب. وإن كانت من رطوبة في العضل القريبة من الحنجرة، أو الحنجرة، بالغت
في الإرخاء، ولا يكون هناك وجع، ويكون كدورة، وثقل فيجب أن يؤخذ تين يابس،
وفوتنج، ويطبخان، ثم يخلط الصمغ العربي المسحوق بسلاقتهما حتى يصير كالعسل،
ويلعق، أو يؤخذ مرّ، وزعفران بعقيد العنب، أو يؤخذ زعفران ثلاثة دراهم
ونصف، ربّ السوس وكُندر من كل واحد درهم، يجمع برب العنب، أو بعسل، ويعقد،
أو يؤخذ من الزعفران واحد، ومن الحلتيت نصف، ومن العسل ثلاثة، يطبخ حتى
ينعقد، ويحبّب ويمسك تحت اللسان. ولعوق الكرنب نافع لهم أيضاً. ومضغ قضبان
الكرنب الرطب، وتجرعّ مائه قليلاً قليلاً نافع. وإذا لم ينجع لعوق الكرنب،
جعل عليه قليل حلتيت، ودقيق الكرسنة، والحلبة، والكراث الشامي، والنبطي،
والبصل، وعصارته، والثوم، والفستق، والعنب الحلو الشتوي نافعة. وأيضاً يؤخذ
الزنجبيل المربى باللبن، البالغ في التربية، ويدق حتى يصير مثل المح، ويلقى
عليه نصفه دار فلفل مسحوقاً كالكحل، وربعه زعفران، كذلك ومثل الجميع نشاء،
ويسحق ويعجن بالطبرزد المحلول المقوم، أو بالعسل وهو منقّ جداً. ومن
الأغذية ما يقوي الجنين، مثل الأكارع، خصوصاً أكارع البقر، يأكل منها العصب
فقط، وخصوصاً بعسل، أو مطبوخة بالعسل، وإن كان من يبس، وخصوصاً بمشاركة
المري، وعلامته أن لا يكون مع البحّة عظم، بل صغر وحده، وصفاء ما، ويكون مع
خشونة ووجع، فيجب أن يؤخذ عند النوم ملعقة من دهن بنفسج طري مذاب بالسكّر
الطبرزد، وينفعه لعاب بزرقطونا بماء سكّر كثير، والأغذية المرطّبة الملينة
ومرق الدجاج إسفيذباجات، ومرق البقول المعلومة، والتين نافع لانقطاع الصوت
كان من رطوبة، أو يبوسة ودواء التين المتّخذ بالفوتنج والاستلقاء نافع لضعف
الصوت وبحّته.
فصل في بحّة الصوت وخشونته: قد علمت أسباب البحة، فاعلم أن من بُحَّ صوته،
فيجب أن يجتنب كل حامض مالح خشن وحاد حريف إلا أن يريد بذلك العلاج
والتقطيع، فيستعملها مخلوطة بأدوية ليّنة، فإن عرضت البحة من كثرة الصياح
أخذ التين والنعنع والصبر أجزاء سواء، ويعجن بالميبختج، ويتحسّى من لباب
القمح، وكشك الشعير، ودهن اللوز، والزعفران، ويستعمل طلاء العنب. وينفعه ما
قيل في انقطاع الصوت، خصوصاً دواء الحلتيت بالزعفران، وإن كان هناك حرارة،
فرق السرمق، والخيار، وماء الشعير، وحبّ القثاء، واللوز، والنشاء. وإن كان
السبب برداً، انتفع أيضاً بدواء الحلتيت، والزعفران المذكور، وأن يأخذ من
الخردل المقلو ثلاثة دراهم، ومن الفلفل واحداً، ومن الكرسنة، ومن اللبني
والقنّة، من كل واحد أربعة دراهم، ويتخذ منه حباً، ويمسكه تحت اللسان، أو
يأخذ من المرّ وزن درهمين، ومن اللبان عشرة، وتجمع بطلاء. وإن كان من صياح
وتعب، انتفع بالحمام انتفاع سائر أصناف الأعياء، وتنفعهم الأغذية المرخّية
والمغرية كاللبن، وصفرة البيض النيمبرشت بلا ملح، والأطرية، والاحساء
المعروفة ومرق السرمق، والخبازى، وما أشبهه، والحبوب المتخذة من النشاء،
والكثيراء، وربّ السوس، والصمغ، والحبوب اللّينة المنضجة، فإنه إن كان
كالورم تحلل بها. وكذلك الغراغر، واللعوقات اللّينة من جملة ما يعالج به
الخوانيق الحارة. وكذلك الاحساء التي تجمع إلى التغرية جلاء بلا لذع، مثل
المتخذ من دقيق الباقلا، وبزر الكتّان. وأقوى من ذلك صمغ البطم، ويجب لصاحب
هذه البحة أن يهجر الشراب أصلاً، وخصوصاً في الابتداء. وإذا كان ورم: فإذا
تقادم، شرب الشراب الحلو. والفجل المطبوخ والمري ينفعهم. وإن كان من رطوبة،
فلا بدّ من الجوالي المذكورة في انقطاع الصوت. وجميع تلك الأدوية تنفعه،
والأحساء المتخذة من دقيق الباقلاء، وفيها دقيق الكرسنّة نافعة في هذا
الباب. ودقيق الكرسنّة نافع، والأشياء التي في الدرجة الأولى من الجلاء،
وكذلك الأطرية واللبن، ثم السمن، وعقيد العنب، وأصل السوس، وربّه، ثم
الباقلا بالعسل، وطبيخ التين، ثم المرّ، والعنصل، وما يجري مجراها، وإن
كانت هذه البحوحة الرطبة من النوازل، أعطى صاحبها الخشخاش وربّه، ومما
يصفّي الصوت الخشن والكدر مضغ الكبابة. ومن الأدوية المزيلة للبحوحة، ماء
رمان حلو مغلي، ثم يقطر عليه دهن البنفسج ويقوّم.
كلام في الأدوية الحافظة لملاسة الصوت المخشنة له: هي الباقلا، وحبّ
الصنوبر، والزبيب، والتين، والصمغ، والحلبة، وبزر الكتّان، والتمر، وأصل
السوس، واللوز، وخصوصاً المرّ، وقصب السكر، والسبستان، وشراب العسل
بالميبختج المذكور بعد. ومن الأدوية الحارة المرّ، والحلتيت، والفلفل،
والبارزد، واللبان، وعلك البطم، والفوتنج، واللبني، والراتينج، وخل العنصل،
إذا لم يكن من حرارة ويبس، وأصول الجاوشير. ومن الأدوية الباردة، حبّ
القثاء، والقرع، والنشاء، والكثيراء، والصمغ ولعاب بزرقطونا، والجلاب، وربّ
السوس. وصفرة البيض من أصلح المواد لتركيب سائر الأدوية بها، وكذلك اللبن
الحليب.
فصل في الصوت الخشن وعلاجه: تعرض خشونة الصوت من البرد، من توتّر عضل
الصوت، ومن حالة كالتشنّج تعرض فيها، ومن جفاف رطوبة فيها من كثرة الترنّم،
ومن قطع اللهاة، ومن الجماع، والسهر. وعلاجه الحمية من الأسباب التي
ذكرناها مرة، وترك الترنم، وتناول المليّنات المذكورة في باب البحوحة،
والتين الرطب، واليابس، والزبيب، وخصوصاً المنقع في دهن اللوز، فنفعه عظيم،
والذين يعرض لهم ذلك من قطع اللهاة، فالصواب لهم أن يطبخ عقيد العنب بمثله
عسلاً طبخاً بقدر ما ينزع به الرغوة، ثم يمزج بماء حار، ويتغرغر به، ويسقى
صاحبه منه، وعتيقه أنفع من طريه.
فصل في الصوت القصير: وسبب قصر الصوت قصر النفس، ويجب أن يتدرّج في تطويل
النفس بأن يعتاد حصر النفس ويتدرج في الرياضة والصعود والهبوط في الروابي
والدرج، والإحصار المحوج إلى التنفس ليتدرج إلى تطويل النفس، كتطويل المكث
أيضاً في الحمّام الحار، وفي كل ما يستدعي النفس، وتعجيله، وليحبس نفسه،
ويفعل ذلك كله، ويرتاض، ويستحمّ، وبعد الخروج من الحمّام، يجب أن يشرب
الشراب، فإن الشراب أغذى للروح، وكذلك بعد الطعام، وليكن كثيراً بنفس واحد،
والنوم نافع لهم.
فصل في الصوت الغليظ: قد يعرض من أسباب البحّة المرخّية الموسّعة للمجاري،
ويعرض من كثرة الصياح. وعلاجه أصعب، وقد يعرض لمن يزاول النفخ الكثير في
المزامير، وفي البوقات خاصة لما يعرض من تقطيع نفسهم واحتباسه في الرئة
فتتوسع المجاري.
فصل في الصوت الدقيق: هذا ضدّ الكدر، وأسبابه ضدّ ذلك من السهر، والإعياء،
والترنم، وخصوصاً بعد الطعام، والرياضة المتعبة، والاستفراغات. وعلاجه، أن
يودع الصوت، ويلزم الرياضة المعتدلة المخصبة، والأغذية المعتدلة، ودخول
الحمّام كل بكرة، ويهجر القوابض والمجفّفات والمياه.
فصل في الصوت المظلم الكدر: هو الذي يشبه صوت الرصاص إذا صكّ بعضه ببعض،
وسببه رطوبة غليظة جداً، وتنفع منه الرياضة، والمصارعة، وحصر النفس،
والتدلّك اليابس بخرق الكتان، ودخول الحمام، واستعمال الأغذية الملطّفة
والمقطّعة، كالسمك المالح، والشراب العتيق.
فصل في الصوت المرتعش: يؤمر صاحبه أن لا يصيح، ولا يرفع صوته مدة شهر، ويقل
كلامه ما أمكن وضحكه، والحركة والعدو، والصعود، والهبوط، والغضب، ويودع
اليدين، ويريحهما ما أمكن، ثم ليستلق، وليتكلّف الكلام، وقد أثقل صدره بمثل
الرصاص وضعاً فوق صدره بقدر ما يحتمل. وأفضل الأغذية له ما يقوّي جنبه، وهي
العضل والأكارع، وما فيه تغرية وقبض.
المقالة الثالثة
السعال ونفث الدم
فصل في السعال: السعال من الحركات التي تدفع
بها الطبيعة أذى عن عضوٍ ما، وهذا العضو في السعال هو الرئة، والأعضاء التي
تتصل بها الرئة، أو فيما يشاركها. والسعال للصدر كالعطاس للدماغ، ويتم
بانبساط الصدر وانقباضه وحركة الحجاب. وهو، إما لسبب خاص بالرئة، وإما على
سبيل المشاركة. والسبب الموجب للسعال، إما باد، وإما واصل، وإما سابق.
فأسباب السعال البادية شيء من الأسباب البادية تجعل أعضاء الصدر مؤفة في
مزاجها، أو هيئتها مثل برد يصيب الرئة، والعضلات في الصدر، أو غير ذلك،
فتتحرك الطبيعة إلى دفع المؤذي، أو لشيء من هذه الأسباب البادية يأتيها،
فيشجنها، أو شيء ميبس، أو مخشن مثل غبار، أو دخان، أو طعم غذاء حامض، أو
عفص، أو حريف، أو شيء غريب يقع في المجرى التي لا تقبل غير النفس، كما يعرض
من السعال بسبب سقوط شيء من الطعام، أو الشراب في تلك المجرى لغفلة، أو
اشتغال بكلام. وأما أسباب السعال الواصلة، فمثل ما يعرض من الأسباب البدنية
المسخّنة للمزاج، أو المبردة، أو المرطّبة، أو المجففة بغير مادة، أو بمادة
دموية، أو صفراوية، أو بلغمية رقيقة، أو غليظة، أو سوداوية. وذلك في الأقل.
فإن كانت تلك المادة منصبة من فوق، فإنها ما دامت تنزلق على القصبة كما
ينزل الشيء على الحائط لم تهيج كثير سعال، فإذا أرادت أن تنصب في فضاء
القصبة هاج سعال، وكذلك إذا لذعت، وكذلك إذا استقرت في الرئة فأرادت
الطبيعة أن تدافعها أو كانت مندفعة من المعدة، أو الكبد، أو من بعض أعضاء
الصدر إلى بعضها ومتولّدة فيها. وقد تكون بسبب انحلال الفرد، وبسبب الأورام
والسدد في الحجاب، أو في الرئة، أو الحلقوم، وجميع المواضع القابلة لهذه
المواد والآفات من الرئة والحجاب الحاجز، وحجاب ما بين القلب والرئة.
وأما الأسباب السابقة، فالامتلاء، وتقدّم أسباب بدنية للأسباب الواصلة
المذكورة. وأما السعال الكائن بالمشاركة، فمثل الذي يكون بمشاركة البدن كله
في الحمّيات، خصوصاً مع حمّى محرقة، أو حمّى يوم تعبية ونحوها، أو وبائية،
أو بمشاركة البدن بغير حمى. والسعال منه يابس، ومنه رطب. واليابس هو الذي
لا نفث معه، ويكون، إما لسوء مزاج حار، أو بارد، أو يابس مفرد. وقد يكون في
ابتداء حدوث الأورام الحارة في نواحي الصدر إلى أن ينضج، وقد يكون مع الورم
الصلب سعال يابس جداً، وقد يكون لأورام الكبد في نواحي المعاليق، وفي
الأحيان لأورام الطحال، وقد يكون لمدة تملأ فضاء الصدر، فلا تندفع إلا
بالسعال. واعلم أنه ربما خرج من السعال شيء حجري، مثل حمص، أو برد. وسببه
خلط غليظ تحجره فيه الحرارة، وقد شهد به الاسكندر وشهد به فولس، وذكر أنه
خرج من هذا الصنف في النفث، ونحن أيضاً قد شاهدنا ذلك. والسعال الملح
كثيراً ما يؤدي إلى نفث الدم، وقد يكثر السعال في الشتاء، وفي الربيع
الشتوي، وربما كثر في الربيع المعتدل، ويكثر عند هبوب الشمال، وإذا كان
الصيف شمالياً قليل المطر، وكان الخريف جنوبياً مطيراً، كثُر السعال في
الشتاء.
العلامات: أما علامة السعال البارد، فتبريده مع البرد، ونقصانه مع نقصان
البرد، ومع الحرّ، ورصاصية الوجه، وقلة العطش، وربما كان مع البارد نزلة،
فيحسّ نزول شيء إلى الصدر، وامتداده في الحلق، ويقلّ مع جذب المادة إلى
الأنف، وتلقى ما ينزل إلى الحلق بالتنحنح، ويرى علامات النزلة من دغدغة في
مجاري النزلة، وتمدّد فيما يلي الجبهة وممدّة في المنخرين وغير ذلك، وأن لا
ينفث في أول الأمر، ثم ينفث شيئاً بلغمياً نيئاً، ثم إلى صفرة، وخضرة،
وربما كان مع ذلك حمّى.
وعلامة الحار التهاب عطس وسكونه بالهواء البارد أكثر من سكونه بالماء،
وحمرة وجه، وعظم نبض.
وعلامات الرطب، رطوبة جوهر الرئة، وعروضه للمشايخ والمرطوبين، وكثرة
الخرخرة، وخصوصاً في النوم وبعده.
وعلامة اليابس ازدياده مع الحركة والجوع، وخفّته عند السكون والشبع،
والاستحمام، وشرب المرطّبات.
وعلامة الساذج في جميع ذلك أن لا يكون نفث البتة، وعلامة الذي مع المادة
النفث، ويدل على جنس المادة جنس النفث، وعلامة ما يكون عن الأورام ونحوها
وجود علامات ذات الجنب، وذات الرئة الحارين، والباردين، وغير ذلك مما نذكره
في بابه.
وعلامة ما يكون من التقيح، علامات التقيّح التي نذكرها، ووجع، ويبس،
وكثيراً ما يكون رطباً.
وعلامة ما يكون من القروح، علامات ذكرت في باب قروح الرئة من نفث حشكريشة،
أو قيح، أو طائفة من جرم الرئة، وحلق القصبة، وكونه بعد نوازل أكالة، وبعد
نفث الدم، والأورام. وأكثر اليابس يكون إذا كان هناك مادة لضعف الدافعة
للنقاء كما تعلم في بابه.
وعلامة ما يكون بالمشاركة، إما مشاركة المعدة فيما يعرف من دلائل أمراض
المعدة، ويزيد السعال مع تزيد الحال الموجبة له في المعدة، كان امتلاء، أو
خلاء، وبحسب الأغذية، وأكثر ذلك يهيج عند الامتلاء، وعند الهضم، والكائن
بمشاركة الكبد، فيعلم بعلامات الكبد، وإذا كان الورم حاراً، لم يكن بد من
حمى، فإن لم يكن حاراً، لم يكن بدّ من ثقل، ثم تأمل سائر الدلائل التي
تعلمها، واعلم أن الأشياء الحارة ترق المادة، فلا تتفث، والباردة كشراب
الخشخاش، والحريرة تجمع المادة إلى انتفاث، إلا أنها إذا أفرطت أجمدت.
وشراب الزوفا إنما يصلح إذا أريد جلاء المسعل الغليظ، فنعم الجالي هو. وأما
الرقيق فلا، وإذا لم يكن هناك نفث لا رقيق ولا غليظ، فالعلة خشونة الصدر،
والعلاج اللعوقات.
وقد يعرض للمحموم سعال، فإن لم يسكن السعال رجعت الحمّى إلى الابتداء.
والقوابض جداً تضيّق مجاري النفث، وماء الشعير نعم الجامع لنفث، وإذا احتبس
النفث وحُم الرجل، فقد عفنت المادة، وأوقعت في حمّى عفونة أو دقّ.
المعالجات: أما علاج المزاج البارد، فهو أنه إن كان خفيف المبلغ، وكان من
سبب بادٍ خارجي أصلحه حصر النفس، فإنه يسخّن الرئة بسهولة في الحال، فإن
احتيج إلى علاج أقوى لهذا ولغيره من المزاج البارد، فمن علاجه أن يمسك تحت
اللسان بندقة من مر، أو ميعة متخذة بعسل، وأن يتناول من دردي القطران
ملعقة، أو من علك البطم مع عسل، أو يشرب دهن البلسان مع سكبينج إلى مثقال،
وكذلك الكبريت بالنيمبرشت، ولعوقات اللعاب الحارة، والكرسنة بالعسل، وماء
الرمان الحلو مفتَّراً ملقى عليه عسل، أو فانيذ.
ويستعمل في المروخات على الصدر، مثل دهن السوسن، ودهن النرجس بشمع أحمر
وكثيراء. وينفع الجلنجبين العسلي بماء التين والزبيب، وأصل السوس،
والبرشاوشان، ودهن لوز مع مثقال قوفي مدوفاً فيه. وينفع طبيخ الزوفاء،
بالزوفا، والأسارون مع تين وغير ذلك. وأغذيتهم الأحساء الحنطية بالحلبة،
والسمن والتين، والتمر، وأصول الكرّاث الشامي.
ومن الأدهان دهن الفستق، وحبّ صنوبر. والأطرية بالفانيذ نافع لهم. وأما
اللحوم، فلحوم الفراريج، والديوك، والاسفيذباجات بها، ولحوم الحوليات من
الضأن، والتنقل، والفستق، وحب الصنوبر، والزبيب مع الحلبة، وقصب السكر،
والتين، والمشمش، والموز. وأكل التين اليابس مع الجوز واللوز يقطع المزمن
منه. والشراب الرقيق الريحاني العتيق، وماء العسل.
وأما علاج السعال الحار، فبالملطفات المعروفة من العصارات والأدهان أطلية،
ومروخات. والجلاب أيضاً نافع لهم، وسقي الدياقود الساذج بكرة وعشية على
النسخة التي نذكرها، وكذلك لعوق الخشخاش جيد، ونسخته: يؤخذ خمسة عشر خشخاشة
ليست طرية جداً، ويُنقع في قسط من ماء العين، أو ماء المطر، وهو أفضل،
يوماً وليلة، ثم يهرى بالطبخ، ويصفّى، ويُلقى عليه على كل جزء من المصفى
نصف جزء عسلاً، أو سكراً، ويقوّم لعوقاً، والشربة ملعقة بالعشى.
ومما ينفع هؤلاء ماء الشعير بالسبستان، وشراب البنفسج والبنفسج المربى،
وطبيخ الزوفاء البارد، وخصوصاً إذا نضج، أو في آخره، وماء الرمان المقوّم
يلقى عليه السكر الطبرزذ، وقصب السكر أيضاً، ولعوقاتهم من لعاب بزرقطونا،
وحب السفرجل، والنشاء، والصمغ العربي، والحبوب، واللبوب التي نذكرها في باب
حبوب السعال، وربما جعل فيها مخدّرات.
وأغذيتهم من البقول الباردة، ولبوب مثل القثاء، والقرع، والخيار بدهن
اللوز، والباقلا المرضوض المهري بالطبخ بدهن اللوز، ودهن القرع، وماء
الشعير، والأحساء المتخذة من الشعير، والباقلا، والبقول، والنشاء، وماء
النخالة.
فإن كانت الطبيعة إلى الانحلال، فسويق الشعير بالسكّر، والأطرية، وإن اشتدّ
الأمر فماء الشعير بالسرطانات منزوعة الأطراف مغسولة بماء الرماد المملّح.
نسخة دياقودا بارد: يؤخذ الخشخاش الرطب بقشوره، ويهرى طبخاً في الماء،
ويصفى ويُلقى عليه سكر، ويقوم تقويم الجلاب، وإن لم يكن الرطب نقع بزره
اليابس مدقوقاً في الماء يوماً وليلةً، ثم يطبخ، فإن احتيج إلى ما هو أقوى
جمع معه القشر، وخصوصاً من الأسود، وإن اشتد الأمر جعل معه شيء يسير من بزر
البنج ديف فيه قليل أفيون.
وأما علاج المزاج الرطب والرطوبة في نفس الرئة، فبالمجففات اليابسة مخلوطة
بالجالية. ومن ذلك تركيب على هذه الصفة، طين أرمني، وكثيراء، وصمغ عربي، من
كل واحد جزء، فوذنج، وزوفاء، وحاشا، ودارصيني، وبرشاوشان، من كل واحد نصف
جزء، ويعجن، ويستعمل.
وأما علاج المزاج اليابس، فلا يخلو إما أن يكون حمى، أو لا يكون، فإن لم
يكن حمّى، فأوفق الأشياء استعمال ألبان الأتن، والماعز، وغيرها مع سائر
التدبير. وإن كان حمّى، فاستعمال سائر المرطّبات المشروبة، واستعمال
القيروطات المبرّدة المعروفة، واستعمال ماء الشعير، وترطيب الغذاء دائماً
بالأدهان، وتحسّي الأحساء اللوزية المرطبة.
وإن كان مزاج مركّب، فركب التدبير، وإن كان هناك مادة رقيقة، فأنضجها
بالدياقودات الساذجة، واللعوقات الخشخاشية واللعابية التي ذكرناها في
القراباذين. فإن كانت غليظة حلّلتها وجلوتها على الشرط المذكور فيما سلف من
أن لا يسخن إلا باعتدال، بل تجتهد في أن تليّن، وتقطع، وتزلق، واستعمل
المقيئات المذكورة، ومما هو أخص بهذا الموضع علك الأنباط بالعسل، أو قرطم
بالعسل، أو سعد بمثله عسلاً، أو ربّ السوس، وكثيراء، أو قنّة، ولوز حلو
سواء. والصبر قد يمسك في الفم مع العسل، فينفع جداً. أو يأخذ ثلاث بيضات
صحاح، وضعفها عسلاً ونصفها سمناً، يؤخذ من الفلفل أربعون حبة، تسحق وتعجن
بذلك وتعقد من غير إنضاج.
وأيضاً يؤخذ سبعة أرؤس كرّاث شامي، وتطبخ في ثلاثة أرطال ماء حتى يبقى
الثلث، ويصفّى ويُخلط بالباقي عصارة قشره وعسل، ويطبخ. وأيضاً يؤخذ ورد رطب
ثمانية، وحبّ الصنوبر واحد، صمغ البطم واحد، زبيب أربعة، عسل صنوبر وبزر
الأنجرة من كل واحد أوقية، بزر كتان وفلفل من كل واحد ثلاث أواق، تُعجن
بعسل، وتستعمل. أو يؤخذ تمر لحيم خمسة أجزاء، سوسن ثمانية أجزاء، زعفران
وفلفل من كل واحد جزآن، كرسنّة عشرين جزءاً، وتعجن بعسل منزوع الرغوة. أو
يؤخذ من الزعفران، ومن سنبل الطيب، ومن الفلفل، من كل واحد جزء، فراسيون
وزوفا من كل واحد ثلاثة أجزاء، مرّ وسوسن من كل واحد جزآن، تعجن بعسل
مصفّى، ويُسقى للمزمن القطران بالعسل لعقا، أو القسط الهندي بماء الشبث
المطبوخ قدر سكرجة مع ملعقة خلّ.
وأيضاً بزر كتان مقلو بعسل وحده، أو مع فلفل لكل عشرة واحد، أو فوذنج.
وأيضاً يلعق عسل اللبني مع عسل النحل والجاوشير أيضاً. والخردل، واللوز
المرّ، وأيضاً المثروديطوس.
والصبيان يكفيهم الحبق المطبوخ بلبن امرأة حتى يكون في قوام العسل، أو بماء
الرازيانج الرطب، وإن كان السبب فيها نزلة، عولجت النزلة، وإن احتيج في
منعها إلى استعمال ضماد التين، فاستعمل على الرأس وامسك تحت اللسان كل وقت،
وفي الليل خاصة، حبّ النشاء، ويغرغر بالقوابض التي لا طعم حامض، ولا طعم
عفص لها، والدياقودا الساذج، إن كانت حارة، أو مع المر، والزعفران، وغيره
إن كانت باردة.
وأما الكائن عن الأورام والقروح في الرئة والصدر، فليرجع في علاجها إلى ما
نذكره في باب ذات الرئة، وذات الكبد، والسلّ، وقد يُتخذ للسعال حبوب تمسك
في الفم، فمنها حبوب للسعال الحار، من ذلك حبّ السعال المعروف، ومن ذلك
حبوب تؤلف من ربّ سوس، وصمغ، وكثيراء، والنشاء، ولعاب بزرقطونا، وحبّ
السفرجل، ولبّ الحبوب، حبّ القثاء، والقرع، والقثد، والخبازي، ومن
الطباشير، وحبّ الخشخاش، ونحو ذلك. وقد يتخذ بهذه الصفة، نشاء وكثيراء، ورب
سوس، يحبّب بعصارة الخسّ. ومن ذلك حبوب للسعال البارد تتخذ من ربّ السوس،
والتمر الهندي المنقّى، ولباب القمح، والزعفران، وكثيراء، وحبّ الصنوبر،
وحبّ القطن، وحبّ الآس، وبزر الخشخاش، وقشره، والأنيسون، والشبث والمرّ،
والزعفران، والفانيذ. ومن ذلك حبوب يزاد فيها التخدير والتنويم، ويكون
العمدة فيها المخدّرات، وتخلط بها أدوية بادزهرية حارة.
فمن الحبوب المجرّبة لذلك -وهو يسكن السعال العتيق المؤذي حبّ الميعة
المعروف وأيضاً يؤخذ- ميعة، وجندبادستر، وأسارون، وأفيون سواء يتخذ منه
حبّات، ويمسك في الفم. وأيضاً بزر بنج، شبّ، وحبّ صنوبر ثلاث، وزعفران
واحد، بميبختج ويُحبب. وأيضاً ميعة، ومرّ، وأفيون من كلّ واحد نصف أوقية،
دهن البلسان وزعفران من كلّ واحد درخميان، يحبّب كالكرسنّة.
وقد يستعمل في السعال العتيق الرطب الدخن المذكورة في باب الربو، وإذا كانت
الرطوبة إلى قدر، استعمل بخور من زرنيخ أحمر، وخرء الأرنب، ودقيق الشعير،
وقشر الفستق، معجوناً بصفرة البيض مقرّضاً كل قرص منه درهماً، مجفّفهّ في
الشمس، ويدخّن به ثلاث مرات، وأيضاً زراوند، ومرّ، وميعة وباذاورد
بالسويّة، وزرنيخ مثل الجميع يعجن بسمن البقر، وببندق ويُتَبخّر بواحدة.
وأما السعال الكائن في الحمّيات، فقد أفرد له تدبير عند أعراض الحمّيات.
فصل في نفث الدم: الدم قد يخرج ثفلاً، فيكون من أجزاء الفم، وقد يخرج
تنخّماً، فيكون من ناحية الحلق، وقد يخرج تنحنحاً، فيكون من القصبة، وقد
يخرج قيئاً فيكون من المريء، وفم المعدة، أو من المعدة، ومن الكبد، وقد
يخرج سعالاً، فيكون من نواحي الصدر والرئة، والذي من الصدر ليس فيه من
الخوف أما في الذي من الرئة، فإن الذي من الصدر يبرأ سريعاً، وإن لم يبرأ
لم يكن له غائلة قروح الرئة، وكثيراً ما يصير قروحاً ناصورية يعاود كل وقت
بنفث الدم.
والأسباب القريبة لجميع ذلك جراحة لسبب باد من ضربة، أو سقطة على الصدر، أو
على الكبد، والحجاب، أو شيء قاطع، أو سعال ملحّ، أو صياح أو تحديد صوت بلا
تدريج، أو ضجر. ولهذا يكثر بالمجانين وبالذين يضجرون من كل شيء، وقد ينتفث
من القيء العنيف خصوصاً في المستعدّين. وقد ينتفث عن تناول مسهّلات حادة
وأغذية حادّة، كالثوم، والبصل، أو خوف، أو غمّ محدّ للدم، أو نوم على غير
وطاء، أو علقة لصقت بالحلق داخله، أو سبب واصل وهو إما في العروق أو في
غيرها.
والذي في العروق إما انقطاع، وإما انصداع، وإما انفتاح، وسعة من حدّة، أو
استرخاء، وإما تأكل لحدّة خلط، وإما لسخافة راسخة. وكثيراً ما تتسع المنافذ
من أجزاء القصبة والشرايين فوق الذي في الطبع، فيرشح الدم إلى القصبة.
والذي في غير العروق، إما جراحة، وإما قرحة عن جراحة، أو عن تأكّل وتعفّن،
إذا انقلع من العضو شيء. وقد يكون عن ورم دموي في الرئة يرشح منه الدم،
ومثل هذه الأسباب إلا العلقة، ولهذه الأسباب الواصلة أسباب أقدم منها وهي،
إما لكثرة المادة وذلك، إما لكثرة الأغذية وترك الرياضة، وإما لأنها فاضلة
عن أعداد الطبيعة، كما يعرض مما أنبأنا عنه في الكتاب الكلّي عند ترك
رياضة، أو احتباس طمث، أو دم بواسير، أو قطع عضو، وإما لجذبها، وإما لشدة
حركتها، وإما لرياح في العروق نفسها، وخصوصاً في المتحنجين، فإنهم يكثر ذلك
فيهم، وإما لاستعداد الآلات الخاوية للمادة، وذلك لبرد يقبضها ويعسر
انبساطها، فلا تطيع القوة المكلفة ذلك بالإمداد، بل بالاستنشاق، وإما
لحرارة خارجة أو داخلة، أو يبوسة قد أعدّها، أي ذلك كان بالتكثيف، والتجفيف
للانشقاق عن أدنى سبب، أو لرطوبة أرختها، فوسعت مسامها، أو ملاقاة خارق
أكّال، أو قطاع، أو معفن.
وإذا عرض الامتلاء الدموي أقبلت الطبيعة على دفع المادة إلى أي جهة
أمكنتها، إذا كانت أشدّ استعداداً، أو أقرب من مكان الفضل فدفعتها بنفث، أو
إسالة من البواسير، أو في الطمث، أو في الرعاف، فإن كانت العروق قوية لا
تخلى عن الدم، عرض الموت فجأة لإنصباب الدم إلى تجاويف العروق، ومن يعتريه
نفث الدم، فهو يعرض أن تصيبه قرحة الرئة، فإنّ النفث في الأكثر يكون عن
جراحة، والجراحة تميل إلى أن تكون قرحة، وإذا أعقب نفث الدم المحتبس نفث
دم، خيف أن يكون هذا الثاني عارضاً عن قرحة استحالت إليها الجراحة الأولى،
وكثيراً ما يكون الدم المنفوث رعافاً سال من الرأس إلى الرئة.
وإذا كان نفث الدم من نواحي الرئة تعلّق به خوفان، خوف من إفراطه، وخوف من
جراحته أن يصير قرحة، وليس كل نفث دم مخوفاً، بل ما كان لا يحتبس أو كان مع
حمّى، وكثيراً ما يكون نفث الدم بسبب البرد وورم في الكبد، أو في الطحال.
العلامات: القريب من الحنجرة ينفث بسعال قليل، والبعيد بسعال كثير، وكلما
كان أبعد تنفث بسعال أشدّ، وإذا نيم على الجانب الذي فيه العلة ازداد
انتفاث ما ينتفث، ويجب أن ينظر أولاً حتى لا يكون ما ينفث مرعوفاً، ويتعرّف
ذلك بمادة الرعاف، وبعروضه، ويخفة عرضت للرأس بعد ثقل. وعلامات رعاف كانت
مثل حمرة الوجه، والعين، والتباريق أمام العين، وأن لا يكون زبدياً، ويكون
دفعة.
وعلامة الدم المنفوث من جوهر لحم الرئة من جراحة، أو قرحة أن يكون زبدياً،
ويكون منقطعاً لا وجع له، وهو أقلّ مقداراً من العرقي، وأعظم غائلة، وأردأ
عاقبة، وقد يقذف الزبدي أصحاب ذات الجنب، وذات الرئة إذا كان في رئاتهم
حرارة نارية مغلية.
وقد يكون الزبدي من قصبة الرئة، ولكن يجيء بتنخع وسعال بسير، ويكون ما يخرج
يسيراً أيضاً، ويكون هناك حس ما بالألم. والمنفوث من عروقها لا يكون
زبدياً، ويكون أسخن وأشد قواماً من قوام الذي في الرئة، وأشبه بالدم، وإن
لم يكن في غلظ الدم الذي في الصدر.
وعلامة المنفوث في الصدر، سواد لونه، وغلظه، وجموده لطول المسافة مع زبدية
ما، ورغوة مع وجع في الصدر يدل على موضع العلة، ويؤكده ازدياده بالنوم عليه
وسبب ذلك الوجع عصبية أعضاء الصدر، ويكون انتفاثه قليلاً قليلاً ليس قبضاً،
ويكون نفثه بسعال شديد حتى ينفث. وعلامة الكائن من انقطاع العروق غزارة
الدم، وعلامة التأكّل تقدم أسباب التأكل من تناول أشياء حريفة، ونزول نوازل
حريفة، وأن يكون حمّى، ونفث قيح، أو قشره، أو جزء من الرئة، ويكون نفث مثل
ماء اللحم، ويبتدئ نفث الدم قليلاً قليلاً، ثم ربما انبثق دفعة فانتفث شيء
صالح ولونه رديء، وعلامة تفتح أفواه العروق من الامتلاء أن لا يكون وجع
البتة، وتوجد راحة ولذّة ويخرج في الأول أقل من الخارج بسبب الانقطاع
والانشقاق في أول الأمر، وهو أكثر من الذي يخرج عن التأكل في أكثر الأوقات.
وعلامة الراشح عن ورم قلته، وحضور علامات ذات الرئة وغيرها.
المعالجات: المبتلي بنفث الدم كل وقت، يجب أن يراعي حال امتلائه، فكلما أحس
فيه بامتلاء بودر بالفصد، وخصوصاً إذا كان صدره في الخلقة ضيقاً، أو كان
السعال عليه ملحاً. والأصوب أن يمال الدم منهم إلى ناحية السفل بفصد
الصافن، وبعده بفصد الباسليق، وإذا درّ طمث النساء في الوقت وعلى الكفاية،
زال بذلك نفث الدم منهن، كما قد يحدث فيهن باحتباسه، ويجب أن يتحرز عن جميع
الأسباب المحركة للدم، مثل الأغذية المسخنة، ومثل الوثبة، والصيحة، والضجر،
والجماع، والنفس العالي، والكلام الكثير، والنظر إلى الأشياء الحمر، وشرب
الشراب الكثير، وكثرة الاستحمام، ويجتنب المفتحات من الأدوية مثل الكرفس،
والصبر، والسمسم، والشراب، والجبن العتيق، فإنه ضار لهم. وأما الطري فنافع.
والأغذية الموافقة لهم كل مغرّ ومسدد، وكل ملحم، وكل مبرد للدم، مانع من
غليانه. ومن ذلك اللبن المبطوخ لما فيه من تغرية، ومخيض البقر لما فيه من
القبض، والزبد والجبن الطري غير مملوح، والفواكه القابضة، وضرب من الإجاص
الصغير فيه قبض، وزيت الأنفاق الطري العصر قد يقع فَي تدسيم أطعمتهم،
والمياه الشبية شديدة المنفعة لهم.
وأما الكائن عن نفس جرم الرئة، فيجب أن يسقى صاحبه الأدوية الملحمة اليابسة
كالطين، والشافنج بماء لسان الحمل، والخل الممزوج بالماء. وأما علاجه عن
تدبير غذائه، فأن يبادر ويفصد منه الباسليق من الشق الذي يحدس أن انحلال
الفرد فيه فصداً دقيقاً، ويؤخذ الدم في دفعات بينها ساعات ثلاث، أو نحوها
مع مراعاة القوة، فإن الفصد يجذب الدم إلى الخلاف، ويمنع أيضاً حدوث الورم
في الجراحة، وتدلك أطرافهم، وتشد شداً مبتداً من فوق إلى أسفل، ويمنعون
الأمور المذكورة، ويعدّل هواؤهم، ويكون اضطجاعهم على جنب وعلى هيئة
كالانتصاب لئلا يقع بعض أجزاء صدره على بعض، وقد يوافقهم الخل الممزوج
بالماء، فإنه يمنع النزف، وينقي ناحية الصدر والرئة عن دم إن احتبس فيها،
فلا يجمد، ويسقون الأدوية الباردة والمغرية، فإن المغرية ههنا أولى ما يجب
أن يشتغل به، وإذا وجد مع التغرية التنقية، كان غاية المطلوب. وبزرقطونا
نافع مع تبريده حيث يكون عطش شديد.
وربما احتيج أن تخلط بها المدرّات لأمرين:
أحدهما: لتسكين الدم وترقيقه والثاني: للتنويم وإزالة الحركة. وسنذكر
الأدوية المشتركة لأصناف نفث الدم في آخر هذا الباب.
وإذا عرض نفث الدم من نزلة ولم تكن النزلة حريفة صفراوية، فصدت الرجل من
ساعته، وأدمت ربط أطرافه منحدراً من فوق إلى أسفل، ودلكتها بزيت حار، ودهن
حار مثل دهن قثاء الحمار، ونحوه، ولا يدهن الرأس البتة، ويكون أغذيتهم
الحنطة بشيء من العفوصات على سبيل الأحساء، وتكون هذه العفوصات من الثمار
وما يشبهه.
وعند الضعف يطعمون خبزاً منقوعاً في خل ممزوج بماء بارد، ويستعمل عليهم
الحقن الحادة لتجذب المادة عن ناحية الرأس، وخصوصاً إذا لم يمكن الفصد
لمانع ويجب أن يجتهد في تبريد الرأس ما أمكن، ولا يجهد جهداً كثيراً في
ترطيبه.
ومما ينفعه سقي أقراص الكهرباء، فإن لم ينجع ما ذكرنا لم يكن بد من علاج
النزلة وحبسها، مثل حلق الرأس، واستعمال الضماد المتخذ بزبل الحمام يضمّد
وينزع بحسب الحاجة. وزعم جالينوس أن امرأة أصابها نزف دم من النزلة،
فحقنتها بحقنة حادّة، وخصوصاً إذا لم يمكن فصدها لأنها كانت نفثت أربعة
أيام، وضعفت، وغذّاها بحريرة وفاكهة فيها قبض، إذ كان عهدها بالغذاء
بعيداً، وعالج رأسها بدواء ذرق الحمام، وأذن لها في الحمام لأجل الدواء،
ولم يدهن رأسها لئلاّ يرطب، وسقاها الترياق الطري لينوّمها، فإنّ في هذا
الترياق قوى الأفيون، ينوم، ويمنع دغدغة السعال، ويسكّن من سيلان المواد
بالتغليظ. وأما في اليوم الثاني من هذا الدواء، فلم يتعرّض لتحريكها، بل
تركها هادئة ساكنة على حاجة بها إلى تنيقية الرئة، وأكثر ما دبرها به، أن
دلك أطرافها وسقاها قدر باقلاة من الترياق الحديث أقلّ من الأمس، وكان غرضه
أن يمزجها إلى العسل لتسقي به الرئة، ثم تركها ساعة، ثم ذلك أطرافها
وأعطاها بعد ذلك ماء الشعير مع قليل خبز لينعش القوة، وفي الرابع أعطاها
ترياقاً عتيقاً مع عسل كثير لينقي رئتها تنقية شديدة، وغذّاها في سائر
الأيام على الواجب ودبرها تدبير الناقهين، ومع ذلك فقد كان يضع على رأسها
وقتاً بعد وقت قيروطي الثافسيا، ويحرّم عليها الاستحمام.
وهذا تدبير جيد، ويجب أن يكون الترياق ترياق ما بين شهرين إلى أربعة أشهر،
فإنه ينوم ويحبس النزلة، ولا يقرب رؤوس هؤلاء بالدهن، ولا بد من حلق الرأس
لاستعمال هذه المحمرات، ولو للنساء ولا بد من إسهال بمثل حب القوقايا إن
كان هناك كثرة، وذلك بعد الفصد، ثم يلزم الأدوية المحمّرة.
وما كان من انشقاق عرق، أو انقطاعه، وكان سببه الامتلاء، فيجب أن لا يغذى
ما أمكن، بل يجوع ثلاثة أيام يقتصر فيها كل يوم على غذاء قليل من شيء لزج،
وأما إذا لم يظهر سقوط القوة، دوفع بالتغذية ما أمكن إلى الرابع، وإن خيف
سقوط القوة خوفاً واجباً، غذوا بما يتولد عنه خلط معتدل أو إلى برد، وفيه
تغرية، ولزاق، وتلزيج، وقبض، وخاصة تغليظ الدم كالهريسة بالأكارع،
وكالرؤوس، وكالنيمبرشت، وكالأطرية، خاصة ما طبخ بالعدس، وكالعدس، والعناب،
وإن أمكن أن لا يغذى بالقوي فعل، واقتصر على ماء الشعير، وخصوصاً المطبوخ
مع عدس، أو عناب، أو سفرجل، والخبز المغموس في الماء البارد، أو في شيء
حامض مزور، كله مبرد بالفعل.
ومخيض البقر إذا تطاولت العلة نافع لقبضه،
وبرده، والألبان المغلاة لتغريتها وللزاقها نافعة في ذلك. فإن لم يغن وزادت
في الدم فضرّت. والسمك الرضراضي شديد المنفعة. ويجب أن يكون أغذية هؤلاء
والذين بعدهم باردة بالفعل. والجبن الطري الغير المملوح شديد المنفعة لهم
جداً. وإذا غذوت هذا وأمثاله بلحم، فاختر من اللحمان ما كان قليل الدم
يابساً خفيفاً، كلحوم القطا، والشفانين، والدرّاج مطبوخاً في قبوضات،
وعفوصات. ومن الأشياء المجرّبة في قطع دم النفث، مضغ البقلة الحمقاء،
وابتلاع مائه، فربما حبس في الوقت. ومن الفواكه السفرجل والتفاح القابضان
العفصان، والعناب الرطب، وحب الآس، والخرنوب الشامي، وما يجري هذا المجرى.
وقد يتخذ لهم نقل من الطين المختوم، والأرمني بالصمغ العربي، وقليل كافور.
وإذا احتبس الدم ووصل إلى الرابع، يجب أن يغذّي ويقوّي، ويبدأ بمثل الخبز
المغموس في الماء، وبمثل الهرائس، والأكارع، والأدمغة، وإن كان الانشقاق
والانقطاع بسبب حدّة الدم، فاعمل ما يجب من إمالة الدم إلى الأطراف، وإلى
خلاف الجهة واستفراغ الصفراء، ثم برّد بقوة ورطّب، واستعمل القوابض أيضاً،
والمغريات، وماء الشعير، والسرطانات، والقرع، ودواء أندروماخس، ودواء
جالينوس. وأما الكائن من انفتاح العروق، فالأدوية التي يجب أن تستعمل فيه
هي القابضة، والعفصة مع تغرية، كما كانت الأدوية المحتاج إليها فيما سلف هي
المغرية الملحمة مع قبض، وهذه مثل الجلنار، وأقماع الرمان، والسماق، وعصارة
الطراثيث، وعصارة عساليج الكرم، وورق العوسج، والبلوط، والكهربا،
والأقاقيا، والحُضَض، وعصارة الورد، وعصارة عصا الراعي، والشكاعى، وعصارة
الحصرم، وهو فاقسطيداس. وقد يقوي هذه وما يتّخذ منها بالشبّ، والعفص،
والصبر، والأفسنتين، يتخذ منها أدوية مركبة، وأقراص معدودة لهذا الباب. وقد
ركبت من هذه الأدوية المذكورة، وربما طبخت هذه الأدوية في المياه الساذجة،
أو بعض العصارات، وشرب طبيخها، وربما اتخذ منها ضمّادات، وقد تخلط بها
وتجمع أدوية النفث المذكورة، والأدوية الصدرية، مثل الكرفس، والنانخواه،
والأنيسون، والسنبل، والرامك، وقد يخلط بها المخدّرات أيضاً، مثل قشور أصل
اليبروج، والبنج، والخشخاش، وقد يخلط بها المغرّيات، كالصمغ، وقشار الكندر،
وكوكب ساموس، والطباشير، وبزر لسان الحمل، ولعاب بزرالقطونا، وبزره، وعصارة
البقلة الحمقاء، ولعاب حبّ السفرجل. وأما إذا كان رشحاً من ورم، فعلاجه
الفصد والاستفراغ، ثم الإنضاج. ولا يعالج بالقوابض، فذلك يجلب آفة عظيمة،
بل يجب أن يعالج بعلاج ذات الرئة.
وأما الكائن عن التأكّل، فهو صعب العلاج عسر وكالميئوس منه، فإنه لا يبرأ
ولا يلتحم إلا مع زوال سوء المزاج، وذلك لا يكون إلا في مدة في مثلها، أما
أن تصلب القرحة، أو تعفن، لكن ربما نفع أن لا يدع الأكّال يستحكم بنفض
الخلط الحار، وربما أسهل الصفراء والغليظة معاً بمثل حبّ الغاريقون. فإن
احتجت إلى فعل تقوية لذلك، قوّيته، واحتملت في تسكين دغدغة السعال بدواء
البزور، فإنه يرجى منه أن ينفع نفعاً تاماً. وبالجملة، فإن علاجهم التنقية
بالاستفراغ بالفصد وغيره، والأغذية الجيدة الكيموس، وربما يسقى للأكال
اللبان، والمرّ، وآذان الجداء، وبزر البقلة الحمقاء، وأصل الخطمي، وأقراص
الكوكب، زيد فيه من الأفيون نصف جزء. وأدوية مركبة ذكرها فولس، وتذكر في
القراباذين. وأدويتهم النافعة هي ما يقع فيها الشادنة، ودم الأخوين،
والكهربا، والسندروس، والطين المختوم. وبالجملة كلّ مجفّف مغر ملحم. وأما
الكائن من الصدر، فيعالج بالأضمدة وبالأدوية التي فيها جوهر لطيف، أو معها
جوهر لطيف قد خلط بها، وهي مما ذكرناه ليصل إلى الصدر، وماء الباذروج في
نفسه يجمع بين الأمرين، وإذا حدس أن سبب نفث الدم حرّ، فالأدوية المذكورة
كلها موافقة لذلك، وإذا حدس أن السبب برد، أورث نفث الدم على الوجه
المذكور، فعلاجه كما زعم جالينوس أن ذلك أصاب فتى، فعالجه هو بأن فصده في
اليوم الأول، وثني ودلك أطرافه وشدّهاعلى ما يجب في كل حبس نزف دم، وغذّاه
بحساء، ووضع على صدره قيروطياً من الثافسيا، ورفعه عنه وقت العشاء لئلا
يزيد إسخانة على القدر المطلوب، وغذَّاه بحساء، وسقاه دواء البزور، ولما
كان اليوم الثالث استعمل على صدره ذلك القيرطي ثلاث ساعات، ثم أخذه وغذّاه
بماء الشعير، واسفيدباجة بلحم البط، فلما اعتدل مزاج رئته، وزال الخوف عن
حدوث الورم، نقّى الرئة بترياق عتيق متكامل، ودرجه إلى شرب لبن الأتن، وإلى
سائر تدبير نافث الدم.
وزعم جالينوس أن كان من أدركه من هؤلاء في اليوم الأول برأ، والأخرون
اختلفت أحوالهم، وقد شاهدنا أيضاً من هذا من نفعته هذه الطريقة ونحوها،
وإذا حدس أن السبب رطوبة واسترخاء استعمل ما فيه تجفيف، وتسخين، وقبض، مثل
أصل الأذخر، والمصطكي، والكمّون المقلو، والفودنج الجبلي، والقلقديس،
والجندبيدستر، والزعفران للإبلاع، وقد يخلط بها قوابض معتدلة بمثل
الشاهبلّوط، وقد اتخذت من هذه مركّبات ذكرت في القراباذين.
وإذا حدس أن السبب يبوسة، وذلك في الأقل،
استعمل المرطّبات المعلومة من الألبان، والأدهان، والعصارات بعد التدبير
المشترك من إمالة المادة إلى خلاف الجهة، ولكن الذي يليق بهذا الموضع عن
الفصد وغيره أقلّ وأضعف من الذي يليق بغيره. وإذا كان السبب صدمة على
الكبد، فعلاجه هذا السفوف. ونسخته: رواند صيني عشرة، لكّ خمسة، طين أرمني
خمسة، والشربة من مجموعة درهم ونصف. وإما الأدوية المشتركة، فالمفردات منها
مذكورة في الكتاب الثاني في الجداول المعلومة، والذي يليق بهذا الموضع
الشادنج، فإنه إذا سحق سحقاً كالغبار وشرب منه مثقال في بعض القوابض، أو
العصارات، نفع أجل نفع، وإذا مضغت البقلة الحمقاء، وابتلع ماؤها، فربما حبس
في الحال وماء الخيار وعصارته، وخصوصاً مع بعض المغريات القابضة جداً إذا
تجرعّ يسيراً يسيراً، وقرن الأيل المحرق إذا خلط بالأدوية كان كثير النفع،
وذلك ماء النعناع، وأيضاً ثمرة الغرب وزن درهم، وأيضاً فقّاح الكزبرة وزن
ثلاثة دراهم بماء بارد غدوة وعشية، وأيضاً البسّد، فإنه شديد النفع، وطين
ساموس، وزعم أنه يسمى باليونانية كوكب الأرض، ويشبه أن يكون غير الطلق،
وأيضاً يؤخذ دم الجدي قبل أن يجمد يسقى منه نصف أوقية نيئاً ثلاثة أيام،
وأيضاً حبّ الآس، وبزر لسان الحمل وزن درهمين، في ماء لسان الحمل، أو عصارة
الورد، فإنه غاية، والسفرجل نافع وخصوصاً المشوي.
وأيضاً أنفحة الأرانب بماء الورد، وهي وغيرها من الأنافح بمطبوخ عفص، أو
بماء الباذونج، وخصوصاً للصدري، أو طين مختوم، وبدله طين ساموس بشيء من
الخل، وأيضاً سومقوطون، وهي حيّ العالم. وقال رجل في بعض ما جمع أنه نوع من
الفوذنج ينبت بين الصخر يفرك ويؤكل بالملح ويسمى بالموصل اليبروح البرّي،
أو التفاح البري، وفي ذلك نظر، وهذا الدواء يسقى مع مثله نشا.
وأيضاً: مما ينفعه أن يسقى من الشبّ اليماني، فإنه غاية، وخصوصاً في صفرة
بيض مفترة لم تعقد البتّة. وأيضاً: غراء السمك نافع إذا سقي منه، وإذا صعب
الأمر، فربما سقوا وزن ربع درهم من بزر البنج بماء العسل، ويجب أن يسقى
الأدوية الحابسة للنفث بالشراب العفص لتنفذ، اللهم إلا أن يكون حمى، فيسقى
حينئذ مع عصارة أخرى. وللعتيق القديم بزر الكراث النبطي وحبّ الآس جزآن
بالسواء يسقى منهما إلى درهمين بماء عصا الراعي، أو تؤخذ عصارة الكراث
الشامي أوقية، والخلّ نصف أوقية، يسقى بالغداة، أو يسقى حراقة الإسفنج بشيء
من نبيذ. وجالينوس يعالج نزف الدم بالترياق، والمثروديطوس، والأدوية الطيبة
الرائحة، فإنها تقوّي الطبيعة على البخل بالدم وإلحام الجرح، وكذلك أقراص
الكوكب، ودواء أندروماخس، والقنطوريون يجمع إلى حبس النفث التنقية، فليسق
منه المحموم بماء وغيره بشراب. والصقالبة يعالجون بطبيخ أصل القنطوريون
الجليل. ومن الأشربة عصارة لسان الحمل وزن درهم عصارة لسان الثور وزن
درهمين، عصارة بقلة الحمقاء وزن درهمين، عصارة أغصان الورد الغضّة أوقية،
يدق بلا رشّ الماء عليها، ويصفّى ولا يطبخ، بل يداف فيه شيء من الطين
المختوم، ويسقى، أو تؤخذ عصارة أغصان الورد، ويداف فيها عصارة هيوفقسطيداس،
أو الشاذنج وقرن الأيل محرقاً، وتسقى، ومن الأقراص قرص بهذه الصفة. ونسخته:
أقاقيا، وجُلَّنار، وورد أحمر، وعصارة لحية التيس، وجفت البلّوط وقشور
الكندر سواء.
وأيضاً يؤخذ زرنيخ قشور أصل اللفّاح، طين البحيرة، كندر، أقاقيا، بزر بقلة
الحمقاء، بزر باذروج، جلّنار، كافور، يتخذ أقراصاً. الشربة درهمان بنصف
أوقية ماء، أو شراب عفص، أو ماء الباذروج. وأيضاً بزر خشخاش، وطين مختوم،
هيوفقسطيداس، كندر، كافور، تسقى بماء الباذروج. وأيضاً قرص ذكره ابن
سرافين، وهو المتخذ بصمغ اللوز.
وأما الأدهان المستعملة على الصدر، ففي الصيف دهن السفرجل، وفي الشتاء دهن
السنبل.
وهذه صفة قرص جيد: يؤخذ طين البحيرة. وبُسذ، وكوكب ساموس، وورد يابس، من كل
واحد جزآن، كهرباء وصمغ، ونشا، من كل واحد جزء، يخلط، ويقرص، والشربة منه
أربعة مثاقيل للمحموم في عصارة قابضة، ولغير المحموم في شراب، وخصوصاً
القابض. ومن الأضمدة المشتركة دقيق الشعير، ودقاق الكندر، وأقاقيا ببياض
البيض، وإذا حبست الدم، فاقبل على إلحام الجراحة. ومنع الورم وإلحام الجراح
هو مما تعلمه من المغرّيات القابضة، ومنع الورم لمنع الغذاء وجذب المواد
إلى الأطراف وتبريد الصدر، ويجب أن يجرع الخل الممزوج مراراً، ويجب أن
يتحرّز بعد الاحتباس والإقبال أيضاً عن الأمور المذكورة.
وأما الماء الذي يشربونه، فيجب أن يكون ماء المطر، أو ماء يقع فيه الطين
الأرمني والورد.
وماء الحديد المطفأ فيه الحديد نافع جداً لقبضه. وإذا خيف جمود الدم في
الرئة، فيجب أن يسقى في الابتداء خلاً ممزوجاً بماء إلا أن يكون سعال، فيجب
أن يحذر حينئذ الخلّ وأمر للدم الجامد بنصف درهم دندكركم بشيء من ماء
الكراث وملعقة سكنجبين. ومن المركبات كذلك حلبة مطبوخة درهمان، زراوند
درهم، مر ثلاث دراهم، دهن السوسن درهم، فلفل واحد، بنج واحد، ورد درهمان،
يقرص ويصف في الظل ويسقى بماء الرازيانج والكرفس.
وأيضاً أنفحة الأرنب، ورماد خشب التين مع حاشا، أو شعير مع عسل، أو يسهّلون بما يستفرغ من أدوية مفرعة ذكرناها في الكتاب الثاني، ومركبات ذكرناها في القراباذين، واقرأ كتابنا في تحليل الدم الجامد من الكتاب الرابع.
المقالة الرابعة
أورام أعضاء نواحي الصدر
أصول نظرية من علم أورام أعضاء نواحي الصدر وقروحها سوى القلب فصل في كلام كلي في أوجاع نواحي الصدر والجنب ذات الجنب: إنه قد يعرض في الحجب والصفاقات والعضل التي في الصدر ونواحيها والأضلاع أورام دموية موجعة جداً، تسمى شوصة، وبرساماً، وذات الجنب، وقد تكون أيضاً أوجاع هذه الأعضاء ليست من ورم، ولكن من رياح فتغلظ، فيظن أنها من هذه العلّة، ولا تكون. وذات الجنب ورم حار في نواحي الصدر إما في العضلات الباطنة، وفي الحجاب المستبطن للصدر، وإما في الحجاب الحاجر وهو الخالص، أو في العضل الظاهرة الخارجة، أو الحجاب الخارج بمشاركة الجلد، أو بغير مشاركة. وأعظم هذا وأهوله ما كان في الحجاب الحاجز نفسه وهو أصعبه. ومادة هذا الورم في الأكثر مرار، أو دم رديء لأن الأعضاء الصفاقية لا ينفذ فيها إلا اللطيف المراري، ثم الدم الخالص، ولذلك تكون نوائب اشتداد حماة غباً في الأكثر، ولذلك قلّما يعرض لمن يتجشأ في الأكثر حامضاً، لأنه بلغمي المزاج، ومع ذلك قد يكون من دم محترق، وقد يكون من بلغم عفن، وقد يكون في الندرة من سوداء عفن ملتهب، وقد بينا في الكتاب الكلّي أنه ليس من شرط الورم الحار أن لا يكون من بلغم وسوداء، بل قد يكون من بلغم وسوداء على صفة إلا أنه لا يكون حاراً إلا إذا كان من مرة، أو دم. فإن كان من غيرهما كان مزمناً، وهذا شيء ليس يحصله كثير من الناس. ولما كان كل ورم، إما أن يتحلّل، وإما أن يجمع، وإما أن يصلب، فكذلك حال ذات الجنب. لكن الصلابة في ذات الجنب ممّا يقلّ، فهو إذن، إما أن يتحلّل، وإما أن يجمع، أي في غالب الأحوال. وذات الجنب إذا تحلّلت قبلت الرئة في الأكثر ما يتحلل منه ونفثته وأخرجته، وربما تحلّل إلى جهة أخرى. وإذا اجتمعت المدة احتيج ضرورة إلى أن تنضج لتتفجر، فربما تنفث الرئة المدة، وربما قبلها العرق الأجوف فخرجت بالبول، وربما انصبت إلى مجاري الثفل، فاستفرغت في الإسهال. وقد تقع كثيراً إلى الأماكن الخالية واللحوم الغددية، فتحدث أوراماً في مثل الأرنبتين، والمغابن، وخلف الأذنين.
وكثيراً ما تندفع المادة إلى الدماغ وأعضاء
أخرى كما سنذكر، فيقع خطر أو يهلك، وربما خنقت المادة الرئة بكثرتها وملئها
مجرى النفس، وربما لم تكن كثرتها هذه الكثرة، ولا كانت إلا نضيجة مدة كانت
أو نفثاً مثل المدة إلا أن القوى تكون ساقطة، فتعجز عن النفث، ولذلك يجب أن
تقوى القوة في هذا الوقت حتى تقوى على الانقباض الشديد للسعال النافث، فإن
هذا النفث فعل يتم بقوّتين إحداهما طبيعية منضجة ودافعة أيضاً، والأخرى
إرادية دافعة، وإذا لم تقويا جميعاً أمكن أن تعجز عن التنقية.
واعلم أن عسر النفث، إما أن يكون من القوة إذا كانت ضعيفة، أو من الآلة إذا
كانت الآلة تتأذى بحركة نفسها، أو حركة جارها، أو من المادة إذا كانت رقيقة
جداً، أو كانت غليظة أو لزجة. وفي مثل هذه الأحوال، قد يعرض في الرئة
كالغليان لاختلاط الهواء بالمادة العاصية المنصبة إلى الرئة والعصبة، ومتى
لم يستنق بالنفث في ذات الجنب إلى أربعة عشر يوماً، فقد جمع. ومتى لم يستنق
القيح بعد أربعين يوماً، فقد وقع في ذات الرئة والسلّ، وقد ينق التقيح في
السابع، وأما في الأكثر فيكون في العشرين، وفي الأربعين، وفي الستّين، وقد
يقع انفجار قبل النضج لدفع الطبيعة المادة المؤذية بكثرتها، أو حدّتها، أو
لحرارة المزاج، والسن، والفصل، والبلد، أو لتناول المفجرات من المشروبات
قبل الوقت من جهة خطأ الطبيب. وسنذكر المفجرات من بعد، أو لحركة من العليل
مفرطة متعبة، أو صيحة، وذلك خطر.
وقد يعرض أن ينتقل ذات الجنب إلى ذات الرئة، بأن تقبل الرئة مادة الورم، ثم
لا تجيد نفثها وتحتبس فيها فتتورّم. وقد يعرض أن ينتقل ذات الجنب إلى السل
تارة بوساطة ذات الرئة على النحو الذي سنذكر، وتارة بغير وساطة ذات الرئة
بأن تقرّح المادة، أو المدة المتحللة منه جوهر الرئة لحدّتها ورداءتها، وقد
يعرض أن ينتقل إلى التشنج والكزاز بأن تندفع المادة في الأعصاب المتصلة
والعضو الذي فيه الورم، فإنه عضو عصباني وهذا انتقال قاتل قد لا ينفع معه
سائر العلاجات الجيدة.
وقد يعقب ذات الرئة والجنب كالخدر في مؤخر عضد صاحبه وأنسيه وساعده إلى
أطراف الأصابع، وقد يحمل على جهة القلب، فيعرض منه خفقان يتبعه الغشي، وإلى
جانب الدماغ أيضاً في حال التحلل قبل الجمع، وفي حال الجمع، وقد تنتقل
المادة إلى الأعضاء الظاهرة، فتصير خراجات، وقد يكون انتقالها هذا بنفوذها
في جواهر العصب والوتر، بل العظام، وإذا مالت إلى المواضع السفلية، ثم
انفتحت وصارت نواصير، كان ذلك من أسباب الخلاص، ولكن تكون النواصير خبيثة
معدية. وإن مالت إلى المفاصل، وصارت نواصير خلص العليل أيضاً، لكن ربما
أزمن العضو خصوصاً إذا لم يكن هناك استفراغ آخر ببراز، أو بول غليظ كثير
الرسوب، أو نفث كثير نضيج، فإن كان شيء من هذا كان أسلم، فإن ذلك يدل على
قلّة المادة المحدثة للخراج، وإمكان إصلاحها بالنضج. وهذه الخراجات إذا
خفيت وغارت دلت على آفة ونكس، وخصوصاً إذا زحفت المادة إلى الرئة، وقد يعرض
من شدة الحمّى تواتر النفس، ومن تواتر النفس لزوجة النفث، فإن النفث يجف
بسبب النفس المتواتر ويعرض من لزوجة النفث شدة الوصب، وازدياد اللهيب، ومن
ازدياد اللهيب تواتر النفس، ومن تواتر النفس اللزوجة، فلا يزالان يتعاونان
على الغائلة. وأما أنه أي أصناف ذات الجنب والرئة أردأ، أهو الذي يكون في
الجانب الأيسر المجاور للقلب، أو الذي يكون في الجانب الأيمن، فإن بعضهم
جعل هذا أردأ، وبعضهم جعل ذلك أردأ، إلا أن الحق هو أن القريب من جهة
المكان أردأ، لكنه أولى بأن ينضج ويقبل التحليل إن كان من شأنه أن يقبل
ذلك، والبعيد من جهة المكان أسلم، إلا أنه من جهة التحليل والتنضيج أعصى.
وقد يوقع في ذات الجنب الامتلاء من الأخلاط إذا عرض في ناحية الرأس، أو
ناحية الصدر، أو في بعض العروق المنصبة إلى نواحي الصدر، وقد يورثه كثيراً
من شرب المياه الباردة الحاقنة للمواد والبرد الزائد، كما تحدثه الحرارة
الشديدة وشرب الشراب الصرف المحرّك للأخلاط المثير لها. وذات الجنب أكثر ما
يعرض في الخريف والشتاء، وخصوصاً بعد ربيع شتوي ويكثر في الربيع الشتوي
وهبوب الشمال، يكثر الفضول، أو يحقن الفضول، فتكثر معه أوجاع. الجنب
والأضلاع، خصوصاً عقيب الجنوب وفي الصيف. وعند هبوب الجنوب يقلّ جداً، لكنه
إذا كان الصيف جنوبياً مطيراً، وكذلك الخريف يكثر في آخر الخريف في أصحاب
الصفراء ذات الجنب، وأما على غير هذه الصورة. فذات الجنب يقلّ في الأهوية
والبلدان والرياح الجنوبية.
ويقل أيضاً في النساء اللاتي يطمثن، لأن مزاجهن إلى الرطوبة دون المرارية،
وإذا عرض للحوامل كان مهلكاً، ويقل في الشيوخ، فإن عرض قتل لضعف قواهم عن
النفث والتنقية. وذات الجنب ربما التبس بذات الكبد، فإن المعاليف إذا تمددت
لورم الكبد تأدى ذلك إلى الحجاب والغشاء، فأحس فيه بوجع، وتأذى إلى ضيق
النفس فيحتاج إلى أن يعرف الفرق بينهما، وربما التبس بالسرسام وذات الجنب
أو غير ذلك مما قيل. واعلم أن ذات الجنب إذا اقترن به نفث الدم كان مثل
الاستسقاء تقترن به الحمّى، فيحتاج الأول -وهو ذات الجنب- إلى علاج قابض
بحسب نفث الدم ملين بحسب ذات الجنب، كما أن الثاني يحتاج إلى علاج مسخن
مجفّف، أو مجفّف معتدل بسبب الاستسقاء مبرّد مرطّب بسبب الحمّى.
وكثيراً ما يكون سبب ذات الجنب، وذات الرئة تناول أغذية غليظة الغذاء،
مغلظة للدم، كالقبيط، فيندفع إلى نواحي الثندوة والجنب، وعلاجه ترقيق
المادة بالحمام، ويخرج منه إلى سكنجبين يشربه، ويجتنب التمريخ بالدهن، فإنه
جذّاب، وربما استغنى بهذا عن الفصد.
علامات ذات الجنب: لذات الجنب الخالص علامات خمسة: وهي حمّى لازمة لمجاورة
القلب، والثانية وجع ناخس تحت الأضلاَع لأن العضو غشائي، وكثيراً ما لا
يظهر إلا عند التنفس، وقد يكون مع النخس تمدّد، وربما كان أكثر، والتمدّد
يدلّ على الكثرة، والنخس على القوة في النفوذ واللذع، والثالثة ضيق نفس
لضغط الورم وصغره وتواتر منه، والرابعة نبض منشاري، سببه الاختلاَف، ويزداد
اختلافه، ويخرج عن النظام عند المنتهى لضعف القوة، وكثرة المادة، والخامسة
السعال، فإنه قد يعرض في أول هذه العلّة سعال يابس، ثم ينفث، وربما كان هذا
السعال مع النفث من أول الأمر، وهو محمود جداً، وإنما يعرض السعال لتأذي
الرئة بالمجاورة، ثم يرشح ما يوشح إليها من مادة المرض، فيحتاج إلى نفثه،
فإن تحلّل كله وترشّح، فقد استنقى ما جمع، والخالص منه لا يكون معه ضربان،
لأن العضو عادم لكثرة الشرايين، ولما كان ذات الجنب يشبه ذات الكبد بسبب
السعال، والحمّى، وضيق النفس، ولتمدّد المعاليق، واندفاع الألم إلى الغشاء
المستبطن وجب أن يفرق بينها وبينها، وأيضاً يشبه ذات الرئة بسبب ذلك، وبسبب
النفث، فيجب أن يفرق بينهما.
فالفرق بين ذات الجنب، وذات الكبد، أن النبض في ذات الكبد موجي، والوجع
ثقيل ليس بناخس، والوجه مستحيل إلى الصفرة الرديئة، والسعال غير نافث، بل
تكون سعالات يابسة متباطئة، وربما اسودّ اللسان بعد صفرته، والبول يكون
غليظاً استسقائياً، ويكون البراز كبدياً، ويحسّ بثقل في الجانب الأيمن، ولا
يدركه اللمس، فيوجع. وربما كان في ذات الكبد إسهال يشبه غسالة اللحم الطري
لضعف القوة، وإذا كان الورم في الحدبة أحسّ به في اللمس كثيراً، وإن كان في
التقعير كشف عنه التنفس المستعصي إذا دل على شيء ثقيل معلّق وضيق النفس في
ذات الكبد متشابه في الأوقات غير شديد جداً، وأما المجنون فسعاله نافث،
ووجعه ناخس، وبوله أحسن قواماً، ولونه أحسن ما يكون، وضيق نفسه أشدّ، وهو
ذاهب إلى الازدياد على الاتصال حتى يتبين له في كلّ ست ساعات تفاوت في
الازدياد كثير.
والفرق بينه وبين ذات الرئة أيضاً، هو أن نبض ذات الرئة موجي، ووجعه ثقيل،
وضيق نفسه أشدّ، ونفسه أسخن، وعلامات أخرى، ولما كان ذات الجنب قد تعرض معه
أعراض السرسام المنكرة، مثل اختلاط الدهن، والهذيان، وتواتر النفس،
والخفقان، والغشي، وما هو دون ذلك وصعوبة الكرب، وشدة الضجر، وشدّة العطش،
وتغيّر السحنة إلى ألوان مختلفة، وشدّة الحمّى، وقيء المرارة والسبب في هذه
الأعراض مشاركة الصدر للأعضاء الرئيسية ومجاورتها وجب أن نفرق بين الأمرين،
أعني البرسام، والسرسام.
فمن الفروق أن اختلاط الدهن يعرض في السرسام أولاً، ثم تشتدّ فيه سائر
الأعضاء، ويكون التنفس فيه أسلم ويتأخر فساد النفس عن الاختلاط، ويكون معه
أعراضه الخاصة كحمرة العينين وانجذابهما إلى فوق. وأما في البرسام، فيتأخر
اختلاط الذهن، وربما لم يكن إلى قرب الموت، بل كان عقل سليم، ولكنه يتقدّمه
فيه تغير النفس وسوءه، ويكون في الأولى تمدّد في المراق إلى فوق، كأنه
ينجذب إلى الورم، ووجع ناخس. ومن الفروق في ذلك، أن النبض في السرسام عظيم
إلى التفاوت، وفي ذات الجنب صغير إلى التواتر ليتلافى الصغر، وذات الجنب
إذا اشتدّ اشتدت الأعراض المذكورة معه، ويبس اللسان، وخشن. وإذا ازداد، عرض
احمرار في الوجه والعين، والقلق الشديد، وفساد النفس، واختلاط الذهن،
والعرق المنقطع، وربما أدى إلى اختلاف رديء.
علامات أصناف الخالص منه وغير الخالص: إذا لم يكن ذات الجنب خالصاً، بل كان
في الغشاء المجلّل للأضلاع، أو في العضل الخارجة كان له علامات، وكان الوجع
فيه، والآفة إلى حد، فإن الذي يكون في الغشاء الخارج يدركه اللمس، وربما
شاركه الجلد، فيظهر للبصر، وربما انفجر خراجاً، ولم يوجب نفثاً. وهذا
الانفجار قد يكون بالطبع، وقد يكون بالصناعة. والذي يكون في العضل الخارجة
يكون معه ضربان، فإن كان الإحساس به مع الاستنشاق، كان في العضل الباسطة،
وإن كان الإحساس به في الردّ، كان في العضل القابضة. وقد علمت أنهما جميعاً
موجودان في الطبقتين جميعاً، الداخلة والخارجة. والغمز أيضاً يدرك هذا
الضرب من ذات الجنب التي ليست بخالصة، وهذا الغير الخالص لا يفعل من الوجع
الناخس، ومن ضيق النفس، والسعال، ومن صلابة النبض، ومنشاريته، وشدّة
الحمّى، وأعراضها ما يكون في الخالص.
وربما كان النبض ليّناً، وربما كان حمّى بسبب ورم في غير المواضع المذكورة،
أو لسبب آخر مثل نفث مفرط وغيره، ولا يكون ذات الجنب إذ ليس هناك وجع ناخس،
ونبض منشاري، وغير ذلك، وفي الأكثر غير الحقيقة يكون الوجع أسفل مشط الكتف،
وما كان من الخالص في الحجاب الحاجز، كان الوجع إلى الشراسيف، وكان اختلاط
العقل فيه أكثر، واشتدت الأعراض، والموجع وعسر النفس، ولم تكن سرعة شدة
الحمّى كما في غيره، بل ربما تأخّر إلى أن يعفن العضل، فتقوى الحمى جداً،
وإن كان في الغشاء المستبطن للصدر، وكان الوجع إلى الترقوة، واختلف الوجع
لاختلاف مماسة أجزاء الغشاء للترقوة، ولاختلاف الأجزاء في الحس، ولا يكون
معه ضربان البتة.
والوجع المائل إلى ناحية الشراسيف قد يكون بسبب الورم في الحجاب الحاجز وقد
يكون لحدوث الورم في الأعضاء اللحمية التي في الأضلاع، وليس فيه كثير خطر.
علامات الرديء منه والسليم: يدل على سلامته النفث السهل السريع النضيج، وهو
الأبيض الأملس المستوي، والنبض الذي ليس بشديد الصلابة، والمنشارية، وقلّة
الوجع، وسائر الأعراض، وسلامة النوم والنفس، وقبول العلاج، واحتمال المريض
لما به، واستواء الحرارة في البدن مع لين وقلة عطش وكرب، وكون العرق
البارد، والبول والبراز على الحالة المحمودة.
ونضج البول علامة جيدة فيه، كما أن رداءته علامة رديئة جداً، ورداءة البراز
ونتنه وشدة صفرته علامة رديئة، وظهر الرعاف من العلامات الجيدة النافعة في
ذات الجنب، والرديء أن تكون أعراضه ودلائله شديدة قوية والنفث محتبساً، أو
بطيئاً، وهو غير نضيج، إما أحمر صرفاً، أو أسود، ويزداد لزوجة وخنقاً كمداً
وعسراً، ويكون على ضد من سائر ما عددنا للجيّد. ومن العلامات الرديئة، أن
يكون هناك بول عكر غير مستو، وهو دموي، فإنه رديء يدل على التهاب شؤون
الدماغ، ومن العلامات الرديئة أن يكون هناك حرارة شديدة، وخصوصاً إذا كان
مع برد في الأطراف، ووجع يمتد إلى خلف، وزيادة من الوجع إذا نام على الجانب
العليل، فإذا حدث به أو بصاحب ذات الرئة اختلاف في آخره دل على أن الكبد قد
ضعفت، وهو رديء، وهو في أوله جيد بل أمر نافع. وإما الاختلاف الذي يجيء بعد
ذلك ولا يزول به عسر النفس والكرب، فربما قتل في الرابع أو قبله.
واختلاج ما تحت الشراسيف في ذات الجنب كثيراً ما يدل على اختلاط العقل
لمشاركة الحجاب الرأس، وتكون هذه حركة من مواد الحجاب. وحركتها في الأكثر
في مثل هذه العلة، حركة صاعدة. ومن العلامات الرديئة، أن تغور الخراجات
المنحياة عن ذات الجنب من غير سكون الحمّى، ولا نفث جيد، فإن ذلك يدل على
الموت لما يكون معه لا محالة من رجوع المادة إلى الغور. وأما العلامات
الجيدة والرديئة التي تكون بعد التقيّح، فنفرد له باباً.
واعلم أن ذات الجنب إذا لم يكن فيه نفث، فهو إما ضعيف جداً، وإما رديء خبيث
جداً. فإنه، إما أن لا يكون معه كثير مادة يعتدّ بها، وإما أن تكون عاصية
عن الانتفات خبيثة.
قال أبقراط: أنه كثيراً ما يكون النفث جيداً سهلاً، وكذلك النفس، ويكون
هناك علامات أخرى رديئة قاتلة مثل صنف يكون الوجع منه إلى خلف، ويكون كأنّ
ظهر صاحبه ظهر مضروب، ويكون بوله دموياً قيحياً، وقلما يفلح، بل يموت ما
بين الخامس والسابع، وقليلاً ما يمتد إلى أربعة عشر يوماً، وفي الأكثر إذا
تجاوز السابع نجا، وكثيراً ما يظهر بين كتفي صاحبه حمرة، وتسخن كتفاه، ولا
يقدر أن يقعد، فإن سخن بطنه وخرج منه براز أصفر مات، إلا أن يجاوز السابع.
وهذا إذا أسرع إليه نفث كثير الأصناف مختلفها، ثم اشتدّ الوجع مات في
الثالث وإلا برئ. وضرب آخر يحسّ معه بضربان يمتد من الترقوة إلى الساق،
ويكون البزاق فيه نقياً لا رسوب معه والماء نقياً، وهو قاتل لميل المادة
إلى الرأس، فإن جاوز السابع برئ.
علامات أوقاته: إذا لم يكن نفث أو كان النفث رقيقاً، أو قليلاً، أو الذي
يسمى بزاقاً على ما نذكره، فهو الابتداء، وما تزداد الأعراض فيه، ويزداد
النفث، ويأخذ في الرّقة، ويزداد في الخثورة وفي السهولة، ويأخذ في الحمرة
إن كانت إلى الاصفرار المناسب للحمرة، فهو الازدياد، ثم إذا نفث العليل
نفثاً سهلاً نضجاً على ما ذكرناه من النضج، ويكون كثيراً، ويكون الوجع
خفيفاً، فذلك هو وقت المنتهى، ووقت موافاة النضج التام، ثم إذا أخذ النفث
ينقص مع ذلك القوام، وتلك السهولة، ومع عدم الوجع ونقصان الأعراض، فقد
انحط، فإذا أحتبس النفث عن زوال الأعراض البتة، فقد انتهى الانحطاط.
علامات أصنافه بحسب أسبابه: الأشياء التي منها يستدلّ على السبب الفاعل
لذات الجنب النفث في لونه إذا كان بسيط اللون. أو مختلط اللون، ومن موضع
الوجع، ومن الحمّى وشدتها ونوبتها، فإن النفث إذا كان إلى الحمرة دل على
الدم، وإذا كان إلى الصفرة دل على الصفراء. والأشقر يدلّ على اجتماعهما،
وإذا كان إلى البياض، ولم يكن للنضج دل على البلغم، وإذا كان إلى السواد
والكمودة، ولم يكن لسبب صابغ من خارج من دخان ونحوه، دل على السوداء.
وأيضاً فإن الوجع في البلغم والسوداء في أكثر الأمر يكون منسفلاً وإلى
اللين، وفي الآخرين متصعِّداً ملتهباً، وأيضاً، فإن الحمى إن كانت شديدة
كانت من مواد حارة، وإن كانت غير شديدة كانت من مواد إلى البرد ما هي،
وربما دلت بالنوائب دلالة جيدة.
علامات انتقاله: أنه إذا لم ينفث نفثاً محموداً سريعاً، ولم يستنشق في
أربعة عشر يوماً، فقد انتقل إلى الجمع، ويدل على ابتدائه في تصعده شدة
الوجع، وعسر النفس، وضيقه، وتضاغطه عند البسط مع صغر وشدة الحمّى، وخشونة
اللسان خاصة، ويبس السعال لتلزج المادة، وكثافة الحجاب، وضعف القوة، وسقوط
الشهوة، والأخلاط، والسهر، ويقل نخسه في ذلك الموضع، وإذا جمع وتم الجمع
سكنت الحمّى والوجع وازداد الثقل، فإذا انفجر عرض نافض مختلف واستعراض نبض
مع اختلافه، وتسقط القوّة وتذبل النفس. وكثيراً ما تعرض حمى شديدة لِلذع
المدة للأعضاء ولذع الورم، فإذا انفجر ثم لم يستنق من يوم الانفجار إلى
أربعين يوماً، أدى إلى السلّ وانفجار المتقيح في اليوم السابع، وأبعده في
الأقل وأكثره بعد ذلك إلى العشرين، والأربعين، والستين.
وكلما كانت عوارض الجمع أشدّ كان الانفجار أسرع، وكلما كانت ألين كان
الإنفجار أبطأ، وخصوصاً الحمى من جملة العوارض. وإذا ظهرت العلامات الظاهرة
الهائلة، وكنت قد شاهدت دلائل محمودة في النفث وغيره، فلا تجزع كل الجزع،
فإن عروضها بسبب الجمع لا بسبب آخر.
وكل ذات جنب لا يسكن وجعه بنفث ولا فصد ولا إسهال ولا غير ذلك، فتوقع منه
تقييحاً، أو قتلاً قبله بحسب سائر الدلائل. وإذا رأيت النبض يشتد تمدده،
وخصوصاً إذا اشتد تواتره، فإن ذلك ينذر إن كانت القوة قوية، بأنه ينتقل إلى
ذات الرئة والتقيح والسل. وبالجملة، إذا كان هناك دلائل قوة وسلامة، ثم لم
يسكن الوجع بنفث أو إسهال أو فصد وتكميد، فهو آيل إلى التقيح. وأما إن لم
تكن دلائل السلامة من ثبات القوة وثبات الشهوة وغير ذلك، فإن ذلك يُنذر
بأنه قاتل، وينذر بالغشي أولاً. على أن الشهوة تسقط في أكثر الأمر عند
الانفجار، وتحمر الوجنتان لما يتصاعد إليهما من البخار، وتسخن الأصابع لذلك
أيضاً. وإذا انفجر إلى فضاء الصدر أوهم الخفة أياماً، ثم يسوءه حاله، وإذا
انفجر رأيت النب على ما حكيناه قد ضعف، واستعرض، وأبطأ، وتفاوت لانحلال
القوة بالاستفراغ، وانطفاء الحرارة الغريزية.
ويعرض أيضاً كما ذكرناه نافض يتبعه حتى بسبب لذع الأخلاط، فإن كانت المادة
من المنفجر كثيرة، والقوة ضعيفة، أدت إلى الهلاك.
واعلم أنه إذا كانت القوة ضعيفة، واشتد التمدد والتواتر فإن ذلك كما علمت
ينذر بالغشي، وإن كان التواتر دون ذلك ودون ما يوجبه نفس ذات الجنب، فربما
أنذر بالسبات، أو التشنج، أو بطء النضج، وإنما يحدث السبات لقبول الدماغ
الأبخرة الرطبة التي هي لا محالة ليست بتلك الحادة، إلا لتواتر النبض جداً
قبولاً مع ضعفه عن دفعها في الأعصاب. ويحدث التشنج لقوة الدماغ على دفعها
في الأعصاب ويدل على بطء التقيح لغلظ المادة، ولأنها ليست تنتقل، وأن
الدماغ والأعصاب قوية لا تقبله.
وربما أنذرت بالتشنج، وذلك إذا كان النفس يشتد ضيقه اشتداداً، والحمى ليست
بقوية. وإذا رأيت العلة قد سكنت يسيراً، وخفت ولم يكن هناك نفث فربما انتقص
المادة ببول، أو براز، وظهر اختلاف مراري رقيق، أو ظهر بول غليظ. فإن لم ير
ذلك، فسيظهر خراج، فإن رأيت تمدداً في المراق والشراسيف، وحرارة، وثفلاً،
أنذر ذلك بخراج عند الأرنبتين، أو إلى الساقين. وميله إلى الساقين شديد
الدلالة على السلامة. وفي مثل هذا يأمر أبقراط بالاستسهال بالخربق. فإن
رأيت مع ذلك عسر نفس، وضيق صدر، وصداعاً، وثفلاً في الترقوة والثدي
والساعد، وحرارة إلى فوق، أنذر ذلك بميل المادة إلى ناحية الأذنين والرأس.
فإن كانت الحالة هذه ولم يظهر ورم، ولا خراج في هذه الناحية، فإن المادة
تميل إلى الدماغ نفسه وتقتل.
فصل في كلام جامع في النفث يبدأ في الثاني والثالث: أفضل النفث، وأسرعه،
وأسهله، وأكثره، وأنضجه الذي هو الأبيض الأملس المستوي الذي لا لزوجة فيه،
بل هو معتدل القوام. وما كان قريباً من هذا النضج يسكن أخلاطاً إن كانت
قبله، أو سهراً، أو عرضاً آخر رديئاً، ويليه المائل إلى الحمرة في أول
الأيام، والمائل إلى الصفرة، وبعد ذلك الزبدي. وسبب الزبدية هو أن يكون في
الخلط شيء رقيق قليل يخالطه هواء كثير، وتكون المخالطة شديدة جداً. على أن
الزبدي ليس بذلك الجيد، بل هو أميل إلى الرداءة.
وأردؤه في الأول الأحمر الصرف، أو الأصفر الصرف الناري. ومن الرديء جداً
الأبيض اللزج المستدير. وأردأ الجميع الأسود، وخصوصاً المنتن منه. والأصفر
خير من الأسود. ومن الغليظ المدحرج المستدير، وهذا المستدير خير من الأحمر،
وإن كان رديئاً، ودليلاً على غلظ المادة واستيلاء الحرارة، وينفر بطول من
المرض يؤول إلى سلّ وذبول. والأحمر خير من الأصفر، لأن الدم الطبيعي -وهو
الأحمر- والبلغم المعتدل ألين جانباً من الأصفر الأكال المحرق، والأخضر يدل
على جمود، أو على احتراق شديد، ولا يزيل حكم رداءة النفث في جوهره سهولة
خروجه والمنتن رديء، وانتفاث أمثال هذه الرديئة يكون للكثرة لا للنضج، وكل
نفث لا يسكن معه الأذى، فليس بجيد. ومن عادتهم أنهم يسمون الساذج الذي لا
يخالطه شيء غريب نضيج، أو شيء من الدم، أو شيء من الصفراء، أو السوداء
بزاقاً، ولا يسمونه نفثاً، ومثل هذا إذا دام ولم يختلط به شيء ولم يعرض له
حال يدل على أن الأخلاط هو داء ينضج، فإنه يدلّ على طول العلة، وإذا كان مع
عدم النضج رديئاً، دلّ على الهلاك.
وبالجملة، فإن النفث يدل بلونه، ويدل بقوامه من غلظه ورقته، ويدل بشكله من
استدارته وغير استدارته، ويدلّ بمقداره في كثرته وقلّته، والنفث المالح
يدلّ على نزلة أكّالة، ونفث الخلط الغليظ، بل القيح قد لا يكون بسبب قروح
الرئة، بل بسبب رطوبة صديديّة تتحلّب من أبدان من جاوز الثلاثين إلى
الخمسين، وترك الرياضة، فيجتمع في فضاء الصدر، وينتفث، ويقع به الاستسقاء
في مدة أربعين يوماً إلى ستين، ولا يكون به كبير بأس.
فصل في بحرانات ذات الجنب: وإذ أنفث في اليوم الأول شيئاً رقيقاً غير نضيج،
فيتوقع أن ينضج في الرابع، ويتحرّز في السابع. فإن لم ينضج في الرابع، أو
كان ابتداء النفث ليس من اليوم الأول، فبحرانه في الحادي عشر، أو الرابع
عشر. فإن لم ينفث إلى ما بعد الرابع، ثم نفث وفيه نضج ماء فالأمر متوسط.
وإن لم يكن فيه نضج، فالعلة تطول مع رجاء، وخصوصاً إذا كانت هناك علامات
جيدة من القوة والشهوة والنبض.
وأما إذا لم ينفث إلى السابع، أو نفث بلا نضج البتة، بل إنما هو خلط ساذج،
فإن وجدت القوة ضعيفة، علمت أنها لا تنضج إلا بعد زمان، فإنها تخور قبل ذلك
ولا تجاوز الرابع عشر. وربما هلك قبله لأن بحران مثل هذا إلى أربعين وستين.
والطبيعة الضعيفة لا تمتد سالمة إلى ذلك الوقت، وإن وجدت القوة قويّة،
ورأيت الشهوتين معتدلتين محمودتين، ورأيت النوم والنفس على ما ينبغي، ورأيت
البول نضيجاً جيداً، رجوت أن يجاوز الرابع عشر، ثم يموت في الأكثر بعدها.
وكلّ هذا إذا كانت المادة التي توجب العلة حادة. وبالجملة، فإن أطول بحران
الخفيف منه أربعة عشر يوماً، وربما امتد إلى عشرين يوماً، وربما امتد إلى
عشرين. وقد زعم جالينوس أنه ربما استسقى بالنفث إلى ثلاثين يوماً، وصادف به
بحران بحراناً تاماً، وقد قلنا أن النفث الساذج البزاقي يدل على طول العلة،
وقد يتفق أن يكون توقع البحران لوقت، بعرض دليل يجعله أقرب، أو دليل فيجعله
أبعد، مثلاً إذا كان النفث والأحوال تدل على أن البحران يكون في الرابع
عشر، فيظهر بعد السابع نفث أسود، وخصوصاً في يوم رديء كالثامن، فإنه يدلّ
على أن البحران الرديء يتقدم وإن ظهر يدلّ ذلك دليل جيد على نضج محمود، دل
على أن البحران الرديء يتأخر، والجيد يتقدم.
فصل في ذات الرئة: ذات الرئة ورم حار في الرئة، وقد يقع ابتداء، وقد يتبع
حدوث نوازل نزلت إلى الرئة، أو خوانيق انحلت إلى الرئة، أو ذات جنب استحال
ذات الرئة. وأمثال هذه يقتل إلى السابع، وإن قويت الطبيعة على نفث المادة،
فإنها في الأكثر توقع في السل. وذات الرئة تكون عن خلط، ولكن أكثر ما تكون
تكون عن البلغم لأن العضو سخيف، قلما يحتبس فيه الخلط الرقيق، كما أن أكثر
ذات الجنب مراري بعكس هذا المعنى، لأن العضو غشائي كثيف مستحصف، فلا ينفذ
فيه إلا اللطيف الحاد. على أنه قد يكون من الدم، وقد يكون من جنس الحمرة،
وهو قتال في الأكثر بحدّته، ومجاورته للقلب، وقلة انتفاعه بالمشروب،
والمضمود، فإن المشروب لا يصل إليه، وهو يحفظ من قوة تبريده ما يقابله،
والمضمود لا يؤدي إليه تبريداً يوازيه. وذات الرئة قد تزول بالتحلل، وقد
تؤول إلى التقيّج، وقد تصلب، وكثيراً ما تنتقل إلى خراجات، وقد تنتقل إلى
قرانيطس، وهو رديء. وربما انتقل إلى ذات الجنب، وهو في القليل النادر، وقد
يعقب خدراً مثل المذكور في ذات الجنب، وهو أكثر عقاباً له، وليس نفع الرعاف
في ذات الرئة كنفعه في ذات الجنب لاختلاف المادتين، ولأنّ الجذب من الرئة
أبعد منه في الحجاب، وأغشية الصدر وعضلاته.
العلامات: علامات ذات الرئة حمّى حادة لأنه ورم حار في الأحشاء، وضيق نفس
شديد، كالخانق ينصب المتنفس لأجل الورم، ويُضيّق المسالك، وحرارة نفس شديد،
وثقل لكثرة مادة في عضو غير حساس الجوهر، حساس الغشاء الذي لُف فيه، وتمدد
في الصدر كله بسبب ذلك، ووجع يمتد من الصدر، ومن العمق إلى ناحية القصر،
والصلب. وقد يحس به بين الكتفين، وقد يحس بضربان تحت الكتف والترقوة
والثدي، إما متصلاً، وإما عندما يسعل، ولا تحتمل أن يضطجع إلا على القفا،
وأما على الجنب، فيختنق. وصاحب ذات الرئة يحمرّ لسانه أولاً، ثم يسودّ،
ويكون لسانه بحيث تلصق به اليد إذا لمسته بها مع غلظ، وربما شاركه في
التمدد وامتلاء الوجه كله، ويظهر في الوجنتين حمرة وانتفاخ لما يتصعد
إليهما من البخار مع لحميتهما، وتخلخلهما ليسا كالجبهة في جلديتها. وربما
اشتدت الحمرة حتى المصبوغ، وربما أحس بصعود البخار كأنه نار تعلوه، وتظهر
نفخة شديدة ونفس عالٍ سريع لعظم الحمى وآفتها. وتهيج العينان، وتثقل
حركتهما، وتمتلئ عروقهما، وتثقل الأجفان، والسبب فيه أيضاً البخار، ويظهر
في القرنية شبه تورّم، وفي الحدقة شبه جحوظ مع دسومة وسمن، وتغلظ الرقبة.
وربما حدث سبات لكثرة البخار الرطب، وربما كان معه برد أطراف.
وأما النبض فيكون موجيّاً ليناً، لأنّ الورم في عضو لين، والمادة رطبة،
والموج مختلف لا محالة في انبساط واحد. وربما انقطع، وربما صار ذا فرعتين،
وذلك في انبساط واحد. وربما كان ذلك بحسب انبساطات كثيرة، وقد يقع في
الانبساطات الكثيرة، وقد يقع فيه الواقع في الوسط. ونبضه في الأكثر عظيم
لشدة الحاجة ولين الآلة، إلا أن تضعف القوة جداً. وأما التواتر، فيشتد ويقل
بحسب الحمى والحاجة، وبحسب كفاية القوة وذلك بالعظم أو عجزها هنه.
وقد ذكر أبقراط أنه إذا حدث بهم خراجات عند الثديين وما يليهما وانفتحت
نواصير تخلصوا. وذلك معلوم السبب، وكذلك إذا حدثت خراجات في الساق كانت
علامة محمودة. وإذا انتقل في النادر إلى ذات الجنب خف ضيق النفس، وحدث وخز.
ونفثهم، قد يكون أيضاً على ألوان مثل نفث ذات الجنب، وأكثره بلغمي. وأما
ذات الرئة الذي يكون من جنس الحمرة، فيكون فيه ضيق النفس. والثقل المحسوس
في الصدر أقل، لكن الاتهاب يكون في غاية الشدة.
وعلامات انتقاله إلى التقيّح قريبة من علامات ذات الجنب في مثله، وهو أن
تكون الحمى لا تنقص، ولا الوجع، ولا يرى نقص يعتدّ به بنفث، أو بول غليظ في
رسوب، أو براز، فإنه إن رأيت المريض مع هذه العلامات سالماً قوياً، فهو
يؤول إلى التقيح، أو إلى الخراج، إما إلى فوق، وإما إلى أسفل بحسب العلامات
المذكورة في ذات الجنب.
وإن لم يكن هناك قوة سلامة، فتوقع الهلاك. وإذا صار بصاقه حلواً، فقد تقيح،
فإن تنقى في أربعين يوماً وإلا طال، وإذا طال الزمان بذات الرئة أورث تهيج
الرجلين لضعف الغاذية، وخصوصاً في الأطرف وإذا مالت المادة إلى المثانة
رجيت السلامة.
فصل في الورم الصلب في الرئة: قد يعرض في الرئة ورم صلب، ويدلّ عليه ضيق
النفس، مع أنه يزداد على الأيام، ويكون مع ثقل وقلة نفث وشدة يبوسة من
السعال وتواتره، وربما خص في الأحيان مع قلة الحرارة في الصدر.
فصل في الورم الرخو في الرئة: قد يعرض في الرئة الورم الرخو، ويدل عليه ضيق
نفس مع بصاق، كثير، ورطوبة في الصدر من غير حرارة كثيرة، ولا حمرة في
الوجه، بل رصاصية.
فصل في البثور في الرئة: وقد يعرض في الرئة بثور، وعلامته أن يحسّ ثقل،
وضيق نفس مع سرعة، وتواتر في الصدر، والتهاب من غير حمى عامة. فصل في
اجتماع الماء في الرئة: قد تجتمع في الرئة مائية، ويدل على ذلك مليلة، وحمى
لينة، وورم في الأطراف، وسوء التنفس، ونفث رقيق مائي، وحال كحال المستسقي.
فصل في الورم أو الجراحة العارضة لقصبة الرئة: علامات ذلك حمى ضعيفة،
وضربان في وسط الظهر، فإن القصبة ليست كالرئة في أن لا تحسّ، ولكنه وجع
خفيف، ويعرض مع ذلك حكة الجسد، وبحّة الصوت، فإن تقرحت كانت نكهة سمكية
ونفث نزر.
فصل في القيح وجمع المدة: القيح في كلام الأطباء يأتي على معنيين: أحدهما:
ماء يستعمل في كل موضع، وهو جمع الورم للمدة.
والثاني: ما يستعمل خاصةً في أمراض الصدر، ويراد به امتلاء الفضاء الذي بين
الصدر والرئة من قيح انفجر إليه، إما في الجانبين معاً، وإما في جانب واحد.
وأسباب هذا الامتلاء: إما نزلة تصبّ المادة دفعة، أو قروح في الرئة تسيل
منها مدة صديدية فينتفح بعد عشرين يوماً في الأكثر، ثم ينفث، وإما انفجار
ورم في نواحي الصدر، وهو الأكثر، ويكون ذلك، إما مدة نضيجة، وإما شيئاً
كالدردي. وأحوال ذلك أربعة، فإنه: إما يحيق بالكثرة ليقتل، ويظهر ذلك بأن
يأخذ نفسه يضيق، ولا ينفث، وإما أن تعفن الرئة، فيوقع في السل، وإما أن
يستنقي بالنفث المتدارك السهل، وإما أن يستنقي باندفاع من طريق العرق
العظيم، والشريان العظيم إلى المثانة بولاً غليظاً، ويكون سلوكه أولاً من
الوريد إلى الكبد، ثم إلى الكلية، وقد يرد إلى الأمعاء برازاً، وهما
محمودان، وقد سلف منا كلام في ذكر مدة الانفجار. ويعرف ذلك بحسب قوّة
العلامات، وبحسب السن، والفصل، والمزاج. والمشايخ يهلكون في التقيح أكثر من
الشباب لضعف ناحية قلوبهم، والشباب يهلكون في الأوجاع أكثر من المشايخ لشدة
حسهم.
وقد ذكرنا علامات التقيّح في باب علامات انفعالات ذات الجنب، وكذلك علامات
الانفجار. وأما علامات امتلاء فضاء الصدر من القيح، فثقل، وسعال يابس مع
بهر، ووجع.
وربما كان في كثير منهم سعال رطب يحيل حفة من النفث، ويكون نفسهم متتابعاً،
ولذلك يكون كلامهم سريعاً، وتتحرك وترات أنوفهم إلى الانضمام عند التنفس،
وتلزمهم حمّى دقية إلى الإستسقاء.
وأما علامة الجهة التي فيها المدة، فتعرف بأن يضطجع العليل مرّة على جنب
ومرة على آخر، والجانب الذي يتعلق عليه ثقل ضاغط هو الجانب المقابل لموضع
المدة، ويعرف من صوت المدة، ورجرجتها وخضِخضتها.
ومن الناس من يضع على الصدر وجوانبه خرقة كتان مغموسة في طير أحمر مداف في
الماء، ويتفقد الموضع الذي يجفّ أولاً، فهو موضع القيح. وأما علامات
الانفجار السليم، فأن يكون الانفجار يعقبه سكون الحمى، ونهوض الشهوة،
وسهولة النفث، والتنفس، أو تحدث معه خراجات في الجنب، أو نواحيها تصير
نواصير، وكذلك الذي يكون منهم أو يبط، فتخرج منه مدة نقية بيضاء. وأما
علامات الرديء، فأن تظهر علامات الاختناق والغشي، أو النفث الرديء، أو
السل. وإذا كوي أو بط خرجت منه مدة حميّة منتنة.
وأما العلامات المفرّقة بين المدة وبين البلغم في النفث، فهي رسوب مدة
النفث في الماء، وإنتانها على النار، والبلغم طاف في الماء غير منتن على
النار، على أن المدة قد تنفث في غير السل على ما بيناه في موضع متقدّم.
وقد ينفث المتقيح شيئاً كثيراً جداً، وقد رأيت من نفث في ساعة واحدة قريباً
من منوين بالصغير، أو مناً وأكثر من نصف، وجالينوس شهد بأنه ربما قذف
المتقيح كل يوم قريباً من خمسين أوقية، وهو قريب من تسع قوطولات.
وقد عرفت الفرق بين المدة وبين الرطوبات الأخرى، فإن المدة تتميز بالنتن
عند النفث، وعند الإلقاء على النار، وترسب ولا تطفو.
وأما علامات انتقال التقيح إلى السل، فكمودة اللون وامتداد الجبين والعنق،
وتسخّن الأصابع كلها سخونة لا تفارق حتى فيمن عادة أطرافه أن تبرد في
الحميات، وحمى تزيد ليلاً بسبب الغذاء، وتعقف من الأظفار لذوبان اللحم
تحتها، وتدسّم من العينين مع ضرب من البياض والصفرة، وعلامات أخرى سنذكرها
في باب السلّ.
فصل في قروح الرئة والصدر ومنها السل: هذه
القروح، إما أن تكون في الصدر، وإما أن تكون في الحجاب، وإما أن تكون في
الرئة، وهذا القسم الأخير هو السل، وإما أن تكون في القصبة، وقد ذكرناها.
وأسلم هذه القروح قروح الصدر، وذلك لأن عروق الصدر أصغر، وأجزاؤه أصلب، فلا
يعظم فيها الشر، ولأن الصديد لا يبقى فيها، بل يسيل إلى فضاء الصدر، وليس
كذلك حال الرئة، ولأن حركته غير قوية محسوسة كحركة الرئة، بل يكاد أن يكون
ساكناً لأنه لحمي، واللحمي أقبل للالتحام.
وكثيراً ما يعرض لقروح الصدر الكائنة عن خراجات متعفنة أن تفسد العظام حتى
يحتاج إلى قطع العفن فيها ليسلم ما يجاوره، وربما تعدى العفن إلى الأجزاء
العصبية، فلا يلتحم وإما أن يقع في الأجزاء اللحمية، فيلتحم أن تدورك في
الابتداء، ولم يترك أن يرم. وأما إذا تورمت، أو أزمنت، فلا تبرأ. وأما قروح
الرئة، فقد اختلفت الأطباء في أنها تبرأ أو لا تبرأ، فقال قوم: إنها لا
تبرأ البتّة لأن الالتحام يفتقر إلى السكون، ولا سكون هناك. وجالينوس
يخالفهم، ويزعم أن الحركة وحدها تمنع الالتحام إن لم تنصف إليها سائر
الموانع، والدليل على ذلك أن الحجاب أيضاً متحرّك، ومع ذلك فقد تبرأ قروحه.
وأما جالينوس نفسه فإن قوله في قروح الرئة هو أنها إن عرضت عن انحلال الفرد
ليس عن ورم، أو عن تأكّل من خلط أكّال، بل لعله أخرى، فما دام جرحه لم
يتقيّح بعد، ولا تورم، فإنه قابل للبرء، وكذلك ما كان من القروح الذي يحدث
فيها نفث ولم تتقيّح، وما كان عن ورم، أو تأكّل لم يقبل البرء، لأن القرحة
المنضجة المتقيّحة حينئذ لا يمكن أن تبرأ، إلا بتنقية المدة، وذلك بالسعال.
والسعال يزيد في توسّع القرحة وخرقها، والدغدغة الكائنة منها تزيد في
الوجع، والوجع يزيد في جذب المواد إلى الناحية، والأدوية المجففة مانعة
النفث، والمنقّية مرطبة ملينة للقرحة، والكائنة عن خلط أكّل لا تبرأ دون
إصلاحه، وذلك لا يتأتى إلا في مدة يجب في مثلها، إما تخرق القرحة، ومصيرها
ناصوراً لا تلتحم البتة، وإما سعتها حتى يتأكّل جزء من الرئة، والكائنة بعد
ورم، فقد يجتمع فيها هذه المعاني ومن المعاون على صعوبة الالتحام الحركة،
وأيضاً كون العروق التي في الرئة كباراً واسعة صلاباً، فإن ذلك مما يعسر
التحام الفتق، وأيضاً فإن بعد المسافة بين مدخل الدواء المشروب، وبين
الرئة، ووجوب ضعف قوته إلى أن يصل إلى القرحة من المعاون على ذلك، وما كان
من الأدوية بارداً، فهو بليد غير نافذ.
وما كان حاراً، فهو زائد في الحمّى التي تلزم قروح الرئة، والمجفف ضار
بالدقّ الذي يلزمه، والمرطب مانع من الالتحام، فإن علاج القروح كلها هو
التجفيف، وخصوصاً مثل هذه القرحة التي تصير إليها الرطوبات من فوق ومن
أسفل.
وقد يقبل هذا التأكّل العلاج إذا كان في الابتداء، وكان على الغشاء المغشى
على القصبة من داخل، وليس في الجوهر اللحمي من الرئة قبولاً سريعاً. وأما
الغضاريف نفسها، فلا تقبل.
وأقبل الأسنان لعلاج السل هم الصبيان، وأسلم قروح الرئة ما كان من جنس
الخشكريشة إذا لم يكن هناك سبب في المزاج، أو في نفس الخلط يجعل القرحة
اليابسة قوبائية. وقد يعرض للمسلول أن يمتد به السل ممهلاً إياه برهة من
الزمان، وكذلك ربما امتد من الشباب إلى الكهولة، وقد رأيت امرأة عاشت في
السل قريباً من ثلاث وعشرين سنة، أو أكثر قليلاً.
وأصحاب قروح الرئة يتضرّرون جداً بالخريف، وإذا كان أمر السل مشكلاً كشفه
في صاحبه دخول الخريف عليه، وقد يطلق اسم السلّ على علة أخرى لا يكون معها
حمّى، ولكن تكون الرئة قابلة لأخلاط غليظة لزجة من نوازل تنصبّ دائماً
ويضيق مجاريها، فيقعون في نفس ضيق، وسعال ملحّ يؤدي ذلك إلى إنهاك قواهم،
وإذابة أبدانهم، وهم بالحقيقة جارون مجرى أصحاب الربو، فإن كانت حرارة
قليلة وجب أن يخلط علاجهم من علاج أصحاب الربو.
أسباب قروح الرئة: وأما أسباب قروح الرئة، فأما نزلة لذاعة أكّالة، أو
معفنة لمجاورتها التي لا تسلم معها الرئة إلى أن تنضج، أو مادة من هذا
الجنس تسيل إلى الرئة من عضو آخر، أو تقدّم من ذات الرئة قد قاحت وتقرّحت،
أو تقيّح من ذات جنب انفجر، أو سبب من أسباب نفث الدم المذكور فتح عرقاً،
أو قطعه، أو صدعه كان سبباً من داخل مثل غليان دم، أو غير ذلك مما قيل، أو
من خارج مثل سقطة أو ضربة، وقد يكون من أسبابها عفونة، وأكال يقع في جرم
الرئة من نفسها، كما يعرض للأعضاء الأخرى، وقد يكثر السل إذا أعقب الصيف
الشمالي اليابس خريف جنوبي ممطر.
فصل في المستعدين للسل في الهيئة والسحنة والسن والبلد والمزاج: هؤلاء هم
المجنحون الضيقو الصدور، العاريو الأكتاف من اللحم، وخصوصاً من خلف،
المائلو الأكتاف إلى قدّام بارز، أو كان للواحد منهم جناحين، وكان كتفيه
منقطعان عن العضد وقدام وخلف، والطويلو الأعناق، المائلوها إلى قدّام قد
برزت حلوقهم ووثبت، وهؤلاء يكثر الرياح في صدورهم وما يليها، والنفخ فيها
لصغر صدورهم، وإن كان بهم مع ذلك ضعف الأدمغة يقبل الفضول، ولا تنضج
الأغذية، فقد تمت الشرائط، وخصوصاً إن كانت أخلاطهم حارة مرارية، والسحنات
القابلة للسل بسرعة مع التجنح المذكور هي الزعر البيض إلى الشقرة، وأيضاً
الأبدان الصلبة المتكاثفة لما يعرض لهم من انحراف العروق والمزاج القابل
لذلك من كان أبرد مزاجاً. والسنّ الذي يكثر فيه السل ما بين ثمان عشرة سنة
إلى حدود ثلاثين سنة، وهي في البلاد الباردة أكثر لما يعرض فيها من انفتاق
العروق، ونفث الدم أكثر والفصل الذي يكثر فيه ذلك الخريف.
ما يجب أن يتوقّاه هؤلاء: يجب على هؤلاء أن يتوفوا جميع الأغذية والأدوية
الحريفة والحادة، وجميع ما يمدِّد أعضاء الصدر من صياح وضجر ووثبة.
علامات السل: هي أن يظهر نفث مدّة بعلامة المدة على ما شرحناه من صورتها في
اللون، والرائحة، وغير ذلك، وحمّى دقّية لازمة لمجاورة القلب موضع العلة
تشتد مع الغذاء، وعند الليل على الجهة التي يشتد معها حمّى الدق لترطيب
البدن من الغذاء على ما نذكره في موضعه. على أنه ربما تركّب مع الدق فيها
حمّيات أخرى نائبة، أو ربع، أو خُمس. وشرّها الخمس ثم شطر الغب، ثم
النائبة، وإذا حدث السل ظهرت أيضاً الدلائل التي عمدناها في آخر باب
التقيح، وفاض العرق منهم كل وقت، لأن قوتهم تضعف عن إمساك الغذاء وتدبيره.
والحرارة تحلّل، وتسيل، فإن انتفث خشكريشة لم يبق شبهة، ولا سيما إذا كانت
الأسباب المتأذية إلى السل المذكور قد سلفت، وإذا أخذ البدن في الذبول
والأطراف في الانحناء، والشعر في الانتثار لعدم الغذاء، وفساد الفضول، فقد
صح. وقد يكمّد اللون في الابتداء من السل، لكنه يحمرّ عند تصعد البخارات،
ويتمدد العنق والجبين، وخصوصاً إذا استقرّ، وتنتفخ أطرافهم، وخصوصاً أرجلهم
في آخر الأيام، وتتربل لفساد الأخلاط، وموت الغريزة في الأقاصي من البدن
لرداءة المزاج، والذين سبب سلّهم خلط أكال، فيقذفون بزاقاً في طعم ماء
البحر مالحاً جداً، وقد يكون النبض منهم ثابتاً معتدل السرعة صغيراً، وقد
يعرض له ميلان إلى الجانبين، ثم بعد ذلك يحصل في البطن قراقر، وتنحني
الشراسيف إلى فوق، ويشتدّ العطش، وتبطل الشهوة للعظام لضعف القوى الطبيعية.
وربما اختلف بطنه لسقوط القوة، وربما نفث خلطاً، وأجرام العروق، وذلك عند
قرب الموت. والمنفوث من العروق، إن كان كباراً، فهو من الرئة، وإن كان
صغاراً، فهو من القصبة، وكثيراً ما ينفثون جصاً، ولن يقذفوا حلقاً من
القصبة إلا بعد قرحة عظيمة، وفي آخره يغلظ النفث والبصاق، ثم ينقطع لضعف
القوة، فربما ماتوا اختناقاً، وربما لم يتأخر مثل هذا النفث، بل وقع في
الابتداء إذا كان السل من الجنس الرديء الكائن من مواد غليظة لا ينهضم.
وإذا انقطع النفث في آخر السل، فربما لم يزيدوا على أربعة أيام، وربما كان
انقطاع النفث بسبب ضعف القوّة، وحينئذ ربما ضاق النفس بهم إلى أن يصير كغير
المحسوس. وكثيراً ما يشتدّ بهم السعال، ويؤدي إلى نفث الدم المتتابع، فإن
عولج سعالهم بالموانع للنفث هلكوا مع خفة يصيبونها، وإن تركوا يسعلون ماتوا
نزفاً الموت السريع. ومن كان به سلّ فظهر على كفيه حب كأنه الباقلى بعد
اثنين وخمسين يوماً.
المقالة الخامسة
أصول عملية
فصل في المعالجات لأورام نواحي الصدر والرئة: من الأمور المشتركة الفصد،
أما في الابتداء، فمن الجانب المخالف أعجله من الصافن المحاذي في الطول،
وبعده من الباسليق المحاذي في العرض، وبعده الأكحل المحاذي في العرض. فإن
لم يظهر، فلا يجب أن تترك فصد القيفال، وإن كان نفعه أقلّ، وأبطأ، ثم بعد
أيام، فمن الجانب الموافق في العرض، وقد يحجم على الصدر، وبالشرط أيضاً حتى
يجذب المادة إلى خارج ويقللها خصوصاً إذا كان سبق فصد.
قال جالينوس: وإن كانت الحمّى شديدة جداً، فاحذر المسهّل، واقتصر على
الفصد، فإنه لا خطر فيه، أو خطره أقل، وفي الإسهال خطر عظيم، فإنه ربما
حرك، وربما لم يسهّل، وربما أفرط ويجب أن لا يقربهم المخدرات ما أمكن،
فإنها تمنع النضج والنفث.
وأما الأغذية فماء الشعير، وماء الحنطة، وماء طبيخ الخبازي، والبقلة
اليمانية، والملوخية، والقرع، وماء الباقلى، والقشمش، إذا لم يكن حرارة
مفرطة، والزبيب في الأواخر خاصة وما يجري مجرى الأدوية، فجميع ما ينقي
ويزيل الخشونة، ويليّن في الحرجة الأولى مثل ماء العناب، والبنفسج،
والخشخاش، وأصل السوس، ولباب الخيار، والقثاء، وغيره، وبزر الهندبا،
والسبستان، وربما جعل معها لباب حبّ السفرجل، والصمغ، والكثيراء، وبزر
الخشخاش. وهذا كله قبل الانفجار.
وأفضل الجاليات المنقية ماء العسل، إن لم يكن ورم في سائر الأحشاء، فإن كان
ورم، واستعمل وجب حينئذ أن يصير كالماء بكثرة المزاج. والجلاب، وماء السكر
أوفق منه، وبعده ماء الشعير، وبعده الشراب الحلو، وهو أفضل شراب لأصحاب هذه
العلل، وخصوصاً الأبيض منه، فهو أعون على النفث، لكنه لا ينبغي أن يشرب في
ذات الجنب، وفي ذات الرئة إلا بعد النضج على أن فيما ذكر عطشاً وإسخاناً قد
يتداركان، ولا يجب أن يسقى ذلك من كبده، وطحاله عليل. وبعد الشراب الحلو
الخمر المائي، وهو يقوّي المعدة أكثر من الماء، وفيه تقطيع وتلطيف، وأما
سقي السكنجبين المتخذ من العسل، أو من السكّر، وقليل خلّ، وإذا مزج بالماء،
فهو يجمع معاني من التطفية والتنقية. فإن حمض جداً، فإنه إما أن ينفث جداً،
وإما أن يبرد، ويلزج جداً، فيصير فيه وبال حتى إن ما يقطعه ربما احتاج إلى
قوة قوية حتى ينفث، فإن كان لا بد من الحامض، فيجب أن يسقى مفتّراً، أو
ممزوجاً بماء حار قليلاً قليلاً.
وأما المعتدل الحموضة، فإنه يؤمن هذه الغائلة ويكون مانعاً لضرر الحلاوة من
التعطيش، وإثارة المرة، وتوليدها. وماء العسل أبلغ في الترطيب، وماء الشعير
في التقوية. وربما احتيج في تعديل الطبيعة إلى أن يعطى الحماض مع دهن
اللوز.
وأما ما يسقونه من الماء، أما في الشتاء، فالماء الحار، وماء السكر، وماء
العسل الرقيق. وأما في الصيف فالماء المعتدل، ويكره لهم الماء البارد، فإن
اشتدّ العطش سقوا قليلاً، أو ممزوجاً بجلاب، وسكنجبين مبردين، فإن
السكنجبين ينفذ به بسرعة، ويدفع مضرته، ويسقون عند الانحطاط ماء بميبختج.
وأما ما احتاج إليه عند الجمع والإنضاج، والتفجير، وبعده، فنحن نفرد له
باباً.
فصل في معالجات ذات الجنب: يجب أن تمنع المادة المتجهة إلى الورم، وتمال
عنه بالاستفراغ، وما يجلب إلى الخلاف، ويقرأ ما وصفناه في الباب الذي قبل
هذا، وربما نعاود ذكره، فنقول أن علاجه الفصد إن كان الدم غالباً على الجهة
المذكورة في الباب الذي قبله، ويخرج حتى يتغير لونه، فإنه يدل على أن
المرخي من الدم قد استفرغ. واعلم أن أشدّ دم البدن سواداً ما كان قريباً من
مثل هذا الورم. على أن مراعاة القوة في ذلك واجبة، فربما لم ترخص القوة في
إخراج الدم إلى هذا الحد.
وإن كان خلط آخر استفرغ لا بمثل الهليلج وما فيه قبض، بل بما فيه مع
الإسهال تليين مثل الأشياء المتخذة بالبنفسج، والترنجبين، والشيرخشك، وسكّر
الحجاز، ويسهلون ليلاً. وقد قال قوم من أهل المعرفة: إن الأصوب ما أمكن أن
يستفرغوا بالفصد خوفاً من الاضطراب الذي ربما أوقعه المسهل، وقد ذكرناه.
وخصوصاً إذا كان النفث مرارياً جداً، وخصوصاً على ما قال جالينوس: إذا كانت
الحمى شديدة جداً، وجالينوس يحذر من السقمونيا، ولا يحذر من الأيارج،
والخربق معاً، ويمدح فعل ماء الشعير بعد استعمال المسهل، والفراغ منه. وأما
معه، فيقطع فعله، على أنه يجب أن يراعي جهة ميل الوجع، والألم، فإن كان
الميل صاعداً إلى الترقوة والقس وما فوقهما، فالفصد أولى.
وإن كان الألم يميل إلى جهة الشراسيف، فلا بد من إسهال وحده، أو مع الفصد
بحسب ما توجبه المشاهدة، وذلك لأن الفصد وحده من الباسليق لا يجذب من هذا
الموضع شيئاً يعتد به. ومما يدلك على شقة الحاجة إلى الاستفراغ أن يجد
التضميد والتكميد لا يسكنان الوجع أو يجدهما يزيدانه، فيدل ذلك على
الامتلاء في البدن كله. ولا بدّ من الاستفراغ، وخصوصاً الفصد، وإذا فصدت
واستفرغت ولم تسكّن الأعراض، فاعلم إنما نطلبه من منع الجمع، فلا تعاود
الفصد لئلا تتبلد المادة التي هي داء مجتمع، وذلك مما لا ينضج مع نقصان
القوة، وفقدان إنضاج الدموية بالمادة. فإذا نضجت، فيجب أن يمتنع مصير مدة،
ويجتهد بأن ينقى قبله بالنفث، وبالجملة إذا لم يفصد ونضج ونفث نفثاً نضيجاً
ونفثاً صالحاً، ثم رأيت ضعفاً في القوة، فلا تفصد البتّة.
وإن حال ضعف القوّة دون الفصد والإسهال، فلا بد من استعمال الحقن المتوسطة،
أو الحادة بحسب ما توجبه المشاهدة، وخصوصاً إذا كان الوجع ماثلاً إلى
الشراسيف. وبقراط يشير في علاج ذات الجنب الذي لا يحس فيه الوجع إلا شديد
الميل إلى الشراسيف أن يستفرغ، أما بالخربق الأسود، أو بالفليون، وفي نسخة
أخرى البقلة البرية، وهي شيء يشبه البقلة الحمقاء، ولها لبن من جنس
اليتّوعات، فإذا استفرغت ووجدت الألم أخفّ، اقتصرت على ماء السكر، وماء
الشعير المطبوخ شعيره المقشّر في ماء كثير طبخاً شديداً. وماء الخندروس إن
احتيج إلى تقوية، والبطيخ الهندي، وماء العناب وماء السبستان، والبنفسج
المربى، وبزر الخشخاش، والدهن الذي يستعمل مع شيء من هذا ثمن اللوز. وقد
نهى قوم عن الرمان لتبريده، وما عندي في الحلو منه بأس، وقد يطبخ من هذه
الأدوية مطبوخ يستعمل للتنفس، وهذه هي الشعير المقشر، والعناب، والسبستان،
والبنفسج المربى، وبزر الخشخاش، وشراب البنفسج، وشراب النيلرفر، وهما أفضل
من الجلاب.
وكان جالينوس يأمر في الابتداء بأصناف الدياقود لتمنع المادة، وتنضج
وتنومه. وأقول أنه يحتاج إليه إذا لم يكن بد لشدة السهر، وإن لم يكن ذلك،
فربما بلد الخشخاش المادة، ومنع النفث، اللهم إلا أن يكون السكر المجعول
معه يدفع ضرره، ويشبه أن يكون البزري أوفق من القشري، حينئذ، ويجب أن
يستفرغ ما يحتبس بالنفث، ويقدر الغذاء، ولا يكثر، بل يلطف بحسب ما يوجبه
كثرة حدة العلة، وقلتها، وأعراضها.
فإنها إن كانت هادئة سهلة، خفيفة، غذوت بماء الشعير المقشر المطبوخ جيداً،
فإنه منفث، مقطع، مقوّ. وإن أردت أن تحلّيه حليت بسكر، أو بعسل، فإن كانت
مضطربة، اقتصرت على ماء الشعير حتى تستبرئ الحال، وخصوصاً بحسب النفث، فإنه
إذا كثر أمنت كثرة المادة، وعرفت الحاجة إلى القوة، فغفوت بماء الشعير
المقشّر، وقويت، وإن احتبس لطفت التدبير، واقتصرت على ماء الشعير، وعلى
الأشربة ما أمكن. وإذا حدث في ذات الجنب إسهال، وكان ذات الجنب عقيب ذبحة
إنحلت إلى الجنب، منع ذلك كل علاج من فصد، وتليين طبيعة وكان تدبيره
الاقتصار على سويق الشعير. وإن دعت إلى الفصد ضرورة في أصناف ذات الجنب،
ولم يكن نضج، فالصواب أن تقتصر على قدر ثلثي وزنه، وتستعد للتثنية بملح،
وزيت على الجراحة، وكثيراً ما يغني استطلاق البطن كل يوم مجلساً، أو مجلسين
عن الفصد، ومن أعقبه افصد غثياً أو شدة عسر، وضيق التنفس، فذلك يمل على أن
افصد لم يستفرغ مادة الورم. والأولى أن لا يليّن الطبيعة في علاج أوجاع
الصدر في الابتداء إلا بما يخص من حقن، وشيافات، ومن الخطر العظيم سقي
المبردات الشديدة، إلا في الكائن من الصفراء، وسقي المبرّدات القابضة، أو
إطعامها مثل العدس بالحموضات ونحوها، واعلم أن سقي الماء البارد غير موافق
لهذه العلة، وجميع الأورام الباطنة، فأقلل ما أمكنك، فإن عصي العطش، فامزجه
بالسكنجبين لتنكسر سورة الماء، وليقل بقاؤه، وثباته، بل يبذرق، وينفذ في
البدن، ولينتفع بتقطيع السكنجبين وتلطيفه. واعلم أن ذات الجنب إذا كثر فيه
الالتهاب واستدعى التبريد، فلا تبرد إلا بما فيه جلاء ما وترطيب، مثل ماء
الخيار، وماء البطيخ الهندي.
وأما ماء القرع، فإنه -وإن نفع من جهة- فربما ضر، وأضعف بالإدرار. وأما ما
يجتنب، فمثل ماء البقلة الحمقاء، وماء الهندبا، وكل ما فيه تبريد، وتكثيف.
ويجب أن يكون معظم غرضك التنفيث بسهولة. ومما يكثر النفث هو النوم على
الجنب العليل، وربما احتيج إلى هز يسير، وإلى سقيه الماء الذي إلى الحرارة
جرعاً متتابعة، فإنه نافع له جداً. وربما أحوج احتباس النفث المضيق للنفس
إلى لعق ملعقة من زنجار وعسل. وربما أحوج شدة الوجع إلى سقي باقلاة من
حلتيت بعسل، وخل، وماء، وذلك عند شدة الوجع المبرح، وإذا بلغ عصيان النفس
الغطيط والحشرجة، أخفت من النطرون المشوي ما يحمله ثلاثة أصابع، ومن
الزنجار قدره باقلاة، وقليل زيت، وماء فاتر وعسل قليل.
فإن لم ينجع، زدت عليه فقاح الكرم مع فلفل والخل كله مفتراً، أو زوفا،
وخردل وحرف بماء، وعسل مفتراً، وهو أقوى من الأول، ثم يحسى إذا نفث صفرة
البيض، ليذهب بغائلة ذلك. فإن احتيج في أصحاب ذات الجنب إلى غذاء أقوى،
فالسمك الرضراضي، وذلك عند انكسار الحمى، وكذلك الخبز بالسكر، والزبد،
-فإنه يعين على النضج والنفث- والسمك مسلوقاً بالكراث، والشبث، والملح.
واجتهد أن يجفف نواحي البطن لئلا تزاحم نواحي الصدر ، وذلك بتليين الطبيعة،
وإخراج ثفل إن كان احتبس بحقنة لينة، مثل ماء الكشك بقليل ماء السلق. ويجب
أن يمنع النفخ.
واعلم أن بخاري الثفل والنفخة ضاران جداً في هذه العلة. ومن المهم الشديد
الاهتمام أن تبادر بتنضيج العلة من قبل صيرورته مدة، فإن صار مدة، فيجب أن
تبادر إلى تنقيتها قبل أن تأكل.
واعلم أنه لا بد من ترطيب تحاوله ليسهل النفث ويسرع، فإذا بدأ النفث في
الصعود، وجاوز الرابع، قوي هذا المطبوخ بأصل السوس، والبرشاوشان. وإذا كانت
المادة غليظه، والقوة قوية، ولم يكن في العصب آفة، لم يكن بأس بسقي
السكنجبين الممزوج ليقطع. وإن لينت الطبيعة بمثل الخيار شنبر مع السكر، أو
الترنجبين، أو لشيرخشك كان صواباً، وقد يستعان أيضاً بضمادات، ومروخات.
وأول ما يجب أن يستعمل فيها قيروطي متخذ من دهن البنفسج، والشمع المصفّى،
ثم يتدرج إلى الشحوم، والألعبة، وغبار الرحا، ثم يتدرج إلى ما هو أقوى، مثل
ضماد البابونج، وأصل الخطمي، وأصل السوسن، والبنفسج، وطبيخ الخبازي
البستاني. وإن احتيج إلى ما هو أقوى، استعمل الضماد المتخذ من الكرنب
المسلوق، ومن الرارنانج المسلوق، وأيضاً ضماد متخذ من الأفسنتين، وأصل
السوسن، وشيء من عسل مع دهن النادرين. واعلم أنه إن كانت المادة كثيرة،
فالأضمدة والأطلية ضارة، وإن كانت قليلة لم تضر، وكذلك إن كان الورم تحلل
وبقيت بقية. وإذا وقع استفراغ عن الفصد نافع جاز أيضاً الطلاء. صفة ضماد
جيد ونسخته: ورق البنفسج، والخطمي، من كل واحد جزء، وأصل السوس جزءان، دقيق
الباقلاء، ودقيق الشعير من كل واحد جزء ونصف، بابونج وكثيراء جزء جزء. فإن
كانت المادة غليظة، واحتيج إلى زيادة تحليل زيد فيه بزر كتان، وجعل عجنه
بالميبختج مع شمع ودهن بنفسج. وإن كانت الحرارة أقل أيضاً، جعل بدل دهن
البنفسج، دهن السوسن، أو دهن النرجس. فإن كانت الحرارة قوية، ألقي بدل
الزيادات الحارة التي ألحقناها بالنسخة، ورقِ النيلوفر، وورد وقرع. نسخة
مروخ جيد: شمع شحم البط، والدجاج، وسمن الغنم، زوفا رطب، يتخذ منه مروخ،
فإنه جيد جداً. ومن الأضمدة التي تجمع الأنضاج لتسكين الوجع، ضماد يتخذ من
دقيق الشعير، وإكليل الملك،. وقشر الخشخاش، وقد يستعان فيها بكمادات رطبة،
ويابسة. والرطبة أوفق لما يضرب إلى الحمرة. واليابسة لما يضرب إلى
الفلغمونية. لكن الرطب إذا لم ينفع لم يضرّ. واليابس إن ضر ضرّ عظيماً.
وأولاها بالتقديم الإسفنج المبلول بالماء الحار، أقوى منه ماء البحر،
والماء المالح، ثم يجاوز ذلك إن احتيج إليه، فيكمد بالبخار، أو بزفت وماء
حارين، وأقوى من ذلك ما يتخذ بالخل، والكرسنة، بالكرنب على الصوف المشرب
دهناً، ومن اليابسات اللطيفة النخالة، ثم الجاورس، ثم الملح.
والتكميد والفصد يحل كل وجع عال، أو سافل إذا لم يكن مانع من امتلاء بجذبه
التكميد. وأما الفصد فأكثر حله للأوجاع العالية وإذا ضمدت أو كمدت، فاجتهد
أن تحبس بخارها عن وجه العليل لئلا يهيج به الكرب، وضيق النفس. وربما كانت
العلة شديدة اليبس، فينفع بخار الضماد، والكماد الرطبين المعتدلين، إذا ضرب
الوجه، وذهب في الاستنشاق.
وقد يستعان بلعوقات يستعملونها. وأليقها وأوفقها للمحرورين الشمع الأبيض
المصفى المغسول بالفصد وغيره، والثقة بأنه قد استنقى، فإن المحاجم إذا وضعت
على الموضع الوجع، ظهر منها نفع عظيم. وربما سكنت الوجع أصلاً، وربما جذبته
إلى النواحي الخارجة. وضماد الخردل إن استعمل في مثل هذا الموضع، عمل عمل
المحاجم في الجذب.
فإذا جاوز السابع، فإن الأقدمين كانوا يأمرون بلعوق يتخذ من اللوز، وحب
القريص، والعسل، والسمن، واللعوقات المتخذة من السمن، وعلك البطم، وربما
استعملوا المعاجين الكبار، كالأنام ناسيا، وهو طريق جيد يقد عليه المحققون
للصناعة، الواثقون من أنفسهم بالتفطن لتلاف إن اقتضاه هذا التدبير،
وبالاقتدار عليه، فيبلغون به من التنقية المبلغ الشافي. وأما المُحْدَثُونَ
الجبناء الغير الواثقين من أنفسهم في ذلك فإنهم يخافون العسل، ويجعلون بدله
السكر. وكان الأقدمون أيضاً يشيرون بأدوية قوية التنقية مهيأة بالعسل
حبوباً تمسك تحت اللسان، ويشيرون في هذا الوقت بالأضمدة المسماة ذات
الرائحة، والمتخذة بالمرزنجوش، والمرهم السذابي. وبالجملة من سلك هذا
السبيل الذي للقدماء، فيجب أن يسلكه بتوق وتحرز وخوف أن يفجر ورماً، أو
يهيج حرارة كثيرة، ثم له أن يثق بعد ذلك بالنجاح العاجل، فإن بقيت العلة
إلى الرابع عشر، لم يكن بدّ من الحجامة، وتلطيف التدبير حينئذ.
وإذا اشتد بهم السهر فلا بد من شراب الخشخاش،
وإذا تواتر فيهم النفس، فتدارك ضرره، إنما يكون بالترطيب بمثل لعاب بزر
قطونا يجرع منه شيئاً بعد شيء بمثل الجلاب. وقد ينتفع بنطل الجنب بماء فاتر
ليخف الوجع، ويقل تواتر النفس، فإنه ضار على ما قد عرفت.
وبعد الانحطاط الظاهر يستعمل الحمام، ويجتنب التبريد الشديد، إلا فيما كان
من جنس الحمرة، وكذلك يجتنب التدبير المغلظ، ويستقل بالتلطيف، ويطبخ في
المياه والأشربة المذكورة الكراث، والفودنج في آخره، ويلعقون بزر القريص مع
العسل. فإن استعصي الورم ونحا نحو الجمع، دبر التدبير الذي نذكره في باب
ذلك خاصة. ويجب أن يحذر على الناقه من أصحاب ذات الجنب الملوحات،
والحرافات، والامتلاء، والشجع، والشمس، والريح، والدخان، والصوت العالي،
والنفخ، والجماع، فإنه إن انتكس مات. هذا هو قولنا إن كانت ذات الجنب حارة
خالصة. وأما إن لم تكن كذلك، بل كانت غير خالصة، غير شديدة الحرارة، فعليك
بالدلك والضماد بمثل الحلبة والزفت والمحاجم. ضماد نافع في ذلك: يؤخذ رماد
أصل الكرنب، ويعجن بشحم، ويضمد به. والبلغمي يبدأ في علاجه بالحقن الحارة
والإسهال، ولا يفصد، ويستعمل المحللات من الأضمدة، والكمادات المذكورة التي
فيها قوة، ويطعم السلق، وماء الكرنب، وماء الحمص، ودهن الزيت، أو دهن اللوز
الحلو، أو المر، ويستعمل الضمّادات، والكمادات الحارة، ويسقي مطبوخ يوسف
الساهر الذي يسقيه بدهن الخروع. وإما السوداوي، فيغذي بالاحساء المتخذة من
الحنطة المهروسة مع العسل، ودهن اللوز، وباللعوقات اللينة الحارة، ويتجرع
الأدهان الملينة، مثل دهن اللوز الحلو، والإحساء اللينة المتخذة من
الباقلا، وقليل حلبة واللبن الحليب، وخاصة لبن الأتن نافع لهم. ومما ينفع
فيه أن يؤخذ من القسط وزن درهم بملعقة من ماء طبيخ الشبث، ودهن البلسان، أو
شراب العسل، وهذا أيضاً نافع للسعال الرديء. وأما الماء المجتمع في الرئة،
فعلاجه أخفّ ما نذكره من علاج المتقيحين، وربما احتيج إلى بط، وفيه خطر.
فصل في معالجات ذات الرئة: ذات الرئة يجري في علاجه مجرى ذات الجنب، إلا أن
ضمّاداته يجب أن تكون أقوى، ويدخل فيها ما هو مغوص، ويجب أن يكون الحرص على
تنقيته بالنفث أشدّ، ويكون فيه بدل الاضطجاع على الجهة المنفثة الاستلقاء
مائلاً إلى تلك الجهة، وإذا كانت الطبيعة فيه معتقلة، وجب أن يسقوا في كل
يومين مرة من هذا الشراب. ونسخته: يؤخذ من الخير شنبر، ومن الزبيب المنقّى
من عجمه من كل واحد ثلاثة أساتير، ويلقى عليه أربع سكرجات ماء، ويطبخ حتى
ينتصف، ويؤخذ ويلقى على سكرجة من ماء عنب الثعلب، وهو شربة للقويّ، وللضعيف
نصفها. وإن كانت الطبيعة لينة ليناً مضعفاً، سقي ربّ الآس، والسفرجل الحلو
المشوي، والرمان الحلو. وما كان من جنس الماشر، أو الحمرة، فإن علاجه كما
أشرنا إليه أصعب، فإن نفع شيء، فالتطفئة البالغة بالعصارات الشديدة البرد
المعلومة من البقول، والحشائش، والثمار، ويسقى المبردة الملينة منها، مثل
عصارة الهندبا ونحوها. وإن استفرغت. الصفراء بمثل الشيرخشك، والتمرهندي،
والترنجبين، ونحو ذلك، فهو جائز، وكذلك ربما احتيج فيه إلى الفصدان كان
هناك امتلاء.
كلام في التقيِّح: إذا ظهر في أورام ذات الجنب وذات الرئة علامات الجمع
المذكورة وتصعّدت، فالواجب أن يعان على الإنضاج بعد التنقية للبدن معونة
تكون بالضمادات والكمّادات، مثل المتخذة من دقيق الشعير، وعلك الأنباط،
والشراب الأبيض والحلو، والتمر، والتين اليابس. وأقوى منه الذي يجعل معه
فرق الحمام، والنطرون، وهو يصلح في آخره أيضاً عند التفجير.
ويجب أن يضطجع قبل وقت الاتفجار على الجانب العليل، فإنه أعون على النفث،
والتفجير. فإن كانت الحرارة كثيرة سقي ماء العسل في ماء الشعير، أو ماء
العسل الرقيق وحده، وإن كانت الحرارة ليست بقوية، والقوة قوية، فيجب أن
يسقى طبيخ الزوفا، والمطبوخ فيه مع الزوفا حاشا، وفراسيون، والتين، والعسل،
وأن يسقى ماء الشعير المطبوخ بأصول السوسن، وربما احتيج إلى مثل
المثروديطوس، والترياق لينضج.
وأوفق أوقات سقيه بعد النضج التام ليفجّر على حفظ من الغريزة، والمتمر جيد
غاية في هذا الوقت وبعده، وشراب الفراسيون غاية في ذلك. قرص لذلك: يؤخذ بزر
الخطمي، والخبازي، والخيار، والبطيخ، والقرع، وربّ السوس، وفقاح إكليل
الملك، وبنفسج، وكثيراء، يقرص بلعاب بزر الكتان، ويسقى بماء التين، وأما
تغذيتهم في التصعّد، فخبز مبلول بماء، أو بماء العسل، والبيض النمبرشت، وما
أشبه ذلك، والنقل حب الصنوبر الكبير أو الصغير، واللوز الحلو، والإحساء
الرقيقة المتخذة من دقيق الشعير، والحمص، والباقلا بدهن اللوز، والسكّر،
والعسل. وإذا جاوز وقت الانفجار وتم النضج، فيجب أن يعان على الانفجار، فإن
تركه يجعل للمرض صعوبة وشأناً، وتبخر حلوقهم باللبنى، ويسقى شراب الزوفا
القوي الذي ذكرناه بالأضمدة القوية التي ذكرناها.
وسقي المثروديطوس والترياق في هذا الوقت نافع
إن لم يكن حمى، ولا نحافة، ولا هزال، ويطعم السمك المالح، ويؤخذ في فمه عند
النوم الحب المتخذ من الأيارج، وشحم الحنظل. وحمت القوقايا أيضاً يسقونه
عند النوم، وقد ينفع منه هز كرسي وهو عليه جالس، وقد أخذ إنسان بكتفيه.
وينفع منه الاضطجاع على الجانب الصحيح إذا أريد الانفجار، وقد أمر بالقيء
بعد العشاء في مثل هذا الوقت، وذلك خطر، فإنه ربما أورث انفجاراً عظيماً
دفعة واحدة، وربما خنق.
وأما إذا لم ينفجر، فلا بد من الكي، ثم تنظر فإن خرجت مدة بيضاء نقية رجي،
وإلا لم يرج، وإذا انفجرت المدة، وسالت، وحدثت بأنها قليلة، أو معتدلة،
وبحيث يمكن أن تنقى بالنفث إلى أربعين يوماً، فيجب أن يستعمل بعده الجلاءة
الغسالة المنقية، ويسقى كما يبدو نفث ما انفجر، وذلك بمثل طبيخ الزوفا
بأصول السوس، والسوسن الاسمانجوني بشراب العسل، والكرنب، والإحساء المذكورة
المتخذة بدقيق الحمص، ونحوه، من الأدوية، ويجعل فيها أيضاً دقيق الكرسنة،
وينفع لعوق العنصل ولعوق الكرسنة.
وأما الأدوية المفردة التي هي أمهات أدوية هذا الشأن. فهي مثل دقيق
الكرسنة، وسحيق السوسن، وأصله، والزراوند، والفلافل الثلاثة، والخردل،
والحرف، وحبّ الجاوشير أيضاً، والقسط، والسليخة، والسنبل. وربما احتيج أن
يخلط معها شيء من المخدرات بقدر. ومن هذه الأدوية سقورديون، فإنه شديد
المنفعة في هذا الباب. وهذه الأدوية هي أمهات الأدوية النافعة في هذا الوقت
التي تتخذ منها أشربة، ونطولات وضمادات باسفنجات وأدهان.
وربما جعل الدهن الذي ينقل إليه قوتها مثل دهن السوسن، والنرجس، والبابونج،
والحناء، والناردين، ومثل دهن الغار، وخصوصاً عند الانحطاط، وربما جعل مثل
دهن البنفسج بحسب الحال والوقت، وربما جعل في هذه الأدهان مثل الريتيانج،
والشحوم، والقنة، وفقاح الأذخر، والزوفا الرطب، والحلبة، وورق الغار،
والمقل وما أشبه ذلك. وإذا كانت الحمى قوية، فلا تفرط في التسخين فتضعف
القوة لسوء المزاج، وتعجز عن النفث، ويجب أن تبادر إلى تدبير إخراج القيح
بعد الانفجار إلى الصدر ، وفي الأيام التي يتخيل العليل فيها خفته.
وأما إذا حدثت في ذات الجنب أن المادة كثيرة لا تستنقي في أربعين يوماً فما
دونه، بل يوقع في السلّ، فلا بد من كي بمكوى دقيق يثقب به الصدر ، لينشّف
المدة، ويستخرجها قليلاً قليلاً، ويغسل بماء العسل ويعان على جذبها إلى
خارج، فإذا نقيت أقبلت على الملحم، ويجب أن يتعرف الجهة التي فيها القيح من
الوجوه المذكورة من صوت القيح، وخضخضته.
ومن الناس من يضع على الصدر خرقة مصبوغة بطين أحمر، وتنظر أي موضع يجفّ
أسرع فهو موضع القيح، فيعلم عليه فيكوى، أو يبط هناك، فإنه ربما لم يكو بل
يبط الجنب بمبضع، وجعلت النصبة نصبة تخرج معها المدة، فإنه يؤخذ منها كل
يوم قليلاً قليلاً من غير إخراج الكثير دفعة.
وفي مثل هذا الوقت لا بد من حفظ القوة باللحم، والغذاء المعتدل، ولا تلتفت
إلى الحمّى، فإنها لا تبرأ ما دامت المدة باقية، وإذا نقيتها أقلعت. وإذا
قوي العليل على نفث المدة، أو على ما يعالج به من الكي زالت الحمّى لا
محالة، وكثيراً ما يتفق أن ينفجر الورم قبل النضج، ويكون ما ينفجر منه
دماً، فحينئذٍ لا بد له من الفصد، ومن استعمال الضمادات الدفاعة، ومن
المشتركات ضمّاد مرهم الكرنب، وماء العسل على نسخة أهرن وضماد بهذه الصفة.
ونسخته: يؤخذ فلفل، وبرشياوشان، وزوفا يابس، وانجرا، وزراوند مدحرج يتخذ
منه ضماد بالعسل، فإنه نافع.
فصل في علاج قروح نواحي الصدر ومعالجات السلّ: أما القرحة إذا كانت في قصبة
الرئة، فإن الدواء يسرع إليها، ويجب أن يضطجع العليل على قفاه، ويمسك
الدواء في فيه، ويبلع ريقه قليلاً قليلاً من غير أن يرسل كثيراً دفعة،
فيهيج سعال، ويجب أن يكون مرخياً عضل حلقه حتى ينزل إلى حلقه من غير تهييج
سعال. والأدوية هي المغرّيات المجففة التي تذكر أيضاً في السل. وأما القروح
التي في الصدر والرئة التي ذكرناها فإنها يحتاج أن يرزق فيها الأدوية
الغسالة الجلاءة، ويؤمر أن يضطجع على الجانب العليل، ويسعل ويهتزّ أو يهزّ
هزاً رقيقاً. وربما استخرج القيح منها بعد إرسال ماء العسل في القرحة
بالآلة الجاذبة للقيح، فإذا نقّينا المادة ورجوت أنه لم يبق منها شيء،
فحينئذ تستعمل الأدوية الملحمة المدملة، وليس في المنقيات الجلاءة فبمثل
ذلك كالعسل، فإنه منق، وغذاء حبيب إلى الطبيعة لا يضر القروح.
وأما قرحة الرئة، فإن تدبيرها أمران: أحدها علاج حق، والآخر مداراة. أما
العلاج الحقّ، فإنما يمكن إذا كانت العلة قابلة للعلاج، وقد وصفناها، وذلك
بتنقية القرحة وتجفيفها ودافع المواد عنها، ومنع النوازل وإعانتها على
الالتحام، وقد سلف لك تدبير منع النوازل، وهو أصل لك في هذا العلاج. وجملته
تنقية البدن، وجذب المادة عن الرأس إلى الأسافل وتقوية الرأس لئلا تكثر
الفضول فيه، ومنع ما ينصب من الرأس إلى الرئة، وجذبه إلى غير تلك الجهة.
ويجب أن تكون التنقية بالفصد، وبأدوية تخرج الفضول المختلفة، مثل القوقايا،
وخصوصاً مع مقل، وصمغ، يزاد فيه.
وربما احتيج إلى ما يخرج الأخلاط السوداوية، مثل الأفتيمون ونحوه، وربما
احتجت إلى معاودات في الاستفراغ لتقلل الفضول، وتستفرغ بدواء وتفصد، ثم
ترفد، ثم تعاود، وخصوصاً في الأبدان القوية.
ومن الأشياء النافعة في دفع ضرر النوازل، استعمال الدياقودا، وخصوصاً الذي
من الخشخاش مما قيل في الأقراباذين وغير ذلك، ومما يعين على قبول الطبيعة
للتدبير أن ينتقل إلى بلاد فيها هواء جاف، ويعالج، ويسقى اللبن فيها. ويجب
أن يكون نصبته في الأكثر نصبة ممددة للعنق إلى فوق وقدام ليستوي وقوع أجزاء
الرئة بعضها على بعض، ولا تزال أجزاء القرحة عن الانطباق والمحاذاة
الطبيعية. ويجب أن لا يلح عليه بتسكين السعال بموانع النفث، فإن فيه خطراً
عظيماً، وإن أوهم خفة.
وأما المداراة، فهي التدبير في تصليبها وتجفيفها حتى لا تفشو، ولا تتسع،
وإن كان لا يرجى معها الالتحام والاندمال، وفي ذلك إرجاء في مهلة صاحبها،
وإن كانت عيشته غير راضية، وكان يتأذى بأدنى خطأ، وهذه المجففات تقبض الرئة
وتجففها وتضيق القرحة إن لم تدملها. ومن سلك هذه السبيل، فلا يجب أن يستعمل
اللبن البتة. والعسل مركب لأدوية السل، ولا مضرة فيه بالقروح. وأما تنقية
القروح، فبالمنقّيات المذكورة وطبيخ الزوفا المذكور للسل في الأقراباذين.
وأقوى من ذلك لعوق الكرسنة بحب القطن المذكور في الأقراداذين. وأقوى منه
لعوق الإشقيل بلبن الأتن، وربما احتيج أن يجمع إليها الملزجات المغَرية،
وربما أعينت بالمخدرات لتمنع السعال، ويتمكن الدواء من فعله.
وحينئذ يحتاج إلى تدبير ناعش قوي، وقد ذكرنا لك هذه المنقيات في أول
الأبواب، وذكرناها أيضاً في باب التقيّح. والمعتاد منها الأحساء الكرسنية،
والأحساء الواقع فيها الكرّاث الشامي، المتخذة من دقيق الحمّص والخندروس،
وهذا الكراث نفسه مسلوقاً، ومياه العسل المطبوخة فيها المنقّيات،
والملحمات، وكل ذلك قد مضى لك، والمعاجين المجففة مثل الكموني،
والأثاناسيا، ولعوق بزر الكتان. وأما المثروديطوس، والترياق، وإذا استعمل
في أوقات، وخصوصاً في الأول، وحين لا يكون هزال شديد، فهو نافع، وحين لا
يكون حمّى قد بالغت في الذبول.
والطين المختوم أنفع شيء في كل وقت، والطين الأرمني أيضاً، وكذلك جميع ما
ذكرناه من الضمّادات، والكمّادات، والمروخات المنقّية، وإذا عتقت القروح في
الصدر والرئة، نفع إلعاق المريض ملعقة صغيرة من القطران غدوة واحدة، أو
بعسل، أو شيء من الميعة السائلة بعسل.
فإن كانت هناك حرارة وخفت المنقّيات الحارة، ولم ينتفع بالباردة، فخذ رئة
الثعلب، وبزر الرازيانج، وربّ السوس النقي، وعصارة برشياوشان، يجمع بماء
السكر المغلظ، فإنه غاية.
وقد يستعمل في هذه العلة أجناس من البخورات تجفف وتنقى بها في قمع، من ذلك
زرنيخ وفلفل مبندق ببياض البيض، ومن ذلك ورق الزيتون الحلو، وإخثاء البقر
الجبلي، وشحم كلى البقر، وزرنيخ، وشحم كلى التيس، وسمن الغنم. ومن ذلك
زرنيخ، وزراوند، وقشور أصل الكبر أجزاء سواء، يجمع بعسل وسمن. وأيضاً صنوبر
فيه درديّ القطران. وأيضاً زرنيخ أصفر بشيرج. وكلما سخن مزاجه فضل سخونة،
عولج بقرص الكافور أياماً، وعود بعدها التجفيف. وأما الأغذية فمن الدراج
مطيباً بالأبازير وأفاويه، ولا يمنع الشراب الأبيض الصرف في أوله، ويشمّم
دائماً الرياحين، ويلزم النوم، والدعة، والسكون، ويترك الغضب، والضجر، ولا
يورد عليه ما يغمّه، ومما جربتُه مراراً كثيرة في أبدان مختلفة وبلدان
مختلفة، أن يلزم صاحب العلة تناول الجلنجبين السكري الطري لغامه كل يوم ما
يقدر عليه وإن كثر حتى بالخبز، ثم يراعى أمره. فإن ضاق نفسه بتجفيف الورد،
سقي شراب الزوفا بمقدار الحاجة، وإن اشتعلت حمّاه، سقي أقراص الكافور، ولم
يغير هذا العلاج فانه يبرأ. ولولا تقية التكذيب لحكيت في هذا المعنى عجائب،
ولا وردت مبلغ ما كان استعملته امرأة مسلولة بلغ من أمرها أن العلة بها
طالت ورقدتها، واستدعى من يهيئ لها جهاز الموت، فقام أخ لها على رأسها
وعالجها بهذا العلاج مدة طويلة، فعاشت وعوفيت وسمنت، ولا يمكني أن أذكر
مبلغ ما كانت أكلته من الجلنجبين. وقد يفتقر اليبس والذبول إلى استعمال
اللبن، أو الدوغ، وفي ذلك تغذية وترطيب، وتعديل للخلط الفاسد، وتغرية
للقرحة بالجبنية، وتنقية بجلاء ماء اللبن للصديد والمدة، بل كثيراً ما أبرأ
هذا التدبير قروح الرئة إذا لم يقصد في تدبيرها التصليب.
وأوفق الألبان لبن النساء رضعاً من الثدي، ثم لبن الأتن، ولبن الماعز،
وخصوصاً للقبض في لبن الماعز. ولبن الرماك أيضاً مما ينقّي، ويسهل النفث،
ولكن ليس له تغرية ذلك فيما ظن.
وأما لبن البقر والغنم، ففيه غلظ، لو قدر على أن يمصّ من الضرع كان أولى،
ويجب أن يرعى الحيوان المحلوب منه النبات المحتاج إلى فعله. أما المدمل مثل
عصا الراعي، والعوسج، وحبّ المساكين، وما أشبه ذلك. وأما المنقّي المنفث،
فمثل الحاشا، ولعبة النحل، والحندقوقي، بل مثل اليتّوع. ومن اشتغل بشرب
اللبن، فيجب أن يراعى سائر التدبير، فإنه إن أخطأ في شيء، فربما عاد وبالاً
عليه.
وقد وصف بعض من هو محصّل في الطب كيفية سقي اللبن فقال ما معناه مع إصلاحنا
أنه يجب أن يختار من الأتن ما ولد منذ أربعة أشهر، أو خمسة أشهر ويعمد إلى
العلبة، وتغسل بالماء، فإن كان قد حلب فيها قبل، غسل بماء حار، وصبّ فيها
ماء حاراً، وترك حتى يتحلل شيء، إن كان فيها من الماء، ثم يغسل بماء حار،
ثم بماء حار وبارد، ثم توضع العلبة في ماء حار، ويجلب فيها نصف سكرجة، وهو
قدر ما يسقى في اليوم الأول، إن كانت المعدة سليمة، وإلا فأكثر من ذلك بقدر
ما يحمد، ويحسن. واسقه في اليوم الثاني ضعف ذلك الحلب، فإن كانت الطبيعة
استمسكت في اليوم الأول جعل فيما يسقى اليوم الثاني شيء من السكر، وافعل في
اليوم الثالث ما فعلته في اليوم الأول، فإن لم تلن في الطبيعة في اليوم
الثالث وخصوصاً إذا كانت لم تلن إلى الثالث، فاسقه سكرجتين من اللبن مع
دانقين من الملح الهندي، ومن النشاستج وزن نصف درهم إلى درهم ونصف، ولا
يزال يسقى اللبن كل يوم يزيد نصف اسكرجة، فإذا بلغت السادس، ولم تجب
الطبيعة أخذت من اللبن ثلاث سكرجات، وخلطت به سكراً، وملحاً، ودهن اللوز،
والنشاستج. فإن أجابت فوق ثلاث مجالس، فلا تخلط بعده مع اللبن شيئاً، وانقص
من اللبن. وبالجملة يجب أن لا تزيد الطبيعة في اليوم والليلة على ثلاث، ولا
تنقص من مرتين، فإن انتفع بذلك فاسقه ثلاثة أسابيع. وقد ذكر بعض المحصّلين
أن الأجود في سقي لبن الأتن ما كان من دابة ترعى مواضع فيها حشائش ملطفة،
منقية مع قبض وتجفيف، مثل الأفسنتين وغيره، والشيح، والقيصوم، والجعدة،
والعليق.
وأما لبن المعز، فالأصوب فيه أن يمزج بحليبه شيء من الماء، وتحمى الحجارة، وتطرح فيه مراراً حتى ينضج، وتذهب مائيته، وهذا أجود هضماً من المطبوخ على النار، ويراعى أيضاً لبن الطبيعة، اللهم إلا أن يكون ذرب، فيجب أن يجعل فيه طراثيث، أو سعال كثير فيجعل فيه كثيراء وزن درهم. وإن كانت المعدة ضعيفة جعل معه كمون، وكراويا، واللبن المطبوخ إذا هضمه المسلول، فهو له غذاء كاف. وإذا حم عليه المسلول، فيجب أن يقطعه. وأما الدوغ، فيحتاج إليه عند شدة الحمّى، وعند الإسهال، فهو نافع لهم جداً، وأجوده أن يترك الرائب ليلة بعد أخذ الزبد كله في وضع معتدل، ثم يمخض من الغد مخضاً شديداً حتى يمتزج بعضه ببعض امتزاجاً شديداً، ثم يؤخذ أقراص من دقيق الحنطة السميذ الجيد الخبز المنقوطة بالمنقط حتى تكون المسماة يرازده بالفارسية، ويصبّ على وزند عشرة دراهم، منها وزن ثلاثين درهماً من الدوغ، ويلعق. وفي اليوم الثاني يزاد من الدوغ عشرة، وينقص من الخبز وزن درهَم، يفعل ذلك دائماً حتى ينقّي المخيض وحده، ثم يقلب القصة إن استغني عن الدوغ، وظهرت العافية، وانحطت العلة، فلا يزال ينقص من الدوغ، ويزاد في القرص حتى ينقطع اللبن، فإن كان ببعضهم ذرب لم يكن بإلقاء الحديد المحمى في الدوغ مراراً بأس. ولنرجع من ههنا إلى شيء ذكر في الأقراباذين.
وأما أغذيتهم، فالمغزيات مثل الخبز السميذ،
والأطرية والجاورسية، والأرز أيضاً، ينقي وينبت اللحم، وكشك الشعير الجيد
المطبوخ مغر ومنق وصالح عند شدة الحمى، وخصوصاً السرطانات المنتوفة
الأطراف، الكثيرة الغسل بالماء، والرماد، وخصوصاً البقول الباردة، والعدس
أيضاً، وما يتخذ بالنشا، والخيار، والبطيخ قد يسهل النفث. وإن كانت الحمى
خفيفة فلا، كالكرنب والهليون، والمنقّيات.
وأما السمك المالح، فإنه إذا أكل مرة أو مرتين نفع في التنقية، وإذا كانت
القرحة خبيثة، فاجتنبه، وكل مالح، فإن غذوتهم باللحم، فليكن مثل لحوم
الطياهيج، والدجاج، والقنابر، والعصافير كلها غير مسمن. والأجود أن يطعم
شواء ليكون أشدّ تجفيفاً، وإلحاماً. والأكارع أيضاً جيدة للزوجتها، والسمك
المكبّب. وإذا اشتهوا المرق، فاخلطها بعسل، وقد يجوز إدخالهم الحمّام قبل
الغذاء وبعده إذا لم يكن بأكبادهم سدد، فإنه يسمنهم ويقوّيهم. وأما ماؤهم
الذي يشربونه، فليكن ماء المطر.
وأصحاب السل كثيراً ما يعرض لهم نفث الدم على ما سلف ذكره. ومن الأقراص
الجيدة لذلك قرص بهذه الصفة. ونسخته: يؤخذ طين مختوم ثلاثة دراهم نشا، وطين
أرمني، وورد أحمر، من كل واحد أربعة دراهم، كهربا، وحب الآس، من كل واحد
ستة دراهم، سرطان محرق، وبزر الفرفير، من كل واحد عشرة دراهم، بسذ،
وكثيراء، وطباشير، وشاذنج، من كل واحد خمسة دراهم، صمغ دودي، وعصارة
السوسن، من كل واحد سبعة دراهم، يعجن بماء الحمقاء، أو الماء الورد الطري،
ويقرّص، ويشرب بماء القثاء، أو بماء المطر. وكثيراً ما يبتلى المسلول بسقوط
اللهاة، فيقع في نخير، وغطيط من قبله، وربما احتيج إلى قطعها. فاعلم ذلك.
ومن المجربات الجيدة، أن يطلى نواحي الصدر والجانب الأيمن بالصندلين
المحكوك بالماورد مع قليل من الطين المختوم، فإنه نافع جداً.