الكتاب الثالث: الأمراض الجزئية - الفن الحادي عشر: أحوال القلب

الفن الحادي عشر

أحوال القلب

وهو مقالتان:

المقالة الأولى
مبادئ أصول لذلك

فصل في تشريح القلب: أما القلب، فإنه مخلوق من لحم قوي ليكون أبعد من الآفات، منتسج فيه أصناف من الليف قوية، شديدة الاختلاف، الطويل الجذاب، والعريض الدفّاع، والمورب الماسك، ليكن له أصناف من الحركات، وقدر خلقته بمقدار الكفاية لئلا يكون فضل، وعظم منه منابت الشرايين، ومتعلّق الرباط، وعرضاً ليكون في المنبت وقاية لنابت، وجعل هذا الجزء منه على حرية ليكون بعيداً عن الاتكاء على عظام الصدر فلا يؤذيه مماستها، ودقق منه الطرف الآخر كالمجموع إلى نقطه، ليكون ما يبتلى بماسة العظام أقل أجزائه، وصلب ذلك الجزء منه فضل صلابة، ليكون المبتلى بتلك الملاقاة أحكم، ودرج الشكل إلى الصنوبرية ليحسن هندام السفل والفوق، ولا يكون فيه فضل وأودع في غلاف حصيف جداً هو، وإن كان من جنس الأغشية، فلا يوجد غشاء يدانيه في الثخن ليكون له جنة، ووقاية، ويرى جرمه من ذلك الغلاف بقدر إلا عند أصله، وحيث ينبت الشريان ليكون له أن ينبسط فيه من غير اختناق، وعند أصله عضواً كالأساس يشبه الغضروف قليلاً، ليكون قاعدة وثيقة لحلقه، وفيه ثلاثة بطون بطنان كبيران، وبطن كالوسط ليكون له مستودع غذاء يغتذي به كثيف قوي يشاكل جوهره، ومعدن روح يتولّد فيه عن لحم لطيف، ومجرى بينهما، وذلك المجرى يتسع فيه عند تعرض القلب، وينضم عند تطوله. وقاعدة البطن الأيسر أرفع، وقاعدة البطن الأيمن أنزل بكثير، والعروق الضوارب -وهي الشرايين- خلقت إلا واحدة منها ذات صفاقين وأصلبهما المستبطن، إذ هو الملاقي لضربان ولحركة جوهر الروح القوية المقصود صيانته وإحرازه وتقويته. ومنبت الشرايين هو من التجويف الأيسر من تجويفي القلب. لأن الأيمن أقرب إلى الكبد، فوجب أن يجعل مشغولاً بجذب الغذاء استعماله. ولما كان البطن الأيمن من القلب يحوي غليظاً ثقيلاً، والأيسر يحوي دقيقاً حفيفاً، عدل الجانبان بترقيق البطن الذي يحوي الغليظ، وخصوصاً إذا أمن التحلل بالرشح التفشّي، بل جعل وعاء الأدق أضيق، وأعدل في الوسط، وله زائدتان على فوهتي مدخل ، مادتي الدم، والنسيم إلى القلب كالأذنين عصبيتان يكونان متعصبتين مسترخيتين ما دام لقلب منقبضاً، فإذا انبسط توترتا وأعانتا على حصر ما يحتوي عليه إلى داخل، فهما كخزانتين يقبلان عن الأوعية، ثم يرسلانه إلى القلب بقدر، وأدقتا ليكون أحوى وأحسن إجابة إلى الإنقباض، وصلبتا ليكون أبعد عن الانفعال. والقلب يغتذي مع قواه الطبيعية انبساط، فيجذب الدم إلى داخل كما يجذب الهواء.

وقد وضع القلب في الوسط من الصدر لأنه أعدل موضع، وأميل يسيراً إلى اليسار ليبعد عن الكبد، فيكون للكبد مكان واسع.

وأما الطحال، فنازل عنه، وبعيد، وفي إنزاله منفعة سنذكرها، ولأن توسيع القلب المكان للكبد أولى من توسيعه للطحال، لأن الكبد أشرف، ومما قصد في إمالة القلب عن الكبد أن لا يجتمع الحار كله في شق واحد، وليعدل الجانب الأيسر، إذ الطحال بنفسه غير حار جداً، وليقل مزاحمته للعرق الأجوف الجائي إليه ممكناً له بعض المكان، وما كان من الحيوان عظيم القلب، وكان مع ذلك جذعاً خائفاً، كالأرانب، والأيايل، فالسبب فيه أن حرارته قليلة، فينفس في شيء كثير فلا يسخنه بالتمام. وما كان صغير القلب، ومع ذلك جريئاً فلأن الحرارة فيه كثيرة تحتقن وتشتدّ، ولكن أكثر ما هو أجرأ عظيم القلب، ولا يحتمل القلب ألماً، ولا ورماً، ولذلك لم يذبح حيوان فوجد في قلبه من الآفات ما يوجد في سائر الأعضاء. وقد وجد في قلب بعض الحيوانات الكبير الجثة عظم، وخصوصاً في الثيران، وهذا العظم مائل إلى الغضروفية، وأكبره وأعظمه مع زيادة صلابة هو ما يوجد في قلب الفيل، وكذلك وجد قلب بعض القرود ذا رأسين. ومن قوة حياة القلب أنه إذا سل من الحيوان وجد نبض إلى حين، وقد أخطأ من ظن أن القلب عضلة، وهو وإن كان أشبه الأشياء بها لكن تحركها غير إرادي.

فصل في أمراض القلب: قد يعرض للقلب في خاصته أصناف الأمراض كلها، مثل أصناف سوء المزاجات، وقد تكون بمادة وقد تكون ساذجة. والمادة قد تكون في عروقه، وقد تكون فيما بين جرمه وبين غلافه، وخصوصاً الرطوبة، وكثيراً ما يوجد في ذلك الموضع رطوبات. ومن المعلوم أنها إذا كثرت ضغطت القلب عن الانبساط، وقد يعرض له الأورام والسدد، وقد يعرض له شيء من الوضع أيضاً، مثل ما يعرض له من احتقان في رطوبة مزاحمة تمنعه عن الانبساط، فيقبل.

والانحلال الفرد الذي يعرض، إما فيه، وإما في غلافه، وإذا استحكم في القلب سوء مزاج لم يقبل العلاج، وإذا كان غير مستحكم لم يكن سهل قبول العلاج. والورم الحار قاتل جداً في الحال، والبارد مما يبعد ويندر حدوث صلبه ورخوه في القلب، وأكثره في غلاف القلب فإن اتفق أن حدث، فإنه لا يقتل في وحي قتل الورم الحار، لكنه مع ذلك قتال.

وربما أسهل الصلب العارض في الغلاف من الخلط الغليظ، وغير الصلب العارض من خلط مائي منقط مدة، كالحال في ورم كان بغلاف قلب قرد حكاه، جالينوس وقد عاش ذلك القرد ملياً، فلما شُرح بعد موته عرف ما كان به في حياته، فكان له ينحف ويضعف.

وإذا كان القلب نفسه لا يحتمل أن يرم، فكيف يحتمل أن يجمع ويقيح، وإذا عرضت هناك قروح محتملة تنوبه، فإنها تقتل بعد رعاف أسود على ما قيل. وقد يعرض في عروق القلي سدد ضارة بأفعال القلب، وأما انحلال القرد، فالقلب أبعد احتمالاً منه للورم، وإذا عرض لجرمه ونفذ إلى البطن قتل في الحال. وإن لم يكن نافذاً، فربما تأخر قتله إلى اليوم الثاني.

وقد يعرض للقلب أمراض بمشاركة غلافه الدماغ، والجنب، والرئة، والكبد، والمعي، وسائر الأحشاء، وخصوصاً المعدة. وقد يكون بمشاركة أعضاء أخرى والبدن عامة، كما في الحميات حين تخفق بنوائبها وبحارينها. ومشاركته الأعضاء الأخرى، قد تكون بسبب ما يقطع منها كمشاركته الكبد إذا ضعفت عن توجيه الغذاء إليه، والدماغ إذا ضعف، فضعفت العضل المنفسة عن التنفس، وقد يكون بسبب ما يتأدّى منها إليه. أما الدماغ، فمثل ما إذا كثر فيه الخلط السوداوي، فينفذ في جوهر الدماغ، فنفذ في طريق الشرايين إلى القلب، فيهيج خفقاناً، وسقوط قوة، وغمّاً مع الهائج. من سوء فكر وهمّ، ومثل ما يتأدى منه إليه من الخلط الرطب بهذه السبيل، فيحدث بلادة وكسلاً، وسقوط نشاط.

وأما الكبد فيما يرسل من لحم رديء حار، أو بارد، أو غليظ، وقد يكون بمشاركة في الأذى على سبيل المجاورة، ومثل تأذيه بورم حار، أو بارد، يكون في الغلاف المحيط به، خصوصاً ولسائر الأحشاء عموماً، وتأذية لتأذي فم المعدة، والمعدة عن خلط لزج، أو لذاع، أو ديدان، وحب القرع، أو قيء لذاع، فيحدث به منه خفقان.

وقد يكون بسبب المشاركهّ في الوجع إذا اشتد وانتهى إليه، وكثيراً ما يقتل، وقد يكون بسبب انتقال المادة من مثل خفقان، أو ذات جنب، أو ذات الرئة، فتميل المادة إلى القلب، فتخنق وتقتل، والمشاركات التي تقع بين القلب وغلافه، فليست تبلغ الإهلاك، وربما لم يكن حاراً، فإنه قاتل، وقد يحدث في نفس فم المعدة اختلاج، فيضرّ بالقلب.

فصل في وجوه الاستدلال على أحوال القلب وهي ثمانية أوجه: النبض، والنفس، وخلقة الصدر وملمس البدن، وما يعرض فيه، والاختلاف، وقوة البدن، وضعفه، والأوهام. أما النبض فسرعته، وعظمه، وتواتره تدلّ على حرارته، وأضدادها يدل على برودته، ولينه على رطوبته، وصلابته على يبسه، وقوته وأستواؤه وانتظام اختلافه يدل على صحته، وأضدادها على خلاف صحته، والنفس العظيم والسريع والمتواتر والحار، يدل على حرارته، وأضدادها على برودته، والصدر الواسع العريض، إن لم يكن بسبب كبر الدماغ الذي يدل عليها كبر الرأس الموجب لكثرة الدماغ الموجب لعظم النخاع، الموجب لعظم الفقرات، الموجب لعظم الأضلاع النابتة منها، بل كان هناك صغر رأس، أو توسطه، وقوة نبض، دل على حرارته، وضد ذلك، إن لم يوجبه صغر الرأس، دل على برودته. والشعر الكثير على الصدر خصوصاً الجعد منه، يدل على حرارته، وجرد الصدر وقلة شعره يدل على برودته لعدم الفاعل الدخاني، أو يبوسة لعدم المادة للدخان، وإن لم يكن لعارض رطوبة مزاج البدن جداً، أو عادة الهواء، والبلد، والسن، وحرارة البدن كله، يدل على حرارته إن لم يقاومه الطحال، والكبد الباردة بتبريدهما، وبرودته إن لم يقاوم الكبد مقاومة ما، ولين البدن يدل على رطوبته إن لم يقاوم الكبد بأدنى مقاومة، وصلابته على يبسه إن لم يقاوم الكبد. والحميات العفنة مع صحة الكبد، تدل على حرارته ورطوبته، وأما من طريق الاختلاف، والغضب الطبيعي الذي ليس عن اعتياده، والجرأة، والإقدام، وخفة الحركات، تدلّ على حرارته، وأضدادها أن لم تكن مستفادة من الأوهام والعادات تدل على برودته.

وأما قوة البدن، فتدل على قوته. وضعفه إن لم يكن بآفة من الدماغ والأعصاب، فتدلّ على ضعفه. وضعفه يدل على سوء مزاج به، وقوته تدل على اعتدال مزاجه الطبيعي، وهو كون الحار الغرزيزي، والروح الحيواني كثيرين فيه، غير ملتهبين مدخنيني، بل نورانيين صافيين.

وأما العرض من الحرارة، فيدل عليه شدة الالتهاب، وضجر النفس، وربما أدى إلى آفة في النفس.

وأما الأوهام، فالمائلة إلى القرح، والأمل، وحسن الرجاء، يدل على قوته، وعلى اعتداله الذي يحس به في حرارته. ورطوبته والمائلة إلى طلب لا الإيحاش والإيذاء، ويدل على حرارته، والمائلة نحو الخوف والغم، يدل على برده ويبسه. والأحوال التي تحس في القلب نفسه، مثل التهاب يعرض فيه، ومثل خفقان يحس منه، فإنها بعضها يدل بانفراده على مزاجه، مثل الالتهاب، وبعضها لا يدل إلا بقرينة، مثل الخفقان، إن الخفقان يتبع جميع أنحاء ضعف القلب، وسوء مزاجه، فلا يدل على أمر خاص فيه. وربما كثر الخفقان لسبب قوة حس القلب، فيعرض الخفقان من أدنى وهم، أو بخار، أو نحو ذلك مما يصل إليه، وقد تكون أمراض القلب بمشاركة غيره، وخصوصاً الرأس وفم المعدة.

ولا تخلو أمراض الدماغ المالنخولية، والصرعة عن مشاركة الدماغ للقلب، وقد ينتقل إلى القلب من مواد مندفعة من مثل ذات الجنب، وذات الرئة، فيكون سبباً لعطب عظيم، ولهلاك. وإذا عرض للأخلاط نقصان عن القدر الواجب، كان أول ضرر ذلك بالقلب، فيتغير مزاجه. وإذا خلص الحر الصرف، أو البرد الصرف إلى القلب مات صاحبه، وربما رأيت المصرود يتكلم، وقد مات بعرق وبغير عرق.

علامات أمزجة القلب الطبيعية: فاعلم أن المزاج الحار الطبيعي يدلّ عليه سعة الصدر في الخلقة، إلا أن يكون بمعارضة الدماغ، وعظم النبض الطبيعية، وميله إلى التواتر والسرعة، وعظم النفس الطبيعي وميله إلى التواتر والسرعة، ووفور الشعر على الصدر ، وخصوصاً إلى اليسار قليلاً إن لم يعارض ترطيب عضو أخر معارضة شديدة جداً. والبلد، والهواء، وشدة الغضب، والإقدام، وحسن الظنّ، وفسخه الأمل. وقد يدل عليه عظم الصدر إذا لم يكن بسبب الدماغ على ما قيل.

وأما المزاج البارد الطبيعي، فيدلّ عليه ضيق الصدر إلا للشرط المذكور، وصغر النبض الطبيعي وميله إلى التفاوت أو لبطء، إلا أن يكون هناك بسبب يقتضي السرعة، وصغر النبض الطبيعي، وميله إلى البطء والتفاوت، وضعف، وكسل، وحلم لا بالتخلق، والرياضة، وأخلاق تشبه أخلاق النساء، ودهش، وحيرة، وبلادة، وانفعال عن المحفرات، وبرد البدن. وأما المزاج الرطب، فيدل عليه لين النبض، وسرعة الانفعال عن الواردات المقبضة والمفرّحة، وسرعة الانصراف عنها، ورطوبة الجلد، وإن لم يقاوم الكبد.

وأما المزاج اليابس، فيدل عليه صلابة النبض، وبطء الانفعال، وبطء السكون، وسبعية الأخلاق، ويبس البدن إن لم يقاوم الكبد.

وأما المزاج الحار اليابس، فيدل عليه النبض العظيم بمقدار، وذلك لأن عظمه يكون للحاجة. ونقصانه ليبس الآلة، والسريع، وخصوصاً إلى الانقباض، والتواتر، والنفس العظيم السريع، وخصوصاً في إخراجه للهواء المتواتر، وشراسة الخلق، والوقاحة، وخفة في الحركات، والجلادة، وسرعة الغَضَب للحرارة، وبطء الرضا ليبس، وكثرة شعر الصدر ، وكثافته ليبس مادته وجعودته، وحرارة الملمس، ويبسه. وأما المزاج الحار الرطب، فيكون الشعر فيه أقل، والصدر أعرض، والنبض أعظم، إلا أنه ألين، وسرعته وتواتره دون ما يكون في المزاج اليابس إذا ساواه في الحرارة، ويكون الغضب فيه سريعاً غير شديد، وملمس البدن حاراً رطباً إن لم يقاوم الكبد مقاومة في البرد شديدة، وفي الرطوبة، وإن كانت دون الشديدة، ويكثر فيه أمراض العفونة.

وأما المزاج البارد الرطب، فيدل عليه النبض إذا لم يكن عظيماً، بل إلى الصغر، وكان ليناً ليس بسريع، ولا متواتر، بل مائلاً إلى ضديهما بحسب مبلغ المزاج، ويكون صاحبه كسلاناً، وجباناً، عاجزاً، ميت النشاط، أجرد غير حقود، ولا غضوب، ويكون البدن بارداً رطباً إن لم يقاومه الكبد بتسخين كثير، وتيبيس، وإن لم يكن بكثير.

وأما المزاج البارد اليابس، فيكون نبض صاحبه ليس بذلك البطء كله، ويكون صاحبه بطيء الغضب ثابته حقوداً، أجرد بارد البدن يابسه إن لم يقاوم البدن بتسخين كثير وترطيب وإن قل.

فصل في علامات أمراض القلب: من ذلك دلائل الأمزجة الغير الطبيعية، وقد يدلّ على سوء مزاج القلب، ضعف، وانحلال قوة، وذوبان غير منسوب إلى سبب بادٍ ، أو سباق، أو مشاركة عضو، فإن أعان الخفقان في هذه الدلالة، فقد تمّ الدليل، وإن أدى إلى الغشي، فقد استحكم الأمر. وإذا قوي على القلب سوء مزاج بارد، أو حار، أو يابس بلا مادة، أخذ البدن في طريق السل والذوبان، فيكون الحار منه دقاً مطبقاً، والبارد نوعاً من الدقّ ينسب إلى المشايخ والهرمى، واليابس نوعاً من الدق، والسل يخالف كل ذلك السلّ الكائن عن الرئة، فإن الرئة في هذا لا تكون مؤفة نفسها، ولا يكون بصاحبه سعال، ويخالف الدق الحار لعدم الحرارة. وأما علامة سوء المزاج الحار، فزيادة النبض في السرعة، والتواتر عن الطبيعي، وخروج النفس إلى السرعة، والتواتر عن الطبيعي، وشدّة العطش الذي يسكن بالهواء البارد، والاستراحة إلى البرد، وعموم النحول، والذوبان من غير سبب آخر، والغمّ، والكرب المخالطين للالتهاب، وأما علامة سوء المزاج البارد، فميل النبض إلى الصغر، والبطء، والتفاوت عن الطبيعي، إلا أن تسقط القوة، فيضطر إلى التواتر، فيتدارك ما تفوت الحاجة بغيرهما، ويكون مع ضعف النفس، وانحلال القوة، والاستراحة إلى ما يسخّن من أنواع ما يلمس، ويشمّ، ويذاق، والتفرع، والجبن، والإفراط في الرقة، والرحمة. وأما علامة سوء المزاج الرطب، فميل النبض إلى اللين عن الطبيعي، وسرعة الانفعال عن التواترات في النفس مع سرعة زوالها، وكثرة حدوث الحمّيات العفنة. وأما علامة سوء المزاج اليابس فميل النبض إلى اليبس عن الطبيعي وعسر الانفعالات مع ثباتها كانت قوية، أو ضعيفة وذوبان البدن.

فصل في دلائل الأورام: فمنها دلائل الأورام الحارة، فإنها في ابتدائها تظهر في النبض اختلافاً عجيباً غير معهود، ويعظم اللهيب في البدن، وخصوصاً في نواحي أعضاء التنفس، ويكون المتنفّس، وإن استنشق أعظم هواء وأبرده كالعادم للنفس، ثم يتبعه غشي متدارك، ولا يجب أن يتوقّع في تعرّف حال أورام القلب الحارة ما يكون من دلالة صلابة النبض على ما جرت العادة بتوفعه في غيره مما هو مثله، فإن الورم لا يبلغ بالقلب إلى أن يصلب له النبض، بل يقتل قبل ذلك. وأما انحلال الفرد، فيوقف عليه من الأسباب البادية، وقد قال بعضهم أنه إذا عرضت في القلب قرحة، سال من المنخر الأيسر دم، ومات صاحبه، وعلامته وجع في الثندوة اليسرى.

فصل في الأسباب المؤثّرة في القلب: الأسباب المؤثرة في القلب، منها ما هي خاصة به، ومنها ما هي مشتركة له ولغيره، كالأسباب الفاعلة للأمزجة، والأسباب الفاعلة للأورام، والفاعلة لانحلال الفرد، وسائر ما أشبه ذلك مما قد عددنا ذلك من الكتب الكلية، لكن القلب يخصّه أسباب تعرض من قبل النفس، وأسباب تعرض من قبل الانفعالات النفسانية. أما النفس، فإذا ضاق أو سخن جداً، أو برد جداً، لزم منه أن تنال القلب آفة. وأما الانفعالات النفسانية، فيجب أن يرجع فيه إلى كلامنا في الكلّيات، وقد بينا تأثيرها في القلب بتوسط الروح، وكل ما أفرط منها في تأثير خانق للحار الغريزي إلى باطن، أو ناشر إياه إلى خارج، فقد يبلغ أن يحدث غشياً، بل يبلغ أن يهلك. والغضب من جملتها أقلّ الجميع، فإن الغضب قلّما يهلك. وأما السهر والرياضة وأمثال ذلك، فتضعف القلب بالتحليل.

فصل في القوانين الكلية في علاج القلب: إن لنا في الأدوية القلبية مقالة مفردة إذا جمع الإنسان بين معرفته بالطبّ، ومعرفته بالأصول التي هي أعمّ من الطب انتفع بها. وأما ههنا فإنا نشير إلى ما يجب أن يقال في الكتب الطبية الساذجة أنه لما كان القلب عضواً رئيساً أجل كل رئيس وأشرفه، وجب أن يكون الإقدام على معالجته بالأدوية إقداماً معموداً بالحزم البالغ، سواء أردنا أن نستفرغ منه خلطاً، أو نبدل له مزاجاً. أما الاستفراغ الذي يجري مجرى الفصد، فإنا نقدم عليه إقداماً لا يحوجنا إلى خلطه بتدابير أخرى منقية، بل أكثر ما يلزمنا فيه أن لا نفرط، فتسقط القوة، وأن تنعش القوة إن خارت قليلاً بالأشياء الناعشة للقوة إذا ضعفت لمزاج بارد، أو حار، وهذا أمر ليس إنما يختص به إخراج الدم فقط، بل جميع الاستفراغات، وإن كان إخراج الدم أشدّ استيجاباً لهذا الاحتياط. والسبب الذي يستغنى معه عن محاولة أصناف من التدبير غير ذلك، أن إخراج الدم ليس بدواء يرد على القلب، وعلى أن الأكثر امتلاءات القلب إنما هو من الدم والبخار، فيدفع ضررهما جميعاً الفصد.

وأما الامتلاء الدموي، فمن الباسليق الأيمن، وأما الامتلاء البخاري، فمن الباسليق الأيسر، وأما سائر الاستفراغات التي تكون بالأدوية، فيجب أن يخالط بالتدبير المذكور وتدابير أخرى، وذلك لأن أكثر الأدوية المستفرغة مضادة للبدن، فيجب أن يصحبها أدوية قلبية، وهي الأدوية التي تفعل في القلب قوّة بخاصية فيها حتى يكون الدواء المستعمل في استفراغ الخلط القلبي مشوباً به أدوية ترياقية بادزهرية مناسبة للقلب. وقد ينفع كثير من هذه الأدوية، بل أكثرها منفعة من جهة أخرى، وذلك لأنها أيضاً تنفذ الأدوية المستفرغة إلى القلب صارفة إياها عن غيره.

وأما تبديل المزاج فإنه إما أن يتوجه التدبير نحو تبديل بارد، أو تبديل حار، أو تبديل رطب، أو تبديل يابس. فإذا أردنا أن نبدل مزاجاً بارداً، اجترأنا على ذلك بالأدوية الحارة مخلوطة بالأدوية القلبية الحارة مع مراعاتنا أن لا يقع منها تحريك عنيف لخلط في القلب بحيث يمدد جرم القلب تمديد ريح، أو تمديد مارة مورمة، وغير ذلك. وأما إن أردنا أن نبدل مزاجاً حاراً، فلا نجسر على الاقتصار على المبرّدات، فإن الجوهر الذي خلق القلب لأجله -وهو الروح المصبوب فيه- جوهر حار، وحرارة غريزية غير الحرارات الضارة بالبدن، وأنه يعرض له من سوء مزاج القلب إذا كان حاراً، أن يقل، ويتحلّل، وأن يتدخن، ويتكدر. فإذا ورد على جرم القلب ما يطفئه، ولم يكن مخلوطاًبالأدوية الحارة التي من شأنها أن تقوي الحار الغريزي لأجل ذلك بحرارتها، بل بخاصيتها المصاحبة لحرارتها أمكن أن يضر بالأصل، أعني الروح، وإن نفع الفرع وهو جرم القلب مما ينفع فيه تعديل حرارة جرم القلب إذا أحس معه حرارة الروح، فلذلك لا تجد العلماء الأقدمين يحلّون معالجة سوء المزاج الحار الذي في القلب، وما يعرض له عن خلط الأدوية الباردة بقلبية حارة ثقة بأن الطبيعة، إن كانت قوية ميزت بين المبرّد والمسخّن، فحملت بالمبردات على القلب، وحملت الحارة القلبية إلى الروح، فيعدل ذلك هذا. وإن وجدوا دواءً معتدلاً يفعل تقوية الروح بالخاصية، أو قريباً من الاعتدال، كلسان الثور، اشتدت استعانتهم به. وأما إن كانت الطبيعة ضعيفة لم ينفع تدبير، وقد يحوجهم إلى استعمال الأدوية الحارة القلبية ما يعلمونه من ثقل جواهر أكثر الأدوية الباردة القلبية، وقلة نفوذها، وميلها بالطبع إلى الثبات دون النفاذ، فيحوجهم ذلك إلى خلط الأدوية القلبية الحارة النافذة بها، لتستعين الطبيعة على سوق تلك إلى القلب، مثل ما يخلطون الزعفران بسائر أخلاط أقراص الكافور، فإن سائر الأخلاط تتبذرق به إلى القلب ثم للقوة الطبيعية أن تصدّه عن القلب له وتشغله بالروح من القلب، وتستعين بالمبردات على تعديل المزاج، فإن هذا أجدى عليها من أن تستعمل مبردات صرفة، ثم تقف في أول المسلك، وتأبى أن تنفّذ. والذين أسقطوا الزعفران من أقراص الكافور مستدركين على الأوائل، فقد جعلوا أقراص الكافور قليل الغذاء، وهم لا يشعرون. ثم المزاج الحار يعالج بسقي ربوب الفواكه، وخصوصاً ماء التفاح الشامي، والسفرجل، فإنها نعم الدواء، وبما يشبهه مما سنذكره، وبأطلية وأضمدة من المطفئات مخلوطة بمقوّيات القلب، وإن كان السبب مادة استفرغت.

وأما علاج سوء المزاج البارد، فبالمعاجين الكبار التي سنذكرها، والشراب الريحاني، والرياضات المعتدلة، وبالأضمدة والأطلية الحارة العطرة القلبية، وبالأغذية حارة بقدر ما ينهضم. فإن كان السبب مادة استفرغت.

وأما علاج سوء المزاج اليابس، فيحتاج فيه إلى غذاء كثير مرطب وإلى دخول الحمام إثره، وإلى استعمال الأبزن مع ترفيه، وقلة حركة، ودعة، وسقي الماء البارد. وإن كان هناك برد جنبوا الماء البارد الشديد البرد، وعدلوا بالأغذية والأشربة، وأكثروا النوم على طعام حار. وإن كان السبب مادة حارة استفرغت، وستعرف تفصيل ذلك حيث نتكلم في علاج الدق والذبول.

وأما علاج المزاج الرطب، فبتلطيف الغذاء، واستعمال الأدوية المجفّفة، والرياضات المعتدلة مع تواتر، وكثرة الحمام قبل الطعام، وعياه الحميات، والاستنقاع الكثير في الماء الحار، واستعمال المسهلات والمدرات، واستعمال الشراب القوي القليل العطر، واستعمال الأغذية المحمودة الكيموس بقدر دون الكثير، فإن كان هناك حرارة جنبوا الحمام، واستعملوا الجماع. وإن كان السبب مادة رطبة أو حارة رطبة استفرغت.

كلام في الأدوية القلبية: أما الأدوية القلبية بكمالها، فيجب أن تلقطها من ألواح الأدوية المفردة من لوح أعضاء النفس، وأما بحسب الحاجة في هذا الوقت، فلنذكر منها ما هو كالرؤوس والأصول فنقول: أما القريبة من الاعتدال منها، فالياقوت، والسبنجاذق، والفيروزج، والذهب، والفضة، ولسان الثور. وأما الحارة منها، فكالدرونج، والجدوار، والمسك، والعنبر، والزرنباد، والإبريسم خاصية، والزعفران، والبهمنان عاجلا النفع، والقرنفل عجيب جداً، والعود الخام، والباذرنبويه، وبزره. وأيضاً الباذروج وبزره، والشاهسغرم وبزره، والقاقلة، والكبابة، والفلنجمشك وبزره، وورق الأترج وحماضه، والساذج الهندي، والراسن عجيب جداً. وأما الباردة، فاللؤلؤ والكهرباء، والبُسد، والكافور، والصندل، والورد، والطباشير، والطين المختوم، والتفاح، والكزبرة اليابسة، والكزبرة الرطبة، وغير ذلك.

المقالة الثانية
جزئيات مفصلة

فصل في الخفقان وأسبابه: الخفقان حركة اختلاجية تعرض للقلب، وسببه كل ما يؤذي القلب مما يكون في نفسه، أو يكون في غلافه، أو يتصل به من الأعضاء المشاركة المجاورة له، وقد يكون عن مادة خلطية، وقد يكون عن مزاج ساذج، وقد يكون عن ورم، وقد يكون عن انحلال الفرد، وقد يكون عن سبب غريب، وقد يكون عن جبن شديد. والمادة الخلطية قد تكون دموية، وقد تكون رطوبة، وقد تكون سوداوية، وقد تكون صفراوية، وقد تكون ريحية، وهي أخفها وأسهلها.

والذي يكون عن مزاج ساذج، فإن كل مزاج غالب يوجب ضعفاً، وكل ضعف يحدث في القلب ما دام به بقية قوة اضطرب اضطراباً ما كأنه يدفع عن نفسه أذى، فكان الخفقان. وإذا أفرط انتقل الخفقان إلى الغشي، وإذا أفرط انتقل إلى الهلاك، وقد يفعله من المزاج الساذج كل مزاج من الأمزجة. وأما الورم الحار، فإنه ما دام يبتدئ أظهر خفقاناً، ثم أغشي، ثم أهلك. والبارد يقرب من حاله، لكنه ربما أمهل قليلاً، وكذلك انحلال الفرد، وكذلك السدد تكون في مجاري الدم، والروح، والقلب وما يليه، وفي العروق الخشنة من أجزاء الرئة. وأما الكائن من سبب غريب، فمثل الكائن عن أوجاع مثخنة، وانفعالات من مواد الأورام المجاورة المذكورة، وعن شرب السموم، والكائن عن لسوعات الحيوانات، والكائن عن الحيات التي تحدث في البطن، وخصوصاً إذا ارتقت إلى أعالي مواقف الغذاء والثفل.

وأما الكائن عن لطف حس القلب، فإن صاحبه يعرض له الخفقان من أدنى ريح يتولد في الفضاء الذي بينه وبين غلافه، أو في جرم غلافه، أو في عروقه، ومن أدنى كيفية باردة، أو حارة تتأدى إليه، حتى عقب شرب الماء من غير أن يؤدي ذلك إلى ضعف في أفعاله.

أما الكائن بالمشاركة، فإما بمشاركة البدن كله كما يعرض في الحميات، وخصوصاً حميات الوباء، أو بمشاركة غلافه، بأن يعرض فيه ورم رخو أو صلب كما يعرض للقرد، والديك المذكورين، أو بمشاركة المعدة بأن يكون في فمها خلط لزج زجاجي، أو لذاع صفراوي، أو كان يفسد فيها الطعام، أو بمشاركة جميع الأعضاء التي توجع بشدة. وقد يكثر بمشاركة المعدة لخلط فيها، أو بثور في فمها، أو وهن عقيب قيء عنيف حتى لا تكاد تميز بينه وبين القلبي.

وربما عرض اختلاج في فم المعدة وترادف ذلك، فكان أشبه شيء بالخفقان القلبي، وقد يكون بمشاركة الرئة إذا كثر فيها السدد في الجهة التي تلي القلب، فلم ينفذ النفس على وجهه، وذلك ينذر بضيق نفس غير مأمون، وقد يكون بسبب البحران، وحركات تعرض للأخلاط نحو البحران، وسنوضحه في موضعه. ومن شكا خفقاناً بعقب المرض، وكان به تهوع وقذف صفراء كبيرة، ولم يزل التهوع، فهو رديء، وينذر بتشنج في المعدة.

العلامات: الخفقان كله يدلَ عليه النبض المخالف المجاوز للحدَ في الاختلاف المحسوس في العظم، والصغر، والسرعة، والإبطاء، والتفاوت، والتواتر، وكثيراً ما يشبه نبض أصحاب الربو، ويدل على الرطب منه شدة لين النبض، وإحساس صاحبه كأن قلبه ينقلب في رطوبة.

ويدل على الدموي فيه علامات الحرارة، والالتهاب، وسرعة النبض، وعظمة في غير وقت الخفقان، وينتفعون بالجماع، وفي البارد بالضد منه.

ويدل على الصفراوي منه، وهو في القليل أمراض صفراوية تتبعه، وصلابة في النبض، وشدة الالتهاب. ويدل على السوداوي منه غم، ووحشة، وصلابة في النبض.

ويدل على الريحي الساذج منه صرعة تحلله، وخفة مؤنته، وقلة اختلاف نبضه.

ويدل على الورمي في جوهره، أو غلافه علامة الورمين المذكورة، وعلى الانحلالي سببه.

وعلى الكائن عن السموم واللسوع سببها مع عدم سائر الأسباب، وكذلك الكائن عن الديدان، والكائن عن مزاج حار مفرد التهاب شديد من غير إحساس رطوبة يترجرج فيها القلب، وسرعة نبض، وتواتره ولو في غير وقت هيجانه، وأن يكون عقيب أسباب مسخنه بلا مادة، وفي الدّق ونحوه.

وكذلك الكائن عن البرد الساذج يدل عليه أسبابه من الاستفراغات المطفئة للحار الغريزي، والأمراض المبردة والأهوية وغيرها، والنبض البطيء المتفاوت في غير وقت الخفقان.

وأما الكائن عن السدد، فيدلّ عليه اختلاف النبض في الصغر، والكبر، والضعف، والقوة مع عدم علامات الامتلاء. وأما الكائن عن لطف حس القلب، وعن أدنى ريح يتولده، وأدنى أذى يتأدى إليه، فيعرف ذلك من قوة النبض، وصحة النفس، والسلامة في سائر الأعضاء. وقوة النبض وعظمه أدل دليل عليه، ويؤكده أن يكون البدن مع تواتر هذا الخفقان سليماً، والقوة محفوظة، والعادة في الأفعال صحيحة، وأكثر ما يعرض هذا للذين يظهر على وجوههم تأثير الانفعالات النفسانية، وإن قلت مثل فرح، أو غم، أو هم، أو غضب، أو نحو ذلك. فأما الكائن بمشاركة البدن كله في الحمّيات، فذلك ظاهر، وكذلك البحراني. وأما الكائن بسبب المعدة، فيدلّ عليه دلائل أحوال المعدة والشهوة، وما ينقذف عنها، والخيالات، والغثيان، والمغص، وأن يخف عند الخواء، إلا أن يكون عن سبب صفراوي ينصبّ إلى فم المعدة عند الخواء، وأن لا يشتدّ ساعة أخذ الغذاء في الهضم. والذي يكون بمشاركة الرئة بأن يكون صاحبه معرضاً للربو موجوداً فيه العلامات الدالة على رطوبة الرئة، وانسداد المجاري فيها التي نذكر في بابه. وأما الكائن بسبب الخناق، فيدل عليه دلائلها المذكورة في بابها، ومما يدل عليه اللعاب السائل، ووجع كالعاض، والغارز، يقع دفعة في فم المعدة.

المعالجات الكلية للخفقان: أما المادية كلها، فينتفع فيها بالاستفراغات. أما الدموي، فبالفصد، وإخراج الدم البالغ، وتعديل الغذاء بالكمّ والكيف، وإن كان له نوائب، أو فصل يعتري فيه كثيراً مثل الربيع مثلاً، فمن الواجب أن يتقدم قبل النوبة بفصد، وتلطيف غذاء، ويتناول ما يقوي القلب.

وأما الكائن بسبب خلط بلغمي، فيجب أن يستفرغ بأدوية يبلغ تأثيرها القلب، وأوفق ذلك الأيارجات الكبار المستفرغة للرطوبات اللزجة. وأما الكائن بسبب دم سوداوي، فعلاجه الفصد، وتعديل الكبد حتى لا تتولّد السوداء بما يقال في بابه. وإن كان مجرد خلط سوداوي فالعلاج فيه الاستفراغ بمثل أيارج روفس، ولوغوديا، وجميع ما يستفرغ الخلط السوداوي من مكان بعيد، ثم يتوخّى بعد ذلك تعديل المزاج. أما البارد فبالمسخنات، وأما الحار فبالمبرّدات، وخصوصاً ما كان منهما من الأدوية القلبية.

وأما ما كان بمشاركة المعدة، فإن كان من خلط غليظ، عولج بالقيء بعد الطعام، وبعد تناول الملطفات المعروفة، مثل تناول عصارة الفجل، والسكنجبين، والإسهال بعده بالأيارجات الكبار، مثل لوغاذيا، وتنادريطوس، وأيارج فيقرا مقوى بشحم الحنظل، والغاريقون، والأفتيمون. فإن كان بسبب الصفراء اللذّاعة، عولج بتقوية المعدة بربوب الفواكه، والنواكه العطرة، ومثل التفّاح، والسفرجل، وخصوصاً بعد الطعام، والكمثري، وما أشبه ذلك، وبإمالة الطبيعة إلى اللين، واجتناب ما يستحيل إلى خلط مراري، وتدبير تعديل المعدة، وكذلك إذا كان الطعام يفسد فيها، فينبغي أن تدبر بما يقويها على هضم ما يفسد فيها بما نذكره في باب المعدة، فكما أنك تقطع السبب بهذا التدبير كذلك، يجب أن تقوّي المنفعل، وهو القلب حتى لا يقبل التأثير، ولا يقتصر على قطع السبب دون تقوية المنفعل، بل يجب مع ذلك أن تتعهد القلب بالأدوية القلبية، مما يعظم نفعه في الخفقان شرب وزن مثقال من لسان الثور عند النوم ليالي متوالية، ومما جرّب له شرب مقدار نواة ووزنها من القرنفل الذكر في اثني عشر مثقالاً من اللبن الحليب على الريق، وأن تشرب مثقالاً من المرزنجوش اليابس في ماء بارد، إن كان هناك حرارة، أو شرب إن لم يكن حرارة في أيام متوالية. ومما ينتفع به صاحب الخفقان، أن يكون معه أبداً طيب من جنس ما يلائم، وأن يديم التبخر به، ويستعمل شمامات منه، وأن يكون الذي به خفقان حار يغلب على طيبه الورد، والكافور، والصندل، والأدهان الباردة، مع قليل خلط من الأدوية الأخرى اللطيفة الحرارة، كقليل مسك، وزعفران، وقرنفل، اللهم إلا أن يفدح الأمر فتقتصر. على الباردة، وإن كان به مزاج بارد، فالمسك، والعنبر، ودهن البان، ودهن الأترج، وماء الكافور، والغالية، وما يشبه ذلك. ويقاربه من أصناف الدخن، والند، والملائمة بحسب المزاج. ولا نكثر عليك الكلام في تعديل الأدوية القلبية الحارة والباردة، فإنك تجد جميعها مكتوباً في جداول أعضاء النفس في الأدوية المفردة. وبالجملة، فإن كل دواء عطر فهو قلبي، ومع هذا، فإنا قد ذكرنا ما يكون من هذه الأدوية مقدّماً في هذا الغرض، فأما صاحب الخفقان مع التهوّع الذي ذكرنا أن خفقانه رديء علاجه خصوصاً إن كان هناك بقية حمّى، سقي سويق الشعير مغسولاً بالماء الحار، ثم مبرّداً بوزن عشرة دراهم سكّر، فإنه -وإن تقيأه أيضاً- ينتفع به، وإن كره السكّر لزيادته في التهوّع، أخذ بدله حبّ الرمان ويشدّ الساقين، ويستنشق الكافور وما يشبهه مع الخلّ، ويضع على الصدر خرقاً مبلولة بماء الصندلين، والكافور، ونحوه وكثيراً ما يهيج الخفقان، ثم يندفع شيء إلى أسفل يمنة ويسرة، فيسكّن الخفقان.

فصل في علاج الخفقان الحار: إن كان هذا الخفقان مع مادة واستفرغتها، وبقي أثرها أو كان خفقان حار بلا مادة، فيجب أن تكون تغذية صاحبه بما قل ونفع، كالخبز المبلول المنقع في ماء الورد فيه قليل شراب ريحاني، والخبز بشراب التفاح، ومرقة التفاح، وبالدوغ القريب العهد بالمخض، أو غير الحامض جداً، والقرع، والبقلة اليمانية، والفواكه الباردة. فإن احتمل اللحم، فالقريص، والهلام من الفراريج، ومن القبج خاصة، فله خاصية في هذا الشأن حتى لبارد المزاج، وأصناف المصوص المتخذ منها كل ذلك بعصارات الفواكه، والحصرم، والتفاح الحامض، والخلّ الحاذق مرشوشاً عليه ماء الورد، وماء الخلاف، وإن كان حمّاض الأترج أو الليمون، فهو أنفع شيء.

فإن اشتدّ الأمر والالتهاب جرّعته الماء البارد، وماء الثلج ممزوجاً بماء الورد تجريعاً بعد تجريع، وجرعته شراب الفواكه، وشراب التفاح الشامي وما أشبه ذلك شيئاً بعد شيء. وإن احتجت أن تذوب فيه الكافور، فعلت، وربما احتجت إلى أن تقتصر به على سقي الرائب من رطل إلى رطلين تجعله غذاء لهم، فإن احتجت إلى تقوية شيء من لباب الخبز والكعك، فعلت، وإن وجدت القوة ضعيفة، وخفت التطفئة، لم يكن بدّ من أن يخلط بذلك، وبما يجري مجراه من الكبابة والقاقلة، وورق الأترج. وأيضاً الكزبرة، والكافور مع ورد، وطباشير أيضاً ليعدله. وأما لسان الثور، فاقدم عليه ولا تخف غائلته، واستعمله في كل ما سقيت وأطعمت، وقد جرت العادة بسقيه، وكذلك ماؤه المقطّر، وقد ينفع منه وزن درهم من الراوند الصيني بماء بارد أيام متوالية، واجتهد أن يكون الهواء مبرّداً غاية التبريد.

وإن شرب تكون النضوحات والشمومات العطرة الكافورية والصندلية حاضرة، ولا بأس أن يرشّ عليها شيء من الشراب قدر ما ينفذ عطرها إلى القلب. ومما ينتفع به صاحب الخفقان الحار الانتقال عن هوائه إلى هواء بارد، فإن ذلك يعيده إلى الصحة، ويجب أن لا تغفل وضع الأضمدة المبرّدة على القلب المتخذة من الصندل، وماء الورد، وماء الحدادين، والكافور، والورد، والطباشير، والعدس يضمّد به فؤاده، وخاصة في الحميات.

وأما المركّبات النافعة في ذلك، فإن يسقى أقراص الكافور بالزعفران بشراب حمّاض الأترج، وقد جعل فيه ورق الأترج، ودواء المسك الحلو والمفرح البارد. ومما جرّب لما ليس من الحار شديد الحرارة ما نحن واصفوه من الدواء. ونسخته: يؤخذ طباشير أربعة أجزاء، عود هندي، وسكّ، من كل واحد درهم، قاقلة، وقرنفل، من كل واحد درهم، كافور نصف درهم، كثيراء ثلاثة دراهم، يقرّص بماء الترنجبين كل قرصة وزن نصف درهم.

نسخة أخرى: يؤخذ درونج جزء، كافور ربع جزء، صندل ثلث جزء، لؤلؤ، كهربا، بُسد، عود هندي، طباشير، ورد، من كل واحد نصف جزء، لسان الثور جزآن، يعجن بماء التفاح ويقرص، والشربة من درهم إلى مثقال. أخرى: وهو دواء أقوى من ذلك في التطفئة بزر خس، وبزر الهندبا، وطباشير، وورد، وصندل، بزر بقلة الحمقاء، ولسان ثور، وكزبرة يابسة، وبُسد، وكهربا، ولؤلؤ، من كل واحد على ما يرى المعالجون قانون ذلك، ثم يسفّ منه وزن درهمين، فإنه جيد جداً. فإن اشتدت الحاجة، فيؤخذ من الطباشير، والصندل الأصفر، والورد من كل واحد جزء، ومن الكافور ربع جزء، الشربة منه وزن درهمين.

نسخة أخرى: يؤخذ نشا، وكهربا، ولؤلؤ، وباذرنبويه، فلنجمشكك وشبّ يماني مقلو ثلاثة ثلاثة، طين أرمني، كزبرة، خمسة خمسة، الشربة مثقالان بماء الباذرنبويه. فإن أفرط الأمر، وزاد الإشعال، وخيف أن يكون ابتداء ورم، فربما احتيج إلى أن يسقى بزر اللقاح، والأفيون. والأجود أن يسقى من بزر اللقاح إلى أربعة دراهم، ومن الأفيون إلى نصف دانق مخلوطاً بدواء عطر من المسك، والعود الخام، والكافور، والزعفران، بحسب القوة والوقت والحاجة.

فصل في علاج الخفقان البارد: أما الاستفراغات إن كان هناك مادة، فعلى السبيل الذي أوضحناه لك. ومما جرّب للبلغمي الرطب من ذلك سواء كان في ناحية القلب، أو في المعدة. ونسخته: أن يؤخذ من الغاريقون وزن نصف درهم، ومن شحم الحنظل وزن دانق، ومن التُرْبَد وزن درهم، ومن المقل وزن دانق، ومن المسك والزعفران من كل واحد طسوج، ومن العود الهندي وزن دانق، ومن الملح النفطي وزن ربع درهم. وهو شربة كاملة.

ومما جرب للسوداوي هنا، ونسخته: هو أن يؤخذ هليلج أسود، وكابلي من كل واحد وزن درهم، أفتيمون نصف درهم، حجر أرمني وزن ربع درهم، دواء المسك المرّ وزن ثلاثة دراهم، يسقى في شراب ريحاني قدر ما يداف فيه، وربما اقتصر على مداومة استعمال أيارج فيقرا وزن مثقال، مع أفتيمون وزن دانق، يسقى بالسكنجبين، ويواصل. وأما الأدوية المبدّلة للمزاج، فالترياق، والمثروديطوس، ودواء المسك الحلو، والمرّ، ودواء قيصر، والشيلثا، وجوارشن العود، والعنبر، والمفرح الكبير، ومعجون النجاج وأقراص المسك. وإذا قوي البرد احتيج إلى مثل الأنقرديا، والسقي منه.

وقد ينفع منه تناول حمصة من القفطرغان بثلاثين مثقالاً من الطلاء، وقد أنقع فيه لسان الثور، ويغتذي بماء الحمص، وفراخ الحمام، ولحوم العصافير، والقنابر. ومن الأدوية المركَبة دواء بهذه الصفة. ونسخته: يؤخذ لسان ثور درهم، زرنباد ودرونج من كل واحد أربعة دراهم، الشربة منه درهم في أول الشهر، وأوسطه، وآخره، ويجب أن يكون في الشراب الريحاني.

آخر: كهربا، وجندبيدستر من كل واحد جزء، وقشور الأترج المجفّفة، بزر الافرنجمشك، من كل واحد نصف جزء، وكهربا، وبسد، من كل واحد درهم، فلنجمشك، قرنفل، سكّ، من كل واحد واحد. الشربة منه نصف درهم بعصارة المفرح غير المصفاة، ولا مغلاة، وههنا أدوية جيدة بالغة طويلة النسخ مذكورة في الاقراباذين.

فصل في أصناف الغشي وأسبابه وأسباب الموت فجأة: الغشي تعطل جل القوى المحركة الحساسة، لضعف القلب واجتماع الروح كله إليه بسبب تحرّكه إلى داخل، أو بسبب يحقنه في داخل فلا يجد متنفساً، أو لقلّته ورقته فلا يفضل على الموجود في المعدن. وأنت ستعلم مما تحققته إلى هذا الوقت أن أسباب ذلك لا تخلو، إما أن تكون امتلاء من مادة خانقة بالكثرة أو السدّة، أو استفراغاً محللاً للروح، أو عدماً ليدلّ ما يتحلّل وجوع شديد. وأضعف الناس صبراً عليه المنسوبون إلى أنهم لا مرضى ولا أصحاء، كالصبيان ومن يقرب منهم والمشايخ والناقهون. وأما المتناهون في السنّ، فقد يحتملونه، واحتماله في الشتاء أكثر منه في الصيف، أو سوء مزاج قد استحكم، أو عرض العظيم منه دفعة، أو وجع شديد، أو ضعف من قوى المبادئ الرئيسة، وخصوصاً القلب، ثم الدماغ، ثم الكبد، أو ضعف المشارك مثل فم المعدة للقلب، أو ضعف من البدن كله وهزال ونحافة، أو استيلاء عارض نفساني على ما ذكر ذلك في موضع آخر. وأكثره للمشايخ، والضعفاء، والناقهين، أو وصول قوة مضادة بالجوهر لمزاج القلب والروح إليهما، مثل اشتمام آسن الآبار، ووباء الهواء، وكما يعرض في الحمّيات الوبائية ونتن الجيف ونفوذ قوى السموم إلى القلب، وربما كان بمشاركة شريان. ومن ذلك ما يعرض بسبب الديدان التي تصعد إلى فم المعدة. ويجب أن نفضل هذا تفصيلاً أكثر، فنقول: أما المواد، فإنها تحدث الغشي، إما للكثرة وسدها مجاري الروح وحصرها كلها في القلب حتى يكاد أن يختنق، ومن هذا القبيل انصباب من أخلاط كثيرة، أو دم كثير إلى فم المعدة، أو الصدر ونحوهما، أو انتقال من مادة ورم الخناق وذات الجنب وذات الرئة، إلى ناحية القلب دفعة.

وإما للحوج منها في المسام، فيسد المجاري، وخصوصاً في الأعضاء النفسية، وربما كان عاماً في جميع عروق البدن، وإن لم يفعل ذلك بكثرة.

وأما السدة أذاها بالكيفية الباردة جداً، أو اللذاعة جداً، أو المحرقة جداً، والغشي الذي يقع في ابتداء نوائب الحميات هو من هذا القبيل، وسببه أخلاط غليظة لزجة، أو لذاعة أو محرقة، وقد يكون ذلك بقرب القلب، وقد يكون في أعضاء أخرى بمشاركة كالدماغ، فإنه إذا حدثت به السدة الكاملة فكان سكتة، كان غشي لا محالة.

وقد يكون في المعدة بسبب ورم، أو لضعف حادث تصير به قابلة لتحلب المواد إلى فمها كانت باردة، أو حارة، وقد يكون بسبب كثرة السدد في عروق البدن حيث كانت. وهذه المواد القتالة، قد يعرض كثيراً من إفراط الأكل، والشرب، وتواتر التخم لسوء الهضم حتى ينتشر منه في البدن ما يملأ العروق، ويسد مسالك النفس، وهذه المواد الكثيرة قد تعين على الغشي من جهة حرمانها البدن الغذاء أيضاً، لأنها تسد طريق الغذاء الجيد، ولا تستحيل بنفسها إلى الغذاء لأنها لكثرتها تقوى على الطبيعة، فلا تنفعل عنها.

ومع ذلك، فإن مزاج البدن يفسد بها وهذه المواد التي تفعل الغشي بكثرتها أو برداءتها هي التي تفعل الكرب الغشي إذا وقعت في المعدة، وكانت أقل كمية، أو رداءة. وإما الكائن بسبب استفراغ مفرط، فإنما يكون لاستتباعه الروح مستفرغاً معه إلى أن يتحلل جمهوره، وذلك، أما استطلاق بطن يذرب، أو إسهال متتابع، أو زلق معدة، أو معي، أو سحج، أو قيء كثير، أو رعاف أو نزف لحم من عضو آخر كأفواه عروق المعدة، أو لجراحة، أو لبزل ماء استسقاء، أو لبط دبيلة ليسيل منها شيء كثير دفعة، أو نزف حيض، أو نفاس، أو لكثرة رياضة، أو مقام في حمام حار شديد التعريق، أو لسبب من أسباب التعريق قوي مفرط عارض لذاته فاعل للعرق لذاته، كالحرارة، أو معين كتخلخل البدن المفرط، أو رقة من الأخلاط في جواهرها وطبائعها، وإذا عرض الغشي عن استفراغ أخلاط. والقوة الحيوانية قوية بعد لم يكن مخوفاً، وذلك مثل الغشي الذي يعرض بعد الفصد.

وأما الوجع، فيحدث الغشي لفرط تحليله الروح كما يعرض في إيلاوس، والقولنج، وفي اللذع المفرط العارض في الأعضاء الحساسة من فم المعدة، والمعي ونحوها، وفي مثل وجع جراحات العصب وقروحها، واللدوغ التي تعرض عليها العقرب، أو زنبور، وفي قروح المفاصل الممنوة بالاحتكاك المفرع لما بينها لانصباب المواد المؤذية، ومثل أوجاع القروح الساعية المغشية لشدة إيجاعها لحدتها وتأكيلها، ويحدث منها فساد الأعضاء حتى يتأدى إلى الموت، فإنها تغشي أولاً بالوجع، وآخراً بشدة تبريد القلب، أو بإيراد بخار سمي فاسد على القلب منعه من تجنف العضو واستحالته إلى ضد المزاج المناسب للناس. وأما عوارض النفس، فقد تكلمنا فيها وعرفت السبب في إجحافها بالقلب.

فأما الورم، فإنه يحدث الغشي إما بسبب عظمه حيث كان ظاهراً أو باطناً، فيفسد مزاج القلب، بتوسط تأدية الشرايين، أو بسبب العضو الذي فيه إذا كان مثل غلاف القلب، أو كان عضواً قريباً من القلب، فإن لم يكن الورم عظيماً جداً، فإنه يفعل ما يفعل العظيم البعيد، أو بسبب الوجع إذا اشتد معه. وأما المعدة فإنها كيف تكون سبباً للغشي، فاعلم أن المعدة عضو قريب الموضع عن القلب، وهي مع ذلك شديدة الحس، وهي مع ذلك معدن لاجتماع الأخلاط المختلقة، فهي تحدث الغشي، إما بأن تبرد جداً كما في بوليموس، أو بأن تسخن جداً، أو بأن توجع جداً، وإما لأن فيها مادة غليظة رديئة باردة، ولذاعة حريفة، أو قروح، أو بثور في فمها، وأما الأعضاء الأخرى، فإنها كيف تكون سبباً للغشي، فاعلم أن الأعضاء الأخرى تكون سبباً للغشي، إما لوجع يتصل منها بالقلب، أو بخار سمي يرسل إلى القلب، مثل ما يعرض ذلك في اختناق الرحم، وأما لاستفراغ يقع فيها يحلل الروح من القلب، مثل ضعف شديد في فم المعدة، وإما لسبب يوجب خنق مجاري الروح فيما حول القلب، أو لأمزجة فاسدة قوية رديئة تغلب عليها مثل ما يكون في الحميات المحرقة والوبائية، وذلك مما يكون بشركة جميع الأعضاء.

واعلم أن الغشي المستحكم لا علاج له وخصوصاً إذا تأدى إلى اخضرار الوجه وانتكاش الرقبة، فلا يكاد يستقل. ومن بلغ أمره إلى هذا، فإنه كما يشيل رأسه يموت.

واعلم أن من افتصد بالوجوب وغشي عليه لا لكثرة الاستفراغ، ولا لعادة في المقصود معتادة، ففي بدنه مرض، أو في معدته ضعف لذاتها أو لانصباب شيء إليها. والشيخ المحموم إذا انحلّ خامه إلى معدته، أحدث غشياً. والذي يغشى عليه في أول فصده، فذلك لمفاجأة ما لم يعتد، وكثيراً ما يعرض في البحارين غشي لانقباض المادة الحارة إلى المعدة، وكثيراً ما يكون الفصد سبباً للغشي بالتبريد.

العلامات: العلامات الدالة على أسباب الغشي وأوجاعه مناصبة للعلامات المذكورة، فإنها إذا كانت ضعيفة كانت للخفقان، وإذا اشتدت كانت للغشي، وإذا اشتدت أكثر كانت للموت فجأة، والنبض أدل دليل عليه، فيدل بانضغاطه مع ثبات القوة على مادة ضاغطة، وباختلافه لشديد مع فترات وصغر عظيم على انحلال القوة، وأما سائر دلائله على سائر الأحوال، فقد عرفته.

وبالجملة، فإن الغشي إذا لم يقع دفعة، فإنه يصغر له النبض أولاً، ثم يأخذ الدم بغيب إلى داخل فيحول اللون عن حاله، ويكاد الجفن لا يستقل، ويتبين في العين ضعف حركة، وتغير لون، ويتخايل للبصر خيالات خارجة عن الوجود، وتبرد الأطراف، وتظهر نداوة في البدن باردة.

وربما عرض غشي، وربما برد جميع البدن، فإذا ابتدأ شيء من هذه العلامات عقيب فصد، أو إسهال، أو مزاولة شيء لا بد من إيلامه، فليمسك عنه وليزل السبب، فقد تأدى إلى الغشي إن لم يقطع. وإذا لم يكن للغشي سبب ظاهر بادٍ، أو سابق، وكان معه خفقان متواتر، ولم يكن في المعدة سبب يوجبه، وتكرر، فهو قلبي ومستحكم. وأما الذي مع غثيان وكرب، فقد يكون معدياً، وإذا توالى الغشي واشتد، ولم يكن سبب ظاهر يوجبه، فهو قلبي، فصاحبه يموت فجأة.

المعالجات: القوي منه والكائن بسبب من سوء مزاج مستحكم، فلا علاج له، وما ليس كذلك، بل هو أخفّ، أو تابع لأسباب خارجة عن القلب، فيعالج. وصاحب الغشي، قد يكون في الغشي، وقد يكون فيما بين الغشي والإفاقة، وقد يكون في نوبة الخف من الغشي.

فأما إذا كان في حال الغشي، فليس دائماً يمكننا أن نشتغل بقطع السبب، بل نحتاج أن يقابل العرض العارض بواجبه من العلاج. وربما اجتمع لنا حاجتان متضادتان بحسب جزءين مختلفين، فاحتجنا في الأعضاء إلى نقصان، واستفراغ لما فيها من الأخلاط وفي الأرواح إلى زيادة في الغذاء نعش لما يعرض لها من التحلل.

وأكثر ما يعرض من الغشي، فيجب فيه أن يبدأ ويشتغل بما يغذو الروح من الروائح العطرة، إلا في اختناق الرحم والغشي الكائن منه فيجب أن تقرب من أنوفهم الروائح المنتنة، وخصوصاً الملائمة مع ذلك لفم المعدة، ولشمّ الخيار خاصية فيه مجربة، وخصوصاً في علاج الحار الصفراوي، وكذلك الخسّ، ثم يعالج بالسقي والتجريع من ناعشات القوة.

وإذا كان هناك خواء وجوع، فلا يجوز أن يقرب منهم الشراب الصرف، بل يجب أن يخلط بماء اللحم الكثير، أو يمزج بالماء، وإلا فربما عرض منه الاختلاط والتشنج. ومما لا بدّ منه في أكثر أنواع الغشي تكثيف البدن من خارجٍ لتحتقن الروح المتحلّلة، اللهم إلا أن يكون إسهال قوي جداً، أو يكون السبب برداً شديداً. وإذا لم يكن هناك سبب من برد ظاهر يمنع رشّ الماء البارد والترويح، وتجريع الماء البارد، وماء الورد خاصة، وإلباس الثياب المصندلة مع اشتمام الروائح الباردة، وكثيراً ما يفيق بهذا، فإن كان أقوى من هذا، ولم يكن عقيب أمر محلل حار جداً، فيجب أن ينفخ المسك في أنفه، ويشمّم الغالية، ويبخّر بالندّ، ويجرع دواء المسك إن أمكن.

وإن كان السبب حرارة، فاستعمال العطر البارد، ورشّ الماء البارد على الوجه أولى، ولا بأس أن يخلط المسك القليل بما يستعمل من ذلك مع غلبه من مثل الكافور، والصندل، وما هو أقوى في التبريد ليكون البارد بإزاء المزاج الحار المؤذي، والمسك لتقوية الحار الغريزي، وأن يجرّعوا الماء البارد، وإن احتملت الحال أن يكون ممزوجاً بشراب مبرد رقيق لطيف فهو أجود. وينبغي مع ذلك أن يدلك فم المعدة دَلَكاً متواتراً، ويجب أن يكون مضجعه في هواء بارد، وكذلك يجب أن يكون مضاجع جميع أصحاب الغشي إذا لم يكن من سبب بارد، وخصوصاً غشي أصحاب الدقّ.

ويجب أن يدام تنطيل أطرافهم ونواحي أعضائهم الرئيسة بماء الورد، والعصارة الباردة المعروفة، ولا بدّ من شراب مبرّد يسقونه. وإن كان هناك كفواق وغثيان، فيجب أن تنعش حرارة العليل، وتعان طبيعته بدغدغة الحلق بريشة، وتهييج القيء، وتحريك الروح إلى خارج، ويجب أن يدام هزّه والتجليب عليه، والصياح بأعظم ما يكون، والتعطيس، ولو بالكندس. فإذا لم ينجع ذلك، ولم يعطس، فالمريض هالك، ويجب خصوصاً في الغشي الاستفراغي أن تقرب منه روائح الأطعمة الشهية، إلا أصحاب الغثيان والغشي الواقع بسبب خلط في فم المعدة، فلا يجب أن يقرب ذلك منهم، ويجب أن يسقوا الشراب ويجرّعوه، إما مبرّداً، وإما مسخّناً بحسب الحالين المعلومين، ويكون الشراب أنفذ شيء وأرقّه، وأطيبه طعماً مما به بقية قوّة قبض لا إن كانت تلك القوة قوية في الطراوة ليجمع الروح ويقوّيه. ويجب أن لا يكون فيه مرارة قوية فتكرهه الطبيعة، ولا غلظ فلا ينفذ بسرعة، ويجب أن يكون لونه إلى الصفرة، إلا أن يكون الغشي عن استفراغ، وخصوصاً عن المسام لتخلخلها وغير ذلك، فيستحبّ الشراب الأسود الغليظ، فإنه أغذى وأميل بالأخلاط إلى ضدّ ما به يتحلل، وأعود على الروح في قوامه. وأما من لم يكن به هذا العذر، فأوفق الشراب له أسرعه نفوذاً.

وأنت يمكنك أن تجرّبه بأن تذوق منه قليلاً، فإذا رأيته نافذاً لتسخين بسرعة مع حسن قوام وطيب، فذلك هو الموافق المطلوب. وربما جعلنا فيه من المسك قريباً من حبتين، أو من داء المسك بقدر الشربة، أو نصفها، أو ثلثها وذلك في الغشي الشديد، وكذلك أقراص المسك المذكورة في القراباذين. وأوفق الشراب في مثله المسخّن فيمن ليس غشيّه عن حرارة، فإنه أنفذ. وإذا قوّي بقوة من الخبز، كان أبعد من أن ينعش. ومما ينفعهم الميبة المخصوصة بالغشي المذكور في القراباذين. وأحوج الناس إلى سقي الشراب المسخن أبطؤهم إفاقة، فلا يجب أن يسقى هؤلاء البارد، وكذلك من برد جميع بدنه، وهؤلاء هم المحتاجون إلى الدلك وتمريخ الأطراف والمعدة بالأدهان الحارة العطرة.

وإن كان الغشي بسبب مادة، فإن أمكن أن ينقص تلك المادة بقيء يرجى سهولته، أو بحقنة، أو بفصد، فعل ذلك. وإن كان بسبب استفراغ من الجهات الداخلة سجيت الأطراف، ودلكت، ومرّخت بالأدهان الحارة العطرة، وربما احتيج إلى شدها وتحر في حبس كل استفراغ ما قيل في بابه، ودبّر في نعش القوة بما علمت.

والذي يكون من هذا الباب عقيب الهيضة، فيصلح لصاحبه أن يأخذ سكّ المسك في عصارة السفرجل بماء اللحم القوي في شراب. وينفعه مضغ الكندر، والطين النيسادبوري المربى بالكافور، وإن كانت بسبب استفراغ من الجهات الخارجة كعرق وما يشبهه، ضدّ ذلك، وبرّدت الأطراف وفرّ على الجلد الآس، وطين قيموليا، وقشور الرمان، وسائر القوابض، ولم تحرّك المادة إلى خارج البتة، ولا يستعمل مثل هذا الذرور في الغشي الاستفراغي من داخل، بل يجب أن تقويّ القوة في كل استفراغ، لا سيما بتقريب روائح الأغذية الشهية ونحوها مما ذكر، وإن كان بسبب وجع بقدر ذلك الوجع، وإن لم يكن قطع سببه كما يعالج القولنج بفلونيا وأشباهه. وإن كان السبب السموم جرع البادزهرات المجرّبة، ودواء المسك، والأدوية المذكورة في كتاب السموم. وأما إذا كان في الفترة، وقد أفاق قليلاً فتدبيره أيضاً مثل التدبير الأول مع زيادة تتمكّن فيها في مثل هذه الحال، ومثال ما يشتركان فيه، أنه مثلاً يجب أن يجرع الأدوية النافعة بحسب حاله مما ذكر وعرف في باب الخفقان، ويتعجل في ذلك.

والذي يتمكن فيه من الزيادة، فمثل أنه إذا كان هناك امتلاء في فم المعدة، اجتهد لينقى ذلك فإنه الشفاء، وكذلك إن كان هناك امتلاء يجب أن يجوع ويقلل الغذاء ويراض الرياضة المحتملة لميله، والدلك لجميع الأعضاء حتى المعدة والمثانة، ولا يحمل الغذاء إلا الشرابي المذكور في حال الغشي الذي لا بد منه.

وكثير من الأطباء الجهّال يحاولون تغذيته ظانين أن فيه صلاحه، ونعش قوته فيخنقون حرارته الغريزية، ويقتلونه. وهؤلاء ينتفعون بالسكنجبين، وخصوصاً إذا طبخ بما فيه تقطيع وتلطيف من الزوفا ونحوه.

فإن كان السبب سدّة في الأعضاء النفسية وما يليها، جرع السكنجبين، ودلك، ساقاه وعضداه، واشتغل في مثل هذا الدواء بإدرار بولهم، ويسقون من الشراب ما رق، وذلك إن كانت هناك حرارة. وإن كان عن استفراغ وضعف، جرع ماء اللحم المعطر، ومصص الخبز المنقع في الشراب الريحاني العطر المخلوط به ماء الورد. وربما انتفع بأن يسقى الدوغ مبرّداً، وذلك إن كانت هناك مع الاستفراغ حرارة، وكذلك ماء الحصرم.

وأفضل من ذلك رب حماض الأترج، وقد جعل فيه ورقه. وبالجملة، من كان به مع غشيه كرب ملهب، أو حدث عن تعرق شديد، فيجب أن يعطى ما يعطى مبرّداً، ولو الشيء الذي يلتمس فيه التسخين.

ومما ينفع أن يسقى ماء اللحم القوي الطبخ مخلوطاً بعشرة من الشراب الريحاني، وشيء من صفرة البيض، وشيء من عصارة التفاح الحلو أو المر والحامض بحسب ما يوجبه الحال، فإن كنت تحذر عليه التسخين، ولا تجسر على أن تسقيه الشراب، سقيته الرائب المبرد مدوفاً فيه الخبز السميذ، وأطعمته أصناف المصوص المعمول بربوب الفواكه، فإن كان صاحب الغشي يجد برداً معه، أو بعده، أو عند سقي المبرّدات، وخصوصاً في الأحشاء، سقيته الفلافلي، والفلفل نفسه، والأفسنتين، وربما سقي بالشراب، فإذا أحوج العلاج إلى التنقية، ووقعت الافاقة، وجب أن تقوّى المعدة، ويبتدأ في ذلك بمثل شراب الأفسنتين المطبوخ بالعسل، ويستعمل الأضمدة المقويّة للمعدة المذكورة، ويسقى الشراب الريحاني بعد ذلك، ويغذى الغذاء المحمود.

وأما الكائن في ابتداء الحميات، وبسبب الأورام، فنذكر علاجه حيث نذكر علاج أعراض الحميات. وبالجملة، يجب أن يدلك أطرافهم، وتسخّن، وتشد لئلا تغوص القوة والمادة، ويمنعوا أكل طعام وشراب، ويهجروا النوم، اللهم إلا أن يكون إنما يعرض في ابتدائها للضعف، ومن كان من المغشي عليهم يحتاج إلى غذاء، فيجب أن يعطى قبل النوبة بساعتين، أو ثلاث، وليكن الغذاء سويق الشعير مبرّداً، وخبزاً مع مزورة، ويستنشق الطيب. وإن كان هناك اعتقال قدم من الغذاء ما يليّن، مثل الاسفيذباجات ونحوها، وشرب شراب التفاح مع السكنجبين نافع في مثله. فإن كانت الحاجة إلى التغذية ملطّفة، فمثل ماء اللحم، وصفرة البيض، والاحساء بلباب الخبز وماء اللحم، وربما اضطرّ فيه إلى خلطه بشيء من الشراب.

وأما إن احتاج مع ذلك إلى تقوية المعدة، فينبغي أن يخلط به الربوب، والعصارات الفاكهية العطرة التي فيها قبض. وأما في وقت النوبة، فلا بدّ من الشراب. وأما الغشيّ الكائن عن العوارض النفسانية، المتدارك أيضاً بمثل ما قيل من الروائح الطيبة، وسدّ الأنف، والتقيئة، ودلك الأطراف والمعدة، والتغذية بماء اللحم فيه الكعك والشراب مبرداً، أو مسخناً على ما تعرف، مثل إن كان الغشي عن توالي قيء مرة صفراء، وجب يكون الشراب ممزوجاً، وكذلك غشي الوجع، وسنذكر ما يخص القولنج في بابه.

والغشي الذي يعرض عقيب الفصد، أكثره يعرض لأصحاب المعدة، والعروق الضيقة، والمعدة الضعيفة، أو للأبدان التي يغلب عليها المرة الصفراوية، ولمن لم يعتد الفصد، فهؤلاء يجب أن يتقدم قبل الفصد، فيسقوا شيئاً من الربوب المقوّية للمعدة والقلب.

وإذا وقعوا في الغشي فعل ما ذكر وسقوا شراباً ممزوجاً مبرداً يقوي معدتهم ويحفظها، وخصوصاً مع عصارة أخرى، ويجب أن يقول من رأس، أنه قد يجتمع أن يفتقر العلاج في الغشي إلى قبض، ليمنع الاستفراغات، ويقوّي الأعضاء المسترخية المعينة على التحليل، وأن يشد مثل فم المعدة، فلا تقبل ما ينصت إليها، وإلى قوة نافذة سريعة النفوذ للروح لتغدو الروح، مثل الشراب وهما متمانعا الفعل، فيجب أن تفرق بين حالتي استعمالهما، فتستعمل القابض في وقت الإفاقة، أو بعد أن استعملت الآخر، مبادراً إلى نعش القوة، وقد أثرت فيه ونعشت، وتستعمل الثاني في وقت الحاجة إليه السريعة نعش القوة، ولا تقدم القابض على ذلك، فتمنع نفوذه.

وربما وقعت الحاجة إلى ما هو أقوى تغذية من الشراب، وخصوصاً إذا كان الغشي عن جوع، أو تحلل كثير، وإذا كان الشراب الساذج إذا ورد على أبدانهم نكأ فيها وأورث اختلاطاً وتشنجاً، فليس لهم مثل ماء اللحم المذكور مخلوطاً بالشراب، وبعصارة التفاح، إما الحامض، وإما الحلو بحسب الأمرين.

وإذا لم يكن مانع، فالأجود أن يجعل فيه مثل القرنفل، والمسك، فإن المعدة له أقبل، وقوة المعدة به أشد انتباهاً، والقلب له أجذب، وربما احتجت أن تدوف الخبز السميذ فيما يجرعه إذا كان العهد بالغذاء بعيداً، ودلك الأطراف وشدها.

وكذلك تهييج القيء نافع من كل غشي، إلا إذا كان عن عرق ونحوه بما تتحرك له الروح إلى خارج، فهذا إلى التسكين أحوج، ولا ينبغي أن يحركوا، أو يقيئوا، أو يربطوا ومما يقيئهم الماء الفاتر بالدهن، أو الزيت، أو ممزوجاً بشراب، ويجب أن تسخن المعدة وما يليها قبل ذلك، والأطراف أيضاً ليسهل القيء.

ثم اعلم أن علك الأطراف، وتسخينها، وتعطيرها بالمروخات، وتعطير فم المعدة بالمروخات الطيبة، مثل دهن الناردين، وبالمسخنات، مثل الخردل، والعاقرقرحا، موافق جداً إن كان إغشاؤه من استفراغ لحم، أو خلط، أو امتلاء، بل لأكثر من يغشى عليه إذا لم يكن منه حركة الأخلاط إلى خارج. ويجب أن تعصب سوقهم، وأعضادهم مراراً متوالية، وتحل، ويدبر ذلك بما يوجبه مقابلة جهة الاستفراغ. وهؤلاء ينتفعون بشد الآباط، ورشق الماء البارد، ودلك فم المعدة، وكذلك كل غشي يكون عن استفراغ، وبالشراب الممزوج إلا أن يمنع مانع عن الشراب، مثل ورم، أو خلط غير نضيج، أو اختلاف، أو صداع.

ومن عظمت الحاجة فيه إلى التقوية سقيته الشراب أيضاً، ولم تبال، وذلك في الغشي الصعب، والحمام موافق لمن يصيبه غشي من الذرب والهيضة، وإن اعترى الغشي لنزف الدم فهو ضار جداً، وكذلك إن اعتراه للعرق الكثير. والحمام موافق أيضاً لمن يجد من المفيقين تلهباً في فم المعدة.

وأما إنه كان لضعف فم المعدة، فيجب أن يستعمل الأضمدة القوية مثل ما يتخذ من المصطكي، والسفرجل، والصندل، والزعفران، والسوسن، وكذلك الضماد المتخذ بالشراب، والمسك، والسوسن بالشراب، على أنه ينتفع جداً بدلك الأطراف، وشدها. والغشي الكائن من الجوع ربما سكنه وزن درهم خبزاً، وغشي اليبس، أو يبس الطبيعة يجب أن تتلقى نوبته بلقم خبز في ماء الرمان، أو شراب التفاح، وربما احتيج في الأمراض الحمرة بسبب الغشي إلى سقي شراب، وصلحه التفه، وأصحاب الغشي يكلفون السهر، وترك الكلام.

فصل في سقوط القوة بغتة: هذا أكثر ما يعرض حيث لا يكون وجع، ولا إسهال، ولا ورم عظيم، ولا استفراغ عظيم، وإنما يكون لأخلاط مالئة، وفي الأقل ما تكون تلك الأخلاط دموية، فإن الدم ما لم يحدث أولاً أعراضاً أخرى، لم يتأذ حاله إلى أن يحدث سقوط القوة بغتة، وأما الغالب، فهو أن يكون السبب أخلاطاً غليظة في المعدة، أو في العروق تسد مجاري النفس.

واعلم أن سقوط القوة تبلغ الغشي، وقد تكون عونه الغشي حيث تكون القوة إنما بطلت عن العصب والعضل، فخليا عنها، فصار الإنسان لا حراك به، ولا يزول عن نصبته وضجعته، إلا بجهد. وسبب ذلك بعض ما ذكرناه، فإنه إذا اشتد أسقط القوة بالتمام، وإن لم يشتد أسقط القوة من العصب والعضل. وقد يكون كثيراً لرقة الأخلاط في جوهرها وقبولها للتحلّل، وخصوصاً في الحميات. وهؤلاء ربما كانت أفعالهم السياسية غير مؤفة، وإن كانت غير محتملة إذا كثرت، وتكررت.

المعالجات: علاج هؤلاء قريب من علاج أصحاب الغشي، فما كان من الامتلاء الدموي، فعلاجه الفصد، وما كان بسبب خلط آخر من الأخلاط الغليظة، فيجب أن يواتر صاحبه في حمال الإفاقة الاستفراغ بمثل الايارجات، وربما اقتنع بأيارج فيقرا، مر، كبابة، تربد وملح هندي، وغاريقون، وأفتيمون، وما أشبه ذلك.

وربما أعينت بمثل السقمونيا، فإن السقمونيا مما يعمل الأدوية الأخرى. ويجب أن يستعمل فيه القيء بعد الإسهال، ويدام تناول مقويات القلب، ويشممها ودلك الأطراف مما ينعش الحار الغريزي على ما تكرر ذكره، ويستعمل بعد ذلك رياضة معتدلة.

وأما الغذاء، فليكن بما لطف وقطع مثل ماء الحمص بالخردل، ودهن الزيت، ودهن اللوز، ويستعمل من الشراب الرقيق العتيق، ويستعمل الحمّام بعد الاستفراغ، ويتمسح بالأدهان المنعشة الحار الغريزي الملطفة، ثم يستعمل بعد الحمام الشراب الصرف، وشراب العسل، وشراب الأفسنتين وما يشبه ذلك.

فإذا أخذ ينتعش، فيجب أن يدبر بالغذاء المقوي السريع الهضم، وأنت تعلم ذلك مما ذكر. واعلم أن القوة تزداد بالغذاء والشراب للموافقين، وبالطيب، والدعة والسرور، والبراءة من الأحزان، والمضجرات، واستجداد الأمور الحبيبة، ومعاشرة الأحباء.

فصل في الورم الحار في القلب: أما إذا صار الورم ورما فقد قتل أو يقتل، وأما قبل ذلك، فإذا ظهر الخفقان العظيم، والالتهاب الشديد بالعلامات المذكورة، فإنه على شرف هلاك، فإن أنجاه شيء، ففصد الباسليق، وربما طمع في معافاته يفصد شريان من أسافل البدن، وتبريد صدره، بالثلج، والصندل، والكافور المحلولين بالماء، وأيضاً الكزبرة الرطبة، وتجريعه ماء الثلج بالكافور على الدوام، فإن ذلك نافع.