الكتاب الثالث: الأمراض الجزئية - الفن الرابع عشر: الكبد وأحوالها

الفن الرابع عشر

الكبد وأحوالها

وهو أربعة مقالات:

المقالة الأولى
كليات أحوال الكبد

فصل في تشريح الكبد: نقول: إن الكبد هو العضو الذي يتمم تكوين الدم، وإن كان الماساريقا قد تحيل الكيلوس إلى الدم إحالة ما لما فيه من قوة الكبد، والدم بالحقيقة غذاء استحال إلى مشالكة الكبد التي هي لحم أحمر كأنه دم، لكنه جامد، وهي خالية عن ليف العصب منبثة فيها العروق التي هي أصول لما ينبث منه، ومتفرقة فيه كالليف، وعلى ما علمته في باب التشريح، خصوصاً في تشريح العروق الساكنة، وهو يمتص من المعدة، والأمعاء بتوسط شعب الباب المسماة ماساريقي من تقعيره، وتطبخه هناك دماً، وتوجهه إلى البدن بتوسط العرق الأجوف النابت من حدبتها، وتوجه المائية إلى الكليتين من طريق الحدبة، وتوجه الرغوة الصفراوي إلى المرارة من طريق التقعير فوق الباب، وتوجه الرسوب السوداوي إلى الطحال من طريق التقعير أيضاً. وقعر ما يلي المعدة منه ليحسن هندامه على تحدب المعدة، وجذب ما يلي الحجاب منها لئلا يضيق على الحجاب مجال حركته، بل يكون كأنه يماسه بقرب من نقطه، وهو يتصل بقرب العرق الكبير النابت منها، ومماستها قوية، وليحسن اشتمال الضلوع المنحنية عليها، ويجللها غشاء عصبي يتولد من عصبة صغيرة يأتيها ليفيدها حساً ما، كما ذكرناه في الرئة.

وأظهر هذا الحس في الجانب المقعر، وليربطها بغيرها من الأحشاء، وقد يأتيها عرق ضارب صغير يتفرق فيها، فينقل إليها الروح، ويحفظ حرارتها الغريزية، ويعد لها بالنبض. وقد أنفذ هذا العرق إلى القعر، لأن الحدبة نفسها تتروح بحركة الحجاب، ولم يخلق في الكبد للدم فضاء واسع، بل شعب متفرقة ليكون اشتمال جميعها على الكيلوس أشدّ، وانفعال تفاريق الكيلوس منها أتم وأسرع، وما يلي الكبد من العروق أرق صفاقاً، ليكون أسرع تأدية لتأثير اللحمية إلى الكيلوس، والغشاء الذي يحوي الكبد يربطها بالغشاء المجلل للأمعاء والمعدة الذي ذكرناه، ويربطها بالحجاب أيضاً برباط عظيم قوي، ويربطها بأضلاع الخلف بربط أخرى دقاق صغيرة، ويوصل بينها وبين القلب العرق الواصل بينهما الذي عرفته طلع من القلب إليها، وطلع منها إلى القلب بحسب المذهبين. وقد أحكم ربط هذا العرق بالكبد بغشاء لب ثخين، وهو ينفذ عليها. وأرق جانبيه الذي في الداخل، لأنه أوجد للأمن، لأنه يماس الأعضاء الرقيقة.

وكبد الإنسان أكبر من كبد كل حيوان يقارنه في القدر. وقد قيل أن كل حيوان أكثر أكلاً وأضعف قلباً فهو أعظم كبداً، ويصل بينها وبين المعدة عصب، لكنه دقيق، فلا يتشاركان، إلا لأمر عظيم من أورام الكبد.

وأول ما ينبت من الكبد عرقان، أحدهما من الجانب المقعر، وأكثر منفعته في جذب الغذاء إلى الكبد، ويسمى الباب. والآخر في الجانب المحدب، ومنفعته إيصال الغذاء من الكبد إلى الأعضاء، ويسمى الأجوف. وقد بينا تشريحهما جميعاً في الكتاب الأول.

وللكبد زوائد يحتوي بها على المعدة ويلزمها، كما يحتوي على المقبوض عليه بالأصابع. وأعظم زوائدها هي الزائدة المخصوصة باسم الزائدة، وقد وضع عليها المرارة، وجعل مدها إلى أسفل. وجملة زوائدها أربع أو خمس.

واعلم أنه ليس جرم الكبد في جميع الناس مضاماً لأضلاع الخلف شديد الاستناد إليها وإن كان في كثير منهم كذلك، وتكون المشاركة بحسب ذلك أعني مشاركة الكبد لأضلاع الخلف، والحجاب، ولحمة الكبد لا حسّ لها، وما يلي منها الغشاء يحسّ بسبب ما يناله قليلاً من أجزاء الغشاء العصبي، ولذلك تختلف هذه المشاركة وأحكامها في الناس، وقد علمت أن تولد الدم يكون في الكبد، وفيها يتميز المرار، والسوداء، والمائية، وقد يختل الأمر في كلتيهما، وقد يختل في توليد الدم، ولا يختل في التمييز، وإذا اختل في التمييز، اخِتل أيضاً في توليد الدم الجيد. وقد يقع الاختلاف في التمييز لا بسبب الكبد، بل بسبب الأعضاء الجاذبة منها لما تميز. وفي الكبد القوي الأربع الطبيعية، لكن أكثرها ضميتها في لحميتها، وأكثر القوى الأخرى في ليفها، ولا يبعد أن يكون في المساريقا جميع هذه القوى، وإن كان بعض من جاء من بعد يرد على الأولين فيقول: أخطأ من جعل للماساريقا جاذبة، وماسكة، فإنها طريق لما يجب، ولا يجوز أن يكون فيها جذب، وأورد في ذلك حججاً تشبه الاحتجاجات الضعيفة التي في كل شيء، فقال: أنه لو كان للماساريقا جاذبة لكان لها هاضمة، وكيف يكون لها هاضمة ولا يلبث فيها الغذاء، ريثما ينفعل، قال ولو كانت لها قوة جاذبة، وللكبد أيضاً لاتفقا في الجوهر لاتفاق القوى، ولم يعلم هذا الضعيف النظر أن القوة الجاذبة إذا كانت في المجرى التي تجذب الأمعاء كان ذلك أعون، كما أن الدافعة إذا كانت في المجرى الذي يدفع فيه كونها في المعاء كان ذلك أعون، وينسى حال قوة الجاذبة في المريء، وهو مجرى، ولم يعلم أنه ليس كثير بأس بأن يكون في بعض المنافذ قوة جاذبة، ولا يكون هاضمة يعتدّ بها، إذ لا يحتاج بها إلى الهضم، بل إلى الجذب ونسي أن الكيلوس قد يستحيل في الماساريقا استحالة ما، فما ينكر أن يكون السبب في ذلك قوة هاضمة قي الماساريقا، وأن يكون هناك قوة ماسكة تمسكه بقدر ما، وإن لم يطل، ونسي أن أصناف الليف للأفعال المعلومة مختلفة، واستبعد أن يكون فيما يسرع فيها النفوذ هضم ما، وليس ذلك ببعيد، فإن الأطباء قالوا أن في الفمّ نفسه هضماً ما، ولا ينكرون أيضاً أن في الصائم قوة دفع وهضم، وهو عضو سريع التخلية عما يحويه، ونسي أنه قد يجوز أن تختلف جواهر الأعضاء، وتتفق في جذب شيء، وإن كان سالكاً في طريق واحد كجميع الأعضاء، ونسي أن الجذب للكبد أكثره بليف عروقها، وهو مجانس لجوهر الماساريقا، غير بعيد منه فكم قد أخطأ هذا الرجل في هذا الحكم.

وأما الذي يذكره جالينوس، فيعني به الجذب الأول القوي حيث فيه مبدأ حركة يعتد بها، وغرضه أن يصرف المعالج والمقتصر على علاج الماساريقا دون الكبد، والدليل على ذلك قوله لمن أقبل في هذه العلة على علاج الماساريقا، وترك أن يعالج الكبد، أنه كمن أقبل على تضميد الرجل المسترخية من آفة حادثة في النخاع الذي في الظهر، وترك علاج المبدأ والأصل والنخاع، فهذا قول جالينوس المتصل بذلك القول، وأنت تعلم أن الرجل ليس تخلو عن القوى الطبيعية والمحركة والحساسة، التي في النخاع والمجاري، إنما الفرق بين قوتها وقوة النخاع، أن القوة الحساسة والمحركة والحساسة، التي في النخاع والمجاري، إنما الفرق بين قوتها وقوة النخاع، أن القوة الحساسة والمحركة لأحدهما أولاً، وللآخر ثانياً.

وكذلك حال الماساريقا، فإنها أيضاً ليست تخلو عن قوة، وإن كان مبدؤها الكبد، وكيف، وهي آلة ماء، والآلات الطبيعية التي تجذب بها من بعيد لا على سبيل حركة مكانية، وكما في العضل، فإنها في الأكثر لا تخلو عن قوة ترى فيها، وتلاقي المنفعل، حتى أن الحديد ينفعل منه عن المغناطيس ما يجذب به حديداً آخر، وكذلك الهواء بين الحديد والمغناطيس عند أكثر أهل التحقيق.

فصل في الوجوه التي منها يستدل على أحوال الكبد: قد يستدل على أحوالها بلقاء المس، كما يستدل على أورامها أحياناً، ويستدلّ أيضاً بالأوجاع التي تخصّها، ويستدل بالأفعال الكائنة منها، ويستدل بمشاركات الأعضاء القريبة منها، مثل المعدة، والحجاب، والأمعاء، والكلية، والمرارة، ويستدل بمشاركة الأعضاء التي هي أبعد منها، مثل نواحي الرأس، ومثل الطحال. ويستدل بأحوال عامة لجميع البدن، مثل اللون، والسحنة، واللمس. وقد يستدل بما ينبت في نواحيها من الشعر، وما ينبت منها من الأوردة، ومن هيئة أعضاء أخرى، وما يتولد منها، وينبعث عنها، وبالموافقات، والمخالفات، ومن الأسنان والعادات وما يتصل بها.

تفصيل هذه الدلائل: أما المثال المأخوذ من اللمس، فهو أن حرارة ملمس ناحيتها يدلّ على مزاج حار، وبرودته على مزاج بارد، وصلابته على جساء الكبد، أو ورم صلب فيها، وانتفاخه على ورم، أو نفخة فيها، وهلالية ما يحس من انتفاخه على أنه في نفس الكبد، واستطالته، وكونه على هيئة أخرى، على أنه في غير الكبد، وأنه في عضل البطن. وأما المثال المأخوذ من الأوجاع، فمثل أنه إن كان تمدد مع ثقل، فهناك ريح سدّة، أو ورم، أو كان بلا ثقل، فهناك ريح، وإن كان ثقل بلا ولا نخس، فالمادة في جرم الكبد، وإن كان ورماً، أو سدة، أو كان مع نخس، فهي عند الغشاء المغشّى لها. وأما الاستدلال المأخوذ من الأفعال الكائنة عنها، فمثل الهضم، والجذب، والمخ للدم إلى البدن، وللمائية إلى الكلية، وللمرار إلى المرارة، وللسوداء إلى الطحال، ومثل حال العطش.

فإذا اختلّ شيء من هذه ولم يكن بسبب عضو مشاركة للكبد، فهو من الكبد. وأما الاستدلالات المأخوذة من المشاركات، فمثل العطش، فإنه إن كان من المعدة، فكثيراً ما يدل أحوال الكبد، ومثل الفواق أيضاً، ومثل الشهوة أيضاً، والهضم، ومثل سواء التنفس، فإنه كان لسبب الرئة والحجاب فقد يكون بسبب الكبد، ومثل أصناف من البراز، وأصناف من البول يدل على أحوال الكبد يستعملها، ومثل أحوال من الصداع، وأمراض الرأس، وأحوال من أمراض الطحال، يدلّ عليها، ومثل أحوال اللسان في ملاسته وخشونته، ولونه، ولون الشفتين، يستدلّ منه عليها. وقد يجري بين القلب والكبد مخالفة، وموافقة، ومقاهرة في كيفياتهما، سنذكرها في باب أمزجة الكبد. وأما الاستدلال بسبب أحوال عامة، فمثل دلالة اللون على الكبد بأن يكون أحمر وأبيض، فيدل على صحتها، أو يكون أصفر، فيدل على حرارتها، أو رصاصياً، فيدل على برودتها، أو يكون كمداً، فيدل على برودتها ويبوستها ومثل دلالة اليرقان عليها.

وأيضاً مثل دلائل السمن اللحمي، فيدلّ على حرارتها ورطوبتها، والسمن الشحمي، فيدل على برودتها ورطوبتها، ومثل القضافة، فيدلّ على يبوستها، ومثل عموم الحرارة في البدن، فيدل إن لم يكن بسبب شدّة حرارة القلب على حرارتها. ويتعرف معه دلائل حرارتها المذكورة.

وأما الاستدلال من هيئة أعضاء أخرى، فمثل الاستدلالات من عظم الأوردة، وسعتها على عظمها، وسعة مجاريها، ومن قصر الأصابع وطولها، على صغرها وكبرها. وأما الاستدلال من الشعر النابت عليها، فمثل الاستدلال منه في أعضاء أخرى، وقد ذكرناه.

وأما الاستدلال مما ينبت منها -وهي الأوردة- فهي أنها إن كانت غليظة عظيمة ظاهرة، فالمزاج الأصلي حار، وإن كانت رقيقة خفيفة، فالمزاج الأصلي بارد. وأما حرارتها، وبرودتها، ولينها، وصلابتها، فقد يكون لمزاج أصلي، وقد يكون لعارض. وأما الاستدلال مما يتولّد فيها، فمثل أن تولد الصفراء يدل على حرارتها، والسوداء على حرارتها الشديدة، أو على بردها اليابس، على ما تعلم في موضعه. وتولد الدم الجيد دليل على صحتها، والذي ينتشر منها الدم الجيد دليل على صحتها، والذي ينتشر منها دم جيد يتشبه بالبدن جداً فهي صحيحة، والتي دمها صفراوي، أو سوداوي، أو رهل -وتبين ذلك مما ينتشر منه في البدن أو مائي غير قابل للاتصال بالبدن كما في الاستسقاء اللحمي- فهي عليل بحسب ما يدل عليه حال ما ينتشر عنها. وأما الموافقات والمخالفات، فتعلم أن الموافق مشاكل للمزاج الطبيعي، مضاد للمزاج العارض.

وأما السن والعادة وما يجري معها، فقد عرفت الاستدلال منها في الكليات، وأما مخالفة القلب الكبد في الكيفيات، فاعلم أن حرارة القلب تقهر حرارتها قهراً ضعيفاً، ورطوبته لا تقهر يبوستها، ويبوسته ربما قهرت رطوبتها قليلاً.

وحرارة الكبد تقهر برودة القلب قهراً ضعيفاً، ورطوبتها تقهر يبوسته قهراً ضعيفاً، وبرودتها أقلّ قهراً لحرارته، ويبسها قاهر دائماً لرطوبته. وبرد القلب يقهر حرارة الكبد أكثر من قهر يبوسته لرطوبتها، وحرارة القلب تقهر رطوبة الكبد أكثر من قهر يبوستها لرطوبته، وتقهر برودتها أيضاً قهراً تاماً.

فصل في علامات أمزجة الكبد الطبيعية: المزاج الحار الطبيعي، علامته سعة الأوردة، وظهورها، وسخونة الدم والبدن، إن لم يقاومه القلب، فإن حرارة القلب تغلب برودة الكبد قهراً قوياً، وكثرة تول الصفراء في منتهى الشباب، والسوداء بعده، وكثرة الشعر في الشراسيف، وقوة الشهوة للطعام والشراب.

المزاج البارد الطبيعي: علامته أضداد تلك العلامات، وبرودة القلب تقهر حرارة الكبد دون قهر حرّه لبردها، ولأن دم صاحب هذا المزاج رقيق مائي، وقوته ضعيفة، فكثيراً ما تعرض فيه الحمّيات.

المزاج اليابس الطبيعي: علامته قلة الدم، وغلظه، وصلابة الأوردة، ويبس جميع البدن، وثخن الشعر، وجعودته، والقلب برطوبته لا يتدارك يبوسة الكبد تداركاً يعتد به. بل لا يقهرها قهراً أصلاً، لكن يبوسة الكبد تقهر رطوبة القلب جداً، وحرارة القلب تقهر رطوبة الكبد قهراً بالغاً.

في المزاج الرطب الطبيعي: علامته ضد تلك العلامات، والقلب بيبوسته ربما تدارك رطوبة الكبد قليلاً جداً، لكن رطوبتها تقهر يبوسة القلب قهراً قوياً.

والمزَاج الحار اليابس الطبيعي: علامته غلظ دم، وكثرة شعر أسود عند الشراسيف، وسعة أوردة مع امتلاء، وصلابة، وكثرة تولد الصفراء، والسوداء في آخر الشباب، وحرارة البدن، وصلابته إن لم يخالف القلب.

المزاج الحار الرطب الطبيعي: يدل عليه غزارة الدم جداً، وحسن قوامه، وسعة الأوردة جداً مع اللين، وكون اللون أحمر بلا صفرة، والشعر الكثير في الشراسيف دون الذي في الحار اليابس، وليس في كثافته، وجعودته، ونعومة البدن لحرارته، ورطوبته. وإن كانت الحرارة غالبة بقي البدن صحيحاً، وإن كانت الرطوبة أغلب، أسرع إليه أمراض العفونة.

المزاج البارد اليابس الطبيعي: يدل عليه قلة الدم، وقلة حرارة الدم والبدن، وضيق العروق وخفاؤها وصلابتها، وقلة الشعر في المراق، ويبس جميع البدن.

المزاج البارد الرطب: علامته ضد علامات الحار اليابس في جميع ذلك.

فصل في أمراض الكبد: إن الكبد يعرض لها في خاص جوهرها أمراض المزاج، وأمراض التركيب، والأورام، والنفاخات خاصة عند الغشاء، ويتفقأ إلى الفضا وغير ذلك مما نذكره باباً باباً. وقد يحتمل الخرق أكثر من أعضاء أخرى، فلا يخاف منه الموت العاجل، إلا أن يصحبه انفجار الدم من عرق عظيم. وقد تعرض للكبد أمراض بمشاركة، وخصوصاً مع المعدة، والطحال، والمرارة، الكلية، والحجاب، والرئة، والماساريقي، والأمعاء، فيشاركها أولاً العروق التي تلي تقعير الكبد، ثم يتأسّ ضررها إلى الكبد، وربما تمكن. وأما الحجاب والرئة والكلية، فتشارك أولاً عروق الحدبة ثم يتأدّى إلى الكبد، وربما تمكن.

وأكثر ما تكون المشاركة، فإنها تكون من قبل المعدة، فيفسد الهضم معه، ويندفع الطعام غير منهضم، إلا أن يكون بسبب آخر، والأمراض الحدبية، قد يكون اندفاع موادها في الأكثر بإدرار البول، وبالرعاف، وبالعرق. وأما الأمراض العقعيرية، فيكون ذلك منها بالإسهال، والقيء الصفراوي، والدموي، وبالعرق أيضاً في كثير من الأوقات، فاعلم جميع ما قلناه وبيناه.

فصل في العلامات الحالة على سوء مزاج الكبد: سوء المزاج الحار: علامته عطش شديد، ولا ينقطع مع شرب الماء، وقلة شهوة الطعام، والتهاب، وصفرة البول، وانصباغه، وسرعة النبض، وتواتره، وحميات، وتشيط الدم واللحم، وتأذ بالحرارات، ويتبعه ذوبان يبتدئ من الأخلاط، ثم من لحم الكبد، ويتبعه سحج، قد تيبس معه الطبيعة من غير وجع في الأضلاع، أو ثقل، ويكثر معه القيء الأصفر والأحمر والأخضر الكراثي، ويكون معه البراز المري كثيراً، خصوصاً إن كان هناك مع المزاج مادة، وإن لم يكن قل الدم، وخشن اللسان، ونحف البدن. وقد يستدل على ذلك من العادة، والسنّ. والحرفة، والتدبير. والوسط منه يولد الصفراء، والمفرط يولد السوداء، وأمراضها عن المالنخوليا والجنون ونحوه.

وإذا ابتدأ الإسهال الغسالي مع سقوط الشهوة، فأكثره لضعف الكبد الكائن عن مزاج حار، وفي أكثره يكون البراز يابساً محترقاً، اللهم إلا أن يبلغ إلى أن يحرق الدم والأخلاط ولحمية الكبد ويسهلها. وإذا أخذ في إحراق الدم كان البراز كالمردي، وإذا كان في الكبد احتراق، أو ورم، أو دبيلة، ثم خرج بالبراز شيء أسود غليظ، فذلك لحم الكبد قد تعفن، وليس كل شيء أسود يخرج رديئاً، وربما أقام الغسالي والصديدي المائي، ثم غلظ وصار أسود غليظاً منتناً، كما يكون في أصحاب الوباء، وربما خرج بعد الصديدي دم، ثم سوداء رقيقة.

سوء المزاج البارد: علامته بياض الشفتين، واللسان، وقلة الحم، وعسر جريه، وكثرة البلغم، وقلة العطش، وفساد اللون، وذهاب ما به، فربما أصفر إلى خضرة وربما أصفر إلى فستقية. وأيضاً بياض البول، وبلغميته، وغلظه بسبب الجمود، وفتور النبض، وشدة الجوع، فإن الجوع ليس إنما يكون من المعدة فقط، وقلة الاستمراء، وإذا بلغ البرد الغاية أعدم الشهوة. والبراز ربما كان يابساً بلا رائحة، وربما كان رطباً لضعف الجذب، وكان إلى البياض قليل الرائحة. وقد يرق معه البراز، ويرطب، إلا أنه لا يدوم كذلك متصلاً، ولا يكثر معه الاختلاف.

وإن كان ابتدائه وعروضه يطول، وفي آخره يخرج شيء مثل الدم المتعفن ليس كالدم الذائب، وقد يتبع المزاج البارد بعد مدة ما حميات لقبول الدم الرقيق الذي فيه العفونة التي تعرض له، وهي حميات صعبة نذكرها في باب الحمّيات. وربما كان في أولها صديد رقيق، ثم يغلظ ويسود، وإن كان اختلاف شبيه بغسالة اللحم الطري، وذلك مع الشهوة في الابتداء، دل على برد.

وإن عرض بعد ذلك سقوط الشهوة، فربما كان لفساد الأخلاط، أو لسبب آخر من حمّى ونحوها. وأكثر دلالته هو على ضعف عن برد، وفي آخره تعود الشهوة، ويفرط في أكثر الأمر، ويتشنّج معه المراق. وقد يدلّ عليه السن، والعادة، والغذاء، والأسباب ماضية مثل شرب ماء بارد على الريق، أو في أثر الحمّام، أو الجماع لأن الكبد الملتهبة تمتص من الماء حينئذ سريعاً كثيراً، وإن كان هناك مادة، أحسست بحموضة في الفم، ورطوبة في البراز، وربما كان إلى السواد الأخضر دون الأصفر والأحمر، وقد يتبع المزاج البارد بعد مدة ما حميات ما لقبول الدم الرقيق الذي فيه للعفونة التي تعرض له، وهي حميات خبيثة نذكرها في باب الحمّيات بعد هذا.

في سوء المزاج اليابس: علامته يبس الفمّ، واللسان، وعطش، وصلابة النبض، ورقة البول، وربما إسودّ اللسان. وإن كان هناك سوداء، أو صفراء علمت دلائلهما بسهولة ما علمت في الأصول. سوء المزاج الرطب: يدل عليه تهيّج الوجه، والعين، ورهل لحم الشراسيف، وقلة العطش، إلا أن يكون حرارة تغلي الرطوبة، ورطوبة اللسان، وبياض اللون، وربما كانت معه صفرة يسيرة. وأما إذا اشتد البرد وغلبت الرطوبة، كان إلى الخضرة، وربما أضعف البدن لترهيل الرطوبة.

فصل في كلام كلي في معالجات الكبد: إن الكبد يجب فيها من حفظ الصحة بالشبيه ودفع المرض بالضد، وفي تدبير مداواة الأورام والقروح، وآفات المقدار، وفي تفتيح السدد وغير ذلك ما يجب في سائر الأعضاء. وأجود الأوقات في سقي الأدوية لأمراض الكبد، وخصوصاً لأجل سدد الكبد ونحوها، الوقت الذي يحدس معه، أن ما نفذ من المعدة إلى الكبد، وحصل فيها قدر انهضم وتميز ما يجب أن يتميز، وبينه وبين الأكل زمان صالح، وفي عادة الناس هو الوقت الذي يبن القيام من النوم، ومن الاستحمام. ويجب أيضاً في الكبد أن لا يخلي الأدوية المحللة المفتحة التي ينحى بها، نحو أمراض الكبد المادية نحو السدية، والورمية عن قوابض مقوية، اللهم إلا أن يجد من يبس مفرط، ولا يجب أن يبالغ في تبريد الكبد ما أمك، فيؤدي إلى الاستسقاء، ولا في تسخينها، فيؤدي إلى الذبول، وكذلك ما يجب أن يكون عالماً بمقدار المزاج الطبيعي للكبد التي تعالجها، حتى إذا رددتها إليه وقفت.

واعلم أنك إذا أخطأت على الكبد، أعدى خطؤك إلى العروق، ثم إلى البدن. ومن الخطأ أن يدر حيث ينبغي أن يسهل، وهو أن تكون المادة في التقعير، أو يسهل حيث ينبغي أن يدر، وهو أن تكون المادة في الحدبة. والأدوية الكبدية يجب أن ينعم سحها، ويجب أن تكون لطيفة الجوهر ليصل إليها، كانت حارة، أو باردة، أو قابضة. والملطفات من شأنها أن تحد الدم، وإن كانت تفتح، فيجب أن يراعى ذلك، ومثل ماء الأصول من جملة مفتحاتها، وملطفاتها قد تولد في الكبد أخلاطاً مختلفة غير مناسبة، فيجب إذاً تواتر سقيها يومين، أو ثلاثة أن يتبع بشيء ملين للطبيعة. وأما الإدرار، فماء الأصول نفسه يفعل، وجميع أنواع الهندبا، وخصوصاً المرة التي تضرب إلى الحرارة نافعة من آلام الكبد. أما للمبرودين، فبالسكنجبين، وأما للمبرودين، فبماء العسل. وكبد الذئب نافع بالخاصية، ولحوم الحلزونات كذلك نافع.

فصل في الأشياء الضارة للكبد: اعلم أن إدخال الطعام على الطعام، وإساءة ترتيبه من أضر الأشياء بالكبد، والشرب للماء البارد دفعة على الريق، وفي أثر الحمام، والجماع، والرياضة، وربما أدى إلى تبريد شديد للكبد لحرص الكبد الملتهبة على الامتياز السريع. والكثير منه ربما أدى إلى الاستسقاء، ويجب في مثل هذه الحال أن تمزجه بشراب، ولا تبرده شديداً، ولا تغبّ منه غباً، بل تمصّه قليلاً قليلاً. واللزوجات كلها تضرّ بالكبد من جهة ما يورث السدد. والحنطة من جملة ما فيه لزوجة بالقياس إلى الكبد، وليس فيها ذلك بالقياس إلى ما بعد الكبد من الأعضاء إذا انهضمت في الكبد، وليس كل حنطة هكذا، بل القلة. والشراب الحلو يحدث في الكبد سدداً، وهو نفسه يجلو ما في الصدر .
والسبب فيه أن الشراب الحلو ينجذب إلى الكبد غير مدرج بحب الكبد له من حيث هو حلو، ونفوذه من حيث هو شراب، فلا يلبث قدر ما يتميز التفل منه لبث سائر الأشياء الغليظة، بل يرد على الكبد بغلظه، ويجد المسلك إليها مهيأ، لأن طرق ما بين المعدة والكبد واسعة بالقياس إلى ما يتجه إليه من العروق المبثوثة في الكبد.

ثم إذا حصل في الكبد، لم يلبث قدر التميز والهضم، بل يندفع اللطيف في العروق الضيقة هناك لسرعة نفوفه، وخلف الرسوب لضيق مسلكه. وأما في الرئة، فالأمر بالخلاف لأنه يرد عليها الشراب الحلو. وقد يصفى، إما من طريق منافذ المريء على سبيل الرشح من منافذ ضيقة إلى واسعة، وإما من طريق الأجوف، وقد خلف القفل فما بعده وهو صاف، ودار في منافذ ضيقة إلى واسعة، فيصفّى مرة أخرى. وكذلك سائر الأحوال الأخرى لا يوجد له بالقياس إلى الرئة.

فصل في الأشياء الموافقة للكبد: ينفع من الأدوية كل ما فيه مرارة يفتح بها، أو قوة أخرى تفتح بها مع قبض يقوي به، وعطرية تناسب جوهر الروح، وتمنع العفونة، كالدارصيني، وفقاح الأذخر، والمر ونحوه، وما فيه غسل، وجلاء، وتنقية للصديد الرديء إذا لم يبلغ في الإرخاء مبالغة الغسل، وما فيه إنضاج، وتليين، وخصوصاً مع قبض وتقوية، كالزعفران، وما هو مع ذلك لذيذ، كالزبيب، وسريع النفوذ، كالشراب الريحاني لأكثر الأكباد التي ليس بها حرارة شديدة وإذا جمع الدواء إلى الخواص المذكورة اللذة، فبالحري أن يكون صديقاً للكبد، حبيباً إليها، كالزبيب، والتين، والبندق، وأن يكون بالغ النفع، فإن كان غير قابل للفساد، والعفونة، فهو أبلغ، والطرحشقوق، والهندبا البستانيِ والبري يوافقانها جداً، وينفعان من المرض الحار في الكبد بالخاصية والكيفية المضادة معاً.

على أن قوماً يعدون المر الشديد المرارة منه حاراً، فينتفع بتفتيحه السدد لمرارته، وبالتقوية لقبضه، وينفع من المرض البارد لخاصيته، ومما فيه من تفتيح، وتقوية. وإذا أفرط البرد في الكبد خلط أيهما كان بالعسل، فيقاوم العسل تبريداً ما إن خيف منه، ويعينه على سائر أفعاله. وقد يخفقان ويسقيان بالعسل ومائه، أو يطبخان بالعسل، أو بماء العسل، فينفعان جداً، ويفتح، ويخرج الخلط البارد بالبول، ويوافق الكبد من الأغذية ما كيموسه جيدة. والحلاوات توافق الكبد، فتسمن بها، وتعظم، وتقوى، لكنها تسرع إلى إحداث السدد لجذب الكبد إياها بعنف مستصحب بأخلاط أخرى. ولذلك يجب أن يجتنب الحلاوات من به ورم في كبده، فإنها تستحيل بسرعة إلى المرار، وتحدث أيضاً السدّة. وأضر الحلاوات غليظها لإحداث السدد، وحادها لاستحالته إلى المرار. والفستق نافع لعطريته، وقبضه، وتفتيحه، وتنقيته مجاري الغذاء، لكنه شديد التسخين. والبندق موافق لجميع الأكباد، لأنه ليس بشديد الحرارة، وهو مفتح، وكيموسه جيد، وكبد الذئب، ولحوم الحلزونات موافقة للكبد بخاصية فيها، فاعلم جميع ذلك.

فصل في علاج سوء المزاج الحار في الكبد: يجب أن يتلطف في تبريده، فلا يبلغ الغاية، وأن يتوقّى فيها الإرخاء الشديد بالمرطبات المائية، ويتوقى. فيها إحداث السدد بالمبرّدات الغليظة، ويجب أن يتوقى فيها التخدير البالغ، بل يجب أن تكون مبرّداته تجمع إلى التبريد جلاء، وتفتيحاً وتنفيذاً للغذاء، وقبضاً مقوياً غير كثير، وفي ماء الشعير هذه الخصال، والهندبا البري، والبستاني، غاية في هذا المعنى، فإن مزاجهما إلى برد ليسَ بمفرط جداً، وفيهما مرارة مفتحة غير مسخنة، وقبض معتدل مقو، بل يبلغ من منفعتهما أن لا يضرا الكبد الباردة أيضاً، ويقعان في أدويته كما ذكرنا في الأدوية المفردة في ألواح الأدوية الكبدية. وقد يؤكل مسلوقاً، وخصوصاً مع الكزبرة اَلرطبة واليابسة، ويؤكل بالخل. وللأمبر باريس خاصية عظيمة، والتمر الهندي أيضاً، وإذا أحس بسدد في الكبد، انتفع بما يضاف إليهما من الكرفس، فإنه يفتح السدد من أي الجهتين كانت، وهو مما يسرع نفوذه، وكذلك السكنجبين.

ومما ينفع ذلك، أن يؤخذ من عصارة الهندبا، وعصارة الكاكنج، وعصارة عنب الثعلب، من كل واحد أوقيتان، ومن عصارة الكزبرة الرطبة، وعصارة الرازيانج، من كل واحد أوقية ونصف، يخلط بهما نصف درهم زعفران ويسقى، وقد يسقى دهن الورد الجيد، ودهن التفاح بالماء البارد، فيعدّل حرّ الكبد.

ومما ينفع الكبد التي بها سوء مزاج حار، أن يؤخذ من الأسفيوس مثقالان بسكّر طبرزذ وماء بارد، وأيضاً أن يسقى عصارة القرع المشوي، والقثاء، وماء الرمان، ومخيض البقر، وماء التفاح، والكمّثري، والفرفير، وعصارة الورد الطري. وإذا لم يكن حمّى، نفع ماء الجبن بالسكنجبين كل يوم يشرب مع وزن ثلاثة دراهم إهليلج أصفر، ووزن درهم لكّ مغسول، ونصف درهم بزر كرفس. وإذا فرغ منه أسبوعين، شرب لبن اللقاح يبتدئ من رطل إلى رطلين، وتطرح فيه الأدوية المدرّة المفتحة المنفذة، مثل شيء من عصارة الغافت، أو من بزر الهندبا، وبزر الكشوث. وربما احتيج إلى شرب فقّاح الأذخر، وربما احتيج إلى سقي المخدرات، والمعاجين الأفينونية، والبنجية، والفلونيا. وأنا أكره ذلك ما وجد عنه مذهب. والشاب القوي ربما كفاه أن يشرب الماء البارد جداً على الريق. وينفع منها أقراص الطباشير، وأقراص الأمبر باريس الباردة، وأقراص الكافور. ومن الأقراص النافعة لهم قرص بهذه الصفة، وهو مجرّب. ونسخته: يؤخذ ورد الخلاف، وورد النيلوفر، من كل واحد عشرة دراهم، ومن الورد الأحمر المنزوع الأقماع اثنا عشر درهماً، ومن الكافور وزن درهمين ونصف، ومن الصندل الأحمر، ومن اللكّ المغسول بالأفاويه كما يغسل الصبر، سبعة سبعة، ومن الفوفل ثمانية دراهم، ومن الزعفران ثلاثة دراهم، ومن الراوند خمسة دراهم، ومن الطين القبرسي، والمصطكي، والبرسياوشان، من كل واحد ثلاثة دراهم، يعجن بماء عنب الثعلب، وماء الهندبا ويتخذ أقراصاً، كل قرص مثقال، ويسقى منه كل يوم قرص بماء عنب الثعلب. وقد ينفع من ذلك ضمّاد بهذه الصفة. ونسخته: يؤخذ الفرفير، ويدق، ويجعل عليه دهن ورد، ويبرد، ويضمد به. أو يؤخذ من الصندلين أوقية، ومن الفوفل، والبنفسج اليابس، نصف أوقية نصف أوقية، ومن الورد أوقية نصف، ومن الزعفران المغسول نصف أوقية، ومن الأفسنتين ربع أوقية، ومن الكافور وزن درهمين، يجمع إلى قيروطي متخذ بدهن الخلاف، ويطلى على شيء عريض، وخصوصاً ورق القرع، وورق الحماض، وورق السلق، ويضمّد به. وقد يضمّد بعصارة البقول الباردة، مثل عصارة القرع، والقثاء، وسائر ما ذكرناه في باب المشروبات، ويجعل فيها سويق الشعير، وسويق العدس، ويصب عليها دهن ورد، ويضمّد بها. وربما جعل فيها شيء من جنس الصندل، والفوفل، والكافور، ولا يبعد أن يجعل فيها شيء من جنس العطريات، ومياه الفواكه العطرة، وربما رش عليها شيء من ميسوسن، فإنه نافع.

في تغذيتهم: وأما الأغذية التي يغذّون بها، فمثل ماء الشعير، وسلاقات البقول المذكورة، ونفس تلك البقول مطبوخة، والهندبا مطبوخة بالكزبرة الرطبة، والخسّ، والسلق المطبوخ، والرائب الحامض، وماء اللبن الحامض، ولحوم الحلزونات، ومن الفواكه الزعرور، والسفرجل، والكمّثري، ولا يكثر من ذلك لئلا يفرط في القبض، ويولّد السدد أيضاً، والتفاح، والرَمان المزّ، والحصرم الحامض، ويكسر قبضه بما فيه تليين، والتوت الشامي، والريباس مع كسر، والخل بزيت المتخذ بماء وحب الرمان قبل الطعام وبعده، والبطيخ الذي ليس بمفرط الحلاوة، لا سيما الذي يعرف بالرقي، والفلسطيني والهندي، وما كان من هذه الأدوية فيه مع التبريد قبض، فيجب أن لا يواصل تناوله لما فيه من إحداث السدد ولا بأس بالبطيخ الصلب القليل الحلاوة، وبالعنب الذي فيه صلابة لحم، وقلة حلاوة، وبمزّ من العنب خاصة.

وتنفعهم الماشية، والقطفية، والفرعية، والاسفاناخية، والعدسية محمّضة وغير محمضة. ومن الناس من يرخص لهم في الزبيب، ويجب أن يكون إلى حموضة. والبندق ليس فيه تسخين كثير، وهو فتاح للسدد جيد للغذاء، فيجب أن يخلط بما فيه تبريد ما.

وينفعهم من اللحمان السمك الصغار المطبوخ بأسفيداج، أو بالخلّ، والمصوصات والقرّيصات المتخذة من اللحمان اللطيفة، كلحمان الجداء، والطير الخفيفة الانهضام مثل لحم الحجل، والورشان الغير المفرط السمن، والفاختة، وينفعهم بطون طير الماء، والأوز، والدجاج محمّضة، وكذلك العصافير محمضة.

ويضرهم الكبد، والطحال، والقلب، واللحوم الغليظة، كلحوم التيوس، والكباش، والحيوانات العصبية، والصلبة اللحم. وأما لحم البقر الفتي قرّيصاً، فينفع قوي المعدة والهضم منهم، وينبغي أن يجتنبوا البيض الذي طبخ حتى صلب، أو شوي، وليجتنبوا الحسومات بإفراط. ويضرهم الشراب جداً، إلا أن يكون لا بد منه لعادة أو ضعف هضم، فيجب أن يسقوا القليل الرقيق الذي إلى البياض، فإن ذلك ينفعهم.

في تدبير المزاج البارد: مما ينفع هؤلاء، شرب شراب الأفسنتين بالسكنجبين العسلي، وقد ينفع بارد الكبد أن ينام ليلة على أقراص الأفسنتين، والبزور المسخنة المعروفة أشد الانتفاع. وكذلك ينتفع باستعمال لبن اللقاح الاعرابية لا غير، مع وزن خمسة دراهم إلى عشرة دراهم من سكر العشرة، فإن هذا يعدّل الكبد، ويخرج الأخلاط الباردة إسهالاً وإدراراً، ويفتح السدد. وأقوى من ذلك، أن ينام على دواء الكركم، أو دواء لك، وأثاناسيا، وأن يستعمل في الغشي دواء القسط، والزنجبيل المربى بماء الكرفس، وأقراص القسط، واللكّ المذكور في القراباذين، ويشرب على الريق من الغافت، والأسارون وزن درهمين، ثم يشرب عليه الخمر. ومن المطبوخات مطبوخ القسط، والأفسنتين المذكور في القراباذين، يشربه بدهن اللوز الحلو وزن درهمين، ودهن الفستق وزن درهمين. وأقوى من ذلك، أن يشربه بدهن الناردين. ودهن اللوز المرّ، ودهن الخروع، وأيضاً مطبوخ بهذه الصفة. ونسخته يؤخذ بزر رازيانج، وبزر كرفس، وأنيسون، ومصطكي درهمين درهمين، ومن قشور أصل الكرفس، وقشور أصل الرازيانج عشرة عشرة، ومن حشيش الغافت، والأفسنتين الرومي خمسة خمسة، ومن اللكّ، وقصب الفريرة، والقسط الحلو والمر، والراوند ثلاثة ثلاثة، ومن فقاح الأذخر أربعة، يطبخ بأربعة أرطال ماء إلى أن يعود إلى النصف، ويشرب منه كل يوم أربع أواق بدهن الفستق مقدار درهم ونصف، دهن لوز حلو مقدار درهمين.

وقد ينفعهم، أن يضمّدوا بالأضمدة الحارة، والمراهم الحارة، مثل مرهم الأصطمحيقون، وضمّاد فيلغريوس، أو ضمّاد إكليل الملك، والأضمدة المتخذة من مثل القسط، والمر، والسنبل، والناردين الرومي، والوجّ، والحلبة، والحلتيت ونحو ذلك.

وهذا الضماد مجرب لذلك، ونسخته: يؤخذ أشنه، أمبر باريس، مصطكي، إكليل الملك، سنبل، أصول السوسن الأسمانجوني، ورد بالسوية، يهرى في دهن المصطكى طبخاً، ويضمد به غدوة وعشية، وهو فاتر فإنه نافع جداً.

وأيضاً ضمّاد جيد: يؤخذ فقاح الأذخر، وحب البان، ومصطكي، وقردما، وحماما، من كل واحد ثلاث درخميات، صبر، وحشيش الأفسنتين، وفقاح، من كل واحد ست درخميات، سنبل الطيب، وسليخة، من كل واحد درخميان، إيرسما، وورق المرزنجوش، من كل واحد ثمان درخميات، أشق أربعة وعشرين درخمي، صمغ البطم، كندر، وصمغ البطم من كل واحد اثنا عشر درخمي، شمع رطل ونصف، دهن الحناء قدر العجن.

أخرى: يؤخذ حماما أوقية، حب البلسان، مثل، قردمانا، حناء، مرّ، كند، زعفران من كل واحد أوقية ونصف، سنبل شامي أوقيتان، صمغ البطم ستّ أواق، يحل الكندر، والمقل في شراب، ويحلّ الزعفران فيه، ويداف صمغ البطم في الناردين، وتسحق الأدوية اليابسة، وتخلط بدهن الناردين والشراب، ويلقى عليها قليل شمع وتستعمل ضمّاداً.

وأيضاً: يؤخذ السفرجل، ودقيق الشعير، وشمع، ومخ العجل، ودهن الأفسنتين، والورد، والحنّاء، والسنبل، والزعفران، والأسارون، والايرسا، والقرنفل، والأشق، والمصطكي، وعلك الانباط، وتقدر الحار والبارد منها بقدر الحاجة، ويتخذ مرهماً.

في تغذيتهم: وأما الأغذية، فليتناول لباب الخبز الحار، والمثرود في الشراب، والمثرود في الخنديقون، واللحوم الخفيفة من لحوم العصافير والقنابر، والدجاج، والحجل، وبطون الأوز، وخصوصاً جميع ذلك مشوياً، والقلايا الباردة، والكرنب المطبوخ في الماء ثلاث طبخات، المبزر بالأبازير المسخنة، كالدارصيني، والفلفل، والمصطكي، والكمون ونحوه، ويقطع عليه السذاب، والاحساء المتخذ من مثل الحلبة، واللبوب الحارة. وقد يجعل في أغذيته الهندبا، وخصوصاً الشديد المرارة، ومنهم من قال أن الجاورس الشديد الطبخ ينفعهم، وما عندي ذلك بصواب. وأما النقل من الفواكه ونحوها، فمثل الشاهبلوط، والزبيب السمين، والفستق خاصة، ومنهم من قال أنه يجب أن يجتنب الفستق، واللوز، لثقلهما على المعدة، ولا يجب أن يلتفت إلى قوله في الفستق. ومما ينفعهم لحم الحلزون، وخصوصاً مبزراً، ويجب أن يجتنب الأسمان، والألبان، والفواكه الرطبة، واللحمان الغليظة.

في تدبير المزاج اليابس: يدبر بالمرطبات المعروفة من الأغذية، والبقول، والأطلية، والأضمدة، والأشربة، ويمال بها إلى الاعتدال، أو الحر، والبرد بقدر الحاجة، ومع ذلك يجب أن لا يفرط في الترطيب حتى لا يفضي إلى سوء القنية، والترقل، والاستسقاء اللحمي. في تدبير المزاج الرطب: يدبر بالمرطبات المعروفة من الأغذية، والبقول، والأطلية، والأضمدة، والأشربة، ويمال بها إلى الاعتدال، أو الحر، والبرد بقدر الحاجة، ومع ذلك يجب أن لا يفرط في الترطيب حتى لا يفضي إلى سوء القنية، والترقل، والاستسقاء اللحمي.

في تدبير المزاج الرطب: يدبر بالرياضة، وتقليل الغذاء، ويتناول ما فيه تلطيف، وتنشيف، وخصوصاً ما فيه مع التنشيف تجفيف، وبتقليل شرب الماء، واجتناب الألبان، ولا يبالغ في التجفيف الغاية، فيؤدي إلى الذبول.

في تدبير المزاج الحار اليابس: يستعمل صاحبه الأغذية الباردة، والرطبة، والبقول الباردة الرطبة، وخصوصاً الهندبا، ويجتنب ما فيه برد، وقبض شديد. ومما ينفعه جداً لبن الأتان يشرب الضعيف منه إلى سبعة أساتير، مع شيء من السكر الطبرزذ غير كثير، والقوي إلى عشرة أساتير، ويستعمل المراهم، والأضمدة الباردة الرطبة، ومع هذا كله، فلا يجب أن يبالغ في الترطيب، فيبلغ به الارخاء.

وينبغي أن يجتنب الأرز، والكمون، والتوابل، والفستق الكثير. وأما القليل من الفستق، فربما لم يضر للمناسبة، ويجتنب اللحمان الغليظة، والأعضاء الغليظة من اللحمان الجيدة، كالكبد، والطحال.

في تدبير المزاج الحار الرطب: يستعمل المبردات التي فيها قبض، وتنشق ما من الأغذية، والأدوية. وإن كان هناك مواد استعمل أيضاً ما يلطفها، وإن لم يكن فيها نشف، مثل ماء الجبن، والسكر الطبرزذ أو يؤخذ من عصارة شجرة عنب الثعلب، والكاكنج، قدر خمسين وزنة إلى أربعين، مع مثقالين من صبر للقوي، وأقل من ذلك للضعيف، أو نصف مثقال أيارج، مع استارين خيار شنبر، مداف في سكرجة من ماء عنب الثعلب، أو ماء الهندبا، أو الخيار الشنبر وحده في ماء الهندبا، أو ماء الرازيانج، أو ماء عنب الثعلب فإنه نافع.

في تدبير المزاج البارد اليابس: يستعمل الأضمدة الحارة الدسمة اللينة من المراهم وغيرها، ويستعمل المعاجين الحارة، مثل دواء اللك، ودواء الكركم معجوا قباذ الملك، وأمروسيا، وأثاناسيا، وقوقا، ومن معجون قبداديقون قدر حمص أو باقلاة بماء الأصول الذي يقع فيه الأدهان الرطبة، ويستعمل فيه الشراب الرقيق القوي وإذا كان هناك إعتقال استعمل حباً بهذه الصفة. ونسخته: يؤخذ من السكبينج، والأشق، والجاوشير أجزاء سواء، ومن بزر الكرفس، والأنيسون من كل واحد نصف وربع بم يتخذ منها حب، ويقتصر على السكبينج، أو السكبينج مع واحد منها بحسب الحاجة، ويكون وزن الواحد، أو الاثنين وزن الجملة إذا كانت الأدوية كلها مستعملة، والشربة للضعيف مثقال، وللقوي مثقالان، ويجب أن يراعى كي لا تقع مبالغة في الارخاء.

في تدبير المزاج البارد الرطب: يستعمل من الأغذية، والأدوية ما فيه حرارة، وقبض، وتلطيف، ونشف. وإن كان هناك مادة، استفرغتها بمثل ماء الأصول القوي، ومثل الكاكنج، ومثل أيارج أركاغانيس استفراغاً باللطف، ولطف التدبير، وسخنه وليكن غذاؤه من اللحمان الخفيفة بالأبازير، والشراب القوي الرقيق الصرف القليل واستعمل المعاجين الكبار على ما يوجبه الوقت والحال، واستعمل الأضمدة المحللة من خارج.

فصل في صغر الكبد: الكبد تصغر في بعض الناس، وربما كانت كالكلية صغرة، ويتبع صغرها أن الإنسان إذا تناول حاجته من الغذاء، لم تسعه الكبد، وأرسلت المعدة إليها ما تضيق عنه، فأحدث ذلك سدداً، وآلاماً ثقيلة ممددة، وأوهن قوة الكبد في أفعالها لانضغاط قوتها الفاعلة تحت قوة المنفعل الوارد عليها، فاختلّ أحوال الهضم، والجذب، والإمساك، والتمييز، والشفع، وربما لزم من ذلك ذوب واختلاف، لأن أكثر الكيموس لا ينجذب صفوه إلى الكبد.

العلامات: قد يدل عليه أن يحدث عند الكبد سدد ورياح، كثيرة، ويثقل عليها الغذاء المعتدل القدر، ويضعف البدن لحاجته إلى غذاء أكثر، ويدوم ضعف الهضم، ويكثر حدوث السدد والأورام، ومما يؤكده قصر الأصابع في الخلقة، وقد كان الإنسان لا يزرأ بدنه من الطعام شيئاً، ولا يصعد إليه شيء يغتذيه، فحدس جالينوس أنه ممنو لصغر الكبد، وضيق مجاريها، فدبره بتدبير مثله.

المعالجات: تدبير هؤلاء المداواة بالأغذية القليلة الحجم، الكثيرة الغذاء السريعة النفاذ، وأن تتناول متفرّقة في مرات، وأن تستعمل الأدوية المدرة والمسهلة المنقّية للكبد والملطّفة والمفتحة.

المقالة الثانية
ضعف الكبد وسددها

وجميع ما يتعلق بأوجاعها فصل في ضعف الكبد: قال جالينوس: المكبود هو الذي في أفعاله ضعف من غير أمر ظاهر من ورم أو دبيلة، لكن ضعف الكبد في الحقيقة يتبع أمراض الكبد وذلك، إما لسوء مزاج مفرد بلا مادة، أو مع مادة مبدة. وأمن الكبد نفسها، أو من الأعضاء الأخرى التي بينها وبينها مجاورة، مثل المرارة إذا صارت لا تجذب الصفراء، أو الطحال إذا صار لا يجذب السوداء، أو الكلية، أو المثانة إذا كانتا لا يجذبان المائية، أو الرحم لشدة النزف، فتبرد الكبد، أو لشدة احتباس الطمث، فيفسد له دم الكبد، أو المعدة إذا لم ينفذ إليها كيموساً جيد الهضم، بل كان بعثها إليها كيوساً ضعيف الهضم، أو فساده، أو بسبب الأمعاء إذا ألمت، وإذا كثر فيها خلط لزج، فأحدث بينها وبين المرارة سدّة، فلا تفصل المرارة عن الكبد، وبقيت ممتلئة، فلم تقبل ما يتميز إليها من الدم.

وهذا كثيراً ما يحدث في القولنج، أو بسبب مشاركة الأعضاء الصدرية، أو من البدن كله كما يكون في الحميات. وقد يكون لا لسبب سوء المزاج وحده. بل لورم دموي، أو حمرة، أو صلابة، أو سرطان، أو ترهّل، أو قرحة، أو شق، أو عفونة تعرض للكبد، وضعف الكبد الكلي يجمع ضعف جميع قواها، وربما لم يكن الضعف كلّياً، بل كان بحسب قوة من قواه الأربع. وأكثر ما تضعف الجاذبة، والهاضمة من البرد والرطوبة، وتضعف الماسكة من الرطوبة، والدافعة من اليبس.

العلامات: إن اللون من الأشياء التي تدلّ في أكثر الأمر على أحوال الكبد، فإن المكبود في أكثر الأمر إلى صفرة وبياض، وربما ضرب إلى خضرة وكمودة، كما ذكرنا في دلائل الأمزجة. ومن رأيت لونه على غاية الصحة بلا قلبة بكبده، والطبيب المجرب يعرف المكبود والممعود كلاً بلونه، ولا يحتاج معه إلى دلالة أخرى مثلاً، وليس لذلك اللون اسم يدل عليه مناسب خاص.

والبراز والبول الشبيهان بماء اللحم، يدلان في أكثر الأمر على أن الكبد ليست تتصرّف في توليد الدم تصرّفاً قوياً، فلا تميز مادته عن الكيلوس، ولا صفوه عن المائية. وهذا في أكثر الأمر دليل على ضعف الكبد، وهذا الاختلاف الغسالي في آخره يتنوع إلى أنواع أخر، فيصير في الحار المزاج صديدياً، ثم يصير كالدردي، وكالدم المحترق، ويكثر قبله إسهال الصفراء الصرف، وفي البارد المزاج يصير كالدم المتعفن، ويؤديان جميعاً إلى خروج أشياء مختلفة الكيفيات والقوام، وخصوصاً في الباردة، ويكون كما يعرض عند ضعف هضم المعدة، وأكثر من به ضعف في كبده يلزمه، وخصوصاً عند نفوذ الغذاء وجع ليّن يمتد إلى القصيرى.

وأما الأمزجة، فيستدلّ عليها من الأصول المذكورة في تعرّف سوء مزاج الكبد. والحار يجعل الأخلاط متشيطة، والبارد يجعل الأخلاط، غليظة، بطيئة الحركة. واليابس يجعلها قليلة، غليظة. والرطب يجعلها مائية. والذي يكون بسبب المرارة، فقد يدلّ عليه اللون اليرقاني، وربما كان معه براز أبيض إذا كانت السدّة بين المرارة والأمعاء.

وأما الكائن بمشاركة الطحال، فيدل عليه بأمراض الطحال، وباللون الغالب عليه السوداء.

وأما المعدي، فيستدل عليه بالدلائل آفات المعدة، وسوء الهضم.

والمعوي يستدل عليه بالمغص، والرياح، والقراقر، وبالقولنج، وما يشبهه.

والكلي المثاني يستدل عليه بتغير حال البول عن الواجب الطبيعي، وتميل السحنة إلى سوء القنية والاستسقاء، والذي يكون بسبب الأعضاء الصدرية، فيدلّ عليه سوء التنفس وسعال يابس، وربما وجد صاحبه في المعاليق ثقلا وتمددا.

وأما علامات الأورام، والصلابة، والقرحة، والشق وغير ذلك، فسنذكر كلاً في موضعه، فيجب أن نرجع إليه.

وأما دلائل ضعف القوة الهاضمة، فهو أن الغذاء النافذ إلى الأعضاء يكون غير منهضم، أو قليل الهضم، أو فاسد الهضم مستحيلاً إلى كيفية رديئة. وكثيراً ما تتهيج له العين والوجه، ويكون الدم الذي يخرج بالفصد ضارباً إلى مائية وبلغمية، اللهم إلا أن يكون من ضعف الماسكة، فلا يمسك ريث الهضم. وشرّ الأصناف أن لا ينهضم ثم ينهضم قليلاً ثم ينهضم رديئاً. قال بعضهم، ويتبع الأولين اختلاف مختلف الأجزاء، والثالث اختلاف كدمّ عبيط. وهذا كلام غير محصّل، والغسالي من الاختلاف يدل على ضعف الهضم مع هضم قليل. والأبيض الصرف يدل على أن الجاذبة ضعيفة جداً، والهاضمة لست تهضم البتة، لا سيما إذا خرجت كما دخلت، وإن خرجت أشياء مختلفة دل على فساد هضم، والبول في هذه المعاني أدل على الهاضمة، والبراز على الجاذبة. وأما دلائل ضعف الجاذبة، فكثرة البراز، ولينه، وبياضه، وإذا كان مع ذلك في البول صبغ، دل على أن الآفة في الجاذبة فقط، وخصوصاً إذا لم يكن في المعدة آفة، ويؤكد ضعف الجاذبة هزال البدن. وأما دلائل ضعف الماسكة، فدلائل ضعف الهاضمة لتقصير الإمساك من حيث يتأدى إلى الأعضاء غذاء غير محمود النضج، وعلى ذلك النحو، إلا أن ذلك عن الهاضمة أكثر، وعن الماسكة أقل. ويكون الذي يخصّ الماسكة، أن الكبد يسرع عنها زوال الامتلاء المحسوس بالثقل القليل بعد نفوذ الغذاء.

وأما علامات ضعف الدافعة، فأن يقل تمييز الفضول الثلاثة، ويقلّ البول، ويقل مع ذلك صبغه، وصبغ البراز، وتقلّ الحاجة إلى القيام، ولا تندفع السوداء إلى الطحال وتقل شهوة الطعام لذلك قطعاً، ويجتمع في اللون ترهّل مع صفرة، وسواد مخلوطين ببياض. وكثيراً ما يؤدي إلى الاستسقاء، وقد يؤدي أيضاً إلى القولنج البلغمي.

علاج ضعف الكبد: يجب أن يتعرف السبب في ضعف الكبد، هل هو لمزاج، أو مرض آلي وغير ذلك بالعلامات التي ذكرتها، فيعالج كلاً بالعلاج المذكور فيه. وأكثر ضعف الكبد يكون لبرد ما، ولرطوبة، أو يبوسة، ولمواد رديئة محتبسة فيها، فلذلك يكون أكثر علاجه بالتسخين اللطيف مع تفتيح، وإنضاج، وتليين مخلوطاً بقبض مقوّ، ومنع العفونة، وأكثر ذلك، الأدوية العطرية التي فيها تسخين، وإنضاج، وقبض، مثل الزعفران. وقد ينفع أيضاً الأشياء المرة التي فيها قليل قبض، فإنها بالحموضة تقوّي، وتقطع، وبالحلاوة، تجلو، وتفتح، مثل حب الرمان، ثم تراعي جانب الحرارة والبرودة بحسب ما يقتضيه المزاج، فيقرن به ما يسخّن، أو يبرّد، ومن هذا القبيل الزبيب بعجمه بعد جودة المضغ.

وإذا دعاك داع إلى تحليل، فلازمه عن القبض في أورام، أو سدد، أو غير ذلك، إلا أن يكون هناك مزاج يابس جداً، وربما افتقرنا باحتباس المواد فيها إلى الفصد، والإسهال المقدر بحسب المادة، إن كانت باردة لزجة، فبمثل الغاريقون، وإن كانت إلى رقة قوام وحرارة ما، وكان هناك سدد، فبمثل عصارة الغافث، والأفسنتين مخلوطاً بهما ما يعين. وربما كثر الإسهال، والذرب، فبادر الطبيب إلى أدوية قابضة يجلب منها ضرراً عظيماً، بل يجب في مثل ذلك أن نستعمل المفتّحة، والمقوّية بقبض معتدل، وتفتيح صالح، وخصوصاً العطرية، خصوصاً مطبوخة في شراب ريحاني، فيه قبض. ومن الأدوية المشتركة لأنواع ضعف الكبد، ويفعل بالخاصية، كبد الذئب مجففاً مسحوقاً، يؤخذ منه ملعقة بشراب. وإذا عولج الكبد بالعلاجات الواجبة، فيجب أن يقبل حينئذ على لبن اللقاح العربية.

ومن الأدوية الجيدة لضعف الكبد ما نحن واصفوه. ونسخته: يؤخذ لك مغسول، راوند صيني، ثلاثة ثلاثة، عصارة الغافت، بزر الرازيانج، بزر السرمق، خمسة خمسة، أفسنتين رومي ستة دراهم بزر الهندبا عشرة دراهم، بزر كشوث ثمانية درهم، بزر كرفس أربعة دراهم، يتخذ منه أقراص، أو سفوف. ومن الأدوية المحمودة المقدمة على غيرها هذا الدواء. ونسخته: يؤخذ زبيب منزوع العجم خمسة وعشرون مثقالاً، زعفران مثقال، وفي بعض النسخ نصف مثقال، سليخة نصف مثقال، قصب الذريرة مثقالان، مقل اليهود مثقالان ونصف، دارصيني مثقال، سنبل ثلاثة مثاقيل، أذخر مثقالان ونصف، مر أربعة مثاقيل، صمغ البطم أربعة مثاقيل، دار شيشعان مثقالان، عسل ستة عشر مثقالاً، شراب قدر الكفاية. وربما جعل فيه أفيون، وبزر البنج. وزعم جالينوس أن هذا الدواء مؤلف من الأدوية الموافقة بخواصها للكبد، فمنها ما يقبض قبضاً معتدلاً مع إنضاج، ومنها ما يجفف، وينقي الصديد الرديء، ومنها ما يصلح المزاج الرديء ومنها أدوية تضاد العفونة. وأكثرها أفاويه عطرية، كالدار صيني، والسليخة، فإنهما يضادان للعفونة، ويصلحان المزاج، ويدفعان السبب المفسد، وينشفان الصديد الرديء، ويدفعانه ويقاومان الأدوية القتالة، والسموم، وإن كان الدارصيني أقوى من السليخة. وهذان الدواءان أقوى من جميع الأدوية العطرية الأخرى، كالسنبل، وغيره في هذا الباب.

وأما الدار شيشعان، والزعفران، فيجمعان إلى القبض إنضاجاً، وتلييناً، وإصلاحاً للعفونة. وأما الزبيب، فقد جعل وزنه أقل كسراً للحلاوة، وليكون أوفق، وهو من الأدوية الصديقة للكبد المشاكلة لها، وهذه الصداقة من أفضل خواص الدواء النافع، وفيه أيضاً إنضاج، وتعديل للأخلاط، وهو غير سريع إلى الفساد.

والشراب من الأدوية المرافقة ما لم يكن مانع سبق ذكره، وفيه مضادة للعفونة، والعسل فيه ما علمت، والمقل ملين منضج محلل، وكذلك علك البطم، وفيه تفتيح، وجلاء. والذي يقع فيه الأفيون، وبزر البنج، فهو أيضاً شديد المنفعة، إذا كان ضعف الكبد مقارناً لحرارة. ولذلك صار الفلونيا مشترك النفع لأصناف ضعف الكبد على نسخته. ومن الأدوية النافعة التي ليس فيها تسخين، أن يؤخذ حن الناردين ثلاثة أجزاء، ومن الأفسنتين الرومي جزآن، ويسحقان، ويعجنان بالعسل، ويسقى منه. ومن الكمادات الأدوية العطرية المعروفة مطبوخة بشراب ريحاني قابض، وقد يخلط بها كعك، ويجعل فيها دهن الناردين ونحوه، ويؤخذ بصوفة، ويكمد بها. والضماد المذكور في الأقراباذين فيه حصرم، وعساليج الكرم، والورد، وجميع ما ذكرنا في باب ضعف المعدة من الضمادات، واللخالخ، وضمادات مركبة من السعد، والمصطكي، والسنبل، والكندر، والسك، والمسك، وجوز السرو، وفقاح الأذخر، والبزور المعروفة ممزوجة بالميسوسن، ونحوه. والضماد الذي من الضبر، والمصطكي.

وإذا كان ضعف الكبد لسبب الحرارة، وهو مما يكون في القليل دون الغالب، فيجب أن تأمرهم بكل السفرجل، والتفاح الشامي، والكمثري الصيني، والرمان المر والحامض، إن لم يكن سدد كثيرة. وماء الهندبا، وماء عنب الثعلب مما ينفعهم، ويؤمرون بتناول مرقة السكباج مصفاة عن دسمها، متخذة بالكزبرة.

وإن لم تكن الحرارة شديدة، طيبت بالدارصيني، والسنبل، والمصطكي. ويوافقهم المصوصات المحشوة كزبرة رطبة مع قليل نعناع. وإن لم تكن الحرارة شديدة، جعل فيها الأبازير المذكورة، وإذا رأيت تأثير الضعف في الكبد متوجهاً إلى الهاضمة، قويت بما فيه قبض بقدر وعطرية، وفيه إنضاج مثل الأدوية التي يقع فيها سنبل، وبسباسة، وجوزبوا، وكندر، ومصطكي، وقصب الفريرة، وسعد، ونحوه. وإن كان متوجهاً إلى الماسكة، زدت في التقوية والقبض، ونقصت من الاسخان، أو قربت بمثل هذه الأدوية أدوية تقابلها في التبريد، مثل الجلنار، والورد، والطراثيث، وإن كان الضعف في الجاذبة، قويت بما فيه قبض أقل جداً، بل بما فيه من القبض قدر ما يحفظ قوة الكبد، ولكن يكون فيه عطرية، وتسخين، واجتهدت في أن تعالج بالضمادات، والأطلية، والمروخات، فإنها أشد موافقة في هذا الموضع، واجتهدت أيضاً في تفتيح السدد. وإن كان الضعف في الدافعة قوّيتها، وسخنت الكلية والأحشاء بما تعلم في بابه، وفتحت المسام بما تعلم. واعلم أنه قد يكون كل ضعف من كل سوء مزاج، فربما كان الواجب أن تبرد حتى تهضم، وحتى تجذب، فتأمل سوء المزاج الغالب قبل تأملك للضعف، لكن أكثر ما يقع بسببه التقصير في الهضم هو البرد، وكذلك في الجذب. وأوفق الأغذية ما ليس فيه غلظ لزوجة، كاللحمان الخفيفة، والحنطة الغير العلكة، وماء الشعير للمحرور على حاله، وللمبرود بالعسل، ومخ البيض نيمرشت وما أشبه ذلك. ومن الباجات النافعة لهم حب رمانية بالزيت إذا طيّب بالدارصيني، والفلفل. والزبيب السمين نافع لهم جداً حتى أنه يمنع الإسهال الشبيه بماء اللحم.

فصل في سدد الكبد: السدد قد تعرض في خلل لحمية الكبد لغلظ الدم الذي يغذوها، ولضعف دافعتها، أو لشدة جاذبتها. وقد يعرض في العروق التي فيها، إما لضيقها لخلقتها، أو يعرض من تقبض ونحوه، أو لالتوائها لخلقة، وإما لسبب ما يجري فيها. وأكثر ما يكون من هذا القبيل، يكون في شعب الباب لأن المادة السادة يتصل إليها أولاً، ثم ينقضي عنها إلى فوهات العروق المتشعبة من العرق الطالع، وقد خلفت الثفل هناك، فلذلك أكثر السدد إنما تكون في جانب التقعير، وربما أدى الأمر إلى أن تحدث سدد في المحدب.

والسدد إذا كثرت وطال زمانها في الكبد، أدت إلى عفونات تحدث حمّيات، وإلى أورام تؤدي إلى الاستسقاء، وإلى تولّد رياح تحدث أوجاعاً صعبة، وكان السدد من أمهات أمراض الكبد.

والمادة التي تولّد السدّة، أما خلط يسدّ لغلظه، أو لزوجته، أو لكثرته والامتلاء منه. وإما ورم، وإما ريح، وإما كيفية مقبضة، وأما ما يذكر من نبات لحم، أو ثؤلول، أو وقوف شيء على الخلط الغليظ فبعيد أو قليل نادر جداً، وذلك لأن فوهات الأوردة عصبية لا ينبت على مثلها شيء وهي كثيرة. فإن نبت لم يعمّ الجميع على قياس واحد. وأما الفاعل للسدة، فضعف الهضم والتمييز، وضعف الدفع لسوء مزاج حار، أو بارد، وغير ذلك متولد فيه، ومتأد إليه من خارج من هواء وغيره.

وأما المنفعل الذي هو مادة السدة، فالمتناولات الغليظة من اللحمان، ومن الطير خاصة، ومثل المشتهيات الفاسدة، والفحم، والجص، والأشنان، والفطر، وأجناس من الكمثوي، ومثل الزعرور، وما أشبهه، والأصل فيه غلظه، فإنه ربما كان بارداً لطيفاً رقيقاً، فلم يحدث سدة. وربما كان حاراً غليظاً حرارته بحسب غلظه، فأورث السدة، وقد كنا قلنا فيما سلف أن الشيء ربما كان غليظاً بالقياس إلى الكبد، وليس غليظاً بالقياس إلى ما بعدها إذا انهضم في الكبد، كالحنظة العلكة. وكثيراً ما تقوى الطبيعة على دفع المواد السادة، أو يعينها عليه علاج، فيخرج، إما في البراز، إن كانت السدة في الجانب المقعر، وإما في البول،. إن كانت السدة في الجانب المحدب، وتظهر أخلاط مختلفة غليظة.

العلامات: جملة علامات السدد، أن لا يجذب الكبد الكيلوس لأنه لا يجد منفذاً، ولأن القوة الجاذبة لا محالة يصيبها آفة، فيِلزِم ذلك أمران أحِدهما فيما يندفع، والآخر فيما يحتبس، والذي يندفع أن يكون رقيقاً كيلوسياً. وكثيراً.

أما الرقة، فلأن المائية والصفوة لم يجدا طريقاً إلى الكبد، وأما الكيلوسية، فلأن الكبد لم يكن لها فعل فيها، فيحيلها من الكيلوسية إلى الدموية.

وأما الكثرة، فلأن ما كان من شأنه أن يندفع إلى البراز ثفلاً، قد انضاف إليه ما كان من شأنه أن ينفذ إلى الكبد، فيستحيل كثير منه دماً، وينفصل كثير منه مائية، وينفصل بعض منه صفراء، وبعضه سوداء، وكل هذا قد انضاف إلى ما كان من شأنه أن يبرز برازاً، فكثر ضرورة. وأما الذي يلزم فيما احتبس فيه، فالثقل المحسوس في ناحية الكبد، وذلك لأن المندفع إلى الكبد إذا حصل فيها قبل أن يندفع عنها إلى غيرها، ولو إلى البراز ثانياً، وإن كان لا يندفع إلى غيره أصلاً، فإنه يكثر ويمتلئ منه ما ينفذ فيه إلى السدّ الحابس عن النفوذ، ويثقل، فكيف إذا كان لا يندفع، والثقل لا يكون في الورم أيضاً. لكنه إذا كان هناك ورم، كان الثقل في جنبه الورم فقط، ولم يكثر، ولم يكن شديداً جداً، لكن الوجع يكون أشد منه، وفي السدد الخالصة التي لا يكون معها سبب آخر لا يكون وجع شديد، فإن كان فشيء قليل، ولا يكون حمّى. وقد يدل على الورم دلائل الورم، وما يخرج من جانب البول، والبراز وغير ذلك مما يقال في باب الأورام. وصاحب السدد يكون قليل الدم، فاسد اللون، وإذا كان هناك ريح، دل عليه مع الثقل تمدد مثقل. وأما الذي يكون على سبيل القبض، فيدلّ عليه تقدّم الأسباب القابضة، مثل شرب المياه القابضة جداً، ويدل عليه اليبس الظاهر في البدن، وقد يتبع السدد عسر في النفس أيضاً بمشاركة أعضاء النفس للكبد.

علاج السدد: الأدوية المحتاج إليها في علاج سدد الكبد الحادثة عن الأخلاط هي الأدوية الجالية، والتي فيها إطلاق معتدل وإدرار بحسب الحاجة، وإذا كانت السدد في الجانب المقعر، استعمل ما يطلق، وإذا كانت في المحدب استعمل ما يحرّ. والأجود أن يقدم عليها ما يفتح، ويقطع، ويجلو. وإذا أزمنت السدد، احتيج إلى فصد من الباسليق، وإلى مسهّل، وأما وقت السقي، وما يجب أن يراعى بعد السقي من مثل ماء الأصول ونحوه، فقد ذكر في القانون الكلي.

وهذه الأدوية الجالية، ربما سقيت في أصول الهندبا ومائه، أو في مثل لبن اللقاح العربية المعلومة، مثل الرازيانج، والهندبا، والشيح، والبابونج، والأقحوان، والأذخر، والكشوث، والشاهترج، أو في الشراب، أو في طبيخ البزور، أو طبيخ الأفسنتين، وإن لم ير في البول رسوب ظاهر، وعلامة نضج، فلا يجب أن يسقى القوية.

وأما إذا كان السبب ورماً، أو ريحاً، فيجب أن يعالج السبب بما يذكر في بابه، وينتفع في مثله بسقي لبن اللقاح، وإعقابه بالإسهال بالبقول، والخيار شنبر، ونحوه، وبإدرار لطيف بماء ليس فيه تهييج، وحرارة مما نذكر في بابه. وإن كان السبب ضيقاً في الخلقة، وفساد وضع في هذه العروق، دبر بتدبير منبه صغر الكبد، وإن كان لتقبض حدث، ويبس، دبر بالملينات المفتحة من الألبان وغيرها، مما ذكر في باب ترطيب الكبد. والأدوية المفتحة منها باردة، ومنها قريبة من الاعتدال، ومنها حارة يحتاج إليها في المزمنات.

فأما الباردة، فمثل الهندبا البستاني والبري، ومثل الطرحشقوق، وماء لسان الحمل مع وورقه، وأصوله، وجميع ما يدرّ مع تبريد. والكشوث مفتّح جيد، وليس ممعناً في الحر، والراوند كذلك، والأفسنتين أيضاً.

وإن كانت فيه حرارة ما، فلا بأس باستعماله في السدد المقاربة للحرارة والبرودة جميعاً، فيجب الإدمان عليه، أو على طبيخه، وخصوصاً في ماء الكشوث، وماء الهندبا وأصله، والغافت، واللوز المرّ، فإنها كلها متقاربة، ويقرب من هذا عصارة الرازيانج الرطب، وعصارة الكرفس بالسكنجبين القوي البزور.

وإن احتيج إلى حرارة أكثر، فبالعسل، ومائه، والسكنجبين العسلي، وأما القريبة من الاعتدال، فالترمس، فإنه أفضل دواء يراد به تفتيح الكبد من في إسخان، أو تبريد. والكمافيطوس يقرب منه، إلا أنه أسخن منه قليلاً، وإن سقّي بماء الهندبا اعتدل، وخلّ العنصل، والسكنجبين العنصلي، والهليون، وأصل السوسن من هذا القبيل. واللكّ أيضاً، وهذه تسقى بحسب الواجب، إما بمثل ماء الهندبا، أو ماء الكشوث، إن كان المزاج إلى حرارة، أو بالشراب وماء البزور، وماء الترمس، وطبيخ الأفسنتين، ونحوه، والسكنجبينات البزورية على طبقاتها، وخل الثوم، وخلّ الأنجدان، وخلّ الزيز، وخل الكبر. وأما التي إلى الحرارة، فالمدرات القوية مثل الأسارون، والسليخة، وفطر أساليون، والزراوند المدحرج، والفوّة، والإيرسا، والفستق، والغاريقون، والأفتيمون، والعنصل، والمجعد، والقنطوريون الدقيق، وعصارته، والجنطيانا، والترمس، والسكنجبين العسلي العنصلي الذي يتخذ بالقوة ونحوه، والتين المنقوع في دهن اللوز. ومن الأدوية المركّبة القوية، أقراص عدة ذكرنا نسختها في الأقراباذين مثل أقراص اللك، والأفسنتين، وأقراص اسقولوقندريون، ودواء اللك، ودواء الكركم، وأمروسيا، والأثاناسيا، وترياق الأدوية، وترياق الأربعة وشجرينا، وارسطون، ومعجون جنطيانا، ومعجون الراوند بسقمونيا، أو بغير سقمونيا، ومعجون فيحارسطرس، ومعجون الانجدن الأسود، والشهرياران، والمعجون الفلفلي، والفودنجي خاصة، والفلوبيا، ودواء المسك المر، ومعجون ذكرناه في الأقرباذين يتخذ من المسك، وسفوفات، وحبوبات ذكرناها هناك، وأدوية ذكرناها في باب صلابة الطحال، والكبد. وهذا المعجون الذي نذكره قوي في تفتيح سدد الكبد والطحال، وعجيب في الغاية. ونسخته: يؤخذ أشق أوقية، مصطكي، وكندر، من كل واحد خمس كرمات، قسط، وغافث، من كل واحد أربع كرمات، فلفل، ودار فلفل، من كل واحد ست درخميات، ساذج ثمان كرمات، سنبل الطيب، وبعر الأرنب، من كل وأحد تسع كرمات، يعجن بعسل منزوع الرغوة، والشربة ملعقة في شراب أنفع فيه بعض الأدوية السددية أو في ماء الأصول. أخرى: مما هو أخص عن ذلك، وهو أن يؤخذ من السنبل الرومي ثلاثة أجزاء، ومن الأفسنتين جزء، ويدق ويعجن بعسل ويعطي. وأيضاً: يؤخذ غاريقون مع عصارة الغافت نافعة جداً. ومن ذلك أن يسقي أصول الفاوانيا مع السكنجبين، فإنه نافع، وهذه صفة دواء نافع من سدد الكبد والطحال. ونسخته: يؤخذ العنصل، والبرشياوشان، واللوز المر، والحلبة، وأطراف الأفسنتين أجزاء سواء، يطبخ ويؤخذ طبيخه مع عسل.

صفة معجون نافع من سدد الكبد القريبة العهد: وهو أن يؤخذ من الفلفل أوقية ونصف، ومن السنبل الطيب ثلاث كرمات أو ست، بحسب اختلاف النسخ، ومن الحلبة، ومن القسط، ومن الأشق، والأسارون ست كرمات، ومن العسل رطل ونصف، يعجن به. والشربة ملعقة مع بعض الأشربة الموافقة لهذا الشأن.

ومن الأشربة السكنجبين السكري البزوري، وأقوى منه العسلي البزوري، والعنصلي، وماء العسلي المطبوخ فيه الأفاويه العطرة، التي فيها قبض طبخاً قوياً، ومطبوخ الترمس المرّ، وقد جعل فيه عصارة الغافت، ومطبوخ جعل فيه أصل الكبر، وأصول الرازيانج، وأصل الكرفس، والأذخر، ولكّ، والفوّة، والحلبة، ومطبوخ الغافت، وشراب الأفسنتين، ونقيعه، والنقيع المتخذ من الصبر، والأنيسون، واللوز المر. وأما المسهّلات الموافقة لهذا الباب حين ما يحتاج إلى إسهال فلا يجب أن يستعمل منها القوي إلا عند الضرورة الشديدة، بل يجب أن تكون خفيفة لأن المادة في القرب من الدواء، ولأن العضو إن كان فيه قوة كفاه أدنى معين على الدفع. ومن الأدوية الجيدة لهذا الشأن أيارج فيقرا، والبسفايج، والغاريقون، والافسنتين، يسقى من أيارج فيقرا للقوي إلى مثقال ونصف، وللضعيف إلى مثقال، وهو بدهن الخروع أقوى وأجود. وسفوف التربد مع الجعدة المذكورة في الأقرباذين نافع جيداً، فإنه يفتح ويسهّل معاً. وإذا احتيج إلى مسهّلات أقوى، لم يكن بد من مثل حبّ الاصطمخيمّون، وحب السكبينج، وربما احتيج إلى مثل التيادريطوس، واللوغاديا.

وأما الأضمدة النافعة: فمثل الضماد المتخذ من الجعدة، ودقيق الترمس، والبزور المدرة ومثل الضماد المتخذ من الحلتيت، والأشق، والأفسنتين، وكمافيطوس، ومصطكي، والزعفران بدهن الناردين والشمع.

وأما تدبير الغذاء، فيجب أن يجتنب كل غليظ من اللحمان، والخبز الفطير، والخبز المتخذ من سميذ لزج علك، والشراب الغليظ، والحلو، والأرز، والجاورس، والأكارع، والرؤوس، والقلايا المجففة، والأدوية المجففة، بل المطبوخ أوفق له، والتمر والحلاوات كلها، خصوصاً ما فيها لزوجة، وغلظة كالأخبصة، والهبط، والفالوذج، والقطايف، ويجتنب جميع ما ذكرناه مما يولّد السدد، ويجب أن لا يعقب طعامه الحمام، فتجتلبه الطبيعة، ولما ينهضم.

وكذلك يجب أن لا يستعمل عليه حركة، ولا رياضة، ولا تشرب عليه كثيراً، ويبعد من الأكل والشرب، خصوصاً شرب الشراب، فإنه يدخل الطعام على الكبد غير منهضم، ويجب أن يكن عجين خبزه كثير الخمير، والملح مدركاً، والشعير، والخندروس، والحمص، والحنطة الخفيفة الوزن، والباقلى كلها جيدة له، ولا بأس بالشراب العتيق الرقيق الصرف، ويجب أن يخلط في أغذيته الكرّاث، ونحوه، والهليون نافع له والكبر وغير ذلك من الأدوية ما أنت تعلمها.

فصل في النفخة والريح في الكبد: قد يجتمع في أجزاء الكبد، وتحث أجزاء غشائه بخارات، فإذا احتبست، وكثفت، واستحالت ريحاً نافخة لا تجد منفذاً، إما لكثرتها، وإما السدد في الكبد، فذلك هو النفخة في الكبد. وقد يحسّ معه بتمدد كثير، ولا يكون معه ثفل كثير كما في الورم والسدد، ولا حمّى كما يكون في الورم. ويحدث، إما لضعف القوة الهاضمة، أو لأن المادة الغذائية أو الخلطية من شأنها أن تهيّج ريحاً، وربما كانت هذه الريح محتبسة تحت الكبد كما تحتبس تحت الطحال، فيحرّكه الغمز، ويحدث القراقر. وأكثر ما يدلّ على الريح تمدد يبتدئ، ثم يزيد، وفيه انتقال ما، ولا يتبعه تغير حال في السحنة واللون خارج عن المعتاد، وربما سكن الغمز والنفخة، وحلّلها، وبدّد مادتها.

العلاج: يقرب علاجه من علاج السدد، وبالأدوية الملطّفة المحللة المذكورة فيه، والمعجونات المذكورة، وينفع منه الحمّام على الريق، والشراب الصوف الرقيق على الريق، وقلة شرب الماء البارد، والتكميدات بالخرق المسخّنة، وبالأفاويه المحللة، والضمّاد المتخذ بالمصطكي، والأذخر، والسنبل، وحب البان، والمراهم المتخذة من مثل دهن الناردين، والمصطكي بالبزور. فإن كان التكميد يحرك، فيجب أن يراعي جانب المشاركة، فإنه إن امتد الوجع إلى جانب المعي أسهلت أولاً، ثم حلّلت الريح، وإن امتدّ الحجاب والشراسيف إلى خلف، استعملت المدرات أيضاً، ثم محللات الرياح حسبما أنت تعلم ذلك.

فصل في وجع الكبد: الكبد يحدث بها وجع، إما من سوء مزاج مختلف في ناحية غشائها، إما من ريح ممدة، وإما من سدد، وإما من أورام حارة، أو صلبة إذ كانت الأورام البلغمية قلما تحدث وجعاً، وقد يكون لحركة الأخلاط في البحرانات، ويعرف جهتها من الدلائل المعلومة في الإنذارات، وقد يكون من الضعف، فلا تحتمل ما يصير إليها من الغذاء، فتتأدى به لفافتها، وقد يحدث في حركات المواد البحرانية، فيحدث ثقلاً، ووجعاً في نواحي الكبد والوجع الشديد جداً، إلا أن يكون من ورم حار شديد، أو من ريح، فلذلك إذا لم تكن حمّى، وكان وجع شديد، فسببه الريح، ولذلك ما كانت الحمّى الطارئة عليها تحللها كما ذكر أبقراط، وقد ذكر أبقراط في كتاب منسوب إليه يزعمون أنه وجده في قبره، أنه إذا عرض وجع في الكبد مع حكة شديدة في القمحدوة، ومؤخر الرأس، وإبهامي الرجلين، وظهر في القفا شيء شبيه بالباقلا، مات العليل في الخامس قبل طلوع الشمس. ومن عرض له هذا اعتراه عسر البول للسدّة مع تقطير لآفة في العضلة. أقول أنه يشبه أن تكون المائية الخبيثة، إذ لا تندفع في البول ينفذ بوجه من الوجوه النفوذ في الأطراف، فيحدث بمرارتها وبورقيتها حكّة شديدة.

العلامات: قد علمت علامة كل شيء مما ذكرناه في بابه.

المعالجات: قد ذكر أيضاً لكل شيء في بابه، لكن الناس قد ذكروا لأوجاع الكبد أدوية، ذكروا أنها تنفع منها قولاً مطلقاً، وأكثر نفعها في النوع الضعفي منها، ونحن نورد بعضها. والمعول على ما ذكرناه، قالوا ينفع من ذلك أقراص الراوند بنسخها المختلفة، ومعجون الراوند، ودواء الكركم، ومعجون السذاب المسهل، ومعجون قردمانا، ومعجون فودبانوس، ومعجون قيصر، وأثاناسيا الصغير والكبير، والتمري، قوينا، ومعجون أسفلينيارس، وأقراص العشرة ومعجون جالينوس المنسوب إلى قومامت. قالوا: ومما ينفع منه أوقيتان من عصارة ورق الصنوبر العفص بالسكنجبين، أو سلاقته مع الراوند وزن نصف درهم، والزعفران وزن ثلاثة دراهم، ومع شيء من بزر الكرفس، والرازيانج. وأيضاً يؤخذ من الورد أربعة دراهم، ومن السنبل، والمصطكي، درهمان درهمان، من عصارة الغافت، وعصارة الأفسنتين، واللك، والراوند، والزعفران، وفقاح الأذخر، وفوة الصبغ، والأسارون، والبزور الثلاثة، والعود الخام، من كل واحد وزن درهم، ثم عود البلسان وزن نصف درهم، وإذا كان وجع مع إسهال، فقد وصفوا هذا الدواء. ونسخته: يؤخذ دردري الخل المطبوخ، ولك، وراوندصيني، وسنبل من كل واحد مثقال، خبث الحديد وزن سبعة دراهم، يشرب على أوقيتين من ماء الكزبرة، ويجب في جميع ذلك هجر الغليظ من الأغذية، واللحمان، ويقتصر على الخفيف اللطيف من الطيور وغيرها كما علمت، وخصوصاً إذا كانت هنا حرارة. ومن الأضمدة ضماداً لقردمانا، وضماد الفربيون، وضماد كليل الملك، وضمادات منسوبة إلى ذلك.

المقالة الثالثة
أورام الكبد وتفرق اتصالها

فصل في قول كلي في أورام الكبد وما يليها: الأورام الحادثة في نواحي الكبد، منها ما يحدث في نفس الكبد، ومنها ما يحدث في العضلات الموضوعة عليها، ومنها ما يحدث في الماساريقا. والذي يحدث في نفس الكبد، فمنه ما يحدث في أجزائها العالية، وإلى الجانب المحدب، ومنه ما يحدث في أجزائها السافلة، وإلى الجانب المقعر، ومنها ما يحدث في حجبها، وأغشيتها، وفي عروقها.

وهذا القسم في الأقلّ، وربما عم الورم أصنافاً من أجزائها، ثم الورم نفسه لا يخلو، إما أن يكون فلغمونيا دبيلة، وغير دبيلة، أو صفراوياً، أو بلغمياً، أو صلباً سرطانياً وغير سرطاني، وإما نفخة ريحية.

وأسباب ذلك مزاج حار مع حميات منهكة، أو بغير حميات، أو مزاج بارد يمنع الهضم والدفع، أو ضعف في المعدة، أو سدة تجمع الأخلاط، ثم تنفذها في أجزاء الكبد تنفيذاً غير طبيعي.

والصفراء أيضاً نحو ذلك من أسباب هذه السدة، وإذا كانت السدة إلى جانب المرارة، جعلت الدم يغلي، ويتشرب في أجزاء الكبد تشرباً غير طبيعي لكثرة المرار. وبالجملة، فإن كثرة المرار إحدى أسباب ورم الكبد الحار، وربما كان لمشاركة المعدة، فيفسد الهضم والأغذية المسخنة والغليظة، والتي لا تنهضم جيداً معينة على حدوث الأورام في الكبد، وكذلك إذا كانت الكبد شديدة الجذب، فتجذب فوق الذي ينبغي، ويتبعه مما حقه أن يندفع شيء صالح، فيهيئ الورم، وقد يحدث لضربة، أو وثى وكل ورم. في الكبد متخزّن، فإنه إن كان من جانب التحديب، كان بحرانه بعرق، أو إدرار، أو رعاف.

وإن كان من جانب التقعير، فبحرانه بعرق، أو قيء، أو إسهال. والورم الذي في الحدبة أردأ من الذي عند التقعير، وكل ورم يحصل في الكبد حار، أو بارد، فإنه بما يسد لا يخلي إلى البدن، إلا دماً مائياً، ومع ذلك يضعف الكبد عن تمييز المائية، ومع ذلك، فيحتبس كثيراً من المائية في الماساريقا. وهذه هي سبب الاستسقاء اللحمي والزقي، وإذا انتقل الورم الحار من الكبد إلى الطحال، فهو سليم، وإذا انتقل من الطحال إلى الكبد فهو رديء.

العلامات الكلية لأورام الكبد بالمشاركة: أما العلامات العامة، فأن يجد العليل ثقلاً تحت الشراسيف لازماً، ويجد هناك وجعاً يشتدّ أحياناً لا كما في السدد، فإنها لا تخلو عن وجع قوي، وتتغير معه السحنة لا كما في النفخة، فلا تتغير، ويكون معه انجذاب الترقوة إلى أسفل في كثير من الأوقات ليس دائماً، وإنما يكون هذا الانجذاب لتمدد الأجوف، والمعاليق، ولا يعرض في أورام الكبد الحارة وغيرها ضربان، لأن الشريانات تتفرق في غشائها، ولا ثقل فيها، إلا بقدر غير محسوس، وقد يشارك أضلاع الخلف أوجاع الكبد، وأورامها العالية، والصاعدة، وإن لم يكن مشاركة دائمة.

وأصحاب أورام الكبد، وخصوصاً الأورام الحارة والعظيمة لا يقدرون أن يناموا على الجانب الأيمن، ويثقل أيضاً عليهم النوم على الجانب الأيسر لتمدد الورم إلى أسفل، بل أكثر ميلهم إلى النوم المستلقي.

فإن كان الورم في جانب الحدبة، وجد الثفل هناك، وأحسَ بامتداد عند المعاليق، ووقع الحس على الورم وقوعاً أظهر، وخصوصاً في القضيف، وحدث سعال يابس، ضيق نفس، وخصوصاً إذا تنفس بقوة لمشاركة الحجاب، والرئة إياها في الأذى، ويقل بول، وربما احتبس أصلاً إذا كان الورم عظيماً لما يحدث من السدّة في الجانب المحدب، ومن ضعف الدافعة، والثقل فيه أكثر مما في الكائن عند التقعير، لأن جانب التقعير يعتمد على المعدة، ويكون الثقل أكثر، وانجذاب الترقوة إلى أسفل من اليمين أقل، وخصوصاً فيمن كانت حدبة كبده غير شديدة الالتصاق، والملاقاة للأضلاع. وأما انجذاب الترقوة إلى أسفل، ومشاركة الترقوة في وجع الكبد، فهو في متصل الكبد بالأضلاع أكثر، وأظهر.

ويقل الفواق في الحدبي، ويكثر في التقعيري لبعد الحدبة عن فم المعدة. وأما إذا كان الورم في التقعير والجانب الأسفل، كان الثقل أقل لاعتماده على المعدة، ولم يكن سعال وضيف نفس يعتد به، ولم يقع تحت المس وقوعاً يعتدّ به، ولكن كان الوجع أشدّ للمزاحمة الكائنة هناك، وخصوصاً إذا جذبت المراق. وإذا كانت أورام الكبد عظيمة، مال الطبع إلى الاستلقاء عن الاضطجاع، فإن أفرط تعذر الاستلقاء عن الاضطجاع أيضاً. وأورام الجانب المقعر، يستصحب أورام الماساريقا كثيراً. وبالجملة إذا كان الورم في الجانب المقعر، كانت المعدة أشدّ مشاركة، فيظهر الفواق، والغثيان، والعطش إن كان الورم حاراً.

زعم بعضهم أن المشاركة بينهما بعصبة رقيقة تصل بين الكبد وبين فمّ المعدة، فلذلك يحدث الفواق، وقال بعضهم: لا يحدث الفواق إلا عند ورم عظيم بضغط فم المعدة ويرى جالينوس أن السبب فيه، ما ينصب إلى المعدة في فمها من الورم الحار من خلط حاد. وبالجملة أن الفواق عند الجماعة لا يظهر إلا عن ورم عظيم، لأن المسافة بعيدة بين الكبد وفمّ المعدة، وإن كانت عصبة يتشاركان فيها وتصل بينها، فهي رقيقة جداً. وبالجملة ما لم يكن ورم عظيم، لم يكن بين الكبد والمعدة مشاركة في أكثر الأمر.

والكائن من أورام الكبد بقرب الأغشية والعروق أشد وجعاً، وأضعف حمّى، إن كان حاراً، وإذا كان الورم في الجانبين جميعاً، ظهرت العلامات التي للجانبين، وربما شارك جانب جانباً إلى حدّ غير كثير، وقد يؤدي جميع أصناف أورام الكبد الحارة والباردة إلى الاستسقاء، واعلم أن ورم الكبد إذا قارنه إسهال، فهو مهلك.

فصل في فروق الكبد وورم العضلات الموضوعة عليه في المراق: يعرف الفرق بينهما من جهة الوضع، ومن جهة الشكل، ومن جهة الأعراض. أما من جهة الوضع، فلأن ورم العضل يظهر دائماً، وورم الكبد قد لا يظهر، وخصوصاً التقعيري، وفي السمين، اللهم إلا أن يكون آمراً متفاقماً. والعضل وضعه، إما في عرض، أو في طول، أو في وراب يأخذ أحد العضلة. وقد دللنا عليه في التشريح. وأما في الشكل، فإن شكل ما يظهر من أورام الكبد هلالي بحسب وضع الكبد، يحسّ بفصل انقطاعه المشترك.

وأما العضلي، فهو مستطيل أحد طرفيه غليظ، والآخر رقيق، وكأنه ذنب الفارة، ولذلك لا يحصل بفصل انقطاعه المشترك، بل تراه طويلاً يلطف في طوله قليلاً قليلاً، وربما لم ينل منه إلا شيئاً في الغور مستطيلاً إذا كان في العضل الغائرة الموربة، وهو أشبه بأورام الكبد. وأما من جهة الأعراض، فإن الأعراض الخاصية والمشاركة التي تعرض للأورام التي في الكبد، لا يكون منها في أورام العضل شيء يعتدّ به، وإذا رأيت المراق يبادر إلى القحل واليبوسة، فاحدس أن الورم كبدي.

فصل في الورم الحار: أسبابه من جملة أسباب الورم ما فيه حرارة. وأما علاماته، فالعلامة المذكورة للأورام الجامعة، والتي في بعض الأجزاء، ويكون هناك حمّى حادة، إذا كان الورم في اللحمية، ويشتدّ العطش، وتقل الشهوة، ويحدث الفواق، والغثيان، وقيء الصفراء أولاً، ثم الزنجاري، والكرّاثي، ثم السوداء، ويحدث برد الأطراف، واسوداد اللسان، والغشي، كل ذلك خصوصاً، إذا كان الوَرم تقعيرياً، ويكون سوء تنفس، وألم يمتد إلى خلف، وإلى الترقوة ولذع، وخصوصاً إذا كان الورم في الحدبة. وإذا كان في التقعير، فإنه يؤثر في أمر التنفس إذا استنشق هواء كثير جداً بتمديد الورم للحجاب، وضغطه إياه، وضايق الاستنشاق، وربما أحدث سعالاً. ويعرضَ للسان كيف كان، اصفرار واحمرار شديد، ثم يضرب إلى السواد، ثم يتغير لون البدن كله، خصوصاً إذا كان الورم في الحدبة. وإذا كانت القوة قوية، وخصوصاً قوة المعدة خصوصاً، والورم في التقعير، استمسكت الطبيعة، وإن كانت القوة في البدن والمعدة ضعيفة استسهلت الطبيعة. قال أبقراط: البراز الخاثر الأسود في أول المرض الحار دليل على أن في الكبد ورماً حاراً عظيماً. هذا ويكون النبض موجياً عظيماً متواتراً سريعاً. والورم الحار، إما أن يتحلل فتبطل أعراضه، وإما أن يجمع فتكون معه علامات الدبيلة وسنذكرها.

وإما أن تصلب فينتقل أيضاً إلى علامات الورم الصلب، وتبطل علامات الحار. وأكثر سبب انتقاله إلى الصلابة الإفراط في التبريد، والتقبض، واستعمال المغلظات في الورم الحار. والفرق بينه وبين ذات الجنب، أن السعال لا يعقب نفثاً، وأن الوجع يكون في اليمين، وثقيلاً، ولون اللسان، ولون البدن يتغير معه، والنبض لا يكون منشارياً جداً، ويتناول إن باليد كان عند الحدبة، ويدلّ عليه تكلف النفس العظيم، والاستنشاق الكثير إن كان في المقعر لضغط الورم الحجاب، وتمديده إياه، وربما هاج حينئذ سعال، وبحران، وبحران أورام الكبد الحارة الحديبة. وأورام عضلها أيضاً الحارة يكون برعاف، وخصوصاً من الأيمن، أو بعرق، أو بول محمودين، والتقعيرية تكون بعرق، أو اختلاف مراري أو قيء.

فصل في الماشرا الكبدي: الثقل في الماشرا أقلّ، واللهيب، واللذع، واسوداد اللسان، وانصباغ البول الشديد أكثر، ويكون اللون إلى صفرة، ويكون نوائب اشتداد الحمى غباً، ويكون انتفاعه بالبارد الرطب أشدّ، والنبض أصلب، وأشبه بالمنشاري منه بالموجي الصرف، وأصغر، وأشد تواتراً، وسرعة، وأنت تعرف جميع ذلك.

فصل في الفلغموني: يدل عليه علامات الورم الحار، وبمخالفة ما نسبناه إلى الماشرا في الخواص، وحمرة الوجه، ودرور العروق..

فصل في الأورام الباردة في الكبد: هذه الأورام يكون فيها ثقل، ولكن لا يكون فيها عطش، ولا حمى، ولا سواد لسان، وثقل، ويحس معه في المعدة بشبه تشنج، ويدل عليه السن، والتدبير، والمزاج، واللون على ما سلف منا بيان ذلك.

فصل في الورم البلغمي: يدل عليه تهيح الجلد، ورصاصية اللون، وأن لا يحس بصلابة وشدة لين النبض، مع سائر علامات الورم البارد المذكور، وأنت تعلم جميع ذلك.

فصل في الورم الصلب والسرطاني: أكثر ما يحدث، يحدث عن ورم تقدمه، وقد يحدث ابتداء، وقد يحدث عن ضربة، فيبادر إلى الصلابة، ويدلّ عليه المسّ فيمن ينال المس ناحية كبده. ولولا مبادرة الاستسقاء إلى صاحبه، لظهر للحس ظهوراً جيداً، فإن المراق تهزل معه، وتضعف، فيشاهد ورم هلالي من غير وجع يعقل، بل ربما آذى عند ابتداء تناول الطعام، وخف عند الجوع، وهو طريق إلى الاستسقاء. وقد يدل عليه شدة الثقل جداً بلا حمى، وهزال البدن، وسقوط الشهوة، وكمودة اللون، وأن يقل البول، وربما أعقب الأعراض الورم الحار، فإنها إذا زالت، ولم يبق إلا الثقل، وازداد لذلك عسر النفس، دل على أن الورم الحار صلب. وعسر النفس، والثقل بلا حمى، يشتركان للصلب والسدد، ويفترقان بسائر ما قيل، ويتبعه الاستسقاء، خصوصاً اللحمي لضعف تميز المائية، إلا الرشح الرقيق منه، فيجري المائية في الدم في الأعضاء، ويحدث اللحمي، والتهيج. والكثيف عن المائية قد يصير أيضاً إلى فضاء البطن على ما نذكره في باب الاستسقاء، فيكون الزقيّ، ويهلكون في أكثر الأمر بانحلال الطبيعة لانسداد المسالك إلى الكبد، فتنحل قواهم، وهؤلاء لا يعالجون إلا في الابتداء. وربما نجع العلاج.

وإذا طالت العلة، لم ينفع العلا، فإن كان الصلب سرطانياً، كان هناك إحساس بالوجع أشد وكان إحداث الآفة في اللون، وفي الشهوة وغير ذلك أكثر، وربما أحدث فواقاً، وغثياناً بلا حمّى، وإن لم يحس بالوجع كان في طريق إماتة العضو، واعلم أن الكبد سريعة الانسداد والتحجّر، وخصوصاً إذا استعملت المغلظة والمقبضة في الورم الحار استعمالاً مفرطاً.

فصل في الدبيلة: أكثرها يكون بعد ورم حار، فإن أخذ يجمع صار دبيلة، وإذا أخذ يجمع اشتدت الحمّى، والوجع، والأعراض أولاً، ثم حدثت قشعريرات مختلفة، وتعقر الاستلقاء فضلاً عن النوم على جانب، فإذا جمع لان المغمز، وسكنت الأعراض. وإذا انفجر حدث نافض، واستطلق قيحاً ومدة، أو شيئاً كالدردي، ووجد بذلك خفاً وانحلالاً من الثفل المحسوس.

وانفجاره يكون، إما إلى ناحية الأمعاء، ويخرج بالبراز وإما إلى ناحية الكلي فيخرج بالبول، وإما إلى الفضاء الذي في الجوف، فيجد جفافاً وضموراً، ولا يشاهد استفراغاً في بول، أو برازاً. والدبيلة قد تكون غائرة في الكبد، وقد تكون إلى ظاهرها وغير غائرة. والمدة تختلف فيهما، فتكون في الغائرة سوداء، وفي غير الغائرة إلى البياض لتعلم ذلك.

فصل في ورم الماساريقا: يشارك في علاماته علامات ورم الكبد، لكن الحمى في الحار منه تكون ضعيفة ليست في شدة حمى الورم الكبدي، ويكون الثقل مع تمدد أغور إلى البطن والمعدة، وقد يكون فيها التمدد أكثر من الثقل، فإذا لم تجد علامات سدد الكبد، ولا علامات أورام الكبد، ووجدت البراز كيلوسياً رقيقاً ليس لسبب ضعف الهضم في المعدة ودلائله، وكان هناك تمدد وحمى، خفيفة، فاحكم بأن في الماساريقا ورماً حاراً.

وأما الورم الصلب، فيعسر التفريق بينه وبين سدد الماساريقا، إلا بحدس بعيد، فإن خرج شيء صديدي بعد أيام، فاعلم أنه عن ورم. وهذا الصديد يفارق الصديد الكائن عن مثله في الكبد، بأن ذلك إلى الحمرة والدموية، وهذا إلى القيحية والصفرة.

فصل في المعالجات والأول علاج الورم الحار الدموي: أول ما يجب عليك أن تنظر حال الامتلاء، وحال القوة، والسن، والوقت، وغير ذلك مما تعرفه، وتطلب منها رخصة في الفصد، فتفصد إن أمكنك من الباسليق، وإلا فمن الأكحل، وإلا فمن القيفال. وإن كانت القوة قوية، أخرج ما يحتاج إليه من الدم في دفعة واحدة، وإلا فرقت، وشرحته في مرات. واعلم أنك إذا لم تفصد، وتركت المادة في الكبد، واستعملت القوابض والرواح، أوشك أن يصلب الورم.

وإن استعملت المحللات، أوشك أن يهتج الألم والورم، فافصد أولاً، ولا تقتصر في ذلك إذا لم يكن مانع قوي، وأخرج دماً، وافراً، واعلم أنك تحتاج في ابتدائه إلى ما هو القانون في مثله من الردع والتبريد. لكن عليك حينئذ، بأن تتوقى جانب الصلابة، فما أسرع ما تجيب إلى الصلابة، فلذلك يجب أن يكون مخلوطاً بالملطفات المفتحات والأطلية الباردة، وربما أدى إفراط استعمالها إلى التصليب. وربما كفاها دخول الحمام، وربما تفجّرت إلى الكلية.

واعلم أن كثيراً من الأدوية التي فيها قبض ما، وبرد، وكذلك من الأغذية التي بهذه الصفة مثل الرمان، والتفاح، والكمثري، فإنها تضر من جهة أخرى، وذلك لأنها تضيق المنفذ إلى المرارة، فلا تتحلب الصفراء، ويكون ذلك زيادة في الورم، وشراً كثيراً. فالتقبيض مع أنه لا بد منه في أول العلة، وفي آخرها أيضاً، عند وجوب التحليل لحفظ القوة، وتخاف منه خلتان، التحجير، وحبس الصفراء في الكبد، وأنك تحتاج لذلك أيضاً إلى أن تبادر إلى تدبير التحليل في هذه العلة أكثر من مبادرتك في سائر الأورام خوفاً من التحجّر والصلابة، ودفعاً لما عسى يرشح من صديد رديء لا يخلو عن ترشحه الأورام الحارة، لكن التحليل والتفتيح ربما أرخى القوة، وقرب الموت كما حكى جالينوس من حال طبيب كان يعالج أورام الكبد بالمرخيات التي تعالج بها سائر الأورام، مثل أضمدة متخذة من الزيت، والحنطة، والماء، وإطعامه الخدروس. وكان الواجب أن يطعم ما فيه جلاء بلا لزوجة وغلظ، وأن يخلط بالمحللات أدوية فيها قبض، وتقوية، وعطرية، كالسعد، وقصب الذريرة، والأفسنتين، وأن يستعمل من هذه قدر ما يحفظ القوة ولا يفرط، ويكون العمدة في أوله الردع بقوة، وفي أوسطه التركيب، وفي آخره التحليل مع قوابض من هذا القبيل.

وإن كانت الحاجة إلى تقوية التحليل وتعجيل وقته ماسة، فلم يقبل من جالينوس، وأنذره جالينوس في مريض آخر اجتمعا عليه، فإن هذا المريض يموت بانحلال القوّة، وبعرق لزج يسير يظهر عليه، فمات العليل، وكان الأمر على ما ظنه جالينوس.

فهذا التحليل هو ذا يحتاج أن يبادر به في وقت وجوب الردع، ويحتاج إلى أن لا يخلى عن القبض والتغرية في حال وجوب التحليل الصرف، ومراعاة جميع هذا أمر دقيق.

واعلم أن هذا العضو كما هو سريع القبول للتحجر، كذلك هو سريع القبول للتهلهل، وربما كان التفتيح والتحليل سبباً للتفجير. وإذا استعملت محللاً، فلا تستعمله من جنس ما يلذع، فيهيّج الورم، وماء العسل -وإن كان يجلو بلا لذع- فإنه حلو، والحلو يورث السدد، فلذلك كان في ماء الشعير مندوحة كافية لأنه يجلو بلا لذع، ولا يحدث سدة، ثم يمكن أن يقوي تفتيحه، وجلاؤه بما يخلط، إن احتيج إلى زيادة قوة.

واللذاعة والقابضة أكثر ضرراً بالمقعّر منها بالمحدب، لأنها تغافص بقوتها، وتحدث السدة في أول المجاري، وفي الحدبة تكون مكسورة القوة، وتلاقي آخر الفوهات. ثم يجب أن تعرف الجانب المعتل، فإياك أن تمرّ، والعلة في المقعر، أو تسهل، والعلة في الحدبة، فتجعل المادة في الحالين جميعاً أغور، بل يجب أن يستفرغ من أقرب المواضع، فيستفرغ من الورم الذي في الجانب المقعر من جانب الإسهال، والذي في المحدب من جانب الإدرار، وإياك أن تترك الطبيعة تبقى مستسمكة، فإن في ذلك أذى عظيماً، وخطراً خطيراً، ولا أيضاً أن تتركها تنطلق بإفراط، فتسقط القوة وتخور الطبيعة، بل عليك أن تحل المستمسك باعتدال وتحبس المستطلق باعتدال.

وأما الأدوية الصالحة لأورام الكبد في ابتداء الأمر إذا كانت هناك حرارة مفرطة، فماء الهندبا، وماء عنب الثعلب مع السكنجبين السكري، وماء الشعير، وماء عصا الراعي، وماء لسان الحمل، وماء الكاكنج، وماء الكزبرة الرطبة، وماء القرع والقثاء، وماء الكشوث، ويجب أن يخلط بها شيء من مثل الأفسنتين، وقصب الذريرة، وأقراص من الأقراص التي نحن واصفوها. ونسختها: يؤخذ لحم الأمبر باريس عشرة دراهم، ورد، وطباشير، من كل واحد خمسة دراهم، لب بزر الخيار، ولب بزر القرع، وبزر البقلة، وبزر الهندبا، من كل واحد ثلاثة دراهم، بزر الرازيانج وزن درهمين، يقرص، ويسقى منه وزن مثقالين.

وإن احتيج إلى زيادة تطفئة، جعل فيه كافور قليل، وإن أريد زيادة تقوية الكبد، جعل فيه لك، وراوند، وإن كان هناك سعال، جعل فيه رب السوس، وشيء من الكثيراء، وشيء من الترنجبين. وأما الأدوية التي هي أقوى، وأصلح لما ليس فيها من الحرارة المقدار البالغ في الغاية، فماء الرازيانج، ولسان الثور، والأذخر، والكرفس الجبلي، واللبلاب، كل ذلك بالسنكجبين.

وهذا ونحوها تنفع في التي في الطبقة الأولى إذا أخذت في النضج يسيراً، وأقراص الورد أيضاً، وخصوصاً الذي يلي التقعير، وكثيراً ما كان سبب الورم وابتداؤه وثياً، وضربة.

ومما يمنع حدوثه بعدهما بعد الفصد، أن يسقى من القوة، والراوند الصيني كل يوم وزن درهم، ثلاثة أيام، وإذا علمت أن الورم في الجانب المقعّر، فالأولى أن يستعمل ماء اللبلاب مخلوطاً بما يجب خلطه به من المبردات المذكورة، وماء السلق، وجميع ما ينضج، ويردع، ويليّن الطبيعة، وينفع عند ظهور النضج الخيار شنبر مع ماء الرازيانج، وماء عنب الثعلب، وماء اللبلاب، وأن تجعل في الأغذية شيئاً من بزر القرطم، وشمة من الأنجرة، والبسفايج، وإذا انحط استعمل القوية، مثل الصبر، والغاريقون، والتربد.

وقوم يستعملون الهليلج الأصفر، وأنا أكرهه لما فيه من قوة القبض المزمن، فأخاف أن يخرج الرقيق، ويحجر الغليظ. وقد يستعمل في هذا الوقت مثل بزر القرطم، ومثل الأنجرة، والبسفايج في الطعام، والأفتيمون بلا احتسام. وربما أقدمنا على مثل الخربق بحسب الحاجة.

وأما الحقن في أول الأمر وحيث يتفق أن تكون الطبيعة مستمسكة، فبمثل عصير ورق السلق بالعسل، والملح، والبورق، أو بالسكر الأحمر، وعند الانحطاط يقوي، ويجعل فيها البسفايج، والقنطوريون، والزوفا، والصعتر، وربما جعل فيها حنظل. فأما إذا كان في جانب الحدبة، فيجب أن يبدأ بالمدرات الباردة، ثم المعتدلة.

ثم إذا ظهر النضج، استعملت القوية الجيدة، وإنما يجب هذا التأخير خوفاً من التحجّر. وأما هذه الأدوية، فمثل القوة، والفطراساليون، والأسارون، والأذخر، وأقراص الأمير باريس الكبير، وأقراص الغافت القوي، وسائر المرّات القوية المذكورة في ألواح النفض في باب الإدرار.

وأما الأضمدة، فلا يجب أن تستعمل باردة كما على الأورام الأخرى، بل فاترة. والتي يجب أن تبادر بها عندما يحدس، أن الورم هو ذا يبتدئ العصارات الباردة القابضة، وعصارة بقلة الحمقاء، والقرع، وحي العالم، وماء الورد، والصندل، والكافور، والضمادات المتخذة من عساليج الكرم، والورد اليابس، والسويق، ولا يجب أن يكرر أمثال هذه، بل إذا صح أن الورم قد يكون، فأجود الضمادات هي الضمّادات المتخذة من السفرجل، مع أدوية أخرى. من ذلك أن يدقّ السفرجل مع دقيق الشعير، وماء الورد، ويضمّد به. أو السفرجل المطبوخ بالخلّ والماء حتى ينضج، تخلطه مع صندل، وتجعل عليه شيئاً من دهن الورد، وتستعمله. أو من ذلك أن يطبخ السفرجل بشراب ريحاني، فيه قبض ما، ويضاف إليه عصارة عصا الراعي، وتقويه بمثل قليل سنبل، وأفسنتين، وسعد، ويقوم بسويق الشعير، ويستعمل. وربما جعل معه دهن السفرجل، أو دهن المصطكي، ودهن الحناء، ومن المياه ماء الآس، وماء ورق التفاح، وماء السفرجل، ونحوه. وقد يتخذ ضمّاد من السفرجل المطبوخ بطبيخ الأفسنتين.

وإذا أريد أن يرفع إلى درجة من التحليل، جعل فيها مصطكي، وبابونج، وإكليل الملك، ودقيق الشعير، وحلبة مع أشياء فيها عفوصة، وبزر الكتان، ودهن الشبث، ودهن البابونج، والحلبة. ومن الضمّادات المتخذة، ضمّاد بيلبوس، وضماد فيلغريوس، وضمّاد إكليل الملك، وضمّاد قريطون، وضمادات ذكرناها في القراباذين.

ومما جرب هذا الضمّاد: وهو لتسكين الالتهاب. ونسخته: يؤخذ بسر، وعصارة العوسج، من كل واحد جزء، زعفران، ومصطكي، من كل واحد نصف جزء، ومن دهن الورد، أربعة أجزاء، شمع مقدار الحاجة إليه، وفي آخره يستعمل الأضمدة المفتحة، المحللة مخلوطة بقوابض لحفظ القوة، مثل الضمادات المتخذة من الايرسا، والأسارون، والأشنة، والجعدة، والصعتر، والشيح، وبزر الكرنب، والمقل، ونحوه. وقد زيد فيها مقويات، والأضمدة المتخذة من الآس، وفوة الصبغ، وحب الغار، والزعفران، والمرّ، والمصطكي، والشمع، ودهن الزنبق. ومما جرب، الأدهان التي ربما خلط بها دهن النرجس، ودهن السوسن الأزاذ.

نسخة ضمّاد يحلل أورام الكبد منسوب إلى قابوس محمود مجرب: يؤخذ من الميعة، ومن الشمع من كل واحد عشرة درخميات، ومن المصطكي، والزعفران، والحماما، من كل واحد أربع درخميات، ومن دهن شجر المصطكي، ومن دهن الورد من كل واحد وزن درخميين، شراب قوطولان ونصف يذاب الشمع والدهن ويخلط به الجميع.

وآخر نافع جداً: يؤخذ سوسن، وحماما وساذج، من كل واحد درخمي، آس، ميعة، شمع، من كل واحد عشرون درخمياً، كندر، زعفران، أسارون، من كل واحد درخمي، دهن شجر المصطكي مقدار الحاجة، ويستعمل.

آخر جيد: يؤخذ صبر ثلاثة أواق، مصطكي أوقية، بابونج، وإكليل الملك، من كل واحد أربع أواق، زعفران، وفوة، وقصب فريرة، وأسارون، من كل واحد أوقيتان شمع وأشق، من كل واحد تسعة أواق حماما، وسنبل رومي، وحبّ البلسان، من كل واحد ست أواق دهن السوسن، مقدار الكفاية.

آخر محلل قوي: يؤخذ زعفران أوقيتان، مقل سبع أواق، وسخ الكواير أربع أواق، مصطكي ثلاث أواق، ميعة، وزفت، وشمع، وأشق، من كل واحد سبع أواق، حماما، وسنبل رومي، وحب البلسان، من كل واحد ست أواق، دهن السوسن مقدار الكفاية يخلط، ويستعمل. وأما إذا كان مع الورم إسهال مضعف يوجب الاحتياط حبسه، وجب أن يسقى أقراص الأمير باريس، وأقراص الراوند المسك، وأما الغذاء فأجوده كشك الشعير، فإنه يبرّد، ويجلو، ولا يورث سدة، ويسرع نفوذه.


وأما الخندروس، وأشد منه الحنطة، فلا بد فيه من غلظ، ومزاحمة للورم. فإن لم يكن بد من خبز، فالخبز الخمير الذي ليس بسميذ، ولا من حنطة علكة، وقد خبز في النور. ويجب أن يعتني بالغذاء غاية العناية، ومن البقول الخس والسرمق ومن الفواكه الرمان الحلو، لمن لا تستحيل الحلاوة في معدته إلى الصفراء، ويجب أن يجنب الحلاوات ما أمكن.

في معالجات الحمرة: علاج الحمرة قريب من علاج الفلغموني، ولكن يجب أن يكون الإسهال والإدرار أرفق، وبما هو أميل إلى البرودة، وتوضع عليه الأدوية المبردة بالثلج، ولا يزال يجد ذلك حتى يجد العليل غوص البرد، ويتخذ أضمدة من النيلوفر، وماء الكاكنج، وماء السفرجل، والصندل والكافور، ونحوه، ولا يستعمل فيه المسخنات ما أمكن.

في علاج الدبيلة: إن الدبيلة يجب أن يستعمل في أولها وحين ما تبتدئ ورماً حاراً، ويحدس أنه يجمع الرادعات من الأضمدة باعتدال، والأطلية، ويسقى ماء الشعير والسكنجبين. وإن أوجب الحال الفصد، فصد من الباسليق أو يحجم ما يلي الظهر من الكبد، وربما احتيج إلى إسهال، فإذا لم يكن بدّ من أن يجمع، فالواجب أن يستعجل إلى الإنضاج، والتفتيح، ولا بد أن يعان بالتقطيع، والتلطيف، إذ لا بدّ من أخلاط غليظة تكون في مثل هذه الأورم، قد تشرّبها العضو، ولا بد من ملين ليجعل الخلط مستعداً للتحليل.

فإذا ظهر النضج، ولم تنفجر، أعين على ذلك بالمفتحات القوية شرباً وضمّاداً على ما ذكر، ثم أعينت الطبيعة على دفع المادة إن احتاجت إلى المعونة، وينظر إلى جهة الميل، فإن وجب أن يسهل، أو يدرّ، فعل، ولم يدر بشيء قوي، وشيء حاد، فيورث ضرراً في المثانة، فإن حفظ المثانة في هذه العلة، وعند انفجار القيح إليها بنفسه، أو بدواء مدرّ واجب، فإذا انفجر انفجاراً، واندفع القيح اندفاعاً احتيج إلى غسل بقايا القيح، بمثل ماء العسل ونحوه، ثم احتيج إلى ما يدمل القرحة.

وإن احتملت القوة الإسهال كان فيه معونة كبيرة على الإدمال إذا لم يكن إفراط. والإسهال يحتاج إليه لأمرين: أحدهما قبل الانفجار، لتقلّ المادة وتجف على الطبيعة، والثاني بعد الانفجار، أو عند قرب الانفجار، وتمام النضج، إذا علم أن المادة إلى جهة المعي أميل وأن الدبيلة في جانب التقعير. ومما يستسهل به قبل الانفجار على سبيل المعونة للطبيعة، فالخفيف، من ذلك الترنجبين، والشيرخشك، والخيار شنبر، والسكر الأحمر، وأمثال ذلك في مياه اللبلاب، والهندبا مشروباً.

وأقوى من ذلك قليلاً، طبيخ البزور، والأصول، وقد طبخ فيها الغافت، وديف فيه الترنجبين، والشيرخشك، والخيار شنبر ونحوه. وربما جعل فيه الصبر، والأفسنتين، ومن الحقن، الحقن الخفيفة المعروفة. وأما المسهّلات التي تكون بعد التقيّح، وتعين على النضج أيضاً، وعلى التفجير، فأن يسقى في طبيخ الأصول، والغافت، دهن الحسك، وزن أربعة دراهم، أو الزنبق وزن درهمين، مع نصف أوقية سكّر، ونصف أوقية خيار شنبر.

فأما إن كانت المادة نحو الحدبة، فلا يجب أن تستعمل المسهّلات، اللهم إلا على سبيل المعونة. والتخفيف في أول الأمر، وقبل النضج.
وأما عند النضج، فيجب أن يستعمل المدرات المذكورة على ترتيبها كلما كان النضج أبلغ استعمل الأقوى. وأما الأدوية المشروبة المعينة على النضج، فمثل لبن الأتن بالسكر الأحمر، أو بسكر العشر، أو مثل ماء الأصول، وبالزبيب، والتين، والبرشياوشان، والحلبة بدهن اللوز الحلو، أو المرّ، ودهن الحلبة، أو دهن الحسك.

وإن أريد أقوى من ذلك، جعل فيه الثمر، ويسقون على الريق طبيخ الجعدة، وشراب الزوفا القوي، ويطعمون العسل المصفى من رغوته بالطبخ، والتين، وماء العسل في ماء الشعير، أو يؤخذ من الطرحشقوق اليابس وزن درهم، ومن بزر المرو درهم ونصف، ومن دقيق الحلبة درهم، يسقى بثلاث أواق لبن الأتن مع السكر، ويستعملون الأدوية التي فيها تفتيح، وتلطيف، وأيضاً تقوية. وهي مثل الأفسنتين، والزعفران، والسنبل، وأصول الفاوانيا، وأصول الحاشا، وأصل القوة، والمصطكي، والسنبلات، حبّ الفقد، وعصارة الغافت، وأصول القنطوريون. ومن الأدهان، دهن الناردين، ودهن شجرة المصطكي، ودهن السوسن. وأما الأضمدة المعينة، فمثل الأضمدة التي يقع فيها الدقيق، وإكليل الملك، والبابونج، وأصول السوسن، والفوتنج، وأصول الخطمي، والتين، والزبيب، والخمير، والبصل المشوي، ودهن البزر.

فإن احتيج إلى أقوى من ذلك، استعمل ضماداً من دقيق الشعير، والبورق، وذرق حمام، والفوذنج، وعلك البطم، والزفت، ودقاق الكندر ونحوه. ويجب إذا أحس بالنضج أن ينام على كبده، ويديم الاستحمام بالماء الحار. وربما احتاج إلى أن يرتاض ويتمشى إن أمكنه ذلك، فإذا انفجر، فيجب أن يتناول عليه ماء يغسله، وينقّيه مثل ماء العسل الحار، ثم يتبع بما ينقيه من جهة ميله، إما الإسهال، وإما الإدرار، إن احتاج إليهما، أو يخلط شيء من ذلك بماء العسل. ولا يجب أن يسقيه المدرات القوية جداً، فينكأ مجاري البول، فإن اتفق أن يقرّح، أو أضر القيح بمجاري البول والمثانة، فالصواب أن يغذى بأغذية فيها جلاء من غير لذع، بل مع تغرية ماء كماء العسل المطبوخ طبخاً معتدلاً، وقد خلط به يسير نشا، وبيض، ودهن ورد، وأيضاً مثل الخبازي بالخندروس. وبالجملة، يجب أن يدبره بتدبير قروح الأعضاء الباطنة، وعلى ما يجب أن يجري عليه الأمر في قروح الكلى.

فإذا نقى نقاء بالغاً، فيجب أن يسقيه في الغدوات ماء الشعير، والسكنجبين، فإذا مضى ساعتان أخذت من الكندر، ودم الأخوين مثقالا مثقالاً، ومن بزر الهندبا، وبزر الكرفس، والمصطكي، من كل واحد مثقالاً، وتسقيه في سكنجبين، أو جلاب، أو ماء العسل. وبعد ذلك فتقويه بالغذاء، وتعالج قرحته بمثل ما يذكر في قروح الكلى. وإذا اتفق أن تنصب المدة إلى فضاء الجوف، فلا بد حينئذ من أن تشرّح الجلد عند الأربية، وتنحي العضل حتى يظهر الصفاق الداخل المسمى باريطان، ثم تثقب فيه ثقبة، وتوضع فيه أنبوبة، ويسيل منه القيح، ثم يعالج بالمراهم.

وأما الأغذية، فيجب أن يستعمل في الابتداء تلطيف الغذاء، ويقتصر على كشك الشعير، والسكنجبين، ثم بعد ذلك يستعمل الأغذية المفتحة التي ذكرناها، وصفرة بيض نمبرشت، والاحساء الملينة، فإذا انفجر وتنقى، احتيج إلى ما يقوّي مثل ماء اللحم، ولحوم الحملان، والدجاج. والجداء، والطيور الناعمة، ومرقها الحامضة بالأبازير، وصفرة البيض النمبرشت، ونحو ذلك، وقليل شراب، ويستعمل المشمومات المقوية.

علاج الأورام الباردة: يجب أن تستعمل فيها الملطّفات الجالية، ويقرّب علاجها من علاج السدد، ومن علاج الدبيلات التي تهيأت للإنضاج، وقد عرفت الأدوية المنضجة والمدرة والمفتحة والملطّفة. ويجب أن يكون فيها قوّة قابضة مقوية عطرية، ويقع فيها من الأدهان دهن الخروع، ودهن الياسمين، ودهن الزنبق. ومن الأضمدة المتخذة لها، وأجود أضمدتها ضماد فولارحيون، ومرهم فيلغريوس، ومرهم الأصطمحيقون، ومرهم البزور. وينفع منها دواء الكركم، ودواء اللكّ ونحو ذلك. وللفستق منفعة عظيمة فيها، وأقراص السنبلين. ومن الأشربة شراب البزور بكمادريوس، والجعدة، قد طبخا فيه. ومما ينفع فيها -وخصوصاً فيما يضرب إلى الصلابة وينفع أيضاً من أوجاع الكلى والطحال- الدواء المعمول بالعنصل على هذه الصفة. ونسخته: يؤخذ عنصل مشوي، وسوسن أسمانجوني، وأسارون، ومو وفو، وبزر كرفس، وأنيسون، وسنبل الطيب، وسليخة، وجندبيدستر، وفوذنج جبلي، وكمون، وفوذنج نهري، ووج، وأشراس، وعاقرقرحا، ودار فلفل، وجزر بري، وحماما، وأوفربيون، وبزر خطمي، واسطوخودوس، وجعدة، وسيساليوس، وبزر سذاب، وبزر رازيانج، وقشور أصل الكبر، وزراوند مدحرج، وقرفة، وزنجبيل، وحب غار، وأفيون وبزر البنج، وقسط، ونانخواه، وبزر الكراويا الأبيض، من كل واحد جزء، يعجن بعسل منزوع الركوة، ويستعمل.

وهذا الدواء الذي نحن واصفوه يفعل الفعل المذكور بعينه، وهو معمول بالثوم البري. ونسخته: يؤخذ ثوم، وجنطيانا أبيض، وغافت، وقسط، وزراوند، وكاشم، وسيساليوس، ودار فلفل، من كل واحد ثلاثون درخمياً، بزر كرفر، وأسارون، ومووفو، وجزر بري، ونانخواه، وأنجمان أسود، من كل واحد خمسة عشر درخمياً، ورق سذاب يابس، وفوذنج جبلي، وكمون، وفوذنج نهري، وصعتر بري، من كل واحد عشر درخميات، جندبادستر، وباذاورد، من كل واحد اثنا عشر درخمياً، تحل هذه بالشراب، وتسحق الباقية، ويخلط الجميع خلطاً يصير به شيئاً واحداً، ثم يعجن بعسل منزوع الرغوة.

علاج الورم الصلب في الكبد: أنه لم يبرأ من الورم الصلب المستقر المستحكم أحد. والذين برؤا منه، فهم الذين عولجوا في ابتدائه، وكان قانون علاجهم بعد تنقية البدن من الأخلاط الغليظة بأدوية مركبة من عقاقير، فيها تليين معتمل، وتحليل وتلطيف، وإسخان معتدل، وتفتيح السدد أغلب من التليين، وتقوية، وقبض، وعطرية بمقدار ما يحتاج إليه دون ما يعاوق الغرضين الآخرين. وأكثر هذه الأدوية تغلب عليها مرارة، وقبض يسير. وهذه الأدوية تستعمل مشرربات، وتستعمل أضمدة، وتستعمل نطولات. ويجب أن تلين الطبيعة، إن كانت معتقلة بالأشياء الخفيفة، والحقن خاصة، وقد يفعل ذلك حبّ الصنوبر الكبار، وبزر الكتان، وعلك البطم مع نفع للورم. ويجب أن لا يقدم على إسهال البطن بالأشياء الشديدة الحرارة، فتؤلم وتزيد في الأذى. ويجب أن يكون نومه على الجانب الأيمن، فإن ذلك مما يعين على تحليله جداً.

فأما الأدوية المفردة النافعة من ذلك، فحب الصنوبر، والمخاخ، والشحوم المعتدلة، وإلى الحرارة، ودقيق الحلبة فيه تليين ما مع إنضاج، والقسط شديد المنفعة، فإنه إذا سقي منه نصف درهم إلى مثقال بطلاء ممزوج، أو بشراب نفع نفعاً بيناً. وقد ينفع منه سقي دهن الناردين، أو دهن البلسان، أو دهن القسط، بماء طبخ فيه السذاب، والشبث. والشربة من دهن الناردين وزن أربعة دراهم. ويستعمل ذلك أسبوعاً فينفع نفعاً عظيماً. ومما ينفع من ذلك عصارة الشيح الرطب، إذا استعمل أياماً. ومما ينفع من ذلك بزر الفنجنكشت وزن درهم في بعض الأشربة، والغافت وزن درهم بماء الكرفس، أو الرازيانج، وأما ماء الهندبا، ولسان الحمل المجفف وزن مثقال، وطبيخ الترمس، وقد جعل فيه سنبل إلى نصف درهم، أو فلفل أقل من ذلك، واللوز المر في الشراب، وأصل شجرة دم الأخوين نافع أيضاً. أو لحاء شجرة الدهمست، وحبّ الغار، وأصل القوة، وأصل اللوف، والحمص الأسود، والجعدة والكمادريوس.

ومن الأشربة المركبة النافعة من ذلك، قرص المقل، صفته: يؤخذ ورد مطحون عشرة دراهم، سنبل طيب وزن درهمين، زعفران درهم، قسط درهم ونصف، مصطكي درهم، لوز مر درهم ونصف، مقل ثلاثة دراهم، وتدق الأدوية، ويحل المقل بالشراب، ويعجن به الأدوية، ويقرص الشربة ثلاثة دراهم بماء العسل، أو بطبيخ البزور. وإن كانت حرارة، فبماء اللبلاب، والهندبا.

ومن ذلك دواء اسقلينادوس المتخذ بمرارة الدب، فإنه مجرب نافع لما فيه من صنوف الأدوية من ذلك على شرائطها التي ذكرناها. ونسخته: يؤخذ كمافيطوس، وفراسيون، وبزر كرفس جبلي، والجنطيانا، وبزر الفنجنكشت، ومرارة الدب، وخردل، وبزر القثاء، واسقولوقندريون، وأصل الجاوشير، وخواتيم البحيرة، وفوة الصبغ، وبزر الكرنب، والزرواند، والفلفل، والسنبل الهندي، والقسط، وبزر الكرفس البستاني، وبزر الجرجير، والبقلة اليهودية، والجعدة، والافيون، والغافت، وحبّ العرعر، أجزاء سواء، يعجن بعسل. والشربة منه قدر بندقة بشراب معسل قدر قواثوس. ومما ينفع من ذلك دواء الكركم، والأثاناسيا. وترياق الأربعة، والشجرينا نافعان في ذلك.

ومن المركبات المجربة الخفيفة في ذلك، دواء طرحشقوق المذكور في باب الدبيلة، وأدوية ذكرناها في باب الأورام الباردة مطلقاً. وإذا استعمل كل يوم من أقراص الأمير باريس أسبوعاً، يشرب في الماء، ويبتدأ من وزن درهم ونصف إلى درهمين ونصف، كان نافعاً. وإن جمع شيئاً من الماء، استعمل أقراص الصفر، والشبرم متدرجاً من ثلث درهم إلى درهم، ويجتهد أن لا يوقعه ذلك في قيام. ومن الأضربة التي تشرب سلاقة القسط، وقضبان الغافت، والحلبة، والزبيب، أربع أواق مع أوقية دهن الجوز، أو دهن الجوز الطري، أو سلاقة تتخذ من الجنطانيا، والأفسنتين، وإكليل الملك، والزبيب، والتين، أو سلاقة من الراوند، والأفسنتين، والسذاب، وفقاح الأذخر، والزبيب، والحلبة، وسلاقة الترمس، والقسط، والأفسنتين بدهن الخروع. ومن الأضمدة الجيدة لذلك، أن يضمد بالحماما الرطب، أو اليابس المطبوخ في شراب عفص، أو السنبل بدهن الفستق مع الفارسيون، أو الفراسيون مع الشبث المطبوخ، أو ضمّاد يتخذ من دقيق الحلبة، والتين، والسذاب، وإكليل الملك، والنطرون، أو يؤخذ من الأشق وزن مائة درهم، ومن المقل خمسة وعشرون درهماً، ومن الزعفران اثنا عشر درهماً، يسحق الجميع، ويجمع بقيروطي متخذ من الشمع، ومن دهن الحناء بحسب المشاهدة. أو ضماد متخذ من دقيق الحلبة، وبعر الماعز، وقردمانا، وفوذنج، وكرنب، وأشنة، وسذاب. والذي يكون سببه ضربة -وقد ابتدأ يرم ويصلب- فأوفق الأضمدة له مرهم المورد سفرم. ومن التدبير الجيد إذا استعملت المشروبات والأضمدة، أن يوضع على العضو محجمة مسخنة، ولا يشرط، بل تعلق على الموضع العليل، ثم يستعمل الأدوية التي هي أقوى في التحليل في التلطيف والتحليل. ويلزم الموضع مثل النطرون، والكبريت الأصفر يلزم الموضع في كل خمسة أيام أو أسبوع، ثم يستعمل الطلاء بالخردل في كل عشرة أيام، ثم يقيأ العليل بالفجل. فإن استعصى الورم، استعمل الخربق الأبيض، وإذا صار الورم سرطانياً، قل الرجاء فيه. فإن نفع فيه شيء، فدواء الاسقلنيادوس الذي في القراباذين بغير مرارة الدبّ. وأما الأغذية، فما يسرع انهضامه مثل صفرة البيض النمبرشت، ومثل كشك الشعير، ومثل غذاء من به سدد في كبده، والقليل الرقيق من الشراب جداً، ويجتنب اللحم.

في علاج أورام المراق والعضل: هي قريبة من علاج أورام الكبد، ومن جهة الأدوية، إلا أن الجرأة على ردع المادة، أولاً، وعلى تحليلها ثانياً تكون أقوى، ولا يخاف منه من القبض والتحليل ما يخاف في ورم الكبد. وعلاج أورام الماساريقا هو مثل علاج أورام تقعير الكبد فحسب.

فصل في الضربة والسقطة والصدمة على الكبد: أنه قد تعرض ضربة، أو صدمة، أو سقطة على الكبد، فيحتاج أن تتدارك لئلا يحدث منها نزف، أو ورم عظيم. فإن عرض ورم، عولج بما ذكرنا من علاج الورم الذي يعقب الضربة، وربما عرض منه أن الزائدة الكبيرة من زوائد الكبد تزول عن موضعها، وخصوصاً إن كانت كبيرة، فيحدث وجع تحت الشراسيف اليمنى عقيب ضربة، أو صدمة، أو سقطة. وهذا يصلحه الغمز، والنفض، مع انتصاب من صدر الذي به ذلك، وقيام منه، فيسكن الوجع دفعة بعود الزائدة إلى موضعها. وأما غير ذلك، فيحتاج إلى أن تبدأ، فتفصد. وإن كانت حرارة شديدة، فيسقى، ويطلى من المبردات الرادعة. وإن خرج دمه، فاجعل معها القوابض. وإن لم يكن حرارة شديدة، ولا سيلان دم، أو كان قد سكن ما كان من ذلك وانتهى، وإنما وكدك أن تحلل دماً، إن مات، فاستعمل المحلل، ولا مثل الطلاء بالمومياي، ودهن الرازقي. وينفع من جميع ذلك الأدوية المذكورة في باب الأورام الحادثة من الصدمة.

دواء جيد ينفع من ذلك في الابتداء وعند حرارة والتهاب أو سيلان دم يخاف: يؤخذ من الراوند، والجلنار، ودم الأخوين، والشب اليماني، أجزاء سواء. والشربة من ذلك مثقال بماء السفرجل. وإن لم يكن هناك حرارة كثيرة وأردت أن تستعمل أدوية فيها ردع مع تحليل ما وتغرية، فينفع من ذلك هذا التركيب. ونسخته: يؤخذ كهربا عشرة دراهم، إكليل الملك عشرة دراهم، ورد خمسة، أقاقيا أربعة، سنبل هندي، وزعفران، من كل واحد ست، مصطكي، وقشور الكندر، من كل واحد أربعة، طين أرمني سبعة، جوز السرو ثمانية، يعجن بماء لسان الحمل، ويقرّص كل قرصة مثقال ويستعمل.

دواء آخر جيد: يؤخذ من موريافيليون عشرة، ومن اللك المغسول سبعة، ومن الراوند الصيني سبعة، ومن الزعفران وزن ثلاثة دراهم ونصف، حاشا وزن أربعة دراهم، حمص أسود سبعة دراهم، مر خمسة، طين أرمني عشرة، يلت بدهن السوسن، وقد جعل معه مومياي، ويتخذ منه أقراص، ويسقى. والشربة منه إلى ثلاثة دراهم. والراوند الصيني، والطين المختوم، إذا خلط بشيء من حبّ الآس، كان أنفع الأشياء لهذا فيما جربته أنا. وأما في آخر الأمر، وحين لا يتوقى ما يتوقى من الالتهاب والتورم، فيجب أن يسقى من هذا القرص. ونسخته: يؤخذ راوند، ولك، زنجبيل، يتخذ منها أقراص، وربما جعل معها شيء من الزرنيخ الأصفر، فإنه عجيب القوّة في الرضّ، وتحليل الورم، يسقى من هذا، ويطلى عليه مثل هذا الطلاء، فإنه عجيب القوة. ونسخته: يؤخذ من العود، والزعفران، وحبٌ الغار، ومقل، وذريرة، ومصطكي، وشمع، ودهن الرازقي، وميسوسن يجعل ضماداً.

فصل في الشق والقطع في الكبد: زعم أبقراط أن من انخرق كبده مات، ويعني به تفرّق اتصال عام فيها لجرمها، ولعروقها. وأما ما دون ذلك، فقد يرجى، وربما حدث هناك بول دم، وإسهاله بحسب جانبي الكبد.

المعالجات: علاج ذلك يكون بالأدوية القابضة، والمغرية على ما تعلم، وعلى ما قيل في باب نفث الدم، وربما نفع سقيه وزن درهمين من الورد بماء بارد، أو سقيه جنلنار بماء الورد، أو يضمد بهما، أو يضمد بالطين المختوم مع الصندلين المحكوك بماء الورد، فإنه نافع.

المقالة الرابعة
الرطوبات التي تعرض لها بسبب الكبد

أن تندفع بارزة أو تحتقن كامنة فصل في أصناف اندفاعات الأشياء من الكبد: قد تختلف الاندفاعات في جوهر ما يندفع، وقد يختلف بالسبب الذي له يندفع. فأما جوهر ما يندفع، فقد يكون شيئاً كيلوسياً، وقد يكون مائياً، وقد يكون غسالياً، وقد يكون مرّياً، وقد يكون صديدياً، وقد يكون مدياً، وقد يكون أسود رقيقاً، وأسود كالدردي، وأسود سوداوياً، وقد يكون منتناً، وقد يكون غير منتن، وقد يكون دماً خالص ربما اندفع مثله من طريق المعدة بالقيء.

ويدلّ عليه عدم الوجع، وقد يكون شيئاً غليظاً أسود هو جوهر لحم الكبد.

وأما السبب الذي يندفع، فربما كان ورماً انفجر، أو سدّة انفتحت واندفعت، أو فتقاً وشقاً عرض في جرمه، أو عروقه، سببه قطع، أو ضربة، أو وثي، أو قرحة، أو تأكل، أو ضعف من الماسكة، فلا تمسك ما يحصل، أو ضعف من الجاذبة، فلا تجذب، أو ضعف من الهاضمة، فلا هضم ما يحصل فيها.

وإذا لم ينهضم لم يقبله البدن ودفعه، أو قوة من الدافعة، أو سوء مزاج مذيب، أو بارد مضعف من أسباب مبرّدة، ومنها الاستفراغات الكثيرة، أو يكون لامتلاء وفضل تحتاج الطبيعة إلى دفعه، وربما كان الامتلاء بحسب البدن كله، وربما كان في نفس الكبد إذا أحسّ بتوليد الدم، لكن مكث فيها الدم فلم ينفذ في العروق لضيقها، أو لضعف الجذب فيها، أو لسدد، أو أورام ذكرناها.

وقد يكون سبب الامتلاء الذي يندفع ترك رياضة، أو زيادة في الغذاء، أو قطع عضو على ما ذكرنا في الكتاب الكلي، أو احتباس سيلان معتاد من باسور، أو طمث، أو غير ذلك وقد يكون السبب لذعاً، وحمّة من المادة يحوج الطبيعة إلى الدفع، وإن كانت القوى لم تفعل بعد فيها فعلها الذي تفعله لو لم يكن هذا الأذى، وربما استصحب ما يجده في الطريق، وصار له عنف، وعسف.

وقد يكون مثل هذا في البحرانات، وربما لم يكن السبب في الكبد نفسها، بل في الماساريقا وإن كان ليس يمكن في الماساريقا جميع وجوه هذه الأسباب، فيمكن أن يكون من جهة أورام، وسدد. وإن كان يبعد، أو لا يمكن أن يكون الكبد يجذب، والماساريقا لا يجذب، فيعرض منه أمر يعتدّ به، فإن الجذب الأول للكبد، لا للماساريقا، وليس جذب الماساريقا وحده جذباً يعتدّ به. وكثيراً ما يكون القيام الكبدي، لأن البدن لا يقبل الغذاء، فيرجع لسدد، أو غير ذلك.

وجميع أصناف هذه الاندفاعات تستند في الحقيقة، إما إلى ضعف، أو إلى قوة، فيكون الفتقي، والقرحي، والمنسوب إلى سوء المزاج وضعف القوى من جنس الضعيف. وفتح السدد، وتفجير الدبيلات، ودفع الفضل من جنس القوى، فإن القوة ما لم تقو لم تدفع فتح الدبيلة، وفضل الدم الفاسد لكثرة الاجتماع، وقلة الامتياز منه، وفضل الدم الكثير وغير ذلك. وإذا خرج الدم منتناً، فليس يجب أن يظن به أن هناك ضعفاً، فإنه قد نتن لطول المكث، ثم يندفع، وهو كالدردي الأسود، إذا فضل ودفعته الطبيعة.

كما ينتن أيضاً في القروح، لكن الذي يندفع عن القوة يتبعه خف، وتكون معه صحة الأحوال. وإذا لم يكن المنتن في كل حال رديئاً، فالأسود أولى أن لا يكون في كل حال رديئاً. وكذلك قد يكون في اندفاعات ألوان مختلفة شفاء، وخفّ. ويخطئ من يحبس هذه الألوان المختلفة في كل حال، وأشدّ خطأ منه، من يحبسها بالمسددات المقبضة. وليعلم أنه لا يبعد أن القوة كانت ضعيفة لا تميز الفضول، ولا تدفع الامتلاء، ثم عرض لها أن قويت القوة، أو حصل من استعداد المواد للاندفاع، وانفتاح السدد ما يسهل معه الدفع المتصعّب، فاندفعت الفضول. والسبب في الإسهال الكيلوسي الذي بسبب الكبد وما يليه، إما ضعف القوة الجاذبة التي في الكبد، أو السدد والأورام في تقعيرها، وفي الماساريقا حتى لا تجذب، ولا تغيّر البتّة.

وسنذكر حكم هذا السددي في باب الأمعاء، وهو مما إذا أمهل، أذبل، وأسقط القوة، وإذا احتبس نفح في الأعالي وآذاها وضيق النفس، وأما كثرة المادة الكيلوسية وكونها أزيد من القوة الجاذبة التي في الكبد، فتبقى عامتها غير منجذبة. وربما كان السبب في ذلك شدة شهوة المعدة، وإفراطها. والسبب في الإسهال الغسالي هو ضعف القوة المغيرة والمميزة التي في الكبد، أو زيادة المنفعل عن الفاعل، أو لضعف الماسكة، ويكون حينئذ نسبة الإسهال الغسالي من الكبد الضعيف نسبة القيء والهيضة عما لا تحتمله المعدة من المعدة الضعيفة، فتندفع قبل تمام الفعل لضعف الماسكة. فإذا لم يكن لضعف الماسكة، فهو لضعف المغيرة. والضعفان يتبعان ضعف كل سوء مزاج، لكن أكثر ضعف الماسكة لحرارة، ورطوبة. وأكثر ضعف المغيرة لبرودة، فلا يخر من القضية أن الغسالي يكون لحرارة فقط، أو لبرودة فقط.

وفي الحالين، فإن الغسالي يستحيل إلى ما هو أكثر دموية لشدة الاستنباع من البدن إلى ما هو خاثر. وللكائن عن الحرارة علامة أخرى، وللكائن عن البرودة علامة أخرى سنذكرهما.

والسبب في الإسهال المراري كثرة المرار، وقوة الدافعة. والسبب في الصديدي احتراق دم، وأخلاط، وذوبها، وربما أدت إلى احتراق جرم الكبد نفسه، وإخراجه بعد الأخلاط المختلفة، وقد يكون الصديدي بسبب ترشح من ورم، أو دبيلة، وكثيراً ما يكون لترشح من الكبد، ويكون للقيام أدوار. والسبب في الخاثر الذي يشبه الدرديّ، إما انفجار من دبيلة، وإما سدد انفتحت، وأما تأكّل وقروح متعفنة، وإما احتراق من الدم وتغيّره في نواحي الكبد لقلة النفوذ مع حرارة الكبد وما يليها، أو تغيره في العروق إذا كانت شديدة الحرارة، وأفسدته فلم يمتر منها البدن، فغلظ، وصار كالدردي منتناً، شديد النتن، وفيه زبدية للغليان والذوبان، ومرار لغلبة الحرارة.

وإذا فسد هذا الفساد، دفعته الطبيعة القوية، ودلت على فساد مزاج في الأعضاء، وتكون أصحابه لا محالة نحفاء مهزولين، ويفارق السوداء باللون والقوام والنتن، فإنه دونها في السواد، وأغلظ منها في القوام، ونتنه شديد ليس للسوداء مثله، وأما برد يخثر الدم، ويجمده، أو ضعف من الكبد يؤدي الأمر عن الغسالي إلى الدموي، وإلى الدردي، ولا يكون بغتة إلا في النادر.

وأكثر ما يكون بغتة هو عن سوء مزاج حار محترق، فإن البارد يجعله سيالاً غير نضيج، والحار المحترق يخثره كالدردي، وإما لخروج نفس لحم الكبد محترقاً غليظاً. والسبب في المنتن عفونة عرضت لتأكل وقرحة، أو لكثرة احتباس واحتراق، والسبب في الدم النقيج قوة قوية لم تحتج أن تزاول الفضل الدموي مدة يتغير فيها، ثم تدفعه.

وقد تكون لانحلال فرد. قال بقراط: من امتلأت كبده ماء، ثم انفجر ذلك إلى الغشاء الباطن، فإذا امتلأت بطنه مات. واعلم أن الإكثار من شرب النبيذ الطري يوقع في القيام الكبدي. وإذا كان احتباس القيام يكرب، وانحلاله بعيد الراحة، فهو مهلك. واعلم أن الشيخ الطويل المرض، إذا أعقبه مرضه قياماً، وهو نحيف، وإذا احتبس قيامه تأذى، فقيامه كبدي، وبدنه ليس يقبل الغذاء لجفاف المجاري.

العلامات: أما الفرق بين الإسهال الكبدي والمعوي، فهو أن الأخلاط الرديئة الخارجة، والدم من المعي، يكون مع سحج مؤلم، ومغص، ويكون قليلاً قليلاً على اتصال. والكبدي يكون بلا ألم، ويكون كثيراً، ولا يكون دائماً متصلاً، بل في كل حين، وقد يفرّق بينهما الاختلاط بالبراز، والانفراد عنه، والتأخر عنه، فإن أكثر الكبدي يجيء بعد البراز قليل الاختلاط به.

وأما الفرق بين الإسهال الكبدي والمعدي، فهو أن الكبدي يخرج كيلوسياً مستوياً قد قضت المعدة ما عليها فيه، وبقي تأثر الكبد فيه. ولو كان معدياً، لسال فيما يسيل شيء غير منهضم، ولنقل على المعدة، وكان معه آفات المعدة. وربما خرج الشيء غير منهضم، لا بسبب المعدة وحدها، بل بسبب مشاركة الكبد أيضاً للمعدة، لكنه ينسب إلى المعدة بأن الآفة في فعلها.

والفرق بين الإسهال الكيلوسي الذي من الكبد. والذي من الماساريقا، أن الذي من الماساريقا لا تكون معه علامات ضعف الكبد في اللون وفي البول وغير ذلك. وأما الفرق بين الصديد الكائن عن قرحة أو رشح ورم، وبين الكائن من الجهات الأخرى، فهو أن الأول يكون قبله حمى، وهذا الآخر يبتدئ بلا حمى. فإن حمّ بعد ذلك، فبسبب آخر. والصديد الذي ذكرناه أنه من الماساريقا ومن الأورام فيها، يكون معه اختلاف كيلوس صرف من غير علامات ضعف في نفس الكبد من ورم أو وجع يحيل اللون، وتكون حماه التي تلزمه ضعيفة.

وبالجملة، فإن الصديد الكبدي أميل إلى بياض وحمرة، وكأنه رشح عن قيح ودم، والماساريقائي أميل إلى بياض من صفرة، كأنه صديد قرحة. وأما الفرق بين الخاثر الذي عن قروح، وتكّل، ودبيلات، والذي عن قوة، فهو أن هذا الذي عن قوة يوجد معه خف، وتخرج معه ألوان مختلفة عجيبة، ولا يكون معه علامات أورام، وربما كانت قبله سدد. وكيف كان، فلا يتقدمه حمى وذبول، ولا يتقدمه إسهال غسالي، أو دموي رقيق، أو صديدي.

والذي يكون بسبب أورام حبست الدم وأفسدته وليست دبيلات، فعلامته أن يكون هناك ورم، وليس هناك علامة أجمع، ويكون أولاً رقيقاً صديدياً رشحياً، ثم يغلظ آخر الأمر. والذي يكون لضعف الكبد المبتدئ من الغسالي، والصائم إلى الدردي، فإنه يتقدمه ذلك، وقلما يكون بغتة.

فإن كان بغتة مع تغير لون، وسقوط شهوة، فهو أيضاً عن ضعف. وإذا كان السبب مزاجاً ما، دل عليه علاماته. والدرديّ الذي سببه حرارة يشبه الدم المحترق، ويتقدمه ذوبان الأخلاط، والأعضاء، واستطلاق صديدي، والعطش، وقلة الشهوة، وشدّة حمرة الماء، وربما كانت معه حميّات، ويكون برازه كبراز صاحب حمى من وباء في شدة النتن والغلظ وإشباع اللون، ثم يخرج في آخره دم أسود.

والذي سببه البرودة، فيشبه الدم المتعفن في نفسه، ليس كاللحم الذائب، ولا يكون شديد النتن جداً، بل نتنه أقلّ من نتن الحار، ويكون أيضاً أقلّ تواتراً من الحار، وأقلّ لوناً، وربما كان دماً رقيقاً أسود، كأنه دم معتكر تعكر إما ليس بجامد، ويكون استمراره غسالياً أكثر، ويكون العطش في أوله قليلاً، وشهوة الطعام أكثر، وربما تأدى في آخره للعفونة إلى حميات، فيسقط الشهوة أيضاً، ويؤدي إلى الاستسقاء. وبالجملة، هو أطول امتداد حال. ويستدل على ما يصحب المزاجين من الرطوبة واليبوسة بحال ما يخرج في قوامه، وبالعطش.

والذي يكون عن الدبيلة، فقد يكون قيحاً غليظاً، ودماً عكراً، وأخلاطاً كثيرة كما يكون في السدد، ولكن العلامات في نضجها وانفجارها تكون كما قد علمت ووقفت عليها من قبل، وربما سال من الدبيلي والورمي في أوله صديد رقيق، ثم عند الانفجار تخرج المدة، وقد يسيل معها دم. والذي يكون عن قرحة، أو آكلة، فيكون مع وجع في ناحية الكبد، ومع قلة ما يخرج ونتنه وتقدم موجبات القروح والأكال.

والذي يكون الخارج منه نفس لحم الكبد، فيكون أسود غليظاً، ويصحبه ضعف بقرب من الموت، وأوقات سالفة. والذي يكون لامتلاء من ورم، وعن احتباس سيلان، أو قطع عضو، أو ترك رياضة أو نحوه، فيدل عليه سببه، ويكون دفعة، ومع كثرة وانقطاع سريع، ونوائب. وكل من تأذى أمره في الخلفة الطويلة كان دردياً، أو صديدياً، أو غير ذلك، إلى أن يخلف الأسود قل فيه الرجاء. وربما نفعته الأدوية القوية القابضة الغذائبة قليلاً، ولكن لم يبالغ مبالغة تؤدي إلى العافية. وأما علاج هذا الباب، فقد أخرناه إلى باب الإسهالات، فليطلب من هناك.

فصل في سوء القنية: إذا فسد حال الكبد، واستولى عليها الضعف، حدث أولاً حال تكون مقدمة للاستسقاء، تسمى سوء القنية، وتخص باسم فساد المزاج. فأولاً يستحيل لون البدن والوجه إلى البياض والصفرة، ويحدث تهيّج في الأجفان، والوجه، وأطراف اليدين، والرجلين. وربما فشا في البدن كله حتى صار كالعجين، ويلزمه فساد الهضم. وربما اشتدت الشهوة، وكانت الطبيعة من استمساكها، وانحلالها على غير ترتيب. وكذلك حال النوم، وغشيانه تارة، والسهر، وطوله أخرى، ويقلّ معه البول والعرق، وتكثر الرياح، ويشتد انتفاخ المراق، وربما انتفخت الخصية، وإذا عرض لهم قرحة، عسر اندمالها لفساد المزاج، ويعرض في اللثة حرارة وحكّة بسبب البخار الفاسد المتصعد، ويكون البدن كسلاناً مسترخياً، وقد تعرض حالة شبيهة بسوء القنية بسبب اجتماع الماء في الرئة، وتصير سحنة صاحبه مثل سحنة المستسقي في جميع علاماته.

فصل في الاستسقاء: الاستسقاء مرض مادي، سببه مادة غريبة باردة تتخلل الأعضاء، وتربو فيها، إما الأعضاء الظاهرة كلها، وإما المواضع الخالية من النواحي التي فيها تدبير الغذاء والأخلاط. وأقسامه ثلاثة: لحمي، ويكون السبب فيه مادة مائية بلغمية تفشو مع الدم في الأعضاء.

والثاني زقي يكون السبب فيه مادة مائية تنصب إلى فضاء الجوف الأسفل، وما يليه. والثالث طبلي، ويكون السبب فيه مادة ريحية تفشو في تلك النواحي. وللاستسقاء أسباب وأحكام عامة، ثم لكل استسقاء سبب وحكم خاص، وليس يحدث استسقاء من غير اعتلال الكبد خاصة، أو بمشاركة. وإن كان قد يعتلّ الكبد ولا يحدث استسقاء. وأسباب الاستسقاء بالجملة، إما خاصية كبدية، وإما بمشاركة والأسباب الخاصية، أولاها وأعمّها ضعف الهضم الكبدي، وكأنه هو السبب الواصل.

وأما الأسباب السابقة، فجميع أمراض الكبد المزاجية، والآلية، كالصغر، والسدد، والأورام الحارة، والباردة، والرهلة، والصلبة المشددة لفم العرق الجالب، وصلابة الصفاق المحيط بها. والمزاجية هي الملتهبة. ويفعل الاستسقاء أكثر ذلك بتوسّط اليبس، أو البرودة. وكل يفعل ذلك بتدريج من تحليل الغريزية، أو بإطفائها دفعة، أعني بالتحليل ههنا ما تعارفه الأطباء من أن الغريزة يعرض لها تحليل قليلاً قليلاً، أو طفو، كانا من حر، أو برد، كشرب الماء البارد على الريق، وعقيب الحمام، والرياضة، والجماع، والمرطبة المفرطة، والمجففة بعد الذوبانات، والاستفراغات المفرطة بالعرق، والبول، والإسهال، والسحج، والطمث، والبواسير. وأضر الاستفراغات استفراغ الدم. وأما الآلية، فقد قيل في باب كل واحد منها أنه كيف يؤدي إلى الاستسقاء. وأما أسباب الاستسقاء بالمشاركة، فإما أن تكون بمشاركة مع البدن كله بأن يسخن دمه جداً، أو يبرد جداً بسبب من الأسباب، أو يكون بسبب برد المعدة وسوء مزاجها، وخصوصاً إذا أعقب ذرباً، أو يكون بسبب الماساريقا، أو يكون بمشاركة الطحال لعظمه، ولأورام فيه صلبة، أو لينة، أو حارة، أو كثرة استفراخ سوداء يؤدي إفراطه إلى نهك الكبد بما ينشر من قوة السوداء المتحركة إلى نهك الكبد وتبريدها، أو إيصال أذاها إليه كما يوصل إلى الدماغ، فيوسوس. وعظم الطحال يؤدي إلى الاستسقاء، وإلى تضعيف الكبد لسببين: أحدهما كثرة ما يجذب من الكبد، فيسلبها قوتها، والآخر لانتهاكه قوة الكبد على سبيل معاضدته لها، ومنعه إياها عن توليد الدم الجيد، وقد يكون بمشاركة الكلية لبرد الكلية، أو لحرارتها خاصة، أو لسدد فيها وصلابة، فلا تجتذب المائية، وإن كانت الكبد لا قلبة بها.

وقد تكون بسبب المعي وأمراضها، وخصوصاً الصائم لقربه منها، أو لأجل المثانة، أو الرحم، أو الرئة، أو الحجاب. وليس كل ما حدث بسبب مشاركة الكلية كان لمزاجها، بل قد يكون لسددها وأورامها، فلا يجذب، وكذلك الحال فيما يحدث بمشاركة الأمعاء، فإنه ليس كله يكون التغير حال الأمعاء في الكيفيات فقط، بل قد يكون لأوجاع المعي من المغص، والسحج، والقولنج الشديد الوجع، وغير ذلك، فيضعف ذلك الكبد. وكذلك يكون بمشاركة الرحم لا في كيفيتها، بل بسبب أوجاعها، واحتباس الطمث فيها. وربما كان بمشاركة المقعدة لاحتباس دم البواسير، وكذلك في الأعضاء الأخرى المذكورة. وأكثر ما يشارك أعضاء الثفل بالتقعير، وأعضاء الإدرار، والنفس بالحدبة، لكن أكثر المشاركات المؤدية إلى الاستسقاء هي المشاركات مع الكلية، والصائم، والطحال، والماساريقا، والمعدة. قال بعضهم: قد يعرض الاستسقاء بسبب الأورام الحادثة في المواضع الخالية، خصوصاً النازلة بسوء مزاجها المتعدّي إلى الكبد، والضار بها، وللدم السوداوي الذي كثيراً ما يتحقن فيها، وتولّد السدد فيما يجاوره بالوصول إليه، والذرب. ويكون الأول مؤدباً إلى الاستسقاء بعد مقاساة ألم راسخ في نواحي الحقو لا يكاد ينحلّ بدواء، واستفراغ. وهذا كلام غير مهذب. وأردأ الاستسقاء، ما كان مع مرض حار. ومن الناس من يرى أن اللحمي شرّ من غيره، لأن الفساد فيه يعم الكبد، وجميع عروق البدن، واللحم حتى يبطل جمهور الهضم الثالث. ومنهم من يراه أخف من غيره، وحتى من الطبلي، لكن الأولى أن يكون الزقي أصعب ذلك كله، ثم من اللحمي ما هو أخف الجميع، ومنه ما هو رديء جداً، وذلك بحسب اعتبار الأسباب الموقعة فيه، وفي ظاهر الحال، وأكثر ما يخرجه التجربة. ويجب أن تكون عامة أصناف اللحمي أخفّ، وليس يجب أن تكون ضرورة أن يكون الكبد فيها من الضعف على ما هي عليه في سائر ذلك، وأشدّ الناس خطراً إذا أصابه الاستسقاء، هذا الذي مزاجه الطبيعي يابس، فإنه لم يمرض ضد مزاجه إلا لأمر عظيم.

والاستسقاء الواقع بسبب صلابة الطحال أسلم كثيراً من الواقع بسبب صلابة الكبد، بل ذلك مرجو العلاج، وربما علّت مادة الاستسقاء حتى أحدثت الربو، وضيق النفس، والسعال. وذلك يدل على قرب الموت في الأيام الثلاثة، وربما غير النفس بالمزاحمة لا للبلة، وهذا أسلم. وربما حدث بهم بقرب الموت قروح الفم، واللثة لرداءة البخارات وفي آخره، قد تحدث قروح في البدن لسوء مزاج الدم. وقيل أنه إذا أنزل من المستسقي مثل الفحم أنذر بهلاكه. ومن عرض له الاستسقاء، وبه المالنخوليا انحلّ مالنخوليا بسبب ترطيب الاستسقاء إياه. واعلم أن الإسهال في الاستسقاء مهلك. وصاحب الاستسقاء يجب أن يتعرّف أول ما انتفخ منه، أهو العانة والرجلان، أو الظهر وناحية الكليتين والقطن، أو من المعي. ويجب أن تكون طبيعته في اللين واليبس معلومة، فإن كون طبيعته يابسة أجود منها لينة، وخصوصاً في المبتدئ من القطن، والكليتين، والمبتدئ من القطن يكثر معه لين الطبيعة لارتداد رطوبات الغذاء منها إلى المعي واليبس في المبتدئ من قدام أكثر، ويجب أن يتعرّف حال مواضع النبتة والعانة، هل هي ضعيفة، أو لحمية فاللحمية تدل على قوة، وعلى احتمال إسهال، وينظر أيضاً هل الصفن مشارك في الانتفاخ، أو لبس، وإذا شارك الصفن خيف الرشح، والرشح معنّ معذب موقع في قروح خبيثة عسرة البرء.

سبب الاستسقاء الزّقي بعد الأسباب المشتركة: السبب بالواصل فيه، أن تفضل المائية، ولا تخرج من ناحية مخرجها، فتتراجع ضرورة، وتغيض إلى غير مغيضها الضروري، إما على سبيل رشح، أو انفصال بخار تحيله الحفن ماء لكثرة مادة، أو لسدِّة من رفع تدفعه الطبيعة عن ضرره قاهرة في المجاري التي للفضول إلى فضاء البطن والخلاء الباطن فيه الذي فيه الأمعاء. وأكثر وقوفها، إنما هو بين الثرب، وبين الصفاق الباطن، لا يتخلل الثرب، إلا لتأكّل الثرب. وقد علمت أن الدفع الطبيعي، ربما أنفذ القيح في العظام فضلاً عن غيرها. وأما على سبيل انصداع من بعض المجاري التي للغذاء إلى الكبد، فتتحلب المائية عندها دون الكبد، وأما على سبيل ما قاله بعض القدماء الأولين، وانتحله بعض المتأخرين أن ذلك رجوع في فوهات العروق التي كانت تأتي السرة في الجنين، فيأخذ منها الغذاء والفوهات التي كانت تأتيها، فيخرج منها البول، فإن الصبي يبول في البطن عن سرته، والمنفوس قبل أن يسرّ يبول أيضاً عن سرّته. فإذا امتنع من ذلك الجانب، انصرف إلى المثانة، فإذا اضطرت السدد، ومعاونة القوى الدافعة من الجهات الأخرى، نفذت المائية في تلك العروق إلى أن تجيء إلى فوهاتها، فإذا لم تجد منفذاً إلى السرة، انفتقت البطن، وانفتحت، وصارت واسعة جداً بالقياس إلى خلقتها الأولى، وانضمت المنافذ التي عند الحدبة، فإنها ضيقة، وأزيد ضيقاً من التي عند التقعر. ولا يبعد أن يكون استفراغ المائية من البطن واقعاً من هذه الجهات. والسبل يجذبها الدواء إلى الكبد، ثم إلى الأمعاء. وأسباب هذا السبب الواصل، إما في القوّة المميزة، وإما في المادة المتميزة، وإما في المجاري. أما السبب الذي في القوة المميزة، فلأن التمييز مشترك بين قوة دافعة من الكبد، وقوة جاذبة من الكلية، فإذا ضعفتا، أو إحداهما، أو كان في المجاري سدة، خصوصاً إذا كان في الكلية ورم صلب لم تتميز المائية، ولم يقبلها البدن، ولم تحتملها المجاري، فوجب أحد وجوه وقوع الاسستقاء الزقي. ولهذا قد يحدث الاستسقاء لضعف، وعلة في الكلية وحدها.

وأما السبب الذي في المتميزة، فأن تكون المائية كثيرة جداً فوق ما تقدر القوة على تمييزها، أو تكون غير جيدة الانهضام. والمائية تكون كثيرة جداً لشرب الماء الكثيرِ، وذلك لشدة عطش غالب لمزاج في الكبد معطش، أو لسبب آخر يعطش، أو لسدد لا ينجذب معها إلى الكبد ما يعتد به، فيدوم العطش على كثرة الشرب، أو لأن الماء نفسه لا ينفع العطش لأنه حار غير بارد، أو لأن فيه كيفية معطّشة من ملوحة، أو بورقية، أو غير ذلك.

وأما القسم الآخر، فإذا لم يستو هضم الغذاء الرطب قبل البدن، أو الكبد بعض الغذاء الرطب ورد بعضه فملأ المجاري، فربما أدى إلى سبب من أسباب الاستسقاء الزقي المذكور إن غلبت المائية، أو الطبلي إن غلبت الريحية، وذلك في الهضم الثاني. وأما السبب الذي في المجاري، فأن تكون هناك أورام، وسدد تمنع المائية أن تسلك مسالكها وتنفذ في جهتها، بل تمنعها، أو تعكسها إلى غير مجاريها. وإذا دفعت الطبيعة من المستسقي مائية الاستسقاء بذاتها، كان دليل الخلاص. وفي أكثر الأوقات إذا نزل المستسقي عاد الانتفاخ في مدة ثلاثة أيام. وفي الأكثر يكون ذلك من ريح. قال أبقراط: من كان به بلغم كثير بين الحجاب والمعدة يوجعه، فإنه إذا جرى في العروق إلى المثانة انحلّت علته عنه. قال جالينوس: الأولى أن ينحدر البلغم إلى العانة، لا إلى جهة المثانة، وكيف يرشح إليها، وهو بلغم ليس بمائية رقيقة. وأقول: لا يبعد أن ينحل، ويرق، ولا يبعد أن يكون اندفاعه على اختيار الطبيعة جهة ما للضرورة، أو يكون في الجهات الأخرى سبب حائل كما يدفع فتح الصدر في الأجوف إلى المثانة.

وأما هذا النفوذ، فليس هو بأعجب من نفوذ القيح في عظام الصدر، والذي قاله بعضهم أنه ربما عني بالبلغم المائية، فهو بعيد لا يحتاج إليه. وقد يعرض أن ينتفخ البطن كالمستسقي فيمن كان به قروح المعي، ثم انثقبت، ولم يمت إلى أن يموت. ويكون لأن الثفل ينصبّ إلى بطنه، ويعظم. وهذا، -وإن قاله بعضهم- عندي كالبعيد، فإن الموت أسبق من ذلك، وخصوصاً إذا كان الانخراق في العليا.

أسباب اللحمي بعد الأسباب المشتركة: السبب المقدّم فيه فساد الهضم الثالث إلى الفجاجة، والمائية، والبلغمية، فلا يلتصق الدم بالبدن لصوقه الطبيعي لرداءته. وربما كان المقدّم في ذلك الهضم الثاني، أو الهضم الأول، أو فساد ما يتناول، أو بلغميته. وإذا ضعفت الهاضمة والماسكة والمميزة في الكبد، وقويت الجاذبية في الأعضاء، وضعفت الهاضمة فيها، كان هذا الاستسقاء. وأكثره لبرد في الكبد نفسها، أو بمشاركة. وإن لم تكن أورام، أو سدد تمنع نفوذ الغذاء، ويكون كثير البرودة عروق البدن، وأمراض عرضت لها، وسدد كانت فيها من أكل اللزوجات والطين ونحوه. وقد يكون بسبب تمكن البرد فيها من الهواء البارد الذي قد أثر أثراً قوياً فيها، وقد يحدث بسبب حرارة مذيبة للبدن للأخلاط، فإذا وقعت سدة لا يمكن معها انتفاض الخلط الصديدي الذوباني في نواحي الكلي، تفرّق في البدن.

وأكثر هذا، يكون دفعة، والاختلاف ربما كان نافعاً جداً في اللحمي، والطبيعة قد تجهد في أن تدفع الفضل المائي في المجاري الطبيعية، وغير الطبيعية. لكن ربما عجزت عن ذلك الدفع، أو ربما سبق نفوذها الغير الطبيعي في الوجوه المذكورة لسيلان دفع الطبيعة عليها، وربما لم تقبلها المجاري، وربما كانت الدافعة تدفعها إلى ناحية الكبد لأنها مائية، من جنس ما يندفع إلى الكبد، فإذا لم يقبلها الكبد وما يليها لضعف، أو لكثرة مادة، أو لأن البدن لا يقبلها بسبب سدد، أو غير ذلك تحيّرت بين الدفعين.

قال أبقراط: من امتلأ كبده ماء، ثم انفجر ذلك الماء إلى الغشاء الباطن، امتلأ بطنه ومات. قال جالينوس: يعني به النفّاطات الكثيرة التي تحدث على ظاهر الكبد، وتجمع ماء، فإنها إذا انفجرت، وكانت كثيرة، حصلت في الفضاء، وقلما ينفذ في الثرب، إلا لتأكل من الثرب في تلك الجهة. قال: وهذا الماء كماء المستسقين، وقد يستسقي من لا يموت، بل يخرج ماؤه ويعيش، إما بطبع، أو علاج، وكذلك لا يبعد في هذا أن يعيش. وأنا أظن أنه يندر، أو يبعد أن لا يموت، لأن هذا الماء يكون أردأ في جوهره، فيفسد في الفضاء، ويهلك ببخاره، ولأن الكبد منه يكون قد فسد صفاقها المحيط بها.

أسباب الطبلي: أكثر أسباب الطبلي فساد الهضم الأول لأجل القوّة، أو لأجل المادة، فإنها إذا لم تنهضم جيداً، وقد عملت فيها الحرارة الضعيفة فعلاً ما غير قوي، وكرهها البدن ومجّها، كان أولى ما يستحيل إليه هو البخارية والريحية.

وربما كانت هذه المواد مواداً مطيّفة بنواحي المعدة والأمعاء، وربما فعلت مغصاً دائماً لأن الحرارة الغير المستعلية فعلت فيها تحليلاً ضعيفاً أحالها رياحاً، وخصوصاً إذا كانت المعدة باردة رطبة، فلم تهيئ لهضم الكبد، ثم كان في الكبد حرارة ما تحاول أن تهضم شيئاً لم يعدّ بعد لهضمها. وربما كان ذلك لحرارة شديدة غريبة في المعدة. والكبد تبادر إلى الأغذية الرطبة، ورطوبات البدن قبل أن يستولي عليها الهضم الذي يصدر عن الحرارة الغريزية، فيفعل فيها فعلاً غير طبيعي، فيحللها رياحاً قبل الهضم، فيكون سبب الطبلي ضعف الهضم الأول، وضعف الحرارة، أو لشدة الحرارة المستولية التي لا تمهل ريث الهضم، أو للأغذية. وقد يعرض في الحميات الوبائية، وفي كثير من آخر الأمراض الحادة انتفاخ من البطن، كأنه طبل يسمع منه صوت الطبل إذا ضرب باليد وهو علامة رديئة جداً.

العلامات المشتركة: جميع أنواع الاستسقاء يتبعها فساد اللون، ويكون اللون في الطحالي إلى خضرة وسواد، وفي جميعها يحدث تهيج الرجلين أولاً، لضعف الحرارة الغريزية، ولرطوبة الدم، أو بخاريته، وتهيج العينين، وتهيج الأطراف الأخرى، وجميعها لا يخلو من العطش المبرح، وضيق النفس. وأكثره يكون مع قلة شهوة الطعام لشدة شهوة الماء، إلا بعض ما يكون عن برد الكبد، وخصوصاً عن شرب ماء بارد في غير وقته وفي جميعه، وخصوصاً في الزقي، ثم اللحمي يقل البول، وفي أكثر أحواله يحمر لقلته، فيجتمع فيه الصبغ الذي يفشو في الكثير.

وأيضاً لقلّته تميّز الدموية والمرة الحمراء عن البول، فلا يجب أن يحكم فيه بسبب صبغ الماء وحمرته على حرارة الاستسقاء، وتعرض لهم كثيراً حمّيات فاترة، وكثيراً ما يعرض لهم بثور تتفقأ عن ماء أصفر، ويكثر الذرب في اللحمي والطبلي. وإذا كان ابتداء الاستسقاء عن ورم في الكبد، اشتدت الطبيعة، وورم القدمان، وكان سعال بلا نفث، وتحدث أورام في الجانب الأيمن والأيسر يغيب، ثم يظهر، وأكثر ذلك في الزقي. وإن ابتدأ من الخاصرتين والقطن، ابتدأ الورم من القدمين، وعرض ذرب طويل لا ينحل، ولا يستفرغ معه الماء. والاستسقاء الذي سببه حار، تكون معه علامات الحرارة من الالتهاب، والعطش، واصفرار اللون، ومرارة الفم، وشدة يبس البدن، وسقوط الشهوة للطعام، والقيء الأصفر والأخضر، وتشتد حرقة البول في آخره لشدة حرارته، والذي كان من جنس ما كثر فيه الذوبان، واندفع لا إلى المجريين الطبيعيين، دلّ عليه كثرة الصفراء، وعلامات الذوبان، وتقدم برازاً، وبول غسالي، وصديدي، ويبتدئ من ناحية الخاصرتين، والقطن.

وكذلك جميع الاستسقاء الكائن عن أمراض حادة. والاستسقاء الذي سببه بارد يكون بخلاف ذلك، وقد تشتد معه شهوة الطعام جداً، كما في برد المعدة، ثم إذا أفرط المزاج سقطت. والاستسقاء الذي سببه ورم صلب، فيعرف بعلاماته، وبالذرب الذي يتبعه، وبقلّة الشهوة للطعام. والذي يكون سببه ورماً حاراً، فإنه يبتدئ من جهة الكبد، وتنفعل معه الطبيعة، وتكون سائر العلامات التي للورم الحار والطحالي، يل عليه لون إلى الخضرة، وعلل سابقة في الطحال، وقد لا تسقط معه الشهوة. وكذلك إذا كان السبب في الكلي، لم تسقط الشهوة في الوقت، ولا في القدر سقوطها في الكبدي، ويتقدمه علل الكلي، وأوراقها، و قروحها.

علامات الزقي: الزقي يكون معه ثقل محسوس في البطن، وإذا ضرب البطن لم يكن له صوت، بل إذا خضخض سمع منه صوت الماء المخضخض، وكذلك إذا انتقل صاحبه من جنب إلى جنب، ومسه مس الزق المملوء ليس الزق المنفوخ فيه، ولا تعبل معه الأعضاء، ولا يكبر حجمها كما في اللحمي، بل تذبل، ويكون على جلدة البطن صقالة الجلد الرطب الممدد، وربما ورم معه الذكر، وحدثت قيلة الصفن، ويكون نبض صاحبه صغيراً متواتراً مائلاً إلى الصلابة مع شيء من التمدد لتمدد الحجب، وربما مال في آخره إلى اللين لكثرة الرطوبة. وإذا كان الاستسقاء الزقي واقعاً دفعة بعد حصاة خرجت من غير أسباب ظاهرة في الكبد، فاعلم أن أحد المجريين الحالبين من الكلية قد انخرق.

علامات اللحمي: يكون معه انتفاخ في البدن كله كما يعرض لجسد الميت، وتميل الأعضاء صافية، وخصوصاً الوجه إلى العبالة ليس إلى الذبول، وإذا غمزت بالإصبع في كل موضع من بدنه انغمر، وليس في بطنه من الانتفاخ والتخضخض، أو الانتفاخ، وخروج السرة، والتطبّل، ما في بطن الزقي والطبلي. وفي أكثر الأمر يتبعه ذرب، ولين طبيعة إلى البياض، ونبض موجي عريض لين. وقد قيل أنه إذا كان بوجه الإنسان، أو بدنه، أو يده اليسرى رهل، وعرض له في مبدأ هذا العارض حكة في أنفه مات في اليوم الثاني أو الثالث.

علامات الطبلي: الطبلي تخرج فيه السرة خروجاً كثيراً، ولا يكون هناك من الثقل ما يكون في الزقّي، بل ربما كان فيه من التمدد ما ليس في الزقي، بل قد يكون كأنه وتر ممدود، ولا يكون فيه من عبالة الأعضاء ما في اللحمي، بل تأخذ الأعضاء إلى الذبول. وإذا ضرب البطن باليد، سمع صوت كصوت الزقّ المنفوخ فيه، ليس الزق المملوء ماء، ويكون مشتاقاً إلى الجشاء دائماً، ويستريح إليه، وإلى خروج الريح. ونبضه أطول من نبض غيره من المستسقين، وليس بضعيف، إذ ليس ينهك القوة بكيفية، أو ثقل إنهاك الزقي، وهو في الأكثر سريع متواتر مائل إلى الصلابة والتمدد، ولا يكون فيه من تهيّج الرجلين ما يكون في غيره.

المعالجات علاج سوء القنية: ينظر هل في أبدانهم أخلاط مختلفة مرارية، فيسهلون بمثل أيارج فيقرا، فإنه يخرج الفضول دون الرطوبات الغريزية. وإن علم أن أخلاطهم لزجة غليظة، أسهلوا بأريارج الحنظل، وبما يقع فيه الصبر، والحنظل، والبسفايج، والغاريقون، مع السقمونيا، والأوزان في ذلك على قدر ما يحدث من رقة الأخلاط، وغلظها، وقوة البدن، وضعفه. وربما اضطرّ إلى مثل الخربق، إن لم ينجح غيره في التنقية، وإخراج الفضل اللزج. ومع هذا كله، فيجب أن يرفق في إسهالهَم، ويفرّق عليهم السقي، وكلما يخلّ أن مادة قد اجتمعت لم يمكن من الثبات، بل عوود الاستفراغ، ومع ذلك، فيجب أن يراعى أمر معدهم، لئلا تتأذى بالمسهلات، وتجعل مسهلاتهم عطرة بالعود الخام ونحوه. وإن كانت القوة قوية، فلا تكثر الفكر في ذلك، وأرح بالمبلغ الكافي. وبالجملة، يجب أن يكون التدبير مانعاً لتوليد الفضول، وذلك بالاستفراغات الرقيقة المواترة، وليجنبوا الفصد ما أمكن. فإن كان لا بدّ منه للامتلاء من دمّ، أقدم عليه بحذر، وتفاريق في أيام ثلاثة أو أربعة.

وأكثر ما يجب الفصد إذا كان السبب احتباس دم بواسير، أو طمث، والأولى أن يستفرغ أولاً بما ينقّي الدم مثل الأيارج ونحوه، ثم إن لم يكن بد، كفى أخذ دم قليل. وكذلك الأحوال لمن بهم حاجة إلى استفراغ ما يخرج الأخلاط بالإسهال، ويفتح السدد، ثم بما يدرّ، ويفتح السدد. والحقن الملطّفة الحلّلة للرطوبات المسهلة لها نفعة جداً. فإن استفرغوا كان أولى ما يعالجون به الرياضة المعتدلة، وتقليل شرب الماء، والاستحمام بالمياه البورقية، والكبريتية، والشبّية، وأن يقيموا عند قرب البحر، والحمّامات.

وأما الحمّامات العذبة، فتضرّهم إلا أن يستعملوها جافة، ويعرقوا في أهويتها الحارة، وأن يستعملوا القيء قبل الطعام، فإنه نعم التدبير لهم، ويجب أن يكون في أوائل الأمر بفجل ينقع في السكنجبين، وفي آخره بالخربق، وأن يقبلوا على التجفيف ما أمكن، وعلى التفتيح، وأن يستعملوا في أضمدتهم ومشروباتهم الأدوية المجففة، المفتحة، الملطفة العطرة، مثل السنبل، والسليخة، والدارصيني، والأدوية الملطّفة مثل الأفنتين، والكاشم، والعافت، وبزر الأنجرة، والكمافيطوس، والزراوند المحرج، وعصارة قثاء الحمار، والقنطريون، وورق المازريون، والجاوشير، والكاكنج بالخاصية. ويقع في أدويتهم الكبريت، وعصارة قثاء الحمار، وأصل المارزيون، وورقه، والنظرون، ورماد السوسن، وزبد البحر. وهذه وأمثالها تصلح لدلوكاتهم في الحمام، وتنفعهم الميبة، والخنديقون، والشراب الريحاني القليل الرقيق، وشراب السوسن.

ومما ينفعهم جداً شراب الأفسنتين على الريق. ومن المعاجين، وخصوصاً بعد التنقية، الترياق، والمثروديطوس، ودواء الكركم، ودواء اللك، والكلكلانج البزوري، وربما سقوا من ألبان الإبل الأعرابية، وأبوالها، وخصوصاً في الأبدان الجاسية القوية، وخصوصاً إذا أزمن سوء القنية، وكاد يصير استسقاء.

وربما سقوا أوقيتين من أبوال الإبل من سكنجبين إلى نصف مثقال، أو أكثر، وكذلك في أبوال المعز. وربما كان الأصوب أن يخلط بها الهليلج الأصفر، إن كانت المواد رقيقة صفراوية. وينفع من الكمّادات تكميد المعدة، والكبد، بالسنبل والسليخة ونحوها، واتخاذ ضمّاد منها بالميسوسن ونحوه، ويدام تمريخ بطونهم بمثل البورق، والكبريب بالأدهان الحارة المعروفة. وينفعهم من الضمادات مرهم الكعك بالسفرجل، وإن عصا طلوا بإخثار البقر، وبعر الماعز. وإما غذاء صاحب سوء القنية، فما فيه لذة وتقوية الطبيعة، مثل الدراج، والقبج، ومرقهما الزيرباج المطيب جداً، بمثل القرنفل والدارصيني، والزعفران، والمصطكي. وكذلك المصوصات. ومن الفواكه الرمان، والسفرجل القليل منه لا يضرّهم. ويجب أن يخلط أيضاً بأطعمتهم مثل الخردل والكراث، والثوم، وما يجري مجراه من غير أن يكثر جداً.

فصل في علاج الاستسقاء الزقّي: الغرض العام في معالجتهم التجفيف، وإخراج الفضول ولو بالقعود في الشمس حيث لا ريح، واصطلاء النيران الموقدة من حطب مجفف، والأكل بميزان، وترك الماء، وتفتيح المسام، والازدراد المتواتر، وإسهال المائية بالرفق، وبالتواتر، والصابرة على العطش، وتدبيره، والامتناع من رؤية الماء فضلاً عن شربه ما أمكن.

وإن لم يكن بدّ من شربه، شربه بعد الطعام بمدة، وممزوجاً بشراب أو غيره، وتقليل الغذاء وتلطيفه جداً هو أفضل علاج. والرياضة التي ذكرناها في باب اللحمي، ومراعاة القوة، وتقويتها بالطيوب العطرة، والمشمومات اللذيذة، وروائح الأطعمة القوية، وتقويتها بالشراب العطر، وليس كثرة شرب السكنجبين فيه بمحمودة. ومما ينفعهم القذف، وخصوصاً قبل الطعام، وأيضاً بعده غبّاً وربعاً وخمساً، فإنه ينفعهم جداً. والتعطيس بالأدوية والنفوخات وغير ذلك ينفعهم بما يحدر المائية، ويحركها إلى المجاري المستفرغة. وأما الفصد، فيجب أن يجتنبه كل صاحب استسقاء ما أمكن، إلا الذين بهم استسقاء احتباس من الدم، فإن الفصد يمنع أعضاءهم الغذاء، وهي قليلة الغذاء ومع ذلك تبرد أكبادهم. فالفصد ضار في غالب الأحوال، وإن كان هناك ورم اعتني به أول شيء، وإذا اشتكى المستسقي الجانب الأيسر الكثير الشرايين، فليس اشتكاؤه للتمدد الذي به، فإن الجانبين مشتركان في ذلك، بل ذلك للدم، فليفصد أولاً، ثم يعالج الاستسقاء، وإن كان ورم صلب، فلا يطمع في إبراء الاستسقاء الزقي الذي يتبعه، ولو استفرغ الماء أي استفراغ كان، ولو مائة مرة عاد وملأ. واعلم أن الاستفراغ بالأدوية أحمد من البزل، ومن الاسترشاح المتعذر إلحامهما. ويجب أن يقع الاستفراغ رقت أن لا تكون حمّى، وإن كان التدبير بما جفف الاستسقاء، فإن الورم يعيده، ويجب أن يقلل عنه مثل الأقراص القابضة، وأن كانت مقوية مثل قرص الأمير باريس، خصوصاً عند انعقال الطبيعة، ويجب أن يقع التجفيف في الاستسقاء البارد بكل حار ملطّف مفتح، وأما في الاستسقاء الحار فعلى وجه آخر سنفرّد له كلاماً.

واعلم أن دهن الفستق واللوز نافعان في جميع أنواع الاستسقاء. وأما الأدوية المفردة الصالحة لهذا الضرب من الاستسقاء إذا كان بارداً، فمثل سلاقة الحندقوقا الشديدة الطبخ، يسقى منها كَل يوم أوقيتين، أو يطبخ رطل من العنصل في أربعة أقساط شراب في فخار نظيف حتى يذهب ثلث الشراب، ويسقى كل يوم أولاً قدر ملعقة كبيرة، ثم يزاد إلى أن يبلغ خمس ملاعق، ثم ينتقص إلى أن يرجع إلى واحدة، وأيضاً يسقى كل يوم من عصارة الفرذنج أوقية.

وقد ذكر بعضهم أنه يجب أن تؤخذ الذراريج، فتقطع رؤوسها وأجنحتها، ثم تجعل أجسادها في ماء العسل، ويدخل العليل الحمّام، ثم يسقى ذلك أو يأكل به الخبز، وهذا شيء عندي فيه مخاطرة عظيمة. وأكثر ما أجسر أن أسقي منه قيراطاً في شربة من المياه المعصورة المعلومة. وقيل أنه إذا نقّى البدن، وشرب كل يوم من الترياق قدر حمصة بطبيخ الفودنج أحداً وعشرين يوماً، واقتصر على أكلة واحدة خفيفة وجبة برأ.

وزعم بعضهم أن سقي بعر الماعز بالعسل نافع، أو بول الشاة، أو بول الحمير بالسنبل والعسل، أو زراوند مدحرج ثلاثة دراهم في شراب. وقد حمد لهم بعضهم كل يوم أو كل يومين قدر باقلاة من الشبث الرطب مصفى في الماء. ومن الأدوية النافعة كذلك الكلكلانج، ودواء اللكّ خاصة للزقّي، ولكل استسقاء، ودواء الكركم، ومعجون أبوريطوس خاصة، وجوارشن السوسن، ودواء الأشقيل، وشراب العنصل، والترياق.

واعلم أن الترياق، ودواء الكركم، والكلكلانج نافع جداً في آخر الاستسقاء البارد. ومن الأدوية العجيبة النفع أقراص شبرم. وتركيبها: يؤخذ شبرم، وإهليلج أصفر بالسواء، والشربة متدرّجة من دانق ونصف، إلى قرب درهم، يشرب في كل أربعة أيام مرة، وفيما بينها يشرب أقراص الأمبر باريس. وقد تركب أدوية من الراوند، والقسط، وحب الغار، والحلبة، والترمس، والراسن، والجنطيانا، وصمغ اللوز، والقنة، وهي أدوية نافعة.

وأما الأدوية المستفرغة للمائية، فهي المسهلات، والشيافات، والحقن خاصة، فإنها أقرب إلى الماء، وأخف على الطبائع، وأبعد عن الرئيسة، وأنواع من الاستحامات والحمامات، والتنانير المسخنة، والمياه التي طبخ فيها الملطفات، مثل البابونج والأذخر، وأنواع من المروخات، والضمادات، والكمادات، ويدخل في جملة ذلك سقي لبن الماعز، ولبن اللقاح.

ومن هذا القبيل البول، ولبن اللقاح موافق للزفي إذا أخذ أسبوعاً مع أقراص الصفر أولاً، نصف درهم، مع نصف درهم طباشير، إلى أن يبلغ درهماً. وبعد الأسبوع، أن استفرغ الماء يوزن درهمين كلكلانج، ثم عاود أقراص الصفر أسبوعاً، ولم تزل تفعل هكذا، فربما أبرأ.

والضعيف لا يسقى من أقراص الصفر ابتداء، إلا قدر دانق، وأقراص الصفر مذكورة في الأقراباذين، وكذلك الكلاكلانج. ومن كان شديد الحرارة لا يلايمه لبن اللقاح، ويبتدئ لبن اللقاح وزن أربعين درهماً، ويزاد كل يوم عشرة عشرة. وأما المسهلات، فلا يجب أن يكون فيها ما يضر الكبد، وإن اضطر إلى مثله مضطر وجب أن يصلح. ولا يجب أن يكون دفعة، بل مرات، فإن ما يكون دفعة قاتل، وأقل ضرره تضعيف الكبد. والصبر وحده رديء جداً للكبد، فينبغي أن يبعد عن الكبد، إلا لضرورة أو مع حيلة إصلاح.

ويجب أن يتبع المسهلات الصوم، فلا يأكل المستسهل بعدها يوماً وليلة إن أمكن، وأن يتبع بما يقوي، ويقبض قليلاً مثل قرص الأمبر باريس، ومثل مياه الفواكه التي فيها لذاذة، وقبض حتى يقوى الكبد، خصوصاً بعد مثل الأوفربيون، والمازريون، والأشق، ونحوه، ثم تستعمل مصلحات المزاج، كالترياق، ودواء الكركم في البارد، وماء الهندبا في الحار، ويجب إذا كانت حرارة أن لا تسهل الصفراء، فإنها مقاومة للمائية بوجه، ولأن المائية تحتاج إلى إسهالها، فيتضاعف الإسهال، وتلحق القوة آفة، بل الأوجب أن تطفأ الصفراء، وتسهّل المائية، إلا أن تكون الصفراء مجاوزة للحد في الكثرة، فلتقتصر حينئذ على مثل الهليلج، فنعم المسهل هو في مثل هذا الحال. كما أن السكبينج نعم المسهل في حال البرد.

وكل إفراط في الاستفراغ في الكمية وفي الزمان رديء، وهو في الحار أصلح. ومن الملينات الجيدة مرق القنابر، ومرق الديك الهرم، خصوصاً بالبسفايج، والشبث، ونحوه. وإذا استفرغت عشرة أيام بشيء من المستفرغات الرقيقة، وبألبان اللقاح، ومياه الجبن، وغير ذلك، فنقص الماء، وخص الورم، فمن الصواب أن يكوى على البطن، لئلا يقبل الماء بعد ذلك، ويكون الكي بعد الحمية، وترك المسهل يومين، أو ثلاثة، وهي ست كيات: ثلاث في الطول تبتدأ من القص إلى العانة، وثلاث في العرض من البطن، وليصبر بعده على الجوع والعطش.

ومن الصواب أن يسقى فيما بين مسقلين شيئاً من المفتحات للسدد، مثل أقراص اللوز المر. وأما سقي ألبان اللقاح والماعز، وخصوصاً الأعرابيات، وخصوصاً المعلوفات بالرازيانج، والبابونج، مما يسهل المائية، ويلطّف، ويحرّ مثل الشيح، والقيسوم، والقاقلة، وغير ذلك. وفي المحرورين ما يوافق مع ذلك الكبد مثل الكشوت، والهندبا، وغير ذلك. ولا تلتفت إلى ما يقال من أنه دسيس السوفسطائيين، وما يقال من أن طبيعة اللبن مضادة للاستسقاء. بل اعلم أنه دواء نافع لما فيه من الجلاء، ويرقق، ولما فيه من خاصية، وربما كان الدواء المطلق مضاداً لما يطلب في علاج الكيفية، لكنه يكون موافقاً لخاصيته، أو لأمر آخر كاستفراغ ونحوه، كما نفع الهندبا في معالجات الكبد التي بها أمراض باردة، وكما يفزع إلى السقمونيا في الأمراض الصفراوية.

واعلم أن هذا اللبن شديد المنفعة، فلو أن إنساناً أقام عليه بدل الماء والطعام لشفي به. وقد جرب ذلك منه قوم دفعوا إلى بلاد العرب. فقادتهم الضرورة إلى ذلك، فعوفوا. وألبان اللقاح قد تستعمل وحدها، وقد تستعمل مخلوطة بغيرها من الأدوية التي بعضها يقصد قصد تدبير غير مسخن جداً، مثل الهليلج مع بزر الهندبا، وبزر الكشوث، والملح النفطي. وبعضها يقصد فيه قصد تدبير مسخن ملطف مثل السكبينج، وحبّه. وبعضها يقصد فيه قصد منع إفراط الإسهال مثل القرط، ونحوه.

وقد يخلط بأبوال الإبل، وقد يقتصر عليها طعاماً وشراباً، وقد يضاف إليها طعام غيرها. وفي الحالين يجب أن تتحقق من أمره أنه هل يمتاز منه البدن، فلا يطلق، أو يطلق قليلاً، أو يطلق أكثر من وزنه بقدر محتمل، أو يفرط، أو يسهل فوق المحتمل، أو يتجبن في المعدة، أو في المجاري، أو يؤدي إلى تبريد، أو يخلف خلطاً بلغمياً، أو خلطاً محترقاً لعفونة إن قبلها. واعلم أن أفضل أوقات سقيه الربيع إلى أول الصيف. ومن التدبير الحسن في سقيه ما جربناه مراراً فنفع، وهو أن يشرب لبن اللقاح على خلاء من البطن، وطي من أيام وليال قبله لا يتناول فيها إلا قليلاً جداً، وإن أمكن طيها فعل، ولا بد من طي الليلة التي قبلها، ثم يشرب منه الحليب في الوقت والمكان مقدار أوقيتين، أو ثلاثة. وأجوده أوقيتان منه مع أوقية من بول الإبل، ويهجر الماء أياماً ثلاثة، فيجب ما يخرج بالإدرار قريباً مما يشرب، وبعد ذلك ربما استطلق البطن بما يشرب منه، وربما لم يستطلق به إلا بثفل قليل، وإنما لم يستطلق به لأن البدن يكون قد امتاز منه، فإن استطلق بطنه فوق ما شرب كف عنه يوماً أو خلط به ما فيه قبض. وإن لم يستطلق، فيجب أن يخاف شاربه التجبن ويهجره. وكذلك إن استطلق دون ما شرب، وحينئذ يجب أن يشرب شيئاً يحدر ما في المعدة منه، وأن يعاوده مخلوطاً به سكبينج ونحوه، بل من الاحتياط أن يستعمل في كل ثلاثة أيام شيئاً من حبّ السكبينج ونحوه بقدر قليل، يخرج ما عسى أن يكون تجبّن من بقاياه، أو تولّد منه، وخصوصاً ذا تجشأ جشاء حامضاً، ووجد ثقلاً.

ومن التدبير النافع في مثل هذه الحال الحقن في الوقت. ويجب أيضاً في مثل هذه الحال أن يترك سقي اللبن يوماً أو يومين، ويفزع إلى الضمّادات، أو الكمّادات التي يضمد بها البطن، فيحلل، فإن كان سقي اللبن لا يحدث شيئاً من ذلك، ويخرج كل يوم شيئاً غير مفرط، بل إلى قدر كوزين صغيرين مثلاً، اقتصر عليه كان وحده أو مع السكبينج. والحبوب المسهلة الكسنجبينية وغيرها، وإن أفرط الإسهال قطع عنه اللبن يوماً أو يومين، ثم درج في سقيه، فيسقى منه لبن نجيبة قد علفت القوابض، وخلط به ساعة يحلب خبث الحديد البَصْرِي المرضوض المغسول على الخمر، والخل المقلو قدر عشرين درهماً، قرط، وطراثيث، من كل واحد خمسة دراهم، بزر الكشوث، وبزر الكرفس، ثلاثة دراهم، باقات من صعتر، وكرفس، وسذاب، يترك فيه ساعة، ثم يصفى، ويشرب به، ثم يتدرج إلى الصرف، ثم إلى المخلوط بما يسهل إن احتيج إليه.

وأما المدرات النافعة في ذلك، فيجب أن لا يلزم الواحد منها، بل ينتقل من بعضها إلى بعض. وأدويته مثل فطراساليون، ونانخواه، وفودنج، وأسارون، ورازيانج، وبزر كرفس، وسساليوس، وسائر الانجذان، وكمافيطوس، والوج، والسنبلان، ودوقو، وفوومو، وهليون وبزره، وأصل الجزر البري، والكاكنج. ويجب أن ينعّم سحقها حتى يصل بسرعة إلى ناحية الحدبة، وإذا استعملت المدرات القوية، فيجب أن تستعمل بعدها شيئاً من الأمرق الدسمة، مثل مرقة دجاجة سمينة.

وأما الأضمدة، فالقانون أن لا يكثر فيها مما يجفف، ويحلل مع قبض قوي يسد مسام ما يتنفس، ويتحلل إلا شيئاً قليلاً قدر ما يحفظ القوة، إن احتيج إليه مثل السنبلين، والكندر، والسعد، بقدر قليل جداً، فإن ذلك يحفظ قوة المراق، وما فيها أيضاً، ويجعلها غير قابلة. وأما الأدوية الضمادية المفردة، والضمادات المركبة النافعة في هذه العلة، فقد ذكرنا كثيراً منها في الأقراباذين. والذي نذكره ههنا، فمما هو مجرب نافع إخثاء البقر، وبعر الماعز الراعيتين للحشيش دون الكلأ. وهذه نسخة ضمّاد منها: يؤخذ من هذه الأخثاء شيء، ويغلى بماء وملح، ثم يذر عليه كبريت مسحوق، ويجعل على البطن، وأيضاً بعر الماعز مع بول الصبي، وأيضاً زبل الحمام، وحبّ الغار، والايرسا. ومن القوي في هذا الباب إخثاء البقر، بعر الماعز، يجعل فيه شيء من الخربق، وشبرم، ويجمع ببول اللقاح، ويضمد به. ومن الضمادات أن يلصق الودع المشقوق، ويترك على بطن المستسقي بحاله، وبعد الدقّ بصدره، ويصبر عليه إلى أن يجف بنفسه. ومن الضمادات الجيدة، أن يتخذ ضمّاد من راتينج، ونطرون، وراسن، ودقاق الكندر بشحم البقر.

ضمّاد يوافق الاستسقاء: ونسخته يطبخ التين اللحيم بماء، ويخلط معه مازريون مسحوق جزء، نطرون جزآن، كمافيطوس جزء ونصف، يتخذ ضماداً فإنه نافع.

آخر قوي جداً: يؤخذ صمغ الصنوبر، وشمع، وزوفا رطب، وزفت، وصمغ البطم، من كل واحد ثلاث درخميات، ميعة وهو الإصطرك، ومصطكي، وصبر، وزعفران وأطراف الأفسنتين، وأشق من كل واحد درخمي، جندبادستر، وكبريت، وحماما وصدف السمك المعروف بسيفا، من كل واحد نصف درخمي، ذرق الحمام، وحرف بابلي، وزهر القصب في البحيرة، من كل واحد ثلاث درخميات، سوسن أسمانجوني أربع درخميات، بورق أحمر درخمي، يخلط بدهن البابونج.

وإذا كان في الكبد ورم نفع الضماد المتخذ من حشيش السنبل، والزعفران، وحب البان، والمصطكي، وإكليل الملك، وعساليج الكرم، والبابونج، والأدهان المطيبة. ومن المراهم: مرهم بهذه الصفة، ونسخته: يؤخذ المارقشيتا، والكبريت الأصفر والنطرون، والأشق، من كل واحد جزء، ومن الكمون جزآن وثلثا جزء، يجمع بشمع وعلك البطم، وشراب ويوضع على البطن، ومرهم الجندبادستر، ومرهم الأفسنتين، ومرهم الإيرسا، ومرهم الفربيون، ومرهم شحم الحنظل، والمرهم المتخذ بالخلاف، ومرهم حبّ الغار، ومرهم البزور، ومرهم بولور حيوش.
ومن الذرورات: نطرون، وملح مشويان، يذرّ على البطن، وخصوصاً بعد دهن حار مثل دهن قثاء الحمار، ودهن الناردين. وقد يستعمل لهم الأدوية المحمّرة، وربما ضربوا أعضاءهم الطرفية بقضبان دقاق وذلك غير محمود عندي. وربما علقوا على أحقابهم، وما يليها المثانات المفنوخ فيها، أو لا أعرف فيها كبير فائدة.

وأما البزل من المراق، فاعلم أنه قلما نجع إلا في قوي البدن جداً، إذا قدر بعده على رياضة معتدلة، وعطش، وتقليل غذاء. ويجب أن لا نقدم عليه ما أمكن علاج غيره، والصواب أن لا يكون في دفعة واحدة، فيستفرغ الروح دفعة، وتسقط القوة، بل قليلاً قليلاً، وأن لا يتعرض به لمنهوك. فأما صفة البزل، فإن أفطيلوس أمر أن يقام قياماً مستوياً إن قدر عليه، أو يجلس جلوساً مستوياً، ويغمر الخدم أضلاعه، ويدفعونها إلى أسفل السرّة، ثم يشتغل بالبزل. فإن لم يقدر على ذلك، فلا يبزله، وإن أردت أن تبزله، فيجب أن تبزل أسفل السرّة قدر ثلاثة أصابع مضمومة، ثم يشقّ إن كان الاستسقاء قد ابتدأ من المعي.

وإن كان من جانب الكبد، فلتجعل الشق من الجانب الأيسر من السرّة. وإن كان السبب من الطحال، فلتجعله من الجانب الأيمن من السرة، وأرفق كي لا تشقّ الصفاق، بل لتسلخ المراق عن الصفاق قليلاً إلى أسفل من موضع شق المراق، ثم تثقب المراق ثقباً صغيراً على أن يكون ثقب المراق أسفل من ثقب الصفاق، حتى إذا أخرجت الأنبوبة انطبق ذلك الثقب، فاحتبس الماء لاختلاف الثقبين، ثم لتدخل فيه أنبوبة نحاس، فإذا أخذت الماء بقدر أنمة مستلقياً، ويجب أن يراعى النبض، فإذا أخذ يضعف قليلاً، حبست الماء، وإذا أخرجت الماء آخر الإخراج بقدر، بقيت شيئاً يكفي الخطب فيه الأدوية المسهّلة.

وقد يكون بعد البزل الكي الذي ذكرناه، وقد تكوى المعدة، والكبد، والطحال، وأسفل السرّة، بمكاوٍ دقيقة. وربما تلطفوا، فأخرجوا الماء إلى الصفن، وبزلوا من الصفن قليلاً قليلاً، وهو تدبير نجيع نافع، وذلك بالتعطيس، وبكل ما يجذب المائية إلى أسفل، ويجب حينئذ أن يتوقّى لئلا يقع منه الفتق، وأن يكون ذلك بما ليس فيه ضرر آخر.

وربما نخسوا الأدرّة بإبر كثيرة ليكون للماء مراشح كثيرة، وربما أعقب البزل مغصاً، ووجعاً، فيجب أن يستعمل صب دهن الشبت، ودهن البابونج، والأدهان الملينة على المغص، وموضع البزل، ويوضع عليه الضمّادات المعمولة بالحلبة، وبزر الكتان، وبزر الخطمي ونحوه.

وربما اقتصر على ماء حار، ودهن يصبّ على البزل، فإذا سكن المغص أزيل. وأما الاستفراغات الجزئية لهم بالأدوية فلنورد منها أبواباً. وهذه الأدوية المسهلة للمائية قد عددناها في الجداول، والقوية منها مثل ألبان اليتوعات، وشجرها. وأفضل ما يكسر غائلتها الخلّ، والسفرجل، والتفاح، وحب الرمان، وخصوصاً خلّ ربي فيه السفرجل ونحوه، أو طبخ فيه، أو ترك فيه أياماً، أو رش عليه عصارته. ومما يعجن به اليتّوعات مثل لبن الشبرم ونحوه، كالميبختج يعجن به ويحبب.

والسكنجبين أفضل من ذلك، إذا حلّ في الأوقية منه دانق من مثل لبن الشبرم وخصوصاً الشجرة التي يتخذ منها الترياق المغراوي، والفوشنجي. وأظن أنه اللاعية والفربيون، دواء يسقى منه وزن درهمين في صفرة البيض النيمبرشت، فإنه قد ينفع في الأقوياء مراراً مع خطر عظيم فيه، والروسختج، وتوبال النحاس، وخصوصاً معجوناً بلبّ الخبز محبباً، وحشيشة تسمى مدرانا، وعصارة قثاء الحمار، والشراب المنقوع فيه شحم الحنظل. والمازريون من جملة اليتّوعات قوي في هذا الباب، وإصلاحه أن ينقع في الخلّ، وقد يتخذ من خله سكنجبين، والأشق قد يسقى إلى درهمين بماء العسل. ومما هو قريب الاعتدال السكبينج، والايرسا، وبزر الأبخرة مقشّراً من قشرة، معجوناً بعسل، وماء ورق الفجل. وأما التي هي أسلم، وأضعف، فماء القاقلي نصف رطل مع سكر العشر، وماء الكاكنج، وماء عنب الثعلب، وسكنجبين المازريون، ولبن اللقاح المدبر، وماء الجبن المدبّر بقوة الايرسا، والمازريون، وتوبالَ النحاس ونحوه. نسخة جيدة: ماء الجبن يجعل على الرطل منه درهم ملح إندراني، وخمسة دراهم تربد مسحوق، يغلى برفق، وتؤخذ رغوته، ويصفى، ويبدأ، ويسقى منه ثلث رطل، ويزاد قليلاً قليلاً إلى رطل، فإنه ينقص الماء بلا تسخين. وأجود ماء الجبن، ما اتخذ من لبن اللقاح، وأفضله للمحرورين المتخذ من لبن الماعز، ولبن الأتن. ومن الأدوية المقاربة لذلك، وينفع الاستسقاء الحار، أن ينقع فلق من السفرجل في الخلّ ثلاثة أيام، ثم يدق مع وزنه من المازريون الطري دقاً شديداً، حتى يخلط، ويلقى عليه نصف قدر الخل سكّراً، وبطيخ حتى يسير في قوام العسل، ويخلط الجميع. وقد يقرب من هذه الحبوب المتخذة من بور المازريون، مع سكّر العشر، وهو مما لا خطر فيه للحارة أيضاً.

ومن المعاجين: الكلكلانج، ومعجنون لنا بخبث الحديد، والمازريون في الأقراباذين، ومعجون لبعضهم. ونسخته: يؤخذ من بزر الهندبا، وبزر كشوث عشرة عشرة، عصارة الطرحشقوق مجففة وزن عشرين درهماً، عصارة الأمبر باريس خمسة عشر درهماً، لك مغسول، وراوند صيني، من كل واحد خمسة دراهم، عصارة الأفسنتين سبعة دراهم، عصارة قثاء الحمار، وشحم الحنظل، خمسة خمسة، غاريقون سبعة يعجن بالجلاب، ويسقى بماء البقول. هذا دواء جيد ذكره بعض الأولين، وانتحله بعض المتأخرين، وهذا آمن جانباً من الكلكلانج، وفيه تقوية وإسهال قوي.

ومن الأشربة: شراب الايرسا، وشراب بهذه الصفة. ونسخته: يؤخذ نحاس محرق جيداً مثقال، ويسحق، وفرق الحمام مثقال، وثلاثة من قضبان السذاب، وشيء يسير من ملح العجين، يشرب ذلك بشراب. ومن الحبوب حبّ فيلغريوس وصفته: يؤخذ توبال النحاس، وورق المازريون، وبزر أنيسون، من كل واحد جزء، ويتخذ منه حب، ويسقى القوي منها مثقالاً، والضعيف درهماً. وأيضاً: حب الشعثا، وحب بهرام، وحب الخمسة، وحبّ السكبينج، وحب المازريون، وهو غاية للزقي.

كما أن حب الراوند غاية للحمي، وحب المقل، وحبّ الشبرم، وحبوب ذكرناها في الأقراباذين. وحبّ بهذه الصفة ونسخته: يؤخذ لبن الشبرم، وعصارة الأفسنتين، وسنبل، وتربد من كل واحد دانق، غاريقون، ورد، من كل واحد نصف درهم، يحبب بماء عنب الثعلب، ويشرب، فإنه نافع جداً.

أخرى: يؤخذ قشر النحاس كمافيطوس، وأنيسون أجزاء سواء، يحبّب ويبدأ مه بدرخمي واحد، ويتصاعد. وأيضاً: من الأقراص قرص الراوند الكبير المسهل، وأقراص المازريون بالبزور، وأقراص المازريون نسخة أخرى معروفة.

وأما الاستحمامات: فيكره لهم الرطب منها. وأجودها لهم اليابس، وأجود اليابس تنّور مسجّر بقدر يحتمل المريض أن يدخله، وخصوصاً صاحب اللحمي. وإذا أدخل يترك رأسه خارجاً إلى الهواء البارد ليتأدى الهواء البارد إلى ناحية القلب، والرئة، فيبرد قلبه، ولا يعظم عطشه، ويتحلل بدنه عرقاً غزيراً نافعاً. وإن كان الرطب، فمياه الحمّامات الحارة البورقية، والكبريتية، والشّبية المعروفة المجففة انتفع بها جداً في منتهى العلة خصوصاً صاحب اللحمي يتكرر فيها في اليوم مرات. فإن لم تسقط القوة، وأمكنه أن يقيم فيها يوماً بطوله فعل. ومن هذا القبيل ماء البحر إذا فتّر وسخّن. وأما البارد والسباحة فيه، فذلك في الأمر شديد الموافقة.

ومن فضائل مياه الحمّامات، التمكن من تدبير النفس البارد الذي يعوز مثله في الحمّام، فإن لم يحضره مياه الحمامات، فاحلل المياه العذبة بما يخلط بها من الأدوية، ويطبخ فيها مثل البورق، والكبريت، والأشنان، والخردل، والنورة والعقاقير الأخرى المعلومة التي تشاكلها قبل اليأس. وهذه المياه يجب أن تلقى من صاحب الزقي والطبلي بطنه، ومن صاحب اللحمي جميع البدن.

وأما الاستسقاء الحار، فهو، إما تابع لورم حار، أو تابع لمزاج حار بلا ورم، لضعف القوة المغيرة، وليس حمرة الماء دليلاً على هذا النوع من الاستسقاء لا محالة، فربما كان صبغه لقلّته، بل اعتمد فيه على سائر الدلائل، ثم عالج. ويجب أن يجتنب هذان جميعاً الأدوية الحارة البتة، فتزيد في السبب، فتزيد في العلة، بل يكون فيها خطر عظيم.

ولا يجب أن تلتفت إلى من يقول أن الاستسقاء لا يبرأ إلا بالأدوية الحارة. فكثيراً ما برأ فيما شاهدناه، وفيما جرب قبلنا بأن عالجنا نحن ومن قبلنا الأورام بعلاجها والمزاج الحار بالتبريد. ورأيت امرأة نهكها الاستسقاء، وعظم عليها، فأكبت على شيء كثير من الرمان يستبشع ذكره، فبرأت، وكانت دبرت بنفسها وشهوتها هذا التدبير. ومع هذا أيضاً فيجب أن تراعي جهة المائية المجتمعة، فإنك إن راعيت جانب الحمى وحدها، كان خطراً، وإن راعيت جانب المائية، كان خطأ، فيجب أن تجمع بين التدبيرين برفق، ولتفرغ إلى المعتدلات، ومقاومة الأغلب.

واعلم أنك إن اجتهدت في إبراء الاستسقاء والورم، -والحمى قائم- فإنه لا يمكنك -والتدبير في مثل هذا- أن تستعمل ماء عنب الثعلب، وماء الكاكنج، وماء الكرفس، وماء القاقلي، وكذلك ماء الطرحشقوق، وهو التصعيد المرّ، ويجب أن يخل بهذه شيء من اللكّ، والزعفران، والراوند مع هليلج أصفر، وأن تستعمل أيضاً عند الضرورات ما جعلناه في الطبقة السافلة من المسهلات المازريونية وغيرها.

ويجب أن تتأمل ما قاله جالينوس في علاج مستسقي حار الاستسقاء، وكتبناه بلفظه قال جالينوس: ما دبرت به الشيخ صديقنا من استسقاء زقي مع حرارة، وقوة ضعيفة، غذيته بلحم الجدي مشوياً، وبالقبج، والطيهوج، ونحوها من الطيور، والخبز الخشكار، والقريص، والمصوص، والهلام بها، والعدس بالخل عدسية صفراء، وأوسعت عليه في ذلك لحفظ قوته، ولم آذن له في المرق البتة إلا يوم عزمي على سقيه دواء، فكنت في ذلك اليوم آذن له في زيرباج قبل الدواء وبعده فكان لا يكثر عطشه، وأمرته أن يأكل هذه بخلّ متوسط الثقافة، وأسهلته بهذا المطبوخ. ونسخته: يؤخذ هليلج أصفر سبعة دراهم شاهترج، أربعة دراهم حشيش الأفسنتين، درهمين حشيش الغافت، درهمين هندبا غضّ، باقة سنبل الطيب درهمين، بزر هندبا درهمين، ورد درهمين يطبخ بثلاثة أرطال ماء، حتى يصير رطلاً، ويمرس فيه عشرة دراهم سكراً ويشرب.

وأيضاً هذا الحب ونسخته: يؤخذ لبن الشبرم، ومثله سكر، عقدته، وكنت أعطيه قبل غذائه، وربما عقدته بلحم التين، وأعطيته منه حمصتين، أو ثلاثاً، وسقيته بعده ربّ الحصرم، والريباس، وضمدت كبده بالباردة، وبحب قيرس، وبالمازريون المنقع بالخل. ومن أطليته على البطن: الطين الأرمني بالخل، والماورد، ودقيق الشعير، والجاورس، وإخثاء البقر، وبعر المعز، ورماد البلوط، والكرم، وفي الأحايين البورق، والكبريت كلها بخل، وحتى ضمدت كبده بالضماد الصندلي، وربما وضعت ضماد الصندل على ناحية الكبد، والمحللة على السرة والبطن، وقد أسهلته أيضاً بشراب الورد بعد أن أنقعت فيه مازريون ومرة دفت فيه لبن الشبرم، وأذنت له من الفواكه في التين اليابس، واللوز، والسكر، وأمرته بمصابرة العطش. وإن أفرط عليه، مزجت له جلاباً بماء، وسقيته، وقد دققت ورق المازريون، ونخلته، وعجنته بعسل التين، وكنت أعطيته منه قبل الأكل وبعده. وجملة، فلم أدعه يوماً بلا نقص، فهذه أقواله.

في أغذيتهم: وأما الغذاء لأصحاب الاستسقاء، فيجب أن يكون قليلاً ووجبة، ولو أمكنه أن يهجر الخبز من الحنطة للزوجته، وتسديده فعل، ويقتصر على خبز الشعير بالبزور. وإن كان لا بدّ، فيجب أن يكون من خبز بنوري خشكار نضيج مجفف، لئلا يقطن، وليكن من حنطة غير علكة. ومن الناس من يجعل فيه دقيق الحمص، وأن يكون دسمهم من مثل زيت الأنفاق ومن أغذيتهم الخلّ بالزيت المبزر والمفوه به، فإنه يوافقهم. ومرق الحجاج نافع لهم، فإنه يجمع إلى الإدرار إصلاح الكبد. والطعام الذي يتخذه النصارى من الزيتون، والجزر والثوم، ويجب أن يكون مرقهم ماء الحمص، ومرقة للقنابر، والديك الهرم، والدجاج وخصوصاً بحشيش الماهنودانه، وتكون اللحوم التي ربما يتناولونها لحرم الطير الخفاف، مثل الدراج، والدجاج، والشفانين، والقبج، والفواخت، والقنابر، ولحم القطا، والغزلان، والجداء، وصغار السمك البمزرة الملطفة، والحريفة المقطعة وملح الأفعى جيد لهم جداً، ولكنه ربما أفرط في العطش، وبقولهم مثل أصل الكرفس والسلق، والبقلة اليهودية، والهندباِ، والشاهترج، وقليل من السرمق، والكرّاث والسذاب، وورق الكراويا، والفوذنج، والثوم، والكبر، والخردل. والحبوب كل تضرهم، وخاصة أصحاب الطبلي. وأما اللبوب، فالفستق، والبندق، واللوز المر ينفعهم وربما رخص لهم في وقت مسفوف في التمر، والزبيب، ولا رخصة لهم في شيء من الفواكه الرطبة اللينة، إلا الرمان الحلو.

وأما الشراب، فلا يقربن منه صاحب الاستسقاء الحار، وأما صاحب الاستسقاء البارد، فيجب أن لا يشرب منه إلا الرقيق العتيق القليل، لا على الريق، ولا على الطعام بل بعد حين. وإذا علم انحدار الطعام من المعدة. وأما الحقن والشيافات، فالحقن المتخذة من المياه المخرجة للمائية مع مثل السكبينج والايرسا ونحوه.

شياف: يستفرغ الماء استفراغاً جيداً، يؤخذ بزر أنجرة خمسين عدداً، حب الماهنوندانه ثلاثين عدداً، غاريقون سبعة قراريط، قشر النحاس ثلاثون درخمي، يخلط مع لبوب الخبز، ويعمل شيافاً، ويتناول معه ستة قراريط أو تسعة. وأما المدرات، فجميع المدرات تنفعهم. ومما هو جيد لهم دواء يدر البول يؤخذ بزر أنجرة تسعة قراريط، خربق أسود مثله، كاكنج درخميان، سنبل هندي درخمي، يخلط ويتناول. الشربة منه مثقال بشراب الأفاويه.

آخر يدر البول: يؤخذ عيدان البلسان، وسنبل الطيب، وسليخة، وكمون، وأصل السوسن، وأوفاريقون، وفقاح الإذخر، ولوف، وقسط، وجزر بري، وحماما وسمربيون، وهو صنف من الكرفس البري، وفطراساليون، وهو بزر الكرفس الجبلي، وقصبة الذريرة، وفلفل، وكاكنج، وساليوس، وهو الانجذان الرومي من كل واحد درخمي، يخلط الجميع، والشربة منه درهمان.

فصل في علاج الاستسقاء اللحمي: الأصول الكلية نافعة في الاستسقاء اللحمي، ومع ذلك فقد ذكرنا في باب الاستسقاء الزقي إشارات إلى معالجات الاستسقاء اللحمي. وقد تقع الحاجة فيه إلى الفصد، وإن كان السبب فيه احتباس دم الطمث، أو البواسير، وكان هناك دلائل الامتلاء، فإن في الفصد حينئذ إزالة الخانق المطفئ. والفصد أشد مناسبة للحي منه للزقي، وإذا كان مع اللحمي حمى، لم يجز إسهال بدواء، ولا فصد ما لم يزل. وأقراص الشبرم، وشربها على ما وصفنا في باب الزقي أشد ملائمة للحمي منها لسائر أنواع الاستسقاء، ولين الطبيعة منهم صالح لهم جداً. فلا يجب أن تحبس، بل يجب أن تطلق دائماً، ولو بالدواء المعتدل، وينفع القذف، وتنفع الغراغر المنقية للدماغ وينفع الإسهال. وأفضله ما كان بحبّ الراوند. وللاستسقاء، وخصوصاً اللحمي رياضة تبتدئ أولاً مستلقياً، ثم متمكناً على ظهر الدابة، ثم ماشياً قليلاً على أرض لينة رملية. ومنهم من يمسح العرق لئلا يؤثر كبّ الرشح الأول على الثاني سدداً، ويتعرض بعد الرياضة للتسخين، خصوصاً بالشمس، فإنها قوية الغوص، وإذا اشتد حر الشمس وقى الرأس لئلا يصيبه علة دماغية، ويكشف سائر الأعضاء، ويكون مضطجعه الرمل إن وجده، فإنه صالح لما ذكرنا بالمدرات المذكورة. فإذا أدر منه العرق مسحه، ودهن بمثل دهن قثاء الحمار، ونحوه.

ويتوقى مهاب الرياح الباردة، ويجب أن يشرب دواء اللكّ، ودواء الكركم، وكذلك الكلكلانج أيضاً، ويستعمل المدرات المذكورة، والمسهّلات التي فيها تلطيف، وتجفيف، ومنها أقراص الغافت مع الأبهل في ماء الأصول، وفي السكنجبين البزوري، إن كانت حرارة. والأدوية المفردة في الزقّي نافعة في هذا كله، حتى السكبينج، والقسط، والمازريون، والفربيون. وطبيخ الابهل نافع جداً. وإن طبخ وحده بقدر ما يحمّر الماء منه، ثم يؤخذ وزن ثلاثة دراهم إبهل، ويشرب من ذلك الماء عليه، ويسقى أيضاً نانخواه، وكمون، وملح الطبرزذ. وأما الذي عن سبب حار، فيجب أن يفصد ليخرج الصديد الرديء، ويدرّ. فإذا انتقت العروق، أصلح مزاج الكبد بما يرد الكبد عن الالتهاب إلى المزاج الطبيعي، وتغذيه اللحمي البارد والحار، وتعطيشه كما في الزقي البارد والحار بعينه.

فصل في علاج الاستسقاء الطبلي: القانون في علاجه أن يستفرغ الخلط الرطب إن كان هو لاحتباسه سبباً للنفخة، وربما احتاج إلى استفراغ المائية، وإلى البزل أيضاً، كالزقي، وأن تقوّي المعدة، إن كان السبب ضعفها، أو يعدل الكبد بالأطلية وغيرها حتى لا يفرط تبخرها.
والفصد لا يدخل في هذا الباب، إلا في النادر، بل الأولى أن يسهّل الطبيعة برفق، ويجب أن لا يكثر من المسهّلات، ويجب أيضاً أن يستعمل المدرات، ولكن لا يفرط فيها، فإن الإفراط فيهما يؤدي إلى تولد أبخرة كثيرة، ثم يستعمل المجشئات، ومحلّلات الرياح، ويدلك بطنه في اليوم مراراً، ويكمّد بالجاورس، والنخالة إن نفعه، وكذلك حبوب مشروبة، وحمولات، وربما احتاج إلى وضع المحاجم الفارغة على بطنه مراراً. ويجب أن يجتنب الحبوب، والبقول، والألبان، والفواكه الرطبة. وإن كان الاستسقاء الطبلي مع سوء مزاج حار، فيجب أن يسقى مثل مياه الرازيانج، والكرفس، وإكليل الملك، والبابونج، والحسك.

وإن كان الاستسقاء الطبلي من سوء مزاج بارد، فيجب أن يسقى الكمون، والأنيسون، والجندبادستر، والنانخواه، وأن يمضغ الكمون. والكندر دائماً ينفعه معجون الوجّ بالشونيز، وهو مذكور في القرابادين، وأيضاً ينفعه ورق القماري إذا مضغ دائماً، وكذلك السعد والدوقو، من كل واحد وزن درهمين. وأيضاً نانخواه، وإبهل، وكمون ملح طبرزذ، والحمولات يؤخذ كمون، وبورق، وورق سذاب، ويستعمل منه شيافة بعد أن تراعى القوة، والوقت. ومن الحقن دهن السذاب نفسه، أو مع البزور المحللة، وكذلك دهن الكرفس، ودهن الدارصيني، وكذلك البزور المحللة للرياح مطبوخاً.