الكتاب الرابع: الأمراض التي لا تختص بعضو بعينه - الفن الأول: الحميات - المقالة الثانية: حميات العفونة

المقالة الثانية

حميات العفونة

العفونة تحدث إما بسبب الغذاء الرديء إذا كان متهيئاً لأن يعفن ما يتولد عنه لرداءة جوهره أو لسرعة قبوله للفساد، وإن كان جيد الجوهر مثل اللبن، أو لأنه مائي الغذاء يسلب الدم متانته مثل ما يتولّد عن الفواكه الرطبة جداً، أو لأنه مما لا يستحيل إلى دم جيد بل يبقى خلطاً رديئاً بارداً يأباه الحار الغريزي، ويعفنه الغريب مثل ما يتولد عن القثاء والقند والكمثري، ونحوه أو رداءة صنعته أو وقته وترتيبه على ما علمت، وإما بسبب السدّة المانعة للتنفس والتروّح بسبب مزاج البدن الرديء، إذا لم يطق الهضم الجيد، وكان أيضاً أقوى مما لا يفعل في الغذاء، والخلط شيئاً فيتركه فجاً، ومثل هذا المزاج إما أن يولد أخلاطاً رديئة، وإما أن يفسد ما يولّده لتقصيره في الهضم ولتحريكه إياه التحريك القاصر، وهذه أسباب معينة في تولّد السدد المولّدة للعفونة. وإما بسبب أحوال خارجة من الأهوية الرديئة كهواء الوباء، وهواء البطائح، والمستنقعات، وقد يجتمع منها عدة أمور، وأكثر أسباب العفونة السدّة، والسدّة إما لكثرة الخلط، أو غلظه أو لزوجته. وأسباب كثرة الأخلاط وغلظها ولزوجتها معلومة، وإيراثها السدٌة معلوم، فإذا حدثت السدّة، حدثت العفونة لعدم التروح وخاصة إذا كانت معقبة بحركات في غير وقتها على امتلاء وتخمة، واستحمامات مثل ذلك أو تشمس، أو تناول مسخنات على الامتلاء، وترك مراعاة الهضم في المعدة والكبد، وتلافي تقصير إن وقع بتسخينهما بالأطلية والكمادات والعفونة، قد تكون عامة للبدن كله، وقد تكون في عضو لضعفه أو لشدة حرارته الغريبة وحدتها، أو وجعه والخلط القابل للعفونة، إما صفراء يكون حق ما يتبخر عنها أن يكون دخانياً لطيفاً حاداً، وإما دم حق ما يتبخر عنه أن يكون بخارياً لطيفاً، وإما بلغم يكون حقٌ ما يتبخر عنه أن يكون بخارياً كثيفاً، وأما سوداء حق ما يتبخر عنها أن يكون دخانياً كثيفاً غبارياً، وعفونة الصفراء توجب الغب وما يجري مجراها، وعفونة الدم توجب المطبقة، وعفونة البلغم في أكثر الأمر توجب النائبة كل يوم، وما يجري مجراها وعفونة السواء توجب الربع وما يجري مجراها، والدم مكانه داخل العروق، فعفونته داخل العروق.

وأما الصفراء والبلغم والسوداء، فقد تعفن داخل العروق، وقد تعفن خارج العروق، وإذا عفنت خارج العروق ولم يكن سبب آخر، ولا كانت العفونة في ورم باطن، يمد القلب عفونة متصلة أوجبت الدور الذي ذكرنا لكل واحدة، فعرض وأقلع وإن كانت البلغمية لا يقلع إلا وهناك بقية خفية.

وإذا عفنت داخل العروق، أوجبت لزوم الحمى ولم تكن مقلعة ولا قريبة من المقلعة، بل كانت لازمة دائمة لكن لها اشتدادات تتعرف بها النوبة التي لها.

وإذا كانت العفونة الداخلة مشتملة على العروق كلها، أو على أكثر ما يلي القلب منها لم تكد الاشتدادات والنقصانات تظهر، وإذا كانت على خلاف ذلك ظهرت التغيرات ظهوراً بيِّناً، وإنما كانت العفونة الخارجة تقلع ثم تنوب، لأن المادة التي تعفن تأتي عليها العفونة في مدة النوبة، فتفني رطوباتها التي بها تتعلق الحرارة، وتتحلل وتخرج من البدن لأنها غير محبوسة في العروق فيمنعها ذلك عن تمام التحلل وتبقى رماديتها وأرضيتها التي ليست مظنة للحمى والحرارة كما يرى من حال عفونة الأكداس، والمزابل قليلاً قليلاً حتى يترمد الجميع ثم لا يبقى حرارة.

وإذا لم تبق في الخلط المحترق بالعفونة حرارة، بطلت الحمّى إلى أن تجتمع مادة أخرى إلى موضع العفونة، وقد بقيت فيها بقية حرارة من العفونة الأولى. وإن لم تبق مادة أو لوجود علة التعفّن من الأول في المادة الأولى، فتشتعل في المادة الثانية على سبيل التعفين، فأمر العفونة، يدور على وجود حرارة مقصرة تعفن وتحلّل وترمّد، وتتعدى إلى المجاور حتى تقطع الحد وتفني المادة، ولا تجد مجاوراً آخر وتبقى بقية حمى تنتظر مادة أخرق تتحلّب إلى موضعها.

وأما إذا كانت العفونة داخل العروق فقد يعرض أن يكون التحلل التام متعذّراً، وأن تدور العفونة لاتصال بعض ما في العروق ببعض فتعفن كل شيء ما يجاورهم تدور المجاور الآخر وأيضاً فإن المحصورة في العروق شديدة المواصلة للقلب، وهذه الحميات التي لها نوائب إقلاع وتفتير، قد يترك نظامها لاختلاف المواد في الكثرة والقلة والغلظ والرقة ولاختلافها في الجنس، بأن ينتقل بعض المواد فيصير من جنس مادة أخرى يخالفها في النوع لا في الكثرة والقلة والغلظ والرقة فقط.

وقد يكون من سوء تدبير العليل، أو لضعفه أو لكثرة حسه ونوائب المقلعة تبتدئ في أكثر الأمر بقشعريرة أو برد، أو نافض وتتحلل بالعرق وإنما صارت تبتدئ بالبرد أو بالقشعريرة في الأكثر، أما لسبب برد الخلط، وأما للدغ الخلط للعضل بحدتهَ، وأما لغور الحرارة إلى الباطن متجهة نحو المادة، وأما لضعف القوة، وأما لبرد الهواء والذي يكون من لذع الحرارة فهو أولى بأن ينسب إلى القشعريرة منه إلى البرد.

وأكثر ما يعرض منه أن يكون كنخس الأبر في كل عضو، وأما تحلل المادة بالعرق، فإن الحرارة المعفنة تحلل الرطوبة وتبقى الرمادية، وإذا كانت تلك الرطوبة غير محصورة في العروق، سهل اندفاعها في المسام عرقاً ونوائب اللازمة التي لا تفتر ولا تقلع لا تبتدئ ببرد إلا لضعف القوهَ، أو لغور الحرارة الغريزية، فتبرد الأطراف وذلك علامة رديئة. وقد يتركب في بعض الحميات برد وقشعريرة معاً، لأن المادة التي تعفن تكون مركبة من بارد ومن لاذع، وقد تتركب بعض حميات العفونة تركيباً تصير في هيئة اللازمة وذلك مثلاً إذا كان قد ابتدأ خلط يعفن في موضع فكما أتت عيه العفونة ابتدأ خلط من جنسه، أو من غير جنسه يعفن فصادفت عفونة الثاني، زمان إقلاع نوبة الأول ثم اتصل الأمر كذلك وقد.تتركب الحميات العفنية ضروباً أخرى من التراكيب سنفصلها فيِ بابها.

وأدوار الحميات قد تطول، وقد تقصر فطولها لغلظ المادة، أو لزوجتها، أو لكثرتها، أو سكونها، أو لضعف القوة، أو لضعف الحس، أو لتكاثف المسام فلا يتحلل الخلط وقصرها لأضداد ذلك والنوائب تسرع وتبطئ وبطؤها أما بسبب أن المادة قليلة، أو بطيئة الحركة إلى معدن العفونة لغلظها، وهذه كمادة الربع وسرعتها لأنها كثيرة كالبلغم، إلا الزجاجي فنوائبه ربما تباطأت، أو لطيفة كالصفراء.

وأردأ الحميات هي: اللازمة التي تكون العفونة فيها داخلة العروق، ثم المقلعة التي تكون العفونة فيها في جميع البدن، أو في نواحي القلب، وقلما يعرض. للمشايخ حمى صالب لبرد مزاجهم وقلة التخم فيهم. وأما النبض، فإنه تختلف أحواله في الحميات العفنية بحسب اختلافها في أجناسها، أو بحسب اختلاف النوع الواحد منها في الشدة والضعف، وفي قوة الأعراض، وضعفها وقد يعرض له الصلابة فيها، إما لورم حار شديد التمديد، أو ورم حار في عضو عصبي، أو ورم صلب، أو لشدّة اليبس، أو عند استيلاء البرد في الابتداءات، وقد تكون لينة بسبب المادة الرطبة اللينة البلغمية والدموية، وبسبب أن الورم في عضو لين مثل: ذات الكبد، وذات الرئة وليثرغش، أو لسبب التندي المتوقّع عندما يريد أن يعرق، والنبض يكون في ابتداء النوائب ضعيفاً منضغطاً بسبب إقبال القوة على المادة، واستشغالها بالتنقية والترويح.

فصل قول كلّي في علامات حمّيات العفونة قد يدل على حميات العفونة توافي الأسباب السابقة لها، وخصوصاً إذا لم يكن لها سبب بادٍ والنبض أو النفس الذي يسرع انقباضه، لأن الحاجة إلى التنقية شديدة جداً، وتكون الحرارة لذاعة غير عذبة كحرارة حمى يوم. وأكثر حمّيات العفونة تتقدّمها المليلة، والمليلة حالة تخالطها حرارة لا تبلغ أن تكون حمى، ويصحبها إعياء وتوصيم وكسل، وتمطّ وتثاؤب، واضطراب نوم، وسهر، وضيق نفس، وتمدّد عروق، وشراسيف وصداع وضربان رأس، فإذا طالت أوقعت في الحميات العفنية، وأحدثت ضعفاً وصفرة لون، وربما صحب المليلة المتقدمة على الحمّيات كثرة فضل، ومخاط وغثيان، وبول كثير، وبراز كثير عفن وثقل رأس، وتهيج ويعرض تواتر في النبض لا عن سبب من خارج من تعب، أو غضب أو غيره وإذا عرض الانضغاط فيه، فقد جاءت النوبة والانضغاط غور من النبض وصغر مختلف يقع فيه نبضات كبار قوية، ولا تكون سرعته قوية.

وأما الاختلاف في الابتداء والتزيد فهو من خواص دلائل حمّى العفونة، وإن كان لا يظهر في الغبّ ظهوراً كثيراً لخفة مادته، ومن علامات أن الحمى عفنية خلو الدور الأول من العرق والنداوة، فإن اليومية بخلاف ذلك، وإن كان الابتداء في الغبّ لخفة المذكورة يشبه يومية لم ينتقل إلى العفونة، وأن يكون تزيدها مختلطاً غير متناسب متشابه، وطول التزيد أيضاً يدل على أنها عفنية، وازدياد النبض عظماً على الاستمرار يدل على التزيّد.

ثم إنها تكون إما مقلعة تبتدئ بنافض أو قشعريرة، وتترك في أكثر الأمر بعرق أو نداوة، أو تدور بنوائب، أو تكون لازمة مع تفتير أو غير تفتير لا يشبه اليومية في النبض والبول، وتمام النقاء، وسكون الأعراض وأكثر العفنية معها أعراض كثيرة من عطش وصداع وسواد لسان، وخصوصاً عند المنتهى، ويكثر القلق من كرب واضطراب شديد يوجبه مقابلة المادة والقوة، فتارة تستعلي المادة، وتارة تستعلي القوة والنبض لذلك يكون تارة آخذاً إلى العظم والقوة، وتارة إلى الصغر والضعف.

وأما الصلابة فقد تكون ولا يجب دائماً أن تكون إلا أن يكون مع الحمى ورم صلب في أي عضو كان، أو ورم في عضو صلب، وإن لم يكن الورم صلباً أو يكون قد اتفق شرب ماء بارد، أو شيء آخر مما يصلب البدن مما قيل في كتاب النبض. وأما الاختلاف في الابتداء والتزيد فهو من الخواص بالحمى العفنة، ومن دلائلها القوة، وإن كان لا يظهر في الغب كثيراً لخفة مادته، وما لم يصر النبض قوياً ولم يسرع السرعة المذكورة، فالحمّى بعد يومية لم تنتقل إلى العفونة، ويكون البول في الابتداء غير نضيج، أو قليل النضج، وربما كان حاداً جداً.

واعلم أن الحميات الحادة المزمنة المهلكة، قلما يتخلص عنها إلا بزمانة عضو، وإذا بقيت الحمى بعد سكون الورم في ذات الجنب ونحوه، فاعلم أن بقية المادة باقية، وأن المادة قد مالت إلى حيث يظهر وجع.

فصل في علامات اللازمة إن الدائمة تكون اختلاف النبض الذي بحسب الحمّى فيها ظاهراً جداً، ويكون في أكثره غير ذي نظم، ولا وزن وتدوم الحمّى ولا تقلع بعد أربع وعشرين ساعة، ولا يصحبها ما ذكرنا من أحوال المقلعة من تقدم النافض وغيره، ومما يدل عليها لزومها وشدة اختلاف حالها عند التزيّد فتنقص مرة وتشتد أخرى.

فصل في أمور تفترق ببعضها حمّيات العفونة وتشترك في بعض ما كان من الحمّى لعفونة الصفراء، فتكون حركتها غباً سواء كانت الحركة ابتداء نوبة، أو ابتداء اشتداد إلا ضرباً منها يعرف بالمحرقة تخفي حركاتها جداً وهي: كاللازمة المطبقة، والغبّ الصرف حادة للطافة المادة، وحرارتها عظيمة لذّاعة لقوة المرة، لكنها سليمة بسبب أن الصفراء خفيفة على الطبيعة، ولأنها تريح، والغب الغير الخالصة، أطول مدة من الخالصة، والخالصة قلما تجاوز تسع نوائب إلا عن خطأ.

والدائمة ربما انقضت في أسبوع وما كانت من عفونة الدم فإنها دائمة لازمة، وحرارتها كثيرة عامة مع لين ليس في لذع الصفراوية، وربما انتهت في أربعة أيام، وأما البلغمية المواظبة كل يوم، فإنها لينة الحرارة بالقياس إلى الصفراوية طويلة للزوجة المادة، وبردها وكثرتها عظيمة الخطر لأنها قليلة مدة الإقلاع، أو التفتير ولأنها تصحب فساداً وضعفاً في فم المعدة لا بد منه، وذلك مما يجلب أعراضاً رديئة من الغشي، والخفقان، وسقوط الشهوة.

واللازمة منها أشبه شيء بالدقّ لولا لين النبض على أنه قد يصلب أيضاً وكلما كانت أقلّ خلوصاً، كانت أقصر نوبة إلا أن تميل بقلة خلاصها إلى السوداوية، وأما الربع فإنها غير حادة لبرد المادة طويلة لذلك، وربما امتدت الخالصة منها سنة، وغير الخالصة أقصر مدة، لكنها لا خطر فيها لأنها تريح مدة طويلة، ولأنها ليست من الحدة بحيث تتبعها أعراض شديدة، والربع والغبّ الدائمة، والمفترة تنقضي بقيء أو استطلاق أو عرق، أو درور بول.

وأما المحرقة فتنقضي بمثل ذلك وبالرعاف، واعلم أن الابتداء يطول في الغبّ، والانتهاء في المطبقة والانحطاط في المحرقة، والانتهاء والانحطاط في المواظبة على أنه قلما توجد ربع دائمة ومواظبة تامة الإقلاع، والحميات إذا لم تعالج على ما ينبغي، وخصوصاً الورمية آلت إلى الذبول، وخصوصاً في الحميات الحادة التي يجب أن يغذى فيها صاحبها، فلا يغذّى لغرض أن تقبل الطبيعة على المادة، أو يجب أن يسقى الماء البارد، فلا يسقى لغرض أن لا يفحج ولا يتدارك بتطفية أخرى، فإنه إذا كان الغرض الذي سنذكره في التغذية، وسقي الماء البارد أقوى من الغرضين المذكورين قدم عليهما وأغفل مراعاة ذينك الغرضين.

فصل في دلائل أعراض الحميات إعلم أن مأخذ دلائل الحميات، هو من التدبير المتقدم وأنه كيف كان ومن الأحوال والأعراض الحاضرة مما نذكرها، ومن البلدان والفصول، ومن السن والمزاج، ومن النبض والبول، والقيء والبراز، والرعاف، ومن حال الحمى في النافض، والعرق وكيفية الحرارة، ومن النوائب، ومن حال الشهوة والعطش، ومن حال التنفس ومن المقارنات مثل: الصداع والسهر، والهذيان والقلق وغير ذلك، فإن للحمّيات أعراضاً منها تستدل على أحوالها فمنها: أعراض تدل على عظمها وصغرها مثل: كيفية الحرارة وكميتها، فمنها ما يكون لذّاعاً شديداً من أول ما يأخذ إلى آخره، ومنها ما يلذع أولاً ثم يخور لتحلل المادة وتلين، ومنها ما لا يلذع، ومنها ما حرارته رطبة، ومنها ما حرارته يابسة.

وأعراض تدل على جنسها كالأعراض الخاصية بالغب مثل: ابتداء النوبة بنخس وقشعريرة، ولذع الحرارة فيه.

وأعراض تدلّ على خبثها مثل: القلق والهذيان والسهر، وأعراض تدلّ على النضج وغير النضج مثل ما نذكر من أحوال البول، وأعراض تدلّ على البحران سنذكرها، وأعراض تدلّ على السلامة أو ضدها وسنذكر جميع ذلك.

وللسخنة أحكام كثيرة مثل: ما يتغير لونه إلى الرصاصية من بياض وخضرة فيدل على برودة الأخلاط، وقفة الحار الغريزي، أو إلى التهيج والانتفاخ كما يعرض لمن سبب حمّياته تخمة، ومثل سرعة ضمور الوجه، وانخراطه ودقة الأنف، فيدل إما على شدة الحرارة، وإما على رقة الأخلاط وسرعة تحللها لسعة المسام، وللحركات في نفسها وخروجها عن العادة، أو سقوطها دلائل ولا شيئاً آخر مما سنذكره.

ومن أعراض الحمّيات ما وقته المنتهى مثل: الهذيان، واختلاط الذهن لتلهّب الرأس ومنها ما وقته الابتداء مثل القشعريرة والبرد ومثل السبات الذي يلحق أكثر أوائل الحميات، لضعف الدماغ، وميل الحرارة إلى الباطن، ولأجل خبث المادة وكثرة بخارات تتصعّد عن الاضطراب المبتدي في البدن، إلى أن يحلّلها الاشتعال ويعين ذلك برد الدماغ، في نفسه، وبرد الخلط الذي يريد أن يعفن، ويسخن، والأشياء التي يتعرّف منها حال الحمّى، وأنها من أي صنف هي حال الحمى في حدّتها أو لينها، وحال الحمّى في وقوعها عن الأسباب البادية، أو السابقة على الشرط المذكور، وحال الحمى في لزومها وإقلاعها، وفتراتها، وحال الحمى في أخذها بنافض وبرد، وقشعريرة أو خلافها. ومتى كان ما كان منه وحال الحمّى في تركها بعرق كثير وقليل أو خلافه، وحال سالف التدبير والسن والسخنة، والزمان والصناعة، وحال النبض والبول.

فصل كلام في النافض والبرد والقشعريرة والتكسر القشعريرة: هي حالة يجد البدن فيها اختلافاً في برد، ونخس في الجلد والعضل، ويتقدّمها التكسّر. وكأن التكسّر ضعيف منها، وأما البرد فهو أن يحسّ في أعضائه، ومتون عضله برداً صرفاً، وأما النافض فهو أن لا يملك أعضاءه عن اهتزاز وارتعاد يقع فيها، وحركات غير إرادية، وربما كان برد قوي، ولم يكن نافض قوي مثل حميات البلغم والربع.

ومن أسباب اشتداد النافض شدة القوة الدافعة التي في العضل، ولذلك كلما كان السبب المنفض ألزج، كان النافض أشد، والدم يغور مع النافض إلى داخل.

واعلم أن الخلط البارد يكون ساكناً قد ألفه العضو الذي هو فيه، واستقر انفعاله عنه، فلا يحس برده. فإذا تحرك وتبدّد تبدداً كثيراً أو قليلاً بسبب من الأسباب من حرارة مفرقة أو غير ذلك، انفعل عنه العضو الذي كان غير ملاق له، وأحس ببرده بسبب المزاج المختلف. وقد علمت في الأصول الكلية من علم الطب.

وكثيراً ما يعرض عن البلغم الزجاجي المنتشر في البدن نافض لا يؤدي إلى حمى، وربما كان له أدوار، ولا تكون قوته قوة النافض المؤدي إلى، الحمّى،، والمادة التي، تفعل الإعياء بقلتها تفعل النافض بكثرتها قبل أن تعفن، فإن لم تعفن لم تؤد إلى الحمى، وقد يعرض البرد والنافض لغور الحرارة بسبب الغذاء وما يشبهه.

والنافض والبرد يتقدم الحميات لأن الخلط الخام ينصب إلى العضل أولاً وهو مؤذ ببرده بالقياس إلى العضل ثم إذا أخذ يعفن، أخذ في السخن، وقد يتقدم النافض الحميات للذع الخلط، وقوة القوة الدافعة التي في العضل كما ينتفض الإنسان من صب الماء الحار جداً على جلده، وخصوصاً إذا كان مالحاً، وربما صار أذى ما يلذع سبباً لهرب الحار الغريزي إلى باطن، ويستولي البرد فيكون مع لذع الحار برد، كأن البرد يشتمل،. واللذع الحار عند الغشاء والباطن.

وقد يقع النافض لهرب الحرارة إلى الباطن كما يكون في الأورام الباطنة، وربما دل النافض والقشعريرة على البرء في الحمّيات اللازمة، لأنه يدل على أن المادة انتفضت من العروق، وخرجت لكنه إذا لم يكن مع نضج، وفي وقت بحراني ولم يتبعه خف دل على أن انتفاض ذلك المقدار ليس لأن القوة غلبت، بل لأن المادة كثيرة تفيض لكثرتها.

ومن النافض ما يدلّ على الموت وهو الذي يتبع ضعف القوة، وسقوط الحار الغريزي والنفس.

وأما القشعريرة فتكون من أسباب أقل من أسباب النافض، وهيجان الدهش والدوار ينذر بدور، والمشايخ تكون حمياتهم مدفونة، وربما كانالسبب في طول الحمى غلظاً في الأحشاء فليستلق المحموم، ولتمد رجلاه، ولتجس أحشاؤه، وإذا اسود لسان المحموم مع خفة فحماه مدفونة، وقد يصحب الحمّى فالج فيعالج الحمى أولاً، ومما يصلح لهم السكنجبين ممروساً فيه الخلنجبين، وماء الحمص بالزيت إن احتملت الحمى، وحلق الرأس مما يكثف جلده فتنعطف البخارات فتشتد الحمّى.

فصل في الإشارة إلى معالجات كلية لحمى العفونة إعلم أن الغرض في مداواة هذه الحميات تارة يتجه نحو الحمى فتحتاج أن تبرد وترطّب، وتارةً نحو المادة حتى تحتاج أن تنضج، أو تحتاج أن تستفرغ. والإنضاج في الغليظ تعديله بالترقيق، وفي الرقيق تعديله بالغليظ، وربما تناقض ما تستدعيه الحمّى من البريد، ويستدعيه الخلط من الإنضاج، والاستفراخ والتحليل فربما كان المنضج والمستفرغ حاراً بل هو في أكثر الأمر كذلك، وحينئذ يجب أن يراعى الأهم من الأمرين، وربما تناقض مقتضى الحمى من التبريد بمثل ماء البطيخ الهندي، وسائر البقول. ومقتضى المادة من التقليل، فيمنع ذلك سقيها إلا حيث لا مادة، وبالجملة الحزم أن يؤخر ماء الفواكه إلى أسبوع، ويقتصر على ماء الشعير، وجميع الفواكه تضر المحموم لغليانها وفسادها في المعدة.

وكثيراً ما يوجد الشيء الذي ينضج ويلطف ويستفرغ مبرداً أيضاً مثل: السكنجبين، واعلم أنه ربما كانت الحمى من الشدة والحمة بحيث لا يرخص في تدبير السبب بل يقتضي التبريد البليغ، وخصوصاً إذا لم تجد القوة قوية مقاومة صابرة، فإن وجدتها مقاومة صابرة قطعت السبب ودبرت للخلط، وقطعت الغذاء ولم تبرد تبريداً يمنع التحلل، وإن وجدت القوة قاصرة اشتغلت بتعديل المزاج المضاد لها فبردته، ونعشت القوة بالغذاء. فإذا قويت القوة بنعشها وقهر مضادها عدت إلى العلة، وإذا بردت في هذه الحميات، فلا تبرد بما فيه قبض وتكثيف مثل الأقراص المبردة إلا بعد النضج والاستفراغ.

واعلم أن علاج حمى العفونة بخلاف علاج الدقً، فإن علاج الدق مقصور على مضادة المرض، وعلاج حمى العفونة ليس مقصوراً على مضادة المرض وحده بل عليه وعلى قطع سببه، وإن كان بمشاكل المرض، والتغذية صديقة القوة من جهة نفسها، وعدوة للقوة من جهة أنها صديقة عدوّها وهو المادة، في معينة لكلاهما فلذلك يحتاج في تدبيرها إلى قانون، ولنفرد له باباً واعلم أنه لا يمكنك أن تعالج الحمى، إلا بعد أن تعرفها فإن جهلت فلطّف التدبير واجتهد أن لا تلقاك النوبة، إلا وأنت خالي البطن، ولا تحرك في يوم النوبة شيئاً ما أمكنك، ولا تعالج ويجب أن تراعي في جميع ذلك حال القوة.

فإن كانت القوة قوية، وكان الغالب الدم أو كان مع الخلط الغالب دم، فالفصد أوجب شيء وخصوصاً إذا كان البول أحمر غليظاً ليس أصفر نارياً يخاف عند الفصد غلبة المرَار، وحدته ثم أتبع فصده إسهالاً لطيفاً، خصوصاً إن كان هناك يبس بمثل ماء الشعير، والشيرخثست القليل وماء الشعير، والسكنجبين فإن لم لكن الطبيعة زدت في مثل الشيرخشت، مثل شراب البنفسج وتكون الغاية التليين لا الإسهال والإطلاق العنيف.

والأحب إلى استعمال الحقن على المبلغ الذي يحتاج إليه في القوة، ومن الحقن المشتركة النفع الخفيفة، حقنة تتخذ من دهن البنفسج، وعصارة ورق السلق، وصفرة البيض، والسكر الأحمر، والبورق، فهذا التليين ربما احتجت إليه في الانتهاء، أضعف مما تحتاج إليه في الابتداء، وذلك إذا كانت الطبيعة محتبسة، ثم تتبعه بإدرار بمثل: السكنجبين المطبوخ بأصل الكرفس، ونحوه ثم تعرقه وتفتح مسامه بما ليس له حر قوي مثل: التمريخ بدهن البابونج، والدلك بالشراب الأبيض، وبالماء العذب الفاتر.

فإن كانت الحمى محتدة جداً لم يجز شيء من التمريخ والتنطيل، فإن وجدت الخلط في الأول يميل إلى المعدة فقيء بما ليس فيه مخالفة للعادة، بل بمثل السكنجبين بالماء الحار، إن كان الخلط تحركه الطبيعة إلى القيء، ولا يخالفها إن كان هناك ميل إلى الأمعاء، وأحسست بقراقر وانحدار ثقل أو ما يشبهه، وامنعه النوم في ابتداء الحميات، خصوصاً إذا كانت قشبعريرة، أو برد، أو نافض فيطول عليه البرد. والنافض فإنه يعين المواد إن كانت متجهة إلى بعض الأحشاء، ويمنع نضج الأخلاط، وأما عند الانحطاط فهو نافع جداً، وربما لم يضرّ عند المنتهى، ولا يمنعه الماء البارد إلا أن يكون الخلط فيه فجاجة وغِلظ يمنع النضج.

واعلم أن الفصد إذا نفع ثم استعملت طريقة رديئة ولم تكن تنقى، نكس، وأما الخلط الصفراوي فنضجه أن يصير خاثراً عن رِقته، والماء البارد يفعل ذلك إلا أن تكون المعدة أو الكبد ضعيفة، أو باردة أو يكون في الأحشاء ورم، أو يكون في أعضائه وجع، أو يكون مزاجه قليل الدم، أو حرارته الغريزية ضعيفة فيضعف بعد شرب الماء البارد، أو يكون غير معتاد لشرب البارد مثل: أهل بلاد الحز وهؤلاء يتشنجون بسرعة، ويصيبهم فواق والمهزول من هذه الجملة.

وأما حيث المادة حارة أو غليظة قد نضجت، والبدن عبلاً والحرارة الغويزية موفورة، وتكون القوة قوية، والأحشاء سالمة ليست باردة المزاج الأصلي، ولم يكن غير معتاد للماء البارد بل هو معتاد للبارد جداً، فالماء البارد أفضل شيء فإنه كثيراً ما أعان على نفض المادة بإطلاق الطبيعة، أو بالقيء، أو بالبول، أو بالتعريق، أو بجميع ذلك فيكون في الوقت يعافى. وربما سقى الطبيب العليل من الماء البارد قدراً كثيراً حتى يخضر لونه، ويرتعد ولو إلى من ونصف، فربما استحالت الحمًى إلى البلغمية، وربما قوي الطبع ودفع المادة بعرق وبول وإسهال، وكانت عافيته، وإذا كان بعض المواضع وارماً ثم خفت مضرة الحرارة والعطش، وظننت أنه يؤدي إلى الذبول، لم يمنع الماء البارد. فإن ازدياد الورم أو فجاجته، ربما كان خيراً من الذبول، والسكنجبين ربما سكن العطش وقطع وأطلق وليست مضرته بالورم كثيرة كمضرة الماء، وليس له جمع المادة وتكثيفها. وكذلك الجلاّب الكثير المزاج، وإذا لم يجز أن يشرب الماء البارد، فأقدم عليه خيف أن يحدث تقبّضاً من المسام، فيصير سبباً لحمى أخرى لحدوث سدّة أخرى، وربما كانت أشدّ من الأولى.

وإذا صادف عضواً ضعيفاً أفسد فعله فكثيراً ما عَسُر الازدراد، وعسر النفس وأحدث رعشة وتشنّجاً، وضعف مثانة أو كلية أو قولون، وأكثر من يجب أن يمنعه منهم الماء البارد من يتضرر به في صحته، بل إذا رأيت السخنة قوية والعضل غليظة، والمزاج حاراً يابساً، واستفرغت فرخص أحياناً في الاستنقاع في الماء البارد.

وعند الانحطاط وظهور علامات النضج والاستفراغ للأخلاط، فلا بأس أن يستعمل الحمام، وشرب الشراب الرقيق الممزوج، والتمريخ بالأدهان المحلّلة فإذا استعملت القوانين المذكورة في أول عروض الحمّى، فيجب بعد ذلك أن تشتغل بالإنضاج والاستفراغ الذي ليس على سبيل التقليل والتجفيف، وقد ذكرناه بل على سبيل قطع السبب، ولا تستفرغ المادة غير نضيجة في حار أو بارد، إلا لضرورة فربما كثر الاستفراغ من غير الخلط الغير المتهيىء للاستفراغ بالنضج.

وربما خلط الخبيث بالطيب لتحريك الخبيث من غير إنضاجه، ولا تصغ إلى الرجل الذي زعم أن الغرض في الإنضاج الترقيق، والخلط الحاد رقيق لا حاجة إلى ترقيقه، فليس الأمر كما يقوله، بل الغرض في الإنضاج تعديل قوام المادة حتى تصير متهيئة للدفع السهل، والرقيق المتسرب، والغليظ الناشب، واللزج اللحج كل ذلك غير مستعد للدفع السهل، بل يحتاج أن يثخن الرقيق قليلاً، ويرقّق الثخين قليلاً، ويقطع اللزج.

ولو أن هذا الرجل لم يسمع في كلام المتقدمين في النضج شيئاً من قبيل ما قلناه وتأمل حال نضج الأخلاط المنفوثة أن الرقيت! منها يحتاج أن يخثر، والخاثر يحتاج أن يرقّق لكان يجب أن يهتدي منه ولِمَ ليس يتأمل في نفسه فيقول ما بال القوارير في الحمّيات الحادة لا تكون في ابتدائها ذات رسوب، ثم تصير ذات رسوب، وهل الراسب المحمود شيء غير الخلط الفاعل للمرض، وقد نضج فلم ليس يندفع في أوائل الأمر أن كانت الرقّة هي الغاية المقصودة في النضج، فمن الواجب أن يكون في أوائل حميات الدم والصفراء رسوب محمود. فإن كانت الطبيعة لا يمكنها دفع ذلك الفضل إلا بعد وقت يصير فيه مستعداً للدفع في البول، فكذلك الصناعة يجب أن يعلم أن استفراغها للخلط قبل مثل ذلك الوقت الذي يظهر فيه النضج في القارورة، ممتنع أو متعسر مستصعب وربما حرك ولم يفعل بلاغاً وربما خلط الخبيث بالطيب، وكان الأولى بهذا الإنسان، أن يحسن الظن بمثل "جالينوس" و"أبقراط" في رسمه من هذا، أو يتأمل فضل تأمل، ثم يرجع إلى المناقضة فإن مناقض الأولين وهو على الحق معذور، ولكن الأولى به أن ينعم النظر أولاً.

وأظن أن هذا الرجل اتفقت له تجارب أنجحت في هذا الباب، فركن إليها وأمثال هذه التجارب التي ليست على القوانين قد يتفق لها أن لا تنجح، ولا واحد ويتفق لها أن لا تتحقق، ولا واحد فهذا هو الواجب، فأما إن كانت المادة كثيرة متحركة منتقلة من عضو إلى عضو، وظننت أنه لا مهلة إلى نضجها، أو ربفا حدثت منها أورام سرسامية وغير ذلك، ولو تركت أوقعت في خطر قبل الزمان الذي يتوقع فيه نضجها. وذلك أطول من الزمان الذي يتوقع فيه نضج المعتدل لا محالة، فلا بد من استفراغها فإن الخطر في ذلك أقل من الخطر فيها.

ومع ذلك فإن الطبيعة تكون متحركة إلى دفعها لكثرة أذاها، فإذا أعينت وافقها الإعانة فلا بد منه، واعلم أن الفصد ليس من قبيل ما ينتظر فيه النضج انتظاره في المسهلات، وإنما ينتظر النضج في الأخلاط الأخرى، وإذا تأخر الفصد عن ابتداء العلة، فلا تفصد في انتهائها إذ لا معنى له، وربما أهلك بموافاته ضعيف القوة، وكذلك إن خفت غلبة من الخلط وأوجب الاحتياط الاستفراغ، وإن لم يكن نضج فلا تحرك إلا في الابتداء.

وأما عند الانتهاء، فلا تحرك شيئاً حتى يغلب الطبيعة وينضج، فإن لم تتحرك هي حركت أنت وفق تحريكها، وإن كانت هي تتحرك أو تحركت فدعها وفعلها وهذا هو الذي يسميه "أبقراط" هائجاً حين قال ينبغي أن يستعمل الدواء المسهل بعد أن ينضج المرض، فأما في أول المرض، فلا ينبغي أن يستعمل ذلك إلا أن يكون المرض مهتاجاً وليس يكاد يكون في أكثر الأمر مهتاجاً.

ومثل هذا الاستفراغ الضروري الذي ليس في وقته مثل: التغذية الضرورية التي ليس في وقتها، ونسبة هذا الاستفراغ إلى الكف من عادية المادة نسبة تلك التغذية إلى منع القوة عن سقوطها، وإذا استعملت استفراغاً فراعِ وقت الإقلاع، أو وقت الفترة، أو أبرد وقت يكون، ولا تستفرغ بالإسهال يوم الدور، ولا تفصد ولا تضاد باستفراغ الصناعة جهة ميل استفراغ الطبيعة، ولا تثيرنّ الأخلاط بما تفعله في الحال، حال حركة دور وبالجملة تتوقى التدبير في وقت الدور حتى لا يسقى في ماء الشعير سكر، ولا جُلاَب لئلا تثير الدور بتضييق المجاري، فإنه خطر بل أعن إلى أن يفرط، فإن الطبيب معين الطبيعة لا منازع لها. واعلم أن كثيراً ما يحتاج إلى دواء قوي ضعيف، أما قوته فمن حيث يسهّل الخلط الغليظ اللزج، وأما ضعفه فمن حيث يسهل مجلساً، أو مجلسين ولا يستفرغ الكثير معاً حتى لا تسقط القوة.

والرأي في الفصد أن يدافع به ما أمكن، فإن لم يكن فتكثير العدد خير من تكثير المقدار، ويجب أْن لا يستفرغ دم كثير دفعة، فيستفرغ كثير مما لا يحتاج إلى استفراغه ولا يكون في الدم عدة لاستفراغات ربما احتيج إليها، وتضعف القوة عن مقارعة بحرانات منتظرة، واعلم أنه إذا اجتمع الصرع، والحمى فعلاج الحمى أولى.

واعلم أن الصداع ربما رد الحمى المنحطة إلى التزيد، فيجب أن يسكن والصبي الراضع إذا حمّ، فيجب أن يصلح لبن أمه، وإذا كانت القارورة اليرقانية في الحمّى تدل على ورم، فيكون العلاج سقي ماء الشعير والسكنجبين.

فإذا هدأت الحمّى فصد للورم، وإذا كان مع الحمى قولنج فما لم تنفتح الطريق لا يسقى ماء الشعير، بل ماء الديك إن وجب، ولين الحقنة ويكثر دهنها، ثم يسقى ماء الشعير إن وجب، وأما المسهّلات فمنها أشربة تتخذ من التمر الهندي، والترنجبين، والشيرخشت وربما جعل فيها ماء اللبلاب، وربما جعل فيها الخيارشنبر، وربما طرح عليها السقمونيا، وربما سقي السقمونيا وحده في الجلاب، وربما احتيج إلى استعمال مثل الصبر إذا كانت المادة غليظة. والأجود أن يغسل ويربى في ماء الهندبا، وماء التعصيد ثم يحبّب. وأما الهليليج الأصفر فقد يستعمله قوم وما وجد عنه مذهب فعل فإنه يقبض المسام بعد الإسهال، ويخشن الأحشاء، فإن كان ولا بد فبعد النضج التام وماء الرمانين عظيم النفع، وخاصة المعتصرة بشحمهما في أوقات، ومن المسهّلات ما يتخذ من البنفسج والسقمونيا، ويكون من البنفسج قدر مثقال، ومن السقمونيا إلى قيراط، وربما جعل فيه قليل نعناع وقد يتخذ من المبردات الملطفة دواء يجعل فيه سقمونيا مثل حبّ بهذه الصفة.

ونسخته: يؤخذ من الكزبرة، ومن الطباشير، ومن الورد من كل واحد نصف درهم، ومن الكافور طسوج، ومن السقمونيا إلى نصف دانق، ودانق يسقى منه أو يؤخذ من الشيرخشت خمسة دراهم ومن الترنجبين وزن خمسة دراهم، ومن عصارة التفاح الشامي، وعصارة السفرجل بالسواء، وعصارة الكزبرة الرطبة سدس جزء تجمع العصارات، ويغمر بها الشيرخشت، والترنجبين ويقوّم بهما حتى يكاد ينعقد، ثم يؤخذ من الكافور وزني دانق ونصف، ومن السقمونيا وزن درهم، ويرفع عن النار، ويذرّ عليه الكافور والسقمونيا، ويحفظ لئلا يتحلل بالبخار ثم يترك حتى يتعقد من تلقاء نفسه بالرفق، والشربة منه من درهمين إلى درهمين ونصف.

وقد يمكن أن يتخذ من الشيرخشت والترنجبين والسكر الطبرزد ناطف، ويجعل فيه السقمونيا والكافور على قدر أن يقع في الشربة منه من الكافور إلى طسوج، ومن السقمونيا إلى دانق ويكون حبيباً إلى النفس غير كريه، والمحموم في الصيف حمّى باردة لا يدخل في الخيشْ خاصة إذا عرق لئلا تنعكس المادة عن تحلّلها، والأقراص لا توافق أوائل هذه الحمى إلا بعد النضج والاستفراغ، وأوفق ما تكون الأقراص لمن حمّاه متشبثة بمعدته كأنها دقية وتارك عادته في تدبيره قد يحس أحياناً بحمى، وليس ذلك بالضار لأن السبب ترك العادة في التدبير فاعلم جميع ما قلناه.

فصل في تغذية هؤلاء المحمومين إعلم أن أوفق الأغذية للمحمومين هي الأغذية الرطبة. وخصوصاً لمن مزاجه رطب من الصبيان والمتدعين، فيوافق من حيث هو شبيه المزاج، ومن حيث هو ضد المرض وإذا أخذت الحمّى والطبيعة يابسة، فلا تغذ ألبتة ما لم يخرج الثقل "بتمامه"، ويجب أن تلقماهم النوائب الدائرة، أو النوائب المشتدة وأجوافهم خالية، لا غذاء فيها البتة فإنهم إن كانوا مغتذين في ذلك الوقت، اشتغلت الطبيعة بالهضم عن النضج، والدفع واستحكم المرض، وطال، ولذلك يجب أن تؤخر التغذية إلى الانحطاط فما بعده، وإن اتفق أنه وافق وقت الانحطاط وقت العادة في الغذاء فهو أجود ما يكون.

واعلم أن من التغذية والتدبير ما هو لطيف جداً، ومنه ما هو غليظ جداً، ومنه ما بين ذلك فبعضه يميل إلى اللطافة أكثر، وبعضه يميل إلى الكثافة أكثر، واللطيف البالغ في اللطافة هو: منع الغذاء، والغليظ جداً هو استعمال أغذية الأصحاء، واللواتي تلي جانب اللطافة مما هو متوسط أن يقتصر من الغذاء على عصارة الرمان، والجلاب الرقيق جداً، وبعده ماء الشعير الرقيق، وبعده ماء الشعير الغليظ، والبقول الباردة الرطبة مثل السرمق، والاسفاناخ واليمانية ونحوها، وبعدها كشك الشعير كما هو، وهو الوسط واللواتي تلي جانب الغلظ فالدجج، والأطراف، وألطف منها القباج والفراريج، وألطف منها الطباهيج، والسمك، وألطف منها أجنحة الفراريج والطباهيج، والنيمبرشت القليل الرقيق، والسمك الصغار جداً، وألطف منها كشك الشعير كما هو، وألطف منه محلول الخبر السميذ في الماء البارد حلاً رقيقاً، فأما الغليظ فهو غذاء قوي، وكشك الشعير نعم الغذاء للمحمومين، فإنه يجمع إلى ثخونته واتصاله ملاسة وزلقاً وحلاء وترطيباً وليناً ومضادة للحمى، وتسكيناً للعطش وسرعة نفوذ، وانغسال ولا قبض فيه، فلذلك لا يرسب ولا يتشبث في المنافذ.

وإن ضاقت وليس فيه لصوق بالمعدة وبالمريء، وربما جلا مثل: البلغم، وإذا أجيد طبخه لم ينفخ البتة، وقد كان القدماء يستعملون حيث يحتاج إلى تلطيف تدبير، ألطف من التدبير بالكشك ومائه، ماء العسل الكثير الماء، فإن غذاءه قليل، وتنفيذه للماء وترطيبه به، وجلائه وتفتيحه، وإدراره كثير، وحرارته مكسورة، وإنه لا محالةٍ قد يزيد في القوة زيادة ما وإن قلت، ويتلوه السكنجبين العسلي فهو أغلظ وأغذى وأقوى تقطيعاً وجلاء، وليس فيه من التسخين ومضرّة الأحشاء الحارة ما في العسل. وأما الآن فإن عسل القصب وهو السكر خصوصاٌ المنقّى أفضل من عسل النحل، وإن كان جلاؤه أقل من جلاء العسل، وكذلك السكنجبين السكّري ولكن الاقتصار على السكنجبين، ربما أورث سحجاٌ وهذا مخوف في الأمراض الحادة، ونحن نجعل لسقي ماء الشعير والسكنجبين كلاماً مفرداً وتلطيف التدبير يقتضيه طبع مادة المرض، وتمكين الطبيعة من إنضاجها وتحليلها، واستفراغها وأولى الأوقات بالتلطيف المنتهى، فهنالك يشتد اشتغال الطبيعة بقتال المادة، فلا ينبغي أن تشغل عنها بشيء آخر وخصوصاً عند البحران، وأما قبل ذلك فإن القتال لا يكون استحكم، ومما يقتضي التلطيف أن يكون إلى فصد، أو إطلاق بطن وحقنة أو تسكين وجع حاجة، فحينئذ يجب أن يفرغ من قضاء تلك الحاجة، ثم يغذَى إن وجب الغذاء، ولم يكن مانع آخر وتغليظ التدبير تقتضيه القوة، وأولى الأوقات بالتغليظ الوقت الذي لا تكون القوة مشتغلة فيه جداً بالمادة وهو أوائل العلة، ويجب أن يتدارك ضرر التغليظ بالتفريق، فإنه أيضاً أخف على القوة، والصيف لتحليله يحوج إلى زيادة تغذية وتفريق، فإن القوة لا تفي بهضم الكثير دفعة، ولأن التحليل فيه بالتفاريق، فيجب أن يكون البدل بالتفاريق.

وفي الشتاء الأمر بالعكس فإنه لقلة تحليله، لا يحوج إلى بدل كثير، ثم إن أعطي البدل دفعة كانت القوة وافية به ففزعت عنه دفعة، والخريف زمان رديء، ولهذا ينبغي أن يتلطف فيه بين حفظ القوة، وبين قهر المادة، والتفريق قليلاً قليلاً أولى فيه، وبالجملة التفريق مع ضعف القوة أولى.

واعلم أنه لولا تقاضي القوة، لكان الأوجب أن يلطف الغذاء أبلغ تلطيف، لكن القوة لا تحتمل ذلك وتخور، وإذا خارت لم ينفع علاج فإن المعالج كما علمت هو القوة لا الطبيب أما الطبيب فخادم يوصل الآلات إلى القوة، وإذا تصورت هذا فيجب أن ينظر فإن كانت العلة حادة جداً، وذلك أن يكون منتهاها قريباً، وحدست أن القوة لا تخور في مثل مدة ما بين ابتدائها إلى منتهاها، خففت الشغل على القوة، وسلطتها على المادة، ولم تشغلها بالغذاء الكثيف بل لطفت التدبير، ولو بترك الطعام أصلاً وخصوصاً في يوم البحران.

وإن رأيت المرض حاداً ليس جداً، بل حاداً مطلقاً فيجب أن يلطف لا في الغاية إلا عند المنتهى، وفي يوم البحران خاصة إلا بسبب عظيم، وإن رأيت المرض مزمناً أو قريباً منَ المزمن، لم تلطف التدبير فإن القوة لا تسلم إلى المنتهى مع تلطيف التدبير، لكنه يلزمك مع ذلك في جميع الأصناف أن يكون أول تدبيرك أغلظ، وآخر تدبيرك الموافي للمنتهى ألطف، وتتدرّج فيما بين ذلك حتى تكون القوة محفوظة إلى قرب المنتهى، فهناك ترسل على المادة ولا تشغل بغيرها.

وإذا علمت أن القوة قوية في بما أوجب الحال أن يقتصر على الجلاب، ونحوه ولو أسبوعاً وخصوصاً في حمّيات الأورام فإن خفت ضعفاً اقتصرت على ماء الشعير، وإذا أشكل عليك الحال في المرض فلم تعرفه، فلأن تميل إلى التلطيف أولى من أن تميل إلى الزيادة مع مراعاتك للقوة والاحتمال. والذي زعم أن التغذية والتقوية في المرض الحاد أولى لأنه لا معين للنضج، وفي يدك الاستفراغ متى شئت فعلته الطبيعة أو لم تفعل، فقد عرفناك خطأه بل إذا خفت سقوط القوة، فالتغذية أولى، ومن الأبدان أبدان مرارية تقتضي تدبيراً مخالفاً لما قلنا، وخصوصاً إذا كانت معتادة للأكل الكثير، فإنهم إذا لم يغذوا، ولو في نفس ابتداء الحمى بل في أصعب منه وهو وقت المنتهى، لم يخل حالهم من أمرين لأنهم إن كانوا ضعاف القوى، غشي عليهم فماتوا قريباً، وإن كانوا أقوياء وقعوا في الذبول وظهرت عليهم علامات الذبول من استدقاق الأنف، وغور العين، ولطوء الصدع، وربما غشي عليهم قبل ذلك لما ينصب إلى معدهم من المرار اللاذع.

ومن الناس من هو موفور اللحم لكنه إذا انقطع عنه الغذاء ضعف وهزل، فلا يحتمل منع الغذاء، وكل من حرارته الغريزية قوية جداً كثيرة، أو حرارته الغريزية ضعيفة جداً قليلة، فلا يصبر على ترك الغذاء.

ومنهم من يصيبه وجع وألم في معدته، وصداع بالمشاركة وهؤلاء من هنا القبيل، وهؤلاء ربما اقتنعوا بماء الشعير، وربما احتاجوا أن يخلطوا به عصارة الرمان ونحو ذلك ليقوي فم المعدة، وربما احتجت أن تقيئه بالرفق قبل الطعام، وكثير من هؤلاء إذا ضعفوا وكاد يغشى عليهم، فالسبب ليس شدة الضعف بل انصباب المرار إلى فم المعدة.

فإذا سقوا سكنجبيناً ممزوجاً بماء حار كثيراً، وشراباً ممزوجاً بماء كثير قذف في القذف أخلاطاًَ صفراوية، واستوت قوته فإذا تطعم شيئاً من الربوب القوابض سكن، والمشايخ والضعفاء، والصبيان من قبيل من لا يصبر على الجوع.

وأما الكهول فهم شديدو الصبر، ويليهم الشبان وخصوصاً المتلززو الأعضاء الواسعو العروق في الهواء البارد، وكثيراً ما يخطئ الأطباء في أمثال هؤلاء المرضى من وجه آخر، وذلك لأنهم يمنعونهم الغذاء في أول الأمر، فإذا شارفوا المنتهى وعلموا أن القوة تسقط غذوه في ذلك الوقت ضرورة، فيكونون قد أخطأوا من جهتين ولو أنهم غذوه في الابتداء وكان دلك خطأ وغلطاً، كان غلطاً دون هذا الغلط، ويعرض لأولئك المرضى أن يصيبهم نزلات فجة، ومرارية، وسهر لإقلاق عدم النضج، ويتقلقلون، ويتململون ويهدون وتضغط المواد قواهم، وتكثر بخاراتهم فيسمعون ما ليس، ويتقلبون في الفراش، ويتخيل لهم ما ليس، وترتعش وتختلج شفاههم السفلانية لوجع فم المعدة، وتحزن نفوسهم لثقل المعدة.

فصل في القانون في سقي السكنجبين وماء الشعير إن ماء الشعير منه ما ليس فيه من جرم الشعير إلا كالقوة والصورة، وإنما يكون له مدخل في العلاج، ومطمع في النفع إذا كان قد استوفى الطبخ، وأجوده أن يكون الماء قدر عشرين سكرجة. والشعير سكرجة واحدة وقد رجع إلى قريب من الخمسين، ويؤخذ الأحمر الرقيق منه، فهذا هو الرقيق الني غذاؤه أقل، وترطيبه كثير وغسله وإخراجه الفضول، وإنضاجه كثير معتدل، ومنه ما فيه شيء من جرم الشعير ودقيقه، والأحب إلى في مثل هذا، أن لا يكون كثير الطبخ جداً، بل يكون طبخه بقدر ما يسلبه النفخ ولا يبلغ أن يلزجه شديداً، ومثل هذا أكثر غذاء، وأقل غسلاً وإنضاجاً، ويعرض له كثيراً أن يحمض في المعدة الباردة في جوهرها. وإن كان بها حر غريب من باب سوء المزاج كثير وماء الشعير قد يكون مطبوخاً من الشعير بقشره، وقد يكون مقشراً، وأجود السكنجبين عندي الذي يسوًى السكر فيه في القدر، ثم يصب عليه من الخل الثقيف خل الخمر قدر ما لا يعلو متون السكر بل يتركها مكشوفة ثم يجعل تحت القدر جمر هادئ أو رماد حار حتى يذوب السكر في الخل بغير غليان، ثم تلقط الرغوة ويترك ساعة ولا تكثر الحرارة حتى يمتزج السكر والخل ثم يصت عليه الماء قدر أصبعين، ويغلى إلى القوام والجمع بين السكنجبين وماء الشعير معاً مكرب مفسد في الأكثر لماء الشعير، ولا يجب أن يسقى ماء الشعير على يبس الطبيعة، بل يحقن قبلها فإن حمض في المعدة سقي الأرق منه، فإن حمض طبخ معه أصل الكرفس ونحوه فإن حمض أيضاً فلا بد من "مزج" شيء من الفلفل به، خصوصاً إذا لم تكن المادة شديدة الرقة والحرارة، وإذا كثر نفعها فقد يمزج به للمحرورين قليل خل خمر، ولكن إذا سقي السكنجبين بكرة فقطع الأخلاط، وهيأ الفضول للدفع اتبع بعد ساعتين ماء الكشك الرقيق المذكور، أولاً ليغسل ما قطعه ويجلوه، ويخرجه بعرق، وإدرار ولا ضير إن سقي السكتجبين عند العشي، وقد فارق الغذاء المعدة، وربما احتيج إلى تقديم الجلاب على ماء الشعير ليزيد في الترطيب. وذلك إذا رأيت يبساً غالباً على البدن واللسان، وربما احتيج أن يقدم قبلهما لتليين الطبيعة شيئاً من ماء التمر الهندي كل ذلك بساعتين.

فصل في المعالجات وأولاً في معالجات الحميات الحادّةأما ما قيل من تدبير التليين والإدرار والتعريق والإنضاج ثم الاستفراغ بالدواء من بعد ذلك، وما قيل في التغذية من ذلك، فذلك مما يجب أن تتذكره ههنا. وأما وجوه تطفئة شدة الحرارة، فتكون بتبريد الهواء، وتبريد الغذاء والأطلية، والضمادات، وبالأدوية بإمساك مثل لعاب بزرقطونا ولعاب حب السفرجل، وعصارة بقلة الحمقاء، ورب السوس في الفم ليسكن العطش فإن تّعاهد حلق صاحب المرض الحاد ليبقى رطباً ولا يجف من المهمات النافعة جداً، وربما انتفعوا باستعمال الحقن المتخذة من عصارة البطيخ الهندي، والقثاء والقرع، والحمقاء بدهن الورد مع شيء من الكافور انتفاعاً عظيماً، فيجب أن يكون الهواء مبرداً ما أمكن، وتبريده يمنع الزحمة وبتعليق المراوح الكثيرة، وينضد الجمد الكثير، وإن كان بيتاً قريب العهد بالتطيين بالطين الحر، وخصوصاً الذي يجعل فيه مكان التبن قطن البردي، فهو أجود وإذا انصبّت فيه الفوارات، الرشاشات، وسال فيه ماء عذب أو كان المضجع على بركة مغطاة بشباك، وكان الفرش الذي ينام عليه من الطبري ونحوه، وكان سائر الفرش من أطراف الخلاف والسفرجل والريحان المرشوش عليه ماء الورد والتفاح والنيلوفر والورد والبنفسج، وقد وضعت أطباق فيها فضوخات من فلق الفواكه الطيبة الريح الباردة مثل التفاح والسفرجل وضروب من الكمثري الطيب الريح مرشوشة بماء الورد والنيلوفر والخلاف مذروراً عليها الصندل والكافور وقد قطر عليها شيء يسير من الشراب العطر فهو غاية ما يكون فهذا تدبير الهواء. وأما تدبير الغذاء، فما قد علمت، وإن أريد مع التبريد التليين، فبماء القرع وماء البطيخ الهندي خاصة، وماء القثاء "والقثد" والخس بالخلّ غاية، ومما يصلح لتسكين عطشهم فقاع يتخذ من خبز السميذ بماء الجبن المتخذ من الدوغ بعد تصفية شديدة، وإن أريد مع التبريد الحبس فعصارة الرمان المز والحامض، ماء الحصرم، وماء التوت الشامي، وماء حماض الليمون الغير المملوح، وماء حماض الأترج وما أشبه ذلك، وماء الزرشك أي الأمبر باريس.

وأما الأطلية والضمادات فمن العصارات المعلومة، وخصوصاً ماء الورد أو عصارة الورد الطري بالصندل، والكافور ولماء الكزبرة والهندبا مع هذا تبريد كثير، ولعاب بزر قطونا بالخلّ وماء الورد من هذا القبيل، وتنطيل الكبد بالمبردات أعظم شيء وأنفعه فإنه إذا اعتدل كان فيه جل الصلاح، وربما صلح الماء وإذا كانت هناك نزلة وسعال، أو في رأسه ثقل، أو تمدد يدل على كثرة البخارات، فيجب أن لا يصب على الرأس ماء أو خل، بل يشغل بالإكباب على بخار المياه بحسب ما يوجبه الحال، فإن لم تكن نزلة ولا شيء مما ذكرناه، فاستعمل من النطولات والطلاء ما شئت، وأضرّ نطول في مثل حال امتلاء الرأس حلب اللبن على الرأس فإنه ربما أحدث ورماً في الرأس وأهلك، وأسلم أوقات تنطيل الرأس مع امتلائه أن يكون البخار مرارياً ليس برطب، بل في مثل هذا الوقت ربما لم يضر بل نفع، ويتعرف من حال النوم والسهر، ورطوبة الخيشوم ويبسه. وإذا رأيت حمرة في الأنف والوجه شديدة فلا بأس بأن يسيل الدم من المنخرين، وبرد الكبد بالأضمدة، وإذا برّدت فإياك أن تصادف بالتبريد الشديد وقت التعرق والتحلل، بل يجب أن تراعي ذلك فربما صار السبب في طول العلة على أنه ربما كان طول العلة أسلم من حدته، ويجب أن يحذر في الحميات الحادة وقوع السحج، فإنه يزيد في ضعف القوة، وتشمئز الطبيعة عن قبول الفضل إلى الأمعاء، ودفعها عنها إلا بغلبة من الفضول وربما رجعت الفضول إلى الأعالي فآلمت الشراسيف، ونفخت فيها وآلمت الرأس وربما كان لشراب الخشخاش موقع عجيب في تخثير المادة الرقيقة فتنضج وفي التنويم.

فصل في ذكر أعراض تصعب في الحميات الحادة نتكلم أولاً في الأعراض التي تشتد في الحمّيات وفي علاجاتها ثم نشرع في تفصيل الحميات الحادة، وهذه الأعراض مثل النافض والبرد والقشعريرة، ومثل العرق الكثير،ومثل الرعاف المفرط، ومثل القيء العنيف والإسهال المضعف، ومثل العطش الذي لا يطاق، ومثل السبات الكثير، ومثل الأرق اللازم، ومثل خشونة اللسان وقحل الفم، ومثل العطاس الملح والصداع الصعب، والسعال المتواتر، ومثل سقوط الشهوة والبوليموس، ومثل الشهوة الكلبية والرديئة والفواق.

فصل في تدبير النافض والقشعريرة والبرد إذا أفرطتما كان من ذلك تابعاً للعرق فإنه يصلح سريعاً، ولا يحتاج إلى تدبير والبحراني لا يجب أن يعارض بالدفع، ولا هو مما يضعف وغير ذلك وربما سكنه ربط الأطراف والدلك الرقيق، وسخين الدثار والتمريخ بدهن الشبث، أو البابونج إن احتيج إليه، وأما القوي إذا دام كان في الحميات أو في غيرها، فيجب أن تربط الأطراف في مواضع كثيرة، وتمرخ بحصن البابونج وأصل السوسن، ومن الناس من يقوي ذلك بمثل القاقلة والجندبيدستر والسذاب والشيح، والفوذنج والبورق، والفلفل والعاقر قرحا، وربما جاوز ذلك إلى استعمال لطوخات الخردل والحلتيت، وربما طبخت هذه الأدوية في ماء، ثم طبخ فيه دهن، وماء الجرجير قوي في هذا الباب نفسه وحده أو مع دهن يطبخ فيه، وكذلك طبيخ الحبق وماؤه.

صفة دهن جيد: يؤخذ شبث يابس ومر، وسذاب وفوذنج، وفلفل وعاقرقرحا، وتطبخ في شراب طبخاً نعماً ثم يطبخ المصفّى في نصفه دهن السمسم إلى أن يفنى الماء ويبقى الدهن، ويستعمل مروخاً، ومن الأدهان القوية في مثل نافض الربع دهن القسط، ودهن الشيح، ودهن القيصوم، ودهن السوسن، ودهن المرّ، ويجعل في أوقية دهن وزن ثلاثة دراهم فلفل ودانق عاقرقرحا مسحوقاً، ويستعمل الأفسنتين مطبوخاً في الدهن أو الزيت المطبوخ فيه الكرفس، والدخول في الزيت الحار نافع جداً وربما احتيج إلى مشروبات، وكثيراً ما يسكّنه شرب الماء الحار الكثير الحارة والإكباب على بخاره، وإذا لم يسكن بذلك وكانت المادة أغلظ، طبخ في الماء أنيسون وفوتنج وبزر الكرفس، والمصطكي والجرجير، والشبث ونحوه، وبخر بمياه طبخ فيها مثل الشيح والقيصوم والفوذنج والشبث، والأذخر والسذاب، والمرزنجوش والقسط، والبزور الحارة، وجميع الأدوية القوية الإدرار تسكن النافض.

ومن الأدوية المسكّنة للنافض العظيم في الربع ونحوه أن يشرب من القسط مثقال بماء حار، ومن الغاريقون مثله في ماء حار، وللغاريقون منافع وربما جعل معه قليل أفيون فنوّم وعرّق، ومنع شدة النافض وغير ذلك. وأيضاً من الايرسا مقدار مثقال في ماء حار، وأيضاً الابهل وزن مثقال بماء حار، أو الفرطاساليون مثقال بماء حار، ومن المركبات ترياق الأربعة، وترياق عزرةوالكموني، والفوذنجي والفلافلي، وشراب العسل مغلي فيه مثل السذاب والحلتيت والعاقرقرحا والفلفل. وهذا الحب المجرب الذي نحن واصفوه يسقى قبل النافض بساعة، والعليل مستوٍ على مرقده، وهواؤه مسخن بالنار والدثر فيعدله أويمنعه.

وصفته: تؤخذ ميعة ومر، وأفيون، وجاوشير وفلفل من كل واحد جزء يعجن بالسمن والشربة منه مقدار باقلات. وأيضاً: يؤخذ الجاوشير والجندبيدستر والدوقو، والحلتيت والعاقرقرحا، والأفيون أجزاء سواء يعمل به كما عمل بالأول.

نسخة أخرى جيدة: يؤخذ من الجاوشير والسكبينج، والأنجذان وكمون كرماني، وبزر الكرفس والفلفل من كل واحد ثقال، ونصف بزر البنج وزعفران وزراوند وجندبيدستر وفربيون، ومرّ ونانخواه وزنجبيل من كل واحد دانقين بزر الحرمل، وعاقرقرحاً من كل واحد مثقال يعجن بعسل، والشربة منه مثل بعرة أو بندقة بماء حار جداً، وربما احتيج في إلى سقي الشراب المسخّن والأغذية المسخنة، وإلى الإسهال بمثل الأيارج والسفرجلي والتمري بل إذا كان النافض متعباً وخصوصاً بلا حمى، سقيت حبّ المنتن فإنه شفاؤه.

فصل في تدبير أفراط العرق في الحميات البحراني لا يجب أن يحبس ما أمكن، فإذا وقعت الضرورة وجاوز الحدّ، فيجب أن يروح ويبرد الموضع، فإن لم يغن، فيجب أن يرجح في موضع بارد، ولا يجب أن يشتغل بنشف ما تندّى نشفاً بعد نشف، فذلك سبب لإدراره وتكثيره، وربما جلب الغشي. فإن مسحه يزيد فيه، وتركه يحبسه ويجب أن يمرخ البدن بدهن الورد القوي، وبدهن الآس، بدهن الخلاف، وبدهن الجلنار، أو يتخذ دهن من مياه طبخ فيها السفرجل العفص، التفاح العفص، والورد الجلنار ونحوه، ويصفى ويطبخ فيها الدهن على ما تعلمه، وقد يذر حب الآس المدقوق والجلّنار والكهرباء، ونحوه مسحوقاً كالهباء فيحبس، وربما كبس الخل الممزوج بالماء، وعصارة الحصرم وطبيخ الجلنار، وطبيخ العفص، وطبيخ الآس وعصارة الخلاف عجيبة، وكذا ماء حي العالم، وإذا اشتدّ الأمر، طلي بالألعبة الباردة وبالصمغ، وخصوصاً إذا جعل في أمثال هذه صندل، وكافور وخصوصاً إذا صندل بهذين، وروح، وإذا اشتد الأمر وجب أن يوضع الثلج على الأطراف، ويدخل فيه الأطراف، أو يستحم بماء بارد إن صبر عليه.

فصل في تدبير الرعاف المفرط يجب أن لا يبادر إلى منع البحراني منه ما أمكن، وإذا وجب منع الرعاف في الحميات الحادة، رطبت الأطرافَ ووضعت المحجمة على الجانب الذي يلي المنخر الراعف، ثم اتبع بتبريد ذلك الموضع، وما أمكنك أن تبرده فتحبس به، فلا تضع المحاجم وقطر في الأنف بعض القطورات المذكورة في باب الرعاف، وإذا لم يكن مانع فبرد الرأس بالمبردات المذكورة فيه، وقد يصيب أصحاب الربع رعاف، فتحتاج أن تعين بالمرعفات المعلومة، فإن فيه شفاء الربع، فإن خفنا الإفراط فعلنا مثل ما فعلناه، وأنت تعلم جميع ذلك.

فصل في تدبير القيء الذي يعرض لهم بالإفراط البحراني أيضاً لا يقطع إلا عند الضرورة، وفي بعض الأوقات يقطع قيئهم وغثيانهم بالقيء، وبمعونة ما يستخرج به الخلط المؤذي مثل السكنجبين الساذج، والماء الحار وربما احتيج أن يقوَى فيجعل بدل السكنجبين الساذج السكنجبين البزوري. فإن كان الخلط متشرباً وغليظاً، فيصلح أن يسهلوا بمثل الصبر والأيارج، وإذا لم يكن متشرّباً فربما نفع الأيارج والصبر،. وإن كان متشرّباً غير غليظ، كفاه السكنجبين بالماء الحار ثم يعدله بعد ذلك ماء الرمانين يشرب فإن قاءه شرب مرة أخرى حتى يعتدل، ويهدأ، وكذا شراب النعناع بحب الرمان، وربما سكنه تبريد المعدة، ولا يجب أن يقرب الأشياء العفصة والمسكنة للقيء بعفوصتها، وحموضتها القابضة المتشرب، فإنه رديء يزيده تشرباً، وأما غير المتشرب، فربما قذفه وإن كان غليظاً إلى أسفل، وربما قوى المعدة على قذفه من فوق، فأما إذا دام القذف من الصفراء ولم يكن من قبيل المتشرب، فاستعمال القوابض وخصوصاً أضمدة نافع مثل: ضماد يتخذ من قشور الرمان والعفص، ونحوهما بشراب ممزوج، أو بخل ممزوج ولقذف السوداء المفرط، يغمس إسفنج في خلّ ويوضع على المعدة، فإن احتيج إلى أقوى استعملت الأدوية المذكورة في باب حبس القيء.

فصل في تدبير الإسهال الذي يعرض لهم قد أفردنا في باب الإسهال كلاماً في هذا الغرض فلترجع إليه، ومما ينفع من طريق الأغذية الماش المقلو، والعدس المقلو، والكسفرة أيهما كان بعد السلق، وصبّ الماء عنه، وخصوصاً إذا حمضا بحبّ الرمان.

فصل في تدبير عدشهم المفرط يجب أن يدهن الرأس بدهن بارد مبرد جداً، يصب عليه ويوضع على الرأس إن لم يكن مانع، وبالمياه المبردة وإمساك لعاب حب السفرجل مخلوطاً بدهن الورد البالغ، أو نقيع الإجاص ولبوب القثاء، والقند والقرع، وبزر الخشخاش الأسود، وأصل السوسن، والحب المكتوب في القراباذين للعطش، ومن المضوغات والمصوصات التمر الهندي، والعطش قد يكون من اليبس فيقطعه النوم، وقد يكون من الحر فيقطعه السهر.

فصل في السباب الذي يعرض لهم يجب أن يؤخذ عن سباته بالحديث ونحوه من الأصوات، وتربط أعضاؤه السافلة ربطاً مؤلماً يقدر عليه إن لم يكن مانع، ويحمل شيافة لطيفة إن كانت الطبيعة معتقلة، وفي أوقات الراحة أو فترة اللزوم، يحجم ما بين الكتفين والقفا.

فصل في تدبير ثقل رؤوسهم يجب أن يجتنب حلب اللبن على رؤوسهم أو صب دهن عليه، أو نطول أو سعوط، بل اقتصر على التبخيرات بالنطولات البابونجية، وفيها بنفسخ ونخالة ونحو ذلك.

فصل في أرق أصحاب الحمَيات وغيرهمأما دهن الخشخاش واستنشاقه مع دهن بزر الخس، ودهن النيلوفر والقرع وإلصاق شيء من المخدرات المشهورة بالصدغ، والإكباب على الأبخرة المرطبة، وإشمام النيلوفر، واللفاح والشاهسقرم المرشوش من بعيد، والنطولات المرطبة فأمر تعلمه، وكذلك إن لم يكن مانع يسقى شراب الخشخاش ولعوقه، ثم يكثر بين يديه السرج ، ورفع الأدوات بالحديث، ويعصب أطرافه عصباً يؤلم قليلأ بإناشيط تنحل بسرعة، وتكلف التناوم وتغميض العين، فإذا كرى يسيراَ أطفئت السرج، وكفت الأصوات وأنشطت الأناشيط فإنه ينام، وإذا وجد خفا وسكوناَ من النوبة، أو من الشدة، أدام كسل الوجه بماء طبخ فيه الخشخاش الأسود مع. شيء من اليبروح أصله، وإن كان هناك خلط بورقي نفع الماء المطبوخ فيه النمام، وأكليل الملك، والأقحوان والخشخاش غسولاً للوجه وإكبابأ على بخاره.

فصل في وجع الجوف الذي يعرض لهم يكون من إنصباب مراراَ إلى المعدة، فإن عرض في ابتداء دور سقي قليل شراب تفاح مع سكنجبين.
فصل في خشونة ألسنتهم أو لزوجتها أما ما يكون عن اللزوجة، فتحك بخيزران أو بقضيب خلاف بدهن اللوز والطبرزد، حتى تنتقي، أو بإسفنج وقليل ملح. ودهن ورد، فإن فيه تخفيفاً كثيراَ على العليل، بعد ذلك. وعند خشونته لا عن لزرجة بل عن يبوسة، فيجب أن يمسك في فمه السبستان، أو نوى الإجاص، أو ملح، يجلب من الهند، هو في لون الملح وحلاوة العسل، يؤخذ منه على ما زعم أرخيجانس قدر باقلاة، وحب السفرجل مما يرطب اللسان، ويمنع تقحله ويجب أن لا يفغر كثيراَ، ولا يستلقي نائماَ فإن هذين يجففان اللسان.

فصل في العطاس الملح الذي يعرض لهم قد يعظم ضرر العطاس الملح بهم، فإنه يؤذيهم ريملأ رؤوسهم، ويضعف قواهم، وربما أرعفهم ويجب أن يدلك منهم الجبهة، والعين، والأنف، وتفتح أفواههم، وتدلك أحناكهم بشدة، وتمدّد رؤوسهم، ويقلبوا أو تغمر أطرافهم، ويصمت في اَذانهم أدهان فاترة إلى حرارة يسيرة، ويرطب عضلهم وفكوكهم، ويوضع تحت أقفائهم مرافق مسخنة، ولا يوقظون عن نومهم دفعة، ويوقون الغبار والدخان وكل ما في رائحته حدّة، ويشمّمون السويق وطين النجاح والأسفنج البحري.

فصل في الصداع الذي يعرض لهم تربط أطرافهم وخصوصاً الفخذ، وتعصب وتدلك أقدامهم، ويحملون شيافة تجذب المادة إلى أسفل، وتقوّى رؤوسهم بالمبرّدات المعلومة، وإن لم يكن مانع من نزلة أو سعال نطلت رؤوسهم بطبيخ الورد، والبنفسج، والشعير، وورق الخلاف ونحو ذلك. وكذلك دهن الورد، ودهن الخلاف. وإذا لم يغن ذلك، فأخلط بالنطولات المبرّدة مليّنات مثل البابونج، ومخدّرات مثل الخشخاش. ولا يحلب اللبن إلا عند زوال الحمّى، فإن كانت القوة قوية حلبت لبن ا-لماعز، وإن كانت ضعيفة حلبت لبن النساء. واحذر اللبن عند الامتلاء الرطب البدني السباتي. وكذلك احذر جميع المرطبات وإنما تستعمل المرطّبات حين ما يكون البخار دخانياً، والرأس يابس قليل النوم، وإذا كثر الامتلاء في الرأس من البخار الرطب، فاجذبه إلى أسفل بالشيافات والحقن، وبشد الأعضاء السافلة حتى الخصيتين.

فصل في تدبير سعالهم إن السعال كثيراً ما يعرض لهم من حرّ، أو يبس، فيجب أن يمسكوا في أفواههم حب السعال واللعوقات كلعوق الخشخاش المتخذ باللبوب الباردة، والنشاء ونحوه. ويستعملوا القيروطيات المبردة، المرطّبة، المتخذة من دهن الورد الخالص، ومن لعاب بزر قطونا وعصارة الحمقاء ونحو ذلك.

فصل في بطلان شهوتهم ربما كان سببه خلطاً في فم المعدة، يعرف مما قد قيل في بطلان الشهوة، ويستفرغ بقيء أو إطلاق، وكثيراً ما ينتفعون بإدخال الاصبع في الحلق، وتهييج المعدة، وخصوصاً أذا قذفت شيئاً مرياً، أو حامضاً. وربما كان من شدة ضعف، فيعالج المزاج الذي أوجبه بما - علم، ويجب أن يقرب إليهم الروائح المنبهة للشهوة، مثل: رائحة السويق المبلول بالماء البارد، أو بالماء والخل، ويعطون الجوارشن المنسوب إلى المحمومين، وقليل شراب، -وبسلافات الفواكه العفصة الطيبة الرائحة، وأن يلعقوا شيئاً من خل القرّيص، وقريص السمك، أو الجدي، أو نحو ذلك. ويجعل على المعدة بعد الأيام الأول، أضمدة متخذة من الفواكه، وفيها أفسنتين، وصبر على ما علمت، وتمرخها بالأدهان الطيبة نافع.

فصل في بوليموسهميجب أن يعالجوا بالمشمومات، وبالطين النجاحي، أو الأرمني مبلولاً بخلّ، ويشمموا المصوصات، والخبز النقي الحار، واللحوم المشوية، وتشد أطرافهم، وتمدّ آذانهم وشعورهم، وتقوى أدمغتهم بالنطولات المبردة المرطبة- فإن أكثر بوليموسهم لبطلان حس فم المعدة، بسبب مشاركة الشعب التي تأتيه بالحس. ويكون البدن يقتضي ويطلب، لكن الحسق لا يتقاضى به.

فصل في سواد لسانهم يجب أن لا يترك على لسانهم السواد، بل يحكّ بما تدري، وإلا صعد إلى الرأس بخارات خبيثة، فأوقعت في السرسام. وأما شهوتهم الكلبية، فيعالجون بالدسومات الباردة والحلاوات.

فصل في الغشي الذي يعرض لهم قد يعرض لهم الغشي في ابتداء الحمّيات لانصباب المرار إلى أفواه معدهم، فيجب أن يعطوا قبل النوبة، أو عند النوبة قطعة خبز سميذ بماء الرمان، وماء الحصرم. واعلم أنا إذا اجتمع الغشي، والحمى، فالغشي أولى بالعلاج، وإن أحوج إلى الطعام. فقليل خبز ممزوج بثلاثة دراهم شراب عتيق، وإلا شراب التفاح العتيق، الذي يحلّل فضوله. والفصد كثيراً ما يزيد في الغشي. والحقنة اللينة أوفق، والقذف نافع لهم، وشد الساقين، ووضع اليدين والرجلين في ماء حار. وكلما يفيق فمن الحزم أن يطعمه سويق الشعير مبرّد، فيا حبّ الرمان فإنه نافع لهم.

فصل في ضيف نفسهم ضيق النفس يعرض لهم إما لتشنُّج، ويبس يعرض لعضل النفس، أو لمادة خانقة تنزل إلى حلوقهم. وأما لضعف يستولي على العصب الجائي إلى أعضاء التنفس، والأول يعالج بالمراهم المرطبة، والثاني بما يمنع الخوانيق، والثالث بتعديل مزاج الدماغ وتمريخ العنق بما يبرّد ويرّطب، وبما يوضع على المعدة، أيضاً من مثل جرادة القرع والحمقا والصندل بدهن الورد ونحوه.

فصل في شدة كربهم إذا كثر الكرب بسبب فم المعدة، وحصول خلط لاذع فيه، فبرّد معدتهم بما علمت من الأغذية، ويجب أن يروّحوا ، ويضجعوا في موضع بقرب حركات الماء، مفروش بالأطراف، والأغصان الباردة، والرياحين الباردة من النيلوفر والورد، والنضوجات الباردة المتخذة من الفواكه العطرة الباردة، والصندل، وكثيراً ما ينفعهم من كربهم الحقن الباردة المتخفة من ماء القرع والخيار وعصارة الحمقا وحي العالم بدهن الورد.

فصل في عسر الازدراد يعرض لهم إن كان عسر الازدراد يعرض لهم، وكانت الحمى مطبقة، فليفصد، ويخرج الدم قليلاً، وليغذ للمعاودة بالخل، والخس. إن كانت الشهوة فيها بعض الفتق، والا فليقتصر على ماء- الشعير، وليحذر المعاملة وإن كان به إعتقال، فالحمول والحقن خير من المسقل من فوق بكثير.

فصل في برد الأطراف يعرض لهم كثيراً ما تغور حرارتهم، وتبرد أطرافهم، وتبخر الحرارة الغائرة إلى الرأس، فلتوضع الأطراف في الماء الحار، ولا يشربن الماء البارد، فهذا القدر كاف في معالجاتهم.

فصل كلام كلي في الحمًى الصفراوية الحميات الصفراوية ثلاث: غب دائرة، وغب لازمة، ومحرقة. فالغب الدائرة إما خالصة، وتكون عن صفراء خالصة. وإما غير خالصة، وتكون عن عفونة صفراء غليظة الجوهر، لاختلاط صفراء مع بلغم اختلاطاً مازجاً موحداً، وبذلك يخالف شطر الغبّ، إذ كان شطر الغب يوجبه مادتان متمايزتان وهذا يوجبه مادة واحدة، هي في نفسها ممزوجة، يمتزج بخارها بشيء من البارد يثقل عفونته، !وانحلاله ونضجه. فلذلك يكون لشطر الغب نوبتان. وللغب الغير الخالصة نوبة واحدة، وهذه الغير الخالصة، ربما طالت مدة طويلة وقريباً من نصف سنة، وربما أدت إلى الترهل وإلى عظم الطحال.

وأما المحرقة فمانها من جنس اللازمة، إلا أن تفاوت اشتدادها، وفتورها غير محسوس، وأعراضها شديدة، والسبب حمة المادة وكثرتها، إذ وقوعها بقرب القلب. وفي عروق فم المعدة، أو في نواحي الكبد خاصة، وبالجملة الأعضاء الشريفة المقاربة للقلب. وأما في الغب، فإن الصفراء تكون في اللحم وإلى الجلد، وفي الدائمة تكون مبثوثة في عروق البدن التي تبعد عن القلب. وشدة العطش والكرب والقلق والأرق والهذيان والغثيان ومرارة الفم، وتبثر الشفاه وتشققها، والصداع، يكثر في الحميات الصفراوية، وتكون الطبيعة في أكثرها إلى اليبوسة، لأن المادة إما متحركة إلى الأعالي وإما إلى ظاهر البدن والجلد.

فصل في الغبً مطلقاً ويسمى طريطاوس

نوبة الغبً تأخذ أولاً بقشعريرة، ونخس كنخس إبر، ثم تبرد وتأخذ في نافض صعب جداً أشد من سائر النوافض غير بارد، أو قليل البرد، وليس برده إلا لغور الحرارة إلى الباطن نحو المادة، ويجد كنخس الإبر. وهذا النافض مع شدته سريع السكون والسخونة، وقد علمت سبب مثل هذا النافض. ويكون النافض فيه في الأيام الأول أقوى وأشدّ، وفي الربع بخلافه. وأيضآ فإن النافض يبتدىء بقوة، ثم يلين قليلاً قليلاً، وينقضي بسرعة، وفي الربع بخلافة. والعرق يكثر في الغبّ عند الترك، ويكون البول فيه أحمر إلى نارية لا كثير غلظ فيه، أو تكون غير خالصة، فيكون بوله فجاً أو غليظاً. وحرارة الغب أسلم من حرارة المحرقة. واليد كلما طال لمسها للبدن لم يزدد التهاباً، بل ربما نقص التهابها، وفي المحرقة يزداد التهابها، والعوارض التي تعرض في الغب السهر بلا ثقل في الرأس، إلا في بعض غير الخالصة، والعطش والضجر والغضب وبغض الكلام. ويكون النبض حاداً سريعاً بالقياس إلى نبض سائر الحمّيات، ولا يكون مستوي الانقباض والانبساط، لأن الخلط يجهده ويزيده اختلافاً عند المنتهى.

والاختلاف فيه دون ما في سائر الحميات الخلطية، وأقل مما في غيره مع صلابته. ويكون النبض أقوى فيه بل لا اختلاف فيه في الأكثر، إلاّ الاختلاف الخاص بالحمّى من دون غيره، وفي الابتداء لا بد من تضاغط النبض إلى وقت انبساط الحمّى، ثم يقوّى ويسرع ويتواتر، ويكون اختلافه ليس بذلك المفرط، وقد يدل عليه السن، والعادة والبلد والحرفة والسحنة، والفصل وكثرة وقوع الغب في ذلك الوقت، فإذا تركبت غبّان كانت النوائب عائدة كل يوم، فمن راعى الغبّ بالنوبة غلط فيه، بل يجب أن يراعى الدلائل الأخري، والنوائب تؤكدها، وأصحاب الغب قد يعرض لهم سهر وحب خلوة، وكثيراً ما يحسون بغليان عند الكبد.

الفرق بين الغب الخالصة وغير الخالصة: الخالصة لطيفة خفيفة، تنقضي نوبتها من أرج ساعات إلى إثنتي عشرهّ ساعة، لا تزيد عليها كثيراً، فإن زادت كثيرة فهي غير خالصة، وهي في الاكثر إلى سبع ساعات، ويسخن فيها البدن بسرعة، وترى الحرارة تنبعث من البدن والأطراف بعد باردة. وكذلك الخالصة، لا تزيد إذا لم يقع غلط على سبعة أدوار، وربما أنقضت للطافة مادّتها في نوبة واحدة، يقع فيها قيء أو إسهال منقّ، ويظهر النضج في البول أو في أول يوم، أو في الثالث أو في الرابع أو في السابع، فإن زادت على سبعة أدوار زيادة كثيرة فهي من جملة الغير الخالصة، وكذلك إن طالت مدة نافضها. وتكون تزيد نوائبها، ويقدّم نفضها على نمط محفوظ النسب متشابهها، وفي غير الخالصة يكون ذلك محتلفاً غير مضبوط.

وكذلك إذا تشابهت النوائب على حدّ واحد، وسائر علامات طول الحمّى مما قد علم، وإذا رأيت الابتداء بنافض على ما حدّدناه، والانتهاء بعرق غزير، فلا تشكّ أنها خالصة. والخالصة إذا شرب صاحبها ماء انبعث من بدنه بخار رطب، كأنه يريد أن يعرق، وربما عرق.

وغير الخالصة يوجد معها ثقل كثير في الرأس وامتداد، وتطول النافض والنوبة حتى تبلغ أربعاَ وعشرين ساعة أو ثلاثين ساعة إلى وقتها، وتفتر تتمة ثمانية وأربعين ساعة، وبمقدار زيادة النوبة على إثني عشر ساعة يكون بعدها عن الخلوص. وفي الغب الغير الخالصة يبطؤ ظهور النضج، ولا يظهر في السحنة قضف ، ولا هزال. وربما لم تقلع بعرق وافرٍ ، وربما لم تبتدىء بنافض قوي. ولا تكون الحرارة بتلك القوة، ولا يكون تزيّدها مستوياً، بل كأنها تتزيّد ثم تتقدّم فتنقص، والأعراض الصعبة تقل فيها.

الغب اللازمة: تعرف باشتداد النوائب غباً وبشدة أعراض الغست. وعند "جالينوس " أنَّ الدم إذا عفن، صار من هذا القبيل، وفيه كلام يأتي من بعد.

علاج الغِبّ الخالصة: يجب أن تتذكر ما أعطيناك من الأصول في علاج الحمّيات في الإسهال، والغذاء وفي

جميع الأبواب، وتبنى عليها ولا تلتفت إلى قول من يرخص في الابتداء بالمسهلات القوية، وبالهليلج ونحوه، إلا بما ذكرناه من الصفة، بل يجب أن تبادر في أول الأمر، فتلين تلييناً ما بمثل ما ذكرنا هناك، مثل التمر الهندي قدر أربعين درهماً، ينقع في ماء حار ليله ويصفى، ويلقى عليه شيرخشت أو تَرَنْجُبين، أو بماء الرمانين، وبمثل طبيخ اللبلاب بالتَرَنْجُبين، والزبيب المنزوع العجم، أو نقيع الإجاص بالترنجبين، أو الشيرخشت أو شراب البنفسج، أو البنفسج المربّى، وربما فعل لعاب بزر قطونا مع بعض الأشربة، مثل شراب الإجاص إزلاقاً وتلييناً، أو بطبيخ العدس باللبلاب، أو الحقن اللينة مثل الحقنة بطبيخ الخطمي، والعناب والسبستان ، وأصل السوسن ودهن البنفسج وبعصارة السلق وبدهن البنفسج، والبورق على نحو ما تعلم. وذلك إذا مست إليه الحاجة، فإنه من الصواب أن لا يسقى مثل ماء الشعير ولا نحوه، ولا الأغذية إلا وقد لينت الطبيعة على أن الإسهال في الابتداء في حمّى الغبّ الخالصة أقل غائلة من مثله في غيرها، وإن كانت له غائلة أيضاً عظيمة، وإذا أمكن أن لا يفصد إلى ثلاثة أدوار فعل، وكذلك إذا خفت أن يكون المرض مهتاجأ ففعلت ذلك، فما يقع من خطأ أن وقع أقل من غيره.

ويجب أن لا يحرك يوم النوبة شيئاً إلا لضرورة، ولا يغفو إلا عند الشرائط المذكورة. وأن تمرّ البول بحليب البزور، ويجب أن ترد عليه النوبة وهو خاو ليس في معدته شيء، بل يجب أن يسقى السكنجبين كل بكرة وبعده بساعتين ماء الشعير في يوم لا نوبة فيه، والسكنجبين بعد النوبة صالح، وكذلك وضع الرجل في الماء الفاتر ليجذب بقايا الحرارة، واستحب أن يكون في السكنجبين خصوصاً في الأواخر حليب البزور الباردة المدرة، أو قبل النوبة بثلاث ساعات أو أربع، ويسقى بعد النوبة أيضاً ماء الشعير.

وإذا وجب تلطيف التدبير سقي مثل ماء الرمان وماء البطيخ الهندي ونحوه، ويمزج تدبيره على الوجه المذكور كلما قارب المنتهى لطف، وفي الأيام الأول يغذى بكشك الشعير، والخبز المثرود في الماء البارد إما كما هو، وإما حليبه فيه، وبما يتخذ من المج والعدس. وإذا كان الطعام يحمض في معدته، لم يسق من ماء الشعير الذي ليس برقيق جداً شيئاً، وإن احتيج إلى سقيه قويَ يسيراً بطبخ أصل الكرفس فيه، وإن كانت المعدة أبرد من ذلك، والحمى غير عظيمة غير خالصة، جعل فيه قليل فلفل على رأي بقراط، فإن دلت العلامات على أن البُحران قريب فاستكف بماء الشعير، وماء الرمان الحلو والمر والسكنجبين والفواكه التي تستحب لهم الرمان الحلو والمر والإجاص النضيج والنيء. وأما البطيخ الهندي فشيء عظيم النفع مع لذته يطلق، ويدر ويكسر شدة الحر، ويعرّق، وربما لم يضرّ الدستنبونات الصغار ومن البقول القرع والقثاء والقثد والخسق، واعلم أن المقصود فيما يغذاه صاحب الغب. أما الترطيب كما يعطى في آخره من أطراف الطياهيج، وخصي الديوك وأدمغة الًجداء لمن لا غثيان به، وصفرة البيض.

وأما التبريد والترطيب معاً، مثل، كشك الشعير، ولا يفرط في التبريد جداً خصوصاً في الإبتداء، إلا أن يجد التهاباً شديداً، ويخاف انقلابه إلى محرقة أو لازمة، فإن أدرك البحران ورأيت نضجاً في الماء، وهو الرسوب المحمود الذي تعرفه فإن أغني، وإلا عالجت حينئذ بما تعين الطبيعة به من إدرار وإسهال أو قيء أو عرق، ولا تناقضها في ذلك. فإن لم تجد ميلاً ظاهراً فاستفرغ بالإسهال، فمن ذلك السقمونيا قدر دانق في الجلاب، أو طبيخ الهليلج بالتمر الهندي، والترنجبين والزبيب والأصول، والخيار شنبر على ما علمت ولك أن تقويها بالشاهترج والسنا والسقمونيا، ومما يوافقهم أيضاً أقراص الطباشير المسهلة. نسخته: يؤخذ إهليلج أصفر منزوع النوى وزن أربعة دراهم، سكر طبرزد وزن عشرين درهماً، سقمونيا وزن دانق، تشرب بماء بارد، وبعد ذلك يعالجون بالإدرار. وإن كان هناك حرارة مفرطة، والتهاب عظيم وقد استفرغته، فلا بأس أن تسقيهم شيئاً من المطفئات القوية، مما قيل في تدبير الأمراض الحادة وربما اقتنعوا بالأضمدة منها. وأما الحمّام فيجب أن لا يقربوه قبل النضج، وأما بعد النضج، وعند الانحطاط فهو أفضل علاج لهم وخصوصاً للمعتاد، وعلى أن الخطأ في إدخالهم الحمّام قبل النضج أسلم من مثله في غيرها. ويجب أن يكون حمّامهم معتدلاً، طيّب الهواء رطبه يتعرقون فيه بالرفق بحيث لا يلهب قلوبهم، ويتمرخون بدهن البنفسج والورد مضروباً بالماء ولا يطيلوا فيه المقام، بل يخرجون بسرعة، والمعاودة أوفق لهم من إطالة المقام، وعند الخروج إن استنقعوا في ماء فاتر يقيمون فيه قدر الاستلذاذ، فهو صالح لهم ثم إذا خرجوا، فلهم أن يشربوا شرابا أبيض رقيقاً ممزوجاً كثير المزاح، ويتدثرون مكانهم فإنهم يعرقون عرقاً شديداً، وينضج بقية شيء، إن كان بقي ويغذون بعد ذلك بالأغذية المبردة المرطبة، والبقول التي بتلك الصفة.

ولا تخف بعد الانحطاط من سقيهم الشراب الممزوج الكثير المزاج. فإن الشراب المكسور الحميا بالمزاج، ينفع القدر الباقي منه في تحليل ما يحتاج إلى تحليل، ويتدارك الماء النافذ بقوته، ومخالطته ما فيه من التسخين اليسير فيبرد شديداً ويرطّب، فإن كانت هناك أعراض من العطش، والصداع والسهر وغير ذلك، فقد مرّ لك علاجها وإذا بقي بعد البحران شيء من الحرارة اللازمة، فعليك بالسكنجبين مع العصارات المدرّة، أو مطبوخاً فيه البزور والأصول المدرّة. واعلم أن علاج الغب اللازمة هو علاج الغبّ، لكنه أميل إلى مراعاة أحوال النضج، وإلى التبريد بالسكنجبين المتخذ ببزر الخيار وبزر الهندبا خاصة المرضوضين، ويسقى بعد ساعتين ماء الشعير، وإلى تلطيف الغذاء وإلى استعمال الحقن اللينة في الابتداء، وإلى الأدرار، ويجب أن يرفق فلا يسقى من المسهلات في الابتداء، وما يقرب منه إلا مثل شراب البنفسج وماء الفواكه، ولا يستعمل إلا الحقن اللينة.

علاج الغب الغير الخالصة: الأمور التي بها يخالف علاج الغب الغير الخالصة، الغب الخالصة هي أمور تشارك بها الحيمات الباردة، من أن الترخيص الذي ربما رخص به لأصحاب الخالصة، من أن لا ينتظروا النضج، ولا ينتظروا أكثر الانحطاط، إن انتظروا النضج هو محرّم عليهم. فإن الحمّام يخلط البلغم الغير النضج، بما ينصب إلى موضع العفونة، ويختلط الخلظ الرديء بالعفن فيتحلّل اللطيف ويبقى الكثيف. وإن التغذية كل يوم أيضاً، أو القريب من التغذية مما يضرهم، بل يجب أن يغذوا يوماً ويوماً لا، ويكون في أغذيتهم ما يجلو، ويسخن قليلاً، وأن تكون التغذية في أوائل العلة أكثف منها في أوائل الخالصة، ثم تدرج إلى تلطيف فوق تلطيف الغب. وأن يكون التلطيف فيها في الأوائل بالإجاعة أكثر من التلطيف بالغذاء اللطيف جداً، وأن يكون التبريد أقل، وأن يحقنوا في الابتداء بحقن أحد، وأن ينتظر النضج في إسهالهم القوي أكثر، وأن يكون في ماء شعيرهم قوى منضجة محللة مثل ما قلنا لمن يحمض ماء الشعير في معدته، بل أقوى من ذلك فربما احتيج إلى أن يطبخ فيه الزوفا، والصعتر والفودنج والسنبل بحسب المزاج، والسلق نافع لهم وخلط ماء الخس بماء الشعير، وفي آخره ماء الحمص نافع لهم، ويجب أن ينظر في قرب غير الخالصة من الخالصة، وبعدها عنها، وبحسب ذلك يخالف بين علاجها وبين علاج الخالصة، فإن كان قريباً جداً من الخالصة فخالف بينهما مخالفة يسيرة، وإذا رأيت قواريرهم غليظة فافصد وإذا فصدت لم تحتج إلى حقنة، واعلم أنه لا أنفع لهم من القيء بعد الطعام، فمن المسهلات في أوائلها التي هي أقرب إلى الاعتدال، ماء الجلنجبين المطبوخ، والسكنجبين وربما جعلنا فيه خيار شنبر، وأقوى من ذلك أن يجعل فيه قوة من التربد والحقن في الابتداء أحبّ إلي من المسهلات الأخرى، وهي الحقن التي فيها قوة الحسك، والبابونج والسلق والقرطم والبنفسج، والسبستان والتين، ورائحة من التربد وفيها الخيار شنبر ودهن الشيرج والبورق، وربما احتيج إلى أحد من هذا بحسب بعد الحمى من الخالصة. وأما المعينات على الإنضاج مثل السكنجبين، مخلوطاً بشيء من الجلنجبين أو السكنجبين الأصولي. وبعد السابع مثل طبيخ الأفسنتين، فإنه نافع ملطف للمادة مقوّ للمعدة، وكذلك ماء الرازيانج وماء الكرفس مع السكنجبين، وإن جاوز الرابع عشر فلا بأس بسقي أقراص الورد الصغير، فإن طالت العلة، لم نجد بدّا من مثل أقراص الغافت وطبيخه، وتسخين نواحي الشراسيف من هذا القبيل، ويضمّد مراقهم أيضاً بما ينضج، ويرخى تمدداً إن وقع هناك فإذا علمت أن النضج قد حصل فاستفرغ وأدرّ ولا تبال. ومن المستفرغات الجيدة لهم، أن يؤخذ من الأيارج خمسة دراهم، ومن عصارة الخسّ والغافت من كل واحد ثلاثة دراهم، ومن بزر الكرفس والهليلج الأصفر والكابلي من كل واحد وزن خمسة دراهم، ومن التربد سبعة دراهم يحبب بماء الكرفس، والشربة منه درهمان ومن ذلك مطبوخ جيد لنا. ونسخته: يؤخذ من الغافت، ومن الأفسنتين، ومن الهليلج الكابلي من كل واحد خمسة دراهم، ومن بزر البطيخ، وبزر القثاء والخيار، وبزر الكرفس والشكاعى، والباذاورد وبزر البطيخ من كل واحد عشرة دراهم، ومن التربد وزن درهم، ومن الخيار شنبر وزن ستة دراهم، ومن الزبيب المنزوع العجم عشرون عدداً، ومن السبستان ثلاثون عدداً ومن التين عشرة عمداً، ومن الجلنجبين المتخذ بالورد الفارسي وزن خمسة عشر درهماً، يطبخ الجميع على الرسم في مثله ماء، يؤخذ مثله قدح كبير قد جعل فيه قيراط سقمونيا، وربما احتيج إلى دواء قوي من وجه، ضعيف من وجه. أما قوته فبحسب استفراغه الخلط اللزج، وأما ضعفه فبحسب أنه لا يستفرغ كثيراً دفعة واحدة، بل يمكن أن يحرّج به فيستفرغ الخلط المحتاج إلى استفراغه مراراَ، لئلا ينهك القوة. وهذا الدواء هو الذي يمكن أن يفرق، ويجمع ليطلق قليله، ويطلق كثيره. فأما القليل فقليلاً من الرديء. وأما الكثير فكثيراً من الرديء. وأما السلاقات فقليلها ربما لم يفعل شيئاً، ومثل هذا الدواء أن يؤخذ من التربد قليل قدر نصف درهم، أو أقل أو أكثر بحسب الحاجة، ومن السقمونيا قريب من الطسوج، أو فوقه، ويعجن بالجلنجبين المذكور، ويشرب أو يؤخذ من الغاريقون، ومن السقمونيا على هذا القياس، ويعجن بالجلنجبين، ويشرب، أو يجعل في عصارة الورد الطري قدر أوقية، ويشرب أو في شراب الورد ويشرب. فصل في الحمى المحرقة وهي المسماة فاريقوس إن المحرقة على وجهين: محرقة صفراوية يكون السبب فيها كثرة العفونة، إما في داخل عروق البدن كله، أو في العروق التي تلي نواحي القلب خاصة، أو في عروق نواحي فم المعدة، أو في الكبد وإما بلغمية، وتكون من بلغم مالح قد عفن في العروق، التي نواحي القلب، كما قال، بقراط في ابتذيميا، وإنما يكون البلغم المالح كما علمت من مائية البلغم مع الصفراء الحادة. فمّكون الصفراء التي تتعفن نارية مائية، أي مخالطة للمائية الكثيرة. ولما كانت المحرقة أشدّ أعراضاً من الغبّ، وجب أن تكون أقصر مدة منها، والمشايخ قلما تعرض لهم الحميات المحرقة، فإن عرضت لهم هلكوا، لأنها لا تكون إلا لسبب قوي جداً، ثم قواهم ضعيفة. وأما الشبان والصبيان فتعرض لهم كثيراً، وتكون في الصبيان أخفّ لرطوبتهم، وربما كانت فيهم مع السبات لتثوير الأبخرة إلى الرأس، وقد ذكر بقراط أن من عرض له في الحمى المحرقة رعشة، فإن اختلاط الذهن يحلّ عنه الرعشة، ويشبه أن يكون ذلك لأن الدماغ يسخن جداً فيسخن العصب، ويشبه أن تكون محرقة، ويكون اختلاط الذهن ينحل عنه بالرعشة لانتقاض المواد إلى العصب، وأكثر ما تفضي تفضي بقيء، أو باستطلاق أو عرق أو رعاف.
العلامات: علاماتها اللزوم وخفاء الفترات، وشدّة الأعراض من خشونة اللسان، ومن اصفراره أولاً، ومن اسوداده ثانياً، ومن احتباس العرق إلا عند البحران، وشدة العطش. قال بقراط إلا أن يعرض سعال يسير فيسكّن ذلك العطش، يشبه أن تكون شدة عطشهم بسبب الرئة، فإذا تحركت يسيراً بالسعال، ابتلت بما يسيل إليها من اللحم الرخو. والحرارة في المحرقة في أكثر الأمر لا تكون قوية في الظاهر، قوتها في الباطن. ويكون النكس فيها أخفّ منه في غيرها، والكائنة من الصفراء تشتد فيها الأعراض الرديئة من السهر، والقلق والاحتراق واختلاط الذهن، والرعاف والصداع وضربان الصدغين، وغؤور العين واستطلاق البطن بالصفراء المحضة، وسقوط الشهوة، وإذا عرضت للصبيان كرهوا الثدي، ولم يقبلوه وفسد ما يمصونه من اللبن وحمض.

علاج المحرقة: علاجها هو علاج الغب الخالصة. وإذا احتاجوا إلى استفراغ بمثل ما قيل، فالتعجيل أولى. وأما التام فبعد النضج، والفصد ربما ألهبهم وربما نفعهم، إن كان هناك كدورة ماء وحمرة، لكنه يحتاج إلى تلطيف وتبريد أشد، وتبريد بالفعل لما يتناولونه. وإذا خفت سقوط القوة فلا بدّ من تغذية، وإن لم يشتهوها، وخصوصاً فيمن يتحلّل منه شيء كثير، فإنهم كثيراً ما يصيبهم بوليموس أي عمم الحسّ، وإلى تليين في الابتداء أقوى، وإلى معالجات الحمى الحادة المذكورة على جميع الأنحاء الموصوفة، وقد يصلح أن ينام عند فتور قليل من الحمى على ماء التمر الهندي، وقد جعل فيه قليل كافور، واستحمت لهم السكنجبين، أو حليب بزر البقلة الحمقاء، أو حليب بزر الهند. والبطيخ الرقي جيد لهم، ويعتبر في شربة الماء البارد ما ذكرناه، فإنلم يكن مانع سقي منه، ولو إلى الاخضرار، وربما أنساهم اختلاط الذهن طلب الماء، فيجب أن يجرعوا منه كل وقت قليلاً قليلاً جرعات كثيرة، وخاصة من يرى لسانه يابساً جافاً، وتعالج أعراضه المفرطة بما ذكرناه في أبوابها، ويجب أن يتوقى عليهم إفراط الرعاف، فإنه مما يعظم فيه الخطب عندهم، ويجب أن تراعى نفسهم، ولا تدع نواحي الصدر أن تشنج، ويجب أن تحفظ رؤوسهم بالخلّ، ودهن الورد، والصندل، وماء الورد والكافور ونحو ذلك. والتنطيل بالسلاقات المطبوخ فيها ما ذكرناه، وإذا اشتد بهم السهر فعالجهم، ولا بأس بسقي شراب الخشخاش ولو من الأسود، في مثل هذه الحال وفي اَخره يسقى الأقراص التي تصلح له، مثل: أقراص الكافور. وفي ذلك الوقت يوافقهم السكنجبين بحليب بزر القثد، وبزر الهندبا وبزر الحمقاء من كل واحد درهمين، والسكنجنبين من خمسة وعشرين إلى خمسة وثلاثين على ما ترى، فإن كان هنالك إسهال فأقراص الطباشير الممسكة.
قرص جيد مجرب: يؤخذ طباشير وورد من كل واحد درهمان ونصف، زعفران وزن دانق، بزر بقلة الحمقاء وبزر الهندبا من كل واحد وزن ثلاثة دراهم، بزر القرع وبزر القثاء من كل واحد وزن درهمين، صندل وزن درهم ونصف، رب السوس ونشا من كل واحد وزن درهم، كافور دانق، ونصف الشربة منه وزن درهمين.

أيضاً: ورد وزن أربعة دراهم، بزر الخيار والبطيخ والقثاء والبقلة الحمقاء من كل واحد وزن درهمين زعفران دانقان كافور دانق ونصف، صمغ ونشا وكثيراء ورب السوس من كل واحد درهم، الشربة منه وزن درهمين. وإذا انحط انحطاطاً بيِّناً، فلا بأس بالحمام المائل ماؤه إلى البرد، وأحب ما يكون الحمّام منهم لمن حماه من البلغم المالح.

فصل في حمّى الدم قد ظن جالينوس أنه لا تكون حمى الدم عن عفونة الدم. فإن الدم إذا عفن صار صفراء، ولم يكن دماً فتكون الحمى حينئذ صفراوية لا دموية، وتكون المحرقة المذكورة أو الغبّ، وتعالجها بذلك العلاج. وهذا القول منه خلاف، قول أبقراط وخلاف الواجب، وأكثر الغلط فيه من قولهم: إذا عفن صار صفراء. فإن هذا القول يوهم معنيين: أحدهما أنه إذا عفن يؤدي إلى أن يصير بعد العفونة صفراء، كما يقال أن الحطب إذا اشتعل صار رماداً، والثاني أنه إذا عفن يكون حال ما هو عفن صفراء، كما يقال أن الخشب في حال ما يسخن يصير رماداً.

فلننظر في كل واحد من المفهومين، فأما المفهوم الأول فهو فاسد المأخذ من وجوه ثلاثة: أحدها: أن الدم إذا عفن استحال رقيقة إلى صفراء رديئة، وكثيفه إلى سوداء، فليس بكليته يكون صفراء، والثاني: أن ذلك يكون بعد العفونة ونظرنا في حال العفونة، والثالث: أنه بعد ذلك يكون صفراء لا يدري هل فيها عفونة أو ليست، فإن كثيراً من الأشياء تعفن، ويتميز منه رقيق، وكثيف ولا يكون الرقيق ولا الكثيف عفناً توجب عفونته كونه عن عفن، فقد يكون من العفن ما ليس بعفن، ولو كان كونه عن العفن. يوجب عفونته، لكان يجب أن يكون الكثيف المترمد أيضاً عفناً فتكون هناك حمى سوداوية أيضاً، فهذا ما يوجبه تلخيص المفهوم الأول.

وأما المفهوم الثاني، فهو كذب صرف، فإن العفونة طريق إلى الفساد، والعفونة لها زمان، واستحالة الدم صفراء لا تكون في زمان، بل العفونة فساد يعرض للدم، وهو دم كما يعرض للبلغم، وهو بلغم لم يصر سوداء ولا صفراء، إلا أن يستحيل من بعد ذلك بتمام العفونة، بل الحق الصحيح قول بقراط،: أن الدم قد يتولد من عفونته حمى، فنقول الآن أن حمى الدم حميان: حمى عفونة، وحمى سخونة وغليان التي يسميها بقراط سونوخس، أي المطبقة دون غيرها، وأكثر غليانها عن سدد تحقن الحرارة، وقد تكون عن أسباب أخرى تشتد فوق اشتداد أسباب حمى يوم، وقد تسمى الشابة القوية، وهي من جملة الحميات التي بين حميات العفونة، وحميات اليوم فتفارق حميات اليوم بسبب أن التسخن الأول فيها للخلظ، وتفارق حميات العفونة بأنه لا عفونة لها، وهي حتى حادة ليست حمى يوم، ولا حمى دق ولا حمى عفونة، وكثيراً ما تنتقل إلى حمى عفونة، أو إلى حمى دق، وكثيراً ما أجراها جالينوس، مجرى حميات اليوم. ويرى جالينوس، أن حمى المم لا تتركب مع سائر الحميات، لأن العفن إذا كان في الدم كان عاماً لكل خلط، وفي هذا تناقض لبعض مذاهبه لا نحتاج أن نطول الكلام فيه، فلا ينتفع به الطبيب، وسبب هذه الحمى الامتلاء والسدة، وأكثرها من الرياضة، وخصوصاً الغير المعتادة وترك الاستفراغ، ثم استعمال رياضة عنيفة، وقد توجب العفونة فيه كثرة مائية الدم من أكل الفواكه المائية، فتستحيل إلى العفونة، أو كثرة الخلط الفج فيه فتهيئه للعفونة مثله ما يتولد من القثاء، والقثد والكمثري، ونحوها. وهذه الحمى لازمة لا تفتر لعموم المادة، ولزومها إلى البحران أو الموت، وأصنافها ثلاثة: أسلمها المتناقصة تبتدىء بصعوبة، ثم لا تزال تتناقص لأن التحلل أكثر من التعفن، ثم الواقفة على حال واحدة. ربما تشابهت سبعة أيام، وشرها المتزايدة لأن التحلل فيها أقل من التعفن، وبحرانها إلى السابع في الأكثر، وانقضاؤها باستفراغ محسوس أو غير محسوس، وقد تنتقل إلى المحرقة وإلى السرسام وقد تتتقل بالتبريد الكثير إلى ليثرغش، وقد تنتقل إلى الجدري والحصبة، وإذا عرض فيها سبات وانتفاخ بطن يجيء منه كصوت الطبل، فلا يحطه الإسهال مع تململ، وكان الإسهال لا ينفع ثم خرج حصف أخضر عريض خاصة فهو من علامات الموت.

العلامات: علامات الحمى الدموية: لزوم الحمى، وحمرة الوجه والعين، وانتفاخ الأوردة والصدغين، وامتلاء تام من غير نافض ولا عرق إلا عند البحران، وكثيراً ما أجراها جالينوس، مجرى حميات اليوم، ويرى جالينوس أن حمى الدم يصحبها حكاك في الأنف وفي المحاجر، وتضيق النفس، وكثيراً ما يقع عليهم سبات، وعسر كلام وهو رديء، وكذلك أورام الحلق واللوزتين واللهاة وسيلان الدموع، وحرارتها كثيرة رطبة بخارية حمامية غير قشفة، كما في المحرقة ونبضها عظيم لين قوي، ممتلىء سريع، متواتر جداً، مختلف غير كثير الاختلاف، وأقل اختلافاً وسرعة مما في المحرقة والغب، وليست حرارتها في حد المحرقة والغب لعدم العفونة. وما كان منها عن عفن فحرارته وأعراضه أشد، وعلاجه أصعب فهو أشبه بالمحرقة. وأما رقة الدم وغلظه فتعرف بما يخرج منه، والسونوخس الغليانية أشبه شيء في إبتدائها بحمى اليوم، لكن حرارتها قليلة اللذع والأذى، وكان أكثر تأثيرها بقرب القلب ويحدث منه التلهث والربو. وأما العفنة فمستوية أو شبيهة بالمتسوى في الأكثر.

وأما علامات انتقالها فعلامات كل ما ينتقل إليه من الخناق، ومن أورام الحلق واللوزتين، وقد عرفتها وعلامات الجدري ستعلم. وعلامات السرسام والصداع، واختلاط الذهن وغير ذلك قد علمت.

وأما علامات طولها فمثل ما علمته من تأخر علامة النضج، وانخراط الوجه، واختلاف حالها في مدتها من التزيّد والوقوف، والنقصان حتى تكون كأنها مفترة، فإن ذلك دليل على أن الدم مملوء خلطاً فجاً.

وأما مدة بحرانها فيدل عليها ظهور علامات النضج، إن تأخر إلى بعد الثالث والرابع لم يجرن في السابع، وكثيراً ما يكون بحرانها في الرابع.
علاج حمى الدم: الغرض في علاج حمى الدم هو: استفراغ الكثرة إلى الغشي، وتغليظ جوهر الدم، إن كان رقيقاً جداً مائياً، أو صفراوياً وتبريده وتنقيته، وترقيقه، إن كان غليظاً فيمن قد تناول مولدات الدم الغليظ، ومولدات الخلط الفج، وإنضاج المادة الفاعلة للحمى، وتحليلها. فأما الإستفراغ فلا كالفصد من اليد في أي وقت عرضت ولا تنتظر بحراناً ولا نضجاً، إلا أن تكون تخمة فاحذرها وأفرغها، فإن دامت الحمى فافصد، ولا يزال يفصد حتى يقارب الغشي، أو يقع إن كان البدن قوياً.

فإن الغشي يبرد أيضاً المزاج القوي، واعلم أن الفصد وسقي الماء البارد، ربما أغنى عن تدبير غيره، والتفريق فيه أولى إن لم يكن ما يوجب الاستعجال، فإنه ربما كان فيما دون مقاربة الغشي بلاغ، وربما يتبع الفصد البالغ في الوقت إسهال مرة وعرق، يجب أن يمسح كل وقت حتى يتتابع، وربما عوفي به ويتدارك ما عرض من ضعف وغشي بغذاء لطيف، وسكون، ويجب أن يدام تليين الطبيعة بما يعرف من مثل ماء الرمانين، وماء الرمان الحلو والمر إلى حد الشيرخشْك، والتمر الهندي وإشيافات خفيفة، مما ذكرناه وربما احتيج عند النضج إلى إستفراغ بمثل الهليلج، والشاهترج، والخيار شنبر ونحو مما قد علمت، فإن لم يحتمل الحال الفصد من اليد، ففصد العرق الذي في الجبين أو الحجامة، فإن لم يتهيّأ شيء من ذلك لعارض مانع فبالإسهال على نحو ما في المحرقة. والتبريد بما يفتّح ويقطع، ويسكن الغليان، وإن عرض من الفصد غشي أطعمته خبزاً بماء الحصرم، وإن عرض رعاف من تلقاء نفسه، لم يقطع إلا عند مقاربة الغشي.

وأما تغليظ الدم فبمثل ربّ العناب، وهو أن تطبخ مائة عنابة بخمسة أرطال ماء حتى يبقى الثلث، ويقوم بالسكر، وكلما قل السكر فهو أفضل، والعدس أيضاً خصوصاً المتخذ بالخل الحامض الثقيف من هذا القبيل. وإياك أن تسقى ربّ العنّاب، أو جرم العدس، والمادة غليظة. وأما تبريده فبمثل ماء العدس المبرد، وماء الخسّ المبرّد، وسقي الماء البارد، إن لم يكن في مانع وربما سقي حتى يرتعد ويخصر فربما عوفي، وربما انتقلت الحمى إلى بلغمية، وعولجت بأقراص الورد ونحوها. وهذا العلاج لبعض المتقدمين، وانتحله بعض المتأخرين فأما سقي ماء الشعير، فهو علاج نافع له، وليكن مع لين الطبيعة وأولى الأوقات بهذا وقت شدة الغليان، والكرب والاشتعال، وتواتر الخفقان، واعلم أن الإقتصار على التبريد وترك الفصد، والإسهال يزيد في السد والحقن، فتزداد العفونة والحرارة في ثاني الحال. وأما تنقيته فبمثل مسهلات الصفراء بحسب اختلاف استيجاب القوة والضعف، وبمنضجات الخلط الخام فربما كان هو السبب في عفونة الدم، وفي آخره يسقيه مثل أقراص الكافور، وأقراص الطباشير وهذه الأقراص جيدة جداً: نسخته: يؤخذ طباشير ثلاثة، بزر البقلة خمسة، بزر القثاء أربعة، بزر القرع ستة، صمغ وكثيراء ونشا من كل واحد وزن ثلاثة دراهم، رب السوسن وزن سبعة دراهم يتخذ منها أقراص.

نسخة أخرى: وخصوصاً عند ضعف الكبد، يؤخذ ورد وزن ثلاثة دراهم، عصارة أمير باريس درهمين، بزر القثاء والخيار والبطيخ والحمقا والطباشير من كل واحد وزن درهم، صمغ وكثيراء، ونشا من كل واحد نصف درهم رواند صيني، وزعفران وكافور من كل واحد ربع درهم يقرص.

في تغذيتهم: وأما الأغذية فالعنابية، والعدسية المحمضة والرمانية، والسماقية، وإن كان شيء من هذا يخاف عقله تدرك بشير خُشُك، وبالأجاص وبالقرعية والحماضية، وفاكهة الكمثري الصيني، والرمان والتفاح الشامي، وبقولة القرع والقثاء والقثد، والهندباء والبقلة المباركة، والحمّاض والكزبرة وما يشبهها، فإن عرض صداع أو خفقان أو سهر أو سبات، أو رعاف مفرط ينهك القوة وغير ذلك من الأعراض الصعبهَ، فعالج بما علمناك في موضعه ولا حاجة لنا أن نكرر إذ لا فائدة في التكرار.

فصل في الحمّى البلغمية قد علمت أن حمى عفونة البلغم قد تكون نائبة، وقد تكون لازمة، وقد علمت السبب في ذلك. ولها أوقات كسائر الحمّيات، وأقل أوقات ابتدائها في الأكثر ثمانية عشر يوماً، وإقلاعها في الأكثر ما بين أربعين وستين يوماً، وأسلمها النقية الفترات، ولا سيما الكثيرة العرق، فتدل على رقّة المادة، وقلتها وتخلخل البدن، وأطول أزمان هذه العلة الصعود على أنَ انحطاطها أيضاً أطول من انحطاط الغبّ بكثير، والبلغم العفن قد يكون زجاجياً، وقد يكون حامضاً، وقد يكون حلواً، وقد يكون مالحاً، وقد علمت كيف تكون من المالح محرقة، وأكثر ما تعرض حمى البلغم للمرطوبين، والمتّدعين والمشايخ، والصبيان وأصحاب التخم والمرتاضين، والمستحمين على الإمتلاء، وأصحاب الجشاء الحامض، وأصحاب امتلاءات صارت نوازل إلى المعدة تعفن فيها، وقلّما تخلو عن ألم في المعدة، واعلم أن كل حمّى معها برد، فإنه يضيق النبض ويصغره.

علامات البلغمية الدائرة وهي التي تسمى أمغيميربنوس: أما ما كان السبب فيه بلغماً زجاجياً، أو حامضاً، فإن البرد يكثر فيه جداً، والنافض في الزجاجي أشد. لكن البرد لا يبتدىء فيها دفعةً، بل قليلاً قليلاً في الأطراف، ثم يبلغ إلى أن يصير كالثلج لا يسخن إلا بعسر، ولا يسخن دفعة ولا على تدريج متصل، بل قليلاً قليلاً مع عود من البرد، وربما خالط برده في الإبتداء قشعريرة، فيكون البرد لما لم يعفن، وللقشعريرة لما قد عفن، وأعظم برده ونافضه في أدوار المنتهى.

وهذه الحمى ليست من مادة تفعل نخساً حتى تكون سبباً للنافض من طريق النفض، فإن عفونتها عفونة شيء لين، وتأخذ مع ثقل وسبات، وكثيراً ما تبتدىء في النوائب الأولى بلا برد ولا نافض، بل تتأخر إلى مدة، وربما كان برد، ولم يكن نافض، وكثيراً ما تبتدىء بغشي، وقد لا يكون. وهذه العلة يكثر فيها الغشي لضعف فم المعدة، وسقوط الشهوة، وعدم الاستمراء الذي هو مفن لمادة الغذاء والقوة. وأما ما كان من بلغم مالح فيتقدّمه إقشعرار ولا يشتدّ برده، وأما ما كان من بلغم حلواً فقلما يتقدمه في الأوائل إلى كثير من النوائب قشعريرة، ولا برد، ولا نافض، وأكثر أدوار الحمّى البلغمية تأخذ بالغشي، وقد يظهر فيها في الأوائل حر أشد، وفي الأواخر يقل ذلك، ويشبه أن يكون السبب في ذلك أن العفونة تسبق أولًَ إلى الأحلى والأملح والأرق، ثم إلى الأغلظ والأبرد، ومس الحرارة فيها في الأول ضعيف بخارى، ثم إذا أطلت وضع اليد على العضو أحسست بحدة وحرافة، إلا أنها لا تكون متشابهة مستوية في جميع ما تقع عليه اليد، بل تكون متفاوتة تحد في موضع حرافة وفي موضع ليناً، وكأن الحرارة تتصفى خلف شيء مغربل لأن البلغم لزج يختلف انفعاله وترقّقه عن الحرارة كما يعرض لسائر اللزوجات عند غليانها، فإنها تتفقأ في موضع، ولا تتفقأ في مواضع، وكيف كان فحرارتها في أكثر الأمر دون أن تلتهب وتكرب، ويعظم الشوق إلى الهواء البارد، والماء البارد، ولا إلى التكشف والتململ والنفس العظيم والنافخ، وكثيراً ما يعرض لحرارتها أن تقف زماناً قدر ساعة أو ساعتين، فيحسب أنها قد انتهت فإذا هي بعد في التزيد، لأنك تراها قد أخذت تزيد.

وكذلك لها في الإنحطاط وقوفات، وحميات البلغم كثيرة التندية لكثرة الرطوبة، وبخارها قليل التعريق للزوجة الخلط. وإذا عرقت كان شيئاً غير سابغ، ومن أخص الدلائل بها قلة العرق، أو فقده والعطش. يقل في حميات البلغم إلا لسبب ملوحته، أو لسبب شدة عفونته، ومع ذلك فيكون أقل من العطش في غيرها، وانتفاخ الجنبين يكثر فيهم، وقد يعرض لجلد الجنب أن يرق مع تمدده. وأما لون صاحب حمى البلغم فإلى خضرة وصفرة يجريان في بياض حتى يكون المجتمع كلون الرصاص، حتى في المنتهى أيضاً، فقلما يحمر فيه احمراره في منتهيات سائر الحمّيات. وأما نبضه فنبض ضعيف، منخفض صغير، متفاوت أولاً، ثم يتواتر أخيراً، وتواتره وصغره أشد من تواتر الربع، والغت وصغرهما وشدة تواتره لشدة صغره، لكنه ليس أسرع من نبض الربع، وربما كان أبطأ منه أو مثله في الأول، وهو شديد الاختلاف مع عدم النظام والصغار والضعاف منهم في اختلافه أكثر، ودلائل النبض عليها من أصح الدلائل.

وأما بوله فهو في الأول أبيض رقيق لكثرة السمد والبرد، ثم يحمرّ للعفونة، ويكدر لرداءة النضج، وقد يتغير فيه الحال وقتاً فوقتاً، فإذا بقي من المالحة الغليظ وتحلل المتعفن وعاد وقت السدد أبيض، ثم إذا عفن شيء كثير بعد ذلك واندفع وفتح السدد احمرّ، إلى أن يرد على السدد ما يسدها مرة أخرى من ذلك الخلط بعينه، وأما برازه فلين رقيق بلغمي. ومما يدل على أن الحمى بلغمية، أن تكون نوبتها ثمان عشرة ساعة، وتركها ست ساعات، ولا يكون تركها نفيا وذلك لأن المادة مع الغلظ واللزوجة كثيرة، وقد يدل عليها السن والعادة والفصل والبلد والأغذية، ويواقى أسبابها السابقة من التخم، ويدل عليها السخنة من لون السن والعادة والفصل والبلد والأغذية، ويوافى أسبابها السابقة من أتتخم، ويدل عليها السحنة من لون الوجه المذكور وتهيّجه ولين أتلمس، وضعف فم المعدة، وسقوط الشهوة، وربما كبر معها الطحال ويسبقها حساء حامض في أكثر الأوقات كثير.

علامات الحمّى اللازمة وهي التي تسمى الثقة: أن تكون كسائر علامات الحمى البلغمية غير الإقلاع، وما يشبه الإقلاع، وغير الابتداء بنافض وبرد وقشعريرة، وتكون أشبه شيء بالدق، ويكون هناك تفتير في ست ساعات ونحوها فوق الذي يكون في الدائرة، فإن الدائرة أيضاً لا تخلو عن تفتير، إلا أنه يكون خفيًّا غير ظاهر.

حميات: هي في أكثر الأحوال من جنس البلغميات، وقد تكون من الصفراء أحياناً، وليست مما تكون من السوداء. خصصت بأسماء وأحكام: وهي حمى إيغيالوس، وليغوريا. وهما من جملة الحميات التي تختلف فيها أماكن الحر والبرد من داخل وخارج، بسبب اختلاف موضع ما يعفن وما لم يتعفن، وهي ثلاثة أقسام: الحمى المخصوصة بالغشيية الخلطية، والحمى النهارية، والليلية.

فصل في الحمّى التي يبطن فيها البرد ويظهر فيها الحر وهي حمى إيغياليوس، هذه تكون من بلغم زجاجي حاصل في الباطن، والقعر يبرد حيث هو، لكنه قد عرض له العفونة فينتشر منه بخار ما، يتعفن ويتفرق ويلهب في الظاهر، وما ليس بعفن يبرد في الباطن، وإنما كان لا يظهر بردها في مثل ذلك الزمان، لأنها كانت ساكنة ألفها، وانفعل عنها ما يلاقيها، فلما أخذت العفونة فيها تحرك وتبدد تبدُداً ما، وإن لم يبلغ أن يعم البدن كله.

العلامات: هي علامتها المذكورة بعينها، وإن بوله بارد فجّ، أقلّ حرارة من بول غيره من جنسه، ونبضه بطيء متفاوت، وهي في الأكثر تشتدّ كل يوم، لكنها لغلظ مادتها قد تستحيل ربعاً وغبًّا، لأن مثل هذه المادة في البدن قليل وقليل التعفّن، نادره والقلة من أسباب بعد الدور، وهذا لا يخرجها عن أن تكون بلغمية، لأنها بلغمية بسبب أن العفونة عفونة البلغم، لا بسبب أن النوبة تعود كل يوم، أما مدة نوبتها فمن أربع ساعات إلى أربع وعشرين ساعة، وفي الأكثر تنقضي قبل ذلك لأن هذه المادة لا تكون بتلك الكثرة.

فصل في الحمّى التي يبطن فيها الحرّ ويظهر فيها البرد وهي ليغوريا هذه الحمّى في الأكثر بلغمية، وقد تكون صفراوية من صفراء غليظة جداً، فإما أنها كيف تكون بلغمية، فهو أن البلغم الباطن إذا اشتعل وعفن سخن ذلك الموضع، ولأنه ليس يتحلّل فلا يسخن ظاهر البدن، بانتشار بخاره سخونة كثيرة، ولأن القوة تنصبّ إلى حيّز الأدنى فيخلو الظاهر عن الحر، فيبرد. وخصوصاً إذا كان في الظاهر بلاغم فجّة زجاجية باردة، وأيضاً لأنه كثيراً ما يتحلّل منه بخار لم يعفن ولكنه يصعد ويتصل للحرارة، وتصحبه الحرارة مدة قليلة، ثم تزايله مزايلتها بخار الماء المسخن فإذا زايلته، وكان في الأصل قبل العفونة شديد البرودة يعود ويبرّد البدن. وأما أنها كيف تكون صفراوية، فهو أن الصفراء إذا كانت قليلة وباطنة وعفنت وسخنت الموضع، ولم يتحلل منها شيء عرض ما قلنا في نظيرها من البلغم، وقد تسمى هذه الصفراوية بطيغودس.

فأما ليغوريا فهو اسم الجنس، وهي أطول مدة من شطر الغب. ولقائل أن يقول: كيف تكون الحمّى ولا تنبعث فيها الحرارة من القلب إلى جميع البدن، والذي تصفونه فهو من قبيل ما لا تنبعث فيها الحرارة من القلب في جميع البدن. فالجواب: أن حدود هذه الأشياء يعتبر فيها شرط، أن لا يكون مانع مثل ما تحد الماء بأنه البارد الرطب، أي إذا خلي وطباعه، ولم يكن مانع، وتحدّ الثقيل بأنه الهاوي إلى أسفل إذا خلي وطباعه، وفي جميع هذه فإن الحرارة تبلغ إلى القلب وتنبعث في الشرايين، وتنتشر، لكن يعرض ما يمنع من ذلك في بعض المواضع، كما يعرض لو وضع الجمد عليه، وأما أضرارها بالفعل فلا بد منه.

فصل في الحمّى التي يكون فيها كل واحد من الأمرين في كل واحد من الموضعين مثل هذه الحمى إن كان فإنما يكون حيث تكون مادتان باردتان تتحركان بسبب التعفن، إحداهما في الباطن، والأخرى في الظاهر، وليس ولا واحدة منهما كثيرة فاشية، ثم إذا أخذتا تتعفنان أرسلت كل واحدة منهما بخاراً حاراً يطيف بنواحيها، وحيث هو فبارد، وقد علمت السبب في تحير الخلط البارد في حال الحركة فاعلم جميع ما قلناه.

فصل في الحمّى الغشيية الخلطية هي في الأكثر بسبب بلغم فج تخمي متفرق كثير قد قهر القوة، وفي الأكثر يعين غائلتها ضعف في المعدة إذا تحرك، وأخذ في العفنة قهر القوة أكثر، وجعلها متحيرة إن تركت، والمادة لم تف بها، وإن اشتغل باستفراغها برفق عصت، أو تحركت حركة خانقة للقوة، وإن اشتغل باستفراغها بإسهال، أو فصد بالعنف لم تحتمل القوة وكيف تدَمل، وهناك مع سكونها غشي، ومع هذا كله فإن حاجتهم إلى الاستفراغ شديدة، وأيضاً فإن حاجتهم إلى الغذاء شديدة لأن أخلاطهم ليس فيها ما يغفو البدن فينعشه، والبدن عادم للغذاء فإن تكلف التغذية زادت المادة الباهضة، وإن لم يغذ سقطت القوة، ويعرض في ابتدائها أن ينصبّ إلى القلب شيء بارد يحدث الغشي، فيصغر النبض ويبطؤ ويتفاوت، ثم أن الطبيعة تجتهد في تسخين المادة تلطيفها. والعفونة التي حركت بعض أجزائه تعين عليه، فيتخلص القلب من ضرر برده، ويقع في ضرر حره، فيصير النبض سريعاً وخصوصاً في انقباضه أكثر من سرعة غيره، على أن الغالب مع ذلك صغر وبطء وتفاوت، ودورها دور البلغمية لا يحلّ قلادها، ويكثر معها تهيّج الوجه وتربّل البدن، وألوان أصحابها لا تستقر على حال بل قد تكون مائية ورصاصية، وربما صارت صفراء، وربما صار سوداء، وربما صارت شفاههم كشفاه آكل التوت. وأما عين صاحبها فكمدة خضرا يجحظ جداً عند الهيجان من العلة ويصير كالمخنوق، وما تحت الشراسيف منه شديد الانتفاخ. وكذلك أحشاؤه وربما تقيأ حامضاً، وإذا كان به ورم في بعض الأحشاء فلا يرجى البتة، وقد تعرض هذه الحمى أيضاً في الأوقات من الصفراء الغالبة الغليظة، وتكون معها حرقة في الأحشاء وتتقيأ مراراً، ويكون لها أدوار البلغمية في الأكثر.

فصل في الحمى الغشيية الدقيقة الرقيقة هذه حمّى حادة تسقط النبض، والقوة في نوبة واحدة أو نوبتين مع تربّل ذَوَباني يحدث في الحرّ بسرعة، وربما لم تقف معها القوة إلى الرابع، ويكون من كيموسات وأكثرها صفراوية شديدة الرقة، والغوص رديئة الجوهر سمية قد عرض لها التعفن في أبدان حارة المزاج يابسة جداً، وأكثر نوائب هذه الحميات غب.

فصل في الحمى النهارية والليلية من البلغمية النهارية هي التي نوائبها تعرض نهاراً وفتراتها ليلاً والليلية بالعكس وكلاهما رديء، والنهارية أطول وأردأ يوقع كثيراً لطولها ولعروضها في حر النهار في دق، ولولا أنها خبيثة لم تكن لتعرض وقت انفتاح المسام، وتحلّل البخار ولن تعرض إلا لكثرة المادة وقوّتها، ويحتاج مع ذلك إلى أن يغفو صاحبها ليلاً ولا يترك أن ينام على امتلاء معدته ويكلف السهر وهو مما يسقط القوة، ومقاساة الحمى في حرّ النهار، والسهر في برد الليل مما بالحري أن يوقع في الدق، وبالجملة فهي من جملة الحمّيات العسرة.

علاج البلغمية: إن علاج هذه العلة قد تختلف بحسب أوقاتها، أعني الإبتداء والإنتهاء والإنحطاط، وبحسب ظهور النضج فيها وخفائه، وتختلف بحسب موادها أعني البلغمية الحامضة، والبلغمية الزجاجية، والبلغمية المالحة والحلوة، وجميع أصنافها تشترك في وقت الابتداء في ثلاثة أشياء: في وجوب التليين المعتدل والقيء، وفي وجوب استعمال الملطّفات والمقطّعات والمدرّات. وكلما يأتي على الحمّى ثلاثة أيام ترق فيها المادة بسبب الحمى، وقبل ذلك تحرّك وتؤذي ولا تفعل شيئاً، وفي الاستظهار بتلطيف التدبير على الاعتدال، وربما اقتُصر على ماء الشعير في الثلاثة الأيام الأول، رجاء أن يكون منتهاها أقرب، إما لرقة المادة، أو لقلّتها ولو علم يقيناً أن منتهاها متباطىء لم يلطف التدبير. على أن الجوع، والنوم على الجوع، والرياضة عليه، إن لم يضعف، غاية في المنفعة من هذا المرض، بل يمال في الابتداء إلى التغليظ إلى السابع، ثم يدرج لكن الاستظهار يوجب أن يلطف التدبير أولاً، فإن ظهر أن المنتهى بعيد، أمكن أن يتلاقى ذلك بتغليظ التدبير ثم يدرج إلى وقت المنتهى، لأن الزمان ممكن من ذلك في هذه العلة، غير ممكن في الحادة وإذا جاوز السابع فلا يقيمن على التلطيف، فإن ذلك يضعف ويزيد في ضعف فم المعدة وكلما أحسست بطول أكثر، لطّفت أقلّ على أن تلطيفه فيها أوجب، ما يجب في الربع، وكذلك يجب أن لا يسرع سقيه مثل ماء الفروج، والخبز مع المزورات، إلا أن يخاف الضعف أو يظهر الانحطاط، ثم يختلف ما كان سببه المالح أو الحلو، وما كان سببه الزجاجي أو الحامض، فتكون منه حمّى قروموديوس الزمهريرية التي لا يسخن البدن فيها، على أن الأولين يحتاج فيهما إلى تليين بدواء لين، وإلى تبريد ما. وفي الثانيتين بدواء أعنف، والأوليان يحتاج فيهما إلى تقطِيع بالملطّفات المقطّعات، التي فيها تسخين غير كثير، وإن كان تجفيف كثير، وفي الثانيتين يحتاج إلى ما يلطّف بتسخين وتقطُع بحرافة، وخصوصاً إذا كان البلغم مختلطاً بالسوداء فلا بد في مثله من مثل الكمّوني، ومعجون الكبريت، واستعمال المملّحات، وأوفق الأدوية التي تستعمل في الابتداء الجلنجبين إلى اليوم السابع، ولا بأس بأن يستعمل أيضاً ماء الرازيانج، وماء الهندبا وماء الكرفس مع المجلنجبين بحسب الحاجة، والسكنجبينُ شديد المنفعة أيضاً وماء العسل بالزوفا، وقد يمكن أن يبلغ به ما يراد من تليين الطبيعة، وخصوصاً المسهل المتخذ من السكر والورد الأحمر المعروف بالفارسي، فإنه مسهل ملين، وإذا احتيج إلى أن يقوي تليينه، مُرِس في ماء اللبلابَ وخُلِط به إن أريد الخيار شنبر والفانيذ، وأيضاً الجلنجبين المتخذ بعسل الترنجبين مدوفاً في ماء اللبلاب، ولا تلح عليه بالمسهلات في الابتداء وبعده، وخصوصاً إذا كانت مع المادة صفراء، فإن ذلك يؤدي إلى فساد المزاج، وكثير من الناس يسقون في الابتداء مثل دواء التربد في كل ليلة، ومثل حب المصطكى في كل أسبوع مرتين، ومثل حب البزور المدرة.

نسخة دواء التربد: يؤخذ زنجبيل ومصطكي من كل واحد عشرة، تربد عشرون، سكر طبرزد مثل الجميع، يسقى كل ليلة مثقال، وذلك إذا كانت الطبيعة غير لينة، وإن كانت تجيب كل يوم مرتين لم تحتج إلى ذلك، وأما أنا فلا أحب إلا انتظار النضج والتليين بما ذكرناه أولاً، لا بل يجب أن يستفرغ منه شيء ويصبر بالباقي إلى النضج، ويكون ذلك برفق وقليلاً قليلاً من غير إحجاف.

ثم أقبل على المدرات، وذلك أكره ما يشبه ماء الإجاص والتمر الهندي ونحوهما، مما يضعف المعدة ويسهل الرقيق، وإن كانت المادة إلى زيادة برد خُلِط به لت القرطم، وإن كانت المادة إلى الصفراوية خُلِط به شراب البنفسج، أو البنفسج المربى أو الشيرخُشْت أو البنفسج اليابس مسحوقاً، واستعن بالحقن اللينة المتخذة من العسل والملح وماء السلق، ودهن الخل، والقيء بماء الفجل والفجل المنقوع في السكنجبين البزوري ونحوه، وإن احتيج إلى قيء أكثر لكثرة ما يعتريه من الغثيان وتغير طعم الفم، استعمل حب الفجل وشرب منه إلى مثقال بالماء البارد، والقيء مع ما فيه من إضعاف المعدة، شديد المنفعة جداً وهو قالع لهذه العلة، ويجب أن ينتظر به السابع لئلا يقع منه في الأول عنف يورم المعدة، وإن تعذر عليه القيء لم تجبره عليه بالعنف، وإن اعتراه قذف وخصوصاً في ابتداء الدور، لم يحبس إلا أن يحجف ويضعف فحينئذ يحبس بمثل الميبة، وشراب النعناع وما نذكره من بعد، وإن عرض صداع استعملت النطولات البابونجية، مع إرسال الأطراف الأربعة في الماء الحار، وشد الساقين بالقوة، وإن احتيج إلى ماء الشعير استعمل منه المطبوخ بالأصول مقداراً معتدلاً أو خلط به سكنجبين العسل، إن لم يحمض في المعدة، أو ماء العسل إن حمض وأولى وقت سقي فيه ذلك أن يكون في مائه في أول الأمر انصباغ، فيجب أن يسقى أولاً الجلنجبين، ثم يسقى بعد بساعتين ماء الشعير، ولا يجب أن يمرخ بالمروخات المحللة، ولا ينطل بالنطولات الملطفة إذا كانت العلة في الإبتداء، وكان في البدن خلط جوّال فإنها ترخي الأحشاء بتسخينها الرطب، وتجتنب الماء البارد. وكلما رأيت البول أغلظ وأحمر فلا بأس بأن تفصموا الواجب، أن تفزع حينئذ إلى السكنجبينات، واعلم أن الدلك من المعالجات النافعة لهم، وكلما كان البلغم ألزج وأغلظ كان الدلك أنفع، وقيل أن الدلك بنسج العنكبوت مع الزيت نافع جداً، لا سيما إذا ديف نسج العنكبوت في دهن الورد المفتَّر وتُمرخ الأنامل وأصابع الرجل بذلك، فإنه نافع جداً، وهذا ما جربناه مراراً، إذا أخذت العلة في التزايد.

وبعد ذْلك فليكن أكثر عنايتك بفم المعدة، وما يقويه والمضوغات المتخذة من النعناع والمصطكي والأنيسون، واستعمال القيء على ما ذكرنا بالفجل مع تقليل الغذاء، ويكون الجلنجبين، الذي تسقيه حينئذ وبعد السابع، مخلوطاً به ما يقوّي فم المعدة، ويكون فيه إدرار كثير مثل الأنيسون والمصطكى، ويكون بالماء الحار وخصوصاً في ابتداء الدور، فإنه يقاوم النافض والبرد، ويطفىء مع ذلك العطش إن كان يهيج، وكثيراً ما رخص في استفراغ البلغم والخام في هذا الوقت، والأولى أن ينتظر به تمام النضج.

وإذا كانت العلة تأخذ بالجد وتلح انتفع بهذا القرص. ونسخته: يؤخذ إهليلج أصفر وصبر وعصارة غافت وعصارة الأفسنتين من كل واحد خمسة دراهم، زعفران ومصطكي من كل واحد ستة دراهم، يقرّض ويسقى منه كل يوم وزن درهم، وكل ليلة وزن نصف درهم، فإذا رأيت النضج يظهر أعنته بمثل ورق الكرفس، والرازيانج وأصول الأذخر، وبرشاوشان.

وإن علم أن المادة باردة جداً لم يكن بأس باستعمال الفلفل اليسير وباستعمال الشراب الرقيق قليلاً غير كثير، وقد تعين المروخات المحللة على الإنضاج والتحليل بقوة قوية.

والمروّخات المحلّلة أوفق في هذه العلة منها في سائر الحميات، ويجب أن يعتبر في ذلك القوة والحمّى والنافض فإن كانت القوة قوية، وليست الحمى بصعبة جداً زيد في قوة المروخات، وإلا استعملت الأدهان اللطيفة التي إلى الإعتدال، وإذا جاوز الرابع عشر، فلا بد من استعمال ما يلطّف أكثر مثل الرازيانج والكرفس، وربما احتجت إلى بزورهما وإلى الأنيسون وإلى مثل السكنجبين البزوري الواقع فيه الزوفا، والحاشا وإلى استعمال أقراص الورد.

وربما احتيج أن يزاد فيها بسبب المعدة كندر ومصطكي وسعد وأفسنتين ونحوه، بحسب ما توجبه المشاهدة، والشراب الرقيق ينفعهم في هذا الوقت بتلطيفه وتقويته الحار الغريزي وإدراره وتعريقه وإذا رأيت نضجاً وقوة سقيته أقراص الأفسنتين، وبعد ذلك إذا رأيت البرد في ابتداء النوائب يؤذي، والعلة ليست في الابتداء، سقيت ماءً حاراً طُبخ فيه مثل بزر الكرفس والأنيسون والحبق، واستعملت أيضاً أمثال هذه وأقوى منها نطولات وبخورات وأمثال ذلك. وقد يسقى في النافض الشديد على هذه النسخة. وهي: زنجبيل وصعتر ونانخواه من كل واحد ثلاثة دراهم، كزبرة أربعة، ورد فودنج من كل واحد ثلاثة. زبيب سبعة، يطبخ على الرسم والشربة ثلاث أواق. وإذا رأيت النضج التام فاستفرغ، وأدرّ بما فيه قوة واسقه مثل دبيد كبريثا، وإن كانت المادة من أبرد البلغم سقيته الترياق، ويجب أن يُسقى أيضاً أقراص الورد الكبير بماء الرازيانج، وإن يجتزي كل ليلة بدواء التربد وحبّ الصبر المتخذ بالغافت، أو المتخذ بالأفاويه. ومن ذلك مطبوخ بهذه الصفة: يؤخذ أيارج سبعة، تربد عشرة، إهليلج أسود خمسة، غافت خمسة، ملح هندي ثلاثة، باذاورد وشُكَاعَى من كل واحد أربعة، أنيسون ثلاثة يطبخ بماء الكرفس، ويسقى منه بقدر الحاجة، وأقوى من ذلك الأصلان، وأصل السوس من كل واحد عشرة أيارج ثمانية، عصارة الغافت خمسة، بزر الكرفس والرازيانج من كل واحد أربعة، ورد وسنبل ونعناع من كل واحد سبعة، يتخذ منه أقراص ويستعمل.

أخرى مجربة: يؤخذ الأصلان من كل واحد عشرة، الزبيب المنقى سبعة، أنيسون ومصطكي من كل واحد ثلاثة، شكاعى وباذاورد وغافت من كل واحد أربعة، يطبخ بثلاثة أرطال ماء إلى أن يرجع إلى رطل ويسقى أياماً على الريق.

أقراص جيدة مجربة عمد الأزمان واشتداد النافض، ونسختها: يؤخذ أيارج وعصارة الغافت، أفسنتين، شكاعى، باذاورد، من كل واحد خمسة، بزر الكرفس والرازيانج والأنيسون من كل واحد ثلاثة، ملح نفطي أربعة، بزر الكشوث، إهليلج كابلي، من كل واحد عشرة، غاريقون خمسة عشر، أقراص الورد عشرون، تربد ثلاثون، يتخذ منه أقراص وهو مسهل نافع. وأيضاً: يؤخذ صبر، إهليلج أصفر، راوند، مصطكي، عصارة الغافت، أفسنتين، من كل واحد جزء، زعفران نصف جزء، يدقّ ويستعمل.

وأيضاً: يؤخذ أيارج، إهليلج كابلي، وملح، من كل واحد أربعة دراهم، بزر الكرفس والرازيانج والأنيسون من كل واحد واحد ونصف، أفسنتين خمسة أقراص، الورد ثلاثة، شكاعى، باذاورد من كل واحد درهمان، يُدقّ ويُحبّب ويُستعمل فإنه نافع جداً.

صفة مطبوخ جيد مجرب: يؤخذ غافت خمسة، أصل السوس وأصل السوسن ونانخواه من كل واحد ثلاثة، بزر الكرفس والرازيانج من كل واحد أربعة، ورد خمسة، يطبخ على الرسم المعلوم والشربة منه كل يوم ثلاث أواق.

وأيضاً: الأصول الثلاثة من كل واحد عشرة. أنيسون وبزر الكرفس من كل واحد درهمان، شكاعى وباذاورد وغافت وأفسنتين من كل واحد خمسة، قنطوريون ثلاثة، يطبخ ه يشرب منه أربع أواق.

أخرى: يؤخذ حشيش الغافت، شاهترج، شكاعى، باذا ورد، أفسنتين، من كل واحد خمسة، زبيب عشرة، إهليلج أصفر عشرة، وهذا للمشايخ، والغالب عليه الصفراء أوفق والغاريقون إذا استف منه إلى درهم ودرهم وثلث، أياماً، منع تطاول العلة، يستف منه، أو يمزج بعسل ويشرب، وبزر الأنجرة بعد النضج عجيب جداً سفيفاً، أو بعسل. وأما الجذب له صوب الإسهال فيجب أن يزاد فيه بسبب ضعف الكبد، ريوند وبزر الكشوث، وبسبب ضعف المعدة المصطكى والأنيسون، وبسبب الطحال وغلظة أصل الكبر، وأسقولوقندريون، فإنه كثيراً ما يصحب هذه العلة طحال، وربما احتيج إلى أن يزاد لأجله سعد وحبّ البان وحلبة، ومع ذلك تراعى حال شدة الحمى لئلا يقع إفراط تسخين.

وأما المستفرغات التي هي أقوى المحتاج إليها في هذه العلة عند النضج، فمن ذلك أن تزاد الشربة من حب التربد، ويستعمل الحقن القوية ومن ذلك هذا الحب على هذه الصفة: ونسخته: يؤخذ مصطكي دانق، أيارج فيقرا نصف عرهم، عصارة الأفسنتين ربع درهم، شحم الحنظل دانق، غاريقون نصف درهم، يحبّب بالسكنجبين العسلي ويُسقى، ومن ذلك حبّ المصطكى والصبر.

وإذا كانت المادة إلى الحرارة أخذ من أقراص الطباشير المسهل ثلاثة أقراص، ومن التربد مثقال، ومن السقمونيا نصف مثقال، ومن عصارة الغافت مثقالان، ويسقى بقدر القوة.

وأيضاً: يؤخذ غافت، أفسنتين، برشاوشان، إهليلج، شاهترج، زبيب منقّى، بالسوية، يسقى بقدر الحاجة، وإن لم يحتمل البدن الإسهال أقبل على الملطّفات، وعلى المدرات، والمعرقات، ومن جملة ما يحتاج إليه حينئذ نقيع الصبر بالعسل. فإذا انحطت العلة لم يكن حينئذ بدخول الحمام قبل الطعام بأس.

وأما أغذيتهم: أما اللطيفة فمثل الخل والزيت، وربما جعل فيه قليل مري، وخصوصاً في آخره. وأما التي هي أقوى فالطياهيج والفراريج والقباج ونحوها، بعد الانحطاط، ويجب أن يجعل فيها، وخصوصاً عند النضج، ما فيه تقطيع مثل: الخلّ والخردل والمري، وإذا كان البلغم حامضاً رديئاً لزجاً، فالكراث وماء الحمص من أجود الأغذية لهم، إذا جعل فيه كمون وشبث وزيت، وأيضاً بوارد تتخذ من السلق والمري والخلّ والزيت المغسول، الكوامخ مثل: كامخ الكبر، وكامخ الشبث والصعتر والأنجذان والهليون. ويجتنب البقول التي فيها تبريد وترطيب، ووقت الغذاء بعد فتور النوبة، وإقلاعها. وقبل النوبة لا أقل من أربع ساعات.

وأما تقدير نومهم فأن يكون معادلاً لليقظة ليكون النضج إلى النوم، والتحليل إلى اليقظة. والحمّام شديد المضرة لهم، إلا بعد الانحطاط.

تدارك قذفهم إذا أفرط: ينبغي أن يُستعان في ذلك بمثل الميبة، وشراب الرمان النعناعي المعروف، وإن احتيج إلى أقوى، أخذ من حب الرمان المر عشرة دراهم، ومن الكندر الأبيض والمصطكى من كل واحد خمسة، نعناع سبعة، يطبخ في رطلين من الماء، وفيه طاقات من النعناع حتى ينتصف. تدارك إسهالهم إذا أفرط: أما حبسه فيما علمت من القوابض التدبيرية والدوائية، وأما تدبير إضعافه فبأن يطعم عقبه الفراريج المشوية، والمُطَجنه والبخورات، والروائح الناعشة. وإن عرض تهيج في الوجه والأطراف، انتفعوا باستعمال مثل هذا القرص. ونسخته: يؤخذ أنيسون ولك مغسول من كل واحد خمسة، لوز مر وزعفران ومرّ ماخوز من كل واحد أربعة دراهم، بزر الكرفس وبزر الرازيانج ونقاح الأذخر من كل واحد ثلاثة، عصارة الغافت ثلاثة ونصف، سنبل ستة، أيارج فيقرا سبعة، ورد عشرة، يتخذ منه أقراص ويستعمل، وربما احتجت إلى مثل أمروسيا ودواء اللك ودواء اللوز المرّ.

قرص لطول الحمى مع البرد: يؤخذ ورد عشرة، مصطكي وسنبل وبزر الرازيانج وبزر الكرفس وبزر الهندبا وعصارة الغافت وأفسنتين من كل واحد أربعة، طباشير خمسة، يقرص، والشربة درهم إلى درهمين مع عشرة جلنجبين في طبيخ بزر الرازيانج قدر أوقيتين والنانخواه المعجون بالعسل منفعته عظيمة في مثل هذا الموضع، وربما احتجت لطول البرد إلى الدلك، والوجه فيه أن يبتدىء من اَلمنكبين والأربيتين، فإذا انتشرت الحرارة في اليد والرجل وسخنتا، فإن أحس بشِبهِ الإعياء انتقل إلى الدلك الصلب، فإذا اشتمت السخونة فلا بأس بأن يدلك بالدهن، حتى يبلغ العضو السخونة المحتاج إليها، فيتركه إلى عضو آخر.

ومن الأدهان الجيدة: الزيت العذب الذي لا قبض فيه، ودهن البابونج، ودهن الشبث المطبوخ في الإناء المضاعف، وإذا فرغت فامسح الدهن لئلا يكرب، ولا بأس بأن يتبع الدلك اليابس دلكاً بالدهن ومما يحفظ به معدهم أن لا يضعف المروّخات التي هي مثل دهن البابونج ودهن النادرين ودهن الشبث، وأقوى منه الرازقي ومن الأضمدة النافعة أن يطبخ البابونج، وشيء يسير من المصطكى مطبوخاً بشراب مع ضعفه عسل، وإن كانت الشهوة ساقطة، فالأجود أن لا يستعمل الشراب، بل الميبختج مطبوخاً فيه البابونج، والتمر القسب أو البسر وإكليل الملك والأفسنتين.

علاج البلغمية اللازمة وتسمى اللثقة: علاجها علاج النائبة كل يوم، ويفارقه بأن ذلك يجب أن يكون استعمال الملطفات الحادة فيه برفق، وإن اقتصر على مثل السكنجبين، والجلنجبين، وجلاب العسل ومائة وماء الرازيانج والكرفس والأصول الثلاثة أوشك أن ينفع، وقد ينفعهم كامخ الشبث وكامخ الكبر، وخصوصاً مع أثار النضج وتدبير غذائهم في مراعاة الأزمان وخلافه، وقوة القوة وضعفها تدبير ما سلف ذكره، ومن الأدوية الجيدة لهم أقراص العشرة، وأيضاً من الأدوية الجيدة المجربة لهم دواء بهذه الصفة.

ونسخته: يؤخذ ورد ستة، ربّ السوس وشاهترج وسنبل من كل واحد أربعة دراهم، مصطكي ثلاثة، كهربا ثلاثة، أنيسون اثنان.

أخرى: وأيضاً أقراص الغافت. ونسختها: يؤخذ غافت أربعة دراهم، ورد درهم وثلث، وطباشير درهمان ونصف. وأيضاً يؤخذ غافت ثلاث أواقي، ورد نصف رطل، سنبل نصف رطل، طباشير أربع أواقي، وأيضاً قرص أفسنتين.

ونسخته: يؤخذ أفسنتين، أسارون، بزر الكرفس، أنيسون، لوز مر، شكاعى، باذاورد، عصارة الغافت، مصطكي وسنبل من كل واحد إثنان، يجعل أقراصاً على الرسم المعلوم.

علاج أنفيالوس وليفوريا: علاجهما قريب من علاج ما ذكرنا قبلهما، وهما أيضاً متقاربا الطريقة ويجب أن يبدأ أولاً بالسكنجبين العسلي والسكري، وقد يؤمر فيهما أيضاً بربّ الحصرم المطبوخ بالعسل وبشراب الورد، ثم يتدرّج من طريق سقي البزور ومياهها إلى نقيع الصبر، وأقراص الورد بالمصطكى وحب الصبر، وأيارج فيقرا وحب الغافت، ويجب فيهما جميعاً أن يعتنى بالمعدة ويستعمل القذف بماء اللوبيا والفجل والشبث والفودنج، والمدرّات.

ومن المسهّلات النافعة منهما ما يتخذ من الهليلج الأسود والأصفر والتربد والسكر، ومما ينفع منهما نفعاً بليغاً. الحقن المائلة إلى الحدة، الواقع فيها لبّ القرطم، والقنطوريون الدقيق والشبث والبابونج والحسك وإكليل الملك والمريّ والعسل، وتدبير ليفوريا يحتاج إلى رفق أكثر من تدبير الأخرى.

علاج الحمّى الغشيية الخلطية: هذه الحمّى صعبة العلاج، والوجه في علاجها الاستفراغ مندرجاً من اللطيفة إلى القوية، وخصوصاً إذا كانت الطبيعة لا تجيب من نفسها، فإنك بالحقن تنقّي ما في المعا والعروق القريبة منها من الفضل، وتستعمل في الباقي التلطيف بالدلك، وقد زعم جالينوس أنه عجز عن استفراغ أكثرهم إلا بالدلك، وأحسن الوجوه في دلكهم أن يبدأ من الفخذين والساقين منحدراً من فوق إلى أسفل، يستعمل في ذلك مناديل خشنة ساحجة للجلد، ثم ينتقل إلى اليدين نازلاً من المنكب إلى الكفّ بحيث يحمّى الجلد، ثم الظهر والصدر، ثم يعاود الساقين ويرجع إلى النظام الأول، وتجعل نصف زمانهم للدلك ونصف زمانهم للتنويم إن أمكن.

وبالجملة قانون علاجهم تلطيف غير مسخّن جداً، ومما ينفعهم من الملطّفات مثل ماء العسل وخصوصاً مع قوة من الزوفا، أو من بزر الكرفس في الغدوات ونحوه. فإن كان هناك إسهال مفرط طبخت ماء العسل طبخاً أشدّ، فلا يسهل إلا قليلاً معتدلاً نافعاً، والسكنجبين المعسل أيضاً ينفعهم.

أما في الصيف ومع عادة شرب الماء البارد، فممزوجاً بالماء البارد، وفي الشتاء فيجب أن لا يسقوه البتة وليقتصروا على الماء الحار، وتناول الحار من الأشربة أفضل لهم، إلا عند ضرورة القيظ وشدة إكراب الحر، وأوفق ما يسقون للعطش السكنجبين العسلي، والشراب ينفعهم من أول الأمر، وخصوصاً إن كانت حمّاهم قوية، وقلما تكون وخصوصاً في المشايخ ولا بد لهم بعد الغذاء من شراب، ويجب عليك أن تراعي نبض صاحب هذه العلة دائمأ، فإذا رأيته أخذ في الضعف والسقوط بغتة أطعمته خبزاً مبلولاً بشراب ممزوج، إن لم يمنع ورم في الأحشاء، فإنه إذا قارن هذه العلة لم يكن للعلاج وجه ولا للرجاء موضع، أعني إذا حدث مثل هذا التغير في النبض، وهذا الإطعام مما يحتاجون إليه عندما يشتد الغشي، ولكن يجب أن يتبع ذلك دلكاً.

وأما الغذاء الذي يبيتون عليه، فماء الشعير، لا يزاد عليه إلا عند سقوط القوة، وإن زيد فخبز منقوع في جلاب أو ماء العسل والحمّام من أضرّ الأشياء لهؤلاء، والحار والبارد جداً من الهواء، فإن الحار لا يؤمن معه سيلان الأخلاط إلى الرئة والقلب وإلى الدماغ، والبارد يمنع نضجها ويزيد في تسديدها، فإن كان الخلط فيه صفراوية ما فإن سهل القيء وخف، كان نافعاً جداً، وبالجملة فإنه أولى بأن ينجح فيه.

علاج الحمى الغشيية الدقيقة الرقيقة: يجب أن يضمد صدره بالصندل وماء الورد، وينعش بالغذاء قليلاً قليلاً، وليكن غذاؤه مثل الخبز المنقوع في ماء الرمان مبرد إن اشتهاه، وكذلك في ماء الفواكه، وإن احتيج للقوة، إلى المصوصات المتخذة من الفراريج بالخل، وماء الحصرم والبقول الباردة وخصوصاً الكسفرة كان نافعاً.

تدبير الليلية والنهارية: تدبيرهما تدبير البلغميات لا خلاف فيها.

فصل في الربع الدائرة وتسمى طيطراطلوس أكثر الربع هي الدائرة، ويقل وقوع ربع لازمة، وأما أسباب الربع فهي ما يولد السوداء ثم يعفنها، وقد علمت جميع ذلك، وعلمت أن من السوداء ما هو ثقل الدم ومنها ما هو حراقته ورماد الأخلاط، وقد علمت أن من ذلك دموياً ومنه بلغمياً، ومنه صفراوياً، ومنه حراقة السوداء الطبيعية نفسها، وزعم بعض الناس أن الربع لا يتولد من السوداء الطبيعة، فإنها لاتعفن.

ومثل هذا القول لا ينبغي أن يصاخ إليه، بل كل رطوبة من شأنها أن تعفن، وإن تفاوتت في الاستعداد، وأكثر ما تحدث عقيب أمراض وحميات مختلفة بعقب حمّيات متفقة لاختلاف الأخلاط التي تتولد منها، ومن عفونتها فإنها إذا ترمّدت ولم تستفرغ، كثر السوداء، ثم إذا عفن كان الربع وكثيراً ما تحدث عقيب الطحال، ومع ذلك فإنها في الأكثر لا تخلو من وجع الطحال أو صلابته، وأسلم الربع ما لم يحدث عن ورم الطحال أو غيره ولا معه ورم الطحال. فإن الربع الذي يحدث عن ورم الطحال، أو يكون معها ورم الطحال كثيراً ما يؤدي إلى الاستسقاء والقيل.

والسليم من الربع يخلص من أمراض رديئة سوداوية مثل الماليخوليا، والصرع وفيه أمان من التشنّج، لأن الخلط يابس وهو في الأكثر مرض سليم، وإذا لم يقع فيه خطأ لم يزد على سنة وربما لزمت اثنتي عشرة سنة فما دونها. والمتطاول منه يؤول إلى الاستسقاء، واعلم أن الخريف عدو للربع.

العلامات: إن الربع يأخذ أولاً، ببرد قليل، ثم يأخذ برده يتزايد، ثم يقلّ يسيراً عند المنتهى كما في البلغم. وإذا سخن البدن لم تكن الحرارة شديدة، وإن كانت أكثر وأظهر من التي في البلغمية، فإنها مع تعسّرها في الاشتعال، تشتعل اشتعالاً يعتد به، كالنار في الحطب الجزل، ولا مشتملة على البدن كله بل تكون هناك حرارة يقشعر منها وثقل، والسبب في ذلك غلظ الخلط، ويكون مع برده شيء من وجع كأنه تكسّر العظام، ويكون هناك انتفاض تصطك له الأسنان، ولكن لا كما في البلغمية، ويؤدي ذلك إلى ضعف البصر، لكنه ينفصل عند النضج لأن الرداءة تقل كما كانت في الابتداء قليلة. ومن علامة الربع أسبابه المتقدمة من حمّيات طالت، ومن طحال أو وجع، ومن علامة الربع، حال المزاج وبدلائل سوداوية والسن والفصل والغذاء والسحنة والعادة وما أشبه ذلك، ودوره أربع وعشرون ساعة، وكثيراً ما تكون الحمى غبً في الصيف وتصير ربعاً في الشتاء، وكثيراً ما تؤتي الحميات إلى حميات مختلطة، لا نظام لها لاختلاف بقايا الأخلاط الباقية بعد الحميات، فإذا استقرت على التزايد، أستقر على الربع.

وما كان عن بلغم محترق كانت أدواره أطول، ويحدث أكثر ذلك تعقيب المواظبة، ويكون العرق أبطأ والبول أغلظ، وصلابة العرق أقل. ويكون في أكثر الأمر تعقيب حميات ، وما كان عن دم محترق فتتقدمه علامات الدم وحمياته، وحمرة البول، ويدل عليه السحنة والسن، والفصل، وربما كان بعد حميات دموية، وما كان عن صفراء محترقة، فيكون النبض أشدّ سرعة وتواتراً، ويبتدىء باقشعرار وبرد في اللحم، وعطش وعرق، ويكون ثم غضب وعطش والتهاب، ويدل عليه السحنة والسن والفصل، وقد يدلّ عليه كونه حميات صفراوية، والنبض في الربع إلى الصلابة ليبوسة الخلط، فإنه يجذب إلى داخل كأنه نبض شيخ وإلى الإستواء ما لم تتحرك، وإن تحركت اختلف النبض جداً لغلظ الفضل، ويكون تفاوته ظاهراً عند الفترة، وهو دلالة تامة على الربع، وكثيراً ما يتفق فيه انبساط غير مستو، وانقباض شديد السرعة على خلاف ما في الغب.

ونبض الربع أحسن من نبض البلغمية في الصغر والتواتر، ولكنه مثله في الإبطاء، وعند ابتداء النوبة يزداد إبطاؤه وتفاوته، واختلافه أكثر من اختلاف سائر الحميات، ثم يأخذ في عظم وتواتر وسرعة.

والبول في الربع تتشابه أوقاته في عدم النضج لبرد المادة وغلظها إلا عند المنتهى الجيد، لكن أحواله وألوانه تختلف وذلك لأن السوداء تتوتد من أخلاط شتى، ومن علامة نضج الربع لين النافض، وأما البول فإنه يكون في الابتداء أبيض إلى الخضرة فجّا، لا هضم له وبعد الابتداء يختلف حاله، ويتلون بسبب أن كثر السوداء متولدة من أخلاط شتى، ويكون عند الانحطاط أسود، والعرق في الربع كثير بالقياس إلى البلغمية وليس بكثير بالقياس إلى غيرها، والعطش يقل في هذه الحمى إلا أن هنا يكون عن سوداء صفراوية.

ينظر في هذه العلة هل هي عن سوداء دموية، أو سوداء بلغمية، أو سوداء صفراوية، أو سوداء سوداوية، ثم يدبر كل واحد بما هو أولى بها مما نذكره. لكن لجماعة أصنافها وأحكام تشترك فيها، وذلك أنها كلها تنتفض في الابتداء، فوجب أن تتأمل هل للدم غلبة، وخصوصاً إذا كانت الربع عن سوداء دموية، فحينئذ يفصد ويؤخذ من الدم بقدر الحاجة، وربما أوجب كثرته ورداءته أن يخرج شيء كثير منه.

وإذا لم يحتج إلى الفصد، ففصد، ضر من حيث الضعف، ومن حيث إخراج ضد السوداء، ومن حيث تحريك الأخلاط إلى خارج، وأن يستفرغ في الأول من الخلط المحدث للحمى شيء ما للتخفيف لا للتنظيف، فإن ذلك عند النضج على حسب ما نشير إليه وليكن بعد النوبة بيوم، ولا يجب أن يدر في الأول بقوة، ويجب أن تستعمل المرخّيات، وإن لم يستصوب المشروبات، استعمل بدلها حقن موافقة، لكنها يجب أن تكون لينة، وإنما يرخص في تقويتها إذا بلغ المرض المنتهى.

وإن كان الطبيب قد يتهور فيطلق السوداء في الابتداء مرات إطلاقاً قوياً، ويمنع العلة أصلاً لكنه صواب عن خطأ، ويجب أن يمنع يوم النوبة. عن الأكل ويكلف الصوم، ويمتنع من الماء البارد ذلك اليوم، ولا بد في سائر الأيام من لحم طيهوج، أو فروج أولاً، الطيهوج إلى ثلاثة أيام أو أربعة أيام، ثم الفروج فحينئذ الفروج خير، ويكون الدواء غير يوم النوبة جلنجبين ممروساً في الماء الحار في اليوم مرتين أو ثلاثة دراهم جلنجبين في عشرة دراهم سكنجنبن، وأنت تعلم أن السوداء إذا كانت صفراوية فيجب أن تستعمل فيما يطلقها شيئاً من جنس الهليلج والبنفسج. وإن كانت بلغمية وجب أن تستعمل فيما يطلقها في الأوائل شيئاً فيه قوة من التربد.

وإن كانت سوداوية وجب أن تستعمل فيما يطلقها في الأوائل شيئاً فيه قوة من البسفايج، والأفتيمون ونحوه. وتعلم أن ماء الجبن نعم المطية لما يستعمل من القوى المذكورة، وربما أنجح استعماله وحده خصوصاً إذا كانت الحرارة متسلطة، وإن الجلنجبين وماءه المصفى عن طبخه القوي منزلته هذه المنزلة، وخصوصاً إذا كان في المعدة ضعف، أو كان الغالب خلطاً بارداً، وألقي أيضاً، وخصوصاً قبل الطعام وبعد الطعام أخرى أيضاً، وخصوصاً يوم النوبة، قبل النوبة، وخصوصاً إذا كانت السوداء بلغمية من الأمور النافعة فيه، وليس في الابتداء فقط، بل وفي كل وقت. فيجب أن لا يعنف في الابتداء، وفي أوائل النضج إلى قبول تمام النضج باستفراغ الفضل بما لا يسخن بقوة، ولا ما يجفف بقوة من الدواء.

ومن ترك الأغذية، ولا بما يضعف بالإسهال، ولا أيضاً بما يضعف في الابتداء من تلطيف التدبير، واعلم أنه إذا ابتدأ الربع في صيف أو شتاء، فيجب أن يسقى أولاً ماء الشعير بالسكنجبين ليفتح الطرق للدور، وينقضي بسرعة، وذلك بعد الدور المتقدم بثلاث ساعات أو أربع.

وإذا عرض الربع شتاء فالمداراة ولا وجه لسقي الأقراص، واعلم أن الأشياء البارعة الرطبة السهلة الانهضام الجيدة الكيموس قد توافق هذه العلة من حيث الحمّى، ومن حيث مضادة إحدى كيفيتي السوداء التي هي اليبوسة، فيجب أن تستعملها أيضاً حين لاتخاف ضرر في النضج، أو في القدر الذي لا تخاف منه ضرراً بالنضج، أو تخلط بها شيئاً يعدل برودتها ولا ينقص رطوبتها، وهذه الأشياء هي الحارة بالاعتدال.
ويحترز عن كل بارد يابس، والأشياء الباردة الرطبة الموافقة من هذه العلة هي مثل الهندبا، والخس، والبطيخ، والخوخ أحياناً، وإنما يجب أن يجتنب أمثال هذه إما لشدة البرد، وذلك موجود في مثل الخسّ ليس موجوداً في مثل البطيخ الحلو، وإما لشدة الإدرار المؤدي إلى تغليظ الدم، وذلك موجود في البطيخ، وإما لتهيئته ما يخالط للعفونة وذلك موجود في الخوخ، ويجب أن تراعي أمثال هذه، وأما الأغذية الحارة باعتدال، الزائدة في الرطوبة فهي نافعة جداً، خصوصاً إذا أريد تعديل حرارتها حين ما لا يراد أن يستعان بها على الإنضاج بالباردات الرطبة، مثل خلط التين بالهندبا، ولا بأس في الأوائل بتناول ما فيه ملوحة وحرافة وتقطيع إذا لم يخف سورة الحرارة، وأما في آخر المرض فلا بد من ذلك، وأقراص الأفسنتين نافعة إلى آخر العلة.

ومما ينتفع به الجلوس في الماء الحار العذب قبل الغذاء كل يوم، والاستحمام الذي يرطب ولا يعرق ولا يهيّج الحرارة، ولزوم الترفه والدعة وهجر الرياضة والحركات البدنية والنفسانية، وجميع هذه الحميات تحتاج إلى مرطّبات، ثم تختلف في قدر ما يحتاج إليه من تبريد أو تسخين، وحاجتها إلى المجففات لما فيها من قوة تقطيع وجلاء وإطلاق لا لسبب التجفيف، ويجب أن يُراعى أمر المعدة بأضمدة جيدة مقوية ما بين قوية الحرارة ولطيفتها علّى ما يوجبه الحال، وتراعى الكبد والطحال وتدبر لئلا يصلب، ويرم.

وربما احتيج في التنقية إلى ماء الفجل، وبزره يخلط بالسكنجبين، وربما استعين بتقديم أكل السلق والمليح من السمك والخردل ونحوه قبله، وقد يُستعان بعد ذلك بشرب ماء كثير، ثم يعقب بالسكنجبين ويقذف، ومما ينفعه أن يتناوله يوم النوبة، ثم يتقيأ عليه فيأمن مضرّة البرد والنافض وحدة الحمّى، أو أن يتناول ثوماً وعسلاً ويشرب السكنجبين العسلي ويتملى طعاماً، ثم يتناول ماء حاراً ويتقيأ فإذا انقضت النوبة تعشّى بشيء يسير واستحمّ غداء، وأن يتناول قبل النوبة بخمس ساعات طعاماً ليتقيأ، فإنه ربما نفع ذلك. وإن لم يتقيأ، والقيء قبل النوبة لأي خلط كان يخفف النوبة، أو يقلعها. ومن التدبير الجيد أن يصوم يوم النوبة إن لم يكن مانع، ولا يتناول حتى تنقضي النوبة ويدخل الحمام في اليوم الثاني.

أما إن كان نضج فعلى الرسم، وإن لم يكن نضج فلا يعمل فيه غير صب الماء الحار مقدار ما يلتذ به البدن، ويترطّب دون مبلغ ما يثور فيه خلط، وفي اليوم الثالث يستعمل القيء لما يكون فضل من الطعام، وما يكون حلله الحمام على أنه ينبغي له أن يستعمل القيء في يوم النوبة أيضاً، فإن كانت السوداء دموية انتفع بالفصد من عرق الباسليق، ثم باستفراغ لطيف بما نفع فيه من منقيات الدم من قوى الشكاعى والباذاورد والبسفايج والشاهَتُرج والهليلج الكابلي، وهذا الجنس سريع القبول للعلاج.

وإن كانت السوداء صفراوية، فعليك بالتبريد والترطيب البالغين من الأدوية والأغذية، واستعمال الماء المعتدل جلوساً فيه واغتسالاً به، ويكون تليين طبيعته في الابتداء بمثل ما يكون من البنفسج.

وما يكون من ماء الجبن مع قوة من بسفايج أو سكنجبين أفتيموني وشراب الورد وماء اللبلاب والخيار شنبر، وأما إطلاقه التام فربما يتيسر بعد عشرين، لأن النضج يظهر فيه أي إذا كانت المادة سوداء صفراوية، ثم يتدرج إلى ما يلطف ويقطع.

وان احتيج إلى إصلاح معدته فبمروخات من أدهان ومن أطلية لا يجاوز بها قوى البابونج وورق الأفسنتين وأكليل الملك ونحوه، والصوم الكثير حتى في يوم الدور أحياناً، ما لا يوافقه وإن كان يوم الدور يقتصر عليهم من الغذاء بقليل تافه.

ومن المقيئات النافعة فيه طبيخ الهليلج، والأفتيمون والسنا في السكنجبين المطبوخ فيه بنفسج، وربما سقوه الحلتيت على الريق، خصوصاً يوم النوبة وقيؤه إن غثت نفسه.

وإن كانت السوداء بلغمية فزع إلى الجلنجبين العسلي بمياه الكرفس، والرازيانج ونحوه. وإن احتيج إلى تليين خلط به في الابتداء قوة مطلقة للبلغم من قوى التربد والبسفايج ودرج يسيراً إلى قوة من الغاريقون وقيء بالسكنجبين البزوري العسلي ونحوه، إلى أن يأخذ في النضج ويكون تكميده المعدة، وتضميدها بما هو أقوى حتى بالتمر والتين ونحوه، وكذلك تمريخه بأدهان حارة إلى دهن القسط، وربما احتيج إلى تقيئه بسكنجبين فيه قوة الخربق الأبيض، بل ربما احتيج أن يسقى الخربق الأبيض في الفجل، أو قوة الخربق في الفجل، أو الخربق بحاله إذا لم يخف حال ضعف القوة.

وإن كانت السوداء سوداوية صرفة من قبيل عكر الدم، فيصلح إسهاله في الأول بماء اللبلاب والفانيذ، ويصلح استعمال الجلنجبين العسلي والسكري، وفي آخره يستفرغ بمثل طبيخ الهليلج الأصفر والأسود والشاهتزج والزبيب، فإذا نضجت العلة فللفصد حينئذ أيضاً موقع جيد يفصد من الباسليق، ويستعمل القيء على الطعام بقوة أو لطف على حسب الوقت والحاجة، ويجب أن يدمنه فهو أصل ويستفرغ بالأدوبة والحقن القوية، والأدوية التي تستعمل في مثل هذا الوقت الأفتيمون والبسفايج والغاريقون والاسطوخولدوس والحجر الأرمني واللازورد مغسولين وغير مغسولين، وعصارة ورق قنطافلون مع شراب العسل. وربما احتيج إلى الخربق الأسود، وربما أقنع في الصفراوي السنا والشاهترج مع الأفتيمون وقُيىء بالسكنجبين، ثم أدر، وحينئذ بعد الاستفراغ فاسق للبلغمي والسوداوي عنه الترياق والمثروديطوس، ودواء الحلتيت والكبريت والفلفل وحده يشرب في الماء، ومثل الخردلي يستعمل غير دائم بل في كل ثلاثة وفي الأوائل، وقبل ذلك في مدد أبعد، وكذلك الفلافلي ونحوه من الجوارشنات، ولا تعجل بشيء من هذه قبل النضج، فإنك إن سقيت الترياق ونحوه في الأول ركبت ربعاً بربع، وربما جلبت أمراضاً أخرى وخصوصاً في الشتاء وفي آخره، إن وجب الفصد أقدم عليه. قال الحكيم الفاضل جالينوس: أبرأتُ خلقاً كثيراً من الرَبع بأن سقيتهم بعد النضج مسهًلاَ، ثم سقيتهم عصارة الأفسنتين، ثم سقيتهم الترياق. وأقول أن الحلتيت والفلفل مفردين نافعان جداً إذا ظهر النضج وبلغ المنتهى، وأطعمه الصحناة واللبن وكامخ الكبر والخردل والمري وجميع ما فيه قوة ملطفة بقوة، وربما احتجت أن تسقيه بعد الأربعين كل غداة مثل نبقة من مثل دواء الحلتيت، وكل عشية كذلك إذا لم تكن الحمى حادة والمادة أصلها صفراء. ومن هنا الأقراص النافعة في هذا الوقت وعند الإنحطاط قرص على هذا الصفة. ونسخته: يؤخذ من عصارة الغافت ومن الزعفران من كل واحد وزن ثلاثة دراهم، ومن أسقولو قندريون واللك والزراوند والطباشير من كل واحد خمسة دراهم، ومن بزر الحماض وبزر البقلة والورد والسنبل وبزر الكشوث والأنيسون وبزر الكرفس، وأصل الكبر وحب البان وبزر الرازيانج من كل واحد أربعة، يعجن بماء الكرفس ويقرص ويسقى بماء الرازيانج والهندبا والكشوث.

وهذا الدواء نافع من وجوه كثيرة إذا نضجت المادة. ونسخته: يؤخذ مرّ سبعة وعشرين درهماً، سنبل ثلاثة عشر درهماً، فطراساليون خمسة عشر درهماً، أنيسون عشرة دراهم، عاقر قرحا، قسط، فقاح الأذخر، خمسة خمسة، يعجن بشراب عتيق أو بعسل الزنجبيل، والشربة مثل جوزة.

وقد يسقون في آخره الناقهين وعند قلة التأذي بها، وكثرة الحرارة مع تلطيف المادة دواء بهذه الصفة. ونسخته: يؤخذ من بزر البنج أو اليبروح قيراط، ومن الحلتيت قريب من ثلاث باقليات، ومن هذا القبيل أيضاً أن يؤخذ من الفوذنج البستاني أربعة مثاقيل، ومن بزر الأنجرة عشرون مثقالاً، ومن الأفيون مثقال، يقرّص أقراصاً صغاراً جداً، والشربة درهم ومما هو جيد لهم استعماله بعد ظهور أثر النضج إلى آخره، أن يؤخذ من الزبيب الغساني أو الهروي ومن الثوم البري ومن الآس الطري من كل واحد جزء، يطبخ في الماء طبخاً بعد أن ينقع فيه، ثم يغلى بالاستقصاء، ويصفى ويسقى منه أوقية، وأيضاً، بزر الكرفس، أنيسون، قردمانا، من كل واحد خمسة دراهم، صعتر بري، غافت، من كل واحد سبعة دراهم، نانخواه أربعة، شكاعى ثلاثة، زبيب عشرة، يطبخ بثلاثة أرطال ماء إلى أن يرجع إلى رطل. ومما هو جيد لهم أن يؤخذ من النانخواه ومن السنبل ومن الفوذنج من كل واحد عشرة دراهم، ومن الكراويا والأنيسون من كل واحد سبعة دراهم، ومن الحلتيت وزن خمسة دراهم، ومن الزنجبيل وزن أربعة دراهم، ومن السليخة وزن ثلاثة دراهم، يعجن ذلك بالكفاية من العسل والشربة منه وزن درهم بماء الكرفس والرازيانج.

وأيضاً قرص بهذه الصفة: يؤخذ عصارة الغافت عشرة أجزاء، أسقولوقندريون، طباشير، رازيانج، سنبل، زعفران، من كل واحد خمسة دراهم، لك وراوند من كل واحد أربعة، بزر الحمقاء وبزر القثاء من كل واحدة ستة، يقرّص بماء الكرفس ويسقى بالسكنجبين وأيضاً للبلغمي.

ونسخته: يؤخذ مرّ خمسة وثلثان، زعفران، فطراساليون من كل واحد خمسة، سنبل أربعة ونصف، جندبيدستر ثلاثة، أنيسون ثلاثة ونصف، بزر الكرفس، كراويا، من كل واحد أربعة، حماما، قشور السليخة، ميعة، من كل واحد درهمان وثلث، ساليوس، أدرومون المعجون، من كل واحد درهم وثلثان، وإذا اشتد النافض كان القيء بماء فاتر وسكنجبين نافعاً من ذلك، فإن لم يجب قواه، بما سلف ذكره بحسب الوقت، والتبخير بنطول طبخ فيه الشيح والبابونج ونحوه محفوظاً بكسية تجمع السخونة. في ذكر مسهلات يحتاجون إليها بعد النضج.

يؤخذ من الهليلج الكابلي ستة، أفتيمون، أفسنتين من كل واحد خمسة دراهم، هليلج أصفر، عصارة غافت، إملج من كل واحد أربعة، بزر الكرفس، أنيسون، بزر الرازيانج من كل واحد درهمان، يتخذ منه طبيخ فيسهل برفق.

أخرى: أو يؤخذ من القشمش وزن عشرة دراهم، ومن الهليلج الكابلي والأفتيمون من كل واحد وزن ثمانية، ومن الشاهترج وزن سبعة درأهم، ومن الشكاعى والقنطريون الغليظ وزن ستة دراهم، ومن الغافت وأصل الأذخر من كل وأحد وزن خمسة، يطبخ بخمسة أرطال ماء حتى يعود إلى رطل.

صفة حبّ خفيف: إذا استعمل في كل خمسة أيام مرة كان نافعاً فيها، وهو مجرب. ونسخته: يؤخذ أفتيمون، تربد عشرة عشرة، كراويا، أنيسون سبعة سبعة، نانخواه ثمانية، بزر الكرفس والرازيانج ثلاثة ثلاثة، بسفايج ستة، غاريقون أبيض ثمانية، ملح هندي خمسة أيارج فيقرا أحد عشر درهماً، يحبب بماء النعناع والشربة منه درهم ونصف.

وإذا كانت المادة بلغمية نفع هذا الحب. ونسخته يؤخذ أفتيمون، نانخواه، غاريقون من كل واحد ثمانية دراهم، بزر الكرفس، أنيسون، بزر الرازيانج من كل واحد ثلاثة، ملح نفطي خمسة، أيارج، تربد من كل واحد عشرة، الشربة وزن درهمين ونصف، وإذا كان مع وجع الطحال انتفع بهذا الدواء ويسهل برفق. ونسخته: يؤخذ أسقولوقندريون خمسة عشر، غاريقون إثنا عشر، هليلج أسود، أيارج من كل واحد عشرة، هليلج كابلي، أفسنتين من كل واحد ثمانية، شكاعى، باذاورد، كمافيطوس، عصارة الغافت من كل واحد سبعة، ثمرة الطرفاء، أصل الكبر، خمسة خمسة، بزر الكرفس، أنيسون، بزر الرازيانج، من كل واحد ثلاثة، يتخذ منها معجون أو حب.

في تغنية أصحاب الربع: الأصوب أن يمال تدبيرهم في أول الأسابيع إلى ثلاثة أسابيع إلى تلطيف ما من غير أن ينهك القوة، وذلك بأن يجنبوا اللحم والزهومات، فإن هذا يقلّل مادتهم ويخفف علتهم ويقصر مدة مرضهم، وبعد ذلك فلا بد من نعش القوة بمثل السمك الرضراضي، والبيض النيمبرشت والفراريج والطياهيج، فإذا صار إلى مدة مثل المدة التي منع فيها الزهومات ولم تنقص العلة فلا بد من مراعاة القوة، وإطعام ما هو أقوى من لحم الدجاج والحملان والجداء والطير الرخص اللحم، مثل: التدارج، والدراريج، والسمك الجيد الذي ليس بكبير.

واعلم أن الشرط فيما يغذى منه صاحب الربع، أن يكودْ جامعاً لخلال: إحداها أن لا يكون نفاخاً بل محلّلاً للنفخ الذي تحدثه السوداء، والثانية أن لا يكون غليظاً بل ملطفاً للغليظ، والثالثة أن لا يكون عاقلاً بل مطلقاً للبطن، والرابعة أن يكون الدم المتولد منه محموداً وأكثر ما يكون، كذلك ما يكون له حرارة ورطوبة، وقد علمت أنه كيف يغذّى قبل النوبة وبأي ساعات ولم ذلك، وعلمت أيضاً أنه ربما احتيج إلى الغذاء في النوبة، وبقرب منها للعلة المذكورة، لكن الأصوب أن تلقى الحمى خالي البطن حتى لا تشتغل الطبيعة بمادة غير مادة المرض إلى أن تدفعها، والشراب الصافي الرقيق الأبيض نافع له.

علاج الربع اللازمة: حال هذه الحمى على ما أخبرنا به من قبل، والقانون فيها مجانس للقانون في الربع المفترة، وإنما يحالف في أشياء يسيرة من ذلك، أن الميل إلى الاعتدال في المسخّنات وإلى التبريد في هذه أولى للزوم الحمى، فيجب أن يستعمل في علاجها مثل السكنجبين والجلجبين، والسكنجبين البزوري وماء الأصول المعتدل وإلا فشرحات بالعسل، ومن ذلك أن الفصد في هذه أوجب لأن المادة محصورة في العروق، ومن ذلك أن الرخصة في الغذاء من اللحوم في هذه العلة أقل.

فصل في الحمّى الخمس والسدس والسبع ونحو ذلك وتسمى باليونانية فيماطوس وقوم يسمون أمثال هذه دوارة، فاعلم أن هذه تتولد من مادة مجانسة لمادة الربع، لكنها أغلظ وأقل، وأكثر ما تكون من سوداء بلغمية.

وأما السدس والسبع وما وراء ذلك، فإن بقراطاً يذكره، وجالينوس يقول: ما رأيت في عمري منه شيئاً، بل ولا رأيت خمساً جلياً قوياً، إنما هي حمى كالخفيّة.

قال: ولا يبعد أن يكون السبب في مثل السبع والتسع تدبيراً، إذا استعمل وجرى عليه أوجب حمّى، فإذا عوود أوجب في مثل ذلك الوقت تلك الحمى، ولو ترك وأصلح لكان لا يوجب، فيكون السبب في أدواره وعوداته عودات التدبير، وأدواره لا أدوار مواد تنصب وعوداتها.

قال: فيجب أن يراعى في امتحان هذه العلة هذا المعنى حتى لا يقع غلط، على أن جالينوس، كالمنكر لوجود هذه الحميات، وكالموجب أن يكون لأمثالها أصل آخر، لكن بقبراط، قد حقق القول في وجود السبع والتسع، وليس ذلك يبين التعذر ولا واضح الاستحالة، حتى يحتاج أن يرجع فيه إلى التأويل والأقاويل التي قالها بقراط في باب هذه الحميات إن السبع طويلة وليست قتالة، والتسع أطول منها وليست قتّالة، وقال أن الخماسية أردأ الحميات لأنها تكون قبل السل أو بعده، وقول جالينوس فيه كما تعلمون وأنا أظن لهذا القول وجهاً ما، وهو أن يكون السل يعني به الدقّ، ويكون قوله الخماسية موضوع قضية مهملة لا تقتضي العموم، فيكون كأنه يقول أن من الخماسية صنفاً من أردأ الحميات لأنها تكون قبل الدق وبعده، ويكون معنى قوله ذلك أن الحميات إذا طالت، واَذت واختلطت، واختلفت، تأذت كثيراً إلى اشتعال الأعضاء الرئيسة وإلى الدق، ومن شأن أمثال هذه الحمّيات أن تقف في آخرها على نمط واحد، وأكثر ذلك على الربع وقد بينا هذا، لكنها إنما تؤدي إلى الربع، إذا كان في الأخلاط غزارة وفي الرطوبات كثرة، وأما إذا كان الذوبان قد كثر والاستفراغات المحسومة وغير المحسوسة قد تواترت، لم تبق للأخلاط رمادية إلا أقلّ، وإلا أغلظ.

وذلك يوجب أن تكون النوبة أبطأ، ويكون ما كاد يكون ربعاً خمساً، وفي مثل هذه الحال بالحري أن يكون البدن مستعداً لأن يشتعل ويصير دقاً وأيضاً فإن الدق إذا سبق لم يبعد أن يحدث للأخلاط رمادية ما قليلة لقلتها في أواخر الدق، ويعرض لتلك الرمادية عفونة، فتحدث حمى وقد نهكت الحمّى الدقية البدن، فتكون رديئة من حيث أنها علامة إحتراق خلط ما بقي منه إلا يسير، فكانت حراقة يسيرة، ومن حيث أنها بسبب ازدياد الحمى وتضاعفها.

ولا يجب أن ينكر أمراض لم يتفق أن تشاهد في زمان ما أو بلاد ما، فإن هذا الجنس لا يحصى كثرة ولا أيضاً يجب أن يقال أنه إن كان خمس، فلا بد من مادة خامسة، فإن السوداء إنما دارت ربعاً لا لنفس أنها سوداء، بل لأجل أنها قليلة غليظة.

وقد لا يبعد أن تكون في بعض الأبدان سوداء قليلة غليظة تعرض لها العفونة، وليس لقائل أن يقول يجوز في البلغم أن يصير لها نوبة أخرى إذا غلظ، قل فإن التجويز أمر واسع قلما يتمكن من إلزام نقيضه، ثم ليس الحال في تجويز ما لم يُرَ قَط ولم يسمع ولم يشهد به مجرب أو عالم كتجويز مثل ما شهد به مثل بقراط، وقد حدثني أنه قد شاهد التسع، وأما الخمس فقد شاهدناه مراراً، ولم نضطر لذلك إلى أن نقول أن ههنا خلطاً آخر.

علاج أصناف هذه الحميات: يقرب علاج هذه العلة من علاج الربع البلغمية، ويحتاج في علاجها إلى فضل صوم وتلطيف للتدبير، ونوم هاضم لتتحلل به المادة الغليظة وتنضج، ويحتاج أيضاً إلى تغليظ تدبير لئلا تخور معه القوة، وهما كالمتعاندين ولما لم تكن هذه الحمّيات بحيث توهن القوة لم نبال بأن نلطف التدبير، ونستعمل على المريض الصوم مدة، وأن نتلافى ذلك كلما شئنا بأن نغذوه، بما يجود غذاؤه ويسرع ويكثر ولا يكون فيه تغليظ للمادة، ولا زيادة فيها ومن أنفع المعالجات لذلك القيء بالخربق، وبزر الفجل والفجل المخربق، وجوز القيء وبزر السرمق، والاستفراغات بالأيارجات، وبعد ذلك استعمال الترياق ونحوه، وينفع حينئذ التعريق بالأدوية، وبالحمام الحار من غير استعمال الماء ومن غير استعمال المرطبات.

فصل في حمي الدِّقّ ثم قد علمت أن في الأعضاء رطوبات مختلفة الأصناف، منها رطوبات معدة للتغذية، ولترطيب المفاصل، فمن ذلك ما هو مخزون في العروق، ومن ذلك ما هو مبثوث في الأعضاء كالعلل، وهذان القسمان وأولهما مادة حمى العفونة، أو حمى الغليان، كما علمت إذ كان الغذاء ليس كله ينفق كما يحصل، بل قد يبقى منه ما هو في سبيل الانفاق، وما هو في سبيل الإدخار ومنها رطوبات قريبة العهد بالجمود، وهي الرطوبات التي صارت بالفعل غذاء، أي انجذبت إلى المواضع التي هي إبدال لما يتحلل منه، وصارت زيادة فيه متشبهة به، إلا أن عهدها بالسيلان قريب فهي غير جامدة، ومنها رطوبات بها تتصل أجزاء الأعضاء المتشابهة الأجزاء من أول الخلقة، وببطلانها تصير إلى التفرق والتبدّد، مثال الرطوبة الأولى دهن السراج المصبوب في المسرجة، ومثال الثاني الدهن المتشرب في جرم الذبال، ومثال الثالث الرطوبة التي بها تتصل أجزاء قطن اتخذ منه الذبال، فإذا اشتعلت الأعضاء الأصلية وخصوصاً القلب كان ذلك هذا المرض الذي هو الّدق على ما علمت، وحرارة الكبد قد تؤدي إلى الدِّق، لكن لا تكون نفسها دفاً بل الدق ما كان بسبب القلب، وكذلك حال الرئة والمعدة لكنه ما دام يفني الرطوبات التي من القسم الأول من الأعضاء، وخصوصاً من القلب كما يفني المصباح الأدهان المصبوبة في المسرجة فهو الدرجة الأولى المخصوصة باسم الجنس، وهو الدق وباليونانية أقطيفوس إذ ليس لها في نوعيتها اسم.

فإذا أفنيت الرطوبات التي هي من القسم الأول وأخذت في تحليل الرطوبات التي هي من القسم الثاني، وفي إفنائْها كما إذا أفنت الشعلة الدهن المفرغ في المسرجة، وأخذت تفني المتشرّب في جرم الذبال كانت الدرجة الثانية، وتسمى ذبولاً وماريسموس، ولها عرض وابتداء وانتهاء ووسط ثم لا يفلح من بلغ انتهاء الذبول، وقلما يقبل العلاج إلا ما شاء اللّه، وخصوصاً إذا بلغ إلى أن يدق اللحم.

فإذا فنيت هذه وأخذت تفني الرطوبات التي من القسم الثالث، كما تأخذ الشعلة بحرق جرم الذبال ورطوباته الأصلية كانت الدرجة الثالثة، ويسمى المفتت والمحشف وباليونانية أوماطيس يحقق من أملسقون، وهذه العلة من الحميات التي لا نوائب لها، ولا أوقات نوائب وقد قال قوم: إما أن يكون تعلق الحمى الدقية بالرطوبات القريبة العهد بالجمود، وإما بمثل اللحم وإما بالأعضاء الأصلية الصلبة كالعظام، والعصب، وهذا القول إن فهم منه أنه يتعلق على سبيل أنه يفني ما فيه من الرطوبة المتصلة به، كان والمعنى الأول سواء، وإن عني أن أول ما يفنيه الدَّق هي الرطوبات القريبة العهد بالجمود لم يكن القول قولاً صحيحاً، والدِّق قد يقع بعد حمّى يوم، وقد يقع بعد حميات العفونة والأورام، ويبعد أن يعرض الدق ابتداء، فتكون الأعضاء الأصلية قد اشتعلت ولم يشتعل خلط ولا روح قبل ذلك، بل يجب أن يسخن تلك أولاً ثم على مر الأيام تسخن الأعضاء الأصلية، اللهم إلا أن يعرض سبب قوي جداً.

والسبب الواحد قد يكون سبباً للدق، وقد يكون سبباً لحمى يوم بسبب شدة تعلقه، وضعف تعلقه، مثل النار فإنها تلقى الحطب على وجهين، أحدهما وجه تسخين له وتبخير فيه، والثاني على سبيل اشتعال.

وحمى العفونة والورم تنتقل كثيراً إلى الدق يسبب شدة الحمّى، وشدة تلطيف الغذاء فيه، ومنع الماء البارد، وقلة مراعاة جانب القلب بالأطلية والأضمدة، وخصوصاً في أمراض أعضاء مجاورة للقلب مثل الحجاب، وكثيراً ما يوقع فيه اضطرار الطبيب لسقوط القوة وتواتر الغشي إلى سقي الخمر وماء اللحم، ودواء المسك ونحوه، وقد يتركب الدق مع حميات العفونة والأورام، والدق في أول الأمر عسر المعرفة سهل العلاج، وفي آخره سهل المعرفة صعب العلاج، وآخر الذبول غير قابل للعلاج البتة.

العلامات: أما النبض فيكون دقيقاً صلباً متواتراً، ضعيفاً ثابتاً على حال واحدة. وأما ملمسهم فيكون ما يحس من حرارته دون حرارة سونوخس ونحوها المشتعلة في مواد، وفي ابتداء ما يلمس يكون أهدأ فإذا بقيت عليه اليد ساعة ظهرت بقوة ولذع، ولم يزل ينمو ويكون أسخن ما فيه مواضع العروق والشرايين، وتكون حرارتهم متشابهة لا تنقص، لكنها إذا ورد عليها الغذاء نمت به، واشتدت وقويالنبض، وأخذ في العظم، وكذلك ما يعرض للجهال من الأطباء أن يمنعوهم الغذاء لما يعرض منه من هذا العارض فيهلكوهم، كما تنمو الشعلة عند إصابة الدهن، والمقلى عند صبّ الماء عليه، وهذه من دلائلها القوية، والغذاء في سائر الحميات ليس لا محالة يوجب هذا الاتقاد، وإن أوجب اضطراب حركات للطبيعة، وهذا الاتقاد لا يكون كاتقاد سائر الحميات بعد تضاغط، ولا على أدوار معلومة، بل كما يغدو في أي وقت كان.

ويكون صاحب المرض غير شديد الشعور ما فيه من الحرارة، لأنها صارت مزاجاً للعضو متفقاً، وقد علمت في الكتاب الأول كيفية الحال في مثل ذلك لكنها تظهر عند تناول شيء من الأغذية لاشتدادها.

ومن دلائل انتقال حمى اليوم إلى حمى الدق شدة اشتداد الحرارة في الثالث جداً، وفي الأكثر، تأخذ الحمى بعد اثنتي عشرة ساعة في الانحطاط وإذا جاوزت الحمى اثنتي عشرة ساعة ولم تظهر علامات انحطاط، بل استمرت إلى الثالث واشتدت فذلك دق.

ومن دلائل تركب الدق مع حمّيات العفونة بقاء حرارة يابسة بعد آخر الانحطاط، ويعد العرق الوافر وزيادة في الذبول والنحافة على ما توجبه تلك العلة، ودهنية في البول والبراز، وإن كان الظاهر الدق، والخفي غيره فيدل عليه التضاغط الواقع في النوائب، فإن مثل ذلك غير موجود في الدِّق البتة. واعلم أنه ربما ابتدأت دِّق متشبثة بالمعدة، فتفسد مزاج الكبد بالمجاورة.

علامات الذبول: وأما علامات الذبول فإن الحمى إذا اندفعت إلى الذبول اشتدّت صلابة النبض، وضعفه وصغره، وتواتره، وخصوصاً إذا كان سبب الوقوع في الدق، أوراماً لا تتحلل فإن ذلك أعني التواتر يزداد جداً، وكذلك السرعة ويصير النبض من جنس المعروف بذنب الفار، فإن كان من شرب شراب حار، كان بدل ذنب الفار مسلّي، ولا تكون أعراض الذبول شديدة جداً فإنها لا تمهل إلى مثل ذلك، ويظهر في البول دهانة وصفائح، وتأخذ العين في الغؤر، فإذا انتهى الذبول، اشتدّ غورها وكثر الرمص اليابس وتنتأ حروف العظام من كل عضو وفي الوجه، ويتلطأ الصدغان ويتمدد جلد الجبهة، ويذهب رونق الجلد ويكون كأن عليه غباراً ما وإحراقات الشمس، ويؤدي إلى ثقل رفع الحاجب، وتصير العين نعاسية مغمضة من غير نوم، ويدق الأنف ويطول الشعر، ويظهر القمل ويرى بطنه قد قحل ولصق بالظهر كأنه جلد يابس قد انجذب وجذب معه جلدة الصدر، فإذا انحنت الأظفار وتقوست فقد انتهى، وأخذ في المفتت وإذا حصل في المفتت ذابت الغضاريف.

علاج الدق: الغرض في علاج حمى الدق التبريد والترطيب، وكل واحد منهما يتم بتقريب أسبابه ورفع أسباب ضده، وربما كان سبب أحدهما سبباً لضد الآخر، مثل سبب التبريد، فإنه ربما كان سبباً للتجفيف، وهو ضد الترطيب، مثل التبريد بالأقراص الكافورية والطباشير و نحوها.

وربما كان سبب الترطيب أيضاً سبباً للتسخين، وهو ضد التبريد، مثل الشراب فإنه يرطب لكنه يسخن، فيجب أن تراعي ذلك وإن دعت الحاجة إلى قوي في التبريد ولم يكن إلا ميبساً قرن به أو قدّم عليه، أو أعقب ما فيه قوة ترطيب، وكذلك إن دعت الحاجة إلى قوى في الترطيب، سريع فيه، كماء اللحم والشراب فيجب أن يقرن به، أو يقدم عليه ويعقبه ما فيه قوة تبريد.

وإن كان سبب الدِّق ورماً، أو ألماً في عضو، فالواجب علاجه أولاً ومن أحب أن يركب تدبيره من فنون مختلفة توافق من اشتدّت به الحمى جداً، فالواجب علاجه أولاً ومن أحب أن يركب تدبيره من فنون مختلفة توافق من اشتدت به الحمى جداً، فالواجب أن تبدأ وتسقيه أقراص الكافور، وما يجري مجراها في السكنجبين سحراً، ومع طلوع الشمس ماء الشعير بالسراطين إن لم يكرهها، أو بالجلاب أو بماء الرمان، وعند المبيت لعاب بزرقطونا إن لم يكن مانع من قبل المعدة وغيرها، والتدبير المبرد ما علمته من أشربة مبردة، ومن بقول مبردة، ومن أقراص مثل أقراص الكافور، ومن أضمدة مبردة ومروخات ونحوها، وتبريد هواء حتى في الشتاء.

فإن لم يحتمل خفف عليه الدثار فإن تبريد هوائه أفضل شيء، مثل اليابسة المصندلات المكفرة وإشمامه ماء فيه ورد، وكافور وصندل وفواكه باردة وشاهسفرم مرشوش بماء الورد، والتبخير بالعرق والحمام، ويجب أن لا يطال إمساك الأضمدة المبردة جداً على الأعضاء القريبة من أعضاء التنفس، فربما أضر ذلك بالنفس والصوت ضرراً عظيماً، ويجب أن يميل العليل إلى الراحة والنوم والدعة والفرح، ويجتنب ما يغضبه وما يحزنه وما يغمّه والجوع والعطش الطويل، والأضمدة المبردة التي يجب عليهم أن يستعملوها العطرة فإنها أحضر نفعاً وخصوصاً على الصدر وما يليه وتكون مبرّدة ولا يكون فيها قبض، فإن القبض مع ما يحدث من التجفيف يمنع قوة الدواء أن يغوص، ويجب أن يدام التبديل لئلا يبقى الدواء فيسخن، ويسخن مع مراعاة لشدة تبريحه، فإنه إذا برد شديداً لم يبعد أن يضعف العضو، وإذا كان بقرب أعضاء النفس لم يبعد أن يحذر الحجاب وغيره، فيمنعه عن إخراج النفس بسهولة، والتدبير المرطب منه أغذية لينة وفاكهية وأبزنات ومروخات وضمادات ونشوقات، وسعوطات وراحة ودعة، وأن لا يحمل عليه في جوع أو عطش.

في ذكر الأدوية المبردة لهم: أما المرطبة منها فجميعها غذائية، أو تغلب عليها الغذائية، مثل ماء الشعير المطبوخ بالسراطين من جهة السراطين، ويجب أن تنتف أطراف السراطين من قوائمها وأنيابها، وتغسل بماء بارد وملح طيب ورماد مراراً ثلاثاً، فما فوقها حتى تتنقى وتتنظف عن زهومتها ثم تبطخ في ماء الشعير، ومثل مخيض البقر، ومثل عصارات البقول المعلومة المذكورة في أبواب الحميات الحادة، ومثل لعاب بزرقطونا.

وأما الخل ففيه تجفيف شديدة، وقوة من التحليل فيجب أن يشرب بماء يقاوم الخلتين من مزج بماء كثير، أو ببعض المرطبات الملينة وألبان الأتن، يوشك أن تكون مع ترطيبها مبردة، حتى إن قوماً فضلوا تبريدها على تبريد مخيض البقر، لكنها توافق من ليس به إلا حمى دق ولا مالحة ولا خلط متهيئ للعفونة، ويجب أن يحذر تجبن اللبن، ومما يمنعه السكر وإذا خشيت عفونة حدثث من اللبن فاسهل برفق، وإن خشيت تسخيناً فامسك عنه أياماً وعالج فيها بالأقراص ومياه الفواكه ثم عاود.
وأما الأدوية المبردة التي لا ترطيب فيها، فمثل الأقراص المعلومة الموصوفة، أعني أقراص الكافور، وأقراص البسذ الباردة، ومثل أقراص بهذه الصفة.
ونسختها: يؤخذ طباشير، طين أرمني، من كل واحد أربعة دراهم، ورد ستة دراهم، بزر الحمقاء والخيار والقرع والكهرباء من كل واحد ثلاثة دراهم، يتخذ منه أقراص والشربة ودرهمين، وهي جيدة جداً، وأيضاً قريبة منها، وذلك أن يؤخذ: لسان الحمل، نشا، صمغ، كثيراً، من كل واحد ثلاثة دراهم، طين أرمني، طباشير، أربعة أربعة، خشخاش خمسة، وورد، بزر القرع والخيار والحمقاء من كل واحد ستة، حب السفرجل المقشر، بزر البطيخ، بزر القثاء من كل واحد سبعة، رب السوس وزن عشرة، يعجن بلعاب بزر قطونا.

ترتيب آخر: وأما المروخات والأطلية والضمادات المبردة، والنشوقات، والسعوطات المبردة، فهي التي عرفتها وأجودها المروخات بدهن القرع، والخشخاش، والنيلوفر والخلاف، والبنفسج، وأما المفارش المبردة المرطبة فهي التي تكون مهيدة جداً من أدم مرشوش بماء الورد، أو كتان من جنس ما يعمل بطبرستان، ويكون حشوه ما لا يسخن، بل يكون من جنس المكان المحلوج يجدد دائماً، أو تكون مفارش من أدم قد ملئت ماء بعد أن يكون عليها تضريب يبسط الماء بسطاً، ويمنع تركزه وتكون بقرب الفراش المياه ومجاريها، وتحتها أوراق الشجر البارد الرطب من الخلاف وحي العالم، والبقول الرطبة والرياحين الباردة كالورد، وأيضاً أوراق الشجر الباردة وعساليج الكرم ونحو ذلك.

فِي ذكر الأدوية المرطبة لهم: أما ما كان مع تبريد فقد سلف ذكره وبقي الكلام الآن في كيفية سقي الألبان، والمخيض، وفي كيفية استعمال الابزن والحمام، وفي استعمال المروخات والأدهان والأطلية، وسائر التدبير، وقد علمنا سقي الألبان في باب السلّ ويبس المعدة، فيجب أن يكون ذلك قانوناً ولا لبن بعد لبن النساء كلبن الأتن، ثم الماعز ويجب أن يكون علفها من حشائش وبقول باردة كما نعلم، فإنها خصوصاً لبن الأتن تقلع الدِّق إن كان له قالع، ولا إيثار عليه إلا أن تمنع عفونة واقعة، أو متوقعة لمادة حاصلة.

واللبن نافع لهم من أولى الدَق إلى آخره، ولبن النساء رضاعاً أوفق الجميع، والقانون في سقي المخيض مقارب لذلك أيضاً، والأولى أن يبتدأ من وزن عشرة دراهم إلى ثلاثين درهماً وما فوقها، إن أعانت القوة، ولك أن تخلط بها شيئاً من الأقراص المبردة، ولك أن تزيد على المبلغ المذكور في السقية الأولى والآخرة، إن أعانت القوة على الهضم.

وأما الأبزن فأفضله ما كان فاتراً لا حرارة فيه كثيرة، وكان مع ذلك فيه قوى البقول والحشائش المبردة والمرطّبة، ولا يكون بحيث يندّي فضلاً عن أن يعرق، ولا يجوز أن يكون للابزن بخار حار، ولو لم يكن مانع من استعمال الابزن البارد لم يؤثر عليه، ولكن المانع من ذلك ضعف أبدانهم ونحافتها، وأما في أوائل أمرهم فربما شفاهم ذلك.

وأما ضعيف البدن فقد يشفيه ذلك مع تبريد يسير يوجبه في مزاجه، يمكن أن يعالج، وإن كان أضعف من ذلك خيف أن يقر في دَق الشيخوخة، وذلك في الأقل، ولكنه مع ذلك أبطأ زمان موت، وربما عاش معه مدة لها قدر، وكثيراً ما يكون الأصلح نقله إلى ذلك الدق. وأما ما كنا فيه من حديث الابزن فإن الأصوب أن يبدأ بما هو حار إلى حد، ويتدرج إلى البارد المعتدل البرد المحتمل، فإن هذا التدريج يجعل البدن قابلاً للبارد، إذ الألم إنما يكون بورود المخالف في المزاج بغتة، وأيضاً فإن البدن يستفيد بالماء الحار شبه خصب، ويحتمل معه الماء البارد، وإن كرر الابزن في اليوم ثلاث مرات كان صواباً، ويجب أن يستعمل برفق لئلا تسقط القوة، وإن تناول ماء الشعير قبل الابزن بساعتين كان صواباً، وإن قدم الابزن بعد حلب اللبن على بدنه على ما سنفسره ليوسع مجاري الغذاء، ثم تناول ماء الشعير وما يشبه ثم صبر، ثم استعمل الابزن ليبسط الغذاء كان جيداً، ويستعمل بعد الأبزن والحمام التمرّخ بأدهان مبردة مرطبة كدهن البنفسج، خصوصاً إذا كان متخذاً من دهن القرع، وكذلك دهن النيلوفر ودهن القرع.

وإن انتقل من بعد الأبزن إلى ما يكون أميل إلى برد قليل محتمل، ثم يدهن كان صواباً، وإن قدّم الأدهان وعجلها، ثم دخل ماء برد يسيراً كان صواباً، وذلك بحسب الاحتمال ولا بأس بالتدريج فيه، وأجود أوقات هذا الصنيع بعد هضم الطعام، وإن أمكن أن يغمس بعد الأبزن الحار في ماء بارد دفعة من غير تدريج فهو أبلغ من جهة العلاج، وأشدّ من جهة الخطر، وصب بالرفق أقل خطراً من غمس المريض فيه دفعة، وأقلّ منفعة.
وليكن البرد قدر برد ماء الصيف الذي هو ما بين الفاتر وبين شديد البرد، وإن قدم حلب اللبن على أعضائه إن لم يكن ضعيفاً أو الممزوج منه بالماء إن كان ضعيفاً، ثم استعمل الأبزن كان صواباً فإن حلب اللبن على البدن شديد الترطيب، والألبان الجيدة للحلب هي المذكورة، ويجب أن يحلب من الضرع، والأولى أن يبيت على تمريخ من الأدهان المذكورة للبدن كله وللمفاصل.

وأما الحمام فلا يرخص له في دخوله إلا إذا كان بحيث لا يعرق ولا يحمي ولا يغير النفس ويكون الحار ماؤه دون هوائه وتكون حرارة مائه فاترة بحيث تنقذ ولا تؤذي ولا تعرق، وإذا لم تكن في بدنه مادة مهيأة للعفونة، وخصوصاً إذا كان ذلك ولم ينهضم الطعام، بل يجب أن يكون ذلك حين ما يراد أن ينبسط المهضوم منه في البدن، وأن لا يطيل فيه بل يفارقه بسرعة، وإذا فارقه تناول شيئاً من المرطّبات ومن الأحشاء التي لا تضره المتخذة من الشعير واللبن.

وإذا عرض له في الحمام عطش، سكنه بماء الشعير وماء الرائب وباللبن، لبن الأتن، ويجب أن يكون إدخالهم الحمام ثم إخراجهم على جهة لا تعب معها البتة، وقد خبرنا بذلك في مواضع أخرى وسنعيد من ذلك شطراً، يجب أن ينقل إلى الحمّام في مِحَفة محمولة مفروش فيها فرش مهيد حتى يوافى به البيت الأول، فينقل إلى مضربة لينة مما يصلح للحمام، وتنزع ثيابه فيه أو في الأوسط إن لم يكن حاراً ولا يلبث في أحدهما إلا قدر النقل وأنفاس قليلة، وقدر نزع الثياب، ثم يدخل البيت الثالث على أن لا يكون شديد الحراوة ويقيم فيه قدر احتماله للأبزن، هذا ما قيل والأحب إلى أن يكون أبزنه في البيت الأوسط المعدل، فإذا فارق الأبزن البارد زئل بمنديل أو بفرجية ذات طاقين، ونقل إلى فراشه ومحفته ونشف عرقه بمنديل ودهن وغذي.

في تغذية أصحاب الدِّق: يجب أن يفرق عليهم الغذاء، ولا يطعموا شبعهم دفعة واحدة، ثم أن أجود ما يغذّون به ماء الشعير، أو جرم الشعير المقشر المطبوخ، أو خبز منقع في ماء بارد وخبز الحنطة المغسولة منقوعاً في الماء البارد، والألبان إذا لم يمنع منها ما ذكرناه، ومخيض البقر فهو كثير الغذاء والماش والقرع، ومن الفواكه البطيخ الفلسطيني وهو الزقي المعروف عندنا بالهندي.

وإذا أحس بإقبال فلا بأس بإطعامه الجبن الرطب الغير الملح، وإن كانت القوة تضعف لم يكن بأس بأن يطعم مرقة زيرباجة مطيبة بالكزبرة الرطبة مطبوخة بمثل الحراج والطيهوج، وربما احتيج إلى أن يسقى شيئاً من الشراب الرقيق ممزوجاً بماء كثير.

وربما احتيج إلى أن تطعم مصوصات من لحم الدراج والطيهوج والقبج والفراريج، وهلاماً حامضاً، أو قريصاً حامضاً من لحم الجداء، أو لحم البقر إذا كان هناك قوة هضم. وخل المصوص والقريص نافع لهم ومقو في مثل هذه الحال.

وربما لم يكن بد من ماء لحم مخلوط بشراب الفواكه الباردة الحامضة، أو من صفرة بيض نيمبرشت، وإذا تمادى به الضعف إلى الغشي احتيج إلى أن يغذى بماء لحم مأخوذ من أضلاع جدي بملح قليل يصفى، ويصبّ عليه مثل جميعه ماء التفاح، ومثل نصف عشره من شراب ريحاني، ويسقى مفتراً فأما الماء البارد الذي ليس بشديد البرد جداً فلا بأس. أن تسقيه إياه إلا أن يكون مانع، وذلك المانع إما ورم فيما دون الشراسيف، أو تكون في البدن كيموسات نية أو كيموسات عفنة يحتاج جميعها إلى نضج، ولم تظهر علامة النضج التي إن ظهرت كان الخوف أقل.

وكذلك إن كان الدّق انتقالاً من السرسام أو البرسام، وهذا أولى بأن يحرم معه سقي البارد من غيره، فإن الدق إذا ورد على أمراض ناهكة للقوة مرخية إياها مذبلة للعظم، واللحم، ورد على ضعف، فإذا طابقه على الإضعاف سقي البارد لم يلبث أن يقع في جنس آخر من الدق، وهو يشارك هذا الجنس في اليبس ويخالفه في الحرّ والبرد، ويعرف بدَق الشيخوخة ودق الهرم وذلك مرض صعب تكون الغريزة فيه قد بطلت، وكذلك الماء البالغ البرد والكثير قد يضرّهم في كل حال ويفسد غريزة أعضائهم الأصلية، وربما عجل موتهم أو نقلهم إلى الضرب الآخر من الدِّق.

في تدارك أحوال تتبع الدَق: من ذلك الغشي، وقد ذكرنا التدبير في ذلك غذاء، ومن ذلك الإسهال، ويجب أن يعالج ويتدارك فإن فيه خطراً عظيماً، ومن معالجته أولاً أن يجعل ماء شعيرهم ماء السويق، أو يجعل في شعيرهم جاورس مقلو وصمغ، أو عدس مسلوق مكرّر أو لبن مطبوخ بالرضف أو بالنار وحدها حتى تذهب مائيته، وخصوصاً مع الجاورس وليسقوا هذه الأقراص. ونسختها: يؤخذ طين أرمني خمسة، شاه بلوطِ مقلو، ورد أربعة أربعة، طباشير، كهربا، ثلاثة ثلاثة، بزر الحماض مقشراً، حب الأمير باريس من كل واحد ستة، تقرص بعصارة السفرجل وتسقى بماء الكمثري غداة، وعند النوم تسقى بزر قطونا مقلو وكذلك سفوف الطباشير الذي فيه مقل مكي نافع جداً، وإن أدى إلى سحج عولج السحج بالحقن التي تعرفها فذلك أوفق.

فصل في دق الشيخوخة قد جرت العادة بأن يذكروا دق الشيخوخة بعد حمى الدق، ونحن أيضاً نسلك السبيل المعتادة. ودق الشيخوخة معناه استيلاء اليبس على المزاج من غير حمى، وقد يكون مع اعتدال في الحرّ والبرد، وذلك في الأقل، وقد يكون مع برد، وتسمى هذه الحال دق الشيخوخة ودق الهرم، لأن البدن يعرض له في غير وقت التشيخ ما يعرض في ذلك الوقت من الذبول واليبس، والمسنون أسرع وقوعاً في ذلك من الشبان، والشبان أسرع وقوعاً فيه من الصبيان على أنه قد يعرض للشبان والصبيان، والسبب الموقع فيه إما برد مستولٍ مع ضعف من البدن، فيمنع القوة الغذائية عن فعلها التام، كما يعرض أيضاً في آخر العمر.

ومن هذا الباب شرب ماء بارد في غير وقته، أو على ضعف من البدن مع حتى، أو في حالة النهوة أو عقيب رياضَة حللت القوة، وفتحت المسام وحرضت على اجتذاب الماء البارد إلى الأحشاء دفعة، أو بخارات رديئة باردة تتصعد إلى القلب فتبرد مزاجه وإما حرارة تحلل وتذيب الرطوبات فتخمد الحرارة الغريزية وتعقب برداً ويبساً، وقد يتبع الاستفراغات، وقد تجلت هذه العلة الإفراط في تدبير أصحاب الحميات بماء يشرب، وربما يضمد وهذه العلة إذا استحكمت لم تعالج ولو كان لها حيلة لكان للموت حيلة.

العلامات: هؤلاء ترى فيهم علامات الذبول والقشف، ولا يرى فيهم الاشتعال والالتهاب، بل ربما وجدوا باردي الملامس، ولا يكون نبضهم كنبض أصحاب حمّيات الدِّق، بل يكون صغيراً بطيئاً متفاوتاً، إلا أن يشتد الضعف فيأخذ النبض في التواتر، وخصوصاً من أصابهم هذا من شرب الماء البارد، ويكون بولهم أبيض رقيقاً مائياً ويكونون في أحوالهم كالمشايخ.

علاج دَّق الشيخوخة: إنما يعالج هذا المعالج عندما لم يستحكم على رجاء أن لا يستحكم، وعندما استحكم على رجاء أن يتأخر الهلاك قليلاً، والقانون في معالجتهم التسخين والترطيب، ومن المرطبات الحمامات على ما علمت، ولا تستعمل إلا بعد الهضم، فإنها إن استعملت عقيب الأكل أسقطت القوة، والحقن المتخذ من الرؤوس والأكارع والحمص والحنطة المهروسة، والتين مع الحسك، والبابونج يستعمل منه قدر نصف رطل مع أوقيتين من شيرج وشيء من دهن البان ويستعمل الدلك على التغذية، واللبن المرتضع شديد النفع لهم والعسل غاية في نفعهم، كما أنه غاية في مضرة أصحاب حمى الدق، وكل غذاء مرطب سلس النفاذ سريع الانجذاب لا لزوجة فيه مثل ماء اللحم وصفرة البيض النيمبرشت، والشراب الرقيق العطر القليل المقدار شديد الموافقة لهم، ويجب أن تراعي الترطيب المذكور في باب الدق ويخلط به ما يسخن من الروائح، والأضمدة، والمروخات والأغذية وغير ذلك.

فصل في حميات الوباء وما يجانسها وهي حمى الجدري والحصبة كلام في حمى الوباء: قد يعرض للهواء ما علمناك في الكتاب الكلي مثل ما يعرض للماء من استحالة في كيفياته إلى حر وبرد، ومن استحالة في طبيعته إلى إفساد الماء وتعفن كما يأجن الماء وينتن ويعفن، وكما أن الماء لا يعفن على حال بساطته بل لما يخالطه من أجسام أرض خبيثة تمتزج به، وتحدث للجملة كيفية رديئة، كذلك الهواء لا يعفن على حال بساطته، بل لما يخالطه من أبخرة رديئة تمتزج به، وتحدث للجملة كيفية رديئة.

وربما كان ذلك لسبب رياح ساقت إلى الموضع الجيد أدخنة رديئة من مواضع نائية فيها بطائح آجنة، أو أجسام متجيفة في ملاحم، أو وباء قتالة لم تمفن ولم تحرق، ورب كان السبب قريباً من الموضع جارياً فيه.

وربما عرضت عفونات في باطن الأرض لأسباب لا يشعر بجزئياتها، فأعدت الماء والهواء والحميات الحادثة بسبب الهواء اليابس أقلّ من أمثالها الحادثة من الهواء الرطب إلا أن الصفراء تكون في الهواء اليابس، فيكون ذلك سبباً أيضاً لحدوث حميات صفراوية.

وأما الوبائية فتكون من الهواء الكدر الرطب، والحميات في الهواء الرطب أكثر لكنها أقلّ حدة وأطول مدة، أما في الصيف اليابس القليل المطر، فتكون أقلّ حدوثاً وأكثر حدة، وأسرع فضلاً، وأفضل الفصول ما حفظ طبعه، ومبدأ جميع هذه التغيرات هيئات من هيئات الفلك توجبه إيجاباً لا نشعر نحن بوجهه، وإن كان لقوم أن يدعوا فيه شيئاً غير منسوب إلى بينة، بل يجب أن تعلم أن السبب الأول البعيد لذلك أشكال سمائية والقريب أحوال أرضية، وإذا أوجبت القوى الفعالة السمائية والقوى المنفعلة ترطيباً شديداً للهواء يرفع أبخرة وأدخنة إليه، ويبثّها فيه ويعقبها بحرارة ضعيفة، وصار الهواء بهذه المنزلة حمل على القلب، فأفسد مزاج الروح الذي فيه وعفن ما يحويه من رطوبة، وحدثت حرارة خارجة عن الطبع وانتشرت من سبيلها في البدن فكانت حمّى وبائية، وعمت خلقاً من الناس لهم أيضاً في أنفسهم خاصية استعداد إذ كان الفاعل وحده إذا حصل، ولم يكن المنفعل مستعداً لم يحدث فعل وانفعال، واستعداد الأبدان لما نحن فيه من الانفعال، أن تكون ممتلئة أخلاطاً رديئة، فإن النقية لا تكاد تنفعل من ذلك والأبدان الضعيفة أيضاً منفعلة منه، مثل التي أكثرت الجماع والأبدان الواسعة السبل الرطبة الكثيرة الاستحمام.

العلامات: هذه الحمّى تكون هادية الظاهر مقربة الباطن في الأكثر مهلكة، يستشعر منها حرافة، واشتعال قوي، ويكون معه عظم التنفس وعلوه وتواتره، ويضيق كثيراً، وينتن كثيراً، وشدة عطش، وجفوف لسان، وقد تكون مع غثيان أو سقوط شهوة، إن لم يقاومها بالأكل صبراً أهلكته، ووجع فؤاد وعظم طحال، وكرب شديد، وتململ، وربما كان سعال يابس، وسقوط قوة وإنافة على الغشي واختلاط عقل وتمدُد ما دون الشراسيف، ويكون به سهر واسترخاء بدن وفتور، وربما عرض معها بثر أحمر وأشقر، وربما كان سريع الظهور سريع البطون، ويحدث قُلاَّع وقروح ويكون النبض في الأكثر متواتراً صغيراً، ويشتدّ في الأكثر ليلاً وربما حدثت بهم حالة كالاستسقاء، ويختلف المرار وغيره ويكون برازه ليناً سمجاً غير طبيعي.

وربما كان سوداوياً وأكثره يكون زبدياً منتناً وفيه شيء من جنس ما يذوب، ويكون بوله مائياً مربًا سوداوياً وكثيراً ما يتقيأ السوداء، وأما الصفراء فأكثر ذلك ويعرقون عرقاً منتناً وهذه الحمّى تبتدىء مع الأعراض المذكورة بقوتها ويؤول الأمر إلى الغشي، وبرد الأطراف وليثرغس والتشنج والكزاز، وقد يكون من هذه الحميات الوبائية ما لا يشعر فيها العليل، ولا الجاس الغريب، بكثير حرارة ولا بتغير النبض والماء، كثير تغير، ومع ذلك فإنها تكون مهلكة بسرعة تدهش الأطباء في أمرها، وأكثر من تنتن نفسه من هؤلاء ومن الأولين يموت فإن العفونة تكون قد استحكمت في القلب.

علامات الوباء: مما يدل على الوباء من الأشياء التي تجري مجرى الأسباب أن يكثر الرجوم والشهب في أوائل الخريف وفي أيلول فإنه منذر بالوباء الحادث إنذار السبب، وإذا كثر الجنوب والصبا في الكانونين أياماً، وكلما رأيت خثورة من الهواء وضبابية. وظننت مطراً ووجدته مغبراً يابساً لا يمطر فاعلم أن مزاج الشتاء فاسد.

وأما الوباء الصيفي الخبيث الرديء فيدل عليه قلة المطر في الربيع مع برد، ثم إذا رأيت الجنوب يكثر ويكدر الهواء أياماً ثم يصفو بعده أسبوعاً فما فوقه، ثم يحدث برد ليل ومدّ نهار وغمة وكدورة وحرارة، فقد جاء الوباء فتوقع حمّيات الوباء والجدري ونحوه.

وكذلك إذا لم يكن الصيف شديد الحرارة وكان شديد الكدورة مغير الأشجار، وكان سلف في الخريف شهب ونيران ونيازك فهو علامة وباء، وكذلك إذا رأيت الهواء يتغير في اليوم الواحد مرات كثيرة، ويصفو الهواء يوماً وتطلع الشمس صافية، وتكدر يوماً آخر وتطلع في جلباب من الغبرة فاحكم بأن وباء يحدث.

وأما العلامات التي على سبيل المقارنة للسبب فمثل أن ترى الضفادع قد كثرت وترى الحشرات المتولدة من العفونة قد كثرت، ومما يدل على ذلك أن ترى الفأر والحيوانات التي تسكن قعر الأرض تهرب إلى ظاهر الأرض سدرة مسمدرة، وترى الحيوان الذكي الطبع مثل اللقلق ونحوه يهرب من عشه، ويسافر عنه وربما ترك بيضه.

في معالجات الحمى الوبائية: جملة علاجهم التجفيف، وذلك بالفصد والإسهال، ويجب أن تبادر فيها إلى الاستفراغ، فإن كانت المادة الغالبة دموية فصدوا، وإن كانت أخلاطاً أخرى استفرغوا، ويجب أن تبرّد بيوتهم وتصلح أهويتها.

أما تبريد بيوتهم فبأن يحفّ بالفواكه والرياحين الباردة، وأطراف الشجر الباردة، واللخالخ والنضوخات المتخذة من الفواكه الباردة الرائحة، ومن الكافور وماء الورد والصندل، ويرش بيته كل يوم مراراً وخصوصاً بماء الورد والخلاف، والنيلوفر.

وإن كان في البيت رشاشات ونضّاخات للماء فهو أجود، وأما إصلاح الهواء فسنذكره ويستعمل فيهم أقراص الكافور، والربوب الباردة، وماء الرائب المنزوع الزبد وماء ورد ديف فيه مصل حامض طيب، والخلّ بالماء أيضاً، والماء البارد الكثير دفعة نافع جداً. وأما القليل المتتابع فربما هيّج حرارة فإن تمادى الأمر إلى أن تتمثد الشراسيف، وتبرد الأطراف ويطول السهر والإختلاط، وترى الصدر وما عليه يرتفع وينزل، فلا بد من استعمال الدثار الجاذب للحرارة إلى خارج، وإذا سقطت الشهوة أجبروا على الأكل، فإن أكثر من يتشجع على ذلك ويكل قسراً يقبل ويعيش، فلا بد من إجبارهم على الغذاء، ويجب أن تكون أغذيتهم من الحوامض والمجففات، وتكون قليلة المقدار، فإن أغذيتهم تكون أيضاً رديئة فتضر كثرتها من حيث الرداءة وتضرّ أيضاً من حيث الامتلاء، وأما إصلاح الهواء فقد يكون بعضه بحسب الأصحاء، وبعضه بحسب الأصحاء والمرضى. أما الذي بحسب الأصحاء فيكون الغرض فيه أن يجفف الهواء، ويطيب وتمنع عفونته بأي شيء كان فيصلح العود الخام، والعنبر والكندر والمسك، والقسط الحلو والميعة والسندروس، والحلتيت وعلك القرنفل والمصطكي وعلك البطم، واللاذن والعسل والزعفران والسكّ والسرو والعرعر والأشنة، والغار والسعد والأذخر والأبهل، والوج والشابابك واللوز المر والأسارون، وقد يتخذ من هذه مركبات ويرش البيت بالخل والحلتيت. وأما بحسب الأصحاء وأيضاً المحمومين والمرضى فالتبخير بالصندل والكافور وقشور الرمان والآس والتفاح والسفرجل والأبنوس والساج والطرفاء والريباس، ويجب أن يكرر التبخير بذلك.

في التحرز من الوباء: يجب أن يخرج عن البدن الرطوبات الفضلية ويمال تدبيره إلى التجفيف من كل وجه، ومن قلة الغذاء إلا الرياضة فيجب أن لا يستعمل ولا الحمام ولا الأشربة ولا يصابر على العطش، ويصلح الهواء بما ذكرناه ويمال الغذاء إلى الحموضات ويقلل منه، وليكن اللحم الذي يستعمل مطبوخاً في الحموضات ويتناول من الهلام والقريص والمصوص المتخذ بالخل، وغير الخلّ من السماق وماء الحصرم وماء الليمون وماء الرمان والمخللات النافعة وخصوصاً الكبر المخلل والحلتيت مما ينفعهم ويمنع عنهم العفونة، ومما يخلص عنه استعمال الترياق والمثروديطوس قبله مع سائر التدبير الصواب والدواء المتخذ من الصبر والزعفران والمرّ يستعمل منه كل يوم قريباً من درهم فإنه نافع.

فصل في الجدري قد يحدث في الدم غليان على سبيل عفونة ما من جنس الغليانات التي تعرض للعصارات عروضاً تصير بها إلى تميز أجزائها بعضها عن بعض، فمن ذلك ما يكون سببه أمراً كالطبيعي يغلي الدم لينفض عنه ما يخالطه من بقايا غذائه الطمثي الذي كان في وقت الحمل، أو تولد فيه بعد ذلك من الأغذية العكرة والرديئة التي تسخف قوامه وتثوره إلى أن يحصل له جوهر متقوّم أقوى من الأول وأظهر، مثل ما تفعل الطبيعة بعصارة العنب حتى تقيمه شراباً متشابه الجوهر، وقد نفض عنه الرغوة الهوائية والنقل الأرضي، ومن ذلك ما يكون سببه أمراً وارداً من خارج مثوّراً يخلط الأخلاط بالدم خلطاً، ثم حدث غليان ونشيش مثل ما يعرض عند تغير الفصول، وخصوصاً الربيع، عن الواجب لها من الكيفيات والنظام فإن الجدري والحصبة من جملة الأمراض الوافدة وتكثر في عقيب الجنائب إذا كثر هبوبها.

والبدن المستعد للجدري هو الحار الرطب، والكدر الرطوبة خاصة، والقليل إخراج الدم بالفصد، ومن الأغذية أغذية توقع في الجدرىِ سريعاً، وخصوصاً إذا لم تكن معتادة واستعمل عليها أدوية وأغذية مسخنة مثل الألبان، وخصوصاً ألبان اللقاح والرماك إذا أستكثر منها من لم يعتدها ثم شرب شراباً كثيراً، أو أدوية حارة وكان الجدري ضرب من البحران. وأكثر ما يعرض الجدري يعرض للصبيان ثم للشبان، وتقل عروضه للمشايخ إلا لأسباب قوية وفي بلدان شديدة الحرّ والرطوبة، وعروضه في الأبدان الرطبة أكثر من عروضه في الأبدان اليابسة، وعروضه في الربيع أكثر من عروضه في الشتاء، وبعد الربيع في آخر الخريف وخصوصاً إذا تقدّمه صيف حار يابس، وكان ذلك الخريف حاراً يابساً أيضاً، والجدري لبس إنما يعرض في الجلد وحده وفيما يلي الظاهر، بل يعرض في جميع الأعضاء المتشابهة الأجزاء الظاهرة والباطنة، حتى الحجب والأعصاب. وإذا ظهر الجدري أورث حكة، ثم تظهر أشياء كرؤوس الإبر جاورسية، ثم تخرج وتمتلىء مدة ثم تتقرح ثم تصير خشكريشة مختلفة الألوان، ثم تسقط.

وربما انتقل الجدري إلى فلغموني وماشرا وإلى دبيلة تجمع المدة، وأكثر ما يطهر يظهر وله لون الفلغموني ولكنه ربما خرج على ألوان مختلفة رمادية وبنفسجية وسود، فإن الجدري له أصناف وألوان فمنه أبيض، ومنه أصفر ومنه أحمر ومنه أخضر ومنه بنفسجي، ومنه إلى السواد، والأخضر والبنفسجي رديان وكل ما ازداد ميلاً إلى السواد، فهو أردأ وكل ما مال عنه فهو أميل عن الشر، والأبيض أجوده وخصوصاً إذا كان قليل العدد كثير الحجم سهل الخروج قليل الكرب ضعيف الحمى ترى الحمى تنقضي مع ظهوره وخروجه، ويكون أول بروزه في الثالث، وما يقرب منه، وبعد هذا البيض الكبار الكثيرة العمد المتقاربة من غير اتصال، فإن اللواتي يتصل بعضها ببعض حتى تحيط برقعة كبيرة من اللحم ذات أضلاع أو مستديرة، فهي رديئة، وكذلك المضاعفة الكبار التي تكون في جوف الواحدة منها جدرية أخر ى.

وأما البيض الصغار الصلبة المتقاربة العسرة الخروج، فإنها وإن أوهمت في ابتداء الأمر سلامة، فقد يخشى عليها أن يعسر نضجها ويسوء معها حال العليل، وتتأدّى به إلى الهلاك، لأن السبب فيه غلظ المادة.

ومن أصناف الرديء المخوف الذي يهلك كثيراً ما يختلف حاله، فتارة يظهر، وتارة يبطن، وخصوصاً إذا ظهر بنفسجياً، وكذلك اللجوج الذي لا ينفك الإقبال منه عن ضعف قوة، عن اخضرار عضو واسوداده يهلك، فإن كان الاخضرار والاسوداد الذي يعقبه بعد الإبلال لا يسقط القوة بل تتزايد معهما القوة لم يكن مهلكاً، لكنه ربما أوقع في قروح وما يجري مجراها.

ولأن تكون حمّى ثم جدري أسلم من أن يكون جدري سابق، ثم تلحقه وتطرأ عليه حمى وأكثر ما يجب أن يتفقد من أمر المجدور نفسه وصوته، فإنهما إذا بقيا جيدين كان الأمر سليماً.

وإذا رأيت المجدور يتتابع نفسه وكذلك المحصوب فأحدس سقوط قوة أو ورم حجاب، ثم إذا رأيت العطش يشتدّ والكرب يلح والظاهر يبرد والجدري أو الحصبة تخضر فقد آذن العليل بالهلاك، ويؤكد ذلك أن يكون الجدري من جنس ما أبطأ خروجه وظهوره.

وأكثر من يموت بالجدري يموت اختناقاً، أو ظهوراً من الخناق، وقد يموتون لسقوط القوة بالسحج والإسهال، وإذا رأيت الفنسجي من الجدري والحصبة يغور فاعلم أنه سيغشى على العليل، وإذا أسرع إلى بول الدم وعقبه بول أسود فهو هالك لا سيما إذا كان هناك سقوط قوة واختلاف أخضر دموي وعسالي مع سقوط قوته، والحميقاء شيء بين الجدري والحصبة، وهي أسلم منهما وكثيراً ما يجدر الإنسان مرتين إذا اجتمعت المادة للاندفاع مرتين، والموم الرصاصي هو الجدري الذي بثره في الوجه والصدر والبطن، أكثر منه في الساق والقدم وهو رديء، ويدل على مادة غليظة لا تندفع إلى الأطراف.

في علامات ظهور الجدري قد يتقدم ظهور الجدري وجع ظهر، واحتكاك أنف وفزع في النوم، ونخس شديد في الأعضاء، وثقل عام وحمرة في لون الوجه والعين، ودمع واشتعال وكثرة تمط وتثاؤب مع ضيق نفس، وبحة صوت وغلظ ريق وثقل رأس وصداع، وجفوف فم وكرب ووجع في الحلق والصدر، وارتعاش رجل عند الاستلقاء وميل إليه، ومع ذلك كله حمّى مطبقة.

فصل في الحصبة إعلم أن الحصبة كأنها جدري صفراوي لا فرق بينهما في أكثر الأحوال، إنما الفرق بينهما أن الحصبة صفراوية وأنها أصغر حجماً، وكأنها لا تجاوز الجلد، ولا يكون لها سمك يعتد به، وخصوصاً في أوائله. والجدري يكون له في أول ظهوره نتو وسمك، وهي أقل من الجدري وأقل تعرضاً للعين من الجدري، وعلامات ظهورها قريبة من علامات ظهور الجدري، لكن التهوع فيها أكثر والكرب والاشتعال أشد، ووجع الظهر أقل لأن ميله في الجدري للامتلاء الدموي الممدد للعرق الموضوع إلى الظهر، فإن تولد الجدري هو لكثرة الدم الفاسد والحصبة لشدة رداءة الدم الفاسد القليل، والحصبة في الأكثر تخرج دفعة والجدري شيئاً بعد شيء.

وعلامات سلامتها مثل علامات سلامة الجدري، فإن السريع البروز والظهور والنضج سليم، والصلب والأخضر والبنفسجي رديء، وما كان بطيء النضج متواتر الغشي والكرب، فهو ناقل، وما غاب أيضاً عفعة فهو رديء مغشي.

العلاج: يجب في الجدري أن تبادر فتخرج الدم إخراجاً كافياً إذا احتمل الشرائط، وكذلك إن كانت الحصبة مع امتلاء من الدم، ومدة ذلك إلى الرابع فإذا برز الجدري فلا ينبغي أن تشتغل بالفصد، اللهم إلا أن تجد شدة امتلاء به وغلبة مادة فتفصد مقدار ما يخفف.

وأوفق ما يستعمل في هذه العلة الفصد، وإن فصد عرق الأنف نفع منفعة الرعاف وحمّى النواحي العالية عن غائلة الجدري، وكان أسهل على الصبيان، وإذا وجب الفصد، فلم يفصد أيضاً بالتمام خيف فساد طرف، وكذلك قد يخاف مثله على من تدام تطفيته جداً.

ويجب أن يغذى فيهما أولاً بما فيه تقوية مع ردع، وتطفية من غير عقل للطبيعة، وتغليظ للدم مثل العنابية بالتمر الهندي والطلعية والعدسية واسفيذباجة، وما فيه تليين غير شديد ولذلك يجب أن يكون مع هذه التمر الهندي وما يوافقه، والقرعية والبطيخ الرقي، بل يجب أن تكون الطبيعة لينة في الأول، وأفضل ما يلين به التمر الهندي، وإن لم يجب به زيد عليه الشيرخشت مع رفق واحتراز، أو ترنجبين أو نقوع الإجاص، وقد ينفع أن يسقى مع أول آثار الجدري وزن ثلاثة دراهم من رب الكدر مع قرص من أقراص الكافور، وشراب الطلع شديد المنفعة في مثل هذا الوقت، فإذا تمادت العلة وجاوز اليوم الثاني، وأخذ الجدري. يظهر فربما كان التبريد سبباً لخطأ عظيم بما يحبس الفضل داخلاً، ويحمل به على الأعضاء الرئيسة وبما لا يمكنه من البروز والظهور ويحدث قلقاً وكرباً وربما أحدث غشياً بل يجب أن يعين العضل في مثل هذه الحال بما يعليه، ويفتح السدد مثل الرازيانج والكرفس مع السكر عصارة، أو طبيخ أصول وبزور. وربما أشم شيئاً من الزعفران وماء التين جيد جداً، فإن التين شديد الدفع إلى الظاهر، وذلك أحد أسباب الخلاص من مضرته.

ومما ينفع جداً في هذا الوقت، أن يؤخذ من اللك المغسول وزن خمسة دراهم، ومن العدس المقشر وزن سبعة دراهم، ومن الكثيراء وزن ثلاثة دراهم، يطبخ بنصف رطل ماء إلى أن يبقى ربع رطل ويسقى، ومما هو شديد المعونة على إظهار الجدي أن يؤخذ من التينات الصفر سبعة دراهم، ومن العدس المقشر ثلاثة دراهم، ومن اللك ثلاثة دراهم، ومن الكثيراء وبزر الرازيانج درهمين درهمين، يطبخ برطل ونصف ماء حتى يبقى منه قريب من الثلث، ويصفى ويسقى منه فيدفع الحرارة عن نواحي القلب ويمنع الخفقان، ويجب أن لا يقربه في هذا الوقت دهن البتة.

ويجب أن يدثر ويبعد من الهواء البارد وخصوصاً في الشتاء، ويعمل به ما يعمل بالمستعرق فإن البرد يسد المسام، ويرد المواد إلى وراء، وكثرة شرب الماء المبرد بالثلج ودخول الخيش رديء جداً له، وربما كان الفصد رديئاً لاسترداده وصرفه ما يبرز فليتوق بعد يومين وثلاثة، وإذا عرض من التدثير والتسخين كالغشي، أو كان يعرض الغشي فلا بد من تبريد الهواء المنشوق خاصة والفزع إلى رائحة الكافور والصندل، وإن لم يكن بدّ من كشف البدن للخيش أو للهواء البارد قليلاً فعل، وكذلك إذا كانت المعونة بالتسخين أو بترك التبريد ومبادرته إلى الخروج لا تجد معه خفة بل تجد الحرارة مشتعلة، واللسان إلى السواد فإياك والتسخين.

ويجب أن يجتنب أصحاب الجدري والحصبة تضميد البطن، فإن في ذلك خطرين أْن يضيق النفس على المكان، وأن يعرض إسهال رديء وبول دم، وفي آخره يجب أن تحفظ الطبيعة، ويطعم بدل العدس كما هو العدس المسلوق سلقات بتجديد الماء، وبدل العدس المحمّض بالتمر الهندي، العدس المحمض بماء الرمان والسماق أو الحصرم أو نحوه، فأما الأدوية المغلظة للدم، المبرّدة له، المانعة إياه عن الغليان المأمور بها في الأول، فمثل ربّ الريباس والحصرم، ومياه الفواكه الباردة وشراب الكدر خاصة وشراب الطلع والطلع نفسه والجمار، ولشراب الكدر نسخ كثيرة ذكرناها في القراباذين ونحن نذكر ههنا نسخة عجيبة قوية وهي التي تتخذ بماء الرائب المحض، وقوته شديدة جداً.

ونسخته: يؤخذ من ربّ الكدر جزءان، فإن لم يحضر أخذ الكدر ونشر، وأخذ نشارته أو دق وأخذ مدقوقه، وأديف مع نصفه صندل في الخلّ المقطر، أو في ماء الحصرم الصرف أياماً ثم طبخ فيها طبخاً بالرفق مع طول حتى يتهرى، ثم يعصر ويؤخذ من العصارة وكلما كان الخل أو ماء الحصرم أكثر فهو أجود، ثم يؤخذ ماء الدوغ المخيضر المنزوع من جبنية الدوع إما بترويق بالغ أو يطبخ كطبخ ماء الجبن، حتى تنعزل المائية ثم يؤخذ دقيق الشعير ويتخذ منه ومن ماء الرائب فقاع، ويحمض ذلك الفقّاع، ثم يروق ثم يجمّد اتخاذ الفقاع منه ومن دقيق الشعير ويحمّض، وكلما كرر كان أجود، فيؤخذ منه خمسة أجزاء، ويؤخذ من ماء الكمّثري الصيني وماء السفرجل الحامض الكثير الماء وماء الرمان الحامض، وماء التفاح الحامض الكثير الماء، وماء الزعرور وماء الليمون وماء الإجاص الحامض وماء الطلع المعصور وماء الكندس الطبري وماء التوت الشامي الذي لم ينضج تمام النضج وماء المشمش الفج الحامض وعصارة الحصرم وعصارة الريباس وعصارة عساليج الكرم وعصارة الورد الفارسي وعصارة النيلوفر وعصارة البنفسج، من كلّ واحد ثلث جزء، ومن عصارة حماض الأترج ومن عصارة حماض النارنج، من كل واحد ثلثي جزء، ومن عصارة الكزبرة والخس وورق الخشخاش الرطب والهندبا والبقلة الحمقاء، من كل واحد ربع جزء، من عصارة الكزبرة والخس وورق الخشخاش الرطب والهندبا والبقلة الحمقاء، من كل واحد ربع جزء، من عصارة ورق الخلاف وورق التفاح وورق الكمثري وورق الزعرور وورق الورد وورق عصا الراعي، من كل واحد ربع جزء ومن عصارة لحية التيس ومن الورد اليابس ومن النيلوفر اليابس، ومن عصارة الأمير باريس اليابس ومن بزر الهندبا وبزر الخس والجلنار والنيلوفر والورد، من كل واحد نصف عشر جزء، من عصارة النعناع الرطب، سدس جزء، ومن عصارة الأمير باريس الرطب، نصف جزء، تجمع الأدوية والعصارات وتركب على النار ويُلقى فيها من العدس أربعة أجزاء، ومن الشعير المقشر جزءان، ومن السمّاق ثلاثة أجزاء، ومن حبّ الرمان ثلاثة أجزاء، ويطبخ الجميع على النار حتى يبقى النصف، ثم يترك حتى يبرد ويمرس بقوة ويصفى ويؤخذ من الكافور لكل وزن ثلاثمائة درهم وزن مثقال، فيسحق الكافور ويذرّ على أصل قرعة أو قنينة ويصبّ عليه الدواء بالرفق، ثم يُصم رأسه بشيء شديد القوة، ثم يوضع على الجمر حتى تعلم أنه يكاد يغلي ثم يؤخذ ويخضخض ويوح بستوقة، ويشدُ رأسها لئلا يضيع الكافور ويطير والشربة منه إلى عشرة دراهم.

ومن الناس من يجعل فيه من السنبل والزنجبيل وبزر الرازيانج والأنيسون والفلفل والسعد أجزاء على قدر ما يرى، وإذا خرج الجدري بالتمام وجاوز السابع، وظهر فيه النضج فمن الصواب أن يفقَأ بالرفق بإبر من ذهب وتؤخذ الرطوبة بقطنة، وأما التمليح فلا بد منه، وإذا أردت أن تملح فبعد الملح مما فقأته عن قريب من الكبار المؤلمة، فإن ذلك يوجع بل ملح سواها ودعها لينسد بها طريق الفقء، ثم ملحها ولا تملح قبل تمام النضج فإن ذلك ربما أحدث ورماً ووجعاً شديداً، والتمليح أمر لا بد منه بعد أن ينضج، وذلك بماء ملح فيه قوة من زعفران وإن كان ذلك الماء ما الورد، فهو أجود وإن كان ماء طُبخ فيه الورد والطرفاء والعدس، ثم ملّح فهو غاية، وخصوصاً إن جعل فيه أيضاً كافور وصندل، فإن التمليح ينضج ويجفف ويسقط بسرعة، والتدخين بالطرفاء نافع جداً، وفي الشتاء يجب أن تواصل الوقود من الطرفاء، وإذا كان الجدري شديد الرطوبة فلا بد من التدخين بالآس وورقه، ومن التدبير الجيد عند نضج الجدري والاهتمام بتجفيفه، أن ينوِّم المجدور على دقيق الأرز والجاورس والشعير والباقلا وأوفقه أن يجعله حشو مضربة سخيفة تنفذ فيها القوة، وورق السوس جيد في ذلك، والدهن رديء في هذا الوقت أيضاً لأنه يمنع الجفاف. وإذا أخذ الجدري يجفّ فيجب أن يطلى بالمعينة عليه كالأدقة المذكورة مع قوة من الزعفران، وإذا عرضت قروح من الجدري نفعهم المرهم الأبيض وخصوصاً مخلوطاً بشيء من الكافور وحكاكة أصل القصب بماء الورد أو حكاكة عروق شجر الخلاف أو شجرة الزعرور. وربما نفع نثر الاسفيذاج والمرداسنج، وإذا كانت في الأنف خشكريشة نفع القيروطي المتخذ بدهن الورد الخالص مع قوة الاسفيذاج والاقليما، واستعمال الدهن بعد الجفاف وعند التقرّح جيد أما عند الجفاف فيما يسقط بسرعة، وأما عند التقرّح فلأنه مادة المراهم والمرهم الأحمر جيد القروح الجدري.

فصل في مراعاة الأعضاء وحياطتها عن آفة الجدري والحصبة الأعضاء التي يجب أنتوقّى آفة الجدري هي الحلق والعين والخياشيم والرئة والأمعاء، فإن هذه الأعضاء هي التي تتقرّح. فأما العين فربما ذهبت، وربما عرض عليها بياض. وأما الحلق فربما عرض فيه خناق وربما عرض من القروح ما يمنع البلع في المريء، وربما أدّى إلى أكلة هناك قتّالة. وأما الخياشيم فربما عرض فيها قروح تسدّ مجرى النسيم.

وأما الرئة فربما عرض فيها من بثور الجدري الحصبة ضيق نفس شديد، وربما أوقعت في السلِّ إذا قرحت. وأما الأمعاء فربما عرض فيها سحج يعسر تلافيه. وأما حفظ العين فأجوده أن تكحل العين بالمري وماء الكزبرة وقد جعل فيه سمّاق وكافور وخصوصاً في أول يوم والمري أيضاً وحده، وكذلك تكحل بكحل مربى بماء الكزبرة وماء السمّاق مجعول فيه كافور، وعصارة شحم الرمان جيدة أيضاً في الأول، وأما إذا ظهر، فالكحل بماء الورد والكافور أوفق، فنذكر أن الإكتحال بالنفط الأبيض جيد جداً في ذلك. ودهن الفستق مما تستعمله النساء في بلادنا بعد الجدري وحدوث آفة في العين فيقلع غمامة إن كانت ويصلح العين والشياف الأبيض جيد عند ظهور البثر. وأما حفظ الفم والحلق فمثل مص الرمان ومضغ حبه في الابتداء، ومصّ التوت الشامي والغرغرة بربه خصوصاً إذا أخذ يشكي وجعاً فيهما، وحينئذ يجب أن يعلق رُبه شيئاً بعد شيء.

وأما الخياشيم فبأطلية من الماميثا والصندل وربّ الحصرم والخل، واستنشاق الخل وحده شديد المنفعة. وأما حفظ الرئة فليس له كلعوق من العدس لين مع بزر الخشخاش. وأما حفظ الأمعاء فأكثر ما يجب أن يحفظ بعد الابتداء، وهو بالقوابض وإذا بدا الاستطلاق في آخر العلة عولج بأقراص الطباشير في رب الريباس وأقراص بزر الحماض.

فصل في قلع آثار الجدري هذا سنتكلم فيه أيضاً مرة أخرى عند كلامنا في الزينة. وأما الآن فنذكر ما هو أوفق وأشد مناسبة، مما يقلع آثار الجدري أصول القصب المجفف، دقيق الباقلا، حكاكة خشب الخلاف، حكاكة أصول القصب، العنزروت، بزر البطيخ وقشوره المجففة، الأرز المغسول، ماء الشعير، بياض البيض، الطين المتخلخل، المرداسنج، السكر الطبرزذ، النشا، اللوز الحلو، اللوز المرّ، ومن الأدهان: دهن السوسن، دهن الفستق، شحم الحمار بدهن الورد، وما يشبهه، الماء الذي يكون في ظلف الحمل الذي يسوى فإنه غاية، ومما هو أقوى، زبد البحر، حجارة الفلفل، القسط، الأشق، الكندر، الصابون البورق، العظام المحرقة، العظام البالية، بزر الفجل، دقيق الفجل المجفف، الزراوند، الترمس.

ومن المطعومات الجيدة المحسّنة للونه: الرمان الحلو، الحمص، الشراب الطيّب، صفرة البيض، النميبرشت، مرقة الدجج والقباج والفراريج والتدارج السمينة، ويجب أن يديم صاحبه الاستحمام، ومن المركّبات لذلك: تؤخذ العظام المحرقة وبعر الغنم العتيق والخزف الجديد والنشا وبزر البطيخ والأرزّ المغسول والحمص، من كل واحد عشرة، ومن حب البان والترمس والقسط والزراوند الطويل، من كل واحد خمسة، ومن أصول القصب اليابس، عشرين، يتخذ منه طلاء بماء البطيخ أو بماء القنابر أو ماء الشعير أو ماء الباقلا ويطلى به العضو يغسل من الغد بطبيخ البنفسج.

آخر: يؤخذ خزف جديد، عظام بالية، أصول القصب الفارسي، نشا، ترمس، بزر البطيخ، أرز مغسول، حب البان، قسط، أجزاء سواء، يتخذ منه غمرة. وأيضاً ترمس وحمص أسود.

فصل في حميات الأورام قد علمت حال الحميات التي تتبع الأورام الظاهرة، وإنها في الأكثر تكون من جنس حميات اليوم، إذ كانت هذه الأورام في الأكثر إنما تتأدى إلى القلب سخونتها دون عفونة ما فيها، وأكثر هذا عن أسباب بادية، فأما إذا تأدت عفونتها إلى القلب لعظمها أو لقربها، فقد صارت الحمى من غير جنس حمى يوم، وأكثر أمثالها إنما تكون من أسباب سابقة بدنية وامتلاءات وقد تكون من قروح تتجه إليها مواد خبيثة، وتحتبس في اللحوم الرخوة، وأما الحميات التي تتبع الأورام الباطنة فإنها لا تكاد تكون من وصول السخونة إلى القلب دون العفونة.

وشر ما تكون الحميات عن الأورام الباطنة، إذا كانت من جنس الحمرة في بعض الأحشاء فيشتد الوجع والعطش والالتهاب، ويدل عليه دلائل مخالطة المرة الكثيرة للدم، وهذه الأورام الباطنة مثل أورام الدماغ وحجبه والصماخ وفي الحلق أحياناً وفي الحجاب الذي يلي الصدر والكبد والكلية، والمثانة والرحم، والأمعاء وما يشبه ذلك، وقد تختلف حمياتها في الشدة والضعف بحسب القرب من القلب والبعد، وما كان منها أيضاً في الأعضاء اللحمية، فإن حماه تكون أشد.

وما كان في الغشائية ونحوها، كانت الحمى أضعف، وما كان في جوار الشرايين، فإن حماه أشد، وما كان في جوار الأوردة وحدها، فإن حمّاه أضعف، ولا تخلو هذه الحمّيات من أدوار بحسب المواد التي تنصت إلى أورامها بأدوارها بحسب تولدها وبحسب حركتها وبحسب جذب الحرارة والألم إياها فيكون لكل خلط دور يليق به، واعلم أن كثيراً ما يبرأ الورم في ذات الجنب وغيره وتبقى الحمى، فيدل على أن النقاء لم يقع، وهذه الحمّيات إذا طالت أدت إلى الدق، وخصوصاً إذا كانت الأورام في الكبد، وأما الحجابية، فإنها إذا استحكمت لم تمهل إلى الدَق.

فصل في علاماتها وأحكامها الحمّيمات الورمية الباطنة توجد معها ثلاثة أصناف من العلامات والأعراض: علامات وأعراض تدلّ على العضو العليل، وعلامات وأعراض تدلّ على المادة، وعلامات وأعراض تدلّ على حال العليل.

فأما الصنف الأول من العلامات فمثل النبض المنشاري، والوجع الناخس للورم في نواحي الصدر. وكذلك السعال اليابس أولاً والرطب ثانياً، وما يشبه ذلك من أعراض ذات الجنب الدالة على ورم في نواحي الصدر، وبالجملة فإن الوجع أو الثقل يكون في العضو ويكون أسخن من سائر الأعضاء زيادة سخونة غير معتادة، ومثل التشنّج فإنه كثيراً ما يصحب الأورام الحارة في الأعضاء العصبية. وأما الصنف الثاني فمثل دلالة اشتداد الحمّى غبا على أن العلة صفراوية، وأما أعراض العليل فهي الأعراض التي تبشر بسلامته أو تنذر بعطبه، وقد تختلف الأورام الباطنة في إيجاب الحمى وقوّتها ودوامها وإفتارها بحسب عظمها في أنفسها، وعظم عروقها وبحسب أعضائها. فإن من الأعضاء الباطنة ما هو قريب من القلب أو شديد المشاركة له، ومنها ما هو بعيد منه قليل المشاركة له مثل الكلية فإنها ليست توجب دائماً بسبب أورامها حمّيات قوية ولازمة بل كثيراً ما تكون مفترة وتكون من جنس الحمّيات المختلطة وحميات الغب والربع والخمس والسدس.

ويكون معها نافض وقشعريرة ويشكل أمرها ويدلّ عليلها ثقل في موضع الكلية وناحية القطن ووجع واختصاص الحرارة بالعضو أكثر من المعتاد، وإذا اجتمع في العضو أن كان قريباً من الرئيس أو قوي المشاركة له، أو شديد الحسّ وكان عصبياً، فإنه مع اشتداد الحميات التابعة لأورامه يعرض له لقلق عظيم وتشنج، وربما تبعته أعراض غريبة مثل ورم الرحم، فإنه يصحبه مع الحمى صداع ووجع عنق، والحرارة وإن اشتعلت في هذه الأورام فليست بشديدة الحدة جداً كما تكون في المحرقة إلا أن يكون أمر عظيم، والسبب فيه أن العفونة غير فاشية ولا متحركة إلى خارج، والنبض في حميات الورم الباطن نبض حميات العفونة صغير في الابتداء سريع الانقباض عند المنتهى، ثم يعظم ويسرع ويتواتر بحسب العضو والمادة وعلى ما علمت، ثم تكون منشاريّة وموجبة بحسب العضو في عصبيته ولحميته، والبول في أكثرها إلى البياض وقلة الصبغ بسبب ميلان المادة إلى الورم على ما علمت.

علاجها: علاج هذه الحمّيات هو علاج الحميات الحادة بعد علاج الأورام، فإن الأصل فيها هو علاج الورم مع مراعاة علاج الحمّى من التبريد والترطيب، وهذه الحمّيات تخالف في علاجها الحميات الساذجة الحارة بأن لا رخصة في هذه الحمّيات في شرب الماء البارد، ولا في دخول الحمام، وإن كان الورم حمرة جاز وضع الأشياء الباردة المبردة بالفعل من خارج عليه، مثل عصارة الخسّ وحي العالم والحمقاء مع شيء من سويق الشعير الأبيض لا يزال يبرد على الجمد، ويبدل وربما خلطا به زيت أنفاق أو دهن الورد وإن أكل الخسّ المغسول مبرد أجاز وانتفع به.

فصل في أحوال الحميات المركّبةالحميات قد يتركب بعضها مع بعض، فربما تركّب منها أصناف داخلة في أجناس متباعدة، مثل تركب حمى الدق مع حمى العفونة، وقد يتركب منها أصناف متفقة في الجنس القريب، مثل تركب أصناف من حمّيات العفونة، مثل الغبّ مع البلغمي كالحمى المعروفة بشطر الغبّ، ومثل تركّب حميات الأورام، وقد تتركب منها أصناف متفقة في النوع، مثل تركب غبين وتركب ربعين وثلاثة أرباع، فيصير الغبان في ظاهر الحال على نوائب البلغمية، والثلاثة أرباع في نوائب البلغمية، وقد تتركّب ثلاث من حمّيات الغبّ، فإن كانت على المناوبة كانت نوبة اليوم الثالث أشد لأنه مقتضى دور اليوم الأول وابتداء اليوم الثالث وكذلك الخامس. ويشبه هذا شطر الغب كما أن التركيب من الغبين يشبه النائبة البلغمية، ولمثل هذا لا يجب أن يشتغل كل الاشتغال بالنوائب، بل يجب أن يشتغل بالأعراض، ومما يعرض إذا كانت هذه الحميات غبُّا خالصة أن تسرع نوائبها إلى القصر حتى يتلاشى الأضعف منها أولاً، وقد تدل على التركيب معاودة قشعريرة بعد هدء وقد يستقبح من الطبيب العالم بدلائل كل حمى وأعراضها أن لا يفطن للتركيب من أول يوم أو الثاني، وتركيب حمّى الدق مع العفونة مما يشكل جداً لأنهم يرون فترات أو ابتداءات للنافض والقشعريرة ومعاودات للعرق إن كانت وأوقات جزئيه، فيظنون أن هناك حميات عفونة فقط لازمة أو مركبة من لازمة ومفترة، وقد يتوالى التركيب حتى تظهر حمى واحدة متصلة متشابهة تشبه سونوخس، ولا يكون حينئذ بد من الرجوع إلى الدلائل وإذا كانت النوائب قصيرة لم يتلاحق اتصالها إلا لأمر عظيم من كثرة عددها، وخاصة فيما فتراته طويلة. وإذا تركبت حميات مختلفة مثل شطر الغب، أقلع الأحدّ منهما وبقيت المزمنة صرفة كانتا مفترتين أو لازمتين أو مفترة ولازمة، وربما تركب مع شطر الغب غب أخرى وبلغمية وسوداوية فإن كانت مع غب أقلعت الغب وخلص الشطر، وان كانت مع بلغمية أو سوداوية أقلعت شطر الغب، وخلصت البلغمية والسوداوية، وقد يقع التركيب فيها على وجه آخر وهو أن تتركب مفترة ولازمة مختلفتا الجنس أو متفقتاه، أو متفقتا النوع مثل غب دائرة مع غب لازمة، وكما أنه قد تتركب مفترتان كذلك قد تتركب لازمتان، وقد زعموا أن لازمتين لا يتركبان مثل غبين لأن المادة إذا كانت داخل العروق لم يمكن أن يختلف ما يقع فيه العفن، بل العفن يكون فاشياً في الجميع وليس هذا الرأي مما يجب لا محالة عندي، وذلك لأن العفن يبتدئ لا محالة من موضع، ثم يفشو، ثم تجري أحكام الاشتداد والتفتير على تاريخ العفن الأول، وتكون له حركات بحسبه فلا يبعد أن يتفق عفن له سلطان ما يبتدىء في جزء من المواد ليس سلطان ما يتبع غيره، بل يجتمع فيه أن يبتدىء وأن يتبع معاً فيكون له تاريخ تفتير واشتداد وأصناف، تركيب الحميات ثلاثة: مداخلة، ومبادلة، ومشابكة. فالمداخلة، أن تدخل أحدهما على الأخرى. والمبادلة، أن تدخل بعد إقلاعها. والمشابكة، أن تأخذ معها. وإذا رأيت حمى مطبقة وفيها نافض ولا عرق، وربما يقع في نوافض كثيرة عرق واحد فاشهد بالتركيب. وكذلك إذا رأيت في المطبقة إفراطاً في برد الأطراف والتقبض، وأما القليل منها فربما كان في المطبقة.

فصل في شطر الغبّ إن شطر الغبّ هي حمى مركبة من حمّيين: إحداهما غبّ، والأخرى بلغمية. فيكون في يوم واحد نوبة للغبّ والبلغمية معاً، إما على سبيل المشابكة والتوافي، وإما على سبيل المبادلة والجوار، وإما على سبيل المداخلة والطروّ.

وأصعب الأقسام تعرّفاً هو الأول ثم الثاني، وقد تكون الحمّيان لازمتين لأن العفونتين داخلتان، وقد تكونان دائرتين يقلعان لأن العفونتين خارجتان، وقد تكون الصفراوية لازمة، عفونتها داخلة، والبلغمية بالخلاف، وقد لَكون بالعكس.

وقد يجعلون شطر الغبّ الخالصة الحمّى المركبة التي تكون من غبّ خارجة وبلغمية داخلة، وما سوى هذه فيعدونه غير خالصة. وليس ذلك مما ينبغي أن يشتغل به فضل اشتغال. وربما كانت السابقة إلى العفونة هي الصفراوية، وربما توافقا معاً وأيضاً، فتارة تكون المادة الفاعلة للحمّى البلغمية أغلب، وتارةً المادة الفاعلة للحمّى الصفراوية أغلب، وكيف كان فإن المادة البلغمية تجعل نوائب الصفراوية أطول وأبطأ بُحراناً، والمادة الصفراوية تجعل نوائب البلغمية بالضدّ، وربما امتد شطر الغب مدة طويِلة، إلى تسعة أشهر فما فوقها، وقد يكون من شطر الغبّ مرض حاد وقد يكون شطر الغبّ من أقتل الحمّيات، لأنها تؤدي إلى الدِّق وإلى أمراض مزمنة عسرة.

فصل في علامات شطر الغبّ أخصّ علاماتها وأولها وإن كان لا بدّ من قرائن أخرى هو أن تكون مدة الحمى في أحد اليومين أطول من مدة الغبّ وأسكن، ثم يكون اليوم الآخر أخف نوبة وأقل أعراضاً، وقد تتكرر فيها القشعريرة في أكثر الأمر مراراً لما يعرض من تصارع المادتين أو لدخول إحداهما على الأخرى، وربما وقع هذا التكرير ثلاث مرات، وقد تسخن أعضاء ما والقشعريرة ثابتة بعد، وهذه التي هي شطر الغب، فإن البدن لا ينقى منها نقاءً تاماً، ويكون ابتداؤها وتزيدها شديدي الإضطراب، وخصوصاً إذا كان تشابك أو كان تداخل في مثل ذلك الوقت، وحينئذ يكون للقشعريرة عودات ويكون المنتهى طويلاً، وكلما ظننت أن البدن قد تسخن والحمى هذه قد انتهت وجدت قشعريرة معاودة، وذلك لمجاهدة الأعراض بمجاهدة الأخلاط ومنتهى هذه الحمى في الأوقات الجزئية والكلية قبل منتهى البلغمية، وأسرع منه وأبطأ من منتهى المرارية لأن الحرارة لا تنبسط، إلا بكد وخصوصاً في الأول وتشتد حدتها عند المنتهى، وكذلك يكون الانحطاط طويلاً لما يعرض من وقفات توجبها منازعة إحدى المادتين الأخرى وقلما تفتر بالعرق. وهذه الحمى، فإن اليوم الثالث من أيامها يشبه الأول والرابع الثاني.

وقد يقع الاستدلال على شطر الغب من وجوه مختلفة، فقد يقع من العادات وقد يقع من الأعراض.

والوقوع من العادات هو مثل أن يكون إنسان تكثر في بدنه الصفراء وعفونتها. ثم ترفه وترك رياضات واستعمل أغذية وأصنافاً من التدبير تولد البلغم، أو يكون الإنسان يكثر في بدنه البلغم وعفونته، ثم ارتاض كثيراً ويعرض لما يولد الصفراء من أصناف التدبير، أو أوجب السن فيه ذلك بأن شبّ بعد صبا وغلبة رطوبة، أو اكتهل بعد شباب وحدة مزاج. وأما من الأعراض فمن مثل النبض والبول وبروز ما يبرز من القيء والبراز وحال النضج وعلاماته وحال للعطش وحال اللمس وحال القشعريرة والنافض وأحوال الأوقات والنوائب.

فأما النبض فيكون فيه أقل عظماً وسرعة وتواترأً مما يكون في الغب، وأقل في أضدادها مما يكون في البلغمية.

وأما البول فيكون بطيء النضج، والقيء فيكون مختلطاً من مرار وبلغم، والبراز مختلطاً من مرار وبلغم.

وأما حال التسخن والتبرد والعطش والقشعريرة والأوقات والنوائب فقد قلنا فيها وجب، وإنما يتوقع الوقوف على الغالب من الخلطين بالغالب من الدلائل، فإنه إن غلب البلغم كانت النوائب أطول والاقشعرار أقل والتضاغط وخصوصاً في النبض أقوى، والأطراف أسرع قبولاً للبرد في أوائل المرض وأبطأ نقاء على بردها والعطش أقلّ، وقيء المرار أقل والبول أشد بياضاً وفجاجةً، والعرق أقل والسن، أصبي أو شيخ، ومزاج البدن قد يدل عليه، وكذلك العادة وما يجري معها.

وإن غلبت الصفراء كانت النوائب أقصر والأطراف أسرع إلى التسخن والعطش وقيء المرار أكثر، والعرق أغزر، وربما مالت قشعريرته إلى شيء كالنافض، ويكون البول أشد صبغاً والسن أشب، ومزاج البدن قد يدل عليه وكذلك العادة وما يجري مجراها.

وإذا تساوى الخلطان توازنت الدلائل، وكانت قشعريرة صرفة تامة غير ناقصة ولا متعدّية إلى النقص.

وإذا كان التركيب بين الدائرة واللازمة وهي التي يخصها كثير من الناس باسم شطر الغب الخالصة، وكانت اللازمة هي البلغمية، كانت نافضاً وضعفاً لأن المادة الخارجة صفراوية، ولا معارض لها من جهة البلغم خارجاً معها فيما يوجب من نفض ولكنه يكون ضعف، وربما تكثر فيها البرد والقشعريرة حتى يغلظ في المنتهى كما تعلم وتكثر فيها حرارة الأحشاء والبطن مع برد الأطراف، ويكون النبض أشدّ صغراً وتفاوتاً، فإن كانت اللازمة هي الصفراوية لم يكن نافض ولا كثير قشعريرة ويكون النبض أعظم وأسرع، والكرب أشدُ وإن تركّبت الدائمتان لم يكن نافض البتّة، ويعرض أغب اللازمة أن تخف قبل خفة البلغمية، وإن لم تكن راجعة قبل رجوعها.

فصل في علاج شطر الغبّ الواجب في شطر الغب أن تشتد العناية باستفراغ المادة على أنحاء الاستفراغ من الاسهال والتقيئة والإدرار والتعريق أكثر من اشتدادها بالمطفئات والمسهلات، يجب أن يتلوم بها النضج إلا أن يكون من جنس ما يلين ويطلق ولا تشوّش مثل ماء اللبلاب مع الجلنجبين إن كان الغالب البلغم، ومثل الترنجبين والشيرخشت ونقوع التمر الهندي وشراب البنفسج إن كان الغالب الصفراء، ومثل ما يركب من هذين إن كان الخلطان كالمتكافئين، وبعد ظهور النضج إن استفرغ بالقوي جاز، والقيء يجب أن يكون أيضاً بحسب الغالب إما بماء الفجل مع السكنجبين الحار أو السكنجبين مع الماء الحار، والإدرار يجب أن يكون بما فيه اعتدال، وإذا أسرع في سقي المطبوخات قبل النضج خيف السرسام. وأما الأدوية النافعة في طريق السالك إلى المنتهى لإصلاح المادة وإنضاجها وتلافي آفاتها فمن المفردات، الأفسنتين.

ولكن بعد السابع وظهور النضج بعد أن يكون الرومي الجيد منه وإن استعجلت به حرك الخلط ولم يستفرغه فأحدث كرباً وغمًا وغثياناً، ثم كرّ عليه بمرارته فجفّفها ويقبضه فبلَّدَها، وجالينوس ومن قبله يعالجهم بماء الشعير وفيه قوة من فلفل، وقد قال بعض الأطباء الأولين أن جالينوس قد أمعن في السهو ووقف حيث يجب أن يتعجب منه، ولم يدر أن الفلفل يلهب الحمى وماء الشعير يبلّد المادة، وقد أخطأ هذا المعارض خطأ لا يختصّ بهذا المعنى، بل بالقانون المعطى في معاضدة الطبيعة إذا انتصبت لمقاومة أمثال هذه الموادّ معاضدةً تكون بالأدوية المركبة من مبرِّدات ومسخِّنات لتميِّز الطبيعة بين القوتين، فتشغل المبرّدة بالحمّى وناحية القلب، والمسخنة بالمادة، ومن الذي عالج شطر الغبّ بغير ذلك، وإن لم تكن الطبيعة قوية على التمييز فلن ينجح العلاج كيف عمل، وقد أخطأ من وجوه أخرى لا نحتاج أن نسلك في إيرادها مسلك المطوّلين.

وقد قال هذا المتعنِّت أنه كان يجب أن يستعمل الملطفات التي لا تسخين قوي فيها مثل الكرفس والشبث، ولم يعلم أن الفلفل قد يمكن أن يرد بتقليله إلى أن ينكسر تسخينه، ولا يقصر تلطيفه عن تلطيف الكرفس الكثير، ويكون ماء الشعير عضداً له في إيصال قوته وهدم إفراطها وإنقاع الموادّ له ليسهل نفوذ قوته فيها. ثم العجب العجيب أنه جعل جالينوس ممّن يجهل أنَّ الفلفل يلهب الحمّى، ويعد معد من غفل عن هذا حين أفتى بهذا. وأما المركبات من الأدوية التي يجب استعمالها في هذا الوقت، فمثل أقراص الأفسنتين، وأقراص الورد.

أقراص خفيفة جيدة لشطر الغبّ: ونسخته يؤخذ ورد أصل السوسن، من كلِّ واحد أربعة، ترنجبين، ثلاثة، سنبل، عصارة الأفسنتين، طباشير، من كل واحد وزن درهمين، يتخذ منها أقراص.

أخرى للملتهب: ورد، وزن ستة، بزر الحمّاض، صمغ، من كل واحد أربعة، نشا، ثلاثة، أمير باريس، طباشير، بزر الحمقاء، من كل واحد إثنان، كثيراء، زعفران، سنبل راوند، من كل واحد دانقان، كافور، دانق، يتخذ أقراصاً.

أقراص أخرى جيدة لصاحب هذه الحمى، وخصوصاً إذا كان يشكو مع ذلك إسهالاً وسعالاً.

ونسخته: يؤخذ سنبل الطيب عود، زعفران، أمير باريس أو عصارته، من كل واحد ثلاثة، راوند، وزن أربعة، طباشير، ورد بأقماعه، لكّ، صمغ مقلو، كهربا، من كل واحد خمسة دراهم، بزر الحمّاض المقلو، ستة دراهم، طين رومي، سبعة دراهم، يتخذ منها أقراص.

نسخة أخرى جيدة: يؤخذ ورد أحمر، ستة دراهم، أمير باريس، صمغ، بزر الحماض، من كل واحد أربعة دراهم، سنبل، غافت، طباشير، نشا، بزر الحمقاء، حب القثّاء، من كل واحد وزن درهين، بزر الهندبا، بزر الكشوث، من كل واحد درهم ونصف، رب السوس، درهم، لك، راوند، من كل واحد نصف درهم، يجمع ويقرض.

حب جيد: هذه لعلة ولجميع المزمنات والحمّيات المؤذية للأحشاء، وخصوصاً إذا كانت المادة البلغمية أغلب. ونسخته: يؤخذ صبر، مصطكى، هليلج أصفر، راوند، عصارة الغافت، عصارة الأفسنتين، ورد، أجزاء سواء، زعفران، نصف جزء، يحبّب بماء الهندبا،والشربة منه وزن درهمين بالسكنجبين.

نسخة جيدة: وتصلح في وقت النضج وتسهِّل. ونسخته: يؤخذ صبر، مصطكي، عصارة الغافت، عصارة الأفسنتين، ورد، بالسوية، زعفران، نصف جزء، يحبب بماء الهندبا، والشربة وزن درهمين في السكنجبين.

فصل في النكس فنقول قولاً صادقاً أن النكس شرّ من الأصل والرأي أن لا يبادر فيه إلى المعالجة حتى يتبين قيه وجه الأمر فإنه في أكثر الأمر خبيث.