الكتاب الرابع: الأمراض التي لا تختص بعضو بعينه - الفن الثاني: المعرفة وأحكام الحران

الفن الثاني

المعرفة وأحكام الحران

وهو مقالتان: نحن نذكر في هذا الفن أحوال البحران وأيامه وعلاماته وعلامة النضج وما يختص بكل واحد من الدلائل من حكم، ومن العلامات الجيدة وغير الجيدة، وهذه هي الأمور التي عليها مدار الأمر في تقدمة المعرفة، وتقدمة المعرفة هي أن نحكم من دلالاتْ موجودة على أمر كائن يؤول إليه حال المريض من أقبال أو هلاك بسبب ما يعرف من القوة، وثباتها أو سقوطها ومعرفة وقته والوجه الذي يكون مثلاً هل يكون أم لا.

المقالة الأولى
البحران

ومذاهب الإستدلال عليه وعلى الخير والشرّ فصل في البُحران وما هو وفي أقسامه وأحكامه البُحران معناه الفصل في الخطاب، وتأويله تغيّر يكون دفعة إما إلى جانب الصحة وإما إلى جانب المرض. وله دلائل يصل الطبيب منها إلى ما يكون منه، وبيان هذا أن المرض للبدن كالعدو الخارجي للمدينة، والطبيعة كالسلطان الحافظ لها، وقد يجري بينهما مناجزات خفيفة لا يُعتدّ بها.

وقد يشتد بينهما القتال فتعرض حينئذ من علامات اشتداد القتال أحوال وأسباب، مثل النقع الهائج، ومثل الذعر والصراخ، ومثل سيلان الدماء، ثم يكون الفصل في زمان غير محسوس القدر، وكأنه في آن واحد إما بأن يغلب السلطان الحامي، وإما بأن يغلب العدو الباغي.

والغلبة تكون إما تامة يكون فيها من إحدى الطائفتين تمام الهزيمة والتخلية بين المدينة والأخرى، وإما ناقصة يكون فيها هزيمة لا تمنع الكرة والرجعة حتى يقع القتال مرة أخرى، أو مراراً فيكون حينئذ الفصل في آخرها، وكما أن السلطان إذا غلب على الباغي فنفاه ودفعه، فإما أن يطرده طرداً كلًياً حتى يريح فناء المدينة، ورقعتها وسائر النواحي المتصلة بها، وإما أن يطرده طرداً غير كلي بل ينحيه عن المدينة ولا يقدر أن ينحيه عن نواح أخرى متصلة بالمدينة.

كذلك القوة التي تأتي بالبُحران الجيد إما أن تطرد المادة المؤذية عن قريعة البدن، وهو القلب والأعضاء الرئيسة، وعن نواحيها وهي الأطراف، وإما أن يطردهما عن القريعة، ولا يقدر أن يدفعها عن الأطراف بل يصير إليها ويسمى بُحران الانتقال. وكلُ مرض يزول فإما أن يزول على سبيل البحران، أو على سبيل التحلل بأن تتحلل المادة يسيراً يسيراً، حتى تفنى بالتدريج، وأكثر هذا في الأمراض المزمنة والمواد الباردة ولا تتقدمه علامات هاكلة وحركات صعبة، وكذلك كل مرض يعطب، فإما أن يعطب على سبيل البُحران أو على سبيل الإذبال، وهو أن تحلل القوة يسيراً يسيراً.

وأفضل البُحران هو التام الموثوق به البين الظاهر السليم الأعراض الذي أنذر به يوم من أيام الإنذار، فوقع في يوم بُحراني محمود. وكل بُحران، فإما جيد وإما رديء، واحد، إما تام وإما ناقص. والجيد، إما بأن تدفع الطبيعة المادة دفعاً كلياً، وإما بانتقال. وقد يكون من البُحران الناقص ما يليه إما في الجيد فتحلل، وإما في الرديء فذبول، والبُحران الناقص ينذر يومه بيوم البُحران التام إن كان إنذاراً على سبيل ما نبينه من حال أيام البحران، وأيام الإنذار وذلك في الجيد والرديء معاً، وليتوقع البُحران التام الدفع في أمراض المواد الحادة الرقيقة والقوة القوية، وليتوقع بُحران الانتقال حيث تكون القوة أضعف والمادة أغلظ.

والأول أيضاً يختلف حاله فإنه إذا كانت المادة فيه شديدة الرقة بحرن بالعرق، وإن كانت دون ذلك إن كان حاداً جداً بحرن بالرعاف، وإلا فبالإدرار وإلا فبالإسهال والقيء.

واعلم أن المخاط ومدة الأذن والرمص والدمعة من بحارين أمراض الرأس، والنفث من بحارين أمراض الصدر، وانتفاح دم البواسير بحران جيد لأمراض كثيرة، لكنه إنما يعتري في الأكثر لمن جرت به عادته وأحد البحارين وأقربها من الفصل الرعاف لأنه يبلغ نفض المادة في كرة واحدة، ثم الإسهال ثم القيء، ثم البول، ثم العرق، ثم الخراجات والخراجات من قبيل بحران الانتقال وقد يتفق أن تكون الخراجات أقوى من العرق في البُحرانية، وكثيراً ما تزول بها الأمراض دفعةَ إن كانت سليمة أو كانت رديئة تميت الأعضاء، فإن الخراجات التي تكون بها البحارين تكون من أصناف شتى، دماميل ودبيلات وطواعين ونملة وجمرة ونار فارسية وأكلة وجدري وخوانيق وقروح تكثر في البدن.

وقد يكون البحران أو شيء منه بتعقد العضل والعصب، وبالجرب بأصنافه والقوباء والسرطان والبرص وبالغدد وداء الفيل والدوالي وانتفاخ الأطراف وغير ذلك، ومن أصناف الانتقال ما لا يؤدي إلى الخراج، بل يفعل مثل اللقوة والتشنج والاسترخاء وأوجاع الورك والظهر، والركبة واليرقان، وداء الفيل والدوالي.

واعلم أن البحران الكائن بالانتقال ما لم يقع الانتقال الذي يبحرن به لم تقع العافية، وأما تقرر الانتقال خراجاً في عضو أو شيئاً آخر، فربما كان بعد العافية وأحمد الانتقالات ما كان إلى أسفل، وأحمد الخروج والانتقال ما كان إلى خارج وبعد النضج التام، وبعيداً من الأعضاء الشريفة.

وكما أن للمستدل أن يستدل من الأحوال المشاهدة على ما يريد أن تكون من غلبة السلطان الحامي، أو غلبة العدو الباغي، كذلك للطبيب أن يستدل من الأحوال المشاهدة على البُحران الجيد والبُحران الرديء.

وكما أن الباغي إذا غزا المدينة وأمعن في المناجزة وضيق وثارت الفتنة، وظهرت علامات الإيقاع الشديد والسلطان الحامي بعد غير آخذ بعدده ولا متمكن من استعمال آلاته، كانت العلامات المشاهده دالة على رداءة حال السلطان، وإن كان الحال بالضد، كان الحكم بالضد، كذلك إذا حرك المرض علامات البحران التي سنذكرها من قبل وقوع النضج، دل ذلك على بحران رديء. وإن كان هناك نضج ما، على بحران ناقص.

وإن كان نضج تام دل على بحران جيد تام، والبحران التام يكون عند المنتهى. وربما ورد عند الأخذ في الإنحطاط، ولهذا السبب، ما يتعوق البحران التام في البرد الشديد، لأن العلة يعسر انتهاؤها فيه، فكيف انحطاطها.

وكثيراً ما يجب على الطبيب أن يتلافى ضرر البرد فيسخن الموضع ويصب على بطن المريض دهناً حاراً إلى أن يرى أن العرق يبتدئ، ثم يمسك عن صب الدهن ويمسح العرق ويحفظ الموضع على الاعتدال. واعلم أن حركات البُحران إذا وقعت في الأيام والأوقات التي جرت العادة من الطبيعة أن تناهض المرض فيها مناهضة، تكون عن استظهار من الطبيعة في اختيار الوقت واعتبار الحال، بإذن الله تعالى، كان مرجوًا.

وإن وقعت المناهضة قبل الوقت الذي في مثله تناهض من تلقاء نفسها، فتلك مناهضة إخراج من المرض إياها واضطرار، وذلك مما يدل على شدة مزاحمة المرض وإثقال المادة، كما تنهض عند إيذاء الخلط لفم المعدة فتحرك القيء، أو لقعرها فتحرّك الإسهال. وكذلك الحال في إحداثها السعال والعطاس، وكذلك إذا كانت الدلائل تدلّ على أن البحران يقع في يوم ما كالرابع عشر فيتقدم عليه، وتوجد مبادي البحران تتحرك قبله في يوم.

وإن كان باحورياً مثل الحادي عشر، فإن ذلك يدل على أن البحران. لا يكون تاماً، وإن كان قد يكون جيداً، لأنه أيضاً يدل على أن الطبيعة عوجلت بالمناهضة. فإن كان المرض رديئاً خبيثاً، فليس يرجى أن يكون البحران جيداً، وإن كان المرض سليماً، فليس يرجى أن يكون البحران تاماً، وبالجملة فإن تقدم حركات البحران قبل المنتهى المستحق في ذلك المرض، إما أن يكون لقوة المرض، أو لشدة حركته وحدّتها، وأما لسبب من خارج يزعج الساكن منه كخطأ في مأكول أو مشروب أو رياضة أو لعارض نفساني، فللعوارض النفسانية مدخل في تحريك البحران وفي تغيير جهته، فإن الفزع يجعل البحران إسهالياً أو قيئياً أو بولياً، والسرور يجعله عرقياً وذلك بحسب حركة الروح إلى داخل وإلى خارج.

وإذا كان تقدم المناهضة بحيث يخير القوة إخارة لا يثبت معها دون المنتهى، فهو دليل الموت وربما بقيت للقوة بقية إلى المنتهى، فكانت سلامة. واعلم أن البحران لا يقع في وقت الراحة والإقلاع، ولا في وقت التفتير عن الشدة إلا نادراً قليلاً، وأولهما أقلّ وإنما رآه اركيعانس في تجاربه مرتين، و جالينوس مرة. وإن أفضل البحران، ما يكون في وقت المنتهى الحق، وما يتقدمه غير موثوق به بل يكون إما ناقصاً وإما رديئاً إزعاجياً، وأما في الإبتداء فلا يكون بحران البتة إلا مهلكاً، وبالجملة عروض علامات البحران في أوائل المرض يدل على هلاك في تزيّده إن كانت محمودة يدلّ على بحران ناقص، وأما في الانحطاط فلا يكون بحران أصلاً، وأما كيف يقع الموت فيه أو حاله يشبه البحران الجيد فسنقول فيه من بعد. واعلم أن البحران في الأمراض السليمة يتأخر، لأن الطبيعة لا تكون محرجة، فيمكنها أن تصبر إلى أن تجد تمام النضج.

وفي القتّالة تتقدم ولن يتفصّى العليل عن عهدة مرضه دفعة ليست على سبيل التحلل إلا وقد كان استفراغ محمود، أو خراج محمود، وأما التحلّل المخلص والذبول المهلك فلا يتقدمهما أعراض هائلة ولا إستفراغات محسوسة.

واعلم أن الأمراض مختلفة فمنها ما تتحرك في الابتداء، ثم تهدأ وتسكن ومنها ما هو بالعكس، وكثيراً ما تدلّ الدلائل على أن البحران يكون بدفع الطبيعة مادة المرض إلى جانب في اندفاع المادة إليه ضرر، فيحتاج أن يقوّي ذلك الجانب وذلك العضو وتميل المادة إلى الخلاف.

واعلم أنه ربما جاء بحران جيد ويحسب من السادس، فإذا هو من السابع، وقد صح أول المرض فإن البحران الجيد قلما يكون في السادس. واعلم أن أصناف تغير الأمراض ستةٍ ، فإن المرض إما أن يتغير إلى الصحة دفعة، وإما إلى الموت دفعة، وإما أن يتغير إلى الصحة قليلاً قليلاً، وإما أن يجتمع فيه الأمران ويؤول إلى الصحة، أو يجتمع فيه الأمران ويؤول إلى الموت.

واعلم أن اسم البحران على ما ذكره من يعتمد قوله مشتق من لسان اليونانيين من فصل الخطاب الذي يتبين لأحد المتجادلين أو المتخاصمين عند القضاة على الآخر، كأنه انفصال وخروج من العهدة.

قول كلّي في علامات البحران: إن البحران قد يتقدمه، إن كان وقوعه ليلياً ففي النهار، أو كان وقوعه نهارياً ففي الليل، أحوال وأمور هي علامات له مثل: القلق والكرب، والتململ، والتنقل واختلاط الذهن والصداع وأوجاع الرقبة والدوار والسمر والخيالات في العينين والطنين والدوي والحكة في الأنف وتغيّر اللون في الوجه والأرنبة دفعة إلى حمرة أو صفرة، واختلاج الشفة والعينين، والعطش والخفقان ووجع في فم المعدة وضيق نفس وعسره يعرضان بغتة، وثقل الشراسيف وتمدد فيها، ووجع واختلاج ووجع في الظهر واختلاج في العضل ومغص و قرقرة.

وقد يعرض نافض يدل عليه، ويعرض وجع إعيائي وقد يتغير النبض عن حاله فيدل عليه. والعلامات الليلية أشدّ من النهارية وقد يحتبس بسبب البحران أشياء كان من شأنها أن تستفرغ من دم طمث، أو بواسير أو اختلاف فيدل على أن الحركة حدثت بالخلاف في الجهة، والسبب في ذلك أن المادة الفاعلة للمرض تثير أعراضاً ودلائل تدلّ بسبب حركتها وتختلف إما بسبب اختلاف المادة وإما بسبب جهة الحركة.

أما الاختلاف بسبب اختلاف المادة فمثل أن الحركة من المادة إذا كانت إلى فوق، ثم دلت الدلائل من نوع المرض ومن السن والمزاج وغيره أن المادة دموية توقّع الطبيب الرعاف، هان دلت على أنها صفراوية توقّع القيء في الأكثر، اللهم إلا أن تدلّ دلائل أخرى تخصّه بالرعاف فكثيراً ما يكون بحرانه بالرعاف أيضاً، وتتقدمه خيالات صفر ونارية، والرعاف المهول ربما استأصل مواد أمراض خبيثة وعافى في الحال. وإما بسبب جهة الحركة فلأنها إما أن تتحرك نحو الحمل على الأعضاء الرئيسة والتي تليها من الأحشاء فتحدث آفات في أفعالها، ومضار تلحقها مثل ما يعرض في ناحية الدماغ اختلاط الذهن والصداع وما ذكرنا معهما، وفي ناحية القلب الخفقان وسوء التنفس وما ذكرنا معهما، وإما أن تتحرّك نحو الاندفاع ويكون ذلك على وجهين: فإنها إما أن تأخذ في الاندفاع من كل جهة وبعد فتكون إلى جميع الظاهر وهو بالعرق، وإما أن تأخذ نحو جهة وإذا أخذت نحوها فربما كانت الجهة بحيث إذا سلكت لم يكن بدّ من المرور بالأعضاء الرئيسة مثل الجهة العالية، فإن المادة المتوجهة إليها تجتاز على نواحي الصدر وأعضاء التنفس وعلى نواحي الدماغ، فتحدث أيضاً أعراضاً مثل أعراضها لو لم تكن مندفعة بل حاصلة، وربما كانت الجهة نحو أعضاء هي دون الرئيسة كفم المعدة عند قصد المادة المندفعة بالبحران أن تندفع بالقيء، أو هي من الرئيسة إلا أنها حاملة للمؤن غير متأدية بسرعة إلى الفساد، كما تتأدى إلى نواحي الكبد فتندفع من طريق المثانة أو المرارة ومن كل جهة موضع دفع بحراني كما في المعدة للقيء، وناحية الرأس للرعاف ونحوه، وناحية الكبد للبول، وناحية الأمعاء للإسهال.

وإذا كانت الصورة هذه فلا يبعد أن تكون لحركتها في كل جهة علامة تدل على أن المتوقّع من اندفاعها كائن من ذلك القبيل، إن كان البحران المتوقع جيداً، وعلامة تدلّ على أن نكايتها الأولية من جملتها الردية على ذلك العضو إن كان البحران ردياً، وربما كانت علامة واحدة صالحة لأن تدل على جهات كثيرة مثل أن الخفقان قد يدل على أن المادة مندفعة إلى فم المعدة، وقد يدل على أن المادة حاملة على القلب.

وربما كانت العلامة الواحدة دالة على أمر كلي مشترك للحركة إلى جهة، وتتوقّع علامات أخرى يستدل بها على الوجه الذي يندفع به من تلك الجهة مثل الصداع وضيق النفس وتمدد الشراسيف إلى فوق. فإن هذا يدل على أن المادة تتحرك إلى فوق، ثم لا يفصل أنها تندفع من طريق القيء أو من طريق الرعاف إلا بعلامات أخرى، وقد يدلّ على البحران الواقع من جهة ما احتباس ما كان يسيل وينفصل من خلاف تلك الجهة، مثل أن إمساك الطبيعة مع علامات البحران الجيد يدل على أن الحركة البحرانية فوقانية ليست سفلانية، بل هي إما بإدرار أو بعرق أو قيء أو رعاف.

وقد يدلّ نوع المرض على جهة بحرانه مثل ورم الكبد إذا كان في الجانب المحدب فبحرانه إما برعاف من المنخر الأيمن وإما بعرق محمود وإما ببول.

وإن كان في الجانب المقعر كان باختلاف أو قيء أو عرق، ومثل الحمى المحرقة فإن أكثر بحرانها برعاف أو بعرق ويتقدمه نافض، وقد يكون بقيء واختلاف، وخصوصاً لمثل الغبّ، وكذلك حمّى أورام الرأس يكون بحرانها برعاف أو بعرق غزير.

والحميات البلغمية والباردة لا يكون بحرانها برعاف البتة ولا ذات الرئة ولا ليثرغس، وأما ذات الجنب فهو بين بين، وكثيراً ما يبحرن المرض بحارين أصنافاً يتم باجتماعها البحران مل المحرقة إذا رعفت أولاً ثم تممت بعرق غزير، والحامل كثيراً ما تبحرن بالإسقاط.

واعلم أنه ليس كلما قامت علامات البحران أوجبت بحراناً جيدا أو ردياً بل ربما لم يتبعها بحران أصلاً في الوقت وإن لم يكن بد من بحران يتبعها لا محالة جيداً ورديء في وقت غير الوقت الذي تتصل به العلامات، فإنه ليس كلما رأيت عرقاً وقيئاً واختلافاً وصداعاً واختلاط ذهن أو سوء تنفس أو سباتاً أو غير ذلك من جميع ما نعده كان معه بحران. وإن كان في الأكثر قد يدل فبعضها يكون علامة فقط كالصداع، وبعضها يكون علامة وجهة بحران كالغثيان. وإذا ظهرت علامات البحران، ولم يكن بحران فإما أن تكون على ما قال بقراط دلالة على الموت أو على تعشر البحران، وربما كان أمر من الأمور التي هي من علامات البحران عارضاً لسبب غير سبب إشراف البحران، وإن كان في وقت من أوقات علامات البحران، مثل ما يعرض في الغب المتطاولة قبل النوبة صعوبة واضطراب في أكثر الأوقات المتقدمة على النوبة من غير دلالة على البحران. أما في الغب الخالصة ففي الأكثر تكون علامة بحران، ومما يهديك السبيل إلى أن تعلم في المريض أن سلامته أو موته يكون ببحران أم لا، مراعاتك حركة المرض وقوته وطبيعته والوقت الحاضر، فإن هذه قد تدلك على أن الحال توجب مصارعة قوية بين المادة والطبيعة أو تحتمل مكافأة.

واعلم أن دلائل جودة البحران دلائل تدلّ على استيلاء الطبيعة فلا تختلف، ودلائل رداءته ونقصانه دلائل تدل على معاسرة ومعاوقة تجري بين الطبيعة وبين ما يصارعها، فلا يمكنك أن تجزم القضية بأن الطبيعة تقهر لا محالة إلا أن تكثر وتعظم، فكم رأينا من علامات هائلة من سبات وسقوط نبض وتقطع عرق تأدى بعد ساعات إلى بحران تام جيد، لأن الطبيعة تكون في مثلها قد أعرضت عن جميع أفعالها وشغلت بكليتها بالمرض، فلما صرفت جميع القوة إليه صرعته ودفعته وربما لم تف به وذلك في كثير من الأوقات، لأنها لا تكون قد تعطلت عن جميع الأفعال إلا لأمر عظيم وأوشك بالعظيم أن يعجزها.

واعلم أن ثوران علامات البحران على الاتصال إلى يومين متواليين كالثالث والرابع مثلاٌ يدلّ على سرعة البحران، ثم تكون الجودة والرداءة بحسب القرائن التي سنذكرها، وخصوصاً إذا تقدمت نوبة الحمى تقدماً كثيراً ولا سيما إذا ظهر في النبض تغير دفعة، فإن كان إلى العظم ولا ينخفض فافرح، واعلم أن يبس البدن وقحولته في أيام المرض يدل على بهاء البحران، والأمرأض اليابسة جداً إما قتالة وإما بطيئة البحران.

وقد يدلّ على أوقات البحران وأحواله كلها وأحكام علاماته ما توجد عليه حال المرضى في الأكثر. واعلم أن النبض المشرف كالدليل المشترك لأصناف البحرانات الاستفراغية، ولكن العظيم يدل على أن الحركة إلى خارج بعرق أو رعاف وغير العظيم والسريع إلى الباطن يدل على قيء واختلاف.

وبالجملة كل إجماع على دفع مادة وقد قويت الطبيعة لا يخلو من شهوق نبض وإن لم يكن استعراض وميل إلى الجانبين، وقبل أن يقوى فلا بدّ من انخفاض وانضغاط، وربما اجتمعت علامتان فكان أمران في مثل قيء وعرق ومثل قيء ورعاف وإذ قد فرغنا من هذه القوانين فلنشرع في التفصيل يسيراً.

فصل في علامات حركة المادة في البحران إلى فوق علاَمة ذلك صداع لتصعّد البخار أو لمشاركة فم المعدة أيضاً.

فصل في دلائل القيء وأيضاً من علامات ذلك دوار وثقل في الصدغين وطنين وصمم يحدث ذلك كله دفعة، وقد قارنه أو تقدّمه بزمان يسير ضيق نفس ووجع في العنق وتمدد المراق والشراسيف إلى فوق من غير وجع واشتعال الرأس، واعلم أنه يشتدّ المرض والأعراض ليلاً لأن الطبيعة تشتغل فيه بإنضاج المادة وغير ذلك عن كل شيء.

فصل في علامات تفصيل جميع ذلك إن قارن ذلك ظلمة وغشاوة في العين لا تباريق معها ومرارة فم واختلاج الشفة السفلى، وتأكد الأمر بوقوع وجع في فم المعدة، أو غثيان أو تحلب لعاب وخفقان وانضغاط من النبض وانخفاض، وخصوصاً إذا أصاب العليل عقيب هذا نافض وبرد دون الشراسيف حكم أنه واقع بالقيء، وخصوصاً إذا كانت المادة صفراوية والحمّى صفراوية ليست من المحرقات، وخصوصاً إذا اصفرّ الوجه في هذه الحال وسقط اللون.

وكثيراً ما يجلب القيء الواقع بعد ثقل الرأس ووجع المعدة من الصبيان لضعف عصبهم تشنّجاً، وفي النساء لعادة أرحامهن وجع أرحام، وفي المشايخ لضعف قواهم، أمراضاً مختلفة لانتشار المادة المتحركة فيهم.

وأما إن قارن ذلك تمدد في جهة الكبد، أو جهة الطحال من غير وجع، فإن الطحال يشارك الأعالي أيضاً بعروق فيه تقارب جهة الأنف وعروقه، وإن لم يتصل بها ورأى العليل خيوطاً حمراء ولألاء وتباريق، واحمر الوجه جداً أو العين أو الأنف أو جانب منه وسال الدمع دفعة، وشهق النبض وماجٍ وأسرع انبساطاً، وحك الأنف وكان اشتعال الرأس شديداً جداً والصدع ضربانياً، فتوقع رعافاً، خصوصاً إذا دل المرض والسن والعادة والمزاج وسائر الدلائل على أن المادة دموية على أن الصفراوية أيضاً قد تُبَحرِنُ بالرعاف وينفر بذلك تباريق وخيالات خيطية ونارية صفر ترى أمام العين، وأكثر ذلك في الحمى المحرقة الصفراوية.

وقد تدل جهة لوح الشعاع وحكة الأنف على أن الرعاف يقع من المنخر الأيمن أو الأيسر أو من المنخرين جميعاً، وقد يعين هذه الدلائل أيضاً برد يصيبه يوم البحران ويبوسة البطن والجلد، وقد يدل السن، فإن الرعاف أكثر ما يعرض يعرض لمن سنه دون الثلاثين. وقد يعين هذه الدلائل أيضاً اشتداد الصداع جداً فوق ما يوجبه وقوع القيء مع آلام أخرى واشتعال وحمى، وتكون الإمارات الأخرى جيدة ليست علامات موت، وفي مثل ذلك فتوقع الرعاف لا بد منه فعلى الطبيب أن ينعم النظر في جميع ذلك.

فصل في حكم هذه العلامات المشتركة المذكورة والخاصية من العلامات المشتركة المذكورة ما هو أولى بالرعاف مثل: الدموع والطنين والصمم وتمدد الشراسيف في أحد جانبي الكبد والطحال من غير وجع واشتعال الرأس، ومنها ما هو أخص بالقيء مثل ضيق النفس وتمدد الشراسيف مطلقاً من قدّام وأكثره مع وجع في المعدة واعلم أن ضيق النفس الداخل في علامات الرعاف، إنما يعرض عند استعداد الطبيعة للدفع الرعافي بسبب أن الأجوف يمتلىء ويندفع بمادته إلى فوق فيزحم أعضاء النفس. ومن العلامات الخاصة بالقيء والرعاف ما الموجود في أحدها مقابل للموجود في الآخر، كما أن تخيل شعاعات براقة من علامات الرعاف، ويقابل ذلك تخيل الظلمة والغشاوة من علامات القيء، وحمرة الوجه من دلائل الرعاف ويقابلها سقوط اللون واصفرار من علامات القيء، وربما لم تكن كذلك مثل اختلاج الشفة فإنه من علامات القيء، ولا مقابل له من علامات الرعاف ومثل حكة الأنف فإنها من علامات الرعاف ولا مقابل لها من علامات القيء.

فصل في علامات ميل المادة إلى العرق إذا صار النبض شديد الموجية وكان إمساك اليد على الجلد تحصل تحته نداوة وتصبغ حمرة، وتجد سخونة الجلد مع ذلك أكثر مما كان، وانتفاخه واحمراره أكثر مما كان، وكان البول منصبغاً إلى غلظ وخصوصاً إذا انصبغ في الرابع وغلظ فيِ السابع فأحدث عرقاً يكون، وكذلك إن عرض في مرض من نافض قوي واشتد بعده الحمى، والقوة قوية، والعلامات جيدة فتوقع عرقاً، ولا سيما إن قل البراز والدرور واستمر عليه.

وبالجملة فإن الحميات المحرقة إذا لم تبحرن بالرعاف بحرنت بالعرق، ويتقدمه النافض وأن يرى المريض حماماً وأبزناً واستعداداً له في منامه، فهو دليل عرق وانصباغ البول يدل الدلالة الأولى على أن المادة تبحرن من طريق العروق، وذلك الطريق إما العرق وإما البول ثم ينفصل بما قلنا، ولا يجب أن يتوقع بحران عرق مع استطلاق من الطبيعة غالب، ولا بد في الاستفراغ المتوقع بالعرق، أِن يكون هناك تزيد من الحرارة انتشار واستظهار قوة قوية.

فصل في علامات ميل المادة إلى أعضاء البول يدل على ذلك ثقل في المثانة، واحتباس في البراز وفقدان علامات الإسهال التي سنذكرها، وعلامات القيء والرعاف والعرق التي ذكرناها.

واعلم أن حرقة الإحليل مع ثقل المثانة وسائر الدلائل دليل قوي على أن البحران، بالإدرار، وقد يدل عليه ثوران البول وغلظه في سائر الأيام ووجود الرسوب فيه، وَرَبما عرض الإدرار على دلائل البراز وعلى ما ذكرت في باب البراز.

واعلم أنّه إذا كثر اجتماع البول في المثانة مع قلة انطلاق البطن وقلة العرق في ذلك الوقت، أو في طبع العليل، وهيئة أعضائه وجسو ظاهره فتوقّع البحران بالبول دون الاختلاف والعرق وخصوصاً في الشتاء.

فصل في علامات ميل المادة إلى طريق البراز يدل عليه أوّلاً حبس الفضل إذا علم أنّهُ ليس بدموي وإذا علم أنه مع ذلك كثير، ثم يؤكده من علاماته: حصر البول، ومغص يجده فيِ جميع البطن، وثقل في أسفل البطن، وفقد لعلامات القيء بل حدوث قراقر وانتفاخ حالب وكثرة انصباغ البراز من قبل مجيئه أكثر من العادة، وعلوّ ما دون الشراسيف ونتوِّه وانتقال قرقرة إلى وجع ظهر.

وربما كان ذلك أيضاً للرياح وربما درّ البول فعارض دلائل البراز، خصوصاً في عليل عسر البطن صلبه عادة صغيرة المجسّة لا سيما في الهواء البارد، ويكون النبض صغيراً مع قوّة وليس بصلب وصغره للانخفاض.

وقد يدل على البحران الإسهالي العادة في قلة الرعاف والعرق وكثرة الاختلاف، وخصوصاً للمعتاد شرب الماء البارد، قيل أنه متى كان البول بعد البحران في حمّى غيبيّة أبيض رقيقاً فتوقع اختلافاً يكاد يسحج، لأن المرار إذا لم يخرج بالبول وغيره خرج بالاختلاف، وقلما يقع بحران باستطلاق مع غلبة عرق أو درور بول.

فصل في علامات أن البحران قد يكون من طريق الرحم إذا لم تجد سائر العلامات ولم يكن استفراغ إسهالي، ووجدت ثقلاً في الرحم، وفي القطن ووجعاً هناك، وتمدّداً فاحكم أنه طمثي.

فصل في علامات أن البحران يكون من انتفاخ عروق المقعدة يدل عليه فقدان سائر الدلائل وعادة هذا النمط من السيلان وثقل في نواحي المقعدة، ونبض عظيم إلى قوة.

فصل في علامات كون البحران بالانتقال علامات البحران الذي يكون بالانتقال قوة الحمى مع ثبات وجع، ومع احتباس الاستفراغات من البول والبراز والنفث والعرق الغزير وتأخر النضج أو عدمه، مع صحة من القوة وجودة من النبض ولا سيما في الأمراض السليمة البطيئة العديمة النضج، وجهة انتقال يدل عليها الوجع وانتفاخ العروق في المواضع الخالية التي تليه وشدة الالتهاب، وأيضاً الجهة التي فيها عضو ضعيف أو وجع المفاصل أو عضو متعب، وأما الشراسيف إذا تمددت وأوجعت فليس يمكن أن يستدل عنها على الموضع نفسه، ولا على جهة، فإن ذلك كالمشترك لجميع الميول.

واعلم أن الانتقالات والخراجات تكون في البرد وفصله في سن الإكتهال أكثر، أما في الأول فلأن البرد حابس ممسك، وأما في الثاني فلأن القوة تعجز عن الدفع التام.

وقال بعضهم من جاوز الخمسين بل من جاوز الثلاثين قل بحرانه بالخراج والانتقال، وليس ذلك بمعتمد، بل الانتقال له سببان: أحدهما في المادة: بأن لا تكون قابلة للدفع الكلي بسبب غلظها في الأكثر وكثرتها في الأقل، والثاني في القوة: وهو أن لا تكون القوة قوية جسداً شديدة التسلط ولا ضعيفة أيضاً عاجزة لا تمنع البتة عن الأعضاء الرئيسة، والاثنان من هذه الأسباب مناسبان لأوائل الشيخوخة، وكثيراً ما تقوم علامات الانتقال فيطرأ عليها استفراغ عظيم وخصوصاً ببول غزير أبيض فلا يقع الانتقال.

فصل في علامة أن ذلك الانتقال إلى الأسافل حدوث وجع إلى أسفل مع التهاب وانتفاخ من الحالبين والوركين.

فصل في علامة أن ذلك الانتقال إلى الأعالي يدل عليه ثقل الرأس والحواس، خصوصاً السمع حتى ربما أدى إلى الصمم بعد ضيق من النفس وتغيّر من نظامه كان فسكن كل ذلك بغتة وحدث في الرأس ما حدث، وكذلك إن حدث سبات، وأكثر هذا يكون بخراج في أصل الأذن، وكذلك إن دام درور الأوداج وضربان الأصداغ وحمرة في الوجه لابثة.

فصل في علامات الانتقال إلى مرض اَخر إذا رأيت المرض الحاد يقوى عند الانحطاط فاعلم أن وجهه إلى المرض المزمن.

فصل في علامات البحران الخراجي إذا كانت القوّة صحيحة والعلامات جيدة ودامت رقة البول زماناً طويلآ، فذلك مما ينفر بالخراج، وحيث يكون المرض من مادة فيها حرارة وكذلك إذا أقبل العليل من غير بحران ظاهر بل على سبيل انتقال، ثم رأيت شرياني الصدغ شديدي الانبساط كثيري الضربان لا يهدآن، وترى اللون حائلاً والنفس متزايداً، وربما رأيت سعالاً يابساً، فمن به ذلك فهو متعرض لخراج في مفاصله.

والعضو الذي يختص في المرض بعرق أكثر فهو الذي يتوقّع فيه الخراج أكثر، وفصل الشتاء وسنّ الاكتهال على ما ذكرنا من دلائل وقوع البحران بالخراج، بل من أسبابه، وتكون الخراجات الكائنة حينئذ بطيئة القبول للنضج، إلا أن المعاودات منها في الشتاء والشيخوخة أقل لما يوجبه البرد من السكون، على أن بعضهم قال بخلاف هذا على ماحكيناه.

وإذا كثر البول المائي عند صعود الحمى دلّ على أن وجعاً يحدث بالأسافل من البدن، ومن الدلائل القوية على بحران الخراج تأخّر البحرانات الأخرى، وتطاول العلة إلى ما بعد العشرين ومثل هذه العلة المتطاولة إذا عرضت فيها أوجاع دفعة في بعض المواضع يوقع الخراج، وفي الحميّات الإعيائية إذا لم يكن إدرار ثخين ولا رعاف ولا إسهال يوقع خراج المفاصل، خصوصاً في يوم باحوري.

ومن الدلائل القوية عليه أن لا يكون ذلك البحران للبطيء تاماً مع بطئه، ولا معاوداً بعلامات أخرى، والحميّات الإعيائية إذا لم تبحرن في الرابع ببول ثخين توقّع رعافاً، فإن طال توقّع خراجات المفاصل التي تعبت، أو إلى جانب اللحيين كان الإعياء من رياضة أو من تلقاء نفسه، لكن الخراج الواقع في اللحيين في التمددي أكثر لأن المفاصل تعبها ليس بشديد، فلا يكون فيها من المفاصل جذب، ويكون من الحمى تصعيد ومن اللحم الرخو قبول، والإعياء إذا كان حركيا كان ذلك في المفاصل أكثر.

وكثيراً ما يتوقع الخراج وتدلّ عليه علاماته فيبول صاحبه بولاً فلا كثيراً غليظاً أبيض فيندفع، وإن كانت الحمّيات مبتدأة بنافض مقلعة بعرق قلّ فيها الخراج، وذلك مثل الغَبّ والربع إلا أن تعكون المادة كثيرة جدّاً.

وبالجملة فإن النافض المعاود يستفرغ بنفضه كل يوم مادّة كثيرة، فقلما يفضل فيها للخراج شيء هذا إذا كان نافض وحده فكيف مع عرق، والإدرار الغليظ أيضاً يقلّ معه الخراج والخراجات التي في المزمنة المتطاولة تكون في الأكثر في الأعضاء السفلى، وفي التي هي أحد في الأعضاء العليا، وفي المتوسطة وفي الجانبين وفي ليثارغوس خراجات أصل الأذن، وهذه الخراجات كثيراً ما يقع بها بحران تام، وذات الرئة كثيراً ما تبحرن بخراجات المفاصل.

فصل في أحكام أمنال هذه الخراجات ما حدث من هذه الخراجات وغاب من غير انتفاخ لم يخل حاله من أمرين: إمّا أن يعود أعظم مما كان أو يعود المرض، أو تندفع المادة إلى المفاصل وإلى أعضاء وجعة أو متعبة أو ضعيفة. وخير هذه الخراجات ما أورث خفّاً وكان بعد النضج وكان شديد الميل إلى خارج وكان بعيداً من الأعضاء الشريفة.

وما كان من هذه الأورام ليناً متطامناً تحت اليد فإنه أقل غائلة من الصلب الحاد إلا أنه أبطأ لأنه أبرد، وإنما تقل غائلته لأنه لا يصحبه وجع شديد، وأمثال هذا إن بقيت معها الحمّى ولم تتحلل تجمع بعد ستين، والتي دونها ما بين ستين وعشرين.

وأقلّ الخراجات غائلة أن يكون العضو الممال إليه سافلاً وأن يكون مع كونه سافلاً خسيساً واسع المكان يسع جميع المادة، فإنه إن لم يسعها عرض من رجوعها ثانياً إلى المواضع التي كانت تفسد فيها ما يعرض لها إذا ردعها الطبيب الجاهل بالتبريد فانكفت إلى حيث أتت منه، وقد ازدادت شراً بما جرى عليها من العفن والتردد وقتلت. وشر الخراجات البحرانية ما يكون إلى داخل وفي داخل لكن أولى المواضع بالخراج ما كان ضعيفاً وبه مرض مزمن، وخصوصاً في الأسافل والذي يختص بكثرة سيلان العرق منه، وأفضل الخراجات وأبعدها من أن يتبعها نكس ما انفتح، كما التي تغيّب منها أدلها على النكس.

فصل في علامات وقوع التشنج الصبيان إذا كثر بهم التَفزع في النوم وانعقلت طبيعتهم وكثر بكاؤهم وحالت ألوانهم إلى حمرة وخضرة وكمودة، فتوقع التشنج وذلك إلى تسع سنين، وكلما صغروا. كان ذلك أكثر.

وأما الشبان، فإذا احولت أعينهم في الحمى الحادة وكثر طرفهم واعوجت أعناقهم ووجوههم وكثر تصريف الأسنان منهم فاحكم بوقوع التشنج، وكثيراً ما تطول أوجاع الرقد والثقل في الرأس بحمى وغير حمى، فإذا كان ورم حار خصوصاً في نواحي هذه المواضع فاقطع به.
فصل في علامات وقوع النافض إذا رأيت في الحمّى الحادة علامات السلامة وعلامات بحران جيد وقل البول، فاعلم أنّه سيحدث نافض يقع به البحران، إلا أن يأتيك اختلاف بطن مجاور الاعتدال. وأما المعتدل فلا يرد النافض المتوقع وكثيراً ما يتلوه عرق، فإن النافض في الأمراض الحادة المحرقة مقدمة العرق.

فصل في العلامات الدالة على البحران الجيّداعلم أن أجود علامات البحران الفاضل هو أن يكون النضج قد تم، ثمّ أن يكون في يوم من أيام البحران المحمود التي سنذكرها، وقد أنذر به يوم يناسبه من أيام الإنذار، وكان باستفراغ لا بانتقال ولا بخراج، وكان استفراغه من الخلط الفاعل للمرض وفي الجهة المناسبة، وقد احتمل بسهولة، وقد توثق بجودة البحران طبيعة المرض في نوعه كالغب والمحرقة إذا وجد بحراناً مناسباً وفي أحواله كالتي يجري فيها أمر القوة والنبض على ما ينبغي وحال القوّة وحال النبض في أوقات العلامات الصعبة إذا كان قوياً مبيناً، وخصوصاً إذا كان يزداد قوة وثقل اختلافه ويستوي فهو العمود المعمول عليه وتمام ذلك مصادفة الراحة والخفّة.

واعلم أن العلامات الرديئة إذا اجتمعت، وكان اليوم باحورياً فالرجاء أقوى وأصح من أن يكون بالخلاف، فيجب أن تعتمد ذلك، وكثيراً ما تعظم العلامات الهائلة وترى النبض يصحّ ويستوي ويقوى.

واعلم أن المريض الجيد الأخلاط إذا مرض فظهر النضج في بوله أول ما مرض فقد أمنت، وكلما ظهرت به علامات هائلة فإن الفرح بها أوجب لأن البحران أقرب.

فصل في العلامات الدالة على البحران الرديء وأصولها وأوائلها أن تكون مخالفة للعلامات الجيدة المذكورة وذلك مثل أن تكون حركة البحران قبل المنتهى والنضج، ويسميه أبقراط سابق السبيل، وقد عرفت السبب في رداءته وأن يكون في يوم غير باحوري، وأن يكون النبض يأخذ معه إلى السقوط والصغر.

واعلم أن علامات البحران إذا جاءت قبل المنتهى والنضج، وتبعها استفراغ ذريع، فلا يجب أن تغتر به، فذلك للكثرة وهو دفع عن عجز من غير تدبير كما أن الخف الذي يجده المريض من غير استفراغ ظاهر مما لا يجب أن يغتر به، فذلك لسكون من المادة لا لصلاح منها، بل كثيراً ما تنضج أيضاً، وتعجز الطبيعة لضعفها عن دفعها.

فصل في أحكام العلامات الدالة على البحران الرديء إذا اجتمعت علامات رديئة من عدم نضج أو تغيره عن الواجب وغير ذلك من العلامات الرديئة وحكم منها على العليل بموته، يوقف الحكم على السرعة والبطء مما يتعرف من حال الأسباب المتقدمة للبحران مما قد ذكرناه، مثال هذا أنه إذا كانت العلامات رديئة وكان رسوب أسود وغير ذلك وذلك في الرابع، فالموت في السابع أو في السادس إن أوجبت الأسباب المذكورة تقدماً.

فصل في علامات النضج وأحكامها النضج يعرف من البول، وقد فسر في موضعه، ويجب أن لا يُغتَر بشدة صبغ البول إذا لم يكن رسوب، فإن ذلك ليس للنضج. وعدم النضج في القوام أضر منه في اللون، فإن بالقوام تتهيأ المادة لعسر الاندفاع، أو سهولته.

وإذا ظهرت علامات النضج مع أول المرض، فالمريض سليم لا شك فيه، وإن تأخرت فليس يجب أن تكون دائماً مع خطر، فربما كان طويلاً لا خطر فيه، ولا بد من أن يكون طويلاً. وكلما كان بحران جيد، فقد كان نضج، وليس كلما كان نضج كان بحران، بل ربما كان المرض ينقضي بتحلل.

واعلم أنه لا تكون للحمى مع ظهور النضج صولة، كما لا يكون مع نضج الورم وجع شديد، وإذا تأخر النضج ورأيت الأعراض جيدة، والقوة ثابتة فتوقعه.

فصل في أحكام العلامات مطلقاً ليس كل تغير دفعة في اللون أو في اللمس رديئاً، بل ربما دل على خير عظيم وبحران نافع، بل اعتبر مع ذلك حال البدن عقيب ذلك وما كان من العلامات الذبولية في السحنة والوجه والأطراف، واقعاً بسبب سهر وتعب ورياضة وإسهال، فهو سليم ويعود إلى الصلاح في يومين أو ثلاثة، وما كان بسبب الإحتراق وسقوط القوة فهو رديء.

فصل في ذكر العلامات الجيدة العلامات الجيدة هي: الاحتمال للمرض، وثبات القوة والسحنة معه وإن اشتدت أعراضه، وقوة النبض واشتداده وانتظامه وظهور علامات النضج، وإنجاح البحران وجودة علامته والخف يؤخذ عقيب الاستفراغ، وإقبال النبض معه إلى الجودة والإقشعرار العارض عقيب الاستفراغ من العلامات الجيّدة، فإنه يدلّ على إقلاع السخونة، ويعقب البرد مع إقلاع المادة، وأفضل ذلك أن يكون الاستفراغ من الخلط المؤذي بسهولة وعلى استقامة.

واعلم أن ثبات القوّة مع العلامات الرديئة يوجب الرجاء، وكذلك ثبات العقل وجودة التنفس وسهولة احتمال ما يطرأ من الأحوال الهائلة الغريبة، ووجود الخفّ عقيب النوم جيد، ومن العلامات الجيّدة: الشهوة باعتدال، وحسن بقبول الغذاء ومنفعته ونعشه ونجوعه. ومن العلامات الجيدة: التّنفس الحسن السهل. ومن العلامات الجيّدة: السحنة الطبيعية، والاضطجاع الطبيعي، والنوم الطبيعي، واستواء الحرارة في أعضاء البدن. واعلم أنّ العلامات الجيدة مع صحة القوّة تدل على عافية عاجلة، ومع ضعفها تدل على عافية بطيئة.

فصل في أحكام العلامات الرديئة إعلم أن العلامات الرديئة التي في الغاية من الرداء تنذر بالموت. فإن كانت القوّة قويّة، طال المرض، ثم قتل، وإن كانت ضعيفة قتل من غير طول.

وكثيراً ما تظهر علامات مهلكة وفي أيام رديئة ثم يعرض بحران جيد وانتقال مادّة إلى عضو وتكون سلامة، ويجب أن تثق بالعلامات الجيدة عند المنتهى، وتخاف المهلكة إذا بادرت، ولا تحكم بها أيضاً ما لم تر القوة تسقط.

وسقوط القوة وحده علامة رديئة، ثم يجب أن تراعي في الأمراض الحادة التي مبدؤها عضو معين كالصدر لذات الجنب ما يكون من أحوال ذلك العضو فإنها أدل من أحوال عضو آخر، فإن نضج النفث في ذات الجنب أدل على السلامة من نضج الماء.

ويجب على الطبيب المتفرس إذا رأى في الوجه والعين وغيره هيئة رديئة غير طبيعية بحسب الأكثر أن يتعرف أولاً، هل ذلك طبيعي بحسب ذلك الشخص، فلا يحكم جزماً حتى في النبض أيضاً، وأيضاً أن يتعرف هل ذلك من المرض أو من سبب باد، فربما حدث مثلاً على اللسان صبغ رديء وخشونة مفرطة لأكل شيء ذلك فعله، لا المرض.

فصل في ذكر العلامات الرديئة العلامات الرديئة تختلف بحسب فعل عضو عضو وبالحري أن نذكر ذلك بالتفصيل.

فصل في العلامات الرديئة المتعلقة بالسحنة واللون إذا كانت سحنة الحمى كسحنة الميت لا لسهر ولا لجوع ولا لاستفراغ، فهو علامة رديئة والوجه الذي يشبه وجه الميت ويخالف وجوه الأصحاء هو الذي غارت عينه وتحدد أنفه ولطأ صدغه وتقبض وبرد أذنه وانقلت شحمته وتمددت جلدته وكمد لونه أو اسود أو اخضر وعلته غبرة، وخصوصاً إذا كانت كغبرة القطن المندوف، فإنها علامة موت عاجل. واعلم أنه إذا مرض الصحيح القليل المرض دل على خطر، وما كان من هذا التغيّر لأسباب غير المرض، فإنه يعود سريعاً إلى الحالة الطبيعية ولو في يوم وليلة.

وأما الآخر الذي سببه المرض وهو الذي علامته رديئة فلا يعود إلى الصلاح بالهوينى على أن الأول الذي بسبب الجوع والاستفراغ والسهر، وما ذكر معها ليس بجيد أيضاً ولكنه أسلم من غيره. فإن اتفق ذلك في الأمراض الحادة كان رديئاً ودليلاً على أن المرض سيغلب، ومع ذلك فهو أسلم من الكائن في الأمراض الحادة بسبب المرض لا بسبب ذلك المعاون.

وكذلك يجب أن يتعرّف الفرق بين ما يظهر من علامات الانخراط وتغير اللون بسبب فساد المرض، أو بسبب سهر، واستفراغ لا يكون به كبير بأس.

وكذلك ما نذكره في العين من ذلك إن كان سببه السهر حدث معه ثقل في الأجفان وميل إلى السبات، وتواتر شديد من النبض، وتقدم سهر مؤذ وما كان بسبب إسهال تجد الإسهال قد تقدم، وأفرط. وما كان من جوع تجد ذلك حادثاً بتدريج لا دفعة، ومما يؤكد أنه من المرض فقدان تلك الأسباب، وشدّة حدة الحمّى وإحساس أشياء كالشرارات تلقى يدك عند المسّ، واصفرار اللون دفعة، علامة غير جيّدة، واسوداده بغتة، علامة رديئة وشر ذلك كله الأسود، فأكثره من موت الغريزة والكمودة تليه، والاصفرار ليس بجيّد لكنه أسلم، لأنه قد يكون عن حرارة ليس كله عن برودة، وربما كان عن سهر أو جوع أو عن وجع، فيكون سليماً، وأن يحدث بالجبهة والأنف غضون، لم يكن علامة رديئة.

فصل في علامات مأخوذة من الصداع الصداع إذا دام والقوة ضعيفة والمرض حاد وهناك علامات رديئة، فالمرض قتال، وإن لم يكن، فيوقع إلى السابع رعافاً، وبعد السابع شيئاً يجري من الأنف أو الأذن، فإن دام إلى العشرين، فقلما يكون انحلاله برعاف، ولكن إما بمدة تجري من المنخرين والأذنين أو خراج وخصوصاً أسفل، وأكثر من يبتدىء به الصداع من أول مرضه، فيصعب عليه في الرابع والخامس، ثم يقلع في السابع. وأكثر ما يبتدىء، يكون في الثالث، ويصعب في الخامس، ويقلع في التاسع، والحادي عشر.

قالوا: وإن كان القياس أن يكون في العاشر فإنه سابع الثالث، لكنه ليس بيوم بحران، وهذا الكلام عندي ليس بشيء فإنه الحساب ليس على هذا القبيل، فإن ابتدأ في الخامس أقلع في الرابع عشر، إن جرى الأمر على ما ينبغي، وأكثر ما يعرض من هذا الصداع يعرض في الغبّ.

فصل في علامات رديئة مأخوذة من جهة الحس أن لا يرى المريض ولا يسمع، علامة رديئة، وأن يهرب عن الأصوات والروائح والألوان ذوات القوّة، علامة رديئة تدل على ضعف الروح النفساني.

فصل في العلامات الكائنة في العين غؤور العينين وتقلصهما، لا بسبب من الإسهال والسهر والجوع، علامة غير جيدة. وكمودة بياض العين واحمرارها إلى فرفيرية وأسمانجونية، علامة رديئة. وتصغر إحدى العينين في الأمراض الحادة، والسرسام ونحوه، علامة رديئة جداً. وأن لا يرى العليل شيئاً علامة مهلكة. والتواء العين وحولها في الأمراض الحادة، علامة رديئة.

وهذا الحول إن كان من تشنج خاص بعضل العين فقط من غير آفة في الدماغ، فعلامة ذلك أن لا يكون اختلاط عقل ونحوه. وأما العلامات المأخوذة مما يرى ويلمع، فإن اللمع السود تدل على القيء أكثر، والحمر والبراقة على الرعاف أكثر وعلى ميل الدم إلى فوق، ويدل على كل واحد دلائله الأخرى، وجريان الدمع من غير إرادة، وخصوصاً من عين واحدة، علامة رديئة، اللهم إلا أن تكون هناك علامة بحران وعافية، وتدل عليه سائر علامات الرعاف مع سلامة علامات أخرى.

وليتفقد من الدموع القلة والكثرة والرقة والغلظ والحرّ والبرد والخروج بإرادة أو بغير إرادة وكراهية الضوء، علامة غير جيدة. فإن اشتد حبه للظلمة فهو قتال، اللهم إلا أن يكون متماد ووجع، فإن لم يكن فهو لسقوط قوة الروح النفساني، والنظر الواقف من غير طرف وحركة، رديء، وكثرة إجتماع الرمص شيئاً بعد شيء، رديء، والرمص اليابس جداً، رديء، ومثل هذا الرمص يتولد من عجز قوة العين الغريزية عن إنضاج المادة، ولذلك يحس مع أكثره كغرزان شيء للعين يروم الخروج، ولا يجوز أن يقال أن ذلك لكثرة الرطوبة الجائية إلى العين بحيث تعجز الطبيعة عن إنضاجها، لأن العين في هذا الحال يابسة غائرة. وعلامات اليبس واضحة، فلذلك تيبس هذا الرمص سريعاً.

ومن العلامات المناسبة لهذه، أن يجتمع على الحدقة وهي مفتوحة شيء كنسج العنكبوت، ثم يتنحى إلى الشفر فيصير رمضاً، ولا يزال يكون كذلك وهو دليل على قرب الموت، وشدة حمرة العين وبقاؤها كذلك في حدة الحمى، علامة رديئة تدلٌ على ورم دماغي حار أو في فم المعدة، وانتقالها إلى تطويس وأسمانجونية أردأ وجحوظ العين أيضاً وكثرة التباريق، دليل رديء، ربما كان لمواد حارة كثيرة وأورام في نواحي الدماغ، وبقاء الجفن مفتوحاً في النوم من غير عادة، علامة غير جيدة. ويبس الأجفان، دليل رديء. وأن تبقى العين في اليقظة مفتوحة حتى لو قرب منها أصبع لم تطرف، دليل قاتل.

وشدة اتساع العين أيضاً مع هذيان ضعف، قاتل. وقيل أن من ظهر به بثر كالعدسة البيضاء تحت عينه، مات في اليوم العاشر، وتظهر به شهوة الحلاوة.

فصل في علامات تؤخذ من جهة الأنف التواء الأنف، رديء ويدل على قرب الموت، فإن السبب فيه تشنج رديء قتال، وتفرطحه، أيضاً رديء، والتعويل في الاستنشاق على الأنف والمنخرين، علامة رديئة. وأن تجد من نفسه ريح المسك أو السمن أو الطين وقطر الماء الأصفر من الأنف في الحميات الحادة، ربما كان دليل قرب الموت. وأن لا يعطس بالمعطسات، دليل الموت. وبطلان حس، وكذلك أن لا يرعفه العقر والخدش، والإلحاح من المريض بإصبعه على أنفه كأنه يثقبه من غير سبب، علامة غير جيدة، وخروج الماء من الأنف، رديء.

فصل في علامات تؤخذ من جهة الأذن جفاف الشحمة وانقلابها، تقبض الصدفة، علامة رديئة. قيل أن وسخ الأذن إذا حلا فهو علامة رديئة عند جالينوس مهلكة، عند الأولين، حدوث ألم بالأذن مع حمى حادة، مخاطرة، فإنه قاتل إن لم يسل منه شيء، ويسكن، وذلك في المشايخ، وأما في الشبان، فيموتون قبل أن ينفتح لشدة حسهم.

فصل في علامات تؤخذ من جهة الأسنان قضقضة الأسنان في الحميات الحادة وكأن صاحبها يأكل شيئاً، علامة غير جيدة. قيل من غشيت أسنانه في الحميات لزوجات، دلت على أن حماه تشتدّ فإنه يدل على حرارة شديدة وعلى مادة لزجة بطيئة التحلل، تعرض المرضى كل وقت لتنقية أسنانهم من غير عادة جرت، دليل غير جيد. صرير الأسنان وتصريفها من غير عادة، ربما أنذر بجنون، وإن،كان الجنون حدث، ثم حدث ذلك دل على هلاك، إلا فيمن هو معتاد لذلك لضعف عضل فكيه، فتصر أسنانه من أدنى سبب، واخضرار الثنايا علامة رديئة.

فصل في علامات مأخوذة من جهة اللسان والفم وما يليه واسوداد اللسان في الأمراض الحادة علامة على الرداءة، وجفوف الفم والريق غير جيد، وإذا يبس أولاً ثم خشن مع المنتهى ثم اسود فهو قاتل، وخصوصاً في الرابع عشر واعلم أن شدة نتن الفم في الأمراض الحادة دليل هلاك، لأنه يدل على فساد الأخلاط كلها. علو إحدى الشفتين على الأخرى من غير خلقة علامة رديئة، التواء الشفة في الحميات الحادة رديء. تشقق الشفتين في الحميات يدل على فرط الالتهاب، وتقلصهما وبردهما رديء، بقاء الفم مفتوحاً في الأمراض الحادة دليل رديء، إفراط يبس اللسان علامة غير جيدة.

قيل إذا بان على اللسان في حمى حادة كالحمص الأسود أو كحب الخروع، فالموت قريب، وتعرض له شهوة الأشياء الحارة.

خشونة اللسان ويبسه، دليل برسام، وتأمّل في خشونة اللسان وتغيّر لونه فضل تأمل كيلا يكون سببه شيئاً صابغاً.

واعلم أنه ليس ينصبغ اللسان بالخلط الغالب في كل حال ما لم يكن مترقياً بجوهره، أو ببخاره من بعض الأعضاء المشاركة.

فصل في علامات تؤخذ من أحوال الحلق والمريء ونواحيه الاختناق بغتة، لا في يوم بحران، علامة رديئة. والاختناق بلا زبد، أخف. فإن الإزباد لا يكون إلا وقد بلغ القلب في السخونة مبلغاً تعطل له أفعال الرئة والحجاب فلا يستطيَع أن يرد النفس بالاستواء وهذا لا يكون، ولا ورم في الحلق إلا لأمر عظيم، وقد يكون كثيراً بل في الأكثر بسبب الدماغ، وبالجملة، إذا حدثت في الحمى القوية خوانيق صعبة، فقد أطل الموت، لأن القلب يقتضي بسبب شقة الحرارة نسيماً كثيراً وقد سد سبيله، فيلتهب القلب، ويفرط سوء مزاجه فلا يحتمل الحياة.

وكذلك اعوجاج الرقبة مع امتناع البلع، فإن ذلك إما أن يكون لزوال الفقار أو لشدة اليبس، ولا شر منهما مع الحمى، وأيضاً أن لا يستطيع البلع إلا بكد دليل رديء، وكذلك أن يشرق بالماء فيخرج من أنفه، وكذلك إذا غص بريقه كل وقت فهو دليل غير جيد.

فصل في علامات تؤخذ من جانب المعدة وفمها الفُواق في الأمراض الحادة، رديء، وخصوصاً عقيب الإسهال، وكذلك الالتهاب في المعدة، والخفقان المعدي مع حرارة الحمى، رديء.

فصل في علامات رديئة تؤخذ من أعضاء التنفس النفس البارد في الأمراض الحادة رديء، يدل على موت الغريزة. وكذلك المختلف، رديء، والنفس الشبيه بنفس الباكي المنقطع الذي يستنشق الهواء، كذلك سوء التنفس الكائن لاختلاط العقل، رديء، والذي للأورام في نواحي الصدر، أردأ، والذين يحضرهم الموت تربو بطونهم، ويتتابع نفسهم مع ضعف ويتنفسون صعداء.

فصل في علامات مأخوذة من هيئة العروق قال بقراط: إذا انتصبت الأوردة الصغار عند الجبين والجفون والترقوة، فهو رديء. تغير لون العروق الظاهرة عن حالها إلى تطويس وفرفيرية وظهور ما لم يظهر منها قبل ذلك بهذه الصفة، رديء.

فصل في علامات رديئة تؤخذ من استرخاء البدن وسوء الاستلقاء والضعف إن استرخاء البدن وسوء الاستلقاء والضعف قد يكون بسبب كثرة الأخلاط الغليظة في الأحشاء، وقد يكون ليبس البدن وشدة قلة الأخلاط، وقد يكون لفرط ضعف القوة في العضل، وليس الدليل الفارق بينها كون البدن غليظاً أو نحيفاً كما ظن قوم، فكثيراً ما تكون الأحشاء مملوءة رطوبات والبدن ناحل، وكثيراً ما تضعف القوى في العضل والبدن السمين، بل العلامة سائر ما قيل في مواضع أخرى. فصل في علامات رديئة مأخوذة من قبل هيئة الاضطجاع الاستلقاء على الفراش، لا على الهيئة المعتادة، بل على تخليط وخروج عن العادة علامة رديئة، لا سيما إذا كان المريض ينحدر عن فراشه قليلاً قليلاً. ويكون كلما سويته ونصبته النصبة الجيدة انقلب على ظهره، ويحب الاستلقاء، ويحب كشف الأطراف ويطرحها طرحاً غير طبيعي من غير حرارة ظاهرة جداً. فيكون السبب كرباً عظيماً.

ويجب أن تراعي في هذا أيضاً أمراً واحداً، فربما كان الإنسان عبلاً ثقيل البدن، سريع الاسترخاء، يحب في حال الصحة أن يضطجع كل وقت على هذه الهيئة، أو يكون المانع وجعاً من غير الاستلقاء، فذلك أيضاً مما لا يعظم معه الخوف كل نصبة غير معتادة من استلقاء، وامتداد وغير ذلك لم يكن يفعله في حال الصحة، فهو في الأمراض الحادة رديء.

واعلم أن حبّ الاستلقاء إما لكثرة أخلاط في الأحشاء، أو ليبس، وتحلل الأخلاط فيضعف العضل، أو لضعف يعرض للعضل من جهة أخرى، وأن لا يقدر عل الاضطجاع والاستلقاء وغيره، بل يشتهي القعود، دليل رديء، وأكثره لسبب أن النفس تعصى عند الاضطجاع لأورام وآفات في أعضاء النفس قد عرفت الحال فيها فيما سلف، وأن يحب الإعراض عن الناس والإقبال على الحائط، دليل غير جيد، والميل إلى النوم على البطن من غير عادة، رديء، فإنه إمّا عن اختلاط عقل، وإمّا عن ألم في البطن. والاضطجاع الرطب المحمود، وهو الذي تكون مفاصه قابلة للثنية بسرعة.

فصل في علامات مأخوذة من الجلد إذا يبس الجلد بحيث إذا مددته لم يرجع إلى موضعه، فذلك دليل رديء. خروج البخار الحار من الجلد مع النفس البارد، دليل هلاك، ولا يكون إلا لأن حرارة القلب قد فنيت، على ما شهد به القدماء.

فصل في علامات مأخوذة من البطن ونواحي الشراسيف انتفاخ البطن في الأمراض الحادة وقلة انهضامه، وخصوصاً وهناك استطلاق، فهو علامة موت، لا سيما إذا ظهر به بثر واسع، كمد اللون. تمدّد الشراسيف وكون أحد جانبيها أنتأ من الآخر، رديء، وكذلك كون كل جانب أنتأ من جانب هو مثله في النّتو والانخفاض، وكذلك في. لين الملمس وصلابته، دليل رديء. إذا انتفخت المراق لا عن ريح مع قحل ويبس ففي داخلها ورم وليس بها، ؤالألم يقحل، وتمدّد الشراسيف إن كان بوجع، فالمادة مائلة إلى أسفل، إن كان بلا وجع، فالمادة مائلة إلى فوق.

فصل في علامات مأخوذة من المقعدة بروز المقعدة في الحميات الحادة من قبل نفسها دليل رديء.

فصل في علامات مأخوذة من القضيب والأنثيين لين الخصيتين علامة رديئة، وكذلك تورّمهما في الأمراض الحادة. تقلّص الأنثيين والذكر يدلّ على موت الغريزة أو على وجع شديد. الاحتلام في أوّل المرض يدلّ على طول. وهو في آخر المرض أحمد.

فصل في علامات مأخوذة من الأرحام بروز الرحم من المرأة والقبل في حمّى حادة، دليل رديء، وكذلك اختناق الرحم، رديء.

فصل في العلامات الرديئة المأخوذة من الأطراف منها من جهة كيفياتها مثل برد الأطراف مع حرارة الحمى الحادة وثباتها، ولم تقلع، علامة غير جيدة. وأما في المزمنة، فذلك غيرمنكر، وسببه في الحميات الحادة تورم عظيم في الجوف، أو طفو الحرارة الغريزية. وأمّا إظلال غشي وانحلال، وأقوى دلائل برد الأطراف في الحميات الحادة على الهلاك، ما كان البرد يعرض لها في أول المرض، وكذلك إذا كان برد لا يسخن، وهذا كله يدل على انهزام الدم كله إلى الباطن للورم.

كمودة أصابع اليدين والرجلين وأظافيرهما، علامة هلاك. احمرار الأطراف وتفرفرها دفعة، أقتل من كمودتها، فإن وجد ثقلاً فقد قرب الموت، لأن الثقل يدل على ضعف القوة النفسانية، والكمودة تدل على ضعف الحرارة الغريزية، والحمرة على فساد وغلبة أخلاط، والسواد خير من الكمودة والحمرة، ومع هذا كلّه، إذا رأيت العلامات الجيدة، كثيرة، لم يبعد أن يسلم المريض، وتسقط أطرافه المتغيرة، واحتراق الأطراف والجلد، مع برودة الباطن، دليل موت أيضاً. ومنها من جهة أوضاعها، مثل التشنّج، خصوصاً عقيب الإسهال، فإنه قتّال. الكزاز مع الهذيان وشدة الحمى، دليل موت.

فصل في علامات مأخوذة من جهة النوم واليقظة أن يكون النوم نهاراً ليس ليلاً، علامة غير جيدة، وأن لا ينام فيهما جميعاً، شرّ، فإن السبب فيه فساد الدماغ كيف كان. وأسلم النوم النهاري ما كان في أوله، وهذا كله في منتهيات نوائب الحمّى، شرّ.

وأمّا في ابتدائها، فكثيراً ما يكون ولا يضر. والسبات مع ضعف النبض، رديء، فإنه يكون لضعف القوة لا لرطوبة الدماغ، وخصوصاً إن كان مع اختلاط عقل، وربما كان هذا عن عفونة خلط بارد. النوم الزائد في العلة الذي يعقب اختلاط عقل، ويستعجب برد أطراف، رديء، كما أن النوم المعقب خفّاً، جيد.
فصل في علامات رديئة مأخوذة من قبل أعمال اليد لقط الزئبر والتعرض إلى كل وقت لشيء كأنه يلقطه من نفسه أو من الحائط، علامة رديئة، والسبب فيه أبخرة تصعد إلى الدماغ فتخيل ما ليس لانحدارها إلى العين وإلى الرطوبة البيضية.
فصل في علامات مأخوذة من الأوجاع الوجع الشديد في الأحشاء في الحمّيات الحادة، علامة رديئة، تدل على احتراق شديد، أو عظم ورم، أو خراج. إذا كان ببعض الأعضاء وجع شديد ويسكن بغتةً سكوناً تاماً من غير سبب، فذلك رديء.

فصل في علامات مأخوذة من الصوت والكلام والسكوت الصوت القويّ، جيد، والكلام المنتظم، جيّد، وخلاف ذلك، رديء. والسكوت. الطويل، في الأكثر، يدلّ على الوسواس أو على استرخاء عضل اللسان والحنجرة، أو تشنجها أو ذهاب التخيّل الذي هو مبدأ الكلام. وإذا تكلم المريض في البُحْران فهو جيد، وبالجملة، فإن سكوت الكليم يدل على ابتداء أسباب الوسواس، أو شيء مما ذكرناه. وكثرة الكلام من السكيت يدل على ابتداء هذيان واختلاط العقل.

فصل في علامات مأخوذة من العقل الهذيان مع حركة، وضربان في الرأس، والمنخر، سليم، ومع الوقار والسكينة، قتال.

فصل في علامات مأخوذة من الحركات كثرة الاختلاط والقلق، علامة غير جيدة، وتدل على كثرة بخار يرتفع إلى الرأس، توثّب العليل كل ساعة وجلوسه، دليل رديء، وهو لكرب أو لاختلاط عقل، أو ضيق نفس وخناق وذات رئة، وهو أردأ لأنّه يكون أكثره بسبب الخناق وضيق النفس، وإن كان لأسباب أخرى أيضاً. وإذا ثقلت الأعضاء عن الحركة أيضاً، فهو دليل رديء، وإذا كمدت الأظافير، فالموت حاضر. الرعشة علامة رديئة إذا لم يكن لبُحران جيد.

فصل في علامات مأخوذة من الأوهام إذا كان المريض كثير الخوف من الموت فهو خطر.

فصل في أحكام مأخوذة من التثاؤب والتَمطي التثاؤب والتمطّي يكونان بسبب تحريك الطبيعة للأعضاء العضلانية ليدفع منها الفضل، وما دام العضو سخيفاً أو المادة قليلة مجيبة، لم يحتج إلى ذلك، بل يحتاج إليه لضد ذلك، وإذا كان ذلك مع انتقال من حر إلى برد، فهو رد الطبيعة، وهو علامة غير رديئة، ويدل كثيراً على أن الطبيعة ليست تقدر على التحليل إلا بمعونة الليف لكثرة المادة أو لضعف القوة.

فصل في علامات مأخوذة من الأحلام كثيراً ما يرى المريض من جنس ما تبحرن به في رؤياه، مثل ما يرى المبحرن بالعرق أنه يدخل الحمّام وأنه يتهيأ له.

فصل في علامات مأخوذة من الشهوات والعطش ذهاب الشهوة في الأمراض المزمنة رديء وفي الحادة أيضاً، لكن دون ذلك. وبالجملة يدل على أخلاط فاسدة أو موت قوّة نفسانية وطبيعية. وإذا بطل العطش في الحميات المحرقة فهو دليل رديء، وخصوصاً مع سواد اللون.
فصل في أحكام واستدلالات من اليرقان اليرقان قبل السابع وقبل النضج رديء، اللهم إلا أن يتداركه الإسهال على ما زعم بعضهم، وهو على القياس.

وبالجملة، فالبحران قبل السابع ليس يكون بحراناً محموداً، وإن كان اليرقان بعد السابع أيضاً، ليس بذلك السليم ما لم تقارنه علامات أخرى.

وإن عرض يرقان في سابع أو تاسع أو رابع عشر مع علامات محمودة، ومن غير آفة في ناحية الكبد أو صلابة وورم، فهو محمود، وكثيراً ما يقع بمثله بحران تام، ويدل على حمده حال الخف يوجد بعده، ويدل على رداءته حال ضد الخف.

ومما يدل على رداءته أن يكون مع اليرقان اختلاف مرار كثير يغلي غلياناً، وخروج أشياء رديئة محترقة، وفي مثل هذا يكون العليل مخوفاً عليه إلا أن يتداركه إسهال بالغ منقّ، أو عرق سابغ، وتكون القوّة قوية فحينئذ يكون خف بسرعة.

فصل في دلائل مأخوذة من الأورام إذا تأدّت الحمّى الحادة إلى أورام المغابن والأطراف، فهو رديء، أردأ من أن تكون أولاً تلك الأورام، ثم تتبعها حمّيات بسبب العفونة على أن ذلك أيضاً رديء. الأورام التي تحدث في أصل الأذن، ولا تنضج بتقيح رديء أو يعقبها استفراغ، فإن لم يكن شيء من ذلك، ولم ينضج، ولم يعقبها استفراغ قوي من الاستفراغات فهو علامة رديئة.

ولا يجب أن يَغُرك أيضاً النضج إذا عرض للخراج وسائر الأخلاط غير نضجه، فإنّ ذلك غير مغن، كما أنّ هذه أيضاً كثيراً ما تحدث، وقد ظنّ انحطاط فيقتل.

كل بثر وورم يظهر ثم يغور فهو رديء، إلا أن يعود فيستدلّ على قوة الطبيعة، وربما كان الظهور والغؤور معتاد الإنسان ما في طبيعته، فلا تكون دلالته شديدة الرداءة.

فصل في علامات مأخوذة من هيئة البثور وما يشبهها البثور الحمّصية السود في الحمّيّات الحادة، رديء جداً، وإذا تأكدت، هلك صاحبها في الثاني كثيراً. استحالة قروح البدن إلى خضرة وسواد وأسمانجونية أو صفرة، علامة رديئة، والصفرة أخفها. قيل إذا ظهر على ركبة المريض شيء أسود مثل العنب الأسود، وحوله أحمر، مات عاجلاً، فإن امتدّ خمسين يوماً فإن علامة موته أن يعرق عرقاً بارداً، إذا ظهر على الوريد الذي في العنق شبيه بحب الخروع مع خصف أبيض كثير، عرضت له شهوة الأشياء الحارة، ومات في العشرين، وقد ذكرنا ما يعرض في اللسان من البثور المهلكة.

قيل إذا كانت حمّى ما كانت، وظهر على أصابع اليدين جميعاً ورم أسود كحب الكرسنة مع وجع شديد، مات في الرابع، ويعرض له ثقل وسبات، فإن انعقلت الطبيعة مع ذلك حدث سرسام وقد يتعقل حتى يستحجر.

فصل في علامات مأخوذة من النافض النافض الكثير المعاودة في حمى صعبة مع ضعف القوة، مهلك، ومع ثبات القوة أيضاً. إذا لم تقلع الحمى به فليس بجيد، وأردأ الجميع أن يتبعه استفراغ غير منجح لا تسكن معه الحمّى، وإن لم يعرض استفراغ أيضاً، فيدل على أن الخلط متحرك غالب معجز عن دفعه، وهو رديء، وأما العارض مرة واحدة فلا يكاد يصح معه فصل الحكم منه هل هو لضعف مفرط من القوة أم لغيره فصل في أحكام الاستفراغ الاستفراغ النافع بالإسهال والقيء وغيره، هو الذي بعد النضج والذي يستفرغ الخلط الذي ينبغي والذي يكون بسهولة والذي يعقبه الخف. ومن علامات أن الاستفراغ أفنى الخلط الذي يستفرغه كان بدواء، أو غير دواء أن يأخذ في استفراغ خلط آخر، والرديء منه أن يكون وينتقل إلى جرد خراطة دم أسود أو خلط منتن، أو خلط صرف، وكذلك في القيء.

وإذا قصر الاستفراغ بعدما أخذ، فيجب أن يعان، وإذا أفرط الاستفراغ ولم يكن قد بدا النضج، فليس ذلك مما يركن إلى نفعه. والاستفراغ القليل الضعيف من عرق أو رعاف أو غيره يدل على أنّ الطبيعة تحركت ولم تَقْوَ، فإن ساءت العلامات الأخرى، دل على موت، وإن لم يسؤ، دلّ على طول.

فصل في أحكام العرق العَرَقُ نِغمَ البُحرانُ في الأمراض الحادة والمزمنة، البلغمية أيضاً، ولأصحاب الأورام الخطرة وأورام الأحشاء.

فصل في سبب كثرة العرق العرق يكثر إما بسبب المادة لكثرتها، أو رقتها، أو بسبب القوة من اشتداد الدافعة، أو إسترخاء الماسكة، أو بسبب مجاريه إذا اتسعت لأسباب الاتساع، وثقل العرق لأضداد تلك الأسباب، والعرق إذا مسح، در، وإذا ترك، انقطع.

فصل في اختلاف الأعضاء في التعرق وضده الأعضاء التي هي أكثر تعرقاً هي التي فيها المادة الفاعلة للمرض أكثر، والأعضاء التي لا تعرق هي التي لا مادة فيها، أو التي غلب عليها شيء من أسباب ضيق المسام.

ومن ذلك أن الجانب الذي ينام عليه المريض قلما يعرق في الأكثر، لأنه منضغط جاف المجاري لا تسيل إليه رطوبة، ولا تسيل عنه. والعرق يكثر في الأعضاء الخلفانية كالظهر أكثر مما في المقدمة كالصدر، ويكثر في الأعالي أكثر مما يعرق في الأسافل، وخصوصاً في الرأس.

فصل في اختلاف الأحوال في التعرق وغيره النوع أكثر تعريقاً من اليقظة، لأن تصرف الحار الغريزي في الرطوبات فيه أكثر، ولأن إداء النفس فيه أصعب، وذلك محرك للمواد إلى الباطن، قال بقراط: العرق الكثير في النوم، من غير سبب يوجب ذلك، يدل على أن صاحبه يحمل على بدنه من الغذاء أكثر مما يحتمل، فإن كان ذلك من غير أن ينال صاحبه من الطعام. فاعلم أنه يحتاج إلى استفراغ. والسبب في ذلك أن العرق الكثير مع صحة من القوة لا يكون إلا لكثرة مادة من حقها أن تدفعها الطبيعة، وتلك الكثرة إما أن تكون بسبب قريب، وهو الامتلاء القريب. والامتلاء القريب هو من المطعومات الوقتية، ومثل هذا الامتلاء يدفعه الجوع أو الرياضة، أو العرق الذي اندفع بالطبع، وإما أن يكون بسبب متقادم بعيد، وهو من الفضول السابقة، ولا يغني في مثلها إلا الاستفراغ المنقي للبدن منها، وأما العرق فإنه ربما لم يخرج منه إلا اللطيف الرقيق القليل، وترك الفاسد العاصي في البدن، وغادر الطبيعة تحت ثقل الخلط الفاسد وذلك مما يضعفها.

واعلم أنه كلما كانت الحرارة الغريزية أقوى، كان التحلل أخفى، فلم يكن عرق إلا أن تكون أسباب أخرى، ولذلك صار العرق خارجاً عن الطبيعة، لأنه إما عن امتلاء وكثرة وشدة اتساع مسام، وإما لعجز من القوة عن الهضم الجيد، وإما لشدة حركة.

فصل في الأيام التي يكثر فيها العرق ويقل أكثر ما يكون العرق في الأمراض الحادة في الثالث والخامس، ويقل في الرابع، بل يقل أن تبحرن به هذه الأمراض في الرابع، إلا في الندرة. وقلما يتفق على ما زعم المجربون أن يعرق المريض في السابع والعشرين، والواحد والثلاثين، والرابع والثلاثين.

فصل في وجوه الاستدلال من العرق العرق يدل بملمسه هل هو حار أو بارد، ويدلّ بلونه هل هو صاف أو إلى الصفرة أو إلى الخضرة، ويدل بطعمه هل هو مر أو حلو أو إلى حموضة، ويدل برائحته هل هي منتنة أو حامضة أو حلوة أو غير ذلك، ويدل بقوامه هل هو رقيق أو لزج، ويدل بمقداره هل هو كثير أو قليل، ويدل بموضعه هل هو سابغ أو قاصر وأنه من أي عضو هو، ويدل من وقته هل هو في الابتداء أو الانتهاء والانحطاط، ويدل بعاقبته هل يعقب خفا أو يعقب أذى ونافضاً وقشعريرة وغير ذلك.
فصل في العلامات المأخوذة من جهة العرق العرق البارد مع حرارة الحمى، علامة رديئة جداً، وخصوصاً ما اقتص بالرأس والرقبة، وينذر بغشي وإن لم يكن بارد. فكيف البارد وهو أردأ أصناف العرق، لأنه يدل على غشي كان، ليس على غشيّ يكون. فإن كانت الحمّى عظيمة فالموت قريب، ولن يكون عرق بارد إلا وقد سقطت الحرارة الغريزية، فلا تحفظ الرطوبات بل تخلي عنها فتفرقها وتبخّرها الحرارة الغريبة، ثم تفارقها تلك الحرارة لغربتها فيبرد العرق المنقطع رديء.

والعرق الكثير يدل على طول من المرض لكثرة مادته، ولا يوافق صاحبه الفصد والإسهال لضعفه، بل الحِقَن اللينة.

والعرق إذا لم يوجد عقيبه خف فليس بعلامة جيدة، فإن وجد عقيبه زيادة أذى فهو علامة رديئة، ولو كان أيضاً عاماً للبدن، والعرق المسارع من أول المرض رديء، يدلّ على كثرة المادة اللهم إلا أن يكون السبب فيه رطوبة الهواء، لأمطار كثيرة، فيكون مع رداءته أقل رداءة.

وكثيراً ما يبتدىء المرض بالعرق، ثم تتبعه الحمى وتطول، وإذا حدث من العرق إقشعرار فليس بجيد، بل هو رديء، وذلك لأن الاقشعرار يدل على انتشار خلط رديء مؤذ في البدن، وذلك يدل على أن العرق لم ينق بل صرف من الأخلاط الرديئة ما كان مكسور الحدة لمخالطة رطوبات تحللت بالعرق، ويدلّ على أن المادة كثيرة لا تتحلّل بمثل الاستفراغ العرقي. وإذا ضعفت القوة والنبض وعرض الجبين قليلاً فهو علامة رديئة، فإن سقط النبض فهو موت. العرق الجيد الذي يتفق أن يكون به البحران التام، هو الذي يكون في يوم باحوري ويكون عاماً للبدن كله غزيراً، ويخفّ عليه المريض، ويليه الذي لا يعم إَلا أنه يعقب خفا، وبالجملة يعقد من العرق كيفيته في حرارته وبرودته، ولونه ورائحته، وطعمه وكميته في كثرته وقلته وزمان خروجه، هل هو في الابتداء أو الانتهاء أو الانحطاط، وما يقارنه من الحمّى في قوته وضعفه، وما يعقبه من الخفة والثقل. واعلم أن الناقه يكثر عرقه بسبب بقايا من مادة، ولا بأس بالفصد اليسير.

فصل في علامات مأخوذة من جهة النبضالنبض المطرقي والنملي والشديد المنشارية أو الموجيّة، رديء، والغزالي مع الضعف، رديء، والاختلاف الذي فيه انقطاع شديد وحركات ضعيفة ثم يتدارك ذلك واحدة أقوى تداركاً غير متدارك بل من حين إلى حين، رديء جداً. دالوا: قالوا إذا كان النبض الأيسر متواتراً والأيمن متفاوتاً وذلك مع ضعف فهو دليل رديء. واعلم أن كثيراً من الناس نبضهم الطبيعي مختلف رديء من غير مرض، فيجب أن يتعرف هذا أيضاً.

فصل في أحكام الرعاف إن مثل السرسام وأورام الكبد الحارة والأورام الحارة تحت الشراسيف تبحرن بحراناً تاماً برعاف. أما الأول فمن أي منخر كان. وأما الآخر فمن الذي يليه. وكذلك الحمّيات المحرقة، وهي من قبيل الأول، فأما ذات الرئة فلا تبحرن به، وذات الجنب أمره فيه وسط، والغبّ قد يبحرن به، وأكثر ما يعرض الرعاف النافع يعرض في الأفراد، وقلما يكون في الرابع، وأما في الثالث والخامس والسابع والتاسع فيكون. وإذا رجي من رعاف خير وكان ضعيفاً، أعين على ما علمه بقراط بصب الماء الحار على الرأس وبالتكميد. كما إذا خيف إفراطه، منع بالماء البارد ويوضع المحجمة على الشراسيف التي تليه. وأجود الرعاف ما ولى الشق العليل، والمخالف فليس بذلك الجيد، وأولى الأورام أن تبحرن بالرعاف ما كان فوق السرة، والورم البلغمي والذي يأخذ في التحجر ويطول، فتوقع فيه تقيحاً وانفجاراً لا بحراناً برعاف ونحوه، ولا تتوقع في بحران الورم البارد في الدماغ وفي ذات الرئة بحران برعاف.

فصل في دلائل مأخوذة من الرعاف الرعاف القليل رديء، وأكثر الرعاف الرديء هو أسود الدم، وقلما يكون رعاف رديء من دم أحمر مشرق. الرعاف الذي يقع في الرابع يدل على عسر البحران، بل الجيد منه ما يقع في الأفراد.

فصل في دلائل مآخوذة من العطاس العطاس جيد إذا عرض عند المنتهى، وأما في أوائله فهو من أمارات زكام أو خلط لذاع.

فصل في أحكام البراز قد تكلمنا في البراز في الكتاب الأول كلاماً كلياً مختصراً، ولا بد لنا من أن نُشْبعَ القول فيه فضل إشباع، وبحسب ما يليق بالكلام في الأمراض الحادة، واعلم أن من يعرق عرقاً كثيراً فلا يأتيه البحران تام بالاختلاف.

فصل في علامات مأخوذة من البراز إن اختلاف ألوان ما يخرج في البراز محمود في وقتين لا غير، أحمدهما إذا كان الاختلاف بحرانياً عقيب نضج في يوم باحوري وعلامات بحرانية محمودة، والآخر عقيب شرب المسهل المختلف القوي، ويدل في الحالين على نقاء للبدن متوقع. وأما في غير ذلك، فيدل على احتراق وذوبان وكثرة أخلاط فاسدة. البراز المنتن الشبيه ببراز الصبيان وعقى الأطفال، رديء.
البراز المراري من أول المرض يدلّ على غلبة المرار، وهو غير جيد، وفي آخره عند الانحطاط يدل على أن البدن يستنقي وهو دليل جيد. وإذا انفصل البراز المراري كثيراً ولم يخص المرض، فذلك علامة رديئة.

الاختلاف الكثير بعد علامات رديئة وسقوط قوة من غير أن يعقب خفُّا، دليل موت، وإن كانت الحمى مقلعة أيضاً. الاختلاف الذي عليه دسومة، لا عن تناول شيء دسم، يدل على ذوبان الأعضاء الأصلية، وهو دليل رديء وليس بمهلك، فربما كانت الدسومة من اللحم، فإذا صار عليه شبه الصديد وانشبعت الصفرة وغلب النتن، وذلك في الحميات الحادة، فهو مهلك.

الاختلاف الذي يقف على نواحيه شيء رقيق يدل على أنه صديد من الكبد وهو يلذع ويخرج البراز بسرعة وربما خرج وحده، رديء، إذا كان في البراز مثل قشور الترمس، في جميع الأمراض، فهو علامة مهلكة.

فصل في أحكام القيء قد قلنا أيضاً في الكتاب الأول في القيء، ومن الواجب أن نورد ههنا أشياء من ذلك ومن غيره هي أليق بهذا الموضع، فثقول: إن أنفع القيء ما يكون البلغم والمرار المتقيئان فيه شديدي الاختلاط، ولا يكونان شديدي الغلظ، وكلما كان القيء أصرف فهو أردأ، فإن المرار الصرف يدل على شدة حر، والبلغم الصرف، على شدة برد.

فصل في علامات مأخوذة من القيءالقيء المخالف للون القيء المعتاد، وهو الأبيض المائي والأصفر، رديء، وذلك مثل الأخضر والكرّاثي خصوصاً المنتن والسلقي، والقاني الحمرة، والكَمِد، وشره الزنجاري، والأسود خصوصاً إذا تشنج معه، فإنه يقتل في الوقت، إلا أن تكون هناك قوة، فربما بقي إلى يومين، ويجب أن تراعي في ذلك أن لا يكون الصبغ عن شيء مأكول، إذا تقيأ جميع هذه الألوان فهو رديء جداً، والقيء المنتن، رديء، والقيء الصرف، كما ذكرنا، رديء.

فصل في أحكام البول قد سبق منا أقاويل كلَّية في البول، في الفن الذي فيه الأعراض، في الكتاب الأول، ونحن نورد الآن من ذلك ومن غيره ما هو أليق بهذا الموضع، فنقول أنه لا يجب إذا لم ير في البول علامة نضج قوي أن يقضي بالهلاك، فأنه ربما تخفص المريض مع ذلك باستفراغ واقع من جهة ما بقوة ويدفع النضج والغير النضج، وربما تحلل الخلط على طول المهلة أو بحرن بالخراج، وخصوصاً إذا لم يكن الخلط شديد الرداءة، لكنه رديء في الأغلب ودال على قوة المرض، وأقلّ ما فيه الدلالة على الطول، وكذلك البول الذي يبقى على ألوان أبوال الأصحاء في أوقات المرض كلها، فإن أخذ يتغير مع صعود المرض فهو أسلم. وقد يكون البول في الأمراض الوبائية، جيداً طبيعياً في قوامه، ولونه ورسوبه، وصاحبه إلى الهلاك. واعلم أنه كثيراً ما يبول المرضى أبوالاً رديئة في قوامها ولونها وغير ذلك، ويكون ذلك نفضاً بحرانياً، خصوصاً في الأمراض الحادة التي يكون سببها الكبد ونواحي البول.

فصل في علامات بوليّة مأخوذة من القلة والكثرة البول الذي يبال مرة قليلاً ومرة كثيراً ومرة يحتبس فلا يبال، علامة رديئة. في الحمّيات الحادة، يدل على مجاهدة شديدة بين المرض والطبيعة، فيغلب وتغلب وعلى أغلظ المادة وعسر قبولها للنضج، فإن كانت الحميات هادية، أنذر بطول، لغلظ الخلط.

فصل في علامات مأخوذة من رقة البول البول الرقيق قد يكون في مثل ذيانيطس ويكون معه دوام العطش، وسرعة القيام، وسهولة الخروج، وقد يكون للفجاجة، والسدة المانعة لخروج المادة، وقد يكون لضعف القوة المغيرة، ولا يكون مع سهولة الخروج، وهو أقل ردائة من الذيانيطس. وإذا ثبت البول الرقيق في الأمراض الحادة أياماً، دل على اختلاط. فإن عرض الاختلاط ودامت الرقة دل على موت سريع، بسبب أن المواد تحمل على الدماغ فيتعطل النفس.

وإذا استحال إلى غلظ لاخف معه، فربما كان لذوبان الأعضاء. وإذا كثر البول المائي، عند وقت صعود الحمى الكلي، دل على ورم في الأسافل، يحدث وانظر في القوام المخالط للون في الأبواب التي بعده أيضاً.

واعلم أن الرقة كأنها لا تجامع السواد والحمرة، فإن رأيت، فاعلم أن السبب فيه شيء صابغ أو شدة قوة عن الكيفية والمرضية المؤثرة في الماء.

فصل في علامات مأخوذة من غلظ القوام وكدورته إذا استحال البول الرقيق غليظاً في حمى لازمة، وكانت علامات جيدة، دل على بُحران بعرق، فإن لم تكن علامات جيدة وكانتَ الحمى شديدة الإحراق، دل على اشتغال في قلب أو كبد. وصفاء البول الغليظ قبل البحران، علامة غير جيدة، فإنذلك يدل على احتباس المادة وعجز الطبيعة عن دفعها. البول الغليظ الكدر الذي لا يرسب فيه شيء ولا يصفو، يدل على غليان الأخلاط لشدة الحرارة الغريبة وضعف الغريزية المنضجة فلذلك هو رديء والبول الثخين، وخصوصاً في الرابع، يكثر به بحران الحميات الإعيائية وخصوصاً إن قارنه رعاف.

فصل في أحكام البول في الأمراض الحادة البول الأبيض فيِ الحميات الحادة يدل على ميل المادة إلى غير جهة العروق وآلات البول، فربما مالت إلى الدماغ، فكان صداع وسرسام، وربما مالت إلى بعض الأحشاء، فدل على ورم، فإن كانت علامات سلامة، فتدل على أنها تخرج في الأقل بالقيء، وفي الأكثر، وخصوصاً إذا لم تكن علامة قيء، بالإسهال، فيعقب سحجاً.

وإذا كان البول أبيض رقيقاً في الحمّى الحادة ثم عرض له الكدورة والغلظ مع بياضه، دل على تشنجٍ وموت.

فصل في البول الأسود في الحميات الحادة إعلم أنه ليس يصح الحكم بالجزم بالهلاك، لسواد البول، في الأمراض الحادة، وإن كان في نفسه علامة رديئة، وإن صحبته أيضاً علامات أخرى رديئة. إذا رأيت القوة قوية وقادرة على استفراغات مختلفة من كل جنس يعقبها استراحة، كما يعرض للنساء إذا استفرغن بالطمث أيضاً، أخلاط رديئة، ولذلك هذا من النساء أسلم، لأنهن ربما كُن يستفرغن مثل هذه المادة من طمث الحيض.

واعلم أن البول الأسود كلما كان أقل، فهو شرٌ ، يدل على فناء للرطوبة، وأيضاً، كلما كان أغلظ فهو شر في الأمراض الحادة. وإذا كان الأسود إلى الرقة واللطافة، وفيه ثقل متعلق، ورائحته حادة في الحميات الحادة، أنذر بصداع واختلاط، وأصلح أحواله أنه يدل على رعاف أسود، لأن المادة حادة غالبة، وربما كان معه عرق للحرارة إذا لم تفرط ولم تقل ودفعت نحو العضل، ويتقدم عرقه قشعريرة، وإذا قارن البولَ الأسود الذي فيه تعلق أسود مستدير مجتمع عدم رائحةٍ وتمدد في الجبتين وورمٌ تحت الشراسيف وعرق دل على الموت.

ومثل هذا التمدد في الشراسيف، يدل على التشنج. ومثل هذا العرق يكون من ضعف. والبول الرقيقي المائي الذي إلى السواد، يدل لرقته على طول المرض، ولسواده على رداءته. وقيل في الأبوال السود اللطيفة أن صاحبها إذا اشتهى الطعام مات. والبول الرقيق الأسود، إذا استحال إلى الشقرة والغلظ، ولم يصحب ذلك رائحة، دل على علةٍ في الكبد، وخصوصاً على يرقان لأن هذه الاستحالة التي إلى الغلظ عن الرقة، وإلى الشقرة عن السواد، تدل على نقصان حرارة ووقوع هضم، وذلك مما يصحبه أو يعقبه الخص، فإن لم يكن كذلك، دل على مادة قد لحجت في الكبد ليست تستنقي، وقد أحدثت سدداً، بل إن كانت حارة فكأنك بها وقد أحدثت ورماً. والبول اللطيف الأسود الذي يبال، في الحميات الحادة، قليلاً قليلاً في زمان طويل، إذا كان مع وجع الرأس والرقبة، يدل على ذهاب العقل بتدريج، وهو في النساء أسلم.

فصل في اللون الأحمر في بول الأمراض الحادة، إذا كان البول مع الحمرة رقيقاً، دل، مع العلامات المحمودة، على سرعة البحران، ومع أضدادها، على سرعة الموت، وبالجملة يدلّ على التهاب شديد. والرقة مع الحمرة تدل، في الأمراض الحادة، على الصداع والاختلاط. البول الأحمر الغليظ، في الأمراض الحادة، إذا كان خروجه قليلاً قليلاً، ومتواتراً، وكان مع نتن، دلّ على خطر، لأنه يدلّ على حرارة شديدة واضطراب وعجز طبيعة، وإذا كان غزير الخروج كثير الثقل، دل على الإفراق، وخصوصاً في الحميات المختلطة.

والذي يبول الدم الصرف، في الحادة، قتّال، لأنه يدل على امتلاء دموي شديد مع حدة غليان، ويخاف من مثله الأختناق الذي يكون من امتلاء تجاويف القلب إن مال إلى القلب، أو السكتة إن مال إلى الدماغ. والبول الأحمر جداً، إن استحال في الحميات الإعيائية إلى الغلظ، ثم ظهر ثقل كثير لا يرسب، وكان هناك صداع، دل على طول من المرض، لأن المادة عاصية، فلذلك لم تغلظ أولاً، فلما غلظت، لم ترسب بسرعة، لكن بحرانه يكون بعرق لأن المادة مائلة إلى العروق، ومثل هذا البول يشبه اليرقاني، ويفارقه بأنه لا يصبغ الثوب.

وبالجملة فإن البول الأحمرَ الجوهر، الأحمرَ الثفلِ، يدل على النهوة والفجاجة، ويدل على طول، خصوصاً إذا كانت الحمرة ليست بشديدة وهي إلى الكدورة. البول الأشقر في الحمّى الحادة، إذا استحال إلى البياض أو إلى السواد فهو رديء، لأنه يدل، بالبياض، على تصعد المادة إلى الرأس، وبالسواد على احتداد كيفية المرض.

فصل في علامات مأخوذة من الرسوب الرسوب المختلف في القوام واللون الذي يدل على كثرة الأخلاط المختلفة رديء، وأردؤه ما كان أصغر أجزاء، فيدل على أن الطبيعة لم تقدر على الدفع إلا بعد أن تصغّرت الأجزاء. والملاسة كثيراً ما تكون أدل على الخير من البياض، فكثيراً ما يعيش من ثفله إلى الحمرة لكنه أملس، ويموت من ثقله إلى البياض، وهو مختلف جريش فإن صلوح القوام أشد تسهيلاً لقبول الاندفاع من صلوح اللون، ويدل أيضاً على أن الأخلاط لم تنفعل عن المرض كثيراً. كما أن الرسوب الجيد، إذا صغرت أجزاؤه، دل على أن الطبيعة قد فعلت فيه جداً، والمرض لم يفعل فيه. والرسوب الرغوي الزبدي، الذي بياضه لمخالطة الهواء له، هو رديء جداً خارج عن الطبيعة، والخام رديء. والرسوب المستدق الأعالي المتحركها أفضل من الرسوب الجامد المسطح الأعلى، وأدل على أن المرض سريع المنتهى حاد. والرسوب الذي لم تسبقه رقة وفقد ثفل بل هو موجود من الابتداء، يدل على أن الخلط كثير، لا على أنه نضيج بل يجب أن يجيء الرسوب بعد أوان النضج.

وبعد أن يكون البول رقيقاً في الأول، وبعد أن يكون الرسوب قليلاً وما لم يكن كذلك، دل على أن المادة الغليظة الثفلية كثيرة، وأن المرض يقتل.

وكذلك شدة الصبغ من غير الرسوب لا يدل على خير ونضج، وقد يعرض ذلك للألم ولشدة الحرارة وللجوع، فإن الجائع يزداد صبغ بوله وثقل ثفله. والرسوب الأحمر يدل على كثرة الدم، وعلى تأخر النضج ويصحبه في الحميات المحرقة كرب وغم، وإذا امتد إلى الأربعين طالت العلة، ولم يرج البحران في الستين أيضاً.

الثفل الأحمر المتعلق الذي فيه ميل إلى فوق، إذا كان في بول لطيف، فإنه يدل، في الأمراض الحادة، على اختلاط العقل، فإن دام خيف العطب، فإن أخذ البول قواماً إلى الغلظ، وأخذ التعلق يرسب ويبيض دل على السلامة. الرسوب الذي على هيئة قطع اللحم في الحميات الحادة بلا دلائل النضج، يدلّ على أنها من انجراد الأعضاء، وليس من الكلي.

وإذا كان هناك نضج ولم تكن حمى دل على ما علمت من حال الكلي والذي يشبه قشور السمك، ولا علامة نضج والحمّى حادة هو من جرد الحمّى للعصب والعظام والعروق، وفي غير ذلك يكون من المثانة والنخالي يدل على مثل ذلك وعلى أن الحمّى أخفت تجرد من عمق، ويفرق بينه وبين المثاني أنه يكون في المثاني مع علامات ألم المثانة ومع النضج ومع غلظ.

فصل في علامات مأخوذة من أحوال تجتمع لسبب دلائل شتى من اللون والقوام، وأولها في الأبوال الدهنية.

البول الدهني هو الذي لونه وقوامه يشبه لون الدهن، وقوامه وإن كان رديئاً، فإنه إذا دلت الدلائل الأخرى على السلامة لم يكن معه مكروه، لكن الرسوب إذا كان زيتياً فهو رديء جداً، وبالجملة فإن الزيتي الخالص رديء، وهو الذي يريك لون الدهن مع صفرة وخضرة. وإذا كان الزيتي عارضاً بعد البول الأسود، فهو دليل خير على ما شهد به روفس الحكيم.

وأردأ الزيتي ما كان في أول المرض. وإذا دلت الدلائل على الرداءة وبيل بول زيتي في الرابع أنذر بموت العليل في السادس. والبول الذي يتغير دفعة من علامات محمودة إلى علامات مذمومة، يدل في الأمراض الحادة على الموت، لأنه يدل على سقوط القوة بغتة لصعوبة الأعراض.

البول الدهني ربما دلّ على اختلاط العقل لأنه كائن عن جفاف البول الذي فيه قطع دم جامد في حدى حادة، إذا كان معه يبس لسان، علامة رديئة، فإن كان أسود مع ذلك فذلك أردأ، وليس يسيل الدم في البول في حمى حادة إلا لشدة حرافته، وتفجير الأوعية والجداول، وجموده لشدة حرارته.

البول الأبيض الرقيق الذي فيه زبد وسحابة صفراء، يدل على خطر شديد لما يدل عليه من الاضطراب، وشدة حدة المادة. وقد قلنا في البول الرقيق الأسود ما فيه كفاية.

البول الرقيق الأشقر في ابتداء الحميات الحادة إذا استحال إلى الغلظ وإلى البياض، ثم بقي متكدراً متعكراً كبول الحمار، وأخذ يخرج من غير إرادة وكان هناك سهر وقلق، دل على تشنج في الجانبين يعقبه موت. إن لم تكن علامات جيدة يغلب عليها، فإن البول ما كان ليرق مع الشقرة إلا لغلبة الصفراوي الحار، وما كان ليغلظ ويخثر إلا لصعوبة من المرض واضطراب في أحوال المادة، وقالوا: البول القليل الذي بلون الدم رديء، لاسيما إن كان بالمحموم عرق النسا.

فصل في علامات رديئة من جهة كيفية اثفصال البول إذا كان لا يمكن المحموم الحاد الحمى أن يبول إلا قليلاً مع وجع من غير قرحة، أو ورم في آلات البول، ومع تواتر من النبض وضعف فهو علامة رديئة. إذا احتبس البول في حمى حادة وشدة صداع، وكثرة عرق، دل على كزاز.

البول الذي يقطر قطراً في حمى ساكنة يدل على الرعاف، فإن كانت الحمى حادة محرقة دل على حال رديئة أصابت الدماغ، وان كانت هادئة دل على كثرة الامتلاء وضعف الطبيعة عن الدفع. والبول الخارج في الحمّيات الحادة من غير إرادة سببه ضعف قوة، وآفة في الدماغ، ولا يكون ذلك إلا لتصعد مادة حادة مسخنة إلى الدماغ فتشركه الأعضاء العضلية.

فصل في عدة علامات رديئة في البول المائي والأسود والمنتن والغليظ، رديء، والذي يبرز من أسفله إلى أعلاه كالدخان، مهلك عن قريب، وأيضاً الدسم الذي لونه لون ماء اللحم مع نتن غالب، قتّال.

فصل في علامات رديئة في المرضى من أجناس مختلفة رداءتها من قبل اجتماعها في المحمومين وغيرهم.

وإذا اجتمع القيء والمغص واختلاط العقل فتلك علامة قتّالة. إذا اختلفت تغايير البدن في الملمس وفي اللون وفيما يتقيأ وفيما يستفرغ، دل ذلك على أن الطبيعة ممنوة بأخلاط مختلفة وأمراض مختلفة تحتاج إلى مقاومتها كلها، وذلك مما يعجزها لا محالة. وإذا اجتمع في حمى غير مفارقة برد الظاهر، واحتراق الباطن، واشتداد من العطش مع ذلك، فذلك قتال.

وإذا اجتمع مع صرير الأسنان تخليط فيالعقل، فالمريض مشارف للعطب. إذا عرض دفعة بمرض إسهال سوداء مع حرقة، ولذع، وألم محرق في بطنه، وخفقان وغشي، فهو علامة موت.

إذا عرق الجبين عرقاً بارداً، واصفرّت الأظفار، واخضرت، وتغيرت، وورم اللسان، وظهر عليه وعلى البدن بثر غريب، فالموت قريب. إذا كان في نواحي الشراسيف ضربان واختلاج مع حمّى، ثم كانت العين مع ذلك تتحرك حركة منكرة، فيجب أن توقّع داعة حال، لأن هذه الحال تدل على رياح نافخة. والضربان يكون لورم شديد ولشدة نبض، العرق الكثير والنبض الشديد الضرب المتلاحق العظيم جداً يصحب الجنون، يجب أن يتأمل فربما كان به الضربان والاختلاج ليس بغائص إلى الأحشاء، بل في ظاهر المراق وذلك غير ضار وإن كان به ورم إلا أن تفرط جداً في عظمه.

فإن دامت هذه الحال عشرين يوماً، ولم يسكن الورم والحمى، دل على انفتاح، وربما سلم المريض من ذلك ببول غزير أو انتقال مادة إلى الأطراف وخصوصاً الرجلين. الذين ضعفوا من أمراض إذا عرض لهم نفس متواتر وغشي فقد قربوا من الموت، ولا يزيدون على أربع ساعات.
وإذا كان بإنسان حمى محرقة فوجد خفا وسكون حرارة بغتة من غير بحران ظاهر باستفراغ أو انتقال ولا بطفية بالغة ولا انتقال من هواء إلى هواء في بلد واحد أو بلدين وسكن ما كان في النبض من سرعة، ووجد كالراحة، فاحكم أنه يموت سريعاً.

إذا كان بإنسان حمّى وخفق قلبه بغتة، وأخذه الفواق، وانعقل بطنه بلا سبب معروف، مات.

إذا كان بول من به مرض حاد أولاً أشقر لطيفاً، ثم غلظ ثم تثور وابيض وبقي متثوراً كذلك وكأنه بول الحمار وصار يبال بغير إرادة، وكان سهر وقلق، دلّ على تمدد يظهر في الجانبين، ثم يموت.

قيل إذا كان البول مرياً أو قد كان أبيض قبل ذلك وعليه كالزبد، ثم يسيل من المنخرين دم أسود، فذلك شرّ ورديء، ومن العلامات الرديئة التي ذكرها قوم من ا لأطباء، ولا يتوجه القياس إليها إلا بعسر، ما قيل أنه إن ظهر بإنسان على الوريد الذي في عنقه بثر يشبه حب القرع مع حصف أبيض كثير، وعرضت له شهوة الأشياء الحارة، مات.

وقيل: إن ظهر بإنسان بصدغه الأيسر بثر أحمر صلب، واعترى صاحبه مع ذلك حكة شديدة في عينيه، مات في اليوم الرابع. وقيل: من ظهر به بثر كالعدس من تحت عينيه، مات في اليوم العاشر، وصاحب هذا الوجه يشتهي الحلواء.

قيل: أية علة شديدة عرضت بغتة، ثم تبع ذلك قيء أو خلفه فهو دليل موت.

قيل: إنه إذا عرض للمحموم وغيره أورام وقروح لينة، ثم ذهب عقله، مات. قيل: إنه إذا كان بالإنسان ترفل في وجهه ويديه ولم يكن به وجع، وعرض له في أوائل ذلك حكة في أنفه، مات في الثاني أو الثالث. قيل: إنه إذا كان لإنسان على ركبته مثل العنب المدور وكان ذلك أسود، وحوله أحمر، مات عاجلاً إلا أنه ينتظر خمسين يوماً، وعلامة موته أن يعرق عرقاً بارداً جداً.

فصل في علامات طول المرض إعلم أن طول المرض يكون لغلظ في الأحشاء أو تخليط في التدبير، وعلى كل حال، تضعف فيه المعدة لأنه يهزلها، وعلامته: بطء النضج المستدن عليه، أو بطء الرسوب للثفل المتعلق، أو عوام الرسوب الأحمر، وأيضاً فإن قلة ظهور الضمور يدل على طول العلة، وكذلك إذا كان. مع حدة المرض، نبض عظيم ووجه سمين وشراسيف منتفخة ليست تضمر، دل على قلة تحلّل وطول مرض. إذا جاءت أعلام البُحران قبل النضج، فإن لم تسقط القوة ولم تظهر أعلام الموت فالمرض يطول.

واعلم أن تهاويل البحران، وآلامه إذا لم تنفع ولم تضر وبقيت الأحوال بحالها فالمرض طويل، وكثرة الاختلاج في المرض يدل على طوله، وخصوصاً إذا ابتدأ من أول الأمر، وأما في آخره فهو أصلح، وكثرة العرق تدلّ على طوله.

وإذا صحب الاستفراغات القليلة التي تدل على تحريك الطبيعة للمادة، وعجزها عن دفعها بالتمام، كانت عرقاً أو رعافاً، أو غير ذلك علامات أخرى جيدة، أو عدم علامات رديئة على طول.

وإذا بقي الرسوب الأحمر إلى أربعين يوماً، أنذر بطول حتى لا يرجى البُحران، والانقضاء، ولا إلى ستين. الاحتلام في أول المرض يدل على طول.

إذا رأيت علامات طول المرض في الأيام المتقدمة، فليس دلالتها كدلالتها بعد ذلك. وإذا رأيت ما يضاد تلك العلامات، يكاد يظهر في وسط الأيام وفي أواخرها، فتأمل حكم الإنذار لتعلم أنها في أي يوم كانت، وذلك اليوم بأي يوم تنذر، وراع الشرائط المذكورة فيه، وتأمل حال القوة والسن والفصل والمزاج، وحال حركات المرض في كيفها وكمها، وتقدمها وتأخرها وأوقاتها، وخصوصاً في منتهيات الحميات الحادة، وطولها وقصرها هل هي إلى الحركة، أو إلى السكون فاحكم بقدره.

فصل في علامات أن المرض ينقضي ببحران أو تحلل إذا كانت القوة والمرض حاداً والنوائب متزايدة في الكم والكيف والسن والمزاج، أو الفصل مما تميل إلى التحريك دون التسكين وللنضج وضده علامات مستعجلة، فإن المرض ينقضي ببحران. فإن كانت الأشياء بالضد وعلامات البطء موجودة، فالمرض يطول فيقتل بتحلل، أو يزول بتحلل، وإن اختلفت، كانت البحرانات ناقصة ومتأخرة وانتقالية. وأما الموت والحياة، فيستدل عليهما بأحوال القوة وعلامات تعين كل واحد من الأمرين وتقتضيه.

فصل في أحكام النُّكس أردأ النكس ما كان أسرع، وكان مع قوة أضعف، ويصحبه لا محالة إذا كانت الصورة، هذه الصورة علامات العطب. ولأن يقع النكس بخطأ من التدبير، أسلم من أن يقع من تلقاء نفسه مع صواب التدبير. ومن الخطأ في ذلك، سقي المسخنات والأدوية التي يراد بها جودة الشهوة والهضم مثل الخلنجبين العسلي وأقراص الورد ونحوها. والبقايا التي تبقى بعد البحران تجلب نكساً عاجلاً، إلا أن تتدارك. والنكس شر من الأصل لأن الوبال عائد والقيم معيٍ.

فصل في علامات النكس ومن لم تسكن حمّاه ببحران تام، وفي يومه، خيف عليه النكس، فإن كان سكونها بلا بحران البتة فلا بد من نكس، وخصوصاً إذا كان البحران بمثل جدري أو يرقان أو جرب، وبالجملة بسبب جلدي.

وقد يستدل على نكس يكون من ضعف القوة والشهوة والغثيان وخبث النفس، وقلة الهضم، وفساد الطعام في المعدة إلى حموضة أو دخانية وانتفاخ من الشراسيف، ونواحي الكبد والطحال وفساد النوم وطول السهر وشدة العطش وشدة تهيج الوجه خصوصاً علامة عظيمة، وخصوصاً في الجفن الأعلى، وخصوصاً تورمه وبقائه كذلك مع انحلال تهيج الوجه، ومما يدل عليه أن لا يحسن قبول البدن للطعام، ولا يزول به هزاله وخصوصاً إذا كانت هذه الأعراض الرديئة تظهر أو تشتد في أوقات نوائب المرض الذي كان.

وقد يستدل على النكس من النبض إذا بقي فيه تواتر وسرعة. ومن غؤر الخراجات البحرانية وغيبتها ومن البول إذا بقي فيه صبغ كثير من صفرة أو شقرة وحمرة أو كان فجالاً تعلق فيه ولا رسوب، لماذا لم يشبه بول العليل بوله الطبيعي. وبعض الفصول أدل على النكس من بعضها، مثل الخريف، فإنه يقع فيه النكس أكثر مما يقع في سائر الفصول، وجنس المرض أيضاً يعين في الدلالة على النكس، مثل الحميات الورمية إذا خلفت حرارة وتلهباً في الأحشاء، ومثل الصرع والسمر وأوجاع الكلى والكبد والطحال والسعفة والبيضة والنوازل وما يتولد عنها من الرمد وغيره وأمراض النفس.

فصل في أسباب الموت الموت يكون إما بسبب يفسد به مزاج القلب، وإما بسبب تنحل به القوة فتطفأ. والكائن بسبب يفسد به مزاج القلب، إما ألم شديد وإما كيفية مفرطة من الكيفيات المعلومة، وإما كيفية غريبة تسمية، وإما احتباس مادة النفس. والمبرسمون في الأكثر يموتون لعدم التنفس، ولذلك يجب أن لا يتركوا مستلقين، ولا يتركوا أن تجف حلوقهم.

فصل في أصناف الموت الذي يعرض في أوقات الحميات وعلامة كيفية موت العليل. من ذلك الموت الذي يعرض مع ابتداء نوبة الحمى في تزايدها أو دورها، وأكثره في حميات الأورام الباطنة حين ينصت إليه فضل دفعة. وفي الأمراض الخبيثة التي تنهزم عنها الطبيعة أول ما تتحرك بقوة، لا سيما إن كانت ضعيفة.

وبالجملة هو كالخنق وكإطفاء الحطب الكثير النار، ومن ذلك الموت في منتهى نوائب الحمى لانهزام الطبيعة عن المرض.

والثالث: الموت الكائن في الانحطاط، وهو قليل نادر وأكثره في الانحطاط الجزئي دون الكلي، والسبب فيه أن الطبيعة تكون فيه كالآمنة، وتنتشر الحرارة، وتتفرق وتفارق الماسك الذي يحتاج إليه في الأوقات الأول، وأكثرهم يموتون بالغشي ودفعه، وبعضهم يموت بتدريج.

وربما كان الانحطاط انحطاط دورٍ لاسترخاء القوة وتحلل الحرارة الغريزية، فيظن انحطاطاً حقيقياً. النبض في الانحطاطين مختلف فإنه في الحق يقوى، وفي الباطل يسترخي، وفي الحقيقي يستوي، وفي الباطل يختلف ويخرج عن النظام. وأما في الانحطاط الكلّي فلا يموت إلا لأسباب عنيفة من خارج تطرأ على المريض، وهو ضعيف مثل حركة أو قيام، أو غضب، وقد يعرض مثل هذا أيضاً للأول، ويسبق مثل هذا الموت عرق لزج يسير.

وكثيراً ما يموت الإنسان في الجدري في انحطاط، وكثيراً ما يتقدمه عرق غير مستو وإلى البرد، وربما كان في الرأس والرقبة وحده، أو في الصدر وحده. وإذا كان الجلد في النزع يابساً ممتداً، فلا يكون الموت بعرق، وبضده يكون بالعرق. لكن أكثر الموت في الأمراض القتالة، يكون من وجه ما في الوقت الذي يكون البحران الجيد في الأمراض السليمة، مثل أنه إن كانت العلة في الأزواج، كان الموت في الأزواج، أو في الأفراد، كان الموت في الأفراد.

واعلم أن المحرقة وما يشبهها تجلب الموت عند المنتهى من النوبة، وتحدث معه أعراض رديئة من اختلاط العقل، واشتداد الكرب، أو السبات والضعف عن احتمال الحمى، ثم يحدث صداع وظلمة عين ووجع فؤاد وقلق. والبلغمية تجلب الموت في أول النوبة، وحينئذ يكون البرد متطاولاً ولا يسخن، والنبض صغيراً جداً ردياً، ويشتد السبات والكسل، وبالجملة فإن كل ذلك يجلب الموت فى الساعة التي يشتدّ فيها على المريض أكثر ابتداء كان، أو صعوداً، أو منتهى. والموت في التزيد الظاهر قد يقع في القليل.

وإذا تأملت علامات الموت في وقت مما ذكرنا، فلم تجدها، فلا تخف، فإن وجدتها، فاحدس أنه يكون موت، فإن كان مع ذلك شيء من العلامات الرديئة المذكورة، فاجزم، وفي أكثر الأمر إن كانت النوائب أفراداً، فإنه يموت في السابع، أو أزواجاً، فإنه يموت في السادس، لا سيما إذا كان المرض سريع الحركة.

فصل في دلائل الموت من غير بحران من ذلك ضعف القوة وعجزها عن مقاومة المرض. ومن ذلك تأخر علامات النضج البتة، ومن ذلك قوة المرض مع بطء حركته. وإذا اجتمع جميع هذا، كان أدل.

فصل في أحوال تعرض للناقهين قد يعرض للناقهين النكس إذا كان بهم ما ذكرنا في باب النكس، ويعرض لهم اشتداد القوة وضعفها بحسب ما ذكرنا في باب تدبيرهم، ويعرض لهم أن لا ينتفعوا بما يتناولون، ولا يرجع به بدنهم إلى قوة، وتعرض لهم الخراجات إذا لم تكن قد استنقت أبدانهم عن أخلاطها بالاستفراغ، وقد يعرض لهم فساد بعض الأعضاء لاندفاع المادة إلى هناك، وقد تعرض لهم أمراض مضادة للأمراض التي كانت بهم إذا كان قد أفرط عليهم في مضادة ما بهم مثل أن يعرض لهم ثقل اللسان، والفالج، والقولنج البارد، والسكتة، والصرع، والصداع اللازم، والشقيقة، وما أشبه ذلك إذا كان التبريد والترطيب قد جاوزا القدر.

وقد تعرض لهم الحكّة كثيراً، ويزيلها الماء الفاتر، ويعرض لهم أن تبيض شعورهم لعدم شعورهم الغذاء، ولتفشي الرطوبة الغريزية التي تقيم السواد كما يعرض للزروع إذا جفّت فتبيضّ، ثم إذا حسنت أحوالهم عاد سواد شعورهم، كما يعرض أيضاً للزرع إذا سقي، فعادت خضرته.

فصل في تدبير الناقه يجب أن يرفق بالناقه في كل شيء ولا يورد عليه ثقيل من الأغذية، ولا شيء من الحركات والحمّامات والأسباب المزعجة، حتى الأصوات، وغير ذلك، ويدرج إلى رياضة معتدلة رفيقة، فإنها نافعة جداً وأن يشتغل بما يزيد في عمه، ويجب أن يودع ويفرح ويسر، ويجنب الاستفراغات، وخصوصاً الجماع، والشراب بالاعتدال نافع له، خصوصاً من الشراب اللطيف الرقيق. وأولى الناقهين بأن يحجر عليه التوسع ناقه، كان خفي البحران فإنه مستعد للنكس، ومثله ربما احتاج إلى استفراغ، وأصوبه الإسهال اللطيف، لا سيما إذا رأيت البراز مرارياً أو مائلاً إلى لون خلط، وقوَامه من الأخلاط التي كان منها الحمّى، ورأيت !في الشهوة خللاً، وإذا أردت ذلك فأرح الناقه، وقَو قوَته برفق، ثم استفرغه.

وربما احتجت إلى أن يستفرغ ويقوى معاً بالتغذية، وحينئذ فاجعل أغذيته دوائية مسهلة، أو امزج بها أقوى أدوية مسهّلة موافقة، كالإجاص والشرخشك والترنجبين، ونحو ذلك لأصحاب المرار، وقد ينتفعون بالإدرار فتنقى به عروقهم، وقد تفعل ذلك هذه المدرات المعروفة ويفعله الشراب الممزوج. وأما الفصد فلقما يحتاج إليه الناقة وربما احتاج أيضاً، وتدلّ عليه السحنة وعلامات الدم، لا سيما إذا وجدت للحمّى كالتعقد في العروق ورأيت بثوراً في الشفة، وربما أحوجك إلى فصد المحموم رداءة دمه بما بقي فيه من رمادية الأخلاط الرديئة، فيلزمك أن تخرج لحمه الرديء، وتزيد فيه الدم الجيد، ويكون الأولى في ذلك أن ترفق، ولا تفعل شيئاَ دفعة.

ونوم النهار ربما ضرّ بالناقه بإرخائه أيام، وربما نفعه بإحمامه، وإذا لم يوافق فربما جلب حمّى بما يفجج ويكسر من قوة الحار الغريزي والاحتياط في جميع الناقهين نقيهم وغير نقيهم، أن يجري أمره على التدبير الذي كان في المرض من المزورة وغيرها يومين فثلاثة مما يليها، وبالجملة مقدار أن يجاوز اليوم الباحوري الذي يلي يوم صحته، ثم يرفع إلى ما فوقه ويجب للناقه النقي، والذي كانت حماه سليمة أن لا يلطف تدبيره فيحمي بدنه وتسوء حاله، ويجب أن يرد من ضمر وهزل في أيام قلائل إلى الخصب، لأن قوته ثابتة، ويفعل مع خلافه خلاف ذلك.

وإن لم يشته الناقه ففيه امتلاء، وإن اشتهى ولم يسمن عليه فهو يحمل على نفسه فوق طاقته، وفوق طاقة طبيعته، فلا تقدر على أن يستمر به وتفرقه في البدن أو في بدنه أخلاط كثيرة، والطبيعة مشغولة بها أو قوة معدته ساقطة جداً، أو قوة جميع بدنه وحرارته الغريزية ساقطة، فلا تحيل الغذاء إحالة تصلح لامتياز الطبيعة منه، وأمثال هؤلاء وإن اشتهوا في أوائل أمرهم الطعام فقد تؤول بهم الحال إلى أن لا يشتهوا، لأن الآفات والامتلاء من الأخلاط الرديئة تقوى وتزيد، ولأن لا يشتهي ثم يشتهي لانتعاش قوته خير من أن يشتهي ثم لايشتهي.
فإن دام الاشتهاء ولم يتغير البدن إلى القوة والعبالة فقوة الشهوة وآلتها صحيحتان، وقوة الهضم وآلته ضعيفتان، فالأولى أن يمزج الناقه من الطيهوج والفروج إلى الجدي، ولا يرجعن إلى العادة وبعد في العروق ضيق، والسكنجبين ربما أسحجهم لضعف أمعائهم وكذلك كل الحوامض ومن تدبير الناقهين نقلهم إلى هواء مضاد لما كان بهم، ومن تدبير الناقهين مراعاة ما يجب أن يحذر من نوع مرضه ليقابل بما يؤمن عنه كالمبرسمين، فإنه يجب أن يخاف عليهم خشونة الصدر، ولا يجب أن يعرق الناقه في الحمام، فيتحلّل لحمه الضعيف، وإذا كثر عرقه، ففيه فضلِ، والحلق بالموسى يضره لما تقدم ذكره.

فصل في تغذية الناقه يجب أن يكون غذاؤه في الكيف حسن الكيموس، سهل الانهضام، ويجب أن لا يصابر جوعاً ولا عطشاً، وربما احتيج إلى أن يمال بالكيف إلى ضد مزاج الملة السالفة لبقية أثر أو لاحتياط. واعلم أن الأغذية الرطبة السيالة أسرع غذاء وأقل غذاء، والغليظة والثخينة بالضد أطعمة كانت أو أشربة، ويجب أن لا يحمل عليه بالباردات إن لم تدع إليه بقية حرارة، بل يجب أن يدبر بما هو معتدل وله حرارة لطيفة مع رطوبة كاملة سريعة القبول للهضم، وأن يكون غذاؤه في الكم بقدر ما يحسن هضمه، وانفصاله وتزيده على التدريج إذا لم ير ثقلاً ولا قراقر ولا سرعة انحدار ولا بطأة جداً، وتنقص منه إن أنكرت من ذلك شيئاً، وإذا امتلأ دفعة وتمددت معدته فربما حُم، وكذلك يجب أن لا يشرب دفعة فربما كان فيه خطر. وأما وقت غذائه فوقت اعتدال الهواء في عشيات الصيف أو ظهائر الشتاء، إلا أن يكون الداعي مستعجلاً فيجب أن يفرق عليه مقدار هو دون شبع غذائه. والماء الشديد البرد مما يجب أن يجتنبه الناقه، فربما حمل على بعض الأحشاء، وربما شنج، وقد علمنا من مات بذلك.

واعلم أن شهوة الناقه قد تقلّ لضعف أو لأخلاط في المعدة، ويصحبه في الأكثر كالغشي، وقد تقل بسبب الكبد وقلة جذبها، وتظهر في اللون وفي البراز الرقيق الأبيض، وقد تقل بسبب أخلاط في البدن كله وتخم.

وقد تكون لضعف قوة البدن والحرارة الغريزية، أو في المعدة خاصة فدبر كل واحد بما تعلم من تدبيره بأرفق ما يمكن. واعلم أن السكنجبين السفرجلي نعم الدواء للناقهين، وخصوصاً إذا كانت شهوتهم ساقطة لضعف في معدهم وأمنوا السحج. وأما المقويات للمعدة التي هي أسخن من ذلك، مثل قرص الورد، وما أشبهه فربما كان سبباً للنكس.

فصل في حركات الأمراض قد علمت أوقات المرض، فاعلم أن الحركات في الأدوار قد تكون متزايدة في العنف، فتدل على الانتهاء. وقد تكون متناقضة، فتدل على الانحطاط، وتشتد حركات الأمراض وأعراضها ليلاً لشدة اشتغال الطبيعة بإنضاج المادة حينئذ عن كل شيء.

المقالة الثانية
أوقات البحران

وأيامه وأدواره فصل في ابتداء المرض وأوّل حساب البحران من الناس من قال أن أول المرض الذي يحسب منه حساب أيام البحران، طرف الوقت الذي أحسّ فيه المريض بأثر المرض. ومنهم من قال: لا بل طرف الوقت الذي طرح نفسه، وظهر فيه ضرر الفعل، وإنما يأتي هذا الاختلاف في الحميات التي لا تعرض بغته.

وأما اللاتي تعرض بغتة فليس يخفى فيها أول الوقت، وذلك مثل ما يعرض لقوم محمومين بغتة أن تبتدىء حماهم ابتداء ظاهراً، وقد كان الإنسان قبل ذلك لا قلبة به فنام، أو دخل الحمّام، أو تعب فحمّ بغتةً. وأما الحميات التي يتقدمها تكسير وصداع ونحو ذلك، ثم تعرض فإن الأمرين مختلفان فيه، والأولى أن يعتبر وقت ابتداء الحمّى نفسها، وهنالك يكون قد ظهر الخروج عن الحالة الطبيعية في المزاج ظهوراً بيناً.
وأما ابتداء الصداع والتكسير فلا اعتبار له، والاطراح والنوم ليس مما يعتمد عليه فربما لم يطرح العليل نفسه وقد أخذت الحمى، وإذا ولدت المرأة ثم عرض لها حمّى، فلنحسب من الحمى لا من الولادة، فذلك خطأ قال به قوم، وأكثر ما يعرض ذلك بعد الثاني والثالث.

فصل في سبب أيام البحران وأدواره إن أكثر الناس يجعل السبب في تقدير أزمنة بحرانات الأمراض الحادة من جهة القمر، وإن قوته قوة سارية في رطوبات العالم توجب فيها أصنافاً من التغير، وتعين على النضج والهضم، أو على الخلاف بحسب استعداد المادة. ويستدلون في ذلك بحال المد والجزر، وزيادة الأدمغة مع زيادة النور في القمر، وسرعة نضج الثمرات الشجرية والبقلية مع استبداره.

ويقولون أن رطوبات البدن منفعلة عن القمر، فتختلف أحوالها بحسب اختلاف أحوال القمر، ويشتد ظهور الاختلاف مع اشتداد ظهور الاختلاف في حال القمر، وأشد ذلك إذا صار على مقابلة حال كان فيها، ثم على تربيع، وهذا ينقسم لمحوره إلى النصف، ثم إلى نصف النصف.

قالوا: ولما كان لمحور القمر في تسعة وعشرين يوماً وثلث تقريباً، تنقص منه أيام الاجتماع إذ القمر لا فعل له فيه وهي بالتقريب يومان ونصف وثلث، تبقى ستة وعشرون يوماً ونصف، يكون نصفه ثلاثة عشر يوماً وربعاً، وربعه ستة أيام ونصف وثمن وثمنه ثلاثة أيام وربع ونصف ثمن، وهو أصغر دوره، وربما خرجوه على وجه اَخر فيخالف هذا الحساب بقليل، ويزيد فيه قليلاً، ولكن فيه تعسف. فتكون إذن هذه المدد مدداً توجب أن تظهر فيها اختلافات عظيمة، وهي أيام الأدوار الصغرى. وإذا ابتدأت المدة، فكانت المادة صالحة ظهر عند انتهائها تغير ظاهر إلى الصلاح، وإن ابتدأت المدة وكانت المادة والأحوال فاسدة، كان التغير الظاهر عند انختام المدة إلى الفساد وأما بحرانات الأمراض التي هي في الأزمان وفوق شهر فيعدونها من الشمس، ثم في هذا التقدير والتجزئة شكوك وفيها مواضع بحث، لكن الاشتغال بذلك على الطبيعي، ولا يجدي على الطبيب شيئاً، إنما على الطبيب أن يعرف ما يخرج بالتجربة الكثيرة، وليس عليه أن يعرف علته إذا كان بيان تلك العلة يخرج به إلى صناعة أخرى، بل يجب أن يكون القول بأيام البحران قولاً بقوله على سبيل التجربة، أو على سبيل الأوضاع والمصادرات.
واعلم أن أكثرهم يسمى بالدور ما لا يخرج به التضعيف عن جنسه، ومعناه أن لا يخرج به التضعيف إلى يوم غير بحراني، ومثال هذا الرابوع والسابوع، فإن تضعيفهما ينتهي أبداً إلى يوم باحوري بحسب اعتبار أيام البحران التي تقع للأمراض التي يليق بها الرابوع والسابوع.

فالأدوار الجيدة الأصلية ثلاثة: دور الأرابيع وهو تام، ودور الأسابيع وهو تام، لكن دور العشرينيات أتم من الجميع، فإن الأربعين والستين والثمانين كلّ ذلك أيام بحران. وأما الدوران الأولان فينقصان من ذلك، بسبب الكسر الذي يجب أن يراعى، ولذلك تكون ثلاثة أسابيع عشرين يوماً لا أحدى وعشرين يوماً، والرابوع الأول هو الرابع، والرابوع الثاني فيه جبر الكسر، فلذلك يكون في السابع، لأنه يكون ستة أيام وشيئاً كثيراً من السابع، ولذلك يقع موصولاً، والرابوع الثالث يقع في الحادي عشر، وهناك يجبر وقت تضعيف السابوع، فيلحق السابوع الثاني فيكون في الرابع عشر، ثم إذا جبرنا السابوع الثالث وقع في اليوم العشرين.

وقد جرى الأمر في الرابوعات على أن الرابوع الأول والثاني موصولان، والثاني والثالث منفصلان، والثالث والرابع موصولان. فإذا جاوز الرابع عشر فقد وقع فيه الخلاف، فالأفضل مثل بقراط و جالينوس ابتدأوا بالموصول، فكان ترتيب الأيام هكذا السابع والعشرون موصول الرابوعات والواحد والعشرون مضاعفْ السابوعات على الفصل، فتجد أسبوعين غير مفصلين يتلوهما ثالث موصول فتتم العشرون، ثم مفصلاً من العشرين وهو الرابع والعشرون، ثم السابع والعشرون موصولاً، ثم الواحد والثلاثون مفصلات أسابيع، ثم الرابع والثلاثون موصولات، ثم أسبوع مفصل فيكون أربعين، ثم يجري التضعيف على ثلاثة أسابيع على أنها عشرون يوماً، فيكون الاتصال ستين وثمانين ومائة ومائة وعشرين ولا التفات كبير إلى ما بينها من الأيام.

وقال آخرون مثل أركيغانس أنّ بعد الرابع عشر، الثامن عشر هو يوم بحران، والحادي والعشرون والثامن والعشرون ثم الثاني والثلاثون، ثم الثامن والثلاثون فتوصيل أسبوع.

وقد عد قوم الثاني والأربعين والخامس والأربعين والثامن والأربعين من أيام البحران، وقد تعسفوا فيه. وانظر أنت كيف يقع ما عملوه من تفصيل الأرابيع والأسابيع.

وللأرابيع قوة في أيام البحران قوية إلى عشرين يوماً، ثم تجيء القوة للأسابيع إلى الرابع والثلاثين، فإذا جاوز المريض في المرض المزمن العشرين فتفقد السابوعات.

وعند أركيغانس أن اليوم الحادي والعشرين أكثر بحراناً جيداً من العشرين الذي هو شاهد للسابع عشر بتفضيله على الثامن عشر من حيث الأسابيع، ولم يجد أقراط وجالينوس ومن بعدهما الأمر على ذلك.

وكذلك الخلاف في السابع والعشرين والثامن والعشرين فإن رأي أركيغانس غير رأيهما وفضل الثامن والعشرين. وكفلك حال الواحد الثلاثين مع الثاني والثلاثين، والرابع والثلاثين مع الخامس والثلاثين، والأربعين مع الثاني والأربعين.

واعلم أن من الأمراض ما بحرانه في سبعة أشهر، بل في سبع سنين، وأربع عشرة سنة، وواحد وعشرين سنة، ومن الناس من ظن أنه لا يكون بعد الأربعين بحران باستفراغ قوي وليس الأمر كذلك، ولا أيضاً يحتاج أن يتغير المرض لأجل ذلك إلى الحدة، أو أن يكون فيه نكس، أو أن يكون فيه تركيب من أمراض وليس بممتنع في المزمن أن لا تزال الطبيعة تنضجه، ثم تقوى عليه دفعةً واحدة، فتستفرغه وإن كان قليلاً، وكان الأكثر هو على ما ذكر، ويكون الفصل فيه إما ببحارين ناقصة، وإما بخراج بطيء الحركة، وإما بتحلل. قال أبقراط: إن الأيام البحرانية منها أزواج، ومنها أفراد. والأفراد أقوى في البحارين في أكثر الأمر، وفي أكثر العدد، ومثال الأزواج الرابع والسادس، والثامن والعاشر، والرابع عشر، والعشرون، والرابع والعشرون، وما عددناه من الأزواج على المذهبين. والأفراد مثل الثالث، والخامس، والسابع، والتاسع، والحادي عشر، والسابع عشر، والحادي والعشرين، والسابع والعشرين، والواحد والثلاثين.

ثم إن جالينوس استنكر ما ذكر في هذا الفصل من أمر الثامن والعاشر، ووجده خلاف ما ذكره أبقراط ولعل هذا القول من أبقراط من قبل أن أحكم أمر أيام البحران أوله تأويل.

واعلم أنه ربما اتصلت أيام فصارت كيوم واحد للبحران، وذلك أكثره بعد العشرين كان استفراغاً أو خراجاً. واعلم أن يوم البحران الجيد إذا ظهر فيه علامات رديئة فذلك أردأ، أو أدل على الموت أكثر، مثل أن يعرض منها شيء في السابع أو الرابع عشر.

فصل في مناسبات أيام البحران بعضها إلى بعض في القوة والضعف ومقايسها إلى الأمراض فنقول الأيام الباحورية منها قوية في الغاية، يكاد يكون فيها دائماً بحران، ومنها ضعيفة جداً، ومنها متوسطة وسنذكرها مفصلة، بعد أن نقول: إن أول أيام البحران هو اليوم الرابع، ومع ذلك ليس يكثر ما يقع فيه من البحران، وهو منذر بالسابع. وأما اليوم السابع فهو يوم قوي جيد. وينذر به الرابع والسابع، يجوز أن يجعل في أول الطبقة العالية.

واليوم الحادي عشر ليس في قوة الرابع عشر، لكنه في الأمراض التي تأتي نوائبها في الأفراد كالغب قوي جداً، وأقوى من الرابع عشر. اليوم الرابع عشر يوم قوي، ومن قوته أنه لا يوجد يوم يناسب الرابع عشر إلا وليس بغاية في القوة في أحكام البحران وسلامته فضلاً عن تمامه.

اليوم السابع عشر قوي، وما يناسبه من الأيام قوي، ومناسبته للعشرين مناسبة الحادي عشر للرابع عشر. اليوم الثامن عشر يوم من أيام البحران القليلة، وفي الأقل يناسب الحادي والعشرين. اليوم الرابع والعشرون والواحد والثلاثون من أيام البحران القليلة، وأقل منها يوم السابع والثلاثين، وكأنه ليس بيوم بحران. واليوم الأربعون أقوى من الرابع والثلاثين، على أن الرابع والثلاثين صالح القوة، وأقوى من الواحد والثلاثين.

واعلم أن الأمراض التي تنوب في الأفراد كالغب، وأكثر الحادة هي أسرع بحراناً، وبحراناتها في الأفراد فذلك تنتظر في الغب الحادي عشر ولا تنتظر الرابع عشر إلا قليلاً، وإن كان في الأكثر تكون النوبة السابعة، أيضاً تنحط عن الرابع عشر قليلاً، والتي تنوب أزواجاً هي أبطأ، وبحرانها في الأزواج أكثر.

الأيام الباحوريّة التي في الطبقة العالية: فمثل السابع والحادي عشر والرابع عشر والسابع عشر، والعشرين. وقد تكون الأدوار من الأمراض موافقة في الأكثر لعدد أيام البحران، فتكون سبعة أيام الغبّ كسبعة أيام المحرقة. وقد يكون حال عدد الشهور والسنين في المزمنات على حال عدد الأيام في الحادات، فيكون للربع سبعة أشهر مثلاً وتجري إنذاراتها على قياس إنذارارت الأيام، ويقع بينها من التقديم والتأخير على قياس ما يقع في الأيام وسنذكره.

فصل في الأيام الواقعة في الوسط هذه الأيام التي ذكرناها هي الأيام الباحورية الأصلية. وقد تعرض لأيام البحران بسبب من الأسباب العارضة من خارج، أو من نفس المرض في سرعة حركته، أو بطئها، أو من حال البدن من قوته، أو ضعفه، أو من حال أعراض تعرض كالسهر الشديد من مسهر خارج.

أو واقع من الأسباب البدنية والنفسانية، إذا أفرط إفراطاً شديداً أن يقع قبلها استعجال عنها أو تأخر، وإن كان لا يقوم مقام البُحران الواجب في وقته، بل أنقص منه، لولا السبب القوي العارض، لصح البحران عندها ولم يتقدم ولم يتأخر.

لكن، إذا عرض ذلك العارض، وكان قوياً، انحرف الوقت فتقدم أو تأخر، وإن كان ضعيفاً، عسر البحران ومنعه من أن يكون تاماً. وتسمى الأيام التي يقع إليها هذا الانحراف، الأيام الواقعة في الوسط، ولها أحكام أيام البُحران من جهة ما وهذه الأيام مثل الثالث والخامس، والسادس، ومثل التاسع، ومثل الثالث عشر. فإن الثالث والخامس يكتنفان الرابع والتاسع بين السابع والحادي عشر، وربما كان اليوم الواقع أولى بأحد اليومين اللذين في جانبيه، أو كان اليوم البحراني الذي بين ذلك الواقع وواقع في جانب آخر أحق به، فإن استعجال الحادي عشر إلى التاسع أكثر من تأخير السابع إلى التاسع، وإن كان كل منهما يكون كثيراً.

فصل في قوّة الأيام الواقعة في الوسط وضعفها واعلم أن اليوم التاسع هو اليوم القوي المقدّم فيها، ثم الخامس، ثم الثالث، وليس يقصر عن الرابع الذي هو الأصل قصوراً بيناً، والثالث عشر كأنه لضعفه ليس مما يكون فيه بحران. وأما السادس فهو يوم يقع فيه بحران، إلا أنه يكون رديئاً، فإن جاء غير رديء، كان عسراً خفياً ناقصاً غير سليم من الخطر، وكأنه في قلة وقوع البحران فيه ووقوعه فيه رديئاً، أو غير هنيء، ضد السابع، وينذر به الرابع في الشر، وقلما يتم به إنذار الرابع بالخير إلا بعسر، فتعرض فيه علامات هائلة كالسكات والغشي، خصوصاً إن كان استفراغ فيحدث غشي بقيء، ويعرض فيه سقوط قوة وارتعاد ورعشة وبطلان نبض.

وإن ظهر فيه عرق، لم يكن مستوياً، وربما نقص فيه البحران بالاستفراغ فكان تمامه بالخراج الرديء واليرقان، ويكون البول ردياً رديء الرسوب، هذا إن كان سلامة، وإن لم يكن فكيف يكون وسلامته تكون بعرض النكس، قال جالينوس: إن السابع كالملك العادل، والسادس كالمتغلب الجائر، والثامن قريب من السادس.

فصل في الأيام الفاضلة والرديئة على ترتيبها كانت بحرانية أو واقعة في الوسط أو أيام إنذار أفضلها السابع، والرابع عشر، وبعدهما التاسع عشر والعشرون، ثم الخامس، ثم الرابع والثامن عشر، ثم الثالث عشر. واعلم أن أقوى أيام البحران حكماً، وأقوى أيام الوقوع وأيام الإنذار بذلك ما كان في الأيام المتقدمة، وكلما أمعن، ضعف حكمها.

فصل في الأيام التي ليست بحرانية لا بالقصد الأول ولا بالقصد الثاني هي اليوم الأول والثاني، والعاشر، والثاني عشر، والسادس عشر، والتاسع عشر، والخامس عشر أيضاً من هذه الجملة، والعجب أن كثيراً منها يلي اليوم البحراني.

فصل في أيام الإنذار أيام الإنذار هي الأيام التي تتبين فيها آثار ما هي دلائل تغير من المادة، أو دلائل استيلاء أحد المتكافحين من المرض والقوة، أو ابتداء مناهضة خفيفة تجري بين الطبيعة والعلة لا للفصل ولكن للتهيّج.

أما الأول فمثل دلائل النضج وغير النضج، أما دلائل النضج فمثل غمامة حمراء أو إلى بياض، ودلائل غير النضج أيضاً معروفة. وأما الثاني فمثل ظهور قوة الشهوة أو سقوطها فيه، وخفّة الحركة أو ثقلها. وأما الثالث فمثل: الصداع، والكرب، وضيق النفس، والرعدة، والعرق الغير العام، والاستفراغ الغير التام. فإذا ظهرت هذه الآثار في هذه الأيام، كان البحران في الأيام يتلوها معلومة، فكان الرابع ينذرأما السابع إن كانت علامته جيدة، أو بالسادس إن كانت علامته رديئة، خصوصاً في المحرقة والنائبة، على أنه يكون في السابع، وفي الأقل بالسابع لكنه في الغبّ يكثر على أنه يكون في السادس والتاسع، أما بالحادي عشر أو على الأكثر بالرابع عشر، والحادي عشر أيضاً بالرابع عشر، والرابع عشر. إما بالسابع عشر، أو الثامن عشر، أو العشرين، أو الواحد والعشرين، والسابع عشر أيضاً ينذر بالعشرين، أو الواحد والعشرين والثامن عشر ينذر بالواحد والعشرين، والعشرون بالأربعين.

ومن الأيام الواقعة في الوسط، فالثالث بالخامس، وإن كان رديئاً، فبالسادس، والخامس بالتاسع، وإن كان رديئاً فبالثامن.

واعلم أن دلائل الإنذارات قد تنحرف عن أيامها للسبب المذكور في انحرافات البحران عن أيامها المستحقة إلى ما قبلَها أو بعدها. واعلم أنه إذا تلا اليوم الثاني من أيام الإنذار شيء من جنس ما، كان في يوم الإنذار، فالمرض سريع الحركة، وتأمل العلامات المعجلة والمؤخرة، واحكم في أيام الإنذار التي ينذر بها إن أعجلت أو أخرت من ذلك.

فصل في تعرف أيام البحران إذا أشكل تَعَزفِ أيام البحران يحتاج إليه لأغراض كثيرة: فإنه يجب عليك إذا كان البحران قريباً أن تدبر تدبيراً ما، وإن كان بعيداً أن تدبر تدبيراً آخر. ويجب في أيام البحران وما يقرب منها أن تدبر المريض تدبيراً خاصاً، فلا تحركه البتة بدواء، فإنه ربما عاون الطبيعة على الاستفراغ، فأفرط إفراطاً شديداً، وربما ضادها في الجهة فولد تكافؤ الإيجابين، ولم يكن استفراغ وفي ذلك ما فيه.

ويجب في تعرف أيام البحران أن تراعي أيضاً الأمور المغيرة لأيام البحران المعلومة. ونحو التعرف منقسم إلى وجهين: أحدهما في بحران المرض مطلقاً، والآخر في تعيين البحران من جملة مدة كان فيها البحران فربما طال أيام البحران يومين ثلاثة فأشكل أنه إلى أيهما ينسب.
أما الوجه الأول فيستدل عليه من وجهين من علامات قصر المرض وطوله، ومن طبائع الأمراض وقواها.

أما الاستدلالات من علامات الطول والقصر فإنما يكون على انقضاء المرض، مثل أن يكون المرض ليس مما يمكن أن ينقضي في الرابع وما يليه، ويمكن أن ينقضي في السابع وبعده. فإن ظهرت علامات النضج ظهوراً جيداً فيما يلي الرابع، رجي أن يبحرن في السابع. وإن ظهرت علامات طول المرض المذكورة في بابه علم أن بحرانه يتأخر، وتكون عاقبته بغير بحران، وإن لم يظهر أحدهما رجي أن ينقضي المرض ما بين السابع والرابع عشر.

وأما الاستدلال من طبائع الأمراض، فمثل أن اليوم الفرد أولى كما علمت بما يتحرّك من الأمراض في يوم فرد، وبالحارة لحادة، والزوج بما يخالفه.

وأما الوجه الثاني فيستدل عليه من وجوه من قياس الأدوار، ومن عدد أوقات البحران وزمان البحران، ومن استحقاقات الأيام وقواها. أما الاستدلال من قياس الأدوار فمثل ما علم أن اليوم الزوج أولى بمرض، والفرد أولى بمرض. وأما من زمان البحران فأن تنظر وتتعرف أن المعاناة في أي اليومين كانت أطول، فيجعل له البحران إلا أن يمنع ما هو أقوى حكماً من حكم هذا الدليل، ومن هذا الباب ما يجب أن يجعل البحران فيه لليوم الأوسط من أيام ثلاثة مع الشرط المذكور.

وأما الاستدلال من قوة الأيام وطبائعها، فمثل أن يكون العرق ابتدأ في الليلة السابعة، ولم يزل يعرق في الثامن نهاره كله، فإن البحران يكون للسابع لا للناس. وإن أقلعت الحمّى في الثامن ولو كان على خلاف هذا فابتدأ العرق في الثالث عشر، ولم يزل المريض يعرق إلى الرابع عشر، وتقلع الحمى في الرابع عشر، فإنما ينسب البحران إلى الرابع عشر، وذلك لأن الثامن والثالث عشر ليسا في قوة اليومين الآخرين من الخير، والموت بالسادس أولى منه بالسابع، وبالعاشر أولى منه بالتاسع.

وأما الاستدلال من اجتماع الأحكام، فمثل ما سلف ذكره، مثال الرابع عشر فيما كرنا، لأنه اجتمع فيه العرق والإقلاع معاً. وأما الاستدلال من الأيام المنذرة، فأن تنظر هل وجدت في الأمثلة المذكورة إنذاراً من الرابع، فتجزم بأن البحران للسابع أو في السابع، أو تجدها في الحادي عشر، فتجزم أن البحران للرابع عشر.

فصل في بيان نسبة أيام البحران إلى أكثر الأمراض قد علمت أن الأمراض الحادة جداً يجب أن يكون بحرانها إلى السابع، والتي يليها في الحدة يجب أن يكون بحرانها إلى الرابع عشر وإلى العشرين، والتي تليها فإلى الأربعين، ثم بعد ذلك بحارين الأمراض المزمنة مطلقاً، إذا كانت للمحرقة تشتد في الأزواج، فإن ذلك علامة رديئة، وكثيراً ما تقتل في السادس، وينذر به الرابع ويكون فيه عرق بارد، ونحو ذلك وما كان مثل السرسام، فإنما يكون بحرانه في أكثر الأمر إلى الحادي عشر مع حدّته، لأن ابتداء معظمه يكون في الأكثر بعد الثالث والرابع، ثم يبحران في أسبوع، ثم القول في الحميات وأيام البحران.