الفن الرابع
تفرق الاتصال
سوى مايتعلقّ
بالكسر والجبر
يشتمل على أربع مقالات:
المقالة الأولى
الجراحات
فصل في كلام كلّي في تفرق الإتصال قد بيّنا في الكتاب الأول أصناف تفرق الإتصال على النحو الذي وجب في مثل ذلك الموضع ونريد أن نشير الآن إلى جمل من أحوالها يجب أن تكون معلومة لنا أمام ما نريد أن نبينه فنقول أنا نروم في بعض الأعضاء التي تفرق اتصالها، أن يعود اتصالها كما كان وذلك في مثل اللحم، ونروم في بعضها أن يبقى تماسها بحافظ، وإن لم يعد اتصالها وذلك العظم اللهم إلا في عظام الأطفال والصبيان فقد رحى فيهم ذلك العود.
وأما العصب والعروق فقد قال قوم من الأطباء أنها لا تعود متصلة، بل ربما يبقى عليها تماس التصاقي بحافظ يجري عليها ويجمعها، وقال قوم أنَ ذلك لا يتأتى في الشريين وحدها.
وأما جالينوس فقد أنكر عليهم، وقال بل قد تلتحم، الشرايين أيضاً بمشاهدة التجربة وتجويز من القياس، أما المشاهدة فلأنه قد رأى الشريان الذي تحت الباسليق ورأى شرايين الصدغ والساق قد التحمت.
وأما التجويز الذي من القياس، فلأن العظم طرف
في الصلابة لايلتحم إلا قليلاً في الأطفال واللحم طرف في اللين، يلتحم
والعروق والشرايين: متوسطة بين العظام، واللحم فيجب أن يكون حالها بين بين
فتكون أقلّ قبولاً للإلتحام من اللحم، وأسهل قبولاً له العظم فتلتحم، إذا
كان الشق قليلاً صغيراً والبدن رطباً ليناً ولا تلتحم فيما خالفه، وهذا ضرب
من الإحتجاج خطابي، والمعول على التجربة.
فصل في جملة في الجراحات
من الأعضاء أعضاء إذا وقع فيها جراحة، عظم الضرر، وقتل في الأكثر، وربما لم
يقتل في النادر كالمثانة والكلى والدماغ والأمعاء الدقاق والكبد، مع أنه
يمكن أن يسلم عليها إذا كانت خفيفة. وأما القلب فلا يتوقع السلامة مع حدوث
جراحة فيه، وأكثر من يعرض له جراحة في بطنه، فإذا عرض له تهوعّ أو فواق أو
استطلاق بطن، مات.
وإذا كانت الجراحة في مواضع يجب أن يشتد فيها الوجع والورم كرؤوس العضل وأواخرها وخصوصاً العصبانية منها، ولم يحدث ورم دل ذلك على آفة مستبطنة انصرفت إليها المواد، فلم تفضل للجراحة ويجب أن تتأمل ما نقوله في باب القروح من أحكام تشترك فيها القروح، والجراحات أخرناها إلى هناك التماساً للأوفق.
فصل في كلام كلي في علاج الجراحات الجراحة اللحمية لا يخلو إما أن تكون شقاً بسيطاً مستقيماً ومدوراً أو ذا أضلاع أو شقاً مع نقصان شيء من اللحم، وقد يكون غائراً نافذاً وقد يكون مكشوفاً، ولكل واحد تدبير، ويشترك الجميع في حبس الدم السائل. وقد جعلنا له باباً وربما كان سيلان قدر معتدل من الدم، نافعاً للجراحة يمنع الورم، والتبثير والحمى. فإن من أفضل ما يعني به في الجراحات أن تمنع تورّمها، فإنه إذا لم يعرض ورم تمكن من علاج الجراحة.
وأما إذا كان هناك ورم أو كان رض، وفسمح، اجتمع في خلله مع الجراحة دم يريد أن يرم، أو يتقيح لم يمكن معالجة الجراحة ما لم يدبر ذلك فيعالج الورم، وإن احتقن في الرض دم فلا بد من أن يتعجل في تحليله إن كان له قدر يُعتد به وتمديد، وذلك بإحالته قيحاً وتحليله وذلك بكل حار لين مما قد علم، ولهذا ما يجب أن يعان سيلان الدم إذا قصر، فإن كان الشق بسيطاً مستقيماً لم يسقط منه شي، كفى في تدبيره الشدّ والربط، ومنع الدهانة والمائية عنه، ومنع أن يتخلله شيء من الأشياء ولا شعره ولا غيره بعد حفظك المزاج العضو، واجتهادك في أن لا ينجذب إلى العضو إلا دم طبيعي.
وإن كان عظيماً لا تلتقي أطرافه لأنه مستدير متباعد أو مختلف الشكل، أو قد ذهب منه لحم قليل غير كثير، فعلاجه الخياطة، ومنع اجتماع الرطوبة فيه باستعمال المجفّفات الرادعة، واستعمال الملصقات التي نذكرها، وإن كان غائراً فالشد أيضأ قد يلصقه كثيراً، ولا يحتاج إلى كشفه وربما احتيج إلى كشفه إن أمكن، وذلك حين ما لا ينفع شيء برباط يوثقه كما يبينه، وخصوصاً حيث لا يقع الشدّ الجيد على أصل الغور، فتنصبّ إليه مواد لضعفه وللوجع ولأحوال نذكرها في باب القروح، وإذا احتيج إلى كشفه، لم يكن بد من وضع قطنة أو ما يجري مجراها على فوهته تنشفه، خصوصاً حيث يكون الشد لا يقع على الأصل كما قلنا، أو تكون نصبته نصبة لا يمكن أن تنصب المادة الرديئة عنه، أو يكون فيه عظم، أو يكون قد انحرف وصار ناصوراً وصار فيه رطوبة رديئة جداً، وهو حينئذ في حكم القروح دون الجراحات. قال العالم، إنما يحتاج الجرح إلى الربط الجامع للشفتين إذ أريد الالتزاق واللحام.
وأما إذا كان يحتاج إلى أن ينبت فيه لحم فلا
يحتاج إلى ذلك، لكن يحتاج مرة إلى الرباط الذي يصب الوضر من فيه، ومرة إلى
رباط بقدر ما يمسك الدواء عليه. قال، وتحرى أن يكون لفوهة الجرح مكان ينصب
الوضر منه دائماً بطبعه، إما بأن يوقع البطّ هناك، وإما بأن يشكله بذلك
الشكل، فإني قد أبرأت جرحاً كبيراً كان غوره حيث الركبة، وفوهته في الفخذ
من غير أن جعلت له فوهة أخرى أسفل عند الركبة، لكن نصبت الفخذ نصبة كان
القعر فوق والفوهة أسفل، فبرىء من غير بط في الأصل، وكذلك قد علقت الساعد
والكف وغيره تعليقاً تكون الفوهة أبداً إلى أسفل، فهذا قوله، ونقول ربما
وقعت الجراحة حيث يوجب عليك القطع التام، وإبانة العضو.
وأما إذا كانت الجراحة انقطع منها لحم كثير فتحتاج إلى المنبتات للحم، وليس
يكفي ما يجفف ويمنع،بل ربما ضر المجفف والمانع من جهة ما يردع مادة ما ينبت
منه، وقد يكون الغور والنقصان من العظم بحيث لا يمكن أن ينبت بالتمام،
فيبقى غور كما أنه قد يتفق أن ينبت أكثر من الواجب فيكون لحم زائد ويجب أن
يغذى المريض المراد نبات اللحم في جراحته بغذاء محمود جيد الكيموس، وقد
يكون المنبت بحيث يمكنه أن ينبت اللحم، وأما الجلد فلا ينتبه إذا كان قد
انقطع بكفيته، بل إنما ينبت مكانه لحم صلب لا ينبت عليه شعر، وأما العروق
فكثيراً ما تتولد شعبها وتنبت كاللحم.
ومن الجراحات جراحات ذوات خطر مثل الجراحات
الواقعة في الأعصاب، وأطراف العضل، وسنذكرها في باب أحوال العصب، وكثيراً
ما يتبعها أعراض منكرة رديئة مثل ما يتبع جراحة طرف العضل من تغير اللون،
وسقوط النبض بعد تواتر وصغر، ويتأدى إلى الغشي وسقوط القوة وقد يتبعها
التشنج.
وكذلك التي تقع قدام الركبة عند الرضفة، فإنها تتبعها أعراض منكرة رديئة،
وهي قاتلة فلما يتخلص عنها وإذا وقع تشنج من مثل هذه الجراحات العضلية، ولم
تقبل العلاج فالعلاج قطع العضلة عرضاً والرضا ببطلان فعل العضلة، ولكن ذلك
مما يجب أن يؤخّر ما أمكن علاج التشنّج واختلاط العقل بشيء آخر غيره، ومثل
جراحة الركبة ربما احتاج أن يوضح بشق صليبي، وأن يستظهر في أورامه وقروحه
وجراحاته بالفصد والإسهال ومنع الإلتحام، حتى يتنقى تنقية بالغة ثم يلحم.
فصل في تعريف قوة ما ينبت وما يلحم وما يختم وما يأكل من الأدوية الدواء المنبت للحم: هو الذي يعقد الدم الصحيح لحماً، فإن كان له تجفيف شديد، منع الدم الوارد، فلم تكن مادة للحم وإن كان له جلآء شديد، أزاله وسيّله، فأنفذ المادة الموجودة للحم، فيجب أن لا يكون لِه كبير تجفيف، بل إلى حدّ، ولا جلآء قوي جداً بل جلآء قليل قدر ما يجلو، لو ضر من غير لذع، ولا يحتاج إلى قبض يعتد به، ويحتاج أيضاً أن يكون في الحرارة والبرودة بحسب ما تحتاج إليه الجراحة.
والقرحة في مزاجها إن كانت زائلة فبالضد بقدر الزوال، وإن كانت غير زائلة زوالاً يعتد به فبالمشاكل، للحار جداً حار جداً، وللبارد جداً بارد جداً، وتراعي أيضاً تأثر الدواء في الموضع ليقابله إن أفرط في إساءة المزاج.
وأما الأدوية الملحمة: فهي التي تجمع بين المتباعدين ولا تحتاج أن تتصرف إلا في سطحيهما، فتلصق بينهما بالنداوة التي في جوهرهما، وإن كان دم حاضر، فهي التي تجفف الدم الحاضر في الجرح المكتفى به في الإلصاق تجفيفاً سريعاً قبل أن يتقيح، ولا يمكنها ذلك إن لم يكن معها فضل قوة على التجفيف، ولكن يجب أن لا تكون جالية فإن الجلاء ضد الغرض فيها، لأن الغرض فيها جعل الحاصل من الدم غراء ولصوقاً، والجلاء يجلو ذلك الدم ويبعده فتنقذ المادة التي تتوقع منها التغرية، وليس تحتاج إلى نقصان في التجفيف كما تحتاج إليه المنبتة لأن المنبتة تحتاج إلى أن تسيل إليها المادة، وتلك المادة يمنع سيلانها التجفيف، والملحمة لا تحتاج بل تحتاج الملحمة إلى تجفيف أقوى، ويسير قبض والمدملة الخاتمة أشد حاجة إلى القبض منهما جميعاً، لأنها تحتاج إلى أن تجفّف ما هو بالطبع أشد جفافاً، أعني الجلد، ولأنها تحتاج أن تجفّف الرطوبة الغريبة، والأصلية تجفيفاً شديداً جميعاً، وما قبله كان تحتاج إلى أن تجفف الرطوبة الغريبة تجفيفاً أكثر، والأصلية تجفيفاً بقدر ما يغري ويغلص ولا ينقص من الجوهر. وأما الأكالة الناقصة اللحم، فيجب أن تكون شديدة الجلاء جداً.
فصل في بط الجرح وغيره إذا احتيج إلى كشفه قال جالينوس: يجب أن تشق من أشد موضع منه نتوء واركه، ويكون توجيه البط إنما هو إلى الناحية التي يمكن مسيل القيح منها إلى أسفل، وأن يراعى في البط الأسرة، والغضون على الوجه الذي ذكرناه في باب الخراجات والدبيلات إلا فيما استثنيناه. وأما في مثل الأربية، والإبط، فيجب أن يذهب البط مع الجلد في الطبع، ثم توضع عليه المجففات من غير لذع مما هو مورد في جداول الأدوية المفردة، ودقاق الكندر أفضل فيها من الكندر، لأن ذلك أشد قبضاً والصواب في علاج الخراجات إذا بطت أن لا يقربها الماء، وإن كان ولا بد ولم يصبر العليل عن الإستحمام، فيجب أن يغيب الجرح تحت المراهم الموافقة مغشاة من الخرق المبلولة بالدهن تغشية تحول بين ماء الحمام ورطوبته وبين الجراحة، أو تحتال في ذلك بشيء من الحيل الممكنة فيه.
فصل في تدبير الجراحات ذوات الأورام والأوجاع تحتاج أمثال هذه الجراحات إلى الرفق، وأن يعتقد أن الجراحة لا تندمل البتّة ما لم يسكن الورم، ولا يتم ذلك إلا بما فيه تجفيف وتبريد في أول الأمر، وإرخاء في الثاني، وأن تستعمل فيه علاج الأورام بالجملة، ومما هو خاص بذلك مع عموم نفعه في كل عضو ومن الرأس إلى القدم، أن يؤخذ رمانة حلوة فتطبخ بشراب عفص، ويضمّد بها الموضع، ويجب أن تتأمل إلى ما يؤول إليه حال الورم، مثل أنك إن كنت استعملت المرهم الأسود، فرأيت الجراحة تشتدّ حمرتها أو تتنقّط، ملت إلى المبرّدات وإلى المرهم الأبيض، وإن رأيتها تترهّل أو تتصلب وقد استعملت الأبيض، استعملت الأسود أو غيره.
فصل في تدبير كلي في جراحات الأحشاء من باطن وظاهر الغرض فيما يتوهّم أنه شق وصدع من باطن أن يلحم، ولا يترك الدم يجمد في الباطن، وأن يمنع نزف الدم، والأدوية النافعة في الغرضين الأولين مثل البلابس إذا طبخت في الخلّ، أو يسقى من القنطوريون الكبير وزن درهم واحد، وللطين المختوم في ذلك غناء عظيم.
وأما ما يسقى بسبب منع النزف فمثل وزن دانق ونصب من بزر البنج بماء العسل، وسائر الأدوية المذكورة في منع نزف الدم ونفثه. وأما الجرح والشق الظاهران فقال العالم: إن انخرق مراق البطن حتى تخرج بعض الأمعاء، فينبغي أن تعلم كيف يضم المعي ويدخل، فإن خرج شيء من الثرب فيحتاج أن تعلم هل ينبغي أن يربط برباط وثيق أم لا، وهل تخاط الجراحة أم لا، وكيف السبيل في خياطته، وقد ذكر جالينوس تشريح المراق. وذكرناه نحن في التشريح.
قال: ولما قد ذكرنا في التشريح فموضع الخصرين أقل خطراً إذا انخرق من موضع البهرة، والبهرة وسط البدن، والخصران من الجانبين مقدار أربع أصابع عن البهرة، قال: لأن الشقّ إذا وقع في موضع البهرة خرجت الأمعاء معه أكثر، وربما فيه يكون أعسر، وذلك أن الشيء الذي كان يضبطها إنما كان العضلين المنحدرتين في طول البدن اللتين تنحدران من الصدر إلى عظم العانة، ولذلك متى انخرقت واحدة من هاتين العضلتين، فلا بد أن يخرج بعض الأمعاء وينتؤ من ذلك الخرق، وذلك لأن العضل التي في الخصرين تضغطه، ولا تكون له في الوسط عضلة قوية تضبطه، فإن تهيأ أن تكون الجراحة عظيمة خرجت عدة من الأمعاء، فيكون إدخالها أشد وأعسر.
وأما الجراحات الصغار فإن لم تبادر بإدخال المعي من ساعته انتفخ وغلظ، وذلك لما يتولد فيه من الريح فلا يدخل من ذلك الخرق، ولذلك فأسلم الجراحات الواقعة بالمراق الخارقة ما كان معتدلاً في العظم.
قال: وتحتاج هذه الجراحات إلى أشياء: أولها أن يرد المعي البارز إلى الموضع الذي هو له خاصة، والثاني: أن يخلط، والثالث: أن يوضع عليه دواء موافق، والرابع: أن يجتهد أن لا ينال شيئاً من الأعضاء الشريفة، من أجل ذلك خطر. إن كانت الجراحة من الصغر بحال لا تمكنها لصغرها أن يدخل المعي البارز، وعند ذلك لا بد إما أن تحلل تلك الريح، وإما أن توسع ذلك الخرق، وإن تحلل الريح أجود إن قدرت عليه، والسبب في انتفاخ المعي هو برد الهواء، فلذلك ينبغي أن تغمس إسفنجة في الماء الحار، وتعصرها وتكمّد بها، الشراب القابض إذا أسخن أيضاً كان نافعاً في هذا الموضع، وذلك أنه يسخن أكثر من إسخان الماء، ويقوي الأمعاء، فإن لم يحلّل هذا العلاج انتفاخ المعي فليستعمل توسيع الجراحة. وأوفق الآلات لهذا الشق الآلة التي تعرف بمبط النواصير، فأما سكاكين البط الحادة من الوجهين، والمحددة الرأس فلتحذر، وأصلح الأشكال والنصب للمريض إن كانت الجراحة متجهة إلى فوق فالشكل والنصبة المتجهة إلى أسفل.
وليكن غرضك الذي تقصده في الأمرين جميعاً أن لا تقع سائر الأمعاء على المعي الذي برز فتنقله، فإذا أنت فعلت هذا أو جعلته غرضك، علمت أنه إن كانت الجراحة في الشق الأيمن، فينبغي أن يأخذ المريض بالميل إلى الشق الأيسر، وإن كانت في الأيسر أخذته بالميل إلى الأيمن، ويكون قصدك دائماً أن تجعل الناحية التي فيها الجراحة أرفع من الناحية الأخرى، فإن هذا أمر يعم جميع هذه الجراحات.
وأما حفظ لأمعاء في مواضعها التي لها خاصة. بعد أن ترد إلى البطن، إذا كانت الجراحة عظيمة، فتحتاج إلى خادم جزل، وذلك أنه ينبغي أن يمسك موضع تلك الجراحة كله بيده من خارج فيضقه ويجمعه، ويكشف منه شيئاً بعد شيء للمتولي لخياطتها، أو يعمد إلى ما قد خيط منها أيضاً، فيجمعه ويضمه قليلاً قليلاً حتى يخيط الجراحة كلها خياطة محكمة، وأنا واصف لك أجود ما يكون من خياطة البطن، فأقول أنه لما كان الأمر الذي تحتاج إليه هو أن تصل ما بين الصفاق والمراق، فينبغي لك أن تبتدىء، فتدخل الإبرة من الجلد من خارج إلى داخل، فإذا أنفذت الإبرة في الجلد وفي العضلة الذاهبة على استقامة في طول البطن كلها، تركت الحافة من الصفاق في هذا الجانب لا تدخل فيها الإبرة، وأنفذت الإبرة في حافته الأخرى من داخل إلى خارج، فإذا أنفذتها فأنفذها ثانياً في هذه الحافة نفسها من المراق من خارج إلى داخل، ودع حافة الصفاق الذي في هذا الجانب، وأنفذ الإبرة في حافته الأخرى من داخل إلى خارج، وأنفذها مع إنفاذك لها في الصفاق في حافة المراق التي في ناحيته حتى تنفذها كلها، ثم ابتدىء أيضاً من هذا الجانب نفسه وخيطه مع الحافة التي من الصفاق في الجانب الخارج، وأخرج الإبرة من الجلدة التي بقربه، ثم رد الإبرة في ذلك الجلد وخيط حافة الصفاق التي في الجانب الآخر، مع هذه الحافة من المراق وأخرجها من الجلدة التي في ناحيته، وافعل ذلك مرة بعد أخرى إلى أن تخيط الجراحة كلها، على ذلك المثال فأما قدر البعد بين الغرزتين، فيجب أن يتوقى الإسراف في السعة والضيق، فإن السعة لا تضبط على ما ينبغي والضيق يتفزر.
والخيط أيضاً إن كان وترياً أعان على التفزر، وان كان رخواً انقطع فاختر بين اللين والصلب، وكذلك إن عمقت الغرز في الجلد، وإن أبعد من التفزر إلا أنه يبقى من الخيط داخل الجراحة، لا يلتحم فاحفظ الاعتدال ههنا. قال أيضاً: واجعل غرضك في خياطة البطن إلزاق الصفاق بالمراق، فإنه يكد ما يلتزق ويلتحم به لأنه عصبي، وقد يخيط قوم على هذه الجهة.
ينبغي أن تغرز الإبرة في حاشية المراق الخارجة، وتنفذها إلى داخل، وتدع حاشيتي الصفاق جميعاً، ثم ترد الإبرة وتنفذها، ثم تنفذ الإبرة في حاشيتي الصفاق جميعاً بردك الإبرة من خلاف الجهة التي ابتدأت منها، ثم تنفذها في الحاشية الأخرى من حاشية المراق، وعلى هذا.
وهذا الضرب من الخياطة، أفضل من الخياطة العلمية التي تشلّ الأربع حواشي في غرزة، وذلك أنها بهذه الخياطة أيضاً التي قد ذكرنا قد يستتر الصفاق وراء المراق، ويتصل به استتاراً محكماً. قال: ثم اجعل عليه من الأدوية الملحمة والحاجة إلى الرباط في هذه الجراحات أشدّ، ويبلّ صوف مرعزي بزيتٍ حارٍ قليلاً، ويلفّ على الإبطين والحالبين كما يدور، وتحقنه بشيء مليّن أيضاً مثل الأدهان والألعبة، وإن كانت الجراحة قد وصلت إلى الأمعاء فجرحته، فالتدبير ما ذكرناه، إلا أنه ينبغي أن يحقن بشراب أسود قابض فاتر، وخاصة إن كانت الجراحة قد بلغت أو نفدت وراءه، والمعي الصائم لا يبرأ البتّة من جراحة تقع فيه لرقة جرمه، وكثرة ما فيه من العروق، وقربه من طبيعة العصب، وكثرة انصباب المرار إليه وشدّة حرارته لأنه أقرب الأمعاء من الكبد.
فأما أسافل البطن، فإنها لما كانت من طبيعة اللحم صرنا من مداواتها على ثقة.
قال جالينوس في كتاب حيلة البرء، وليكن غرضك عند انخراق مراق البطن مع الصفاق، أن تخيطها خياطة تلزق الصفاق بالمراق لأنه عصبي بطيء الإلتحام بغيره، وذلك بنوع الخياطة التي ذكرناها، لأنها تجمع وتلزق وتلزم في غرزة الصفاق، قال: والأمعاء إذا خرجت فادع شراباً أسود قوياً، فيسخّن ويغمس فيه صوف ويوضع عليه فإنه يبدّد انتفاخها ويضمرها، فإن لم يحضر فاستعمل بعض المياه القوية القبض مسخناً، فإن لم يحضر فكمّده بالماء الحار حتى يضمر، فإن لم يدخل في ذلك، فوسّع الموضع.
قال بقراط: إذا خرج الثرب من البطن في جراحة، فلا بد أن يعفن ما خرج منه، ولو لبث زماناً قليلاً وهو في ذلكَ أشدّ من الأمعاء والكبد، لأن الأمعاء وأطراف الكبد إن لم تبق خارجة مدة طويلة حتى تبرد برداً شديداً، فإنها إذا أدخلت إلى البطن والتحم الجرح تعود إلى طباعها.
فأما الثرب فإنه وإن لبث أدنى مدة، فلا بدّ من أنه إن أدخل البطن ما بدا منه أن يعفن، ولذلك تبادر الأطباء في قطعه، ولا يدخلون ما بدا منه إلى البطن البتّة، فإن كان قد يوجد في الثرب خلاف هذا فذلك قليل جداً، لا يكاد يوجد وإن خرج شيء من الثرب، فيحتاج أن تعلم هل ينبغي أن يقطع أو لا، وهل ينبغي أن تخيط الجراحة أم لا، وكيف تخيط؟ فإن وقعت الجراحة بالبهرة وهي وسط البطن فهي أكثر خطراً، لأن أطراف العضل المغشي على البطن هناك، وإن كان في الخصرين وهما عن جنبتي وسط البطن عن يمين وشمال نحو أربع أصابع، فهو أسلم لأنه ليس فيه شيء من أطراف العضل العصبية.
فأما موضع البهرة فخياطتها أيضاٌ عسرة، وذلك لأن الأمعاء تنتؤ وتخرج عن الخرق الذي في هذا الموضع أكثر وردها في هذا الموضع أعسر، وذلك أن الذي يضمها ويضبطها هو العضلتان الممدودتان في طول البطن اللحمتان اللتان تنحدران من الصدر إلى الركب، وهو عظم العانة، ولذلك متى وقعت الجراحة في هذا الموضع قطعت هذه العضلات، فكان نتوء المعي أشد لأن العضل التي في الخصر تضغطه، ولا يكون له في الوسط عضلة قوية تمسكه، فإن تهيأ مع ذلك أن تكون الجراحة عظيمة، فلا بدِّ أن ينتؤ ويخرج منها عدّة أمعاء فيكون إدخالها أعسر.
فصل في كيفية ربط الجراحات أما الجرح والشق الظاهران، إذا أردت أن يلتحما، فاعمل بما قاله عالم من أهل هذه الصناعة. قال: إذا أردت أن يلتحم مثل هذا الشق، فالزمه رباطاً يبتدىء من رأسين لا غير من الربط، فإن كان عظيماً احتجت أن تلزمه رفائد مثلّثة، وإن كان الموضع ممتلئاً احتاج إلى الخياطة أيضاً.
والرفائد المثلثة خير في جمع شفة الجرح من المربعة، لأنها تضبط على الشق فقط، ووضع الرفائد المثلثة على هذا المثال ليكون الشقّ الخط المستقيم بين المثلثين والرفادتان المثلثتان إحداهما ب والأخرى ج، يهندمان على الشكل الذي تراه، فإذا ربطت هذه المواضع، ووقع رباط من رأسين كان ضبط الرباط على موضع الشقّ أشد من أن يكون مربعاً، ولا يجوز في ضم الجرح رباط غير ذي الرأسين، فهذه هي الرفائد المثلثة وشكل الشدّ هذا: وقيل في كتاب حيلة البرء: كان برجل جرح كان غوره قريباً من الأربية، وفوهته قريبة من الركبة فأبرأناه بلا بط البتة، بأن جعلنا تحت ركبته مخاد ونصبناه نصبه صارت فوهته منصوبة بسهولة. وكذا عملنا بجروح كانت في الساق والساعد فبرئت كلها بسهولة، قال ومن قد عانى التجربة يعلم أن الجراحات التي تحتاج أن يصير دمها مدة، فإن مكثه في داخل إلى أن يتغير معه سائر ما هناك أجود وأسرع للتغير معاً.
الجراحات المتبرية المتباعدة الشقتين تحتاج أن تجمع برباط، يجمع شفتيها إِلا أن يكون عليها من ذلك وجع أو تكون وارمة، فيتجمع لذلك ولو كان برفق أو يكون عضلة قد انبرت عرضاً، فإنه حينئذ لا يجمع بل يجعل في وسطه فتيلة خوفاً أن يلتحم الجلد، وتبقي العضلة غير ملتحمة.
قال: وكذلك إذا شققنا جلدة الرأس وضعنا بين الشفتين شيئاً يملؤه، وربما انقبضت جلدة الشفاه إلى داخل القرحة، فتحتاج حينئذ أن تورم بالرباط أن تجذبه إلى خارج، وإذا وقعت الجراحة بالطول، فالرباط يبقى ليجمعها جمعاً محكماً، وإذا كانت بالعرض احتاجت إلى الخياطة، وبقدر غور الجرح يكون غور الخياطة الأولى من زيادة التشريح. قال: وربما اضطررنا أن نزيد في سعة الجرح إذا كانت نخسة، وخفنا أن يكون لغورها، يلتحم أعلاها، ولا يلتحم قعرها، أو يكون العضو المجروح في وقت ما جرح على شكل يكون إذا عاد إلى استوائه لم يمكن أن تسيل منه مدة، ولا يدخله دواء، وإن رد إلى شكله حين خرج هاج وجع فيضطر أن تشق شقاً موافقاً.
واعلم على الجملة أن ما يقع من الجراحات في عرض العضلة هي أولى بأن يكون تباعد شفتيها أشد، فلذلك تكون إلى الاستقصاء في جمع الشفتين أحوج، وربما لم يكن بد من الخياطة، واستعمال الرفائد المثلثة، وخصوصاً إن وقع في اللحم نقصان والواقعة في الطول أقل حاجة إلى ذلك.
فصل في الأدوية الملحمة للجراح هذه الأدوية قد وصفنا قوتها وموضع اتصالها، ولا شكّ أن الذرور منها يحتاج أن يكون أقل قوة من المتخذ بالأدهان والقيروطيات، والحاجة الداعية إلى الأدهان والقيروطيات هي بسبب أن الأدوية اليابسة، وخصوصاً ما كان مثل المرداسنج وسائر المعدنيات، لا تغوص إلى القعر، ولا تنفذ في المسام فإذا جعل منها قيروطي بلغها سيلان الدهن إلى حيث شئنا.
وهذه الأدوية الملحمة قد تكون من المعدنيات، وتكون من النباتيات، ومن الحيوانيات ومن كل صنف، وهي من المعدنيات مثل الاسفيذاج بدهن الآس والشمع. ومن النباتيات الأوراق: مثل: ورق البلوط الذكر ضماد، أو ورق الخلاف، وورق الكرنب، وورق شجر التفاح وقشر لحائه، وورق لسان الحمل والحلفاء منقعاً بخل أو شيء من شراب، وخصوصاً إذا خلط به ورق شجر الصنوبر الذكر والأنثى، يربط بلحائه، وورق السرو وأغصانه، وأوراق فنطافلون مع عسل، ومن الصموغ علك البطم خصوصاً بقرب الأعصاب الكثيرة.
ومن الثمرات والحبوب: الجوز الطري مسحوقاً بماء وملح، أو شراب مغلي بورق الحماض أو ورق السلق أو الخسّ، والكمّثري البرية مع ما فيه من منع النزلة، وجوز السرو والثوم المحرق وغبار الرحا والشعر المحرق، وخصوصاً للمشايخ مع شمع ودهن ورد، ومن الزهر فما يشبه زهر الزعرور وحشيشة ذنب الخيل، وخصوصاً في جوار حشو من عضو أو لحم، وللجراحات القريبة من رؤوس العضل.
ومن الحيوانات: اللبن الحامض جداً ملصق للجراحات العظيمة، ومن المركبات: دواء دياروفس والدهنية، ودواء نيقولاس، ودواء الخلاف بمشكطرا مشيع ومرهم الكتان.
فصل في الأدوية المدملة والخاتمة للجراحات وغيرها هذه الأدوية قد عرفت طبائعها، وتعلم أيضاً أن الذرور منها يجب أن لا يكون في قوة ما يقع في المراهم، والآن يجب أن تعلم أن هذه الأدوية لا يجب أن تستعمل، وقد استوى سطح اللحم الصلب مع الجلد غاية الاستواء. وأما اللحم الرطب فقد يستوي ويزيد، لكنه يكون بحيث إذا جف نزل، بل إنما يجب أن تستعملها في الذي يكون إذا جفّ استوى، وهذا شيء يعرف بالحدس، فيجب أن تستعمل الدواء المدمل قبل أن يبلغ ثبات اللحم في الجراح التي ينبت فيها اللحم، هذا المبلغ، فإن المدمل أيضاً قد يزيد في حجم اللحم إلى أن يندمل، وتزيد معه القوة الطبيعية فيزداد على هذا المبلغ، بل يجب أن يكون بحيث إذا جفف وفعل فعله، يكون قد أنبتت الطبيعة المقدار المحتاج إليه مع بلوغ المدمل غايته في الإدمال، حتى يكون توافى الفعلين محصلاً من اللحم والجلد المدركين قدر ما يستوي به السطح المجروح، فإن لم يراع هذا أوشك أن يصير أثر القرحة أعلى من الجلد، يجب أن تستعمل الخاتم في أول ما تستعمله رطباً، ثم تستعمله يابساً عندما يقارب الختم تمره عليه بطرف الميل، وهذه الأدويه هي مثل: لحاء شجر الصنوبر بقيروطي من دهن ورد أو آس، والراتيانج اليابس، والقيسور المشوي، وقشور النحاس، ودقاق الكندر، والمرداسنج والقنطوريون الصغير، والعروق جيدة، والعظام المحرقة أيضاً، والزراوند المحرق شديد الإعمال والشب أيضاً، والعفص الفج، وورق التين. وقد كنى عنه بقراط، برجل العقعق كما قالوا، ويشبه أن يكون عنى به الحشيشة المعروفة برجل الغراب، وجفر الكلب الآكل للعظام وبعر الضب، إلا أنه أجلى من الأول فيحتاج أن يكسر بالقوابض، وأصل السوسن الإسمانجوني ولحاء أصل الجاوشير والتوتيا، ومن المنبتات العجيبة في القروح الحارة المزاج المتوزمة الصندل والنيلوفر والصبر، وخصوصاً في ناحية المقعدة والمذاكير.
وقد يقع في أدويته الزاج والقلقطار وإن كانا من جملة الأكالات الناقصة للحم، لكنها ربما أدملت في شديدة الرطوبة وخصوصاً إذا أحرقت، فيصير إدمالها ليس أقل من أكلها لا سيما إن غسلت، فصارت إلى الإدمال أميل.
وأما الزنجار والأدوية الشديدة الأكل، فلا تصلح لذلك إلا بتدبير قوي وفي بعض الجراحات والقروح الشديدة الرطوبة.
وأما النحاس المحرق إذا غسل فهو جيد وخصوصاً المحرق، والقلقطار المحرق والمرتك والاسفيذاج. وأما كيفية اتخاذ ذلك فأن يحل المراسنج والاسفيذاج بالخلّ، ثم يستعمل، والإقليميا يسحق والأجود أن يحرق، ثم يخلط بذلك مع القلقطار، ويشرب دهن الآس بالخل أو الشراب القابض، وربما زيد عليه الزاج المحرق في الإدمال، وإذا أريد أن تتخذ مراهم احتيج إلى ما هو أقوى، من بين المدملات مثل الاقليمياء، والجلنار والعفص إذا كانت الجراحة والقرحة شديدة الرطوبة.
صفة مرهم الكتان: وهو جيد عجيب، ونسخته: يؤخذ خرقة كتان مغسولة نظيفة فتدق حتى تصير مثل الغبار والكحل، ثم يؤخذ زيت قوي القبض أو دهن الآس، ويجعل فيه من القنة شيء يسير، ويذاب في الدهن، ويجعل فيه الخرقة المدقوقة ويجعل منه مرهم، فإنه عجيب. والمرهم الأسود قد ينبت، وإذا أردت أن تقوي إنباته فاجعل فيه من الكندر والجاوشير والزراوند المجموعة بالسواء جزءاً يكون مثل وزن الأخلاط الأربعة.
صفة ذرور خفيف: يؤخذ من الاسفيذاج والمرداسنج جزء جزء، من خبث الرصاص والمر والعفص من كل واحد نصف جزء.
ذرور آخر: يؤخذ صدف محرق إثنا عشر، الرمان الصغار التي سقطت عن الشجر وجفت وقلقديس من كل واحد ستة عشر، قرن الأيل محرقاً، قيسور، أقليميا، ريتيانج، أصل السوس، من كل واحد أربعة، دقاق الكندر، لحا شجرة الصنوبر، من كل واحد ستة، قشور الرمان، أسفيذاج، شب، من كل واحد ثمانية، عفص، واحداً، يتخذ من جملة ذلك ذرور.
ذرور آخر: يؤخذ فوة، عظام محرقة، مرداسنج، من كل واحد درهمين، كندر وصبر من كل واحد ثلاثة، عنزروت، ما ميثا، درهم درهم، يتخذ ذروراً.
ذرور اَخر: يؤخذ ورد، إسفيذاج الرصاص، جلنار، زر الورد، شب، بالسوية.
آخر: يؤخذ أصل السوس، أصل الجاوشير، بالسوية، زراوند مثقالان، دقاق الكندر مثقال.
صفة مرهم لجراحات أبدان المشايخ: وذلك أن يحرق الشعير ويتخذ منه قيروطي بدهن الورد أو دهن الآس بأسفيذاج الرصاص.
فصل في الأدوية المنبتة للحم في الجراح والقراح وقد عرفت خاصية الأدوية المنبة للحم، وأنها كيف ينبغي أن تكون في مزاجها، ويجب أن تستعمل الأدوية المنبتة للحم وقد نقي الموضع عن الأوساخ، ونحوها، وإن لم تكن قاعدة الجراحة إلا العظم، نقي ذلك العظم ويبس في الغاية، ولم يترك فيه كمودة أوفساد إلا قشِر ولا رطوبة إلا جُفّت، وخصوصاً في الرأس، فإن ملامسة العظم ورطوبته أحد أسباب منع ثبات اللحم عليه، وإذا حكّ وخشن كان ما يصير عليه من المادة التي يتولّد منها اللحم أثبت. واعلم أنه قد يكون دواء ينبت اللحم في بدن أو عضو، ولا ينبت في الآخر وذلك لأنه ربما جفّف في بدن، ولم يجفف في بدن آخر بحسب مزاجي البدنين وعلى ما علمت، كربما أفرط الخلاء في بدن ولم يفرط في بدن، ولم يجفف أصلاً إذ كان هذا الدواء، يحتاج إلى تجفيف ما وإلى جلاء ما مقدرين بحسب البدن غير مطلقين، والشيء المقدر يختلف تأثيره في أشياء ليست متفقة القدر في الانفعال.
وكل مجفف يبسه أقلّ من يبس بدن يعالج به، فإنه أيضاً يقصر عن إنبات لحمه بل يكون أيبس منه، ولذلك صار الكندر لا ينبت في الأبدان اليابسة التي جاوزت الاعتدال في اليبس. والبحرية هي التي تعلم بها ما يكون من الجفاف والوقوف، أو من نبات اللحم على الاستمرار، أو من التوسخ. فإن رأيت تجفيفاً لا يكاد ينبت معه اللحم فرطب يسيراً، وإن وسخ فزد في الدواء اليابس ودع المستمر على قوته.
وربما كان أيضاً لبعض الأبدان مناسبة مع بعض الأدوية غير منطوق بعلّتها، فلذلك يجب أن تخلط أدوية شتى ضعيفة وقوية. وأما اتخاذ المراهم والحاجة إليها فقد علمته، ولا يجب أن تقتصر من الدواء على التجفيف والترطيب، بل تراعي الكيفيتين الفاعلتين على حسب ما قدمنا ذكره، ولا أيضاً على التجفيف والترطيب مع الفاعلتين إلا مع مراعاة مقايسة بين حال القرحة وحال مزاج البدن، فإنه قد يكون البدن رطباً والقرحة يابسة، وقد يكون البدن يابساً والقرحة رطبة، وقد يكونان رطبين وقد يكونان يابسين، فتستعمل في الأول ما هو أضعف مثل الكندر ودقيق الباقلاء، ودفيق الشعير ونحوه.
وإن كان البدن يابساً والقرحة رطبة جداً، فيحتاج إلى أدوية شديدة التجفيف بالقياس إلى الأدوية المنبتة للحم، مثل الزراوند وأصل الجاوشير والزاج المحرق، وفي الباقي يحتاج إلى، المتوسطات كالإيرسا ودقيق الترمس.
وقد يتفق أن يكون بعض الأدوية فيه شيء من خصال تحتاج إليها الأدوية المنبتة للحم من تجفيف وجلاء، ولكن يفرط فتصير مثلاً لتجفيفه الشديد حابساً للوضر ومانعاً للمادة، ولفرط جلائه أكالاً، فإذا خلط به غيره مما يضاده، كسر منه وعدله فصار منبتاً، مثل الزنجار، فإنه إذا قرن به الزيت بالشمع وهما يرطبان العضو ويوسخانه فأومأ تجفيفه وشدة جلائه، فصار مدملاً، ويجب أن يكون الزنجار جزءاً من عشرة أجزاء من القيروطي، إذا استعمل في الأبدان التي هي أيبس، وجزءاً من إثني عشر جزءاً إذا استعمل في الأبدان التي هي أرطب، ويجب أن تراعي في هذا إذا استعمل أيضاً الإمتحان المذكور.
والمشايخ يحتاجون إلى أدوية فيها حرارة أكثر وجذب أقوى، ويقع فيها مثل الزفت، والكندر ودقيق الشعير ودقيق الباقلا ودقيق الكرسنة وأصل السوسن والزراوند والاقليميا وخشيشة الجاوشير، وإذا امتنع دواء عن النفع ملت إلى غيره، فإذا استعصت، عالجت بما هو خاص بالقروح.
فصل في علاج جراحة الشجاج وأما تدبير العظم فيها وما يعرض من أعراضها المخوفة، فقد قيل في باب العظام والجبر. وأما ملحمات قروحه فالخارج منها يكفيه أدنى دواء مجفف خفيف، ليذرّ عليه من الدواء الرأسي، وهو متخذ من الصبر والمر والكندر ودم الأخوين، وكذلك الأدوية الخفيفة من المذكورة في الجراح، فإن كان هناك سيلان دم فيعالج بما ذكرناه في باب نزف الدم، ويجب أن يطعم صاحبه أدمغة الدجاج مشوية ما أمكن، فإنه على ما شهد به قوم مقو للدماغ وحابس للنزف، وإن كان فيه رأي آخر. وكذلك ماء الرمان المر، ويضمد بعصا الراعي. ومن الأدوية الجيدة للجراحة، وللدم أن يؤخذ الخمير المحمض اليابس، ويسحق ويذز عليه، ولا يرطب. وأما ما يمنع الورم فالتضميد بدقيق الشعير والسميد معجوناً بزوفا رطب، وكذلك سويق الشعير مع الفوتنج ينفع من رضّته، وسائر التدبير يؤخذ من باب العظام.
المقالة الثانية
السحج والرض
والفَسْخ والوثي والسقطة والصدمة والحزق ونزف الدم ونحو ذلك.
فصل في التقدمة قد علمت في الكتاب الأول ما معنى الفسخ والهتك، وأما الوثي فهو أن يكون قد زال العضو عن مفصله زوالاً غير تام ولا ظاهر بين فيكون خلعاً، والوهن دون الوثي وكأنه أذى من تمدد يلحق الرباطات في المفصل، وما يحيط به من اللحم، لو كان معه أدنى زوال كان وثياً. ومن الناس من يسمي الوهن، والمعنى الذي سميناه وثياً باسم عام، ومن الناس من يسمي بالوثي الانفصال من أحد جانبي المفصل، مثل أحد جانبي الكعب والرسغ مع لزوم الجانب الآخر، وإن كان انفصالاً ظاهراً والذي نريد أن نقدمه، ونتكلم فيه أولاً هو الفسخ الذي يعرض للعضل في أوساطها والهتك في أطرافها.
. فصل في الفسخ والهتك إذا عرض للعضلة أن تفسخت عرض من ذلك بين أجزائها عدد من تفرق الاتصال كثير، ينصبّ إليه لا محالة دم كثير، لا محالة أن ذلك تورّم وأقلّ أحواله أن يجتمع فيه دم فيعفن، لأنها أكثر مما يرجى. تحلّله من المنافس، وخصوصاً عن منافس ضاقت بالضغط الواقع من الفاسخ خازجاً، وبالضغط الواقع من الورم داخلاً، ولذلك إن لم يتدارك الأمر فيه تأدى إلى فساد العضو، وربما تبع الفسخ والسقطة والصدمة غدة، فيجب أن تبادر إلي علاجها لئلا يتسرطن، ولا يجب أن تشتغل في الهتك بإعادة اتصال الليف المنقطع، بل بتسكين الوجع.
فصل في الملاج قد لا يوجد في كثير من الأحوال في هذه العارضة بدّ من الفصد، بل أصحاب الصناعة يبادرون إلى ذلك، وإن كان البدن نقياً، وإذا وقع الفصد وبودر إلى الأضمدة المانعة المشددة لم يعرض منه ما يحتاج إلى علاج يحتفل به، كان منعها بتبريد وقبض أو بواحد منهما، وأما إذا تأخر ذلك وبادر الدم إلى خلل التفرق وخفّت الآفات المذكورة، فلا بد في علاجه من استخراج ذلك الدم لئلا يعوق عود الإتصال إلى حاله، فإن كان بحيث يمكن أن يتحلل بتسخيف المسام بالنطولات بمياه حارة ونحوها، وبما يستعمل على المضروب مما نذكر، وأيضاً بالأدوية المغشية للدم الميت، والأدهان المحللة للأعياء، وبأن يسقى أشياء من باطن تعين على التحليل فعل ذلك، واقتصر عليه.
وهذه المغشيات المعينة على ذلك مثل مقل اليهود والقسط والقنطوريون الغليظ بالسكنجبين ليعين السكنجبين أيضاً على ذلك بالتقطيع.
وأما الأدوية المغشية للدم الميت فالضعيف، مثل دقيق الشعير والزوفا الرطب والسميد المعجون بالماء، والقوي مثلى الفودنج الجبلي مع سويق، وخصوصاً إذا وقع في الرأس.
وبالجملة ما له إرخاء بحرارة لطيفة، يحلل تحليلاً لطيفاً، وربما يجفف تجفيفاً لطيفاً فإن الشديد التحليل والتجفيف يستعجل في تأثيره، فيحلل اللطيف ويحبس الكثيف بتجفيفه، ويسد المسام أيضاً بتجفيفه، فهذا القدر كاف للمؤنة في الأكثر، فيما تفرّق اتصالاتها قريبة إلى الجلد وظاهرة غير غائصة، فإن لم تكن كذلك وكانت التفرّقات كثيرة وغائضة وبعيدة من الظاهر، لم يكن بد من الشرط، وعلى ما الحال عليه في الأورام والقروح الرديئة، ولا يكون حاله حال المضروب، فإن المضروب قد انجذبت مادته إلى الجلد، والجلد في طريق التقرح، وهذا تفرق الإتصال فيه غائص غائر، فلذلك لا يطيع، فلا بد من استعمال الجاذبات بالقوة، ومن المحاجم والشرط.
وربما كان الأمر أعظم من هذا وصار العضو إلى تورّم عظيم خارجاً، ويجمع، فحينئذ يجب أن تبادر إلى التقيّح، وإحالة ما يجتمع فيه مدة ليسكن الوجع بما يتقيح، وتتحلل المادة بالتقيح، فإن ذلك على كل حال يتقيّح ولأن يتقيح أسرع بمعونة العلاج فهو أسلم، وربما حللته الأدوية المقيحة من غير تقييح، خصوصاً إذا أعانتها الحرارة الغريزية وسعة المنافس، ثم تأمّل الأدوية المذكورة في باب السقطة والصدمة. وأما الرباط الذي يستعمل على الفسوخ، فقد قيل في صفته أنه إذا حدث رضّ أو فسخ فاربطه، وليكن الربط على الموضع نفسه شديداً جداً، واذهب بالرباط إلى فوق ذهاباً كثيراً، يعني إلى ناحية الكبد وإلى أسفل قليلاً، ولا تزد جبائر ولا رفائد، ولا تطل عليه جباراً كثيراً لأنه يحتاج أن يتحلل ذلك الدم الميت، ويحتاج إلى إمعان ذهاب الرباط إلى فوق لئلا ينصب إليه شيء، ما ذهب إلى فوق فليكن أرخى، ولتكن خرقة رقيقة صلبة ليحتمل الشد، ويسرع اتصال التطوّل به، وينصب العضو إلى فوق كما يفعل في نزف الدم. وهذا العلاج، أعني الرباط، ينبغي أن يكون قبل أن يرم العضو، لأن العضو إذا ورم لم يحتمل غير الرباط المعتدل فضلاً عن شدة الغمز، ولذلك يدارى حينئذ بالأضمدة وبمواصلة صب الماء الحار عليه. وأما الغدد التي تتبع الفسوخ فعلاجها بالأسرب، يوضع عليها لئلا تزيد، وتعظم وربما تفدغت وتفسخت.
فصل في السقطة والصدمة بحجر أو حائط أو غيره إن السقطة والصدمة تؤلم وتؤذي بالفسخ والرضّ، وتكون فيها مخاطرة بسبب تفرق اتصال العظام، أو تفرق اتصال يقع في الأحشاء في أغشيتها وعصبها وفي العروق الكبار لتي لها، وتكون فيها مخاطرة أيضاً بسبب شدة الألم. وكلما كانت الجثة أكبر كان الخطر أشد، ولذلك صار الأطفال لا يعرض لهم في سقطاتهم من الأذى ما يعرض للبالغين. والغمد تكبر أيضاً في السقطات والصدمات والضربات، ويحتاج أن يتدارك بما وصفناه في موضعه، وقد تعرض من السقطة والصدمة آفات عظيمة من انقطاع جانب من القلب أو المعدة، فيموت الممنو بذلك في الوقت وقد يعرض أن يحتبس البول والبراز، أو يخرجا بغير إرادة، وقد يعرض قيء الدم والرعاف الشديد بسبب انقطاع عرق في الرأس أو الكبد أو الطحال، ونفخ البطن، وشقة النفس، وانقطاع الصوت، والكلام. ومن أصابته صدمة أو سقطة أو غير ذلك فانقطع كلامه، وانتكس رأسه، وذبل نخسه، وعرقت جبهته، واصفرّ وجهه أو اخضرّ، فإنه ميت في الحال. فإذا عرض له أو للمنخوس أو للمضروب ضرباً مبرحاً في الدم قيء الدم في الوقت، ولين طبيعة فهو مائت، وأسلمه أن يتقيأ دماً مخلوطاً بطعام، خصوصاً إن كان قد تورم ظاهره، ثم إذا استبطن الورم وسكن الورم، ثم قاء بعد ذلك مدة فإنه يموت مكانه، ومن وقع على صماخه وسال منه دم كثير فلا بد أنه يورم، ويقتل ومن سقط على رأسه فإنه كثيراً ما لا يتكلم، فإذا بقي إلى الثالث لا ينص ولا يزيد فيحقن في الثالث، وينتظر إلى السابع، ولا يحرّك قبل ذلك بشيء وصاحب السقطة إذا لم يحمر موضع سقطته فالعضو عصبي.
فصل في العلاج يجب إن لم يكن كسر وخلع أو نزف دم أن تبادر إلى العضو المصدوم، أو المرهون بالسقطة، فيجعل عليه ما يشدده، ومع ذلك فيلزم معالج هذا الباب ألن يتثبت حتى يظهر له أن ليس في الباطن سبب مبادر إلى الإتلاف، فان احتاج أن يستظهر أكثر وأوجب الحال ذلك، فيجب أن تبادر فتفصد وتستعمل حقنة لينة رقيقة، ثم إن أمكنه أن يشدد الموضع ويشدد شقاً إن وقع بما نذكره بادر إليه، والأدوية المحتاج إليها هي المشدّدة المغرية أيضاً والمحلّلة للمادة برفق وإرخاء كما في الفسخ، والملحمة الملصقة من خارج وداخل وأجود غذائه الماش والحمص.
وأما الأدوية التي يجب أن يتناولها من به فسخ أو صدمة أو سقطة، فالفاضل المقدم فيها الموميا أي الخالص مع الدهن المعروف بالزئبق، والشراب، وربما تبع بشيء من الحقن، يسقى الراوند الصيني مع مثقال من قوة الصبغ في شراب، والطين المختوم، وبعده اللاني والأرمني والسمّاق والأنزروت ينفع جداً بالجامه، والشب ملصق نافع مسدد وهو مما يشتدّ نفعه. وللزرنيخ قوة عجيبة في جميع ما يحتاج إليه من الإلحام، وتحليل الدم ومنع الورم ومنع الدم ومنع الآفة إذا سقي، وعصارة للقنطوريون الأكبر والراوند والقسط والمقل مشروبات بالسكنجبين نافعة كلها، ومما يسقونه للتليين والإطلاق الخيار شنبر ودهن اللوز.
صفة قرص جيد: يؤخذ راوند صيني ثمانية، لكّ أربعة، فوة، أربعة، طين مختوم ثلاثة، يقرص ويسقى في ماء الحمص، ومن الأدوية التي توضع عليه الذريرة بالمر والمصطكي والمغاث إذا ضمد به أو شرب فله خاصية جيدة في الكسر والخلع وفي الوثي والفسخ والضربة والسقطة والصدمة فإنه يبرىء ويلحم سريعاً ويسكن الوجع وإن كان دشبذ للكسر صلّبه وقواه. ومن الأدوية المشددة الأقاقيا فإنه عجيب، وفي الخبر أيضاً والصبر والطين الأرمني واللاني والمختوم والماش والسماق والجص والنورة المقتولين والأرز المسحوق، ومن الملصقات الأنزروت، ومن الكمادات الجيدة ورق السرو مطبوخاً بماء معصورر مخلوطاً بالزئبق وكذلك ورق الأثل، وكذلك إن جعل فيها شب.
صفة دواء مركب مجرب: يؤخذ من المغاث ثلاثة أجزاء ومن الخطمي الأبيض والأنزروت جزء جزء، ومن الزعفران قليل، وهو ضمّاد جيد نافذ القوة إلى الغور، وأما إذا كانت الضربة لم تورث وجعاً شديداً، ولم تخف أن ورماً عظيماً يسبق إلى الموضع لنقاء البدن، ولا خيف التقرح ولا كان هناك عضو مجوّف، فيجب أن تبادر إلى الإرخاء بالزيت المسخن ونحوه، وهذا مثل المضروب على ظهره وعلى يده وفخذه فإن هذا التدبير يسكن منه الوجع.
فصل في الصدمة والضربة على البطن والأحشاء قد ذكرنا من ذلك في الكتاب الثالث ما فيه غنية، ويجب أن يكون عليه العمل، ويجعل الغذاء كل ملين مبرد، مثل اللبلاب والسرمق والخبّازي، ومن المغريات أيضاً مثل لسان الحمل، يسقى أيضاً في أول الأمر من العصارات المبردة مع مخالطة من ملين، مثل عصير عنب الثعلب أو لسان الحمل أو الهندبا مع الخيار شنبر. ومما جرب أيضاً في هذا الباب أن يدق بزرقطونا، ويؤخذ منه جزء، من اللك والكهرباء من كل واحد نصف جزء وربع جزء، ومن الزعفران سبع جزء، والشربة منه درهمان بماء حار، ويسقى قرصه بهذه الصفة.
ونسخته: يؤخذ من الكهرباء عشرة، ومن الورد خمسة، ومن الأقاقيا المغسول أوقية، ومن السنبل الهندي ستة، ومن إكليل الملك عشرة، ومن المصطكي أربعة، ومن قشور الكندر أربعة، ومن الطين الأرمني سبعة، ومن الزعفران ستة، ومن جوز السرو ثمانية، يقرص بماء لسان الحمل، وهذا موافق خاصة إذا جاوزت العلة الأولى الأول، ويجعل الضماد من مثل. هذا الجنس.
ونسخته: يؤخذ التفاح الشامي ويطبخ بمطبوخ ريحاني حتى ينضج، وينعم دقه، ويؤخذ منه مائة درهم، ومن اللاذن عشرون، ومن الورد سته عشر، ومن السنبل والمصطكي والأقاقيا المغسول من كل واحد أربعة عشر جزءاً، ويعجن بماء السرو المعصور مع لسان الحمل، وماء الكزبرة أحب إلي، ويجوز أن يخلط به دهن السوسن ويضمد به.
فصل في حال المضروب بالسياط ونحوها وعلاجه يجب أن يكون طعام المضروب بالسياط من الحمص المقشر المرضوض، ومن اللوبيا الأحمر المقشر، ويسقى بَدَلَ الماء ماء الحمص المنقوع، ويسقى أيضاً أدوية المصدوم والساقط، وخصوصاً الطين الأرمني، وأيضاً راوند وزنجبيل، يسقى من مجموعها درهم ونصف بماء حار.
وأما ما يوضع عليه فأفضل شيء له أن يؤخذ مسلاخ شاة، قد سلخ في الوقت وهو حار رطب، فيلزق على الموضع، ويترك عليه لا يفارقه، فربما أبرأه في اليوم الثاني. وقد حلل الورم ومنع العفونة، وخصوص إذا ذر تحت المسلاخ شيء من ملح شديد السحق، ومما يذر عليه الخزف المدقوق وتراب الأتون ونحو ذلك، وأيضاً يؤخذ المرداسنج والإسفيداج أجزاء سواء، ويتخذ منهما ضمّاد قيروطي بدهن ورد وشمع، وأيضاً طلاء من كثيراء وزعفران بالسوية، وإن بقي أثر أبطله الزرنيخ وحجر الفلفل، وقد يذكر ههنا موت الدم ونحن ذكرناه في كتاب الزينة.
فصل في الوثي أفضل علاج الوثي للمفاصل الأليّة والتمر يجعل عليه، ويترك، فإنه يبرئه إذا أصاب الوثي، وقد ذكرنا في باب كسر العظام أدوية كلها تصلح للوثي، فلتؤخذ من هناك، وإذا تخلف هناك وجع، فداره في الشدّ وإلاّ فلا تبال.
فصل في السحج وفيه سحج الخفَ السحج انقشار يعرض في سطح الجلد بمماسة عنيفة، وقد يكون مع ورم، وقد يكون مع غير ورم، وقد يكون الجلد كله انسحج فانقطع، أو تدلى، ويحتاج إلى إلصاقه فيعالج بالإلصاق الذي قيل في باب الجراحات، ويجب ما أمكن أن لا يقطع الجلد، بل تبسطه عليه، ولو مراراً فإنه يلصق اَخر الأمر، فإن لم يلصق ألصق بالمراهم المعمولة لهذا الشأن. وأما المكشوف فالأولى أن يلصق عليه الدواء من غير ربط، إلا أن لا يمكن، فإن تجفيفه بالأدوية بمعونة الهواء أجود. وأما السحج الخفيف فمن الأدوية الجيدة للسحج المفرد وخصوصاً سحج الخف أن تؤخذ الرئة، وخصوصاً رئة الحمل وتلصق عليه فتبرئه. وإذا لم يكن ورم نفع منه الجلود الخلقة المحرقة أو دهن الورد والزرنيخ الأحمر والقرع المحرق عجيب جداً موثوق به، وخاصةً في سحج الخف ومن الأدوية الخاتمة الملحمة المدملة جميع ما فيه قبض خفيف، مثل الأقاقيا والعفص خصوصاً محرقاً، وإذا فعل ذلك بالسحوج الخفيفة والخفية كفى، وربما كفى أيضاً المرهم الأبيض. ومما هو أقوى أن يؤخذ إسفيداج الرصاص، والأشق والدهن، ودهن الورد والآس، أو دهن الخروع ودهن السوسن، يحل الأشق بالماء أو الشراب ويتخذ منه مرهم، وربما كفى المرداسنج وحده بالشراب. والسمّاق مجفف للسحج الخفيف، والشجني مانع للورم.
ومن النطولات، وخصوصاً إذا حدث شقاق من التسلخ، ماء العدس وطبيخ الكشك والعدس وماء البحر مفتراً والتضميد بالمردي اليابس. وأما إن ذهب الجلد كله فيحتاج إلى أن يمنع الورم بما فيه تجفيف وختم قوي، ويكون الأمر فيه أصعب.
، فصل في الوخز والخزق وإخراج ما يحتبس من الشوك والسهام والعظام الوخز والخزق متقاربان، من حيث أن كلّ واحد منهما نفوذه من جسم حاد صلب في البدن، وإنما يختلفان في حجم الجسم النافذ، فيشبه أن يكون الوخز لما دق وصغر، والخزق بالزاي معجمة لما حجم وعظم ويشبه أن يكون الزهر مع صغر النافذ يقتضي قصر المنفذ، كأنه لا يعدو الجلد ومثل هذا فإنه خفيف المضرة إن لم يتعرض له، وترك صلح بنفسه ولو في رديء اللحم اللهم إلا أن يكون في شديد رداءة اللحم، فإنه ربما تورم موضعه وحدث به ضربان، وخصوصاً إذا كان ذلك الغرز والوخز قد اشتد، فصار نخساً واصلاً إلى اللحم، ومثل هذا أكبر علاجه أن يسكن ورمه ووجعه، ولا يحتاج إلى تدبير الجراحة.
وأما الخزق فإنه يحتاج إلى تدبير الجراحة مع تدبير الوجع والورم. وقد قيل في تدبير الجراحة وتدبير الأورام ما فيه كفاية، والذي لا بد من أن نذكر في هذا الموضع من أمر الوخز والخزق هو التدبير في إخراج ما احتبس في البدن من الشيء الواخز والخازق في البدن شوكاً كان أو نصلاً وما أشبه ذلك، وهذا الإخراج قد يكون بالآلات المنشبة بالشيء الجاذبة له، وقد يكون بالعصر، وما يشبهه، وقد يكون بخواص أدوية جاذبة تخرج ما يعجز عنه الكلبتان وسائر الآلات.
فأما القانون فيما يخرج بالآلات المنشبة، مثلا: استخراج النصول بالكلبتين المبردية الرؤوس ليشتد نشوبها، فالقانون فيه أن يتوقى انكسار المقبوض عليه بها، وأن يكون طريقها إلى المنزوع موسعاً لا يمنع جودة التمكن منه، وأن يطلب أسهل الطريق لإخراجه، إن كان نافذاً من جانبين فيوسع الجانب الذي هو أولى بأن يخرج منه توسيعاً بقدر الحاجة. وأما الحيلة في أن لا ينكسر فهو أن لا يحرك تحريكاً قوياً بغتة، بل يقبض عليه فيهز هزاً يعرف به قدر انغرازه وتشبثه أو قلقه عنه، ثم يجذب جذباً على الاستقامة، وكثيراً ما يحتاج إلى أن يترك أياماً ليقلق فيه، ثم يخرج وقد قال بعض العلماء بهذه الصنعة قولاً نورده على وجهه. إن انتزاع السهام ينبغي أن يتعرّف قبله أنواع السهام، فإن بعضها يكون من خشب، وبعضها يكون من قصب، وأزجتها تكون من الحديد ومن النحاس ومن الرصاص القلعي ومن القرون العظام ومن الحجارة، ومن القصب، ومن الخشب.
وبعضها يكون مستديراً وبعضها يكون له ثلاث زوايا وأربع زوايا، ومنها ما له ألسن، لسانان أو ثلاثة ومنها ما يكون له زجّ ومنها ما لا يكون له زجّ، والذي له زجّ فربما كان زجّه مائلاً إلى خلف، لكي ما إذا مدّ إلى خارج تعلق بالجسم، وفي بعضهم يكون الزجّ مائلاً إلى قدام ليندفع، ومنها ما تكون أزجته تتحرك بشيء شبيه بلولب، فإذا مدّت إلى خارج تنبسط فتمنع السهم من الخروج، وبعضه يكون زجّه عظيماً ويكون له طرف قدر ثلاث أصابع، وبعضها قدر إصبع وتسمى ذبابية، وبعضها يكون بسيطاً وبعضها يكون قد زيدت عليه حدائد دقاق، فإذا أخرج السهم بقيت تلك الحدائد في عمق الأجسام، وبعضها يكون زجّه مغروزاً في السهم، وبعضها لزجّه أنابيب تدخل فيها السهام، وبعضها تستوثق من تركيبه، وبعضها لا يستوثق منه لكي ما إذا جذب إلى خارج، فارق السهم الزجّ فبقي الزجّ في الجسد، وبعضها يكون مسموماً، وبعضها لا يكون مسموماً، فالسهم يخرج على نوعين أحدهما الجذب والآخر الدفع، وذلك أن السهم إذا نشب في ظاهر الجسد يكون إخراجه بالجذب، ويستعمل أيضاً الجذب إذا نشب السهم في عمق الجسد، وكان يتخوف من المواضع التي تكون قبالة السهم أنها إن جرحت عرض منها نزف دم مهلك أو أذى شديد، ويخرج السهم بالدفع إذا نشب في اللحم، وكانت الأجسام التي تستقبلها قليلة، ولم يكن هناك شيء يمنع من الشق لا عصب ولا عظم ولا شيء آخر يشبه هذه الأشياء. فإن كان المجروح عظماً فإنا نستعمل حينئذ الجذب، فإن كان السهم ظاهراً جذبناه، وإن كان خفياً، ينبغي كما قال بقراط إن أمكن المجروح أن يصير نفسه على الشكل الذي كان عليه عندما جرح فينبغي أن يستدل به على السهم، وإن لم يمكنه ذلك فينبغي أن يستلقي على ما يمكنه من الشكل، وأن يستعمل التفتيش والعصر،. وإن كان قد نشب في اللحم فليجذبه بالأيدي، أو بخشبته، إن كانت لم تسقط سيما إن لم تكن من قصب، فإن كانت سقطت الخشبة فليخرج الزج بكلبتين أو بمنقاش، أو بالآلة التي يخرج بها السهام. وينبغي في بعض الأوقات أن تشق اللحم شقاً أكثر إذا لم يمكن أن يخرج الزج من الشق الأول، وإن صار السهم إلى قبالة العضو المجروح، ولم يمكن أن يخرج من الجانب الذي منه دخل، فينبغي أن تشقّ تلك المواضع التي قبالته، ويخرج منها إما بالجذب وإما بالدفع إن كانت خشبة الزج فيه.
وإن كانت الخشبة سقطت فليدفع بشيء آخر، ويدفع به الزج إلى خارج، وينبغي أن لا يقطع بدفعنا إياه عصباً أو شرياناً.
وإن كان للزجّ ذنب فإنا نعلم ذلك من التفتيش، وينبغي أن يدخل ذلك الذنب في أنبوب الآلة التي بها يدفع السهم ويدفعه بها، فإذا خرج الزج ورأينا فيه مواضع محفورة، ويمكن أن يصير فيها حدائد أخر دقاق فلنستعمل التفتيش أيضاً. فإن أصابنا شيء من هذه الحدائد أخرجناه بهذه الحيل، فإن كان للزج شعب مختلفة ولم تجب إلى الخروج فينبغي لنا أن نوسع الشقّ إن لم يكن بالقرب من ذلك الموضع عضو نتخوف منه، حتى إن انكشف الزج أخرجناه برفق. ومن الناس من يجعل تلك الشعب في أنبوب لئلا يخرج اللحم، ثم إن كان الجرح ساكناً ليس به ورم حار استعملنا الخياطة أولاً، ثم العلاج الذي ينبت اللحم. وإن كان قد عرض للجرح ورم حار فينبغي أن نعالج ذلك بالتنطيل والأضمدة. وأما السهام المسمومة فينبغي أن نقوّر اللحم الذي قد صار إليه السهم إن أمكن، ويعرف ذلك اللحم من تغيّره عن اللحم الصحيح. فإن اللحم المسموم يكون رديء اللون كمداً وكأنه لحم ميت، فإن انغرز السهم في عظم أخرجناه بالآلة، فإن منع من ذلك شيء من اللحوم فينبغي أن نقوره أو نشقه. فإن كان السهم قد انغرز في عمق العظم، فإنا نعلم ذلك من ثبات السهم وقلة حركته وإذا نحن حرّكناه، فينبغي لنا أن نقطع أولاً العظم الذي يكون فوق السهم بمقطع، أو نثقبه بمثقب ثقباً حوله إن كان للعظم ثخن ويتخلص السهم بذلك، فإن كان السهم قد انغرز في شيء من الأعضاء الرئيسة كالدماغ أو القلب وفي الرئة أو البطن أو الأمعاء أو الرحم أو الكبد أو المثانة وظهرت علامات الموت، فينبغي أن نمتنع من جذب السهم، فإنه يكون من ذلك قلق كثير، ولئلا يصير علينا موضع كلام من الجهال مع قلة نفعنا للعليل، فإن لم تكن ظهرت علامات رديئة أخبرنا بما نتخوف من الأحداث، ونقدم القول في العطب الذي يعرض من ذلك كثيراً، ثم نأخذ في العلاج، فإن كثيراً ممن أصابه ذلك سلم على غير رجاء سلامة عجيبة. وكثيراً ما خرج جزء من الكبد وشيء من الصفاق الذي على البطن والثرب والرحم كلها، فلم يعرض من ذلك موت على أنا إن تركنا السهم أيضاً في هذه الأعضاء الرئيسة، عرض الموت على كل حال، ونسبنا إلى قلّة الرحمة، وإن انتزعنا السهم فربما سلم العليل أحياناً.
فصل في الأدوية الجانبة يجب أن نضع على موضع الناشب الأشق فإنه جاذب قوي، ويؤخذ أصل القصب ويدق ويضمّد به وربما عجن بالعسل والخبز، وأيضاً ورق الخشخاش الأسود وورق شجر التين مع سويق أو بزر البنج خصوصاً مع قلقديس، وكذلك ثمرة البنج بحالها، وأيضاً الخيري بأصنافه والزراوند وبصل النرجس.
ومن الحيوانية أشياء كثيرة منها: الضفادع المسلوخ وهو عجيب جداً لما ينشب في العظام ولذلك يقلع الأسنان والسرطان أيضاً مسحوقاً والأريبات والأنافح كلها، وقيل أن العظاءة شديدة الجذب لما تشدخ عليه.
ومن المركبات رأس العظاءة مع الزراوند الطويل وأصل القصب وبصل النرجس. وأما المختصة بجذب العظام الفاسدة من تحت القروح المندملة فنذكرها في باب العظام.
فصل في قانون علاج حرق النار الغرض في علاج حرق النار غرضان: أحدهما منع التنفط والثاني إصلاح ما احترق. ويحتاج في منع التنفط إلى أدوية تبرد من غير أن يصحبها لذع. وإما من حيث يعالج الحرق، فيحتاج إلى أدوية فيها جلاء ما مع تجفيف ما غير كثير ومن غير أن يلذع مع أن يكون معتدلاً في الحر والبرد، وإذا احتيج إلى التدبيرين معاً دبر بالبرد أولاً، ثم إن احتيج إلى الثاني فعل.
وأما إن أدرك وقد تنفط فالواجب هو التحبير الثاني، وأدويته مثل القيموليا والأطيان الخفيفة الحجم والعدس المطبوخ والمداد الهندي ونحوه. وأما مثل الكندر والعلك والدسومات فإنها لا تصلح لذلك، لأن بعضها أسخن مما ينبغي ولا يخلو عن قوة لذع، وبعضها أرطب مما ينبغي.
فصل في الأدوية الحرفية التي بحسب الغرض الأول يؤخذ صندل وفوفل واَجر أبيض جديداً وخزف يُطلى بماء عنب الثعلب وماء الورد، أو مرهم من مخ البيض ودهن الورد، وأيضاً هندبا ودقيق الشعير مغسولاً ومخ البيض ودهن الورد، وأيضاً العدس المسلوق مع دهن الورد، وأيضاً الطين الأرمني والخل، وأيضاً دهن الورد والشمع على ما ينبغي، ثم يجعل فيها من النورة المغسولة غسلاناً تاماً مع إسفيداج وأفيون وبياض البيض وشيء من اللبن.
وأيضاً: يؤخذ ورق الخبازي فيسلق سلقة بماء عذب، ثم يسحق وينقى من الأشياء الخيطية التي فيه، ثم يجمع إليه مرداسنج مربى وإسفيداج القلعي من كل واحد جزءان ونصف، ومن دهن الورد أربعة أجزاء، ومن ماء عنب الثعلب وماء الكزبرة من كل واحد جزء.
فصل في الأدوية الحرقية التي بحسب الغرض الثاني أجود الأشياء لذلك مرهم النورة، ونسخته: تؤخذ النورة وتغسل سبع مرات حتى تزول حدتها كلها، ثم تضرب بدهن الورد أو الزيت وقليل شمع إن احتيج إليه،: وربما زيد عليه طين قيموليا وبياض البيض، وقليل خل خمر.
مرهم النورة بصفة أخرى: تغسل النورة كما علمت، ويتخذ منها بماء ورق السلق وورق الكرنب ودهن الورد والشمع مرهم ومما يصلح ههنا أو حيث لا يخاف تبثر وتنفط أن ينثر عليها ورق الأثل المحرق أو الخرنوب المحرق.
مرهم جيد يصلح لقليل الحرارة وهر طويل التأليف جرب فوجد جيداً. ونسخته: يؤخذ إخثاء البقر الراعي المجفف وقشور شجرة الصنوبر ومشكطرامشيع من كل واحد عشرة دراهم، ومن المراداسنج ثلاثة، ومن خبث الفضة إثنان، ومن خبث الرصاص أربعة، ومن النورة المغسولة بالماء البارد مراراً كثيرة خمسة، ومن القيموليا خمسة، ومن الطين القبرسي أو الرومي أو الأرمني ومن إسفيداج الرصاص سبعة سبعة، عصا الراعي المدقوق عشرة، مداد فارسي أو صيني ستة، توتياء خضراء سبعة، بعر الضأن عشرة، حب اللبلاب وورقه خمسة عشر خمسة عشر، خبث الحديد وعصارة ورق الخطمي وعصارة ورق الخبازي عشرة عشرة، سوسن أزاد وبصلة وسوسن أسمانجوني وزعفران خمسة خمسة، كافور أربعة، موم ودهن ورد ومخ الأيل وشحمه مقدار الكفاية.
ومما هو أشدّ قوة ويصلح لما هو أقل حرارة، أن يؤخذ برادة النحاس والحديد يعجن بالطين الحر أو الطين الأحمر، ثم يحرق في تنور أو أتون، ويقرّص ويحفظ ويستعمل ذروراً حيث يحتاج إلى تجفيف أو يطلى بدهن الورد، ومن هذا القبيل أيضاً يحرق خرء الحمام في خرقة كتان حتى يترمد ويطلى بدهن فهو عجيب.
والمواضع المقرحة ينفع منها الكراث المسلوق، أو بقلة الحمقاء مع سويق، وورق الآس المسحوق ذروراً، فإن استعصى فورق الأثل المحرق أو ورق الينبوت المحرق، وإن كان أعصى من ذلك استعملت الأدوية المدملة للقروح الخبيثة.
فصل في حرق الماء المغلي قد يتفق أن تنصب قدراً تغلي أو ماء حاراً على عضو من الإنسان فيفعل فعل النار، والأصوب له أن تبادر في الحال قبل أن يتنفط، فيطلى بمثل الصندل وماء الورد والكافور، ولا يترك يجف بل يتبع كل ساعة بخرقة مغموسة في ماء بارد مثلوج، فإن هذا يمنعه من أن يتنفّط، وقوم يبادرون فينثرون عليه ماء الزيتون أو ماء الرماد.
والأجود أن يسحق أيهما كان بالسويق أو مرهم النورة، وأيضاً الدواء المتخذ من زبل الحمام المذكور عجيب جداً، والقروح تعالج بالكراث المسلوق أو المجفف المسحوق، وهو أجود، أو بسائر ما قلنا في الباب الأول.
فصل في نزف الدم وحبسه قد علم في الكتاب الأول أن الدم الذي يخرج عن العروق، إنما يخرج إما لانفتاح فوهاتها بسبب ضعف من العروق أو لشدة من الإمتلاء أو لحركة قوية حتى الصيحة والوثبة وإما بخار جاذب يرد من خارج وإما لانصداعها وانقطاعها بسبب قاطع فساخ أو بسبب تأكّل من داخل أو شدّة حركة مع امتلاء، وإما للرشح عنها التهلهل واقع لجرم العرق وصفاقه، وأولى العروق أن يسيل ما فيه إذا وجد طريقاً هو الشريان، فإن جرحه متحرك وما فيه تارة ينقبض وتارة ينتشر، وإذا لم تضيق عليه مكانه بعد تفرق اتصاله، ووجد خلاء، آل الأمر إلى أبورسما المسمى أم الدم والشريان وإن كان مما يلتحم فهو مما يعسر التحامه، وكثيراً ما لا يلتحم الشريان ويلتحم ما يحيط بالشريان ويضيق عليه، فلا يقدر الدم على سيلان فاحش بل يخرج منه شيء إلى ناحية الجلد بقدر ما يسع، فإذا رفق به بالغمز عاد واستبطن كما يعرض للعنق، وربما بقي العرق نفسه تحت الجلد يحس بنبضه وبعتقه، وكثيراً ما يعرض ذلك للشريان من باطن فيتفتق من غير أن ينفتق الجلد، فيحصل تحت الجلد أبورسما ورماً ليناً من دم وريح، يمكن أن يسكن بالغمز، فهذا كثيراً ما يعرض في العنق والأربية والمأبض من تلقاء نفسه، وكثيراً ما يعرض من سبب من خارج ومن فصد، وكثير من الأطباء ظنوا أن كل فتق للشريان يؤدي إلى أم الدم لأنه لا يلتحم، بل أكثر ما يكون أن يلتحم ما حوله ويصير الورم المعروف، وأما هو نفسه فلا يلتحم وليس الأمر كذلك.
أما من نفى الإلحام فقد احتج بقياس وتجربة. أما القياس فلأن إحدى طبقتي الشريان غضروفية، والغضروف لا يلتحم. وأما التجربة فلأنه ما رؤي التحم.
وقابلهم جالينوس بقياس وتجربة. أما القياس فخطابي وصورته أنه بين الملتحم كاللحم وغير الملتحم كالعظم، فيجب أن يكون ملتحماً ولكن صعب الإلتجام. وأما التجربة فالمشاهدة فقد حكي أن كثيراً من الشرايين داواها فالتحمت، وكان هذا شيء قد كنا فرغنا منه، لكنا نقول الآن أن الأعضاء تختلف حال انبعاث الدم منها، فمنها غزير انبعاث آلم إذا انفتق مثل الكبد والرئة، ومنها قليل انبعاث الدم.
وفي كل واحد من القسمين ما هو خطر وغير خطر مثل انبعاث الدم من الرئة ومن الأنف، فإن ابنعاث الدم من الرئة خطر ومن الأنف غير خطر، وكلاهما ينبعث عنهما دم كثير. ومثل انبعاث الدم عن المثانة والرحم والكلية فإنها لا ينبعث عنها دم كثير جداً جملة، بل ربما كثر بطول المدة فأدى إلى عاقبة غير محمودة.
ويختلف حال النزف من الشرايين، فيكون في بعضها صعباً جداً خطراً مثل الشرايين الكبار على اليد والرجل، فإن أمثال ذلك يقتل في الأكثر فلا تحتبس، وفي بعضها سهلاً مثل شريان القحف فإن حبس نزفها سهل، ويكفي فيه الشد وحده وكثيراً ما يسيل من الشرايين الصغار دم ثم يحتبس من تلقاء نفسه، وقد تعرف الفرق بين دم الشريان وغيره أن دم الشريان يخرج نزواً ضربانياً أرق وأشدَ أرجوانية من غيره ليس إلى سواد دم الوريد وقتمته.
واعلم أن كل من وقع له استفراغ وخصوصاً دموي وخصوصاً شرياني، فأفرط وحدث به تشتج رديء، وكذلك إن حدث به فواق فهو قاتل وإن كان غشياً مع فواق، فالموت عاجل، والهذيان واختلاط العقل رديء، فإن قارن التشنج، فهو قتال في الأكثر.
فصل في قانون علاج نزف الدم يجب في علاج نزف الدم أن تبتدىء فتحبس، ثم تعالج. قرحة إن كانت، ولا يمكنك أن تحبس فيما سببه ثابت من أكال أو نحوه إلا بأن يزال السبب، وإن كان الحال لا يمهل إلى إزالة السبب احتاج أن يحبس بحوابسه، وهي الأسباب التي لها ينقطع الدم السائل، وتلك الأسباب معلومة من الكتاب الأول، إلا أنا نذكرها على وجه الإستظهار، فنقول أن تلك الأسباب إما أن تكون صارفة إلى جهة غير جهة ذلك المخرج، وإما أن تكون مانعة في ذلك المخرج عن الخروج، وإما أن تكون جامعة لأمرين من ذلك أو أمور.
والقسم الأول وهو الصارف إلى جهة أخرى، إما أن يكون بجذب إلى الخلاف من غير اتخاذ مخرج آخر كما توضع المحاجم على الكبد، فيرقأ الرعاف من المنخر الأيمن، وإما بإحداث مخرج آخر كما يفصد المرعوف من اليد المحاذية للمنخر فصداً ضيقاً.
وأما الحابسة دون المخرج فتكون بما يمنع حركة الدم ونفوذه، وهو: إما لسبب مخثّر، وإما لسبب مخدر. والمخدر إما دواء وإما حال للبدن كالغشي فإنه كثيراً ما يحبس الدم. وأما بخشكريشة بكي أو بدواء كاو، وإما بجمود علقة، وإما بتغرية أو تجفيف أو إلحام، وإما بضغط من اللحم المطيف بالعرق فيسده ويطبقه إطباقاً شديداً. ويجب أن تعلم أنه إذا صحب الجراحة ورم، تعذر كثير من هذه الأعمال، فلم يمكن الربط بالخيوط ولا إدخال الفتائل ولا الشد العنيف، وإنما يمكن حينئذ استعمال التغرية والقبض والتخدير وتخثير الدم، وإن كان علاج من شد أو شق أو تقريب دواء إذا كان موجعاً فهو رديء جداً، وكل نصبة موجعة فرديئة، ويجب أن تكون النصبة جامعة لأمرين أحدهما فقدان الوجع، والآخر ارتفاع جهة مسيل الدم، فلا تُعان بالتدلية والتعليق، فيسهل بروز الدم وخروجه.
وإذا تمانع الغرضان ميل إلى الأوفق بحسب المشاهدة، والأقرب من الإحتمال في الحال، ونحتاج الآن أن نذكر وجهاً وجهاً، بعد أن تعلم أن أول ما يجب أن يتفقد أن تعرف هل العرق شريان أو وريد بالعلامة المذكورة، فتحتفل بالشريان وتعتني به أكثر مما تفعل ذلك بالوريد، ثم نقول فأما الجذب بالخلاف لا إلى المخرج فمن ذلك إيلام العضو بالدلك أو بالربط. والشد، أو بالمحاجم ويجب أن يكون العضو عضواً مشاركاً موضوعاً من الموضع المؤف وضعاً على طرف خط واحد، يصل بينهما في الطول أو العرض، ويختار من المخالف في الوضع طولاً وعرضاً أيهما كان بعيداً، ويترك ما كان قريباً مثل ما يكون في جانبي الرأس أو جانبي اليد، فإن البعد بينهما أقرب مما يجب أن يتوقع منه التصرف التام، وهذا شيء يحتاج أن يتذكر ما قلناه فيه حيث تكلمنا في الكتاب الأول في قوانين الإستفراغ، ويجب أن يكون الشد والدلك ونحو ذلك، متأدياً مما هو أقرب إلى العضو الدامي ثم ينزل عنه.
ويجب أن لا يتوقع في فتوق الشرايين ونحوها أن يكون هذا الصنع كافياً في حبس النزف، بل مغنياً، وكذلك الحكم في فصد الجانب المشارك المباعد. وأما أحد وجهي القسم الثاني وهو السبب المخثر، فمثل أن يطعم من يكثر رعافه أو غير ذلك أغذية غليظة الكيموس مخثرة للدم كالعدس والعناب ونحو ذلك. وأما الوجه الثاني فمثل أن يسقى المخدرات والماء البارد، ويعرض البدن للبرد، وينوم، وربما نفع الغشي وحبس النزف.
وأما الوجه المذكور للقسم الآخر، فيجب أن تراعي فيه باباً واحداً، وهو أنه ربما كان الشريان ليس إنما اتصل بالقلب من جانب واحد من جانبيه، حتى إذا سددته وحده أمنت، بل ربما اتصل بالجانب الآخر شعبة من شريان آخر تعترض فيه وتؤدي الدم إليه من غير الطريق الذي سددته، فيحتاج إلى سدين، وقبل ذلك فيجب أن تعرف الجهة التي هي المبدأ للعرق، ففي بعض المواضع يكون من أسفل كما في العنق، وفي بعضها من فوق كما في الفخذ والرجل، فإذا حصلت الجهة استعملت فيها الربط والشد، ومن التدبير في ذلك أن يتوصل إلى إخراج العرق بصنارة أو بشق قليل للحم الذي يغطيه ويخفيه ثم تلفه ثم تستعمل له الأدوية التي نذكرها، وإن كان ضارباً فالأولى أن تعصبه بخيط كتان، وكذلك إن كان غير ضارب إلا أنه كبير لا يرقأ دمه، فإذا فعلت ذلك ألزمته الأدوية وتركت الربط إلى اليوم الثالث والرابع، وحينئذ فإن رأيت المواء المغري لازماً موضعه فلا تقلعه البتة، ولكن ضع حواليه من جنسه شيئاً ينديه قليلاً.
وإن عرض له تبرء من تلقاء نفسه عند إزالتك ما فوقه، فاضبط بإصبعك ما دون الموضع في طريق مجيء العرق، واغمزه غماً تأمن من معه توثب الدم، واقلع ما قد تبرأ منه وقلق في موضعه وبدله بغيره، وتكون نصبتك للعضو في ذلك الوقت على ما ينبغي، وهو أن تكون الفوهة أعلى من المبدأ، حتى إذا كان مثلاً في أسافل المعي أو الرحم فرشت فراشاً يقل الأسافل، وبطأ طيء الأعالي على أبعد ما يكون من الوجع، ثم اتركه ثلاثة أيام يلزم هذه الوتيرة إلى أن يرقأ الدم. وأما الردم بالإلقام فذلك إنما يمكن في الشريان العظيم بأن تتخذ فتيلة من وبر الأرنب أو نسج العنكبوت أو رقيق القطن أو خرق الكتان البالية، ثم تذر عليها الأدوية المغرية والمانعة للدم، وتدسّ في نفس الشريان كاللقمة، ثم تشد عليه الرباط، وربما استعملت الفتيلة من مثل وبر الأرنب وحده فكفت المؤنة، ويجب أن تشد شداً لازماً لا يفارق حتى يلتحم.
وأما الفتيلة فالطبيعة تدبر أمرها في إخراجها قليلاً قليلاً ودفعها أو في غير ذلك.
وأما الردم بلا إلقام فبأن يوضع مثل ذلك الشيء في الفوهة، ويشد عليها من غير إنفاذ له في العرق، وأن تحبس بمثل الرفائد، وخصوصاً الإسفنجية، وبالعصابات القوية الشدً والشد الشديد بها بعكس الشد الذي يكون للجذب، فإن الشد الأول يجب فيه أن يكون بقرب الفوّهة، ثم يلفّ ذاهباً إلى خلف، ويقلل الشد بالتدريج وههنا يكون بالخلاف.
واعلم أن شد الرفائد والعصائب إذا كانت ضعيفة جاء منها مضرة الشد وهو الجذب، ولم تجىء منها منفعة الشدّ وهو الحبس والردم، فيجب أن يتلطف في هذا الباب، فإذا شددت شداً جيداً، شددت أيضاً من الجانب المخالف لتميل المادة وتقاوم جذب هذا الشدّ، وإنما يجب أن يبلغ بالشد المنع دون الإيلام، اللهم إلا أن تحتاج إليه أولاً ثم ترخيه قليلاً قليلاً.
وكثيراً ما تحتاج أن تخيط الشق من اللحم، وتضم شفتيه وتعصبه، وكثيراً ما يكفي ضم الشفتين، ووضع رفائد حافظة للضمّ عرفتها، ثم شد على أدوية تنثر ملحمة.
ومثل الودج إذا انفتق يجب أن تضغطه عند ابتدائه بأصابع إحدى اليدين، ثم تلزمه الأدوية والرفائد عند الفوهة باليد الأخرى.
وأما الردم بالعلقة فالعلقة تحصل إما بشدّ رادم في وجه الفوهة لا يزال يمسك حتى يجمد الدم فيصيرردماً، وإما بشيء مبرد جداً يؤثر في الدم ويجمد في الفوّهة.
وأما الضغط من لحم الموضع، فمثل أن يقطع العرق عرضاً فيتقلّص إلى الجانبين أول مرة، فينطبق عليه اللحم من الجانب الذي يسيل منه، وهذا لا يكون إلا في الموضع اللحيم، وكثيراً ما يتفق أن يحتاج إلى قطع شعبة من طرف العرق ليكون دخوله في الغور أشد، ثم تجعل عليه الأدوية وكثيراً ما يقع التحام المجرى من غير أم الدم.
وأما الشد بالخشكريشة فيكون بالنار نفسها إذا عظم الخطب، ويكون بالأدوية الكاوية مثل النورة والزنجار والزاجات والزرانيخ والكمون أيضاً ونحوها فيما هو أضعف إذا ذرت على الموضع، وكذلك زبد البحر فكثيراً ما ينثر على الموضع ويشد فيحبس.
لكن الخطر في ذلك أن الخشكريشة سريعة الانقلاع من ذاتها ومن أدنى مقاومة من إحفاز الدم، وأدنى سبب من الأسباب الأخر، فإذا سقطت الخشكريشة عاد الخطب جذعاً، ولذلك أمروا أن يكون الكي بالنار بحديدة شديدة الإحماء قوية، حتى تفعل خشكريشة عميقة غليظة لا يسهل سقوطها، أو تسقط في مدة طويلة في مثلها يكون اللحم قد نبت. فإن الكي الضعيف يحصل منه خشكريشة ضعيفة تسقط بأدنى سبب، ومع ذلك فتجذب مادة كثيرة وتسخن تسخيناً شديداً.
وأما الكي القوي فيردم بالخشكريشة القوية، ويزيل الفتق، ويضمره ويقبضه. ومن الكاويات الجيدة المعتدلة التدبير، أن يؤخذ بياض البيض، ويمع بنورة لم تطفأ ويلوث به وبر الأرنب أو نحوه، ويجعل على الموضع ويشد.
ومن الجيد البالغ كثيراً أن يؤخذ الكمون والنورة، ويجعل على الموضع ويشد وقد يزاد عليها القلقطار والزاجات، وهذه الجملة ذوات فبض مع الكي. والنورة لها كي وليس فيها قبض يعتد به، والمتولّد من الخشكريشات بكيّ ما له قبض أطول ثباتاً وأعمق، وعصارة روث الحمار وجوهر روث الحمار مما يجمع إلى الكي بالحدّة تغرية. وأما الأدوية الحابسة بالتغرية فمثل الجبسين المغسول واللك المطبوخ والنشاء وغبار الرحا والصموغ والكندر والريتيانج. وأيضاً زبيب العنب نفسه، والضفدع من هذا القبيل فيما يقال، وأيضاً كوكب ساموس.
وأما الأدوية الحابسة بالتجفيف والإلحام، فمثل: الصبر ونشارة الكندر، ومثل عجم الزبيب المدقوق جداً، والعفص يدهن ويحرق، فإذا تم اشتعاله يطفأ، والبردي المحرق، والريتيانج المقلو وصدأ الحديد، وزبل الفرس وزبل الحمار محرقين وغير محرقين، ورماد العظام ورماد الصدف غير مغسولين، فإن المغسول من باب المغري، والإسفنج الجديد المغموس في زيت أو شراب ثم يحرق، والشعر المحرق. فصل في صفة أدوية مركبة من أصناف شتى قوية في منع النزف ومما ذكر جالينوس ووصفه وصفاً جيداً وجربه من بعده فوجد كثير النفع، أن يؤخذ قلقطار عشرين، ودقاق الكندر ستة عشر، وصبر وفلفل وعلك يابس ثمانية ثمانية، وزرنيخ أربعة، وجبسين شديد السحق مهيأ بعد النخل عشرين، يعالج به ذروراً على الفتائل ونثراً على الموضع فإنه عجيب. أو ويؤخذ عنزروت وصبر ومصطكي ودم الأخوين، ويجعل على فتيلة ويشد، أو صبر وكندر وحده بالوبر على ما علمت.
وأيضاً يؤخذ إسفنج محرق كما ذكرنا، وآخر محرق يؤخذ سحيقه وخبث الرصاص والتوتيا والصبر أخرى، أو يؤخذ كندر وصبر وكبريت، أو يؤخذ كندر وكبريت فيتخذ ذروراً، أو يستعمل فتيلة ببياض البيض، أو يؤخذ من القلقطار عشرون، ومن الكندر أو دقاقه ثمانية، ومن الريتيانج ثمانية، ومن الجبسين المحرق ثمانية، أو يؤخذ من القلقطار والنحاس المحرق والقلقديس والزاج المشوي سواء. ومن الجيد للنزف الدموي، وخصوصاً من الرأس، أن يؤخذ من الصبر جزء ونصف جزء، أولهما قي البدن الجاسي، وثانيهما في البدن اللين، ومن نشارة الكندر في الجاسي جزء، ومن الكندر نفسه الدسم في البدن اللين جزء، ويقتصر عليهما، أو يجعل معهما دم الأخوين والأنزروت ويعجن كل ببياض البيض، ويجعل على وبر الأرنب أو يذرّ بحسب الموضع.
المقالة الثالثة
القروح
وأصناف ذلك فصل في كلام كلي في القروح القروح تتولد عن الجراحات وعن الخراجات المتفجرة وعن البثور، فإن تفرق الإتصال في اللحم إذا امتد وقاح يسمى قرحة، وإنما يتقيح بسبب أن الغذاء الذي يتوجه إليه يستحيل إلى فساد لضعف العضو، ولأنه لضعفه يتحلل إليه، ويتحلب نحوه فضول أعضاء تجاوره، أو لمراهم رهلت العضو ولثقته برطوبتها ودسومتها. وما كان من قبيل القيح رقيقاً يسمى صديداً، وما كان غليظاً يسمى وسخاً، وهو شيء خاثر جامد أبيض أو إلى سواد وكالدردي. وإنما يتولد الصديد من رقيق الأخلاط ومائيها أو حارها، ويتولّد الوسخ من غليظ الأخلاط. والصديد يكثر توليد الورم، والصديد يحتاج إلى مجفف، والوسخ إلى جال.
والقروح قد تكون ظاهرة وقد تكون ذات غور، والقروح التي لها غور لا تخلو إما أن يكون قد صلب اللحم المحيط بها فيسمى ناصوراً، وهو كأنبوبة نافذة في الغور، أو لم يصلب فيسمى مخبأ وكهفاً. وربما قال بعضهم مخبأ لما نفذ تحت الجلد وتبرأ منه الجلد، وكهفاً لما انعطف تحت اللحم واتسع فيه، قال بعضهم بل الواسع كهف والضيق العميق ناصور، ولا مناقشة في التسمية.
وإذا كانت الصلابة على قرحة ظاهرة تسمى قرحة خزفية، والناصور الرديء هو الذي لا يحس وبمقدار بعده عن الحسّ تكون رداءته ومنه مستو ومنه معوج، وما أفضى إلى عصب أوجع شديداً، وخصوصاً إذا مسّ أسفله بالميل، وربما عسر فعل ذلك العضو، وكانت رطوبته رطوبة رقيقة لطيفة كما تكون عن المفضي إلى العظم، وإذا انتهى إلى رباط كان ما يسيل منه قريباً من ذلك، لكن الوجع في العظمي والرباطي ربما لم يعظم، ورطوبة ما يفضي إلى العظم أرق وأميل إلى الصفرة، والمفضي إلى الوريد والشريان، وكثيراً ما يخرج عنه مثل الدردي، وفي بعض الأحيان يخرج منه إن كان منتهياً إلى الوريد دم كثير نقي، أو إلى الشريان دم أشقر مع نزف ونزو. والمفضي إلى اللحم تسيل منه رطوبة لزجة غليظة كدرة فجّة.
وكثيراً ما يكون للناصور الواحد أفواه كثيرة يشكل أمرها، فلا يعرف هل الناصور واحد أو كثير، فينصبّ في بعض الأفواه رطوبة ذات صبغ، فإن كان الناصور واحد أخرج من الأفواه الأخرى.
والقروح تنقسم صنوفاً من الأقسام، فيقال أن من القروح ما هو مؤلم، ومنها ما هو عادم للألم، ومنها متورم ومنها عادم للورم، ومنها نقي ومنها غير نقي، وغير النقي إما لثق أي فيه خلط كثير ورطوبة غزيرة، وإن لم تكن رديئة، ومنها وسخ، ومنها صدىء. ومن القروح متعفن وأضر الأشياء به الجنوب ورطوبة الهواء مع حرارته، ومنها متآكل، ومنها ساع، ومنها رهل إما بارد وإما حار والرهلة من القروح موجبة لإسقاط الشعر عما يليها. وقد تكون من القروح رشاحة يرشح منها صديد أصفر حار، وربما سال منها ماء حارٍ محرق لما حولها وهو رديء مهلك، ومنها عسرة الاندمال والمتعفن غير المتآكل وإن كانا جميعاً ساعيين، وربما كان أكال يأكل ما يتصل به بحدته من غير عفونة ولا حمى البتة، لكن الساعي العفن تكثر معه الحمى أو لا تفارقه. وجالينوس يسمي أمثال النار الفارسية والنملة الساعية قروحاً متآكلة، ويعد القرحة المتعفنة مركبة من قرحة ومن مرض عفن، ولكل واحد منها حال. والقروح الصلبة الآخذة نحو الإخضرار والاسوداد رديئة، والقروح الباردة رهلة بيض وتستريح إلى الأدوية المسخنة، والحارة إلى حمرة، وتستريح إلى البرد. والقروح الرديئة إذا صحبها لون من البدن رديء كأبيض رصاصي أو أصفر، فذلك دليك على فساد مزاج الكبد وفساد الدم الذي يجيء إلى القرحة، فيعسر الاندمال.
والقروح التي أرضها حارة ومعها حكة ففضلها حريف، والتي أصولها عريضة بيض قليلة الحكة فمزاجها بارد. والقروح المتولدة عقيب الأمراض رديئة، لأن الطبيعة تدفع إليها باقي فساد الفضلات، والقروح الناثرة للشعر عما يليها رديئة. وقيل في كتاب علامات الموت السريع، إذا كان بالإنسان أورام وقروح لينة فذهب عقله مات. والقروح الخبيثة قد يكون سببها جراحة تصادف فضولاً خبيثة من البدن، أو تدبيراً مفسداً وقد تكون تابعة لبثور رديئة، فيكون عنها تسرعها إلى التقرح بعد التبثر.
ويدل على خبث القرحة تعفنها وسيها، وإفسادها ما حولها وعسر برئها في نفسها مع صواب العلاج لها.
وأفضل الدلائل الدالة على سلامة القروح والجراحات في عواقبها المدة، كان بدواء مفتّح أو من فعل الطبيعة، فإن ذلك فعل الطبيعة على المجرى الطبيعي، ولن تتولد المدة إلا عن نضج طيعي، ولا يصحبها مكروه من أعراض القروح الرديئة، وخصوصاً المدة المحمودة البيضاء الملساء المستوية التي نالت تمام النضج، ولا يصحبها نتن ولا عفونة فيها، وربما لم تخل عن نتن قليل فإن المدة تحدث بتعاون من حرارة غريزية، وأخرى غريبة، وقد قلنا في المدة في موضع آخر.
وأما القرحة التي تحدث للتشنج والقرحة المتعفنة والسرطانية والخيرونية والمتآكلة وما يجري مجراها، فلا تتولّد منها مدة بل إذا ظهر في القرحة مدّة وورم فإنه علامة خير ليس يخاف معه التشنج واختلاط العقل ونحوه، وإن كان في موضع يوجب ذلك مثل الأعضاء الخلفية والقدامية، إلا أن يكون الأمر عظيماً مجاوزاً للحدّ فإن غاب الورم دفعة وغار ولم يتحلل بقيح أو نحوه، ثم كان مجاوراً للأعضاء العصبية كالقروح الظهرية، فإنها في جوار الصلب والنخاع والقروح التي تقع في مقدم الفخذ والركبة، فإنها أيضاً على العضل العصبية التي فيها آل الأمر إلى التشنّج واختلاط العقل أيضاً.
وإن وقع في الأعضاء العرقية، وأكثرها في مقدّم تنور البدن، خيف إما إسهال دم إن وقع في النصف الأسفل من التنور، وكذلك قد يخاف منه اختلاط العقل، أو خيف أن تقع ذات الجنب في التقتح من بعده، أو في نفث الدم إن وقع في النصف الأعلى منه. وقد علمت معنى التقيّح في الصدر من الكتاب الثالث، وقد يخاف فيه أيضاً اختلاط العقل.
ومن العلامات الجيدة للقروح أن ينبت حواليها الشعر المنتشر. وأقبل الأبدان لعلاج القروح أحسنها مزاجاً وأقلها رطوبة فضلية مع وجود الدم الجيد فيها، وأما كثير الرطوبة أو اليبس فهو بطيء القبول للعلاج في القروح، على أن الرطب كالصبيان، أقبل من الناس كالمشايخ، وخصوصاً إذا كان المزاج الأصلي يابساً عديم الدم النقي والعرضي رطباً مترهّلاً كما في المشايخ، وخصوصاً إذا كان المزاج الأصلي يابساً عديم الدم النقي والعرضي رطباً مترهلاً كما في المشايخ أيضاً، ولذلك صار المستسقون يعسر علاج قروحهم والحبالى أيضاً، لاحتباس فضولهن لامتساك حيضهن. وأما المشايخ فلا تبرأ قروحهم لذلك ولسبب قلة لحمهم الجيد، وربما برأ القرح، ثم انتقض لأنه إنما نبت فيه اللحم قبل التنقية، فلما احتبس فيه فضل غير نقي وجب من ذلك أن يفسد الإتصال الحادث ثانياً، وقد توهم النواصير برءاً، ويعرض لها حال جفاف وإمساك تقنع النفس بأنها برء، لأن حالها تلك تشبه البرء كما نذكره، ثم. ينتقض لأدنى حركة واهتزاز وسعال وصدمة وسوء اضطجاع وغير ذلك.
والقروح التي ينبت فيها اللحم بعضها ينبت فيها لحم زائد، وبعضها لا ينبت فيها ذلك، وأخرى ما ينبت فيه منها لحم زائد هو ما يستعجل بإنبات اللحم فيها قبل التنقية، وأخرى ما لا ينبت فيها ذلك اللحم إلا بعد التنقية.
وإذا طالت المدة بالقرحة وتأكلت وذهب من جوهرها شيء كثير، فلا يتوقع اندمالها إلا على غور، وخصوصاً إذا كانت قديمة بقيت مدة سنة ونحوها أو كانت متخزفة وأخذ منها المتخزف أعني الناصور.
والقديمة لا بد من أن يخرج عظم من العظم الذي يجاورها. والقروح السوداوية لا برء لها، إلا أن يؤخذ عنها جميع فسادها إلى اللحم أو العظم الصحيحين. والأسباب التي إذا عرضت فسمت القروح هي: ضعف العضو، فتقبل كل مادة ورداءة مزاج العضو ورداءة ما يأتيه من الدم إما في كيفيته وإما في كميته.
أما في كيفيته فأكثره لرداءة مزاج الكبد، ويكون اللون فيه إلى بياض رصاصي أو صفرة، أو لرداءة مزاج الطحال فيكون اللون إلى سواد وتنميش، فتكون معه رداءة جميع الأخلاط في البدن، ومثل هذا مع أنه لا يستفاد منه ما يستحيل لحماً، فقد يتضرر به لما يستحيل إليه من الوضر، أو في كميته بأن يزيد أو ينقص، فلا يوجد ما ينبت منه لحم القرحة، وتكون القرحة صافية نقية تبادر إلى خشكريشة، لا تفلح إلى أن تملأ إن كان البدن نقياً قليل الدم، أو للتخرق الذي يعرض لحائطه وحافاته، أو لاتساع العروق التي تأتيه، أو لفساد ما يليها من العظام، أو لفسادها الآخذ نحو الكمودة والخضرة والسواد، أو لعضو رديء المزاج يجاوره. والقروح الصعبة العلاج كالمستديرة ونحوها قاتلة للصبيان، لأن الصبيان لا يحتملون شدّة إيجاعها ولا عسر علاجها وصعوبته.
فصل في قانون علاج القروح إعلم أن كل القروح محتاجة إلى التجفيف ما خلا الكائن من رض العضل وفسخها، فإن هذه تحتاج أولاً أن ترخى وترطّب، ومع ما تحتاج القروح في غالب الأحوال إلى التجفيف، فقد تحتاج إلى أحوال أخرى من التنقية والجلاء وغير ذلك، لأحوال تلحق القروح غير نفس القروح، وكلما كانت القرحة أعظم وأغور احتاجت إلى تجفيف أشد وإلى جمع لشفتيها أشد استقصاء، وربما احتاجت إلى خياطة واعتبر من أحوال الحاجة إلى الاستقصاء في ذلك ونحوه ما قلناه في باب الخراجات.
واعلم أن القروح ربما احتاجت في علاجها إلى استعمال أدوية سيالة نافذة منزرقة غائصة، وحينئذ لا بد من أن تكون مراهم أو نحوها، فيجب حينئذ أن تكون رطبة الظاهر يابسة الباطن، وخصوصاً الناصورية، فإنها يجب أن تكون يبوسة جوهرها في القوة تغلب رطوبة جرمها شديداً، وقد تحتاج إلى أن تخلط أدويتها بما يسيل أيضاً لسبب آخر، وهو لتصير لزجة لازقة فاعلم ذلك أيضاً فيها.
واعلم أن القروح تحتاج إلى الرباطات والشد لوجوه ثلاثة: أحدها: لإسالة الوضر، فيجب أن تكون قوة شدّها عند آخر القرحة وأرخى شدها عند الفوّهة ليحسن عصرها، والثاني: لحفظ الدواء الملحم والمنبت للحم على القرحة وليس تحتاج إلى شد شديد، والثالث: لإلحام الشفتين. ويجب أن لا يكون الشدّ فيه رخواً عند الشفتين، بل ضاماً ضماً صالحاً، ولا يجب أن تبلغ بالربط من الإيلام مبلغاً يورم، وينبغي أن يكون معيناً يمنع الورم، فلا يمكنك مع الورم أن تعالج القرحة، فإن لم يمكنك أن يمنع وظهر ورم فاشتغل بالورم وعلاجه، أي ورم كان مع مراعاة لنفس القرحة إلى أن تفرغ من علاج الورم فتخلص مراعاة القرحة، وكذلك إذا فسد ما حوالي القرحة فاخضر أو اسود، عالجت ذلك بالشرط وإخراج الدم ولو بالمحجمة، ثم تلزمه إسفنجة يابسة، ثم أدوية مجففة. وإذا تفرغت القرحة أو وجدت القرحة ساذجة، فيجب أن تتأمل أول شيء هل ينصب إلى القرحة من البدن شيء أو ليس ينصب، بل قد انقطع فإن كان ليس ينصب إليها شيء قصدتها بالمداواة نفسها، وإن كان ينصب إليها شيء فاشتغل بمنع ما ينصب إليها بمثل فصد أو إسهال أو قيء، فإن القيء قد ينفع أيضاً في ذلك، وقد شهد به بقراط .
وإذا كان في القروح شظايا عظام أو أغشية أو غير ذلك، فلا تستعجل في جذبها، ولكن إعمل ما قلناه في باب العظام، وأول ما يجب أن تدبره من أمر القرحة هو التقييح بأدويته، ثم التنقية بأدويتها، ثم إنبات اللحم والإدمال.
وإن وجدت القرحة نقية مستوية لا غور لها، فادمل فقط بما لا لذع له. وأما الوضرة فلا بد فيها من جالٍ لاذع، وفي أول ما تعالج تحتاج إلى الألذع، لأن الحس لا يحسّ به، ثم تتدرج إلى ما هو أخف لذعاً إلى أن يحين وقت إنبات اللحم.
واتق في جميع ذلك أن توجع ما أمكنك، وخصوصاً إذا كانت هناك حرارة والتهاب، ويجب أن تميط الأسباب المانعة من الإندمال، وفي الأسباب التي عددناها، وذكرنا أنها تميل بالقرحة إلى الرداءة، فإنك إن لم تعالجها أولاً لم تتفرغّ لعلاج القروح كما ينبغي، بل لم يمكنك. وكثيراً ما أصلح مزاج العضو فكفى في إصلاح القرحة، وكثيراً ما تكون القرحة رهلةَ ينبت عليها لحم رديء، ويكون هو في نفسه إلى حمرة وسخونة، فيعالج بأطليةِ مبردة للحم المطيف بها، مثل: عصارة عنب الثعلب بالطين الأرمني والخل والأطلية الصندلية والكافورية مبردة بالثلج، فلا يزال يندمل الجرح ويضيق.
والقروح الوجعة الشديدة الوجع يجب أن تشتغل فيها أولاً بتسكين الوجع، وذلك بالمرخيات التي تعرفها لا محالة، وإن كانت مضادة للقروح، لأنا إن لم نسكّن الوجع، لم يتهيأ لنا أن نعالج، فإذا سكناه تداركنا.
والقروح الوضرة تحتاح إلى أن تنقى، وهي التي تتكون رطوباتها وما يسيل منها، وربما نُقيت بغسل، وربما نقيت بالذرورات والمراهم، وإذا لم تنق لم يمكن أن يلاقيها الدواء خالصاً إلى جرمها، وخصوصاً الذرائر، فيجب أن تنقّى، ثم ينبت اللحم والمنقى فيه جلاء أكثر، والمنبت للحم جلاؤه كما علمت قليل، وربما نبت لحم رديء، واحتيج إلى أن يؤكل بدواء حاد، ويطلى من خارج بالمبردات، ثم يقلع بما يقلع به الخشكريشة، ثم يعالج، وهذا أيضاً طريق علاجنا لنواصير فإنا نحتاج أن نقلع خزفها، ثم تعالج.
والدواء الواحد يكون بحسب بعض الأبدان منبتاً للحم، ويكون بحسب بعضها أكالاً شديد الجلاء إذا كان ذلك البدن ليناً جداً، وبحسب بعضها غير جال ولا منبت، ولذلك يحتاج الدواء في بدن إلى أن يقوى إما بتكثير وزنه، أو تقليل دهنه، أو بإضافة دواء آخر إليه فيه تجفيف وجلاء، وفي بدن آخر يكون بالقياس إليه أكالاً إلى أن ينقص من وزنه، أو يزيد دهنه، أو تضيف إليه بعض القوابض.
وأولى القروح بأن يقوي دواؤه ما عسر اندماله، ومن الواجب أن تترك الدواء على القرحة ثلاثة أيام، ثم تحل، فإنها إذا عولجت لم تفعل فعلها. ويجب أن تبعد الدهن عن القروح، فإن كان ولا بدّ فدهن الخروع ودهن الآس ودهن المصطكي.
وإن لم يكن لك إلا القرحة، فيجب أن ترفق بالحاس من الأعضاء الحاملة لها، ونحذّر من إيجاعها بالدواء القوي. وأما البليد الحسّ فلا تتوقف فيه عن واجب العلاج، والباطن والشريف الخطير الكثير النفع، والقاتل للآفات سريعاً من باب الحاس وحكمه حكمه، وأضدادها من باب غير الحاس أو ضعيفه.
ولمثل هذا السبب لا تحتمل القروح الباطنة مثل الزنجار ونحوه، وخصوصاً التي تشرب وتحتاج إلى مغريات أكثر، مثل الكثيراء والصمغ، والتي يحقن بها تحتاج إلى ما هو بين الأمرين، ومن الصواب في علاج القروح أن تسكّن أعضاؤها ولا تحرك، ولأن تتحرك في أول الأمر حركة رفيقة أقل مضرة من أن تتحرك بعد الأول حركات عنيفة، وخصوصاً في بدن رديء الأخلاط. ويجب أن تتوقى في القروح، أن يقع من تجاورها التحام بين عضوين متجاورين، مثل اللصق الذي يقع بين الجفن والعين، وبين الجفنين، وبين الإصبعين، والكهوف والمخابي سريعة الاستحالة إلى النواصير، والقروح المجاورة للشرايين والأوردة الكبار تؤدي إلى ورم ما، يجاورها من اللحم الرخو كالأربيتين والإبط وخلف الأذنين، كما يؤدي الجرب ونحوه مما ذكرناه لتلك العلة بعينها، وخصوصاً إذا أن البدن رديئاً مملوءاً فضولاً، وحينئذ يشتدّ الوجع ويتأدى إلى القرحة، فيجب أن تعالج ذلك بتنقية البدن، وبما قيل في بابه وما لم ينق الورم لا يرجى علاجه، ونحتاج في مثل هذا إلى أن نحوط القرحة من الأذى بالباسليقون ونحوه إن كان البدن نقياً ونجعل بينها وبين العضو حاجزاً مانعاً عن تأدي الأذى إلى القرحة في كل حال.
يجب أن تسمع وصية جامعة، وهو أنه من الواجب أن يكون ما تعالج به القرحة إما موافقاً أو غير موافق، والموافق إن لم ينفع في الحال فلا تصحبه مضرة، والغير موافق إما أن يكون مخالفته لأنه أضعف، وتدل عليه زيادة ما هو ضد المتوقع منه من تجفيف أو تنقية أو غير ذلك من غير فساد آخر فيجب أن يزاد في قوته.
وإمّا أن تكون مخالفته لوجوه أخرى مثل أن يسخن فوق ما يحتاج إليه، فيحدث حمرة والتهاباً فيحتاج أن تنقص من قوته، ويطفأ من التهابه في الوقت بمرهم مبرد، أو تميل به إلى سواد وكمودة فتعلم أنه يبرده أو ليس يسخنه القدر المحتاج إليه، فيحتاج أن تزيد في قوة سخونته أو ترهله، فتحتاج أن تزيد في قوة القوابض والمجففات كالجلنار والعفص ونحوه، أو يجفف فيجب أن تتدارك تجفيفه بما نذكر لك، أو يأكله ويغوره كما نبين، فنحتاج أن تكسر قوة جلائه.
وكثيراً ما لا يوافق الدواء لأن مزاج العليل مفرط في باب ما، فتحتاج أن يكون الدواء قوياً في ضد ذلك الباب حتى يعيده إلى مزاجه، أو ضعيفاً في باب موافقته.
فصل في علاج القروح الصديدية تحتاج أن تستعمل فيها الأدوية المجفّفة لتنقي الصديد، ثم تشتغل بإنبات اللحم، إن كانت رهلة واستعمل عليها أدوية الإنبات غورتها وعفنتها لضعف أجسام تلك القروح، بل يجب أن يجفف أولاً، ثم يستعمل، وإذا استعملت الدواء فلم تجد الرطوبة تنقص أو رأيتها ازدادت، فاعلم أن الدواء بحسب ذلك البدن ليس بمجفف، فزد في تقويته وتجفيفه وأعنه بالجلاء اليسير كالعسل مثلاً، وبأدوية قباضة مثل الجلنار والشب، وقلل من قوة الدهن، واجعله دهناً فيه تجفيف.
وإن رأيت القرحة قد أفرطت أيضاً في الجفاف، فانقص من القوى كفها، أعني التجفيف والجلاء والقبض، واحفظ هذه الوصية في الأدوية المنبتة للحم في القروح، ولا تغلط بشيء واحد وهو أن يكون الدواء أجلى مما ينبغي، فيأكل العضو، ويحيل لحميته إلى رطوبة سائلة تحسبها صديداً، فتزيد في قوة الجلاء، ومثل هذا الدواء يجعل القرحة أغور وأسخن وأشبه بالمتورم، وتتخزف الشفة، ويحس العليل بلذع ظاهر، واعلم أن الأدوية المجففة للقروح منها ما هي شديدة التبريد كالبنج والأفيون وأصل اللقاح، ومنها ما هي شديدة التسخين مثل الريتيانج والزفت، فيكون لك أن تعمل أحدهما بالآخر، وبحسب مقابلة مزاج بمزاج من الأمزجة الجزئية والأدوية المنقية للصديد هي الأدوية المجففة مثل الشب والعفص وقشور الرمان وقشار الكند والمرداسنج ودقيق الشعير وسويقه وشقائق النعمان وورق شجر البعوض. وإذا ضمد بورق الجوز الطري وجوزه، وضمد به كما هو أو مطبوخاً بشراب نفع جدّاً، ونشف الرطوبات بغير أذى.
وهذه صفة مرهم جيد، أن يؤخذ المرداسنج فيسقى تارة بالخل وتارة بالزيت حتى يبيض، ثم يؤخذ من الكحل والروسختج والعروق والعفص والجلّنار ودم الأخوين والشب وأقليميا الفضة أجزاء سواء، يدقّ ويسحق جيداً ويكون من كل واحد منها سدس، ما أعددت من المرداسنج فتخلط الجميع ويستعمل، وتستعمل أيضاً أدوية ذكرناها في القراباذين.
وكثيراً ما يحتاج إلى غسل الصديد بالسيالات، كما نذكرها في القروح الغائرة، ومنها ماء البحر. وأما ماء الشب فيغسل ويردع ويجفف وجميع هذه الأدوية المذكورة الآن تضر إن كان مع القرحة ورم، والماء المطبوخ فيه السعد فهو جيد التجفيف، وطبيخ الهليلج والأملج وطبيخ الأزادرخت وورق السدر جيد في ذلك الوقت أيضاً.
فصل في علاج القروح الوسخة يجب أن تستعمل فيها الأدوية الجالية، وتبتدىء من الأول بما هو أقوى وألذع على ما قلنا في القانون، ثم تدرج إلى مثل الشيطرج والزراوند مع عسل وقليل خل. وأيضاً علك البطم بمثله دهن ورد أو سمن، وأيضاً أصل السوسن مع عسل، وأيضاً دقيق الكرسنة وحشيشة الجاوشير. ومن المركبات: المرهم الهندي والمراهم الخضر كلّها الزنجارية البسيطة، والمخلوطة بالأشق ونحوه، والمراهم القيسورية، والمراهم المتخذة بدقيق الكرسنّة، ومرهم الملح والقرص الأسود والقرص الأخضر والمعروف بقرموجانيس ومن الأدوية: الجفاف، يؤخذ دردي الزيت وعسل وشب أجزاء سواء، أو يؤخذ أسفيذاج وجعدة سواء، وإذا اشتد التوسخ نفع الفراسيون مع العسل. ومن الأضمدة الجيدة: الزيتون المملح، وقد تقع الحاجة ههنا أيضاً إلى استعمال ما يغسل به من السيالات على ما نقول في باب الغائرة، وكلها تضرّ إن كان ورم.
في علاج الكهوف والقروح الغائرة والمخابي هذه تحتاج في علاجها إلى أن تملأها لحماً، ولا يكون ذلك إلا مع غزارة الغذاء والدم، ويحتاج في ذلك إلى أدوية التجفيف والتنقية جميعاً، ويجب أن يكون وضعها وضعاً لا يحتبس فيها???? الصديد، بل يسيل، فإن وجدت هذا الموضع اتفاقاً فيه أصل القرح من العضو إلى فوق وفوّهاتها إلى أسفل، فذلك، وإن كان بخلاف ذلك وكان يمكن الإنسان أن يغتر وضع القعر بما يتكلفه من النصبة الغير الطبيعية فعل، وإن لم يمكنه لم يكن بد من شق القرحة إلى أصلها شقّاً مستقصياً لا يبقي كهفاً، أو من إحداث مسيل ومنفذ في أصلها غير فوّهتها إحداثاً بعمل اليد.
ويتأمّل في ذلك حال العضو، وهل يحدث به خطر من ذلك، فإذا فعلت ذلك، شددت القرحة بالرباط، مبتدئاً من الفوهة منتهياً إلى الأصل الذي كشفت عنه، وفي الأول بخلاف ذلك.
وتجعل أشدّ الشد في الجهة العالية في الوجهين جميعاً، ولا يجب أن تبلغ بالرباط الإيلام ثم الإيرام، وإذا لم يمكنك الشق اشتغلت بالغسل وإدخال الفتائل المنبتة المنقية التي لا تبطل تنقيتها إنباتها القوّة لأمرين فيها.
وقد جرّبنا نحن مرهم الرسل فكان جيداً بالغاً منجحاً بالمداواة، والقنطوريون إذا حشي منه عجيب جداً، ثم سومفوطون ثم الإيرسا، ثم دقيق الكرسنة. والمخابي إذا لم تتدارك، لم يلتصق الجلد فيها التصاقاً جيداً، ولكن يمكن أن تجفف الجلد ليلزم لزوماً يشبه الصحيح.
والقروح الغائرة والكهوف والمخابي لا تنقّيها الأدوية تنقية بالغة، ولا ينبت فيها اللحم إلا أن تجعل سيالات غسالة يزرق فيها بزراقات أو يمس بفتائل، وخصوصاً إذا لم يمكن شكلها شكلاً يكفي في تنقيتها النصبة، والعصر من الرباط على ما بينا، والغسل من الغسالات، وخصوصاً ممزوجاً بالشراب، وماء الرماد غسال قوي لا يحتمله قليل الوضر من القروح، وماء البحر قريب من ذلك، فإنه يغسله ويجفف، والماء الشبي غسال ومع ذلك مانع لما يتحلّب إلى العضو، فإذا كان ورم لم يصلح شيء من ذلك ولا الشراب.
وهذه القروح يجب أن توضع عليها فوق الأدوية في رباطاتها خرق ملطوخة، بما يحتاج إليه العضو في صلاح مزاجه، ويحتاج إليه في مقاومة المراهم التي تستعمل داخلاً لتكون على فم القرحة خرقة أخرى مطلية بما يجب من الدواء، والدليل على أنها التصقت قلة ما يسيل وطمأنينة الأسافل، وربما انعصر عنها بالربط وقوّة الدواء رطوبات كثيرة دفعة، ثم جفّت والتصقت.
فصل في علاج دود القروح من الأشياء النافعة له عصارة الفودنج النهري، وأدوية ذكرناها في باب الأذن في الكتاب الثالث.
فصل في إنبات اللحم في القروح يجب أن لا ينبت اللحم حتى ينقى، ويجذب إليها الغذاء إن قل فلم يصل إليها، فإذا نقيت فبعد كل لذاع وجلاء بقوّة كيف كانت القروح، وأين كانت، ويجب أن تراعي، في استعمال الأدوية المنبتة للحم، الوصايا المذكورة من تعهد ما يظهر من فضل رطوبة فيها، أو فضل جفاف، فتعمل ما قلناه في باب القروح الصديدية، ليس من حيث يبقى القرح رطباً أو يصير جافاً شديد الجفاف، بل من حيث اللحم الذي ينبت إذا كان شديد الرطوبة أو قليلاً جافاً. ومما يقلّل تجفيفه تسييله والزيادة في دهنه وشمعه إن كان مرهماً، وممّا يزيد في تجفيفه أن يغلظ ويخثر ويقلل دهانته وتكثر الأدوية فيه، أو يزاد فيها مثل العسل، وإنبات اللحم بالمراهم أوفق وأبطأ، وبالذرورات أعسر وأسرع، وربما صلبت اللحم فيكون من الصواب أن تنثر الذرور وتحدقه بالمراهم والشراب، وخصوصاً القابض لدواء جيّد لجميع القروح بما يغسل وينقي ويجفف ويقوي.
وقد ذكرنا الأدوية المنبتة في باب الجراحات، وبالحري أن نذكر من خيارها ههنا شيئاً وهو أولى بهذا الموضع، وهو الكحل المحرق والأنزروت وغراء السمك والحلزون المسحوق وتوبال الشابرقان والأبار المحرق والوج والبرنجاسف واللوف والسعد وخصوصاً للوضر والجعدة قوية جداً، والقنطريون غاية، والزجاج المحرق عجيب في تجفيفها وإدمالها.
فصل في علاج القروح المتآكلة غير المتعفنة القانون الكلي في علاج المتآكلة والخبيثة أن تنقي البدن أو العضو، إن كان البدن نقياً بحجامته وإرسال العلق عليه، وتبدل مزاجه بالأطلية وإصطلاح الغذاء من غير تأخير ولا مدافعة، فإن المدافعة في ذلك مما يزيد في رداءتها، وربما أحوج سعي التآكل إلى قطع العضو، وينفع المتآكلة التي لا عفونة معها التنطيل بالماء البارد، وماء الآس، وماء الورد، وماء عصا الراعي، والشراب القابض إن لم تكن حرارة، والخل الممزوج بماء ورد أو ماء ساذج كثير إن كانت حرارة ونحو ذلك من المياه المبردة المجففة.
وإن كان هناك عفونة فبماء البحر وغير ذلك مما سنقوله في باب المتعفنة، ثم إن أجود علاجها استعمال القوابض المجففة المبردة مثل قشور الرمان، والعدس، وورق المصطكي، وبزر الورد، والشوكة المصرية، وحب الآس، نطولات فيها هذه الأدوية، ويقوى أمثال هذه بطعم من شب ونخوة، أو سكنجبين أو قرع يابس محرق أو لسان الحمل مع سويق أو ورق الزيتون الطري.
فصل في علاج القروح المتعفنة والرديئة هذه القروح الرديئة أصل علاجها تنقية البدن أو العضو نفسه، أو كان البدن نقياً بما تنقيه وحده من الحجامة والعلق والأطلية المصلحة للمزاج، على ما ذكرناه مراراً، وتجويد الغذاء، ولا يجب أن تتوانى في علاجها، فإن عتقها يزيد شرّها، ويجب أن يمنع عنها الأورام الحارّة، ومما يسكنها البنج مع السويق.
وأمثال هذه القروح أيضاً إذا أفرطت في الفساد، ربما أحوجت إلى الاستئصال بالكي بالنار أو بالدواء الحاد أو بالقطع كي لا يبقى إلا اللحم الصحيح، المعروف بجودة دمه ولونه، والعظم الصحيح الأبيض النقي.
والدواء الحاد يأخذ جميع الخزف، ويخرجه ويتدارك إيلامه بالسمن توضع عليه وضعاً بعد وضع، فهذه وإن لم تكن نواصير ولا متخزفة فهي رديئة خبيثة، وربما أحوجت إلى قطع العضو ليسلم من عفونته. والتنطيلات التي تصلح لها هي بمثل ماء البحر والمياه المذكورة في باب النواصير، وهذه القروح وغيرها يجب، إذا استعمل عليها الأدوية، أن تترك أياماً، ولا تحل والأدوية التي يجب أن تستعمل في هذه هي مثل دقيق الكرسنة مع شيء من شبّ، أو لحم السمك المالح وبزر الكتان مسحوقاً بقلقديس، أو حاشا بزبيب أو تين أو ورق شجر التين أو نطرون وكمون، ودقيق مع عسل، أو أضمدة بصل الفار مطبوخاً بعسل، أو الكرنب بعسل أو قرع يابس محرق وورق الزيتون الطري.
صفة دواء مركّب: يؤخذ راوند وعصارة ورق الخروع جزءاً جزءاً، زنجار نصف جزء، تتخذ منه لطوخ بالماء في قوام العسل، وربما احتيج إلى تقويته بعصارة قثّاء الحمار والسوري، وتجعل عليه خرق يابسة، وأيضاً زراوند وعفص وزيت سواء تتّخذ ملطوخ للقرحة وحولها أو نورة وقلقطار جزء جزء، زرنيخ نصف جزء.
وأيضاً، السوري اثني عشر، القلقطار عشرة، زاج أربعة، تتخذ منه لطوخ بأن تطبخ في خل ثقيف نصف قوطولي حتى يذهب الخلّ، ثم يؤخذ منه بمرْوَد ويلطخ به القروح.
وأيضاً: يؤخذ من القلقطار والزاج من كل واحد عشرون جزءاً، قشور الحديد ستة عشرجزءاً، عفص غيرمثقوب ثمانية.
وأيضاً: يؤخذ ملح جزء، شب محرق وقشور النحاس وقيسور محرق نصف جزء نصف جزء.
مرهم جيد: يؤخذ عنزروت وروسختج وعفص وزنجار
وزراوند، يجمع بشيء من العلك لتكون له لدونة وعلوكة، ويستعمل بعد تنظيف
القرحة.
دواء غاية مجرب: يؤخذ زاج أحمر أربعة وعشرين، نورة حية ستة عشر، شب ستة
عشر، قشور الرمان ستة عشر، كندر وعفص من كل واحد إثنين وثلاثين، شمع مائة
وعشرين، زيت عتيق قوطرلي.
آخر جيد: يؤخذ رصاص محرق، كبريت، نحاس محرق، إسفيذاج الرصاص، كندر، مرداسنج، مر، أقليميا، أشق، جاوشير، مصطكي، قدر درهمين درهمين، شحم كلي البقر، ريتيانج، علك الأنباط، دهن الآس، شمع، ثلاثة ثلاثة، يذوب ما يذوب في الخل مقدار ما يعجن به ما لا يذوب وما يسحق ويجمع ويعجن.
دواء منجع جمعه جالينوس وغيره: يؤخذ توبال النحاس أوقية، زنجار محكوك أوقية، شمع نصف رطل، صمغة لاركس أوقية ونصف، يتخذ منه مرهم على رسمه في ذوب ما يذوب، وسحق ما ينسحق، ويزاد الشمع، وينقص بقدر الحاجة، واستحبوا أن يخلط به ذيقروجاس، وتكلم عليه جالينوس كلاماً طويلاً، وإذا كانت هذه القروح على مثل الذكر استعملت فيها دواء القرطاس المحرق، دواء أنزرون، وقرع يابس محرق، أو صوف وسخ محرق، أو رماد ورق السرو أو ورق الدلب.
فصل في علاج العسرة الإندمال والخيرونية إعلم أن القروح التي هي عسرة الإندمال مطلقاً غير المتآكلة وغير المتعفنة، كما يكون العام غير الخاص، فإنهما ساعيتان، فهذه قد لا يكون معها سعي، وتقف على حالها مدة وهذه غير النواصيِر أيضاً، لأنها لا يجب أن تكون متخزفة. وبالجملة المتآكلة والمتعفنة والنواصير من جملة العسرة الإندمال من غير عكس.
وأما الخيروتية فهي الغاية في الفساد وفي البعد عن الإندمال، والقانون في علاج هذه القروح، أنه إن كان السبب رداءة مزاج، فأصلح، أو رداءة، فاجعل الغذاء ما يولد دماً جيداً مضاداً لذلك، أو قلته، فكثره، ويوسع في الغذاء الجيد، وإن كان السبب ترهلاً وتوسخاً، نعالج علاج الرهل والوسخ، وإن كان السبب جفافاً مفرطاً لم يصر ناصوراً بعد، فعالج بترطيب معتدل.
ومن الجيد في ذلك أن تعرقه بماء حار إلى أن يعرق العضو ويحمر وينتفخ، ثم تمسك ولا تجاوز ذلك القدر، فإنك تجذب به مادة كثيرة وآفة عظيمة إلى العضو، واجعل الدواء من بعد ذلك أقل تجفيفاً، وربما نفع وضع خرقة مبلولة بالماء الفاتر، وربما احتيج إلى حك للقرحة وإدماء ودلك. لعضوها، واستعمال المراهم الجاذبة الزفتية.
وإن كان السبب رداءة حال عرضت لما يحيط بها من اللحم، عولج بما عرفته من الشرط وإخراج الدم والتدارك بالمجففات، وإن كان السبب دالية تسقى، فاقطعها وسَيل دمها أو سلها، فكثيراً ما أراح ذلك، ولكن إن كان امتلاء، فابدأ بالفصد واستفرغ خلطاً سوداوياً إن كان، ثم تعرض للدالية، وسيل منها من الدم ما أمكنك، لئلا يعرض من تعرضك للدالية ما هو شر من القرحة الأولى، ثم عالج الجراحة التي عرضت من الدالية، ثم القرحة العسرة الإندمال، وإن كان السبب ضعف العضو، وذلك بسبب سوء مزاج، لا كيف اتفق، بل سوء مزاج مفرط بعيد عن الاعتدال الذي بحسبه من حر وبرد، وما يتبع الأمزجة من تخلخل مفرط أو تكاثف شديد، والأول في الأكثر يتبع الحرارة والرطوبة، أو الرطوبة، والثاني البرودة واليبوسة، أو اليبوسة، فيجب أن تعالج الموجب بالضد، أو ما يوجب الضد، وكثيراً ما يكون السبب عن الحرارة الجذابة للمادة والمرسلة إياها، ويحتاج في علاجه إلى المبرّدة القابضة.
وإن كان السبب ناصوراً، فعالج علاج النواصير، وإن كان السبب فساد العظم الذي يليها، شرّحنا وكشفنا عن العظم، فإن كان يمكن إزالة ما عليه بالحك فعلنا الحك واستقصينا، وإلا قطعنا وفعلنا ما نشرحه في باب فساد العظم. قال جالينوس: كان غلام به ناصور في صدره قد بلغ إلى العظم الذي في وسط قصه، فكشفنا عن عظم القص جميع ما يحيط به فوجدناه قد أصابه فساد، فاضطررنا إلى قطعه وكان الموضع الفاسد منه هو الموضع الذي عليه مستقر علاقة القلب، فلما رأينا ذلك ترفقنا ترفقاً شديداً في انتزاع العظم الفاسد، وكانت عنايتنا باستبقاء الغشاء المغشي له من داخل، وحفظه على سلامته، وكان ما اتصل من هذا الغشاء بالقصّ قد عفن أيضاً. قال: وكنا ننظر إلى القلب نظراً بيناً مثل ما نراه إذا كشفنا عنه بالتعقد في التشريح، قال فسَلِم ذلك الغلام ونبت اللحم في ذلك الموضع الذي قطعناه من القص حتى امتلأ، واتصل بعضه ببعض، وصار يقوم من ستر القلب وتغطيته بمثل ما كان يقوم به قبل ذلك رأس الغلاف للقلب. قال: وليس هذا بأعظم من الجراحات التي ينتقب فيها الصدر هذا، ويقول أنه إذا أعتقت القروح وقدمت فمن الصواب أن يسيل منها بالمحمرة دم على ما يليق بها، وأما الأدوية المعدة لعسر الاندمال في غالب الأحوال فمثل توبال النحاس والزنجار المحرق وغير المحرق وتوبال الشابورقان وتوبال سائر الحديد ولزاق الذهب، يتخذ منها قيروطات، والقلقطار والزاج وما يشبهها مع أشياء مانعة للتحلب إلى العضو إن كان مثل الش والعفص.
ومما يعالج به العسرة الإندمال: يؤخذ من الاقليميا ومن غراء الذهب ومن الشبّ ثمانية ثمانية، زنجار وقشور النحاس واحداً واحداً، صمغ السرو أربعة، شمع ودهن كما تعلم.
وأيضاً: يؤخذ من الشمع عشرة، ومن صمغ الصنوبر تسعة، ومن الإقليميا ثلاثة، ومن القلقطار ستة، ومن دهن الآس الكفاية. وأيضاً يربّى القلقطار والإقليميا بماء البحر أو ماء الحصرم، أو ماء مطبوخ فيه القلي والنورة طبخاً يسيراً بحسب المزاج، تربية جيدة في الشمس، ثم يصفى عنه من غير أن يتملح عنه ماء البحر أو ماء القلي.
وأيضاً: يؤخذ نحاس محرق وريتيانج وملح أندراني من كل واحد أوقيتان، شمع ودهن الآس مقدار الكفاية، وينفع منها الأدوية الناصورية إذا جففت ودققت، ومنها: دقيق الكرسنة، والإيرسا، والزراوند المحرق، والنحاس المحرق، وتراب الكندر على اختلاف ما يستحقه كل بدن من التركيب.
دواء جيد: يؤخذ برادة النحاس وبرادة الحديد، ويعجن بماء شب ويطيق بالطين الأحمر، ويحرق في التنور، ثم يخرج ويسحق ويستعمل ذروراً، أو يتخذ منه ومن المرداسنج مرهم.
صفة مرهم ذهبي جيد: يؤخذ من المرداسنج الذهبي منا، ومن الشمع وأصل المازريون ستة وثلاثون مثقالاً، ومن الزنجار ثمانية عشر مثقالاً، برادة الذهب المسحوقة بالحكمة برائحة المرداسنج أربعين مثقالاً، دهن عتيق ثلاثة أرطال، يجعل عليه أولاً المرداسنج والذهب والزنجار، ثم سائر الأدوية. وأيضاً يؤخذ حرق التنانير، ورماد الودع، ورصاص محرق مغسول، يتخذ منه مرهم بدهن الآس، ولا بد من أن يكون ذلك الدهن قُوَّم بمرداسنج. وصفة ذلك أن يؤخذ من المرداسنج مثلاً أوقية، ومن الخل الحاذق جداً ثلاثة أمثاله، ومن الزيت أو دهن الآس أو أي دهن كان أوقيتان، يحرق بالرفق حتى ينحلّ المرداسنج فيها ويخثر ولا يحترق. وللخيرونية منها، قشور النحاس، زنجار، نورة مغسولة بلا استقصاء، يتخذ من ذرور، أو شبّ مسحوق ذروراً، أو زوفا أربعة، نطرون اثنين، يتخذ منه ذروراً، ويتقدم فيلطخها بعسل، ثم يذر عليها هذا الدواء.
وصفته: يؤخذ قشور النحاس جزءان، شب جزءان، قيروطي عشرة، تمرّس في الشمس وتستعمل، أو إسفيداج، شمت، ثمانية ثمانية، قشور النحاس، ملح أندراني، كندر، زنجار، قشور الرمان، من كلِّ واحد جزءان، نورة جزء، شمع عشرة وثلثين، دهن الآس مقدار الكفاية.
وأيضاً: يؤخذ مرداسنج، زيت، رطل رطل، زراوند، عفص غير مثقوب، أوقية أوقية، أشق أوقية، دقاق الكندر أوقيتان، يتخذ منها لطوخ على النار يحرك بأصل القصب.
فصل في علاج النواصير والجلود التي لا تلتصق أما النواصير وأحكامها وأصنافها فقد قيل فيها من قبل، وأما ما يجب من تدبير إسالة الصديد والرطوبات الفاسدة عنه بالنصبة أو بالبط فقد بين أيضاً في مواضع قبل هذا الموضع، وأما العلاج الخاص بالنواصير فيختلف أيضاً، فإن النواصير إما طرية سهلة، لماما عتيقة قد غاص تخزفها في اللحم غوصاً شديداً، وهذه عسرة العلاج، فإن الذي لا بد منه في ذلك هو أخذ ذلك الخزف كله بالقطع المستأصل من الجوانب بمجراد أو غيره، أو بالكي بالنار، أو بالدواء وذلك صعب شاق، وخصوصاً إذا كان في جوار عصب أو عضو شريف.
وربما كان المريض أميل إلى أن يبقى ذلك به، ويداريه منه إلى أن يقاسي علاجه، وربما أمكن أن يجفف ويؤكل لحمها الودكي الخبيث في داخلها، ويجفف الباقي من لحمها الميت، ويدمل، ويبقى ساكناً مدة طويلة من غير أن يكون قد أدمل الإندمال التام، ومن أراد ذلك فيجب أن ينقى الناصور عن اللحم الخبيث الودكي الذي فيه، ثم يحشوه أدوية مجففة، ويترك فإنه يبقى بحال جفافه ما لم يقع خطأه في امتلاء، أو رطوبة مزاج أو وصول ماء، واضطجاع عليه مؤلم، أو صدمة أو ضربة أو سعال أو رعدة. وأما علاج قلعها واستئصالها: فاعلم أنها إذا كانت خبيثة عتيقة قديمة فلا دواء لها إلا القطع للخزف، أو الكي له بالنار على ما نبينه مع بط المعوج الملتوي من منافذه لتعرف مذهب الكي، ومنفذه مع تحرز وحذر حتى يكوى، فينقلع، أو الكي بالأدوية الحادة مثل: النوشادر والزرنيخ والكبريت والزنجار والزئبق، يقتل الزئبق من جملتها في الجميع، ويخلط بمثله برادة الحديد ونصفه قلي ونصفه نورة، ويصعّد في الأثال أو يجفف في قنينة على ما يعرفه أهل الاشتغال بهذا الباب، فيصعد كالملح، فإذا جعل منه في الناصور التهب وانشوى وانفصل من اللحم، فيؤخذ بالكلبتين، ويخرج ويدام إلقام العضو السمن ساعة بعد ساعة ليهدأ الوجع، ثم يعالج بعلاج القروح. وأما الطريّ السهل من النواصير، فيجب أن يغسل بالأدوية القوية ولاء كالقطران، وماء الأرمدة، وماء البحر الأجاج، وماء الصابون مخلوطاً به زرنيخ ونوشادر، والماء المصعد من روسختج ونوشادر يابسين أو مرعوين من غير سيلان، وماء طُبخ فيه القلي وكلس قشور البيض والنورة، فإذا نقيت فضع عليها الدواء الخروعي. ومرهم الزرنيخ المورد في أدوية الغرب عجيب النفع، ودواء جالينوس القرطاسي، والأدوية المؤلفة من الزاج والقلقديس والنحاس المحرق والزنجار، وما أشبه ذلك من القنطريون ودقيق الكرسنة والايرسا والسومقوطون، وقد جرب أصل أسقولوقندريون، أنه إذا ملىء منه الناصور أبرأه، وكذلك الخربق إذا ملىء الناصور أبرأه بعد أن يترك ثلاثة أيام، وكذلك السوري وكذلك عصارة قثاء الحمار مع البطم، أو عصارة أصل المحروث، أو زنجار وأشق بخل، أو أشقّ وقلقديس وقلقطار وصمغ بخلّ، أو يؤخذ بول الأطفال، فلا يزال يسحق في هاون من رصاص حتى يخثر ويجف ويستعمل.
صفة دواء يستعمله أهل الإسكندرية: يؤخذ أصل أنخوسا وزاج مشوي وقلقطار وزنجار وشب من كل واحد جزء، الذراريج نصف جزء، يتخذ ذروراً أو مرهماً، أو يجمع بخل قد طبخ فيه الذراريج، ويحذف الذراريج من النسخة، وربما جعل معه عسل.
وأيضاً يؤخذ صبر وزنجار ومرداسنج وقشور البيض، وما كان مكلساً فهو أقوى بكثير ويخلط.
وأيضاً أدوية قوية ذكرناها في باب عسر الاندمال، فإذا ظهر اللحم الجيد استعملت الملصقة المنبتة للحم، وإذا كان بقربه عظم فاسد فيجب أن يصلح، ويعالج بعلاجه وإذا رأيت الرطوبات الصديديّة قلت أو عادت مدّية فقد كاد العلاج أن ينفع.
فصل في اللحم الزائد على الجراحات يحتاج في علاج ذلك إلى أدوية جالية مجففة، وكل ما كان أقلّ لذعاً فهو أجود، ويجب أن لا يتوقع ههنا من معونة الطبيعة ما يتوقع في إنبات اللحم، فإن إنبات اللحم فعل طبيعي، وكل ما أنبته الطبع كان بمعونة الدواء أو بغير معونته مضاد لفعل الطبع، فلذلك يجب أن يكون أكثر التعويل على الدواء.
واعلم أن الأقراص المتخذة لهذا الشأن لا ينتفع بالعتيق منها بل الطري، فإن كان ولا بد منها، فيجب أن تحفظ بالتقريص وتدفنها في موضع لا يفسدها الهواء، وقد مدح لذلك ثجير الخل وليس ذلك عندي بكل ذلك الصحيح، واتخاذها أقراصاً وبنادق أحفظ للقوة، وأما ما يقال أنها تحتاج إلى أن تسقى ماء حاداً من زرنيخ وثوم أو خل، فذلك مما يهيئها لانحلال القوة، ويعين الهواء المفسد لها، والدواء الذي هو أغلظ وأثبت فإنه أنفع في هذا الباب لا من حيث القوة، فربما كان اللطيف أقوى، ولكن من قبل أن انفعاله من الهواء ومن أخلاط المزج أقل، وثباته بحاله أكثر، وهذه الأدوية هي مثل قشور النحاس والصدف المحرق، ونوعي القنافذ المحرقة بلحومها، لكن القنافذ قد تنقي قليلاً، وتقبض اللحم أكثر مما ينبغي.
وأقوى مما عددناه زهرة الحجر المسمى آسيا، وأقوى منه السوري وغراء الذهب وقلقطار زاج، والإحراق يقلل قوتها ولذعها معاً، ويزيد لطافتها، وزهرة النحاس قوية، ولا كالزنجار، وخصوصاً المتخذ من قشور النحاس.
ومما يأكل اللحم الزائد أكلاً جيداً القلي والزنجار، وكثيراً ما يحل اللحم الزائد، ويضمره أن يطرح عليه خرق مغموسة في ماء البحر، أو ماء خل فيه الملح المر، وقد يؤخذ القلي والنورة غير مطفأة، وتترك في سبعة أمثالها ماء في الشمس سبعة أيام يساط كل يوم في كل وقت حتى يغلظ، ويصير كالطين، ويتخذ منه أقراص. ويستعمل كذلك قرص نيطلقوس. والمرهم الأخضر عجيب، والأخضر المتخذ بالملح الداراني، والمرهم الذي يسمى الأشقر بطاطي اللحم بلا لذع، ودواء ديارون وعواء دوديا والدواء المتخذ من قشور النحاس ودقاق الكندر، يصلح للحم الذي ربا جداً منتفشاً كالقطن، وجميع الأدوية المعمولة للأريبان في الأنف.
فصل في تدبير القروح المنتقضة بعد الاندمال العلاج بعد انتفاضها أن يؤخذ اللحم الرديء والعظم الرديء الذي يليها، ثم يشتغل بتجفيفها على ما تدري، وبمستخرجات العظام، وربما كانت أدوية جاذبة مثل ورق الخشخاش الأسود ضمّاداً مع ورق التين وسويق التين، أو بزر البنج وقلقديس أجزاء سواء ضماداً.
فصل في اَثار القروح والجراحات يحتاج في قلع آثار القروح والجراحات إلى أدوية جالية قوية الجلاء منقية، وتكون قوّتها بإزاء قوة ما تجلوه، فيعالج القوي بالقوي، والذي دونه بالذي دونه. فأما الأدوية المنقّية القوية للقوي، فمثل أن يؤخذ سحالة الحديد مع اللك والإطريفل، ويطلى عليه، وعندي أن صدأ الحديد أجود، وكذلك الزنجار يغرز بإبرة ويطلى عليه النورة والعسل، أو يطلى عليه الميويزج والعسل، أو عصارة الفوتنج وبياض البيض، وللعاصي الزرنيخ وحجر الفلفل. وأما الأدوية الخفيفة للخفيف، فالباقلا ودقيق الحمص وبزر الفجل والربة والطين الرخو السخيف وقشور البطيخ وشحم الحمار جيد جداً، وخصوصاً إذا قرن به بعض المذكورات. وأما آثار الضرب فإن التمسح بدهن السوسن يذهبها سريعاً، ثم إقرأ ما سنذكره في باب الزينة.
المقالة الرابعة
تفرق الاتصال في العصب
وما لا يتعلق بالجبر من تفرق الاتصال للعظام فصل في جراحات العصب وما يجري مجراه وقروحها إن العصب لشدة حسه واتصاله بالدماغ، تعرض له من الجراحات أوجاع شديدة جداً، وآلام عظيمة جداً كالتشنج واختلاط العقل، وكثيراَ ما يؤدي إلى التشنج من غير تقدم ألم صعب، ولا يكون فيه بد من أن يكون هناك ورم عظيم من غير وجع عظيم، وأسهل أحواله الحميات، وأورام كثيرة تظهر في غير موضع الجراحة، وعطش وسهر وجفوف لسان خاصة إذا حدث هناك ورم، وكذلك حال جراحات أوتار العضل، وخصوصاً في جانب رأسها، وإذا ورم العصب وما يشبهه أو أصابته برد تشنج، وإن أصابته عفونة فسد العضو ورماً، والعفونة تسرع إليها لأنها مخلوقة من رطوبة أجمدها وعقدها البرد، ومثل هذا تسرع إليه العفونة من الرطوبة ومن الحرارة الرطبة فتنطبخ فيه، فلذلك المياه باردها يضر من حيث يشنج، وحارها من حيث يعفن، وكذلك الدهن، لكن الدهن ربما احتيج إلى المسخن منه لضرورة إسكان الوجع أو لترقيق الأدوية وتسييلها.
وتكون الأدوية مقاومة لكيفيته المرطبة، والنخسة وحدها قد تفعل هذا الفعل، وقد يتورم المجروح منها أيضاً ورماً ظهوره أبطأ، وكذلك نضجه وقبوله للعلاج أيضاً، وقد يتقرح العصب قروحاً أبطأ التحاماً وأبطأ نضجاً، وكل جراحة تقع في العصب فإما نخس وإما شقّ، والشق إما أن يكون مع انكشاف العصب أو من غير انكشافه، وكل ذلك إما طولاً وإما عرضاً، والجراحة الواقعة طولاً في العصب أسلم من الواقعة عرضاً، فإن الليف الصحيح يتألم من مجاورة المقطوع، ويتأذى به، ويؤدي إلى الدماخ فيوقع التشنج وأمراضاً عظيمة، وقد يضطر أيضاً حينئذ كثيراً إلى قطع المجروح والمنخوس بكليته، فيستراح منه وتزول الأعراض الرديئة، والجراحة في الأغشية أخف أمراً منها في الأوتار فضلاً عن العصب، وأنت تعرف الغشاء بالمشاهدة وربما عرفته من التشريح، ومن أن الغشاء مبرم لا يرى فيه مسالك الليف طولاً، والوتر الغشائي ترى فيه مسالك الليف طولاً والوتر الغشائي صلب جداً، وليس الغشاء في صلابته والغشاء يحتمل الخياطة والجراحة، والخرق التي تصيب الرباطات الثانية من عظم إلى عظم، فليس فيها مكروه ويحتمل أشد العلاج، ولا يخاف من انبتار الأعصاب، وما يخاف من انشداخها ومن انقطاع بعضها عرضاً وإن كان العضو يزمن.
فصل في قانون علاج تفرق اتصال العصب دواء جراحات العصب هو الحار اليابس اللطيف الأجزاء، المعتدل الحرارة بحيث لا يلذع، ويكون تجفيفها شديداً جداً مع جذب لا مع قبض البتة، وكل ما فيه حرارة لطيفة مع تجفيف شديد للطافة جوهره، فلا يخلو عن جذب، واحذر القبض فيها وخصوصاً في أول الأمر، اللهم إلا أن يكون مع جلاء مثل الرَوسَختج وتوبال النحاس، وما كان مثل هذا ثقيل الجوهر فلطفه بالسحق في الخل الذي لا قبض فيه، وقد يتوقع من الخل وتلطيفه إبراز حرارة لطيفة منه في الشيء الكثيف.
وإن احتيج إلى قوى الحرارة أحياناً فيحتاج إليه ليكون غائصاً، ولكنه يكسر ويمال به بما يخالطه إلى الاعتدال، فيسخن بقدر، ويجفف بقوة، وإن كانت العصبة مكشوفة لم تحتمل شيئاً له حدة البتة، وكان مضرة ذلك به عظيمة.
وكذلك إن لقي الدواء أو الخرق التي تستعمل على الجراحة ما تلقاه وهو بارد بالفعل، فإن تضرر العصب به شديد وإذا وقعت جراحة في العصب فلا يجب أن تبادر إلى الإلحام، ولكن يجب أن تبدأ بتسكين الوجع بالتكميد بالخرق الحارة، وبأدهان مسخنة، وبزيت الأنفاق خاصة، ففيه قبض ما وسخونة أيضاً، وتكون سخونتها فوق الفاتر، فإن الفاتر من قبيل البارد، وكذلك تكون همتك بتسكين الورم.
ومما يستعمل أيضاً حينئذ الضمادات المتخذة بالسكنجبين وبماء الرماد، ومن الأدقة والأسوقة مثل دقيق الباقلا والكرسنة والحمص والترمس المر وسويق الشعير وغيره. بل هذه أيضاً تستعمل قبل أن يرم.
وربما انتفع باستعمال الخفيف، فإذا فعل بها ذلك ووقع الأمان من فضول، تنصب بماء تستعمل من الفصد والاستفراغ، فألحم، ولا تسكن وجعها بماء حار البتة، بل بالدهن اللطيف الأجزاء الذي لا قبض فيه حاراً إلى حد غير مفرط، فإن الحار المفرط والبارد لا يوافقانه، وكثيراً ما يكون قد قارب الجرح العافية فيضر به البرد، فيشتد الوجع ويعاود الأذى، فيحتاج أن تتدارك في الحال بالتسكين وبالأدهان المسخنة يظل ينطل بها، فإن كان ذلك العصب مكشوفاً، وكان القطع طولاً فاجتهد أن تغطيه بلحم، وتضع عليه الأدوية الوخزية التي ذكرناها، وتشده بخرق عريضة شداً ضاماً جامعاً آخذاً لشيء صالح من الموضع الصحيح.
وأما إن كان الجرح عرضاً فلا بد فيه من الخياطة والألم يلزم، وإذا استعجل الأمر وخفت العفونة في الواقعة عرضاً، فابتره واجتهد أن تحرسه عن الورم والعفونة ما أمكنك، فإن الورم وإصابة البرد إياه يشنج، والعفونة تزن العضو، فلذلك لا يجب أن يلحم رأس الجرح ولا ينضم إلا بعد العافية، وإذا كان فيه ضيق وسع، لأن ذلك يؤدي إلى عفونة الجراحة، لما يجتمع فيها من الصديد وغيره، ومع ذلك فإن الوجع يشتد، فلا يجب أن يلحم البتة إلا بعد أن يجفف جفافاً محكماً، ويأمن كل ورم وعفونة، ولذلك يحتاج أن يحل الشدّ عن الدواء أسرع من غيره، وربما يحل في اليوم أو الليلة مرتين أو ثلاثاً، وربما احتجت أن تحلّه أيضاً في ليل ذلك النهار، أو في نهار ذلك الليل إن كان طويلاً، وخصوصاً إذا كان هناك لذع، فإن لم يكن فالحاجة إلى ذلك أقل، ويكفي مرتين بكرةً وعشية.
ويجب أن يراعى في أدويته حتى لا يسخن فوق الواجب، ولا يقصر في التسخين الواجب، وكذلك في الجلاء والتجفيف وضدهما، فإذا رأيته قد سخن فبرده مقدار ما ينقص الزيادة على الواجب.
وقد تجرب القيروطيات الفرهونية على ساق إنسان صحيح مشاكل للعليل في مزاجه وسحنته، وينظر هل يفرط في تسخينه أو لا يسخنه شيئاً يعتد به، أو يسخنه تسخيناً معتدلاً فيقدر ذلك، ثم يستعمل على العليل، ويجرّب عليه ثانياً، ولكن أن تجرب على غيره ممن يشبهه أولاً أولى، إذ لا يحتاج في التجربة عليه إلى تغيير كثير.
ومع هذا كله فإن العصبة إذا كانت مكشوفة والجرح واسعاً جداً، فلا يحتمل شيئاً حاراً جداً، مثل الأوفربيون والكبريت ونحوه، بل يحتاج إلى دواء مثل التوتيا، وأيضاً الدواء المتخذ من النورة المغسولة غسلاً بالغاً في وقت واحد، ويجب أن يكون الدهن الذي يستعمل في قيروطياته ولطوخاته مثل دهن الورد والآس لم يمسسه ملح.
والعلك أيضاً إذا استعمل في مثل هذه الأدوية، يجب أن يكون مغسولاً، والتوتيا يجب أن يكون مغسولاً، ولا يجب البتّة أن يكون فيها شيء من الحدة واللذع، وإن كان فيها قبض يسير في علاج المكشوف جاز مع قوة محلّلة بلا لذع، وخصوصاً إذا كان العليل ضعيف المزاج، وأولى الأعصاب بتبعيد البارد والمائية والدهانة ونحوها عنه ما كان مكشوفاً، فليس مضرتها في المكشوف الذي يلقاه فيوضره كمضرتها فيما لا يلاقيه إلا قليلاً، وإنما يلاقي ما يحيط به ويليه، وإن كان لا بد فعلى ما قلناه.
وأما إن كان هناك قوة ما في الخلقة، فلا بأس إذا استعملت أقراص بوليداس وأقراص القلقطار وأقراص أنذرون وأفراسيون بميجنتج أو دهن.
أما في الشتاء فبزيت لطيف، وأما في الصيف فدهن الورد والكندر وعلك البطم والبارزد بقدر أقل من أدوية المكشوف، ومن الصواب كيف كانت الجراحة أن يوضع فوق الدواء مرعزي ليّن مغموس في زيت. وكما أن العصب المنكشف أولى العصب بأن يرفق به، كذلك الرباطات التي تثبت ما بين العظام أولى أشكالها بأن يُحمل عليها بالدواء القوي. وأما الرباطات التي تتصل بالعضل، فهي بين الأمرين، وأوجب الجراح بأن يبعد عنه الماء هو جرح العصب، وكذلك البرد، وإن قل، أضر الأشياء به، والزيت أيضاً ضار لا يحتاج إليه إلا عند تسكين الوجع حاراً، ولا يجب أن يغسل الجرح لا بالماء ولا بالدهن، بل اجهد أن تمسح الرطوبات بخرقة أو صوفة في غاية اللين، ولا أيضاً بالميجنتج إلا أن تأمن ضرر ترطيبه.
وإذا وجب لعلة من العلل أن تجعل عليه، وخصوصاً على ما هو مكشوف، دهناً، فيجب أن تمر عليه أولاً الميجنتج، ثم الزيت، فإن جالينوس قال أصاب رجلاً وخزة بحديدة دقيقة الرأس، فخرقت الجلد ووصلت إلى بعض عصب يده، فوضع عليه طبيب مرهماً ملحماً قد جربه في إلحام الجراحات العظيمة في اللحم، فورم الموضعَ، فلما ورم، وضع عليه أدوية مرخية كضماد دقيق الحنطة والماء والزيت، فعفنت يد الرجل ومات هذا فإذا عرض تشنج من القروح فيها، فمن الواجب، إن كان قد انسد شق الجرح، أن تفتحه، وتستعمل الأدوية النافعة من ذلك للقروح المجففة لها لطيفة جداً، ويجتهد أن يصل إلى الغور.
وإذا كانت الجراحة وخزة ولم يكن ورم، فالعلاج هو العلاج الموضعي، ويجب أن يكون أقوى حرارة وقوة تجفيف من المستعمل على الشق لأن ذلك ينفذ إلى المرض أسهل، ويجب أن يكون تدبير المجروح في العصب لطيفاً، وأن يكون في غاية اللطافة.
وإذا حدث وجع وورم فلا شر حينئذ من تناول الطعام، وخصوصاً إذا كانت الجراحة عرضاً، فإنه يحتاج هناك أيضاً إلى فصد العرق بلا محاباة ولا تقية من الغشي مثلاً، ويجب أن يكون مضجعه رطباً، وأن تراعى الأعضاء القريبة من الجراحة بالتدهين، وكذلك رأسه وعنقه وإبطاؤه بالتدهين، خصوصاً إن كان الجرح في الأعالي، وكذلك العانة والأربية، وخصوصاً إن كان الجرح في الأسافل وناحية الساق.
فصل في أدوية جراح العصب وقروحها علك البطم من أجود أدوية جراح العصب، وأما أمثال الصبيان والنساء ومن مزاجه شديد الرطوبة، فيكفيه مثل علك البطم وحده ذروراً مع قليل زيت يلينه ويلزجه إن كان يابساً، والراتينج بدله. وأما من هو أجف مزاجاً وأصلب لحماً، فيجب أن يخلط به أوفربيون ونحوه، إما عتيق وإما حديث وإما قليل وإما كثير بحسب مزاج البدن وسحنته، ويكون المبلغ من القوي الحديث جزءاً من إثني عشر جزءاً من القيروطي أو علك البطم أو نحو ذلك إلى الثلث من القيروطي، أو ما يمازجه، وقد يخلط به غير الأوفربيون من لبن اليتوع، فإنه عجيب، ومن الحلتيت ومن السكبينج ومن الجاوشير، ومما هو أضعف، البورق ورغوته والكبريت سخناً بالزيت على قدر، ووسخ الحمام، وزهرة حجر أستيوس، وكل جذاب للرطوبات إلى خارج، والزاج أيضاً ورماد مخلص النحاس والسرنج ولزاق الذهب، وربما لم يوجد في أوائل جراحات العصب إلا الخمير، ويستعمل وينتفع به ويجذب من عمق جذباً جيداً، وكثيراً ما ينتفع بوسخ كورات النحل، إذا لم يحضر الفربيون أو دقيق الشيلم بماء الرماد ضماد، أو استعمال علك البطم أول شيء يبدأ به، وبعده مثل مرهم الباسليقون مقوى بماء يحتاج أن يقوى به مما ذكر، وربما خلطوا بالقيروطيات ليسخنها نورة، ويجب أن تكون مغسولة، وأجودها المغسول بماء البحر في الشمس الحارة، وكلما غسلته أكثر صار أنفع. ومن الأدوية الجيدة دواء جالينوس المؤلف من: الشمع والراتينج والأوفربيون والزفت الزيت الغليظ من كل واحد نصف جزء، ومن الزيت جزء، ودهن البلسان مع لطافته ليس بكثير الإسخان أقول لسرعة تحلله.
وإذا كانت الجراحة وخزة أو نخسة ولم يصحبها ورم ولا عفونة، فيجب أن يستعمل مرهم الأوفربيون أو خرء الحمام، يجعل في البدن الألطف أوفربيون، وفي الأكثف ذرق الحمام، تزيد وتنقص على حسب ما ترى من حال البدن وسحنته ومزاجه، ومع ذلك فلا يجب أن تترك فم الوخزة يلتحم البتّة، وتوسع إن كنت ضيقة، ثم اعلم أن الدواء المحتاج إليه في الوخز يحتاج أن يكون أقوى من المحتاج إليه في الشق. وإذا عرضت في الجراحات عفونة فالسكنجبين جيد ودقيق الكرسنة.
وأما إذا عرضت أورام فدقيق الشعير ودقيق الباقلا ودقيق الكرسنة أيضاً، وقد طبخته بماء الرماد أو ماء ساذج فيه قوة من السكبينج. وإذا رأيت الجراحة أقبلت، لم تتخوف حينئذ من استعمال الميجنتج عليها، فيجب أن تستعمل الأدوية مدونة فيه، أما في أقوياء البدن، فأقراص بوليداس تدوفه ثم تسخنه وتأخذه لخرقة ليّنة منفوشة وتضعه عليه.
فصل في الأورام التي تعرض للعصب المجروح قد عرف مما سبق في تعريفاً في قانون علاج جراح العصب، وجه ما لعلاج الأورام التي تعرض لها، إذا خرجت، ويجب أن نزيد ذلك بسطاً، فنقول ما قال جالينوس في كتاب قاطاجانس، قال: إن حدث في جراحات العصب والأعضاء العصبية فلغموني، فإن كان الفلغموني قوية ملهبة جداً ينبغي أن تستعمل في علاجها الأدوية المتخذة بالخلّ والأحجار المعدنية التي قد ذكرناها، وأكثر منها في المقالة الثانية من قاطاجانس واحدها هذا.
ونسخته يؤخذ من الزاج تسعة دراهم ونصف وربع، ومن القلقديس درهم وربع، ومن توبال النحاس أوقيتين ودرهمين ونصف، ومن قشار الكندر أوقية ونصف، ومن البارزد أوقية، ومن الشمع سبع أواق، ومن الزيت تسع أواق، ومن الخل الثقيف رطلين وربع، تسحق الأدوية اليابسة بالخل عشرة أيام، ويذوب ما يذوب، ويبرد ويخلط الجميع في قدر، تسحق الأدوية اليابسة بالخل عشرة أيام، ويذوب ما يذوب، ويبرد ويخلط الجميع في قدر، ويحرك تحريكاً مستقصى حتى يستوي، وينبغي أن يقطر على العضو العليل من الزيت مرتين أو ثلاثاً في اليوم، وعند وضع هذا الدواء عليه، ينبغي أن يوضع عليه من خارج صوف قد بل بخل وزيت مسخنين معتدل الحرارة، فإنه ليس شيء أضر أصلاً للأعصاب العليلة ولا أردأ عليها مما كان بارداً، فإن احتجت أن تضمّد هذه الأعضاء في حال بالضماد المتخذ بالخل والعسل والرماد، فينبغي أن يكون الضماد مطبوخاً. وأن يكون دقيقه دقيق الكرسنة، فإن لم يحضرك فاستعمل دقيق الباقلا أو دقيق الشعير.
فصل في رض العصب ووثيه وإذا أصاب العصب رض، فإنه إن لم تكن معه جراحة ولا ورم، فعالج بما يسكن الوجع. وكذلك إذا حدث ورم فلا تعالجه بما يفخر مثل ماء الرماد ونحوه، بل عالجه بالمسكنات للوجع، وكذلك يجب أن ينطل العضو بالدهن المسخن تنطيلاً متصلاً، ويكون في قوة ذلك الدهن إرخاء وتحليل. ومن الأدهان الفاضلة في ذلك: دهن الشبث ودهن الأقحوان ودهن السذاب، وكذلك الضمادات الموافقة من ذلك. والخطمي عجيب إذا دق ووضع على العصب المرضوض، ولحم الصدف عجيب وربما عولجوا بالبلبوس المهري.
وأما إن كان هناك ورم فالتدبير في تسكين ورمه أن يستعمل عليه عقيد العنب مع شراب وقليل خل وزيت بمقدار فصد، ويسحق باعتدال، ويغمس في ماء صوف وسخ، وخصوصاً صوف الزوفا، وليضع عليه، فإن كان هذا الألم في المفاصل فهنالك أولى بأن يسكن الوجع، ويجعل الدواء أقوى ومركباً بما يخضج ويحلل، لكن مع قبض معتدل، ليقابل به الورم ولا يزيد فيه.
وانظر في الوجع والورم واقصد قصد أشدهما إهماماً. وإذا لم يكن وجع، فتبسطه واستعمل القوية مثل ماء الرماد والخل والشراب أيضاً، وإذا كان الورم قد طالت مدته، فقو الدواء واجعل تحليله أشد، ولا يهمنك أن تجعل فيه قبضاً البتّة مثل الدواء القوي المتخذ بماء الرماد، وما يتخذ بوسخ الحمام.
وأما إن كان هناك في الجلد جراحة أيضاً، فيحتاج إلى ما فيه تجفيف قوي وجمع وشد تضمّ به الأجزاء من المرضوض وينفع الجرح، فإن لم يصب الجلد شيء من الرض والجرح، فاستعمل الأضمدة المتخذة من مثل دقيق الباقلا وخل وعسل وهو دواء جيد، وإن أردت أن يكون أقوى تجفيفاً، جعلت فيه دقيق الكرسنة.
وإن أريد أن يكون أقوى أيضاً جعلت فيه أصل السوسن، وإن كانت الجراحة بحيث لا يلتفت إليهِا، عولج العصب بما يمنع تورّمه، ولم تشتغل بها. ولحم الصدف عجيب، وربما عولجوا بقيروطي من ملح، والضمّاد بالكندر والمر عام النفع في الحالين.
وإن كان مع الأمرين وجع مبرح فيجب أن يخلط مع الأدوية زيت ويضمّد بذلك حاراً، ويجب أن يحذر في وثي العصب الماء فلا يقرب لا حاراً ولا بارداً، بل تستعمل الأدهان التي فيها قوة الرياحين اللطيفة القباضة مسخّنة والأفاويه التي بهذه الحال. وأما حكم عصب فاسد ربما عرض لشظيّة من العصب فساد، ويحتاج أن يستخرج، فيجب أن يستخرج استخراج العرق المدني.
فصل في صلابة العصب والتوائه هذا أكثره يحدث عن ضربة أو سقطة، وإذا غمز أحس معه بخدر، وعلاج صلابة العصب قريب من علاج الأورام الصلبة والدشبذات، وقد ذكرنا في جداول الأدوية المفردة وفي القراباذين ما يحتاج أن نذكره من أدويته، والذي نذكره ههنا أدوية مجربة في ذلك منها خفيفة، مثل أن يؤخذ مقل اليهود وزن عشرة دراهم، فينقع في الماء ويداف فيه، ويعجن به مثله أصل الخطمي المسحوق جداً، ويضمّد به.
وكذلك أصل السوسن معجوناً بعقيد العنب، وأيضاً الأشق والقنّة والفربيون يجمع بدردي الزيت. وأيضاً يؤخذ بزر المر ويتخذ ضماداً بالميجنتج. وأيضاً يؤخذ الدياخيلون مع نصفه بعر الماعز غاية.
فصل في ذكر أمراض العظام قد تعرض في العظام أيضاً أمراض من فساد المزاج ومن انحلال الفرد والانكسار والخلع ومن التعفّن والتقرح والتقشر، ونحن نتكلم في الكسر والخلع المحتاجين إلى الجبر بعد هذا الموضع. وأما المحتاج من ذلك إلى غيره من الدواء، فنذكره ههنا مستعينين بالله.
فصل في ريح الشوكة وفساد العظم ريح الشوكة سببه أخلاط حادة تنفذ في العظم وتأكله، ومذهب ريح الشوكة مذهب وجع المفاصل، إلا أن المادة في وجع المفاصل تكون في اللحم، وفي ريح الشوكة تكون في العظم، وتكون دبابة تفسد العظم جزءاً بعد جزء، قال قوم إن الشوكة تسبح في جميع البدن بسبب قرحة وليس بثبت.
فصل في علامات فساد العظم إنه إذا عرض للعظم فساد رأيت اللحم فوقه ترهّل ويسترخي ويأخذ طريق النتن والصديد وينفذ فيه المِروَد إلى العظم أسهل ما يكون فإذا وصل إلى العظم لم تجده أملس يزلق منه، بل يلصق به قليلاً، وكأنه يجد شيئاً غير ثابت في نفسه، بل قد تفتّت أو تعقن، وربما تخشخش ولان، وخصوصاً إذا لم يكن الفساد في الابتداء، فإنه في وقت الإبتداء لا يظهر ذلك بالمِروَد، بل ربما دل زلقه المفرط عند قرعه على فساده، من حيث أنه إذا زلق فيه الميل في كل جانب دلّ على تبرؤ الغشاء عنه، وذلك لفساده الذي ابتدأ والذي يبتدىء حين فسد اللحم فوقه، وإذا كشفت عنه، وجدته متغيّر اللون، وكثيراً ما يتقدّمه ورم وفساد من اللحم أولاً، وموت، ثم يدب إليه.
فصل في علاجه علاج فساد العظم هو حكه وإبطاله أو قطعه ونشره سواء كان ناصوراً أو لم يكن، فإنه لا بد من حكه وجرده أو كي المبلغ الفاسد منه لتسقط القشور الفاسدة، ويبقى الصحيح، وقد تسقط قشور العظام بأدوية أيضاً، مثل ما تسقط قشور عظام الرأس وغيره. ومن ذلك دواء مجرب.
وصفته: يؤخذ زراوند، إيرسا، مر، صبر، لحاء نبات الجاوشير، فينك محرق، توبال النحاس، قشور الصنوبر، ويجمع، وهو عجيب يسقط قشور العظام، وينبت اللحم الجيد عليها. وإن كان فساد العظم أغوص من ذلك فلا بد من تقويره، وان كان الفساد بلغ المخ لم يكن بد من أخذ ذلك العظم بمخّه، وإن كان الفساد مما لا يبرئه إلا القطع والنشر لكل عظم أو لطائفة كبيرة منه، فلا بد منه، فاعرف الموضع الذي يجب منه أن يقطع، بأن تدور المِرْوَد إلى أن تبلغ الموضع الذي تجد فيه التصاق العظم بالغاً، فهنالك الحدّ.
وأما إذا كان العظم الفاسد مثل رأس الفخذ والورك، ومثل خرز الظهر، فالإستعفاء من علاجه أولى بسبب النخاع، وإذا كان فساد العظم متوقعاً على أنه تابع لفساد اللحم الذي اتفق وقوعه أولاً، فالتبرئة وأخذ اللحم عنه هو علاجه، ويجب أن تبرد العضو الصحيح بالأطلية التي عرفتها في باب فساد اللحم، ويبرد اللحم المكشوف عَنه أيضاً بمثلها.
فصل في صفة قشر العظم الفاسد قال يشال اللحم عن العظم بأن تلقى في طرفه خيطاً تمد به إلى فوق، وخذ عصابة فمد بها العضو، أو غيره من ذلك الموضع إلى أسفل، لئلا تصيب أسنان المنشار وانشره وإذا احتجت أن تنشر ضلعاً، أو عظماً تحته صفاق، أو شيء شريف مثل صفاق الأضلاع والنخاع، فاجعل تحت المنشار صفيحة تحفظ بها العضو الشريف.
وإن كان اللحم على استدارته كله مكشوفاً فانشره، لأنه لا ينبت اللحم على العظم الذي قد انكشف من جميع جوانبه، وإن كان أجزاء العظم الفاسدة قريبة من مفصل، فاخرجها من المفصل، وإن فسد عظم الذراع كله أو الساق فلينزع كله، وأما رأس الفخذ والورك وخرز الظهر إذا فسدت، فاستعف من علاجها لمكان النخاع.
فصل فيما يبقى في شظايا العظم وقشوره في القروح المندملة الأجود أن لا تستعجل في إخراجها، بل تترك إلى الطبيعة وتعان وذلك بجذب يسير لما يخرجها في مدة غير عاجلة، ولا تحرك بالأدوية وعمل اليد، فإن المستخرج كرهاً لا يخلو عن إحداث قروح ناصورية، فإذا مال دفعته الطبيعة إلى الجلد، وأخذ يخرج، وقد تبرأ فحينئذ بيان وتلحم الجراحة. وكذلك الحكم في شظايا وأغشية من حقها أن تبين، فإنك إن استعجلت وأخرجتها كرهاً كان فيه خطر التشنج والاختلاط والحمّيات، فإن تقيحت لم يكن فيها كثير مضرة.
فأما إن شئت أن تعرف أدوية ذلك فمنها دواء بهذه الصفة، ونسخته: يؤخذ زيت عتيق وشمع أصفر ووسخ الكوّارات يكونان جميعاً مثل الزيت، ثم يذاب الجميع، ثم يؤخذ جزء فربيون، وجزء لين اليتوع، وثلاثة أجزاء زراوند، يتخذ منها مثل القيروطي.
أخرى: يؤخذ أيضاً أشقّ ومقل، فيُلَتان بدهن السوسن، ثم يجمع الجميع بالسحق مرهماً، ويوضع عليه فإنه مما يخرج العظم بسرعة.
فصل في أدوية كسر العظام للكسر علاج باليد نذكره، وعلاج بالأدوية نذكرها نافعة من كسر العظام ومن الوثي. طلاء للكسر والوثي: يؤخذ مغاث، ماش مقشر، عشرة عشرة، مر، صبر، خطمي أبيض، أقاقياً، خمسة خمسة، طين أرمني عشرين، يطلى ببياض البيض إن كان ورم حار. أيضاً: يؤخذ ورق الأثل والسرو والآس والخلاف يدقّ ويعصر، ويؤخذ سك وورد وبصل النرجس مر وبابيلون وصندل أحمر وطين أرمني ولاذن وفوفل وقمحة وخطمي وماش وأقاقيا وإكليل الملك ومرزنجوش، وزد فيه ورداً، وإن احتجت إلى الإسخان فالقِ فيه المرزنجوش والراسن والسرو.
صفة دواء نافع للكسر والوثي مع ورم حار: يؤخذ ماش مقشر عشرون درهماً، مغاث، جلَنار، أقاقيا، يضمد به، وهو قوي جداً.
ومن ريته: ورق الآس ولاذن وسك وزعفران وطين.
أيضاً جيد للرض والوهن، نافع للكسر والوثي والخلع: مغاث، ماش، أقاقيا، خطمى، طين، صبر، مر، يطلى بماء الآس.