كتاب حجة الوداع في سنة عشر
ويقال لها: حجة البلاغ، وحجة الإسلام، وحجة الوداع.
لأنه عليه الصلاة والسلام ودَّع الناس فيها ولم يحج بعدها.
وسميت: حجة الإسلام، لأنه عليه السلام لم يحج من المدينة غيرها، ولكن
حج قبل الهجرة مرات قبل النبوة وبعدها، وقد قيل: إن فريضة الحج نزلت
عامئذ، وقيل: سنة تسع، وقيل: سنة ست، وقيل: قبل الهجرة، وهو
غريب.
وسميت حجة البلاغ، لأنه عليه السلام بلَّغ النَّاس شرع الله في الحج
قولاً وفعلاً، ولم يكن بقي من دعائم الإسلام وقواعده شيء إلا وقد بينه
عليه السلام، فلما بين لهم شريعة الحج ووضحه وشرحه، أنزل الله عز وجل
عليه وهو واقف بعرفة: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ
وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ
دِيناً}[المائدة: 3].
وسيأتي إيضاح لهذا كله.
والمقصود: ذكر حجته عليه السلام كيف كانت، فإن النقلة اختلفوا فيها
اختلافاً كثيراً جداً، بحسب ما وصل إلى كل منهم من العلم، وتفاوتوا في
ذلك تفاوتاً كثيراً، لا سيما من بعد الصحابة رضي الله عنهم ونحن نورد
بحمد الله وعونه وحسن توفيقه ما ذكره الأئمة في كتبهم من هذه الروايات،
ونجمع بينهما جمعاً يثلج قلب من تأمله وأنعم النظر فيه، وجمع بين
طريقتي الحديث وفهم معانيه، إن شاء الله، وبالله الثقة، وعليه
التكلان.
وقد اعتنى النَّاس بحجة رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم اعتناء
كثيراً من قدماء الأئمة ومتأخريهم، وقد صنف العلامة أبو محمد ابن حزم
الأندلسي رحمه الله مجلداً في حجة الوداع، أجاد في أكثره، ووقع له فيه
أوهام سننبه عليها في مواضعها، وبالله المستعان.
باب بيان أنه عليه السلام لم يحج من المدينة إلا حجة واحدة وأنه اعتمر
قبلها ثلاث عُمر
كما رواه البخاري ومسلم عن هدبة، عن همام، عن قتادة، عن أنس قال:
اعتمر رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم أربع عمر، كلهن في ذي القعدة،
إلا التي في حجته الحديث.
وقد رواه يونس بن بكير عن عمر بن ذر، عن مجاهد، عن أبي هريرة مثله.
وقال سعد بن منصور عن الداروردي، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة
قالت: اعتمر رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم ثلاث عمر: عمرة في
شوال، وعمرتين في ذي القعدة.
وكذا رواه ابن بكير عن مالك، عن هشام بن عروة.
وروى الإمام أحمد من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه، عن جده أن رسول الله
اعتمر ثلاث عمر كلَّهن في ذي القعدة.
وقال أحمد: ثنا أبو النضر، ثنا داود - يعني: العطار - عن عمرو، عن
عكرمة، عن ابن عبَّاس قال: اعتمر رسول الله أربع عمر: عمرة
الحديبية، وعمرة القضاء، والثالثة: من الجعرانة، والرابعة: التي مع
حجته.
ورواه أبو داود والتِّرمذي والنسائي، من حديث داود العطار، وحسَّنه
التِّرمذي.
وقد تقدم هذا الفصل عند عمرة الجعرانة، وسيأتي في فصل من قال: إنه
عليه السلام حج قارناً، وبالله المستعان.
فالأولى من هذه العمر: عمرة الحديبية التي صدَّ عنها.
ثم بعدها: عمرة القضاء، ويقال: عمرة القصاص، ويقال: عمرة
القضية.
ثم بعدها: عمرة الجعرانة مرجعه من الطائف حين قسم غنائم حنين، وقد
قدمنا ذلك كله في مواضعه.
والرابعة: عمرته مع حجة، وسنبين اختلاف النَّاس في عمرته هذه مع
الحجة هل كان متمتعاً بأن أوقع العمرة، قبل الحجة وحل منها، أو منعه من
الإحلال منها سوقه الهدي، أو كان قارناً لها مع الحجة، كما نذكره من
الأحاديث الدالة على ذلك، أو كان مفرداً لها عن الحجة بأن أوقعها بعد
قضاء الحجة.
قال: وهذا هو الذي يقول من يقوله: بالإفراد، كما هو المشهور عن
الشافعي، وسيأتي بيان هذا عند ذكرنا إحرامه صلَّى الله عليه وسلَّم كيف
كان مفرداً، أومتمتعاً، أوقارناً.
قال البخاري: ثنا عمرو بن خالد، ثنا زهير، ثنا أبو إسحاق، حدثني زيد
بن أرقم أن النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم غزا تسع عشرة غزوة، وأنه
حج بعد ما هاجر حجة واحدة.
قال أبو إسحاق: وبمكة أخرى.
وقد رواه مسلم من حديث زهير، وأخرجاه من حديث شعبة، زاد البخاري
وإسرائيل، ثلاثتهم عن أبي إسحاق عمرو بن عبد الله السبيعي، عن زيد
به.
وهذا الذي قال أبو إسحاق من أنه عليه السلام حج بمكة حجة أخرى، أي:
أراد أنه لم يقع منه بمكة إلا حجة واحدة ما هو ظاهر لفظه فهو بعيد،
فإنه عليه السلام كان بعد الرسالة يحضر مواسم الحج ويدعو النَّاس إلى
الله، ويقول: ((من رجل يؤويني حتَّى أبلغ كلام ربي، فإن قريشاً
قد منعوني أن أبلغ كلام ربي عز وجل)) حتَّى قيض الله جماعة الأنصار
يلقونه ليلة العقبة، أي: عشية يوم النحر عند جمرة العقبة ثلاث سنين
متتاليات، حتَّى إذا كانوا آخر سنة بايعوه ليلة العقبة الثانية، وهي:
ثالث اجتماعه لهم به، ثم كانت بعدها الهجرة إلى المدينة كما قدمنا ذلك
مبسوطاً في موضعه، والله أعلم.
وفي حديث جعفر بن محمد بن علي بن الحسين عن أبيه، عن جابر بن عبد الله
قال: أقام رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم بالمدينة تسع سنين لم
يحج، ثم أذَّن في النَّاس بالحج، فاجتمع بالمدينة بشر كثير، فخرج رسول
الله صلَّى الله عليه وسلَّم لخمس بقين من ذي القعدة، أو لأربع، فلما
كان بذي الحليفة صلى ثم استوى على راحلته، فلما أخذت به في البيداء لبى
وأهللنا لا ننوي إلا الحج.
وسيأتي الحديث بطوله، وهو في صحيح مسلم.
وهذا لفظ البيهقي، من طريق أحمد بن حنبل عن إبراهيم بن طهمان، عن جعفر
بن محمد به.
باب خروجه عليه السلام من المدينة لحجة الوداع
بعد ما استعمل عليها أبا دجانة سماك بن حرشة السَّاعديّ، ويقال: سباع
بن عرفطة الغفاري.
قال محمد بن إسحاق: فلما دخل على رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم
ذو القعدة من سنة عشر تجهَّز للحج، وأمرالنَّاس بالجهاز له، فحدثني عبد
الرحمن بن القاسم، عن أبيه القاسم بن محمد، عن عائشة زوج النَّبيّ
صلَّى الله عليه وسلَّم قالت: خرج رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم
إلى الحج لخمس ليال بقين من ذي القعدة، وهذا إسناد جيد.
وروى الإمام مالك في موطائه عن يحيى بن سعيد الأنصاري، عن عمرة، عن
عائشة.
ورواه الإمام أحمد عن عبد الله بن نمير، عن يحيى بن سعيد الأنصاري، عن
عمرة عنها.
وهو ثابت في الصحيحين، وسنن النسائي، وابن ماجه، ومصنف ابن أبي شيبة،
من طرق عن يحيى بن سعيد الأنصاري، عن عمرة، عن عائشة قالت: خرجنا مع
رسول الله لخمس بقين من ذي القعدة لا نرى إلا الحج، الحديث بطوله، كما
سيأتي.
وقال البخاري: حدثنا محمد ابن أبي بكر المقدمي، ثنا فضيل بن سليمان،
ثنا موسى بن عقبة، أخبرني كريب عن ابن عبَّاس قال: انطلق النَّبيّ
صلَّى الله عليه وسلَّم من المدينة بعد ما ترجل وادَّهن، ولبس إزاره
ورداءه، ولم ينه عن شيء من الأردية، ولا الأرز إلا المزعفرة التي تردع
الجلد، فأصبح بذي الحليفة، ركب راحلته حتَّى استوى على البيداء، وذلك
لخمس بقين من ذي القعدة، فقدم مكة لخمس خلون من ذي الحجة.
تفرد به البخاري.
فقوله: وذلك لخمس بقين من ذي القعدة إن أراد به صبيحة يومه بذي
الحليفة، صحَّ قول ابن حزم في دعواه، أنه صلَّى الله عليه وسلَّم خرج
من المدينة يوم الخميس، وبات بذي الحليفة ليلة الجمعة، وأصبح بها يوم
الجمعة، وهو اليوم الخامس والعشرين من ذي القعدة.
وإن أراد ابن عبَّاس بقوله: وذلك لخمس من ذي القعدة يوم انطلاقه عليه
السلام من المدينة، بعد ما ترجل وادَّهن، ولبس إزاره ورداءه، كما قالت
عائشة وجابر: أنهم خرجوا من المدينة لخمس بقين من ذي القعدة، بعد قول
ابن حزم، وتعذر المصير إليه، وتعين القول بغيره، ولم ينطبق ذلك إلا على
يوم الجمعة، إن كان شهر ذي القعدة كاملاً، ولا يجوز أن يكون خروجه عليه
السلام من المدينة كان يوم الجمعة.
لما روى البخاري: حدثنا موسى بن إسماعيل، ثنا وهيب، ثنا أيوب عن أبي
قلابة، عن أنس بن مالك قال: صلى رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم
ونحن معه الظهر بالمدينة أربعاً، والعصر بذي الحليفة ركعتين، ثم بات
بها حتَّى أصبح، ثم ركب حتَّى استوت به راحلته على البيداء، حمد الله
عز وجل، وسبح، ثم أهلَّ بحج وعمرة.
وقد رواه مسلم والنسائي جميعاً عن قتيبة بن حماد بن زيد، عن أيوب، عن
أبي قلابة، عن أنس بن مالك: أن رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم صلى
الظهر بالمدينة أربعاً، والعصر بذي الحليفة ركعتين.
وقال أحمد: حدثنا عبد الرحمن عن سفيان، عن محمد يعني: ابن المنكدر
وإبراهيم بن ميسرة، عن أنس بن مالك: أن رسول الله صلَّى الله عليه
وسلَّم صلى الظهر بالمدينة أربعاً، والعصر بذي الحليفة ركعتين.
ورواه البخاري عن أبي نعيم، عن سفيان الثوري به.
وأخرجه مسلم وأبو داود، والنسائي من حديث سفيان بن عيينة عن محمد بن
المنذر، وإبراهيم بن ميسرة، عن أنس به.
وقال أحمد: ثنا محمد بن بكير، ثنا ابن جريج عن محمد بن المنذر، عن
أنس قال: صلى بنا رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم بالمدينة الظهر
أربعاً، والعصر بذي الحليفة ركعتين، ثم بات بذي الحليفة حتَّى أصبح،
فلما ركب راحلته واستوت به أهلَّ.
وقال أحمد: ثنا يعقوب، ثنا أبي عن محمد بن إسحاق، حدثني محمد بن
المنذر التيمي عن أنس بن مالك الأنصاري قال: صلى بنا رسول الله صلَّى
الله عليه وسلَّم الظهر في مسجده بالمدينة أربع ركعات، ثم صلى بنا
العصر بذي الحليفة ركعتين، آمناً لا يخاف في حجة الوداع.
تفرد به أحمد، من هذين الوجهين الآخرين، وهما على شرط الصحيح، وهذه
ينفي كون خروجه عليه السلام يوم الجمعة قطعاً، ولا يجوز على هذا أن
يكون خروجه يوم الخميس كما قال ابن حزم، لأنه كان يوم الرابع والعشرين
من ذي القعدة، لأنه لا خلاف أن أول ذي الحجة كان يوم الخميس، لما ثبت
بالتواتر والإجماع من أنه عليه السلام وقف بعرفة يوم الجمعة، وهو تاسع
ذي الحجة بلا نزاع، فلو كان خروجه يوم الخميس الرابع والعشرين من ذي
القعدة لبقي في الشهر ست ليال قطعاً، ليلة الجمعة والسبت، والأحد
والإثنين، والثلاثاء والأربعاء، فهذه ست ليالٍ. (ج/ ص:5/129)
وقد قال ابن عبَّاس وعائشة وجابر: أنه خرج لخمس بقين من ذي القعدة،
وتعذر أنه يوم الجمعة لحديث أنس، فتعين على هذا أنه عليه السلام خرج من
المدينة يوم السبت، وظن الراوي أن الشهر يكون تاماً فاتفق في تلك السنة
نقصانه، فانسلخ يوم الأربعاء، واستهلَّ شهر ذي الحجة ليلة الخميس.
ويؤيده ما وقع في رواية جابر: لخمس بقين أو أربع، وهذا التقرير على
هذا التقدير لا محيد عنه ولا بد منه، والله أعلم.
باب صفة خروجه عليه السلام من المدينة إلى مكة للحج
قال البخاري: حدثنا إبراهيم بن المنذر، ثنا أنس بن عياض عن عبيد الله
هو: ابن عمر، عن نافع، عن عبد الله بن عمر: أن رسول الله صلَّى
الله عليه وسلَّم كان يخرج من طريق الشجرة، ويدخل من طريق المعرس، وأن
رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم كان إذا خرج إلى مكة يصلي في مسجد
الشجرة، وإذا رجع صلى بذي الحليفة ببطن الوادي، وبات حتَّى يصبح.
تفرد به البخاري من هذا الوجه.
وقال الحافظ أبو بكر البزار: وجدت في كتابي عن عمرو بن مالك، عن يزيد
بن زريع، عن هشام، عن عروة، عن ثابت، عن ثمامة، عن أنس: أن النَّبيّ
صلَّى الله عليه وسلَّم حج على رحل رث وتحته قطيفة وقال: ((حجة
لا رياء فيها، ولا سمعة)).
وقد علقه البخاري في صحيحه فقال: وقال محمد ابن أبي بكر المقدمي:
حدثنا يزيد بن زريع عن عروة، عن ثابت، عن ثمامة قال: حج أنس على رحل
رث ولم يكن شحيحاً، وحدث أن رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم حج على
رحل، وكانت زاملته.
هكذا ذكره البزار والبخاري معلَّقاً، مقطوع الإسناد من أوله.
وقد أسنده الحافظ البيهقي في سننه فقال: أنبأنا أبو الحسن علي بن
محمد بن علي المقرئ، أنبأنا أبو الحسن علي بن محمد بن إسحاق، ثنا يوسف
بن يعقوب القاضي، ثنا محمد ابن أبي بكر، ثنا يزيد بن زريع فذكره.
(ج/ص:5/130)
وقد رواه الحافظ أبو يعلى الموصلي في مسنده من وجه آخر عن أنس بن مالك
فقال: حدثنا علي بن الجعد، أنبأنا الربيع بن صبيح عن يزيد الرقاشي،
عن أنس قال:
حجَّ رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم على رحل رثٍ وقطيفة تساوي - أو
لا تساوي - أربعة دراهم فقال: ((اللهم حجة لا رياء فيها)).
وقد رواه التِّرمذي في (الشمائل) من حديث أبي داود الطيالسي.
وسفيان الثوري وابن ماجه من حديث وكيع بن الجراح، ثلاثتهم عن الربيع بن
صبيح به وهو إسناد ضعيف، من جهة يزيد بن أبان الرقاشي فإنه غير مقبول
الرواية عند الأئمة.
وقال الإمام أحمد: حدثنا هاشم، ثنا إسحاق بن سعيد عن أبيه قال:
صدرت مع ابن عمر، فمرت بنا رفقة يمانية ورحالهم الأدم، وخطم إبلهم
الخرز.
فقال عبد الله: من أحب أن ينظر إلى أشبه رفقة وردت العام برسول الله
صلَّى الله عليه وسلَّم وأصحابه إذا قدموا في حجة الوداع، فلينظر إلى
هذه الرفقة.
ورواه أبو داود عن هناد، عن وكيع، عن إسحاق، عن سعيد بن عمرو بن سعيد
بن العاص، عن أبيه، عن ابن عمر.
وقال الحافظ أبو بكر البيهقي: أنبأنا أبو عبد الله الحافظ، وأبو طاهر
الفقية، وأبو زكريا ابن أبي إسحاق، وأبو بكر بن الحسن، وأبو سعيد ابن
أبي عمرو، قالوا: ثنا أبو العبَّاس - هو الأصم -، أنبأنا محمد بن عبد
الله بن الحكم، أنبانا سعيد بن بشير القرشي، حدثنا عبد الله بن حكيم
الكناني - رجل من أهل اليمن من مواليهم - عن بشر بن قدامة الضبابي
قال: أبصرت عيناي حبيبي رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم واقفاً
بعرفات مع النَّاس على ناقة، له حمراء قصواء تحته قطيفة بولانية، وهو
يقول: ((اللهم اجعلها حجة غير رياءً ولا مناً ولا سمعة)).
والنَّاس يقولون: هذا رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم.
وقال الإمام أحمد: حدثنا عبد الله بن إدريس، ثنا ابن إسحاق عن يحيى
بن عباد بن عبد الله بن الزبير، عن أبيه أن أسماء بنت أبي بكر قالت:
خرجنا مع النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم حجاجاً حتَّى أدركنا بالعرج،
نزل رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم فجلست عائشة إلى جنب رسول الله
صلَّى الله عليه وسلَّم وجلست إلى جنب أبي، وكانت زمالة رسول الله
صلَّى الله عليه وسلَّم وزمالة أبي بكر واحدة مع غلام أبي بكر، فجلس
أبو بكر ينتظر أن يطلع عليه، فطلع عليه وليس معه بعيره فقال: أين
بعيرك؟.
فقال: أضللته البارحة.
فقال أبو بكر: بعير واحد تضله، فطفق يضربه، ورسول الله صلَّى الله
عليه وسلَّم يبتسم ويقول: ((انظروا إلى هذا المحرم وما
يصنع)).
وكذا رواه أبو داود عن أحمد بن حنبل، ومحمد بن عبد العزيز ابن أبي
رزمة.
وأخرجه ابن ماجه عن أبي بكر ابن أبي شيبة، ثلاثتهم عن عبد الله بن
إدريس به. (ج/ص:5/131)
فأما الحديث الذي رواه أبو بكر البزار في مسنده قائلاً: حدثنا
إسماعيل بن حفص، ثنا يحيى بن اليمان، ثنا حمزة الزيات عن حمران بن
أعين، عن أبي الطفيل، عن أبي سعيد قال: حجَّ النَّبيّ صلَّى الله
عليه وسلَّم وأصحابه مشاة من المدينة إلى مكة، قد ربطوا أوساطهم،
ومشيهم خلط الهرولة.
فإنه حديث منكر، ضعيف الإسناد، وحمزة بن حبيب الزيات ضعيف، وشيخ متروك
الحديث.
وقد قال البزار: لا يروى إلا من هذا الوجه وإن كان إسناده حسناً
عندنا، ومعناه: أنهم كانوا في عمرة، إن ثبت الحديث لأنه عليه السلام
إنما حج حجة واحدة وكان راكباً، وبعض أصحابه مشاة.
قلت: ولم يعتمر النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم في شيء من عمره
ماشياً لا في الحديبية، ولا في القضاء، ولا الجعرانة، ولا في حجة
الوداع، وأحواله عليه السلام أشهر وأعرف من أن تخفى على النَّاس، بل
هذا الحديث منكر شاذ لا يثبت مثله والله أعلم.
فصل
تقدَّم أنه عليه السلام صلَّى الظهر بالمدينة أربعاً، ثم ركب منها إلى
الحليفة وهي وادي العقيق فصلى بها العصر ركعتين، فدل على أنه جاء
الحليفة نهاراً في وقت العصر، فصلى بها العصر قصراً، وهي من المدينة
على ثلاثة أميال، ثم صلى بها المغرب والعشاء، وبات بها حتَّى أصبح،
فصلى بأصحابه وأخبرهم أنه جاءه الوحي من الليل بما يعتمده في
الإحرام.
كما قال الإمام أحمد: حدثنا يحيى بن آدم، ثنا زهير عن موسى بن عقبة،
عن سالم بن عبد الله بن عمر، عن عبد الله بن عمر، عن النَّبيّ صلَّى
الله عليه وسلَّم أنه أتى في المعرس من ذي الحليفة، فقيل له: إنك
ببطحاء مباركة.
وأخرجاه في الصحيحين من حديث موسى بن عقبة به.
وقال البخاري: حدثنا الحميدي، ثنا الوليد وبشر بن بكر قالا: ثنا
الأوزاعيّ، ثنا يحيى، حدثني عكرمه أنه سمع ابن عبَّاس أنه سمع ابن عمر
يقول: سمعت رسول الله بوادي العقيق يقول: ((أتاني الليلة آتٍ
من ربي فقال: صلِّ في هذا الوادي المبارك وقل عمرة في حجة)).
تفرَّد به دون مسلم.
فالظاهر: أنه أمره عليه السلام بالصلاة في وادي العقيق، هو أمر
بالإقامة به إلى أن يصلي صلاة الظهر، لأن الأمر إنما جاءه في الليل،
وأخبرهم بعد صلاة الصبح فلم يبق إلا صلاة الظهر فأمر أن يصليها هنالك،
وأن يوقع الإحرام بعدها.
ولهذا قال: ((أتاني الليلة آتٍ من ربي عز وجل فقال: صل في هذا
الوادي المبارك وقل عمرة في حجة)).
وقد احتج به على الأمر بالقرآن في الحج، وهو من أقوى الأدلة على ذلك
كما سيأتي بيانه قريباً.
والمقصود: أنه عليه السلام أمر بالإقامة بوادي العقيق إلى صلاة
الظهر، وقد امتثل صلوات الله وسلامه عليه ذلك، فأقام هنالك وطاف على
نسائه في تلك الصبيحة وكن تسع نسوة، وكلهن خرج معه، ولم يزل هنالك
حتَّى صلى الظهر، كما سيأتي في حديث أبي حسان الأعرج عن ابن عبَّاس أن
رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم صلى الظهر بذي الحليفة، ثم أشعر
بدنته، ثم ركب فأهلَّ، وهو عند مسلم. (ج/ص:5/132)
وهكذا قال الإمام أحمد: حدثنا روح، ثنا أشعث - هو ابن عبد الملك - عن
الحسن، عن أنس أن رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم صلى الظهر ثم ركب
راحلته، فلما علا شرف البيداء أهلّ.
ورواه أبو داود عن أحمد بن حنبل والنسائي عن إسحاق بن راهويه، عن النضر
بن شميل، عن أشعث بمعناه.
وعن أحمد بن الأزهر عن محمد بن عبد الله الأنصاري، عن أشعث أتم منه.
وهذا فيه رد على ابن حزم حيث زعم أن ذلك في صدر النهار، وله أن يعتضد
بما رواه البخاري: من طريق أيوب عن رجل، عن أنس أن رسول الله بات بذي
الحليفة حتَّى أصبح، فصلى الصبح ثم ركب راحلته، حتَّى إذا استوت به
البيداء أهلّ بعمرة وحج.
ولكن في إسناده رجل مبهم، والظاهر أنه أبو قلابة والله أعلم.
قال مسلم في صحيحه: حدثنا يحيى بن حبيب الحارثي، ثنا خالد - يعني:
ابن الحارث - ثنا شعبة عن إبراهيم بن محمد بن المنتشر، سمعت أبي يحدِّث
عن عائشة أنها قالت: كنت أطيب رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم ثم
يطوف على نسائه، ثم يصبح محرماً ينضح طيباً.
وقد رواه البخاري من حديث شعبة، وأخرجاه من حديث أبي عوانة، زاد مسلم
ومسعر، وسفيان ابن سعيد الثوري أربعتهم عن إبراهيم بن محمد بن المنتشر
به.
وفي رواية لمسلم عن إبراهيم بن محمد بن المنتشر عن أبيه قال: سألت
عبد الله بن عمر عن الرجل يتطيب ثم يصبح محرماً.
قال: ما أحب أني أصبح محرماً أنضح طيباً، لأن أطلي القطران أحب إليّ
من أن أفعل ذلك.
فقالت عائشة: أنا طيَّبت رسول الله عند إحرامه، ثم طاف في نسائه ثم
أصبح محرماً.
وهذا اللفظ الذي رواه مسلم يقتضي أنه كان صلَّى الله عليه وسلَّم يتطيب
قبل أن يطوف على نسائه، ليكون ذلك أطيب لنفسه وأحب إليهن، ثم لما اغتسل
من الجنابة وللإحرام تطيب أيضاً للإحرام طيبا آخر.
كما رواه التِّرمذي والنسائي من حديث عبد الرحمن ابن أبي الزناد عن
أبيه، عن خارجة بن زيد بن ثابت، عن أبيه أنه رأى رسول الله صلَّى الله
عليه وسلَّم تجرَّد لإهلاله واغتسل.
وقال التِّرمذي: حسن غريب.
وقال الإمام أحمد: حدثنا زكريا بن عدي، أنبأنا عبيد الله بن عمرو عن
عبد الله بن محمد بن عقيل، عن عروة، عن عائشة قالت: كان رسول الله
صلَّى الله عليه وسلَّم إذا أراد أن يُحرم غسل رأسه بخطمي وأشنان،
ودهنه بشيء من زيت غير كثير.
الحديث تفرَّد به أحمد.
وقال أبو عبد الله محمد بن إدريس الشافعي رحمه الله: أنبأنا سفيان بن
عيينة، عن عثمان بن عروة: سمعت أبي يقول: سمعت عائشة تقول:
طيَّبت رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم لحرمه ولحله.
قلت لها: بأي طيب؟
قال: بأطيب الطِّيب.
وقد رواه مسلم من حديث سفيان بن عيينة.
وأخرجه البخاري من حديث وهب عن هشام بن عروة عن أخيه عثمان، عن أبيه
عروة، عن عائشة به.
وقال البخاري: حدثنا عبد الله بن يوسف، أنبأنا مالك عن عبد الرحمن بن
القاسم، عن أبيه، عن عائشة قالت: كنت أطيِّب رسول الله صلَّى الله
عليه وسلَّم لإحرامه حين يحرم، ولحله قبل أن يطوف بالبيت.
وقال مسلم: حدثنا عبد بن حميد، أنبأنا محمد ابن أبي بكر، أنبأنا ابن
جريج، أخبرني عمر بن عبد الله بن عروة، أنه سمع عروة والقاسم يخبرانه
عن عائشة قالت: طيبت رسول الله بيدي بذريرة في حجة الوداع للحل
والإحرام. (ج/ص:5/133)
وروى مسلم من حديث سفيان بن عيينة عن الزُّهري، عن عروة عن عائشة
قالت: طيَّبت رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم بيدي هاتين لحرمه حين
أحرم، ولحله قبل أن يطوف بالبيت.
وقال مسلم: حدثني أحمد بن منيع، ويعقوب الدورقي قالا: ثنا هشيم،
أنبأنا منصور عن عبد الرحمن بن القاسم، عن أبيه، عن عائشة قالت: كنت
أطيِّب النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم قبل أن يحرم ويحل، ويوم النحر
قبل أن يطوف بالبيت بطيب فيه مسك.
وقال مسلم: حدثنا أبو بكر ابن أبي شيبة، وزهير بن حرب قالا: ثنا
وكيع ثنا الأعمش عن أبي الضحى، عن مسروق، عن عائشة قالت: كأني أنظر
إلى وبيص المسك في مفرق رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم وهو
يلبِّي.
ثم رواه مسلم من حديث الثوري وغيره عن الحسن بن عبيد الله، عن إبراهيم،
عن الأسود، عن عائشة قالت: كأني أنظر إلى وبيص المسك في مفرق رسول
الله صلَّى الله عليه وسلَّم وهو مُحرم.
ورواه البخاري من حديث سفيان الثوري، ومسلم من حديث الأعمش كلاهما عن
منصور، عن إبراهيم، عن الأسود عنها.
وأخرجاه في الصحيحين من حديث شعبة عن الحكم بن إبراهيم، عن الأسود، عن
عائشة.
وقال أبو داود الطيالسي: أنبأنا أشعث عن منصور، عن إبراهيم، عن
الأسود، عن عائشة قالت: كأني أنظر إلى وبيص الطِّيب في أصول شعر رسول
الله صلَّى الله عليه وسلَّم وهو مُحرم.
وقال الإمام أحمد: حدثنا عفان، ثنا حماد بن سلمة عن إبراهيم النخعي،
عن الأسود، عن عائشة قالت: كأني أنظر إلى وبيص الطِّيب في مفرق
النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم بعد أيام وهو مُحرم.
وقال عبد الله بن الزبير الحميدي: ثنا سفيان بن عيينة، ثنا عطاء بن
السائب عن إبراهيم النخعي، عن الأسود، عن عائشة قالت: رأيت الطيب في
مفرق رسول الله بعد ثالثة، وهو مُحرم.
فهذه الأحاديث دالة على أنه عليه السلام تطيَّب بعد الغُسل، إذ لو كان
الطيب قبل الغسل لذهب به الغسل ولما بقي له أثر، ولا سيما بعد ثلاثة
أيام من يوم الإحرام.
وقد ذهب طائفة من السلف منهم: ابن عمر، إلى كراهة التطيب عند
الإحرام، وقد روينا هذا الحديث من طريق ابن عمر عن عائشة فقال الحافظ
البيهقي: أنبأنا أبو الحسين ابن بشران - ببغداد - أنبأنا أبو الحسن
علي بن محمد المصري، ثنا يحيى بن عثمان بن صالح، ثنا عبد الرحمن ابن
أبي العمر، ثنا يعقوب بن عبد الرحمن عن موسى بن عقبة، عن نافع، عن ابن
عمر، عن عائشة أنها قالت: طيَّبت رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم
بالغالية الجيدة عند إحرامه. (ج/ص:5/134)
وهذا إسناد غريب عزيز المخرج.
ثم إنه عليه السلام لبَّد رأسه ليكون أحفظ لما فيه من الطيب، وأصون له
من استقرار التراب والغبار.
قال مالك عن نافع عن ابن عمر: أن حفصة زوج النَّبيّ صلَّى الله عليه
وسلَّم قالت: يا رسول الله ما شأن النَّاس حلُّوا من العمرة ولم تحل
أنت من عمرتك؟
قال: ((إني لبدت رأسي، وقلدت هدي، فلا أحل حتَّى أنحر)).
وأخرجاه في الصحيحين من حديث مالك، وله طرق كثيرة عن نافع.
قال البيهقي: أنبأنا الحاكم، أنبأنا الأصم، أنبأنا يحيى، ثنا عبيد
الله بن عمر القواريري، ثنا عبد الأعلى، ثنا محمد بن إسحاق عن نافع، عن
ابن عمر أن رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم لبَّد رأسه بالعسل.
وهذا إسناد جيد.
ثم أنه عليه السلام أشعر الهدي وقلَّده، وكان معه بذي الحليفة.
قال الليث عن عقيل، عن الزُّهري، عن سالم، عن أبيه: تمتَّع رسول الله
صلَّى الله عليه وسلَّم في حجة الوداع بالعمرة إلى الحج، وأهدى فساق
معه الهجدي من ذي الحليفة.
وسيأتي الحديث بتمامه، وهو في الصحيحين، والكلام عليه إن شاء الله.
وقال مسلم: حدثنا محمد بن المثنى، ثنا معاذ بن هشام - هو الدستوائي -
حدثني أبي عن قتادة، عن أبي حسان، عن ابن عبَّاس أن رسول الله صلَّى
الله عليه وسلَّم لما أتى ذا الحليفة دعا بناقته فأشعرها في صفحة
سنامها الأيمن، وسلت الدم، وقلَّدها نعلين، ثم ركب راحلته.
وقد رواه أهل السنن الأربعة من طرق عن قتادة.
وهذا يدل على أنه عليه السلام تعاطى هذا الإشعار والتقليد بيده الكريمة
في هذه البدنة، وتولى إشعار بقية الهدي وتقليده غيره، فإنه قد كان
هَدْي كثير، إما مائة بدنة أو أقل منها بقليل، وقد ذبح بيده الكريمة
ثلاثاً وستين بدنة، وأعطى علياً فذبح ما غبر.
وفي حديث جابر أن علياً قدم من اليمن ببدن للنبي صلَّى الله عليه
وسلَّم.
وفي سياق ابن إسحاق أنه عليه السلام أشرك علياً في بدنه والله أعلم.
وذكر غيره أنه ذبح هو وعلي يوم النحر مائة بدنة.
فعلى هذا يكون قد ساقها معه من ذي الحليفة، وقد يكون اشترى بعضها بعد
ذلك وهو مُحرم.
باب: بيان الموضع الذي أهلَّ منه عليه السلام واختلاف الناقلين لذلك
وترجيح الحق في ذلك
تقدَّم الحديث الذي رواه البخاري من حديث الأوزاعيّ عن يحيى ابن أبي
كثير، عن عكرمة، عن ابن عبَّاس، عن عمر سمعت رسول الله صلَّى الله عليه
وسلَّم بوادي العقيق يقول: ((أتاني آتٍ من ربي فقال: صلِّ في
هذا الوادي المبارك وقل عمرة في حجة)). (ج/ص:5/135)
وقال البخاري - باب الإهلال عند مسجد ذي الحليفة -: حدثنا علي بن عبد
الله، ثنا سفيان، ثنا موسى بن عقبة سمعت سالم بن عبد الله، وحدثنا عبد
الله بن مسلمة، ثنا مالك عن موسى بن عقبة، عن سالم بن عبد الله، أنه
سمع أباه يقول: ما أهلَّ رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم إلا من
عند المسجد - يعني: مسجد ذي الحليفة -.
وقد رواه الجماعة إلا ابن ماجه من طرق عن موسى بن عقبة.
وفي رواية لمسلم عن موسى بن عقبة، عن سالم ونافع، وحمزة بن عبد الله بن
عمر، ثلاثتهم عن عبد الله بن عمر، فذكره وزاد فقال: لبيك.
وفي رواية لهما من طريق مالك عن موسى بن عقبة عن سالم قال: قال عبد
الله بن عمر: بيداؤكم هذه التي تكذبون فيها على رسول الله صلَّى الله
عليه وسلَّم أهلَّ رسول الله من عند المسجد.
وقد روي عن ابن عمر خلاف هذا، كما يأتي في الشق الآخر.
وهو ما أخرجاه في الصحيحين: من طريق مالك عن سعيد المقبري، عن عبيد
بن جريج، عن ابن عمر فذكر حديثاً فيه أن عبد الله قال: وأما الإهلال
فإني لم أر رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم يهل حتَّى تنبعث به
راحلته.
وقال الإمام أحمد: حدثنا يعقوب، حدثنا أبي عن ابن إسحاق، حدثني خصيف
بن عبد الرحمن الجزري، عن سعيد بن جبير قال: قلت لعبد الله بن
عبَّاس: يا أبا العبَّاس عجباً لاختلاف أصحاب رسول الله صلَّى الله
عليه وسلَّم في إهلال رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم حين أوجب.
فقال: إني لأعلم النَّاس بذلك، إنما كانت من رسول الله صلَّى الله
عليه وسلَّم حجة واحدة فمن هناك اختلفوا، خرج رسول الله صلَّى الله
عليه وسلَّم حاجاً، فلما صلى في مسجده بذي الحليفة ركعتيه، أوجب في
مجلسه فأهلَّ بالحج حين فرغ من ركعتيه، فسمع ذلك منه قوم فحفظوا عنه،
ثم ركب، فلما استقلت به ناقته أهلَّ وأدرك ذلك منه أقوام، وذلك أن
النَّاس إنما كانوا يأتون إرسالاً، فسمعوه حين استقلت به ناقته يهل.
فقالوا: إنما أهلَّ رسول الله حين استقلت به ناقته، ثم مضى رسول الله
حين علا شرف البيداء، وأيم الله لقد أوجب في مُصلاه، وأهلَّ حين استقلت
به ناقته، وأهلَّ حين علا شرف البيداء، فمن أخذ بقول عبد الله بن
عبَّاس أنه أهلَّ في مصلاه إذا فرغ من ركعتيه.
وقد رواه التِّرمذي والنسائي جميعاً عن قتيبة، عن عبد السلام بن حرب،
عن خصيف به نحوه.
وقال التِّرمذي: حسن غريب لا نعرف أحد رواه غير عبد السلام كذا قال،
وقد تقدَّم رواية الإمام أحمد له من طريق محمد ابن إسحاق عنه.
وكذلك رواه الحافظ البيهقي عن الحاكم، عن القطيعي، عن عبد الله بن
أحمد، عن أبيه ثم قال: خصيف الجزري غير قوي.
وقد رواه الواقدي بإسناد له عن ابن عبَّاس.
قال البيهقي: إلا أنه لا ينفع متابعة الواقدي، والأحاديث التي وردت
في ذلك عن عمر وغيره مسانيدها قوية ثابتة، والله تعالى أعلم.
(ج/ص:5/136)
قلت: فلو صح هذا الحديث، لكان فيه جمع لما بين الأحاديث من الاختلاف،
وبسط لعذر من نقل خلاف الواقع، ولكن في إسناده ضعف، ثم قد روي عن ابن
عبَّاس وابن عمر خلاف ما تقدم عنهما، كما سننبه عليه ونبينه.
وهكذا ذكر من قال: أنه عليه السلام أهلَّ حين استوت به راحلته.
قال البخاري: حدثنا عبد الله بن محمد، ثنا هشام بن يوسف، أنبأنا ابن
جريج، حدثني محمد بن المنكدر عن أنس بن مالك قال: صلَّى النَّبيّ
صلَّى الله عليه وسلَّم بالمدينة أربعاً، وبذي الحليفة ركعتين، ثم بات
حتَّى أصبح بذي الحليفة فلما ركب راحلته واستوت به أهلَّ.
وقد رواه البخاري و مسلم وأهل السنن من طرق عن محمد بن المنكدر،
وإبراهيم بن ميسرة، عن أنس.
وثابت في الصحيحين من حديث مالك عن سعيد المقبري، عن عبيد بن جريج، عن
ابن عمر قال: وأما الإهلال فإني لم أر رسول الله يهل حتَّى تنبعث به
راحلته.
وأخرجا في الصحيحين من رواية ابن وهب عن يونس عن الزُّهري، عن سالم، عن
أبيه أن رسول الله كان يركب راحلته بذي الحليفة، ثم يهل حين تستوي به
قائمة.
وقال البخاري - باب من أهلَّ حين استوت به راحلته -: حدثنا أبو عاصم،
ثنا ابن جريج، أخبرني صالح بن كيسان عن نافع، عن ابن عمر قال: أهلَّ
النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم حين استوت به راحلته قائمة.
وقد رواه مسلم والنسائي من حديث ابن جريج به.
وقال مسلم: حدثنا أبو بكر ابن أبي شيبة، ثنا علي بن مسهر، عن عبيد
الله عن نافع، عن ابن عمر قال: كان رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم
إذا وضع رجله في الغرز وانبعثت به راحلته قائمة أهل من ذي الحليفة.
انفرد به مسلم من هذا الوجه.
وأخرجاه من وجه آخر عن عبيد الله بن عمر عن نافع عنه.
ثم قال البخاري - باب الإهلال مستقبل القبلة -: قال أبو معمر:
حدثنا عبد الوارث، حدثنا أيوب عن نافع قال: كان ابن عمر إذ صلى
الغداة بذي الحليفة أمر براحلته فرحلت ثم ركب، فإذا استوت به استقبل
القبلة قائماً، ثم يلبي حتَّى يبلغ الحرم، ثم يمسك حتَّى إذا جاء ذا
طوى بات به حتَّى يصبح، فإذا صلى الغداة اغتسل، وزعم أن رسول الله
صلَّى الله عليه وسلَّم فعل ذلك.
ثم قال: تابعه إسماعيل عن أيوب في الغسل.
وقد علَّق البخاري أيضاً هذا الحديث في (كتاب الحج) عن محمد بن
عيسى، عن حماد بن زيد، وأسنده فيه عن يعقوب بن إبراهيم الدورقي، عن
إسماعيل - هو ابن علية -.
ورواه مسلم عن زهير بن حرب، عن إسماعيل، وعن أبي الربيع الزهراني وغيره
عن حماد بن زيد، ثلاثتهم عن أيوب، عن أبي تميمة السختياني به.
ورواه أبو داود عن أحمد بن حنبل عن إسماعيل بن علية به.
ثم قال البخاري: حدثنا سليمان أبو الربيع، ثنا فليح عن نافع قال:
كان ابن عمر إذا أراد الخروج إلى مكة ادَّهن بدهن ليس له رائحة طيبة،
ثم يأتي مسجد ذي الحليفة فيصلي، ثم يركب فإذا استوت به راحلته قائمة
أحرم، ثم قال: هكذا رأيت رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم يفعل.
(ج/ص:5/137)
تفرَّد به البخاري من هذا الوجه.
وروى مسلم عن قتيبة، عن حاتم بن إسماعيل، عن موسى بن عقبة، عن سالم، عن
أبيه قال: بيداؤكم هذه التي تكذبون على رسول الله صلَّى الله عليه
وسلَّم فيها، والله ما أهلَّ رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم إلا عند
الشجرة حين قام به بعيره.
وهذا الحديث يجمع بين رواية ابن عمر الأولى وهذه الروايات عنه، وهو أن
الإحرام كان من عند المسجد، ولكن بعد ما ركب راحلته واستوت به على
البيداء - يعني: الأرض - وذلك قبل أن يصل إلى المكان المعروف
بالبيداء.
ثم قال البخاري في موضع آخر: حدثنا محمد ابن أبي بكر المقدمي، ثنا
فضيل بن سليمان، ثنا موسى بن عقبة، حدثني كريب عن عبد الله بن عبَّاس
قال: انطلق النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم من المدينة بعد ما ترجل
وادَّهن، ولبس إزاره ورداءه هو وأصحابه، وله ينه عن شيء من الأردية
والأزر تلبس، إلا المزعفرة التي تردع على الجلد، فأصبح بذي الحليفة،
ركب راحلته حتَّى استوى على البيداء أهلَّ هو وأصحابه، وقلَّد بدنه،
وذلك لخمس بقين من ذي القعدة، فقدم مكة لأربع خلون من ذي الحجة، فطاف
بالبيت وسعى بين الصفا والمروة، ولم يحل من أجل بدنه لأنه قلَّدها، لم
تزل بأعلا مكة عند الحجون وهو مهلّ بالحج، ولم يقرب الكعبة بعد طوافه
بها حتَّى رجع من عرفة، وأمر أصحابه أن يطوفوا بالبيت وبين الصفا
والمروة، ثم يقصروا من رؤوسهم ثم يحلوا، وذلك لمن لم يكن معه بدنة
قلَّدها، ومن كانت معه امرأته فهي له حلال والطيب والثياب.
انفرد به البخاري.
وقد روى الإمام أحمد عن بهز بن أسد وحجاج، وروح بن عبادة، وعفان بن
مسلم، كلهم عن شعبة قال: أخبرني قتادة قال: سمعت أبا حسان الأعرج
الأجرد، وهو مسلم بن عبد الله البصري عن ابن عبَّاس.
قال: صلى رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم الظهر بذي الحليفة، ثم
دعا ببدنته فأشعر صفحة سنامها الأيمن، وسلت الدم عنها، وقلَّدها نعلين،
ثم دعا براحلته فلما استوت على البيداء أهلَّ بالحج.
ورواه أيضاً عن هشيم: أنبأنا أصحابنا منهم شعبة فذكر نحوه.
ثم رواه الإمام أحمد أيضاً عن روح وأبي داود الطيالسي، ووكيع بن
الجراح، كلهم عن هشام الدستوائي عن قتادة به نحوه.
ومن هذا الوجه رواه مسلم في صحيحه، وأهل السنن في كتبهم.
فهذه الطرق عن ابن عبَّاس من أنه عليه السلام أهلَّ حين استوت به
راحلته أصح وأثبت من رواية خصيف الجزري عن سعيد بن جبير عنه، والله
أعلم.
وهكذا الرواية المثبتة المفسرة أنه أهلَّ حين استوت به الراحلة مقدمة
على الأخرى لاحتمال أنه أحرم من عند المسجد حين استوت به راحلته، ويكون
رواية ركوبه الراحلة فيها زيادة علم على الأخرى والله أعلم.
(ج/ص:5/138)
ورواية أنس في ذلك سالمة عن المعارض، وهكذا رواية جابر بن عبد الله في
صحيح مسلم من طريق جعفر الصادق عن أبيه، عن أبي الحسين زين العابدين،
عن جابر في حديثه الطويل الذي سيأتي، أن رسول الله صلَّى الله عليه
وسلَّم أهلَّ حين استوت به راحلته سالمة عن المعارض والله أعلم.
وروى البخاري: من طريق الأوزاعيّ سمعت عطاء، عن جابر بن عبد الله أن
إهلال رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم من ذي الحليفة حين استوت به
راحلته.
فأما الحديث الذي رواه محمد بن إسحاق بن يسار عن أبي الزناد، عن عائشة
بنت سعد قالت: قال سعد: كان رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم إذا
أخذ طريق الفرع أهلَّ إذا استقلت به راحلته وإذا أخذ طريقاً أخرى،
أهلَّ إذا علا على شرف البيداء.
فرواه أبو داود والبيهقي من حديث ابن إسحاق، وفيه غرابة ونكارة والله
أعلم.
فهذه الطرق كلها دالة على القطع أو الظن الغالب أنه عليه السلام أحرم
بعد الصلاة، وبعد ما ركب راحلته، وابتدأت به السير.
زاد ابن عمر في روايته: وهو مستقبل القبلة.
باب: بسط البيان لما أحرم به عليه السلام في حجته هذه من الإفراد
والتمتع أو القران
رواية عائشة أم المؤمنين في ذلك قال أبو عبد الله محمد بن إدريس
الشافعي: أنبأنا مالك عن عبد الرحمن بن القاسم، عن أبيه، عن عائشة أن
رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم أفرد الحج.
ورواه مسلم عن إسماعيل، عن أبي أويس ويحيى بن يحيى عن مالك.
ورواه الإمام أحمد عن عبد الرحمن بن مهدي عن مالك به.
وقال أحمد: حدثنا إسحاق بن عيسى، حدثني المنكدر بن محمد عن ربيعة ابن
أبي عبد الرحمن، عن القاسم بن محمد، عن عائشة أن رسول الله صلَّى الله
عليه وسلَّم أفرد الحج.
وقال الإمام أحمد: ثنا شريح، ثنا ابن أبي الزناد عن أبيه، عن عروة،
عن عائشة، وعن علقمة ابن أبي علقمة، عن أمه، عن عائشة، وعن هشام بن
عروة، عن أبيه، عن عائشة أن رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم أفرد
الحج.
تفرَّد به أحمد من هذه الوجوه عنها. (ج/ص:5/139)
وقال الإمام أحمد: حدثني عبد الأعلى بن حماد قال: قرأت على مالك بن
أنس عن أبي الأسود، عن عروة، عن عائشة أن رسول الله صلَّى الله عليه
وسلَّم أفرد الحج.
وقال: حدثنا روح، ثنا مالك عن أبي الأسود محمد بن عبد الرحمن بن نوفل
- وكان يتيماً في حجر عروة - عن عروة بن الزبير، عن عائشة أن رسول الله
صلَّى الله عليه وسلَّم أفرد الحج.
ورواه ابن ماجه عن أبي مصعب، عن مالك كذلك.
ورواه النسائي عن قتيبة، عن مالك، عن أبي الأسود، عن عروة، عن عائشة أن
رسول الله أهلَّ بالحج.
وقال أحمد أيضاً: ثنا عبد الرحمن عن مالك، عن أبي الأسود، عن عروة،
عن عائشة قالت: خرجنا مع رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم فمنا من
أهلَّ بالحج، ومنا من أهلَّ بالعمرة، ومنا من أهلَّ بالحج والعمرة،
وأهلَّ رسول الله بالحج؛ فأما من أهلَّ بالعمرة فأحلوا حين طافوا
بالبيت وبالصفا والمروة، وأما من أهلَّ بالحج أو بالحج والعمرة فلم
يحلوا إلى يوم النحر.
وهكذا رواه البخاري عن عبد الله بن يوسف، والقعيني وإسماعيل ابن أبي
أويس عن مالك.
ورواه مسلم عن يحيى بن يحيى، عن مالك به.
وقال أحمد: حدثنا سفيان عن الزُّهري، عن عروة، عن عائشة أهلَّ رسول
الله صلَّى الله عليه وسلَّم بالحج وأهلَّ ناس بالحج والعمرة، وأهلَّ
ناس بالعمرة.
ورواه مسلم عن ابن أبي عمر، عن سفيان بن عيينة به نحوه.
فأما الحديث الذي قال الإمام أحمد: ثنا قتيبة بن سعيد، ثنا عبد
العزيز بن محمد عن علقمة ابن أبي علقمة، عن أمه، عن عائشة أن رسول الله
صلَّى الله عليه وسلَّم أمر النَّاس في حجة الوداع فقال: ((من
أحب أن يبدأ بعمرة قبل الحج فليفعل)).
وأفرد رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم الحج ولم يعتمر.
فإنه حديث غريب جداً، تفرَّد به أحمد بن حنبل، وإسناده لا بأس به، ولكن
لفظه فيه نكارة شديدة، وهو قوله: ((فلم يعتمر)) فإن أريد
بهذا أنه لم يعتمر مع الحج ولا قبله هو قول من ذهب إلى الإفراد.
وإن أريد أنه لم يعتمر بالكلية لا قبل الحج ولا معه ولا بعده، فهذا مما
لا أعلم أحدا من العلماء قال به؛ ثم هو مخالف لما صح عن عائشة وغيرها
من أنه صلَّى الله عليه وسلَّم اعتمر أربع عمر كلهن في ذي القعدة إلا
التي مع حجته.
وسيأتي تقرير هذا في فصل القران مستقصى، والله أعلم.
وهكذا الحديث الذي رواه الإمام أحمد قائلاً في مسنده: حدثنا روح، ثنا
صالح ابن أبي الأخضر، ثنا ابن شهاب أن عروة أخبره أن عائشة زوج
النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم قالت: أهلَّ رسول الله بالحج
والعمرة في حجة الوداع، وساق معه الهدي، وأهلَّ ناس بالعمرة وساقوا
الهدي، وأهلَّ ناس بالعمرة ولم يسوقوا هدياً.
قالت عائشة: وكنت ممن أهلَّ بالعمرة ولم أسق هدياً، فلما قدم رسول
الله صلَّى الله عليه وسلَّم قال: ((من كان منكم أهلَّ بالعمرة
فساق معه الهدي فليطف بالبيت وبالصفا والمروة، ولا يحل منه شيء حرم منه
حتَّى يقضي حجه وينحر هديه يوم النحر، ومن كان منكم أهلَّ بالعمرة ولم
يسق معه هدياً فليطف بالبيت وبالصفا والمروة ثم ليقصر وليحلل، ثم ليهل
بالحج وليهد، فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجع إلى
أهله)).
قالت عائشة: فقدَّم رسول الله الحج الذي خاف فوته، وأخَّر العمرة.
فهو حديث من أفراد الإمام أحمد، وفي بعض ألفاظه نكارة، ولبعضه شاهد في
الصحيح، وصالح ابن أبي الأخضر ليس من علية أصحاب الزُّهري، لا سيما إذا
خالفه غيره كما ههنا في بعض ألفاظ سياقه هذا.
وقوله: ((فقدَّم الحج الذي يخاف فوته، وأخَّر العمرة)) لا
يلتئم مع أول الحديث أهلَّ بالحج والعمرة، فإن أراد أنه أهلَّ بهما في
الجملة، وقدَّم أفعال الحج، ثم بعد فراغه أهلَّ بالعمرة، كما يقوله من
ذهب إلى الإفراد، فهو مما نحن فيه ههنا.
وإن أراد أنه أخَّر العمرة بالكلية بعد إحرامه بها، فهذا لا أعلم أحداً
من العلماء صار إليه.
وإن أراد أنه المقضي بأفعال الحج عن أفعال العمرة ودخلت العمرة في
الحج، فهذا قول من ذهب إلى القران، وهم يؤولون قول من روى أنه عليه
الصلاة والسلام أفرد الحج - أي: أفرد أفعال الحج - وإن كان قد نوى
معه العمرة، قالوا: لأنه قد روى القرآن كل من روى الإفراد، كما سيأتي
بيانه، والله تعالى أعلم. (ج/ص:5/140)
رواية جابر بن عبد الله في الإفراد: قال الإمام أحمد: حدثنا أبو
معاوية، ثنا الأعمش عن أبي سفيان، عن جابر بن عبد الله قال: أهلَّ
رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم في حجته بالحج.
إسناده جيد على شرط مسلم.
ورواه البيهقي عن الحاكم، وغيره عن الأصم، عن أحمد بن عبد الجبار، عن
أبي معاوية، عن الأعمش، عن أبي سفيان، عن جابر قال: أهلَّ رسول الله
في حجته بالحج ليس معه عمرة.
وهذه الزيادة غريبة جداً، ورواية الإمام أحمد بن حنبل أحفظ، والله
أعلم.
وفي صحيح مسلم من طريق جعفر بن محمد عن أبيه، عن جابر قال: أهللنا
بالحج لسنا نعرف العمرة.
وقد روى ابن ماجه عن هشام بن عمار، عن الداروردي وحاتم بن إسماعيل،
كلاهما عن جعفر بن محمد، عن أبيه، عن جابر أن رسول الله صلَّى الله
عليه وسلَّم أفرد الحج، وهذا إسناد جيد.
وقال الإمام أحمد: ثنا عبد الوهاب الثقفي، ثنا حبيب - يعني: المعلم
- عن عطاء، حدثني جابر بن عبد الله أن رسول الله صلَّى الله عليه
وسلَّم أهلَّ هو وأصحابه بالحج ليس مع أحد منهم هدي إلا النَّبيّ صلَّى
الله عليه وسلَّم وطلحة، وذكر تمام الحديث.
وهو في صحيح البخاري بطوله كما سيأتي، عن محمد بن المثنى، عن عبد
الوهاب رواية عبد الله بن عمر للإفراد.
قال الإمام أحمد: حدثنا إسماعيل بن محمد، ثنا عباد - يعني: ابن
عباد -، حدثني عبيد الله بن عبد الله بن عمر عن نافع، عن ابن عمر
قال: أهللنا مع النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم بالحج مفرداً.
ورواه مسلم في صحيحه عن عبد الله بن عون، عن عباد بن عباد، عن عبيد
الله بن عمر، عن نافع، عن ابن عمر أن رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم
أهلَّ بالحج مفرداً.
وقال الحافظ أبو بكر البزار: ثنا الحسن بن عبد العزيز، ومحمد بن
مسكين قالا: ثنا بشر بن بكر، ثنا سعيد بن عبد العزيز بن زيد بن أسلم،
عن ابن عمر أن رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم أهل بالحج يعني: -
مفردا - إسناده جيد، ولم يخرِّجوه.
رواية ابن عبَّاس للإفراد: روى الحافظ البيهقي من حديث روح بن عبادة
عن شعبة، عن أيوب، عن أبي العالية البراء، عن ابن عبَّاس أنه قال:
أهلَّ رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم بالحج فقدم لأربع مضين من ذي
الحجة، فصلى بنا الصبح بالبطحاء ثم قال: ((من شاء أن يجعلها عمرة
فليجعلها))
ثم قال: رواه مسلم عن إبراهيم بن دينار، عن ابن روح، وتقدم من رواية
قتادة عن أبي حسان الأعرج، عن ابن عبَّاس أن رسول الله صلَّى الله عليه
وسلَّم صلى الظهر بذي الحليفة، ثم أتى ببدنة فأشعر صفحة سنامها الأيمن،
ثم أتى براحلته فركبها، فلما استوت به على البيداء أهلَّ بالحج، وهو في
صحيح مسلم أيضاً. (ج/ص:5 /141)
وقال الحافظ أبو الحسن الدارقطني: ثنا الحسين بن إسماعيل، ثنا أبو
بكر ابن عياش، ثنا أبو حصين عن عبد الرحمن بن الأسود، عن أبيه قال:
حججت مع أبي بكر فجرَّد، ومع عمر فجرَّد، ومع عثمان فجرَّد.
تابعه الثوري عن أبي حصين، وهذا إنما ذكرناه ههنا لأن الظاهر: أن
هؤلاء الأئمة رضي الله عنهم إنما يفعلون هذا عن توقيف، والمراد
بالتجريد ههنا: الإفراد، والله أعلم.
وقال الدارقطني: ثنا أبو عبيد الله القاسم بن إسماعيل، ومحمد بن مخلد
قالا: ثنا علي بن محمد بن معاوية الرزاز، ثنا عبد الله بن نافع عن
عبد الله بن عمر، عن نافع، عن ابن عمر أن النَّبيّ صلَّى الله عليه
وسلَّم استعمل عتاب بن أسيد على الحج فأفرد، ثم استعمل أبا بكر سنة تسع
فأفرد الحج، ثم حجَّ النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم سنة عشر فأفرد
الحج، ثم توفي رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم واستخلف أبو بكر، فبعث
عمر فأفرد الحج، ثم حجَّ أبو بكر فأفرد الحج، وتوفي أبو بكر واستخلف
عمر، فبعث عبد الرحمن بن عوف فأفرد الحج، ثم حج فأفرد الحج، ثم حصر .
عثمان فأقام عبد الله بن عبَّاس للناس فأفرد الحج.
في إسناده عبد الله بن عمر العمري، وهو ضعيف، لكن قال الحافظ
البيهقي: له شاهد بإسناد صحيح.
ذكر ما قاله أنه صلَّى الله عليه وسلَّم حج متمتعا
قال الإمام أحمد: حدثنا حجاج، ثنا ليث، حدثني عقيل عن ابن شهاب، عن
سالم بن عبد الله أن عبد الله بن عمر قال: تمتع رسول الله صلَّى الله
عليه وسلَّم في حجة الوداع بالعمرة إلى الحج، وأهلَّ فساق الهدي من ذي
الحليفة، وبدا رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم فأهلَّ بالعمرة ثم أهل
بالحج، وكان من النَّاس من أهدى فَسَاقَ الهدي من ذي الحليفة، ومنهم من
لم يهد، فلما قدم رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم مكة قال للناس:
((من كان منكم أهدى فإنه لا يحل من شيء حرم منه حتَّى يقضي حجته،
ومن لم يكن أهدى فليطف بالبيت وبالصفا والمروة، وليقصر وليحلل، ثم ليهل
بالحج وليهد، فمن لم يجد هدياً فليصم ثلاثة أيام، وسبعة إذا رجع إلى
أهله)).
وطاف رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم حين قدم مكة استلم الحجر أول
شيء، ثم خب ثلاثة أشواط من السبع، ومشى أربعة أطواف، ثم ركع حين قضى
طوافه بالبيت عند المقام ركعتين، ثم سلم فانصرف، فأتى الصفا فطاف
بالصفا والمروة، ثم لم يحلل من شيء حرم منه حتَّى قضى حجه، ونحر هديه
يوم النحر، وأفاض فطاف بالبيت، وفعل مثل ما فعل رسول الله صلَّى الله
عليه وسلَّم من أهدى فساق الهدي من النَّاس.
قال الإمام أحمد: وحدثنا حجاج، ثنا ليث، حدثني عقيل عن ابن شهاب، عن
عروة بن الزبير، أن عائشة أخبرته، عن رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم
في تمتعه بالعمرة إلى الحج، وتمتع النَّاس معه بمثل الذي أخبرني سالم
بن عبد الله عن عبد الله، عن رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم.
وقد روى هذا الحديث البخاري عن يحيى بن بكير. (ج/ص:5/142)
ومسلم وأبو داود عن عبد الملك بن شعيب، عن الليث، عن أبيه.
والنسائي عن محمد بن عبد الله بن المبارك المخرمي، عن حجين بن المثنى،
ثلاثتهم عن الليث بن سعد، عن عقيل، عن الزُّهري، عن عروة، عن عائشة كما
ذكره الإمام أحمد رحمه الله.
وهذا الحديث من المشكلات على كل من الأقوال الثلاثة.
أما قول الإفراد: ففي هذا إثبات عمرة، إما قبل الحج أو معه.
وأما على قول التمتع الخاص: فلأنه ذكر أنه لم يحل من إحرامه بعد ما
طاف بالصفا والمروة، وليس هذا شأن المتمتع.
ومن زعم أنه إنما منعه من التحلل سوق الهدي، كما قد يفهم من حديث ابن
عمر عن حفصة أنها قالت: يا رسول الله ما شأن النَّاس حلوا من العمرة،
ولم تحل أنت من عمرتك؟
فقال: ((إني لبَّدت رأسي، وقلدت هدي، فلا أحل حتَّى
أنحر)).
فقولهم بعيد لأن الأحاديث الواردة في إثبات القران ترد هذا القول،
وتأبى كونه عليه السلام إنما أهلَّ أولاً بعمرة، ثم بعد سعيه بالصفا
والمروة أهلَّ بالحج.
فإن هذا على هذه الصفة لم ينقله أحد بإسناد صحيح، بل ولا حسن ولا
ضعيف.
وقوله في هذا الحديث: تمتع رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم في حجة
الوداع بالعمرة إلى الحج، إن أريد بذلك التمتع الخاص، وهو الذي يحل منه
بعد السعي، فليس كذلك فإن في سياق الحديث ما يرده ثم في إثبات العمرة
القارنة لحجه عليه السلام ما يأباه، وإن أريد به التمتع العام دخل في
القران وهو المراد.
وقوله: وبدأ رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم فأهلَّ بالعمرة ثم
أهلَّ بالحج، إن أريد به بدأ بلفظ العمرة على لفظ الحج بأن قال:
((لبيك اللهم عمرة وحجاً)) فهذا سهل ولا ينافي القرآن.
وإن أريد به أنه أهلَّ بالعمرة أولاً ثم أدخل عليها الحج متراخٍ، ولكن
قبل الطواف قد صار قارناً أيضاً، وإن أريد به أنه أهلَّ بالعمرة ثم فرغ
من أفعالها تحلل أو لم يتحلل بسوق الهدي، كما زعمه زاعمون، ولكنه أهلَّ
بحج بعد قضاء مناسك العمرة وقبل خروجه إلى منى، فهذا لم ينقله أحد من
الصحابة كما قدمنا.
ومن ادعاه من النَّاس فقوله مردود لعدم نقله، ومخالفته الأحاديث
الواردة في إثبات القران كما سيأتي.
بل والأحاديث الواردة في الإفراد كما سبق والله أعلم والظاهر والله
أعلم.
و الظاهر و الله أعلم: أن حديث الليث هذا عن عقيل، عن الزُّهري، عن
سالم عن ابن عمر يروى من الطريق الأخرى عن ابن عمر حين أفرد الحج، ومن
محاصرة الحجاج لابن الزبير فقيل له: أن النَّاس كائن بينهم شيء فلو
أخرَّت الحج عامك هذا.
فقال: إذاً أفعل كما فعل النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم يعني:
زمن حصر عام الحديبية، فأحرم بعمرة من ذي الحليفة، ثم لما علا شرف
البيداء قال: ما أرى أمرهما إلا واحداً، فأهلَّ بحج معها، فاعتقد
الراوي أن رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم هكذا فعل سواء، بدأ فأهلَّ
بالعمرة ثم أهلَّ بالحج، فرووه كذلك.
وفيه نظر لما سنبينه، وبيان هذا في الحديث الذي رواه عبد الله بن وهب،
أخبرني مالك بن أنس وغيره أن نافعاً حدثهم أن عبد الله بن عمر خرج في
الفتنة معتمراً وقال: إن صددت عن البيت صنعنا كما صنع رسول الله
صلَّى الله عليه وسلَّم فخرج فأهلَّ بالعمرة، وسار حتَّى إذا ظهر على
ظاهر البيداء التفت إلى أصحابه فقال: ((ما أمرهما إلا واحد
أشهدكم أني قد أوجبت الحج مع العمرة)).
فخرج حتَّى جاء البيت فطاف به، وطاف بين الصفا والمروة سبعاً لم يزد
عليه، وأرى أن ذلك مجزياً عنه وأهدى.
وقد أخرجه صاحب الصحيح من حديث مالك. (ج/ص:5/143)
وأخرجاه من حديث عبيد الله عن نافع به.
ورواه عبد الرزاق عن عبيد الله، وعبد العزيز ابن أبي رواد، عن نافع به
نحوه.
وفيه ثم قال في آخره: هكذا فعل رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم.
وفيما رواه البخاري حيث قال: حدثنا قتيبة، ثنا ليث عن نافع أن ابن
عمر أراد الحج عام نزل الحجاج بابن الزبير.
فقيل له: إن النَّاس كائن بينهم قتال، وإنا نخاف أن يصدوك.
قال: لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة، إذاً أصنع كما صنع رسول
الله صلَّى الله عليه وسلَّم، إني أشهدكم أني قد أوجبت عمرة.
ثم خرج حتَّى إذا كان بظاهر البيداء قال: ((ما أرى من شأن الحج
والعمرة إلا واحداً، أشهدكم أني أوجبت حجاً مع عمرتي)).
فأهدى هدياً اشتراه بقديد، ولم يزد على ذلك، ولم ينحر ولم يحل من شيء
حرم منه، ولم يحلق ولم يقصر حتَّى كان يوم النحر فنحر وحلق، ورأى أن قد
قضى طواف الحج والعمرة بطوافه الأول.
وقال ابن عمر: كذلك فعل رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم.
وقال البخاري: حدثنا يعقوب بن إبراهيم، ثنا ابن علية عن أيوب، عن
نافع أن ابن عمر دخل عليه ابنه عبد الله بن عبد الله، وظهره في المدار
فقال: إني لا آمن أن يكون العام بين النَّاس قتال فيصدوك عن البيت
فلو أقمت.
قال: قد خرج رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم فحال كفار قريش بينه
وبين البيت، فإن حيل بيني وبينه أفعل كما فعل رسول الله صلَّى الله
عليه وسلَّم، فقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة، إذاً أصنع كما صنع
رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم إني أشهدكم أني قد أوجبت مع عمرتي
حجاً، ثم قدم فطاف لهما طوافاً واحداً.
وهكذا رواه البخاري عن أبي النعمان، عن حماد بن زيد، عن أيوب ابن أبي
تميمة السختياني، عن نافع به.
ورواه مسلم من حديثهما عن أيوب به.
فقد اقتدى ابن عمر رضي الله عنه برسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم في
التحلل عند حصر العدو والاكتفاء بطواف واحد عن الحج والعمرة، وذلك لأنه
كان قد أحرم أولاً بعمرة ليكون متمتعاً، فخشي أن يكون حَصر، فجمعهما
وأدخل الحج قبل العمرة قبل الطواف، فصار قارناً.
وقال: ما أرى أمرهما إلا واحداً - يعني: لا فرق بين أن يحصر
الإنسان عن الحج أو العمرة أو عنهما - فلما قدم مكة اكتفى عنهما بطوافه
الأول، كما صرَّح به في السياق الأول الذي أفردناه.
وهو قوله: ورأى أن قد قضى طواف الحج والعمرة بطوافه الأول.
قال ابن عمر: كذلك فعل رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم يعني: أنه
اكتفى عن الحج والعمرة بطواف واحد - يعني: بين الصفا والمروة - وفي
هذا دلالة على أن ابن عمر روى القران.
ولهذا روى النسائي عن محمد بن منصور، عن سفيان بن عيينة، عن أيوب بن
موسى، عن نافع أن ابن عمر قرن الحج والعمرة فطاف طوافاً واحداً.
ثم رواه النسائي عن علي بن ميمون الرقي، عن سفيان بن عيينة، عن إسماعيل
بن أمية، وأيوب بن موسى، وأيوب السختياني، وعبد الله بن عمر، أربعتهم
عن نافع أن ابن عمر أتى ذا الحليفة فأهلَّ بعمرة، فخشي أن يصد عن
البيت.
فذكر تمام الحديث من إدخاله الحج على العمرة، وصيرورته قارناً.
(ج/ص:5/144)
والمقصود: أن بعض الرواة لما سمع قول ابن عمر: إذاً أصنع كما صنع
رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم.
وقوله: كذلك فعل رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم اعتقد أن رسول
الله صلَّى الله عليه وسلَّم بدأ فأهلَّ بالعمرة، ثم أهلَّ بالحج
فأدخله عليها قبل الطواف، فرواه بمعنى ما فهم.
ولم يرد ابن عمر ذلك، وإنما أراد ما ذكرناه والله أعلم بالصواب، ثم
بتقدير أن يكون أهلَّ بالعمرة أولاً، ثم أدخل عليها الحج قبل الطواف،
فإنه يصير قارناً لا متمتعاً التمتع الخاص، فيكون فيه دلالة لمن ذهب
إلى أفضلية التمتع، والله تعالى أعلم.
وأما الحديث الذي رواه البخاري في صحيحه: حدثنا موسى بن إسماعيل، ثنا
همام عن قتادة، حدثني مطرف عن عمران قال: تمتعنا على عهد النَّبيّ
صلَّى الله عليه وسلَّم ونزل القران قال رجل برأيه ما شاء.
فقد رواه مسلم عن محمد بن المثنى، عن عبد الصمد بن عبد الوارث، عن
همام، عن قتادة به.
والمراد به: المتعة التي أعم من القران، والتمتع الخاص، ويدل على ذلك
ما رواه مسلم: من حديث شعبة وسعيد ابن أبي عروبة عن قتادة، عن مطرف،
عن عبد الله بن الشخير، عن عمران بن الحصين أن رسول الله صلَّى الله
عليه وسلَّم جمع بين حج وعمرة - وذكر تمام الحديث -.
وأكثر السلف يطلقون المتعة على القران كما قال البخاري: حدثنا قتيبة،
ثنا حجاج بن محمد الأعور عن شعبة، عن عمرو بن مرة، عن سعيد بن المسيب
قال: اختلف علي وعثمان رضي الله عنهما وهما بعسفان في المتعة.
فقال علي: ما تريد إلا أن تنهى عن أمر فعله رسول الله صلَّى الله
عليه وسلَّم فلما رأى ذلك علي ابن أبي طالب أهلَّ بهما جميعاً.
ورواه مسلم من حديث شعبة أيضاً عن الحكم بن عيينة، عن علي بن الحسين،
عن مروان بن الحكم عنهما به.
وقال علي: ما كنت لأدع سنة رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم بقول
أحد من النَّاس.
ورواه مسلم من حديث شعبة أيضاً عن قتادة، عن عبد الله بن شقيق عنهما
فقال له علي: ولقد علمت إنما تمتعنا مع رسول الله صلَّى الله عليه
وسلَّم؟
قال: أجل!ولكنا كنا خائفين.
وأما الحديث الذي رواه مسلم: من حديث غندر عن شعبة، وعن عبيد الله بن
معاذ، عن أبيه، عن شعبة، عن مسلم بن مخراق القري سمع ابن عبَّاس
يقول: أهلَّ رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم بعمرة، وأهلَّ أصحابه
بحج، فلم يحل رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم ولا من ساق الهدي من
أصحابه، وحلَّ بقيتهم.
فقد رواه أبو داود الطيالسي في مسنده، وروح بن عبادة عن شعبة، عن مسلم
القري، عن ابن عبَّاس قال: أهلَّ رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم
بالحج - وفي رواية أبي داود - أهلَّ رسول الله وأصحابه بالحج، فمن كان
منهم لم يكن له متعة هدي حل، ومن كان معه هدي لم يحل الحديث.
فإن صححنا الروايتين جاء القران.
وإن توقفنا في كل منهما وقف الدليل.
وإن رجحنا رواية مسلم في صحيحه في رواية العمرة.
فقد تقدَّم عن ابن عبَّاس أنه روى الإفراد وهو الإحرام بالحج، فتكون
هذه زيادة على الحج فيجيء القول بالقران، لا سيما وسيأتي عن ابن عبَّاس
ما يدل على ذلك.
وروى مسلم: من حديث غندر ومعاذ بن معاذ عن شعبة، عن الحكم، عن مجاهد،
عن ابن عبَّاس أن رسول الله قال: ((هذه عمرة استمتعنا بها، فمن
لم يكن معه هدي فليحل الحل كله، فقد دخلت العمرة في الحج إلى يوم
القيامة)). (ج/ص:5/145)
وروى البخاري عن آدم ابن أبي إياس، ومسلم من حديث غندر كلاهما، عن
شعبة، عن أبي جمرة قال: تمتعت فنهاني ناس، فسألت ابن عبَّاس فأمرني
بها، فرأيت في المنام كأن رجلاً يقول: حج مبرور، ومتعة متقبلة.
فأخبرت ابن عبَّاس فقال: الله أكبر سنة أبي القاسم صلوات الله وسلامه
عليه.
والمراد بالمتعة ههنا: القران.
وقال القعيني وغيره عن مالك بن أنس، عن ابن شهاب، عن محمد بن عبد الله
بن الحارث بن نوفل بن الحارث بن عبد المطلب أنه حدثه أنه سمع سعد ابن
أبي وقاص، والضحاك بن قيس عام حج معاوية ابن أبي سفيان يذكر التمتع
بالعمرة إلى الحج.
فقال الضحاك: لا يصنع ذلك إلا من جهل أمر الله.
فقال سعد: بئس ما قلت يا ابن أخي.
فقال الضحاك: فإن عمر بن الخطاب كان ينهى عنها.
فقال سعد: قد صنعها رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم وصنعناها
معه.
ورواه التِّرمذي، والنسائي عن قتيبة، عن مالك.
وقال الترمذى: صحيح.
وقال عبد الرزاق عن معتمر بن سليمان، وعبد الله بن المبارك كلاهما، عن
سليمان التيمي، حدثني غنيم بن قيس سألت سعد ابن أبي وقاص عن التمتع
بالعمرة إلى الحج.
قال: فعلتها مع رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم وهذا يومئذ كافر في
العرش - يعني: مكة - ويعني به: معاوية -.
ورواه مسلم من حديث شعبة، وسفيان الثوري، ويحيى بن سعيد، ومروان
الفزاري أربعتهم عن سليمان التيمي سمعت غنيم بن قيس، سألت سعداً عن
المتعة.
فقال: قد فعلناها وهذا يومئذ كافر بالعرش.
وفي رواية يحيى بن سعيد - يعني: معاوية -.
وهذا كله من باب إطلاق التمتع على ما هو أعم من التمتع الخاص، وهو
الإحرام بالعمرة والفراغ منها ثم الإحرام بالحج ومن القِران، بل كلام
سعد فيه دلالة على إطلاق التمتع على الاعتمار في أشهر الحج، وذلك أنهم
اعتمروا ومعاوية بعد كافر بمكة قبل الحج إما عمرة الحديبية، أو عمرة
القضاء وهو الأشبه، فأما عمرة الجعرانة فقد كان معاوية أسلم مع أبيه
ليلة الفتح، وروينا أنه قصر من شعر النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم
بمشقص في بعض عمره، وهي عمرة الجعرانة لا محالة، والله أعلم.
ذكر حجة من ذهب إلى أنه عليه السلام كان قارناً
رواية أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه قد تقدم ما رواه
البخاري من حديث أبي عمرو الأوزاعيّ، سمعت يحيى ابن أبي كثير عن عكرمة،
عن ابن عبَّاس، عن عمر بن الخطاب قال: سمعت رسول الله صلَّى الله
عليه وسلَّم بوادي العقيق يقول: ((أتاني آت من ربي عز وجل
فقال: صل في هذا الوادي المبارك، وقل عمرة في حجة)).
(ج/ص:5/146)
وقال الحافظ البيهقي: أنبأنا علي بن أحمد بن عمر بن حفص المقبري
ببغداد، أنبأنا أحمد بن سليمان قال: قرئ على عبد الملك بن محمد وأنا
أسمع، حدثنا أبو زيد الهروي، ثنا علي بن المبارك، ثنا يحيى ابن أبي
كثير، ثنا عكرمة، حدثني ابن عبَّاس، حدثني عمر بن الخطاب قال: قال
رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم ((أتاني جبرائيل عليه السلام
وأنا بالعقيق فقال: صلِّ في هذا الوادي المبارك ركعتين، وقل عمرة في
حجة، فقد دخلت العمرة في الحجة إلى يوم القيامة)).
ثم قال البيهقي: رواه البخاري عن أبي زيد الهروي.
وقال الإمام أحمد: ثنا هاشم، ثنا يسار عن أبي وائل: أن رجلاً كان
نصرانياً يقال له: الصَّبى بن معبد، فأراد الجهاد.
فقيل له: إبدأ بالحج، فأتى الأشعريّ فأمره أن يهل بالحج والعمرة
جميعاً، ففعل، فبينما هو يلبي إذ مرَّ بزيد بن صوحان، وسلمان بن
ربيعة.
فقال أحدهما لصاحبه: لهذا أضل من بعير أهله، فسمعهما الصبي فكبر ذلك
عليه، فلما قدم أتى عمر بن الخطاب فذكر ذلك له.
فقال له عمر: هديت لسنة نبيك صلَّى الله عليه وسلَّم.
قال: وسمعته مرة أخرى يقول: وفقِّت لسنة نبيك صلَّى الله عليه
وسلَّم.
وقد رواه الإمام أحمد عن يحيى بن سعيد القطان، عن الأعمش، عن شقيق، عن
أبي وائل، عن الصبى بن معبد، عن عمر بن الخطاب فذكره.
وقال: إنهما لم يقولا شيئاً، هُديت لسنة نبيك صلَّى الله عليه
وسلَّم.
ورواه عن عبد الرزاق، عن سفيان الثوري، عن منصور، عن أبي وائل به.
ورواه أيضاً عن غندر، عن شعبة، عن الحكم، عن أبي وائل، وعن سفيان بن
عيينة، عن عبدة بن عبدة ابن أبي لبابة، عن أبى وائل قال: قال الصبى
بن معبد: كنت رجلاً نصرانياً فأسلمت، فأهللت بحج وعمرة، فسمعني زيد
بن صوحان، وسلمان بن ربيعة وأنا أهلُّ بهما.
فقالا: لهذا أضل من بعير أهله.
فكأنما حمل علي بكلمتهما جبل، فقدمت على عمر فأخبرته، فأقبل عليهما
فلامهما، وأقبل علي فقال: هديت لسنة النَّبيّ صلَّى الله عليه
وسلَّم.
قال عبدة: قال أبو وائل: كثيراً ما ذهبت أنا ومسروق إلى الصبى بن
معبد نسأله عنه.
وهذه أسانيد جيده على شرط الصحيح.
وقد رواه أبو داود والنسائي، وابن ماجه من طرق عن أبي وائل شقيق بن
سلمة به.
وقال النسائي في كتاب الحج من سننه: حدثنا محمد بن علي بن الحسن بن
شقيق، ثنا أبي عن جمرة السكري، عن مطرف، عن سلمة بن كهيل، عن طاوس، عن
ابن عبَّاس، عن عمر أنه قال: والله إني لأنهاك عن المتعة، وإنها لفي
كتاب الله، وقد فعلها النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم. إسناد جيد.
رواية أميري المؤمنين: عثمان وعلي رضي الله عنهما.
قال الإمام أحمد: حدثنا محمد بن جعفر، ثنا شعبة عن عمرو بن مرة، عن
سعيد بن المسيب قال: اجتمع علي وعثمان بعسفان، وكان عثمان ينهى عن
المتعة، أو العمرة.
فقال علي: ما تريد إلى أمر فعله رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم
تنهى عنه.
فقال عثمان: دعنا منك.
هكذا رواه الإمام أحمد مختصراً.
وقد أخرجاه في الصحيحين من حديث شعبة عن عمرو بن مرة، عن سعيد بن
المسيب قال: اختلف علي وعثمان وهما بعسفان في المتعة.
فقال علي: ما تريد إلى أن تنهى عن أمر فعله رسول الله صلَّى الله
عليه وسلَّم فلما رأى ذلك علي ابن أبي طالب أهلَّ بهما جميعاً.
وهكذا لفظ البخاري. (ج/ص:5/147)
وقال البخاري: ثنا محمد بن يسار، ثنا غندر عن شعبة، عن الحكم، عن علي
بن الحسين، عن مروان بن الحكم قال: شهدت عثمان وعلياً، وعثمان ينهى
عن المتعة وأن يجمع بينهما، فلما رأى علي أهلَّ بهما لبيك بعمرة وحجة
قال: ما كنت لأدع سنة النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم لقول أحد.
ورواه النسائي من حديث شعبة به.
ومن حديث الأعمش عن مسلم البطين، عن علي بن الحسين به.
وقال الإمام أحمد: ثنا محمد بن جعفر، ثنا شعبة عن قتادة قال: قال
عبد الله بن شقيق: كان عثمان ينهى عن المتعة، وعلي يأمر بها.
فقال عثمان لعلي: إنك لكذا وكذا.
ثم قال علي: لقد علمت أنا تمتعنا مع رسول الله صلَّى الله عليه
وسلَّم.
قال: أجل، ولكنا كنا خائفين.
ورواه مسلم من حديث شعبة.
فهذا اعتراف من عثمان رضي الله عنه بما رواه علي رضي الله عنهما ومعلوم
أن علياً رضي الله عنه أحرم عام حجة الوداع بإهلال كإهلال النَّبيّ
صلَّى الله عليه وسلَّم وكان قد ساق الهدي، وأمره عليه السلام أن يمكث
حراماً، وأشركه النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم في هديه كما سيأتي
بيانه.
وروى مالك في الموطأ عن جعفر بن محمد، عن أبيه أن المقداد بن الأسود
دخل على علي ابن أبي طالب بالسقيا وهو ينجع بكرات له دقيقاً وخبطاً،
فقال: هذا عثمان بن عفان ينهى عن أن يقرن بين الحج والعمرة، فخرج علي
وعلى يده أمر الدقيق والخبط - ما أنسى أثر الدقيق والخبط على ذراعيه -
حتَّى دخل على عثمان فقال: أنت تنهى أن يقرن بين الحج والعمرة؟
فقال عثمان: ذلك رأيي.
فخرج علي مغضباً وهو يقول: لبيك اللهم لبيك بحجة وعمرة معاً.
وقد قال أبو داود في سننه: ثنا يحيى بن معين، ثنا حجاج، ثنا يونس عن
أبي إسحاق، عن البراء بن عازب قال: كنت مع علي حين أمَّره رسول الله
صلَّى الله عليه وسلَّم على اليمن، فذكر الحديث في قدوم علي.
قال علي: فقال لي رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم: ((كيف
صنعت؟)).
قال: قلت: إنما أهللت بإهلال النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم
قال: ((إني قد سقت الهدي وقرنت)).
وقد رواه النسائي من حديث يحيى بن معين بإسناده، وهو على شرط
الشيخين.
وعلَّله الحافظ البيهقي بأنه لم يذكر هذا اللفظ في سياق حديث جابر
الطويل، وهذا التعليل فيه نظر، لأنه قد روى القران من حديث جابر بن عبد
الله كما سيأتي قريباً إن شاء الله تعالى.
وروى ابن حبان في صحيحه عن علي ابن أبي طالب قال: خرج رسول الله
صلَّى الله عليه وسلَّم من المدينة، وخرجت أنا من اليمن وقلت: لبيك
بإهلال كإهلال النَّبيّ.
فقال النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم: ((فإني أهللت بالحج
والعمرة جميعاً)).
رواية أنس بن مالك رضي الله عنه، وقد رواه عنه جماعة من التابعين، ونحن
نوردهم مرتبين على حروف المعجم. (ج/ص:5/148)
بكر بن عبد الله المزني عنه قال الإمام أحمد: حدثنا هشيم، ثنا حميد
الطويل، أنبانا بكر بن عبد الله المزني قال: سمعت أنس بن مالك يحدِّث
قال: سمعت رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم يلبي بالحج والعمرة
جميعاً، فحدثت بذلك ابن عمر.
فقال: لبي بالحج وحده.
فلقيت أنساً فحدثته بقول ابن عمر.
فقال: ما تعدونا إلا صبياناً سمعت رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم
يقول: ((لبيك عمرة وحجاً)).
ورواه البخاري عن مسدد، عن بشر بن الفضل، عن حميد به.
وأخرجه مسلم عن شريح بن يونس، عن هشيم به، وعن أمية بن بسطام، عن يزيد
بن زريع، عن حبيب بن الشهيد، عن بكر بن عبد الله المزني به.
ثابت البناني عن أنس: قال الإمام أحمد: حدثنا وكيع عن ابن أبي
ليلى، عن ثابت، عن أنس أن النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم قال:
((لبيك بعمرة وحجة معاً)).
تفرد به من هذا الوجه الحسن البصري عنه.
قال الإمام أحمد: ثنا روح، ثنا أشعث عن أنس بن مالك أن رسول الله
صلَّى الله عليه وسلَّم وأصحابه قدموا مكة وقد لبوا بحج وعمرة، فأمرهم
رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم بعد ما طافوا بالبيت وبالصفا والمروة
أن يحلوا، وأن يجعلوها عمرة، فكأن القوم هابوا ذلك، فقال رسول الله
صلَّى الله عليه وسلَّم: ((لولا أني سقت هدياً لأحللت))،
فأحل القوم وتمتعوا.
وقال الحافظ أبو بكر البزار: ثنا الحسن بن قزعة، ثنا سفيان بن حبيب،
ثنا أشعث عن الحسن، عن أنس أن النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم أهلَّ
هو وأصحابه بالحج والعمرة، فلما قدموا مكة طافوا بالبيت وبالصفا
والمروة، أمرهم رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم أن يحلوا، فهابوا ذلك
فقال رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم: ((أحلوا فلولا أن معي
الهدي لأحللت)) فحلوا حتَّى حلوا على النساء.
ثم قال البزار: لا نعلم رواه عن الحسن إلا الأشعث بن عبد الملك.
حميد بن تيرويه الطويل عنه: قال الإمام أحمد: حدثنا يحيى بن حميد
سمعت أنساً سمعت رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم يقول: ((لبيك
بحج وعمرة وحج)).
هذا إسناد ثلاثي على شرط الشيخين، ولم يخرِّجاه ولا أحد من أصحاب الكتب
من هذا الوجه، لكن رواه مسلم عن يحيى بن يحيى، عن هشيم، عن يحيى ابن
أبي إسحاق، وعبد العزيز بن صهيب، وحميد أنهم سمعوا أنس بن مالك قال:
سمعت رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم أهلَّ بهما جميعاً ((لبيك
عمرة وحجاً، لبيك عمرة وحجاً)).
وقال الإمام أحمد: حدثنا يعمر بن يسر، ثنا عبد الله، أنبأنا حميد
الطويل عن أنس بن مالك قال: ساق رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم
بدنا كثيرة وقال: ((لبيك بعمرة وحج)) وإني لعند فخذ ناقته
اليسرى.
تفرد به أحمد من هذا الوجه أيضاً.
حميد بن هلال العدوي البصري عنه: قال الحافظ أبو بكر البزار في
مسنده: حدثنا محمد بن المثنى، ثنا عبد الوهاب عن أيوب، عن أبي قلابة،
عن أنس بن مالك، وحدثناه سلمة بن شبيب، ثنا عبد الرزاق، أنبأنا معمر عن
أيوب، عن أبي قلابة، وحميد بن هلال عن أنس قال: إني ردف أبي طلحة وإن
ركبته لتمس ركبة رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم وهو يلبي بالحج
والعمرة.
وهذا إسناد جيد قوي على شرط الصحيح، ولم يخرَّجوه، وقد تأوَّله البزار
على أن الذي كان يلبي بالحج والعمرة أبو طلحة قال: ولم ينكر عليه
النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم.
وهذا التأويل فيه نظر ولا حاجة إليه لمجيء ذلك من طرق عن أنس كما مضى،
وكما سيأتي، ثم عود الضمير إلى أقرب المذكورين أولى، وهو في هذه الصورة
أقوى دلالة، والله أعلم.
وسيأتي في رواية سالم ابن أبي الجعد عن أنس صريح الرد على هذا
التأويل. (ج/ص:5/149)
زيد بن أسلم عنه: قال الحافظ أبو بكر البزار: روى سعيد بن عبد
العزيز التنوخي عن زيد بن أسلم، عن أنس بن مالك أن النَّبيّ صلَّى الله
عليه وسلَّم أهلَّ بحج وعمرة، حدثناه الحسن بن عبد العزيز الجروي،
ومحمد بن مسكين قالا: حدثنا بشر بن بكر عن سعيد بن عبد العزيز، عن
زيد بن أسلم، عن أنس.
قلت: هذا إسناد صحيح على شرط الصحيح، ولم يخرِّجوه من هذا الوجه.
وقد رواه الحافظ أبو بكر البيهقي بأبسط من هذا السياق فقال: أنبأنا
أبو عبد الله الحافظ وأبو بكر أحمد بن الحسن القاضي قالا: ثنا أبو
العبَّاس محمد بن يعقوب، أنبأنا العبَّاس بن الوليد بن يزيد، أخبرني
أبي، ثنا شعيب بن عبد العزيز عن زيد بن أسلم وغيره، أن رجلاً أتى ابن
عمر فقال: بم أهلَّ رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم؟
قال ابن عمر: أهلَّ بالحج.
فانصرف ثم أتاه من العام المقبل فقال: بم أهلَّ رسول الله؟
قال: ألم تأتني عام أول!
قال: بلى ولكن أنس بن مالك يزعم أنه قرن.
قال ابن عمر: إن أنس بن مالك كان يدخل على النساء وهن مكشفات الرؤوس،
وإني كنت تحت ناقة رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم يمسني لعابها،
أسمعه يلبي بالحج.
سالم ابن أبي الجعد الغطفاني الكوفي عنه قال الإمام أحمد: حدثنا يحيى
بن آدم، ثنا شريك عن منصور، عن سالم ابن أبي الجعد، عن أنس بن مالك
يرفعه إلى النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم أنه جمع بين الحج والعمرة
فقال: ((لبيك بعمرة وحجة معاً)).
حسن ولم يخرجوه.
وقال الإمام أحمد: ثنا عفان، ثنا أبو عوانة، ثنا عثمان بن المغيرة عن
سالم ابن أبي الجعد، عن سعد مولى الحسن بن علي قال: خرجنا مع علي
فأتينا ذا الحليفة.
فقال علي: إني أريد أن أجمع بين الحج والعمرة فمن أراد ذلك فليقل كما
أقول، ثم لبى قال: ((لبيك بحجة وعمرة معاً)).
قال: وقال سالم: وقد أخبرني أنس بن مالك قال: والله أن رجلي لتمس
رجل رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم وإنه ليهل بهما جميعاً.
وهذا أيضاً إسناد جيد من هذا الوجه، ولم يخرِّجوه، وهذا السياق يرد على
الحافظ البزار ما تأول به حديث حميد بن هلال عن أنس كما تقدم، والله
أعلم.
سليمان بن طرخان التيمي عنه: قال الحافظ أبو بكر البزار: حدثنا
يحيى بن حبيب بن عربي، ثنا المعتمر بن سليمان سمعت أبي يحدث عن أنس بن
مالك قال: سمعت النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم يلبي بهما جميعاً.
ثم قال البزار: لم يروه عن التيمي إلا ابنه المعتمر، ولم يسمعه إلا
من يحيى بن حبيب العربي عنه.
قلت: وهو على شرط الصحيح، ولم يخرِّجوه.
سويد بن حجير عنه: قال الإمام أحمد: حدثنا محمد بن جعفر، ثنا شعبة
عن أبي قزعة سويد بن حجير، عن أنس بن مالك قال: كنت رديف أبي طلحة،
فكانت ركبة أبي طلحة تكاد أن تصيب ركبة رسول الله صلَّى الله عليه
وسلَّم فكان رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم يهل بهما.
وهذا إسناد جيد تفرد به أحمد، ولم يخرِّجوه، وفيه رد على الحافظ البزار
صريح. (ج/ص:5 /150)
عبد الله بن زيد أبو قلابة الجرمي عنه: قال الإمام أحمد: حدثنا عبد
الرزاق، أنبأنا معمر عن أيوب، عن أبي قلابة، عن أنس قال: كنت رديف
أبي طلحة وهو يساير النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم قال: فإن رجلي
لتمس غرز النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم فسمعته يلبي بالحج والعمرة
معاً.
وقد رواه البخاري من طرق عن أيوب، عن أبي قلابة، عن أنس قال: صلى
صلَّى الله عليه وسلَّم الظهر بالمدينة أربعاً، والعصر بذي الحليفة
ركعتين، ثم بات بها حتَّى أصبح، ثم ركب راحلته حتَّى استوت به على
البيداء، حمد الله وسبح وكبر، وأهلَّ بحج وعمرة، وأهلَّ النَّاس بهما
جميعاً.
وفي رواية له: كنت رديف أبي طلحة وأنهم ليصرخون بهما جميعاً الحج
والعمرة.
وفي رواية له عن أيوب، عن رجل، عن أنس قال: ثم بات حتَّى أصبح فصلى
الصبح، ثم ركب راحلته حتَّى إذا استوت به البيداء أهلَّ بعمرة وحج.
عبد العزيز بن صهيب: تقدمت روايته عنه مع رواية حميد الطويل عنه عند
مسلم.
علي بن زيد بن جدعان عنه: قال الحافظ أبو بكر البزار: حدثنا
إبراهيم بن سعيد، ثنا علي بن حكيم عن شريك، عن علي بن زيد، عن أنس أن
رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم لبى بهما جميعاً.
هذا غريب من هذا الوجه، لم يخرِّجه أحد من أصحاب السنن، وهو على
شرطهم.
قتادة بن دعامة السدوسي عنه: قال الإمام أحمد: حدثنا بهز، وعبد
الصمد المعني قالا: أخبرنا همام بن يحيى، ثنا قتادة قال: سألت أنس
بن مالك، قلت: كم حج النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم؟
قال: حجة واحدة، واعتمر أربع مرات: عمرته زمن الحديبية، وعمرته في
ذي القعدة من المدينة، وعمرته من الجعرانة في ذي القعدة حيث قسم غنيمة
حنين، وعمرته مع حجته.
وأخرجاه في الصحيحين من حديث همام بن يحيى به.
مصعب بن سليم الزبيري مولاهم عنه: قال الإمام أحمد: حدثنا وكيع،
ثنا مصعب بن سليم سمعت أنس بن مالك يقول: أهلَّ رسول الله صلَّى الله
عليه وسلَّم بحجة وعمرة.
تفرد به أحمد.
يحيى بن إسحاق الحضرمي عنه: قال الإمام أحمد: ثنا هشيم، أنبأنا
يحيى بن إسحاق، وعبد العزيز بن صهيب، وحميد الطويل عن أنس أنهم سمعوه
يقول: سمعت رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم يلبي بالحج والعمرة
جميعاً، يقول: ((لبيك عمرة وحجاً، لبيك عمرة وحجاً)).
وقد تقدم أن مسلماً رواه عن يحيى بن يحيى، عن هشيم به.
وقال الإمام أحمد أيضا: ثنا عبد الأعلى عن يحيى، عن أنس قال: خرجنا
مع رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم إلى مكة قال: فسمعته يقول:
((لبيك عمرة وحجاً)).
أبو الصيقل عنه: قال الإمام أحمد: حدثنا حسن، ثنا زهير، وحدثنا
أحمد بن عبد الملك، ثنا زهير عن أبي إسحاق، عن أبي أسماء الصيقل، عن
أنس بن مالك قال: خرجنا نصرخ بالحج، فلما قدمنا مكة أمرنا رسول الله
صلَّى الله عليه وسلَّم أن نجعلها عمرة.
وقال: ((لو استقبلت من أمري ما استدبرت لجعلتها عمرة، ولكني سقت
الهدي وقرنت الحج بالعمرة)).
ورواه النسائي عن هناد، عن أبي الأحوص، عن أبي إسحاق، عن أبي أسماء
الصقيل، عن أنس بن مالك قال: سمعت رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم
يلبي بهما. (ج/ص:5/151)
أبو قدامة الحنفي: ويقال: إن اسمه محمد بن عبيد عن أنس، قال الإمام
أحمد: ثنا روح بن عبادة، حدثنا شعبة عن يونس بن عبيد، عن أبي قدامة
الحنفي قال: قلت لأنس: بأي شيء كان رسول الله صلَّى الله عليه
وسلَّم يلبي؟
فقال: سمعته سبع مرات يلبي بعمرة وحجة.
تفرد به الإمام أحمد، وهو إسناد جيد قوي، ولله الحمد والمنة وبه
التوفيق والعصمة.
وروى ابن حبان في صحيحه عن أنس بن مالك قال: كان رسول الله صلَّى
الله عليه وسلَّم قرن بين الحج والعمرة، وقرن القوم معه.
وقد أورد الحافظ البيهقي بعض هذه الطرق عن أنس بن مالك، ثم شرع يعلل
ذلك بكلام فيه نظر.
وحاصله: أنه قال: والاشتباه وقع لأنس لا لمن دونه، ويحتمل أن يكون
سمعه رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم يعلم غيره كيف يهلُّ بالقران،
لا أنه يهلُّ بهما عن نفسه، والله أعلم.
قال: وقد روي ذلك عن غير أنس بن مالك، وفي ثبوته نظر.
قلت: ولا يخفى ما في هذا الكلام من النظر الظاهر لمن تأمله، وربما
أنه كان ترك هذا الكلام أولى منه، إذ فيه تطرق احتمال إلى حفظ الصحابي
مع تواتره عنه كما رأيت آنفاً، وفتح هذا يفضي إلى محذور كبير، والله
تعالى أعلم.
حديث البراء بن عازب في القِران قال الحافظ أبو بكر البيهقي: أنبأنا
أبو الحسين بن بشران، أنبأنا علي بن محمد المصري، حدثنا أبو غسان مالك
بن يحيى، ثنا يزيد بن هارون، أنبأنا زكريا ابن أبي زائدة عن أبي إسحاق،
عن البراء بن عازب قال: اعتمر رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم ثلاث
عمر كلهن في ذي القعدة.
فقالت عائشة: لقد علم أنه اعتمر أربع عمر بعمرته التي حج معها.
قال البيهقي: ليس هذا بمحفوظ.
قلت: سيأتي بإسناد صحيح إلى عائشة نحوه.
رواية جابر بن عبد الله رضي الله عنهما: قال الحافظ أبو الحسن
الدارقطني: حدثنا أبو بكر ابن أبي داود، ومحمد بن جعفر بن رميس،
والقاسم بن إسماعيل أبو عبيد، وعثمان بن جعفر اللبان، وغيرهم قالوا:
حدثنا أحمد بن يحيى الصوفي، ثنا زيد بن الحباب، ثنا سفيان الثوري عن
جعفر بن محمد، عن أبيه، عن جابر بن عبد الله قال: حج النَّبيّ صلَّى
الله عليه وسلَّم ثلاث حجج: حجتين قبل أن يهاجر، وحجة قرن معها
عمرة.
وقد روى هذا الحديث التِّرمذي، وابن ماجه من حديث سفيان بن سعيد الثوري
به.
وأما التِّرمذي فرواه عن عبد الله ابن أبي زياد، عن زيد بن حباب، عن
سفيان به، ثم قال: غريب من حديث سفيان لا نعرفه إلا من حديث زيد بن
الحباب، ورأيت عبد الله بن عبد الرحمن - يعني: الرازي - روى هذا
الحديث في كتبه، عن عبد الله ابن أبي زياد، وسألت محمداً عن هذا فلم
يعرفه، ورأيته لا يعده محفوظاً.
قال: وإنما روي عن الثوري، عن أبي إسحاق، عن مجاهد مرسلاً، وفي
(السنن الكبير للبيهقي) قال أبو عيسى التِّرمذي: سألت محمد بن
إسماعيل البخاري عن هذا الحديث فقال: هذا حديث خطأ، وإنما روي هذا عن
الثوري مرسلاً.
قال البخاري: وكان زيد بن الحباب إذا روى خطأ ربما غلط في الشيء.
وأما ابن ماجه فرواه عن القاسم بن محمد بن عباد المهلبي، عن عبد الله
بن داود الخريبي، عن سفيان به.
وهذه طريق لم يقف عليها التِّرمذي ولا البيهقي، وربما ولا البخاري، حيث
تكلم في زيد ابن الحباب ظاناً أنه انفرد به، وليس كذلك والله أعلم.
(ج/ص:5/152)
طريق أخرى عن جابر قال أبو عيسى التِّرمذي: حدثنا ابن أبي عمر، حدثنا
أبو معاوية عن حجاج، عن أبي الزبير، عن جابر أن رسول الله صلَّى الله
عليه وسلَّم قرن الحج والعمرة، وطاف لهما طوافاً واحداً.
ثم قال: هذا حديث حسن.
وفي نسخة صحيح رواه ابن حبان في صحيحه، عن جابر قال: لم يطف النَّبيّ
صلَّى الله عليه وسلَّم إلا طوافاً واحداً لحجه ولعمرته.
قلت: حجاج هذا هو: ابن أرطأة، وقد تكلم فيه غير واحد من الأئمة،
ولكن قد روي من وجه آخر عن أبي الزبير، عن جابر بن عبد الله أيضاً.
كما قال الحافظ أبو بكر البزار في مسنده: حدثنا مقدم بن محمد، حدثني
عمي القاسم بن يحيى بن مقدم عن عبد الرحمن بن عثمان بن خيثم، عن أبي
الزبير، عن جابر أن رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم قدم فقرن بين
الحج والعمرة، وساق الهدي وقال رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم:
((من لم يقلِّد الهدي فليجعلها عمرة)).
ثم قال البزار: وهذا الكلام لا نعلمه يروى عن جابر إلا من هذا الوجه
بهذا الإسناد، انفرد بهذه الطريق البزار في مسنده، وإسنادها غريبة
جداً، وليست في شيء من الكتب الستة من هذا الوجه، والله أعلم.
رواية أبي طلحة زيد بن سهل الأنصاري رضي الله عنه قال الإمام أحمد:
حدثنا أبو معاوية، ثنا حجاج - هو: ابن أرطأة - عن الحسن بن سعد، عن
ابن عبَّاس قال: أخبرني أبو طلحة أن رسول الله صلَّى الله عليه
وسلَّم جمع بين الحج والعمرة.
ورواه ابن ماجه عن علي بن محمد، عن أبي معاوية بإسناده، ولفظه: أن
رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم قرن بين الحج والعمرة.
الحجاج بن أرطأة فيه ضعف، والله أعلم.
رواية سراقة بن مالك بن جعشم قال الإمام أحمد: حدثنا مكي بن إبراهيم،
ثنا داود - يعني: ابن سويد - سمعت عبد الملك الزراد يقول: سمعت
النزال بن سبرة صاحب علي يقول: سمعت سراقة يقول: سمعت رسول الله
صلَّى الله عليه وسلَّم يقول: ((دخلت العمرة في الحج إلى يوم
القيامة)).
قال: وقرن رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم في حجة الوداع.
(ج/ص:5/153)
رواية سعد ابن أبي وقاص عن النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم أنه تمتع
بالحج إلى العمرة وهو القران.
قال الإمام مالك عن ابن شهاب، عن محمد بن عبد الله بن نوفل بن الحارث
بن عبد المطلب أنه حدثه أنه سمع سعد ابن أبي وقاص، والضحاك بن قيس عام
حج معاوية ابن أبي سفيان يذكر التمتع بالعمرة إلى الحج.
فقال الضحاك: لا يصنع ذلك إلا من جهل أمر الله.
فقال سعد: بئس ما قلت يا ابن أخي.
فقال الضحاك: فإن عمر بن الخطاب كان ينهى عنها.
فقال سعد: قد صنعها رسول الله وصنعناها معه.
ورواه التِّرمذي والنسائي جميعاً عن قتيبة، عن مالك به.
وقال التِّرمذي: هذا حديث صحيح.
وقال الإمام أحمد: ثنا يحيى بن سعيد، ثنا سليمان - يعني: التيمي -،
حدثني غنيم قال: سألت ابن أبي وقاص عن المتعة.
فقال: فعلناها وهذا كافر بالعرش - يعني: معاوية - هكذا رواه
مختصراً.
وقد رواه مسلم في صحيحه من حديث سفيان بن سعيد الثوري، وشعبة، ومروان
الفزاري، ويحيى بن سعيد القطان، أربعتهم عن سليمان بن طرخان التيمي
سمعت غنيم بن قيس، سألت سعد ابن أبي وقاص عن المتعة؟
فقال: قد فعلناها، وهذا يومئذ كافر بالعرش.
قال يحيى بن سعيد في روايته - يعني: معاوية -.
ورواه عبد الرزاق عن معتمر بن سليمان، وعبد الله بن المبارك، كلاهما عن
سليمان التيمي، عن غنيم بن قيس سألت سعداً عن التمتع بالعمرة إلى
الحج.
فقال: فعلتها مع رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم وهذا يومئذ كافر
بالعرش - يعني: مكة، ويعني به: معاوية.
وهذا الحديث الثاني أصح إسناداً، وإنما ذكرناه اعتضاداً لا اعتماداً،
والأول صحيح الإسناد، وهذا أصرح في المقصود من هذا، والله أعلم.
رواية عبد الله ابن أبي أوفى: قال الطبراني: حدثنا سعيد بن محمد بن
المغيرة المصري، حدثنا سعيد بن سليمان، حدثنا يزيد بن عطاء عن إسماعيل
ابن أبي خالد، عن عبد الله ابن أبي أوفى قال: إنما جمع رسول الله
صلَّى الله عليه وسلَّم بين الحج والعمرة لأنه علم أنه لم يكن حاجاً
بعد ذلك العام.
رواية عبد الله بن عبَّاس في ذلك: قال الإمام أحمد: ثنا أبو النضر،
ثنا داود - يعني: القطان - عن عمرو، عن عكرمة، عن ابن عبَّاس قال:
اعتمر رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم أربع عمر: عمرة الحديبية،
وعمرة القضاء، والثالثة من الجعرانة، والرابعة التي مع حجته.
وقد رواه أبو داود، والتِّرمذي، وابن ماجه من طرق عن داود بن عبد
الرحمن العطار المكي، عن عمرو بن دينار، عن عكرمة، عن ابن عبَّاس به.
وقال التِّرمذي: حسن غريب.
ورواه التِّرمذي عن سعيد بن عبد الرحمن، عن سفيان بن عيينة، عن عمرو،
عن عكرمة مرسلاً.
ورواه الحافظ البيهقي من طريق أبي الحسن علي بن عبد العزيز البغوي عن
الحسن بن الربيع، وشهاب بن عباد، كلاهما عن داود بن عبد الرحمن العطار
فذكره.
وقال: الرابعة التي قرنها مع حجته، ثم قال أبو الحسن علي بن عبد
العزيز: ليس أحد يقول في هذا الحديث عن ابن عبَّاس إلا داود ابن عبد
الرحمن، ثم حكى البيهقي عن البخاري أنه قال: داود بن عبد الرحمن صدوق
إلا أنه ربما يهم في الشيء، وقد تقدم ما رواه البخاري من طريق ابن
عبَّاس عن عمر أنه قال: سمعت رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم يقول
بوادي العقيق: ((أتاني آت من ربي فقال: صل في هذا الوادي
المبارك وقل عمرة في حجة)).
فلعل هذا مستند ابن عبَّاس فيما حكاه، والله أعلم. (ج/ص:
5/154)
رواية عبد الله بن عمر رضي الله عنه: قد تقدم فيما رواه البخاري
ومسلم من طريق الليث عن عقيل، عن الزُّهري، عن سالم، عن ابن عمر أنه
قال: تمتع رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم في حجة الوداع، وأهدى
فساق الهدي من ذي الحليفة، وبدأ رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم
فأهلَّ بالعمرة، ثم أهلَّ بالحج.
وذكر تمام الحديث في عدم إحلاله بعد السعي، فعلم كما قررناه أولا أنَّه
عليه السلام لم يكن متمتعاً التمتع الخاص، وإنما كان قارناً، لأنه حكى
أنه عليه السلام لم يكن متمتعاً، اكتفى بطواف واحد بين الصفا والمروة
عن حجة وعمرته، وهذا شأن القارن على مذهب الجمهور كما سيأتي بيانه،
والله أعلم.
وقال الحافظ أبو يعلى الموصلي: ثنا أبو خيثمة، ثنا يحيى بن يمان عن
سفيان، عن عبيد الله، عن نافع، عن ابن عمر أن رسول الله صلَّى الله
عليه وسلَّم طاف طوافاً واحداً لإقرانه لم يحل بينهما، واشترى من
الطريق - يعني: الهدي -.
وهذا إسناد جيد رجاله كلهم ثقات؛ إلا أن يحيى بن يمان وإن كان من رجال
مسلم في أحاديثه عن الثوري نكارة شديدة، والله أعلم.
ومما يرجح أن ابن عمر أراد بالإفراد الذي رواه إفراد أفعال الحج، لا
الإفراد الخاص الذي يصير إليه أصحاب الشافعي، وهو الحج في الاعتمار
بعده في بقية ذي الحجة قول الشافعي: أنبأنا مالك عن صدقة بن يسار، عن
ابن عمر أنه قال: لأن أعتمر قبل الحج وأهدي أحب إلي من أن أعتمر بعد
الحج في ذي الحجة.
رواية عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما: قال الإمام أحمد: حدثنا
أبو أحمد - يعني: الزبيري -، حدثنا يونس بن الحارث عن عمرو بن شعيب،
عن أبيه، عن جده أن رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم إنما قرن خشية أن
يصد عن البيت وقال: ((إن لم يكن حجة فعمرة)).
وهذا حديث غريب سنداً ومتناً، تفرد بروايته الإمام أحمد.
وقد قال أحمد في يونس بن الحارث الثقفي: هذا كان مضطرب الحديث،
وضعَّفه، وكذا ضعَّفه يحيى بن معين في رواية عنه والنسائي.
وأما من حيث المتن فقوله: إنما قرن رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم
خشية أن يصد عن البيت، فمن الذي كان يصده عليه السلام عن البيت وقد أطد
الله له الإسلام وفتح البلد الحرام، وقد نودي برحاب منى أيام الموسم في
العام الماضي أن لا يحج بعد العام مشرك، ولا يطوفن بالبيت عريان، وقد
كان معه عليه السلام في حجة الوداع قريب من أربعين ألفاً فقوله: خشية
أن يصد عن البيت، وما هذا بأعجب من قول أمير المؤمنين عثمان لعلي ابن
أبي طالب حين قال له علي: لقد علمت أنا تمتعنا مع رسول الله صلَّى
الله عليه وسلَّم.
فقال: أجل ولكنا كنا خائفين.
ولست أدري علام يحمل هذا الخوف من أي جهة كان؟
إلا أنه تضمن رواية الصحابي لما رواه وحمله على معنى ظنه، فما رواه
صحيح مقبول، وما اعتقده ليس بمعصوم فيه، فهو موقوف عليه، وليس بحجة على
غيره، ولا يلزم منه رد الحديث الذي رواه، هكذا قول عبد الله بن عمرو لو
صح السند إليه، والله أعلم. (ج/ص:5/155)
رواية عمران بن حصين رضي الله عنه: قال الإمام أحمد: ثنا محمد بن
جعفر وحجاج قالا: ثنا شعبة عن حميد بن هلال سمعت مطرقاً قال: قال
لي عمران بن حصين: إني محدثك حديثاً عسى الله أن ينفعك به، إن رسول
الله صلَّى الله عليه وسلَّم قد جمع بين حجته وعمرته، ثم لم ينه عنه
حتَّى مات ولم ينزل قرآن فيه يحرمه، وأنه كان يسلم علي، فلما اكتويت
أمسك عني، فلما تركته عاد إلي.
وقد رواه مسلم عن محمد بن المثنى.
ومحمد بن يسار عن غندر، عن عبيد الله بن معاذ، عن أبيه.
والنسائي عن محمد بن عبد الأعلى، عن خالد بن الحارث، ثلاثتهم عن شعبة،
عن حميد بن هلال، عن مطرف، عن عمران به.
ورواه مسلم من حديث شعبة، وسعيد ابن أبي عروبة عن قتادة، عن مطرف بن
عبد الله بن الشخير، عن عمران بن الحصين أن رسول الله صلَّى الله عليه
وسلَّم جمع بين حج وعمرة - الحديث -.
قال الحافظ أبو الحسن الدارقطني: حديث شعبة عن حميد بن هلال، عن مطرف
صحيح، وأما حديثه عن قتادة، عن مطرف فإنما رواه عن شعبة كذلك بقية بن
الوليد، وقد رواه غندر وغيره عن سعيد ابن أبي عروبة، عن قتادة.
قلت: وقد رواه أيضاً النسائي في سننه عن عمرو بن علي الفلاس، عن خالد
بن الحارث، عن شعبة، وفي نسخة عن سعيد بدل شعبة، عن قتادة، عن مطرف، عن
عمران بن الحصين فذكره، والله أعلم.
وثبت في الصحيحين من حديث همام عن قتادة، عن مطرف، عن عمران بن الحصين
قال: تمتعنا على عهد رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم ثم لم ينزل
قرآن يحرمه، ولم ينه عنها حتَّى مات رسول الله صلَّى الله عليه
وسلَّم.
رواية الهرماس بن زياد الباهلي: قال عبد الله ابن الإمام أحمد:
حدثنا عبد الله بن عمران بن علي أبو محمد من أهل الري وكان أصله
أصبهاني، حدثنا يحيى بن الضريس، حدثنا عكرمة بن عمار عن الهرماس قال:
كنت ردف أبي، فرأيت النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم وهو على بعير له
وهو يقول: ((لبيك بحجة وعمرة معاً)).
وهذا على شرط السنن ولم يخرجوه.
رواية حفصة بنت عمر أم المؤمنين رضي الله عنها: قال الإمام أحمد:
حدثنا عبد الرحمن عن مالك، عن نافع، عن ابن عمر، عن حفصة أنها قالت
للنبي صلَّى الله عليه وسلَّم مالك لم تحل من عمرتك؟
قال: ((إني لبَّدت رأسي، وقلَّدت هديي، فلا أحل حتَّى
أنحر)).
وقد أخرجاه في الصحيحين من حديث مالك وعبيد الله بن عمر، زاد
البخاري: وموسى بن عقبة، زاد مسلم: وابن جريج، كلهم عن نافع، عن
ابن عمر به، وفي لفظهما أنها قالت: يا رسول الله ما شأن النَّاس حلوا
من العمرة ولم تحل أنت من عمرتك؟
فقال: ((إني قلَّدت هديي، ولبَّدت رأسي، فلا أحل حتَّى
أنحر)).
وقال الإمام أحمد أيضا: حدثنا شعيب ابن أبي حمزة قال: قال نافع:
كان عبد الله بن عمر يقول: أخبرتنا حفصة زوج النَّبيّ صلَّى الله
عليه وسلَّم أن رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم أمر أزواجه أن يحللن
عام حجة الوداع، فقالت له فلانة: ما يمنعك أن تحل؟
قال: ((إني لبَّدت رأسي، وقلَّدت هديي، فلست أحل حتَّى أنحر
هديي)).
وقال أحمد أيضاً: حدثنا يعقوب بن إبراهيم، حدثنا أبي عن أبي إسحاق،
حدثنا نافع عن عبد الله بن عمر، عن حفصة بنت عمر أنها قالت: لما أمر
رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم نساءه أن يحللن بعمرة.
قلنا: فما يمنعك يا رسول الله أن تحل معنا؟
قال: ((إني أهديت ولبَّدت فلا أحل حتَّى أنحر هديي)).
ثم رواه أحمد عن كثير بن هشام، عن جعفر بن برقان، عن نافع، عن ابن عمر،
عن حفصة فذكره.
فهذا الحديث فيه أن رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم كان متلبساً
بعمرة ولم يحل منها، وقد علم بما تقدم من أحاديث الإفراد أنه كان قد
أهلَّ بحج أيضاً، فدل مجموع ذلك أنه قارن مع ما سلف من رواية من صرح
بذلك، والله أعلم.
رواية عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها: قال البخاري: حدثنا عبد
الله بن مسلمة عن مالك، عن ابن شهاب، عن عروة، عن عائشة زوج النَّبيّ
صلَّى الله عليه وسلَّم قالت: خرجنا مع رسول الله صلَّى الله عليه
وسلَّم في حجة الوداع فأهللنا بعمرة، ثم قال النَّبيّ صلَّى الله عليه
وسلَّم: ((من كان معه هدي فليهل بالحج مع العمرة، ثم لا يحل
حتَّى يحل منها جميعاً)).
فقدمت مكة وأنا حائض فلم أطف بالبيت ولا بين الصفا والمروة، فشكوت ذلك
إلى رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم فقال: انقضي رأسك وامتشطي
وأهلي بالحج، ودعي العمرة، ففعلت، فلما قضيت الحج، أرسلني رسول الله
صلَّى الله عليه وسلَّم مع عبد الرحمن ابن أبي بكر إلى التنعيم فاعتمرت
فقال: ((هذه مكان عمرتك)).
قالت: فطاف الذين كانوا أهلوا بالعمرة بالبيت وبين الصفا والمروة، ثم
حلوا، ثم طافوا طوافاً آخر بعد أن رجعوا من منى، وأما الذين جمعوا الحج
والعمرة فإنما طافوا طوافاً واحداً.
وكذلك رواه مسلم من حديث مالك عن الزُّهري فذكره.
ثم رواه عن عبد بن حميد، عن عبد الرزاق، عن معمر، عن الزُّهري، عن
عروة، عن عائشة قالت: خرجنا مع رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم عام
حجة الوداع فأهللت بعمرة ولم أكن سقت الهدي.
فقال رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم: ((من كان معه هدي فليهل
بالحج مع عمرته لا يحل حتَّى يحل منهما جميعاً)) - وذكر تمام
الحديث كما تقدم -.
والمقصود من إيراد هذا الحديث ههنا قوله صلَّى الله عليه وسلَّم:
((من كان معه هدي فليهل بحج وعمرة)) ومعلوم أنه عليه السلام قد
كان معه هدي، فهو أول وأولى من ائتمر بهذا، لأن المخاطب داخل في عموم
متعلق خطابه على الصحيح، وأيضاً فإنها قالت: وأما الذين جمعوا الحج
والعمرة فإنما طافوا طوافاً واحداً - يعني: بين الصفا والمروة -.
وقد روى مسلم عنها أن رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم إنما طاف بين
الصفا والمروة طوافاً واحداً، فعلم من هذا أنه كان قد جمع بين الحج
والعمرة.
وقد روى مسلم من حديث حماد بن زيد عن عبد الرحمن بن القاسم، عن أبيه،
عن عائشة قالت: فكان الهدي مع النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم، وأبي
بكر، وعمر، وذوي اليسار، وأيضاً فإنها ذكرت: أن رسول الله صلَّى الله
عليه وسلَّم لم يتحلل من النسكين فلم يكن متمتعاً، وذكرت أنها سألت
رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم أن يعمرها من التنعيم.
وقالت: يا رسول الله ينطلقون بحج وعمرة وأنطلق بحج، فبعثها مع أخيها
عبد الرحمن ابن أبي بكر فأعمرها من التنعيم، ولم يذكر أنه عليه السلام
اعتمر بعد حجته فلم يكن مفرداً، فعلم أنه كان قارناً لأنه كان باتفاق
النَّاس قد اعتمر في حجة الوداع، والله أعلم. (ج/ص: 5/157)
وقد تقدم ما رواه الحافظ البيهقي من طريق يزيد بن هارون عن زكريا ابن
أبي زائدة، عن أبي إسحاق، عن البراء بن عازب أنه قال: اعتمر رسول
الله صلَّى الله عليه وسلَّم ثلاث عمر، كلهن في ذي القعدة.
فقالت عائشة: لقد علم أنه اعتمر أربع عمر، بعمرته التي حج معها.
وقال البيهقي في الخلافيات: أخبرنا أبو بكر بن الحارث الفقيه، أنبأنا
أبو محمد ابن حبان الأصبهانيّ، أنبأنا إبراهيم بن شريك، أنبأنا أحمد بن
يونس، ثنا زهير، ثنا أبو إسحاق عن مجاهد قال: سئل ابن عمر كم اعتمر
رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم؟
فقال: مرتين.
فقالت عائشة: لقد علم ابن عمر أن رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم
اعتمر ثلاثاً سوى العمرة التي قرنها مع حجة الوداع.
ثم قال البيهقي: وهذا إسناد لا بأس به، لكن فيه إرسال - مجاهد لم
يسمع من عائشة في قول بعض المحدثين -.
قلت: كان شعبة ينكره، وأما البخاري ومسلم فإنهما أثبتاه، والله
أعلم.
وقد روى من حديث القاسم بن عبد الرحمن ابن أبي بكر، وعروة بن الزبير،
وغير واحد، عن عائشة أن رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم كان معه
الهدي عام حجة الوداع، وفي إعمارها من التنعيم ومصادقتها له منهبطاً
على أهل مكة وبيتوته بالمحصب، حتَّى صلى الصبح بمكة ثم رجع إلى
المدينة، وهذا كله مما يدل على أنه عليه السلام لم يعتمر بعد حجته تلك،
ولم أعلم أحد من الصحابة نقله، ومعلوم أنه لم يتحلل بين النسكين ولا
روى أحد أنه عليه السلام بعد طوافه بالبيت، وسعيه بين الصفا والمروة
حلق وقصر ولا تحلل، بل استمر على إحرامه باتفاق، ولم ينقل أنه أهل بحج
لما سار إلى منى، فعلم أنه لم يكن متمتعاً، وقد اتفقوا على أنه عليه
السلام اعتمر عام حجة الوداع، فلم يتحلل بين النسكين، ولا أنشأ إحراماً
للحج، ولا اعتمر بعد الحج، فلزم القران، وهذا مما يعسر الجواب عنه،
والله أعلم.
وأيضا فإن رواية القران مثبتة لما سكت عنه أو نفاه من روى الإفراد
والتمتع، فهي مقدمة عليها، كما هو مقرر في علم الأصول، وعن أبي عمران
أنه حج مع مواليه قال: فأتيت أم سلمة فقلت: يا أم المؤمنين إني لم
أحج قط فأيهما أبدأ بالعمرة أم بالحج؟
قالت: إبدأ بأيهما شئت.
قال: ثم أتيت صفية أم المؤمنين فسألتها.
فقالت لي: مثل ما قالت لي.
ثم جئت أم سلمة فأخبرتها بقول صفية، فقالت لي أم سلمة: سمعت رسول
الله صلَّى الله عليه وسلَّم يقول: ((يا آل محمد من حج منكم
فليهل بعمرة في حجة)).
رواه ابن حبان في صحيحه، وقد رواه ابن حزم في حجة الوداع من حديث الليث
بن سعد عن يزيد ابن أبي حبيب، عن أسلم، عن أبي عمران، عن أم سلمة به.