الجزء الخامس - فصل نزول النبي عليه السلام بالأبطح شرقي مكة

 فصل نزول النَّبيّ عليه السلام بالأبطح شرقي مكة

ثم سار صلوات الله وسلامه عليه بعد فراغه من طوافه بين الصفا والمروة، وأمره بالفسخ لمن لم يسق الهدي، والنَّاس معه حتَّى نزل بالأبطح شرقي مكة، فأقام هنالك بقية يوم الأحد، ويوم الإثنين، والثلاثاء، والأربعاء، حتَّى صلى الصبح من يوم الخميس، كل ذلك يصلي بأصحابه هنالك، ولم يعد إلى الكعبة من تلك الأيام كلها‏.‏

قال البخاري باب من لم يقرب الكعبة ولم يطف حتَّى يخرج إلى عرفة، ويرجع بعد الطواف الأول‏:‏ حدثنا محمد ابن أبي بكر‏:‏ ثنا فضيل بن سليمان، ثنا موسى بن عقبة قال‏:‏ أخبرني كريب عن عبد الله بن عبَّاس قال‏:‏ قدم النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم مكة فطاف سبعاً، وسعى بين الصفا والمروة، ولم يقرب الكعبة بعد طوافه بها، حتَّى رجع من عرفة‏.‏ انفرد به البخاري‏.‏

فصل قدوم رسول الله منيخ بالبطحاء خارج مكة‏.‏

وقدم في هذا الوقت ورسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم منيخ بالبطحاء خارج مكة علي من اليمن، وكان النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم قد بعثه كما قدمنا إلى اليمن أميراً بعد خالد بن الوليد رضي الله عنهما، فلما قدم وجد زوجته فاطمة بنت رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم قد حلت كما حل أزواج رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم والذين لم يسوقوا الهدي، واكتحلت، ولبست ثياباً صبيغاً‏.‏

فقال‏:‏ من أمرك بهذا‏؟‏

قالت‏:‏ أبي‏.‏

فذهب محرشاً عليها إلى رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم فأخبره أنها حلت، ولبست ثياباً صبيغاً واكتحلت، وزعمت أنك أمرتها بذلك يا رسول الله‏.‏

فقال‏:‏ ‏(‏‏(‏صدقت، صدقت، صدقت‏)‏‏)‏‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏5/186‏)‏

ثم قال له رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم‏:‏ ‏(‏‏(‏بمَ أهللت حين أوجبت الحج‏)‏‏)‏‏؟‏

قال‏:‏ بإهلال كإهلال النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم‏.‏

قال‏:‏ ‏(‏‏(‏فإنَّ معي الهدي فلا تحل‏)‏‏)‏‏.‏

فكان جماعة الهدي الذي جاء به علي من اليمن، والذي أتى به رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم من المدينة واشتراه في الطريق مائة من الإبل، واشتركا في الهدي جميعاً، وقد تقدم هذا كله في صحيح مسلم رحمه الله‏.‏

وهذا التقرير يرد الرواية التي ذكرها الحافظ أبو القاسم الطبراني رحمه الله من حديث عكرمة عن ابن عبَّاس، أن علياً تلقى النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم إلى الجحفة، والله أعلم‏.‏

وكان أبو موسى في جملة من قدم مع علي ولكنه لم يسق هدياً، فأمره رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم بأن يحل بعد ما طاف للعمرة وسعى، ففسخ حجه إلى العمرة وصار متمتعاً، فكان يفتي بذلك في أثناء خلافة عمر بن الخطاب، فلما رأى عمر بن الخطاب أن يفرد الحج عن العمرة ترك فتياه مهابة لأمير المؤمنين عمر رضي الله عنه وأرضاه‏.‏

وقال الإمام أحمد‏:‏ حدثنا عبد الرزاق، أنبأنا سفيان عن عون ابن أبي جحيفة، عن أبيه قال‏:‏ رأيت بلالاً يؤذن، ويدور، ويتبع فاه هاهنا وهاهنا، وأصبعاه في أذنه‏.‏

قال‏:‏ ورسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم في قبة حمراء أراها من أدم‏.‏

قال‏:‏ فخرج بلال بين يديه بالعنزة فركزها، فصلى رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم‏.‏

قال عبد الرزاق‏:‏ وسمعته بمكة قال‏:‏ بالبطحاء يمر بين يديه الكلب والمرأة، والحمار، وعليه حلة حمراء، كأني أنظر إلى بريق ساقيه‏.‏

قال سفيان‏:‏ نراها حبرة‏.‏

وقال أحمد‏:‏ ثنا وكيع، ثنا سفيان عن عون ابن أبي جحيفة، عن أبيه قال‏:‏ أتيت النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم بالأبطح وهو في قبة له حمراء، فخرج بلال بفضل وضوئه، فمن ناضح ونائل‏.‏

قال‏:‏ فأذَّن بلال، فكنت أتتبع فاه هكذا وهكذا - يعني‏:‏ يميناً وشمالاً -‏.‏

قال‏:‏ ثم ركزت له عنزة، فخرج رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم وعليه جبة له حمراء، أو حلة حمراء، وكأني أنظر إلى بريق ساقيه، فصلى بنا إلى عنزة الظهر، أو العصر ركعتين، تمر المرأة والكلب والحمار لا يمنع، ثم لم يزل يصلي ركعتين حتَّى أتى المدينة‏.‏

وقال مرة‏:‏ فصلى الظهر ركعتين، والعصر ركعتين‏.‏

وأخرجاه في الصحيحين من حديث سفيان الثوري‏.‏

وقال أحمد أيضاً‏:‏ ثنا محمد بن جعفر، ثنا شعبة وحجاج عن الحكم سمعت أبا جحيفة قال‏:‏ خرج رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم بالهاجرة إلى البطحاء، فتوضأ وصلى الظهر ركعتين، وبين يديه عنزة‏.‏

وزاد فيه عون عن أبيه، عن أبي جحيفة‏:‏ وكان يمر من ورائنا الحمار والمرأة‏.‏

قال حجاج في الحديث‏:‏ ثم قام النَّاس فجعلوا يأخذون يده فيمسحون بها وجوههم‏.‏

قال‏:‏ فأخذت يده فوضعتها على وجهي فإذا هي أبرد من الثلج، وأطيب ريحاً من المسك‏.‏

وقد أخرجه صاحبا الصحيح من حديث شعبة بتمامه‏.‏

فصل صلاته صلَّى الله عليه وسلَّم بالأبطح الصبح وهو يوم التروية

فأقام عليه السلام بالأبطح كما قدمنا يوم الأحد، ويوم الاثنين، ويوم الثلاثاء، ويوم الأربعاء، وقد حل النَّاس إلا من ساق الهدي، وقدم في هذه الأيام علي ابن أبي طالب من اليمن بمن معه من المسلمين، وما معه من الأموال، ولم يعد عليه السلام إلى الكعبة بعد ما طاف بها، فلما أصبح عليه السلام يوم الخميس صلى بالأبطح الصبح من يومئذ، وهو يوم التروية، ويقال له‏:‏ يوم منى لأنه يسار فيه إليها‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏5/187‏)‏

وقد روي أن النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم خطب قبل هذا اليوم ويقال للذي قبله فيما رأيته في بعض التعاليق‏:‏ يوم الزينة، لأنه يزين فيه البدن بالجلال ونحوها، فالله أعلم‏.‏

قال الحافظ البيهقي‏:‏ أنبأنا أبو عبد الله الحافظ، أنبأنا أحمد بن محمد بن جعفر الجلودي، ثنا محمد بن إسماعيل بن مهران، ثنا محمد بن يوسف، ثنا أبو قرة عن موسى بن عقبة، عن نافع، عن ابن عمر قال‏:‏ كان رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم إذا خطب يوم التروية، خطب النَّاس فأخبرهم بمناسكهم، فركب عليه السلام قاصداً إلى منى قبل الزوال، وقيل‏:‏ بعده، وأحرم الذين كانوا قد حلوا بالحج من الأبطح حين توجهوا إلى منى، وانبعثت رواحلهم نحوها‏.‏

قال عبد الملك عن عطاء، عن جابر بن عبد الله‏:‏ قدمنا مع رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم فأحللنا حتَّى كان يوم التروية، وجعلنا مكة منا بظهر، لبينا بالحج‏.‏

ذكره البخاري تعليقاً مجزوماً‏.‏

وقال مسلم‏:‏ ثنا محمد بن حاتم، ثنا يحيى بن سعيد عن ابن جريج، أخبرني أبو الزبير عن جابر قال‏:‏ أمرنا رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم لما أحللنا أن نحرم إذا توجهنا إلى منى‏.‏

قال‏:‏ وأهللنا من الأبطح‏.‏

وقال عبيد بن جريج لابن عمر‏:‏ رأيتك اذا كنت بمكة أهل النَّاس اذا رأوا الهلال، ولم تهل أنت حتَّى يوم التروية‏.‏

فقال‏:‏ لم أر النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم يهل حتَّى تنبعث به راحلته‏.‏

رواه البخاري في جملة حديث طويل‏.‏

قال البخاري‏:‏ وسئل عطاء عن المجاوز منى يلبي بالحج‏؟‏

فقال‏:‏ كان ابن عمر يلبي يوم التروية إذا صلى الظهر واستوى على راحلته‏.‏

قلت‏:‏ هكذا كان ابن عمر يصنع إذا حج معتمراً، يحل من العمرة، فإذا كان يوم التروية لا يلبي حتَّى تنبعث به راحلته متوجهاً إلى منى، كما أحرم رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم من ذي الحليفة بعد ما صلى الظهر، وانبعثت به راحلته، لكن يوم التروية لم يصل النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم الظهر بالأبطح، وإنما صلاها يومئذ بمنى، وهذا مما لا نزاع فيه‏.‏

قال البخاري باب أين يصلي الظهر يوم التروية‏:‏ حدثنا عبد الله بن محمد، ثنا إسحاق الأزرق، ثنا سفيان عن عبد العزيز بن رفيع قال‏:‏ سألت أنس بن مالك قال‏:‏ قلت‏:‏ أخبرني بشيء علقت من رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم أين صلى الظهر والعصر يوم التروية‏؟‏

قال‏:‏ بمنى‏.‏

قلت‏:‏ فأين صلى العصر يوم النفر‏؟‏

قال‏:‏ بالأبطح‏.‏

ثم قال‏:‏ إفعل كما يفعل أمراؤك‏.‏

وقد أخرجه بقية الجماعة، إلا ابن ماجه من طرق عن إسحاق بن يوسف الأزرق، عن سفيان الثوري به‏.‏

وكذلك رواه الإمام أحمد عن إسحاق بن يوسف الأزرق به‏.‏

وقال التِّرمذي‏:‏ حسن صحيح يستغرب من حديث الأزرق عن الثوري‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏5/188‏)‏

ثم قال البخاري‏:‏ أنبأنا علي سمع أبا بكر ابن عياش، ثنا عبد العزيز بن رفيع قال‏:‏ لقيت أنس بن مالك، وحدثني إسماعيل بن أبان، ثنا أبو بكر ابن عياش عن عبد العزيز قال‏:‏ خرجت إلى منى يوم التروية فلقيت أنساً ذاهباً على حمار، فقلت‏:‏ أين صلى النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم هذا اليوم الظهر‏؟‏

فقال‏:‏ انظر حيث صلى أمراؤك فصلي‏.‏

وقال أحمد‏:‏ ثنا أسود بن عامر، ثنا أبو كدينة عن الأعمش، عن الحكم، عن مقسم، عن ابن عبَّاس أن رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم صلى خمس صلوات بمنى‏.‏

وقال أحمد أيضاً‏:‏ حدثنا أسود بن عامر، ثنا أبو محياة يحيى بن يعلى التيمي عن الأعمش، عن الحكم، عن مقسم، عن ابن عبَّاس أن النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم صلى الظهر يوم التروية بمنى، وصلى الغداة يوم عرفة بها‏.‏

وقد رواه أبو داود عن زهير بن حرب، عن أحوص، عن جواب، عن عمار بن رزيق، عن سليمان بن مهران الأعمش به، ولفظه‏:‏ صلى رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم الظهر يوم التروية والفجر يوم عرفة بمنى‏.‏

وأخرجه التِّرمذي عن الأشج، عن عبد الله بن الأجلح، عن الأعمش بمعناه، وقال‏:‏ ليس هذا مما عده شعبة فيما سمعه الحكم عن مقسم‏.‏

وقال التِّرمذي‏:‏ ثنا أبو سعيد الأشج، ثنا عبد الله بن الأجلح عن إسماعيل بن مسلم، عن عطاء، عن ابن عبَّاس قال‏:‏ صلى بنا رسول الله بمنى الظهر، والعصر، والمغرب، والعشاء، والفجر، ثم غدا إلى عرفات‏.‏

ثم قال‏:‏ وإسماعيل بن مسلم قد تكلم فيه، وفي الباب عن عبد الله بن الزبير، وأنس ابن مالك‏.‏

وقال الإمام أحمد عمن رأى النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم‏:‏ أنه راح إلى منى يوم التروية وإلى جانبه بلال بيده عود عليه ثوب يظلل به رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم يعني‏:‏ من الحر، تفرد به أحمد‏.‏

وقد نص الشافعي على أنه عليه السلام ركب من الأبطح إلى منى بعد الزوال، ولكنه إنما صلى الظهر بمنى، فقد يستدل له بهذا الحديث والله أعلم‏.‏

وتقدم في حديث جعفر بن محمد عن أبيه، عن جابر قال‏:‏ فحل النَّاس كلهم، وقصروا، إلا النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم ومن كان معه هدي، فلما كان يوم التروية توجهوا إلى منى فأهلوا بالحج، وركب رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم فصلى بها الظهر، والعصر، والمغرب، والعشاء، والفجر، ثم مكث قليلاً حتَّى طلعت الشمس، وأمر بقبة له من شعر فضربت له بنمرة، فسار رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم ولا تشك قريش إلا أنه واقف عند المشعر الحرام كما كانت قريش تصنع في الجاهلية، فأجاز رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم حتَّى أتى عرفة فوجد القبة قد ضربت له بنمرة فنزل بها، حتَّى إذا زاغت الشمس أمر بالقصواء فرحلت له فأتى بطن الوادي فخطب النَّاس وقال‏:‏ ‏(‏‏(‏إن دماءكم وأموالكم حرام عليكم كحرمة يومكم هذا، في شهركم هذا، في بلدكم هذا، ألا كل شيء من أمر الجاهلية موضوع تحت قدمي، ودماء الجاهلية موضوعة، وإن أول دم أضع من دمائنا دم ابن ربيعة بن الحارث، وكان مسترضعاً في بني سعد فقتلته هذيل، وربا الجاهلية موضوع، وأول ربا أضع من ربانا ربا العبَّاس بن عبد المطلب، فإنه موضوع كله، واتقوا الله في النساء، فإنكم أخذتموهن بأمانة الله، واستحللتم فروجهن بكلمة الله، ولكم عليهن أن لا يوطئن فرشكم أحد تكرهونه، فإن فعلن ذلك فاضربوهن ضرباً غير مبرح، ولهن عليكم رزقهن وكسوتهن بالمعروف، وقد تركت فيكم ما لن تضلوا بعدي إن اعتصمتم به، كتاب الله، وأنتم تُسألون عني فما أنتم قائلون‏؟‏‏)‏‏)‏

قالوا‏:‏ نشهد أنك قد بلغت وأديت، ونصحت‏.‏

فقال بأصبعه السبابة يرفعها إلى السماء وينكتها على النَّاس‏:‏ ‏(‏‏(‏اللهم اشهد، اللهم اشهد، اللهم اشهد، ثلاث مرات‏)‏‏)‏‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏5/189‏)‏

وقال أبو عبد الرحمن النسائي‏:‏ أنبأنا علي بن حجر عن مغيرة، عن موسى بن زياد بن حذيم بن عمرو السعدي، عن أبيه، عن جده قال‏:‏ سمعت رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم يقول في خطبته يوم عرفة في حجة الوداع‏:‏ ‏(‏‏(‏إعلموا أن دماءكم وأموالكم وأعراضكم حرام عليكم، كحرمة يومكم هذا، كحرمة شهركم هذا، كحرمة بلدكم هذا‏)‏‏)‏‏.‏

وقال أبو داود - باب الخطبة على المنبر بعرفة -‏:‏ حدثنا هناد عن ابن أبي زائدة، ثنا سفيان بن عيينة عن زيد بن أسلم، عن رجل من بني ضمرة، عن أبيه أو عمه قال‏:‏ رأيت رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم وهو على المنبر بعرفة‏.‏

وهذا الإسناد ضعيف، لأن فيه رجلاً مبهماً‏.‏

ثم تقدم في حديث جابر الطويل أنه عليه السلام خطب على ناقته القصواء‏.‏

ثم قال أبو داود‏:‏ ثنا مسدد، ثنا عبد الله بن داود عن سلمة بن نبيط، عن رجل من الحي، عن أبيه نبيط، أنه رأى رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم واقف بعرفة على بعير أحمر يخطب‏.‏

وهذا فيه مبهم أيضاً، ولكن حديث جابر شاهد له‏.‏

ثم قال أبو داود‏:‏ حدثنا هناد بن السري، وعثمان ابن أبي شيبة قالا‏:‏ ثنا وكيع عن عبد المجيد ابن أبي عمرو قال‏:‏ حدثني العداء بن خالد بن هوذة وقال هناد عن عبد المجيد‏:‏ حدثني خالد بن العداء بن هوذة قال‏:‏ رأيت رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم يخطب النَّاس يوم عرفة على بعير قائماً في الركابين‏.‏

قال أبو داود‏:‏ رواه ابن العلاء عن وكيع، كما قال هناد، وحدثنا عبَّاس بن عبد العظيم، ثنا عثمان بن عمر، ثنا عبد المجيد أبو عمرو عن العداء بن خالد بمعناه‏.‏

وفي الصحيحين عن ابن عبَّاس قال‏:‏ سمعت رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم يخطب بعرفات‏:‏ ‏(‏‏(‏من لم يجد نعلين فليلبس الخفين، ومن لم يجد إزاراً فليلبس السراويل للمحرم‏)‏‏)‏‏.‏

وقال محمد بن إسحاق‏:‏ حدثني يحيى بن عباد بن عبد الله بن الزبير عن أبيه عباد قال‏:‏ كان الرجل الذي يصرخ في النَّاس بقول رسول الله - وهو بعرفة -‏:‏ ربيعة بن أمية بن خلف‏.‏

قال‏:‏ يقول له رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم‏:‏ ‏(‏‏(‏قل‏:‏ أيها النَّاس إن رسول الله يقول‏:‏ هل تدرون أي شهر هذا‏؟‏‏)‏‏)‏

فيقولون‏:‏ الشهر الحرام‏.‏

فيقول‏:‏ ‏(‏‏(‏قل لهم‏:‏ إن الله قد حرم عليكم دماءكم وأموالكم كحرمة شهركم هذا‏)‏‏)‏‏.‏

ثم يقول‏:‏ ‏(‏‏(‏قل‏:‏ أيها النَّاس إن رسول الله يقول‏:‏ هل تدرون أي بلد هذا‏؟‏‏)‏‏)‏ وذكر تمام الحديث‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏5/190‏)‏

وقال محمد بن إسحاق‏:‏ حدثني ليث ابن أبي سليم عن شهر بن حوشب، عن عمرو بن خارجة قال‏:‏ بعثني عتاب بن أسيد إلى رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم وهو واقف بعرفة في حاجة فبلَّغته، ثم وقفت تحت ناقته وإن لعابها ليقع على رأسي، فسمعته يقول‏:‏ ‏(‏‏(‏أيها النَّاس إن الله أدى إلى كل ذي حق حقه، وإنه لا تجوز وصية لوارث، والولد للفراش، وللعاهر الحجر، ومن ادعى إلى غير أبيه، أو تولى غير مواليه فعليه لعنة الله والملائكة، والنَّاس أجمعين، لا يقبل الله له صرفاً ولا عدلاً‏)‏‏)‏‏.‏

ورواه التِّرمذي، والنسائي، وابن ماجه من حديث قتادة عن شهر بن حوشب، عن عبد الرحمن بن غنم، عن عمرو بن خارجة به‏.‏

وقال التِّرمذي‏:‏ حسن صحيح‏.‏

قلت‏:‏ وفيه اختلاف على قتادة، والله أعلم‏.‏

وسنذكر الخطبة التي خطبها عليه السلام بعد هذه الخطبة يوم النحر وما فيها من الحكم والمواعظ والتفاصيل، والآداب النبوية، إن شاء الله‏.‏

قال البخاري - باب التلبية والتكبير إذا غدا من منى إلى عرفة -‏:‏ حدثنا عبد الله بن يوسف، أنبأنا مالك عن محمد ابن أبي بكر الثقفي أنه سأل أنس بن مالك - وهما غاديان من منى إلى عرفة - كيف كنتم تصنعون في هذا اليوم مع رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم‏؟‏

فقال‏:‏ كان يهلُّ منا المهل فلا ينكر عليه، ويكبر المكبر منا فلا ينكر عليه‏.‏

وأخرجه مسلم من حديث مالك، وموسى بن عقبة، كلاهما عن محمد ابن أبي بكر ابن عوف بن رباح الثقفي الحجازي، عن أنس به‏.‏

وقال البخاري‏:‏ ثنا عبد الله بن مسلمة، ثنا مالك عن ابن شهاب، عن سالم بن عبد الله أن عبد الملك بن مروان كتب إلى الحجاج بن يوسف‏:‏ أن يأتم بعبد الله بن عمر في الحج، فلما كان يوم عرفة جاء ابن عمر وأنا معه حين زاغت الشمس - أو زالت الشمس - فصاح عند فسطاطه‏:‏ أين هذا‏؟‏

فخرج إليه‏.‏

فقال ابن عمر‏:‏ الرواح‏.‏

فقال‏:‏ الآن‏؟‏

قال‏:‏ نعم‏!‏

فقال‏:‏ أنظرني حتَّى أفيض علي ماء‏.‏

فنزل ابن عمر حتَّى خرج فسار بيني وبين أبي فقلت‏:‏ إن كنت تريد أن تصيب السنة اليوم فأقصر الخطبة وعجِّل الوقوف‏.‏

فقال ابن عمر‏:‏ صدق‏.‏

ورواه البخاري أيضاً عن القعنبي، عن مالك‏.‏

وأخرجه النسائي من حديث أشهب، وابن وهب عن مالك‏.‏

ثم قال البخاري بعد روايته هذا الحديث‏:‏ وقال الليث‏:‏ حدثني عقيل عن ابن شهاب، عن سالم أن الحجاج عام نزل بابن الزبير سأل عبد الله‏:‏ كيف تصنع في هذا الموقف‏؟‏

فقال‏:‏ إن كنت تريد السُّنة فهجر بالصلاة يوم عرفة‏.‏

فقال ابن عمر‏:‏ صدق، إنهم كانوا يجمعون بين الظهر والعصر في السنة‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏5/191‏)‏

فقلت لسالم‏:‏ أفعل ذلك رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم‏؟‏

فقال‏:‏ هل تبتغون بذلك إلا سنة‏.‏

وقال أبو داود‏:‏ ثنا أحمد بن حنبل، ثنا يعقوب، ثنا أبي عوف عن ابن إسحاق، عن نافع، عن ابن عمر‏:‏ أن رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم غدا من منى حين صلى الصبح صبيحة يوم عرفة فنزل بنمرة، وهي منزل الإمام الذي ينزل به بعرفة، حتَّى اذا كان عند صلاة الظهر راح رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم مهجراً، فجمع بين الظهر والعصر‏.‏

وهكذا ذكر جابر في حديثه بعد ما أورد الخطبة المتقدمة قال‏:‏ ثم أذن بلال ثم أقام فصلى الظهر، ثم أقام فصلى العصر ولم يصل بينهما شيئاً، وهذا يقتضي أنه عليه السلام خطب أولاً، ثم أقيمت الصلاة، ولم يتعرض للخطبة الثانية‏.‏

وقد قال الشافعي‏:‏ أنبأنا إبراهيم بن محمد وغيره عن جعفر بن محمد، عن أبيه، وعن جابر في حجة الوداع قال‏:‏ فراح النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم إلى الموقف بعرفة، فخطب النَّاس الخطبة الأولى، ثم أذن بلال، ثم أخذ النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم في الخطبة الثانية ففرغ من الخطبة وبلال من الأذان، ثم أقام بلال فصلى الظهر، ثم أقام فصلى العصر‏.‏

قال البيهقي‏:‏ تفرد به إبراهيم بن محمد ابن أبي يحيى‏.‏

قال مسلم عن جابر‏:‏ ثم ركب رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم حتَّى أتى الموقف فجعل بطن ناقته القصواء إلى الصخرات، وجعل جبل المشاة بين يديه واستقبل القبلة‏.‏

وقال البخاري‏:‏ ثنا يحيى بن سليمان عن ابن وهب، أخبرني عمرو بن الحارث عن بكير، عن كريب، عن ميمونة أن النَّاس شكوا في صيام النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم، فأرسلت إليه بحلاب وهو واقف في الموقف فشرب منه، والنَّاس ينظرون‏.‏

وأخرجه مسلم عن هارون بن سعيد الإيلي، عن ابن وهب به‏.‏

وقال البخاري‏:‏ أنبأنا عبد الله بن يوسف، أنبأنا مالك عن النضر مولى عمر بن عبيد الله، عن عمير مولى ابن عبَّاس، عن أم الفضل بنت الحارث أن ناساً تماروا عندها يوم عرفة في صوم النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم فقال بعضهم‏:‏ هو صائم، وقال بعضهم‏:‏ ليس بصائم، فأرسلت إليه بقدح لبن وهو واقف على بعيره فشربه‏.‏

ورواه مسلم من حديث مالك أيضاً، وأخرجاه من طرق أخر عن أبي النضر به‏.‏

قلت‏:‏ أم الفضل هي‏:‏ أخت ميمونة بنت الحارث أم المؤمنين، وقصتهما واحدة، والله أعلم‏.‏

وصح إسناد الإرسال إليها أنه من عندها، اللهم إلا أن يكون بعد ذلك، أو تعدد الإرسال من هذه ومن هذه، والله أعلم‏.‏

وقال الإمام أحمد‏:‏ ثنا إسماعيل، ثنا أيوب قال‏:‏ لا أدري أسمعته من سعيد بن جبير، أم عن بنيه عنه قال‏:‏ أتيت على ابن عبَّاس وهو بعرفة، وهو يأكل رمانا، وقال‏:‏ أفطر رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم بعرفة، وبعثت إليه أم الفضل بلبن فشربه‏.‏

وقال أحمد‏:‏ ثنا وكيع، ثنا ابن أبي ذئب عن صالح مولى التؤمة، عن ابن عبَّاس أنهم تماروا في صوم النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم يوم عرفة، فأرسلت أم فضل إلى رسول الله بلبن فشربه‏.‏

وقال الإمام أحمد‏:‏ ثنا عبد الرزاق وأبو بكر قالا‏:‏ أنبأنا ابن جريج قال‏:‏ قال عطاء‏:‏ دعا عبد الله بن عبَّاس الفضل بن عبَّاس إلى الطعام يوم عرفة‏.‏

فقال‏:‏ إني صائم‏.‏

فقال عبد الله‏:‏ لا تصم، فإن رسول الله قرب إليه حلاب فيه لبن يوم عرفة فشرب منه، فلا تصم فإن النَّاس مستنون بكم‏.‏

وقال ابن بكير وروح‏:‏ إن النَّاس يستنون بكم‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏5/192‏)‏

وقال البخاري‏:‏ ثنا سليمان بن حرب، ثنا حماد بن زيد عن أيوب، عن سعيد بن جبير، عن ابن عبَّاس قال‏:‏ بينا رجل واقف مع النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم بعرفة إذ وقع عن راحلته فوقصته أو قال‏:‏ فأوقصته‏.‏

فقال النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم‏:‏ ‏(‏‏(‏اغسلوه بماء وسدر، وكفنوه في ثوبين، ولا تمسوه طيباً، ولا تخمروا رأسه، ولا تحنطوه، فإن الله يبعثه يوم القيامة ملبياً‏)‏‏)‏‏.‏

ورواه مسلم عن أبي الربيع الزهراني، عن حماد بن زيد‏.‏

وقال النسائي‏:‏ أنبأنا إسحاق بن إبراهيم - هو‏:‏ ابن راهويه -، أخبرنا وكيع، أنبأنا سفيان الثوري عن بكير بن عطاء، عن عبد الرحمن بن يعمر الديلي قال‏:‏ شهدت رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم بعرفة، وأتاه أناس من أهل نجد فسألوه عن الحج فقال رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم‏:‏ ‏(‏‏(‏الحج عرفة، فمن أدرك ليلة عرفة قبل طلوع الفجر من ليلة جمع فقد تمَّ حجه‏)‏‏)‏‏.‏

وقد رواه بقية أصحاب السنن من حديث سفيان الثوري، زاد النسائي وشعبة عن بكير بن عطاء به‏.‏

وقال النسائي‏:‏ أنبأنا قتيبة، أنبأنا سفيان عن عمرو بن دينار، أخبرني‏:‏ عمرو بن عبد الله بن صفوان أن يزيد بن شيبان قال‏:‏ كنا وقوفاً بعرفة مكاناً بعيداً من الموقف، فأتانا ابن مربع الأنصاري فقال‏:‏ إني رسول رسول الله إليكم يقول لكم‏:‏ ‏(‏‏(‏كونوا على مشاعركم، فإنكم على إرثٍ من إرث أبيكم إبراهيم‏)‏‏)‏‏.‏

وقد رواه أبو داود، والتِّرمذي، وابن ماجه من حديث سفيان بن عيينة به‏.‏

وقال التِّرمذي‏:‏ هذا حديث حسن، ولا نعرفه إلا من حديث ابن عيينة عن عمرو بن دينار وابن مربع، اسمه زيد بن مربع الأنصاري، وإنما يعرف له هذا الحديث الواحد‏.‏

قال‏:‏ وفي الباب عن علي، وعائشة، وجبير بن مطعم، والشريد بن سويد‏.‏

وقد تقدم من رواية مسلم عن جعفر بن محمد، عن أبيه، عن جابر أن رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم قال‏:‏ ‏(‏‏(‏وقفت هاهنا وعرفة كلها موقف‏)‏‏)‏‏.‏

زاد مالك في موطئه‏:‏ ‏(‏‏(‏وارفعوا عن بطن عرفة‏)‏‏)‏‏.‏

فصل دعاؤه صلَّى الله عليه وسلَّم يوم عرفة‏.‏

فيما حفظ من دعائه عليه السلام وهو واقف بعرفه‏.‏

قد تقدم أنه عليه السلام أفطر يوم عرفة، فدل على أن الإفطار هناك أفضل من الصيام، لما فيه من التقوي على الدعاء، لأنه المقصود الأهم هناك، ولهذا وقف عليه السلام وهو راكب على الراحلة من لدن الزوال إلى أن غربت الشمس‏.‏

وقد روى أبو داود الطيالسي في مسنده عن حوشب بن عقيل، عن مهدي الهجري، عن عكرمة، عن أبي هريرة، عن رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم أنه نهى عن صوم يوم عرفة بعرفة‏.‏

وقال الإمام أحمد‏:‏ حدثنا عبد الرحمن بن مهدي، ثنا حوشب بن عقيل، حدثني مهدي المحاربي، حدثني عكرمة مولى ابن عبَّاس قال‏:‏ دخلت على أبي هريرة في بيته فسألته عن صوم يوم عرفة بعرفات‏؟‏

فقال‏:‏ نهى رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم عن صوم عرفة بعرفات‏.‏

وقال عبد الرحمن مرة عن مهدي العبدي‏.‏

وكذلك رواه أحمد عن وكيع، عن حوشب، عن مهدي العبدي فذكره‏.‏

وقد رواه أبو داود‏:‏ عن سليمان بن حرب، عن حوشب‏.‏

والنسائي‏:‏ عن سليمان ابن معبد، عن سليمان بن حرب به، وعن الفلاس، عن ابن مهدي به‏.‏

وابن ماجه عن أبي بكر ابن أبي شيبة، وعلي بن محمد، كلاهما عن وكيع، عن حوشب‏.‏

وقال الحافظ البيهقي‏:‏ أنبأنا أبو عبد الله الحافظ، وأبو سعيد ابن أبي عمرو قالا‏:‏ حدثنا أبو العبَّاس محمد بن يعقوب، ثنا أبو أسامة الكلبي، ثنا حسن بن الربيع، ثنا الحارث بن عبيد عن حوشب بن عقيل، عن مهدي الهجري، عن عكرمة، عن ابن عبَّاس قال‏:‏ نهى النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم عن صوم يوم عرفة بعرفة‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏5/193‏)‏

قال البيهقي‏:‏ كذا قال الحارث بن عبيد، والمحفوظ عن عكرمة، عن أبي هريرة‏.‏

وروى أبو حاتم محمد بن حبان البستي في صحيحه عن عبد الله بن عمرو أنه سئل عن صوم يوم عرفة‏؟‏

فقال‏:‏ حججت مع رسول الله فلم يصمه، ومع أبي بكر فلم يصمه، ومع عمر فلم يصمه، وأنا فلا أصومه، ولا آمر به ولا أنهى عنه‏.‏

قال الإمام مالك عن زياد ابن أبي زياد مولى ابن عبَّاس، عن طلحة بن عبيد الله بن كريز أن رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم قال‏:‏ ‏(‏‏(‏أفضل الدعاء يوم عرفة، وأفضل ما قلت أنا والنَّبيّون من قبلي لا إله إلا الله وحده لا شريك له‏)‏‏)‏‏.‏

قال البيهقي‏:‏ هذا مرسل، وقد روي عن مالك بإسناد آخر موصولاً، وإسناده ضعيف‏.‏

وقد روى الإمام أحمد والتِّرمذي من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه، عن جده أن رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم قال‏:‏ ‏(‏‏(‏أفضل الدعاء يوم عرفة، وخير من قلت أنا والنَّبيّون من قبلي‏:‏ لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك، وله الحمد، وهو على كل شيء قدير‏)‏‏)‏‏.‏

وللإمام أحمد أيضاً عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده قال‏:‏ كان أكثر دعاء النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم يوم عرفة، لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك، وله الحمد، وهو على كل شيء قدير‏.‏

وقال أبو عبد الله ابن منده‏:‏ أنبأنا أحمد بن إسحاق بن أيوب النيسابوري، ثنا أحمد بن داود بن جابر الأحمسي، ثنا أحمد بن إبراهيم الموصلي، ثنا فرج بن فضالة عن يحيى بن سعيد، عن نافع، عن ابن عمر قال‏:‏ قال رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم‏:‏ ‏(‏‏(‏دعائي ودعاء الأنبياء قبلي عشية عرفة لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، وهو على كل شيء قدير‏)‏‏)‏‏.‏

وقال الإمام أحمد‏:‏ ثنا يزيد - يعني‏:‏ ابن عبد ربه الجرجسي -، ثنا بقية بن الوليد، حدثني جبير بن عمرو القرشي عن أبي سعيد الأنصاري، عن أبي يحيى مولى آل الزبير بن العوام، عن الزبير بن العوام رضي الله عنه قال‏:‏ سمعت رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم وهو بعرفة يقرأ هذه الآية‏:‏ ‏(‏‏(‏‏{‏شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلَائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِماً بِالْقِسْطِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ‏}‏ ‏[‏آل عمران‏:‏ 18‏]‏‏.‏ وأنا على ذلك من الشاهدين يا رب‏)‏‏)‏‏.‏

وقال الحافظ أبو القاسم الطبراني في مناسكه‏:‏ ثنا الحسن بن مثنى بن معاذ العنبري، ثنا عفان ابن مسلم، ثنا قيس بن الربيع عن الأغر بن الصباح، عن خليفة، عن علي قال‏:‏ قال رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم‏:‏ ‏(‏‏(‏أفضل ما قلت أنا والأنبياء قبلي عشية عرفة لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، وهو على كل شيء قدير‏)‏‏)‏‏.‏

وقال التِّرمذي في ‏(‏الدعوات‏)‏‏:‏ ثنا محمد بن حاتم المؤدب، ثنا علي بن ثابت، ثنا قيس بن الربيع وكان - من بني أسد - عن الأغر بن الصباح، عن خليفة بن حصين، عن علي رضي الله عنه قال‏:‏ كان أكثر ما دعا به رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم يوم عرفة في الموقف ‏(‏‏(‏اللهم لك الحمد كالذي نقول، وخير مما نقول، اللهم لك صلاتي ونسكي، ومحياي ومماتي، ولك رب تراثي، أعوذ بك من عذاب القبر، ووسوسة الصدر، وشتات الأمر، اللهم إني أعوذ بك من شر ما تهب به الريح‏)‏‏)‏‏.‏

ثم قال‏:‏ غريب من هذا الوجه، وليس إسناده بالقوي‏.‏

وقد رواه الحافظ البيهقي من طريق موسى بن عبيدة عن أخيه عبد الله بن عبيدة، عن علي قال‏:‏ قال رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم‏:‏ ‏(‏‏(‏إن أكثر دعاء من كان قبلي ودعائي يوم عرفة أن أقول‏:‏ لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، وهو على كل شيء قدير، اللهم اجعل في بصري نوراً، وفي سمعي نوراً، وفي قلبي نوراً، اللهم اشرح لي صدري، ويسر لي أمري، اللهم إني أعوذ بك من وسواس الصدر، وشتات الأمر، وشر فتنة القبر، وشر ما يلج في الليل، وشر ما يلج في النهار، وشر ما تهب به الرياح، وشر بوائق الدهر‏)‏‏)‏‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏5/194‏)‏

ثم قال‏:‏ تفرد به موسى بن عبيدة وهو ضعيف، وأخوه عبد الله لم يدرك علياً‏.‏

وقال الطبراني في مناسكه‏:‏ حدثنا يحيى بن عثمان النصري، ثنا يحيى بن بكير، ثنا يحيى بن صالح الأيلي عن إسماعيل بن أمية، عن عطاء ابن أبي رباح، عن ابن عبَّاس قال‏:‏ كان فيما دعا به رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم في حجة الوداع‏:‏ ‏(‏‏(‏اللهم إنك تسمع كلامي، وترى مكاني، وتعلم سري وعلانيتي، ولا يخفى عليك شيء من أمري، أنا البائس الفقير، المستغيث المستجير، الوجل المشفق، المقر المعترف بذنبه، أسألك مسألة المسكين، وأبتهل إليك ابتهال الذليل، وأدعوك دعاء الخائف الضرير، من خضعت لك رقبته، وفاضت لك عبرته، وذل لك جسده، ورغم لك أنفه، اللهم لا تجعلني بدعائك رب شقياً، وكن بي رؤوفاً رحيماً، يا خير المسئولين، ويا خير المعطين‏)‏‏)‏‏.‏

وقال الإمام أحمد‏:‏ حدثنا هشيم، أنبأنا عبد الملك، ثنا عطاء قال‏:‏ قال أسامة بن زيد‏:‏ كنت رديف النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم بعرفات فرفع يديه يدعو، فمالت به ناقته فسقط خطامها قال‏:‏ فتناول الخطام بإحدى يديه وهو رافع يده الأخرى‏.‏

وهكذا رواه النسائي عن يعقوب بن إبراهيم، عن هشيم‏.‏

وقال الحافظ البيهقي‏:‏ أنبأنا أبو عبد الله الحافظ، ثنا أبو عبد الله محمد بن يعقوب، ثنا علي بن الحسن، ثنا عبد المجيد بن عبد العزيز، ثنا ابن جريج عن حسين بن عبد الله الهاشمي، عن عكرمة، عن ابن عبَّاس قال‏:‏ رأيت رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم يدعو بعرفة يداه إلى صدره كاستطعام المسكين‏.‏

وقال أبو داود الطيالسي في مسنده‏:‏ حدثنا عبد القاهر بن السري، حدثني ابن كنانة بن العبَّاس بن مرداس عن أبيه، عن جده عبَّاس بن مرداس أن رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم دعا عشية عرفة لأمته بالمغفرة والرحمة، فأكثر الدعاء، فأوحى الله إليه ‏(‏‏(‏إني قد فعلت، إلا ظلم بعضهم بعضاً، وأما ذنوبهم فيما بيني وبينهم فقد غفرتها‏)‏‏)‏‏.‏

فقال‏:‏ ‏(‏‏(‏يا رب إنك قادر على أن تثيب هذا المظلوم خير من مظلمته، وتغفر لهذا الظالم‏)‏‏)‏‏.‏

فلم يجبه تلك العشية، فلما كان غداة المزدلفة أعاد الدعاء، فأجابه الله تعالى‏:‏ ‏(‏‏(‏إني قد غفرت لهم‏)‏‏)‏‏.‏

فتبسم رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم‏.‏

فقال له بعض أصحابه‏:‏ يا رسول الله تبسمت في ساعة لم تكن تتبسم فيها‏.‏

قال‏:‏ ‏(‏‏(‏تبسمت من عدو الله إبليس، إنه لما علم أن الله عز وجل قد استجاب لي في أمتي أهوى يدعو بالويل والثبور، ويحثو التراب على رأسه‏)‏‏)‏‏.‏

ورواه أبو داود السجستاني في سننه عن عيسى بن إبراهيم البركي، وأبي الوليد الطيالسي، كلاهما عن عبد القاهر بن السري، عن ابن كنانة بن عبَّاس بن مرداس، عن أبيه، عن جده مختصراً‏.‏

ورواه ابن ماجه عن أيوب بن محمد الهاشمي بن عبد القاهر بن السري، عن عبد الله بن كنانة بن عبَّاس، عن أبيه، عن جده به مطولاً‏.‏

ورواه ابن جرير في تفسيره عن إسماعيل بن سيف العجلي، عن عبد القاهر بن السري، عن ابن كنانة يقال له‏:‏ أبو لبابة، عن أبيه، عن جده العبَّاس بن مرداس، فذكره‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏5/195‏)‏

وقال الحافظ أبو القاسم الطبراني‏:‏ ثنا إسحاق بن إبراهيم الدبري، ثنا عبد الرزاق، أنبأنا معمر عمن سمع قتادة يقول‏:‏ ثنا جلاس بن عمرو عن عبادة بن الصامت قال‏:‏ قال رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم يوم عرفة‏:‏ ‏(‏‏(‏أيها النَّاس إن الله تطول عليكم في هذا اليوم فغفر لكم إلا التبعات فيما بينكم، ووهب مسيئكم لمحسنكم، وأعطى محسنكم ما سأل، فادفعوا بسم الله‏)‏‏)‏‏.‏

فلما كانوا بجمع قال‏:‏ ‏(‏‏(‏إن الله قد غفر لصالحكم، وشفع لصالحيكم في طالحيكم، تنزل الرحمة فتعمهم، ثم تفرق الرحمة في الأرض، فتقع على كل تائب ممن حفظ لسانه ويده، وإبليس وجنوده على جبال عرفات ينظرون ما يصنع الله بهم، فإذا نزلت الرحمة دعا هو وجنوده بالويل والثبور، كنت أستفزهم حقباً من الدهر المغفرة فغشيتهم، فيتفرقون يدعون بالويل والثبور‏)‏‏)‏‏.‏

ذكر ما نزل على رسول الله من الوحي في هذا الموقف

قال الإمام أحمد‏:‏ ثنا جعفر بن عون، ثنا أبو العميس عن قيس بن مسلم، عن طارق بن شهاب قال‏:‏ جاء رجل من اليهود إلى عمر بن الخطاب فقال‏:‏ يا أمير المؤمنين إنكم تقرؤون آية في كتابكم لو علينا معشر اليهود نزلت لاتخذنا ذلك اليوم عيداً‏.‏

قال‏:‏ وأي آية هي‏؟‏

قال‏:‏ قوله تعالى‏:‏ ‏(‏‏(‏اليوم أكملت لكم دينكم، وأتممت عليكم نعمتي، ورضيت لكم الإسلام ديناً‏)‏‏)‏‏.‏

فقال عمر‏:‏ والله إني لأعلم اليوم الذي نزلت على رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم، والساعة التي نزلت فيها على رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم عشية عرفة في يوم جمعة‏.‏

ورواه البخاري عن الحسن بن الصباح، عن جعفر بن عون‏.‏

وأخرجه أيضاً مسلم والتِّرمذي، والنسائي من طرق عن قيس بن مسلم به‏.‏

ذكر إفاضته عليه السلام من عرفات إلى المشعر الحرام

قال جابر في حديثه الطويل‏:‏ فلم يزل واقفاً حتَّى غربت الشمس، وذهبت الصفرة قليلاً قليلاً حين غاب القرص، فأردف أسامة خلفه، ودفع رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم وقد شنق ناقته القصواء الزمام، حتَّى إن رأسها ليصيب مورك رجله، ويقول بيده اليمنى‏:‏ ‏(‏‏(‏أيها النَّاس السكينة، السكينة ‏!‏‏)‏‏)‏ كلما أتى جبلا من الجبال أرخى لها قليلاً حتَّى تصعد، حتَّى أتى المزدلفة فصلى بها المغرب والعشاء بأذان وإقامتين، ولم يسبح بينهما شيئاً، رواه مسلم‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏5/196‏)‏

وقال البخاري - باب السير إذا دفع من عرفة -‏:‏ حدثنا عبد الله بن يوسف، أنبأنا مالك عن هشام بن عروة، عن أبيه قال‏:‏ سئل أسامة وأنا جالس كيف كان النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم يسير في حجة الوداع حين دفع‏؟‏

قال‏:‏ كان يسير العنق، فإذا وجد فجوة نص‏.‏

قال هشام‏:‏ والنص فوق العنق‏.‏

ورواه الإمام أحمد، وبقية الجماعة إلا التِّرمذي من طرق عدة عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن أسامة بن زيد‏.‏

وقال الإمام أحمد‏:‏ ثنا يعقوب، ثنا أبي عن ابن إسحاق، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن أسامة بن زيد قال‏:‏ كنت رديف رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم عشية عرفة‏.‏

قال‏:‏ فلما وقعت الشمس، دفع رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم فلما سمع حطمة النَّاس خلفه قال‏:‏ ‏(‏‏(‏رويداً أيها النَّاس، عليكم السكينة إن البر ليس بالإيضاع‏)‏‏)‏‏.‏

قال‏:‏ فكان رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم إذا التحم عليه النَّاس أعنق، وإذا وجد فرجة نص، حتَّى أتى المزدلفة فجمع فيها بين الصلاتين المغرب والعشاء الآخرة‏.‏

ثم رواه الإمام أحمد من طريق محمد بن إسحاق، حدثني إبراهيم بن عقبة عن كريب، عن أسامة بن زيد، فذكر مثله‏.‏

وقال الإمام أحمد‏:‏ ثنا أبو كامل، ثنا حماد عن قيس بن سعد، عن عطاء، عن ابن عبَّاس، عن أسامة بن زيد قال‏:‏ أفاض رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم من عرفة وأنا رديفه، فجعل يكبح راحلته حتَّى إن ذفراها ليكاد يصيب قادمة الرحل ويقول‏:‏ ‏(‏‏(‏يا أيها النَّاس عليكم السكينة والوقار، فإن البر ليس في إيضاع الإبل‏)‏‏)‏‏.‏

وكذا رواه عن عفان، عن حماد بن سلمة به‏.‏

ورواه النسائي من حديث حماد بن سلمة به‏.‏

ورواه مسلم عن زهير بن حرب، عن يزيد بن هارون، عن عبد الملك ابن أبي سليمان، عن عطاء، عن ابن عبَّاس، عن أسامة بنحوه‏.‏

قال‏:‏ وقال أسامة‏:‏ فما زال يسير على هينة حتَّى أتى جمعاً‏.‏

وقال الإمام أحمد‏:‏ حدثنا أحمد بن الحجاج، ثنا ابن أبي فديك عن ابن أبي ذئب، عن شعبة، عن ابن عبَّاس، عن أسامة ابن زيد، أنه ردف رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم يوم عرفة حتَّى دخل الشعب، ثم أهراق الماء وتوضأ، ثم ركب ولم يصل‏.‏

وقال الإمام أحمد‏:‏ ثنا عبد الصمد، ثنا همام عن قتادة، عن عروة، عن الشعبي، عن أسامة بن زيد أنه حدثه‏:‏ قال‏:‏ كنت رديف رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم حين أفاض من عرفات، فلم ترفع راحلته رجلها غادية حتَّى بلغ جمعاً‏.‏

وقال الإمام أحمد‏:‏ ثنا سفيان عن إبراهيم بن عقبة، عن كريب، عن ابن عباس أخبرني أسامة بن زيد أن النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم أردفه من عرفة، فلما أتى الشعب نزل فبال، ولم يقل أهراق الماء، فصببت عليه فتوضأ وضوءاً خفيفاً فقلت‏:‏ الصلاة‏؟‏

فقال‏:‏ ‏(‏‏(‏الصلاة أمامك‏)‏‏)‏‏.‏

قال‏:‏ ثم أتى المزدلفة فصلى المغرب، ثم حلوا رحالهم، ثم صلى العشاء‏.‏

كذا رواه الإمام أحمد عن كريب، عن ابن عبَّاس، عن أسامة بن زيد فذكره‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏5/197‏)‏

ورواه النسائي عن الحسين بن حرب، عن سفيان بن عيينة، عن إبراهيم بن عقبة، ومحمد ابن أبي حرملة، كلاهما عن كريب، عن ابن عبَّاس، عن أسامة‏.‏

قال شيخنا أبو الحجاج المزي في ‏(‏أطرافه‏)‏‏:‏ والصحيح كريب عن أسامة‏.‏

وقال البخاري‏:‏ ثنا عبد الله بن يوسف، أنبأنا مالك عن موسى بن عقبة، عن كريب، عن أسامة بن زيد أنه سمعه يقول‏:‏ دفع رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم من عرفة، فنزل الشعب فبال ثم توضأ فلم يسبغ الوضوء فقلت له‏:‏ الصلاة‏؟‏

فقال‏:‏ ‏(‏‏(‏الصلاة أمامك‏)‏‏)‏‏.‏

فجاء المزدلفة فتوضأ فأسبغ، ثم أقيمت الصلاة فصلى المغرب، ثم أناخ كل إنسان بعيره في منزله، ثم أقيمت الصلاة فصلى العشاء ولم يصل بينهما‏.‏

وهكذا رواه البخاري أيضاً عن القعنبي، ومسلم عن يحيى بن يحيى، والنسائي عن قتيبة، عن مالك، عن موسى بن عقبة به‏.‏

وأخرجاه من حديث يحيى بن سعيد الأنصاري عن موسى بن عقبة أيضاً‏.‏

ورواه مسلم من حديث إبراهيم بن عقبة ومحمد بن عقبة عن كريب كنحو رواية أخيهما موسى بن عقبة عنه‏.‏

وقال البخاري أيضاً‏:‏ ثنا قتيبة، ثنا إسماعيل بن جعفر عن محمد ابن أبي حرملة، عن كريب، عن أسامة بن زيد أنه قال‏:‏ ردفت رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم فلما بلغ رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم الشعب الأيسر الذي دون المزدلفة أناخ فبال، ثم جاء فصببت عليه الوضوء فتوضأ وضوءاً خفيفاً‏.‏

فقلت‏:‏ الصلاة يا رسول الله‏؟‏

قال‏:‏ ‏(‏‏(‏الصلاة أمامك‏)‏‏)‏‏.‏

فركب رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم حتَّى أتى المزدلفة فصلى، ثم ردف الفضل رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم غداة جمع‏.‏

قال كريب‏:‏ فأخبرني عبد الله بن عبَّاس عن الفضل أن رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم لم يزل يلبي حتَّى بلغ الجمرة‏.‏

ورواه مسلم عن قتيبة، ويحيى بن يحيى بن أيوب وعلي بن حجر، أربعتهم عن إسماعيل بن جعفر به‏.‏

وقال الإمام أحمد‏:‏ ثنا وكيع، ثنا عمر بن ذر عن مجاهد، عن أسامة بن زيد أن رسول الله أردفه من عرفة قال‏:‏ فقال النَّاس‏:‏ سيخبرنا صاحبنا ما صنع‏.‏

قال‏:‏ فقال أسامة‏:‏ لما دفع من عرفة فوقف كفَّ رأس راحلته حتَّى أصاب رأسها واسطة الرحل، أو كاد يصيبه، يشير إلى النَّاس بيده‏:‏ ‏(‏‏(‏السكينة، السكينة، السكينة‏!‏‏!‏‏)‏‏)‏ حتَّى أتى جمعاً‏.‏

ثم أردف الفضل بن عبَّاس قال‏:‏ فقال النَّاس‏:‏ سيخبرنا صاحبنا بما صنع رسول الله‏.‏

فقال الفضل‏:‏ لم يزل يسير سيراً ليناً كسيره بالأمس حتَّى أتى على وادي محسر، فدفع فيه حتَّىاستوت به الأرض‏.‏

وقال البخاري‏:‏ ثنا سعيد ابن أبي مريم، ثنا إبراهيم بن سويد، حدثني عمرو ابن أبي عمرو ومولى المطلب، أخبرني سعيد بن جبير مولى والبة الكوفي، حدثني ابن عبَّاس‏:‏ أنه دفع النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم يوم عرفة، فسمع النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم وراءه زجراً شديداً وضرباً للإبل فأشار بسوطه إليهم وقال‏:‏ ‏(‏‏(‏أيها النَّاس عليكم بالسكينة، فإن البر ليس بالإيضاع‏)‏‏)‏‏.‏

تفرد به البخاري من هذا الوجه‏.‏

وقد تقدم رواية الإمام أحمد ومسلم والنسائي، هذا من طريق عطاء ابن أبي رباح عن ابن عبَّاس، عن أسامة بن زيد، فالله أعلم‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏ 5/198‏)‏

وقال الإمام أحمد‏:‏ حدثنا إسماعيل بن عمر، ثنا المسعودي عن الحكم، عن مقسم، عن ابن عبَّاس‏.‏

قال‏:‏ لما أفاض رسول من عرفات أوضع النَّاس، فأمر رسول الله منادياً ينادي‏:‏ أيها النَّاس ليس البر بإيضاع الخيل ولا الركاب‏.‏

قال‏:‏ فما رأيت من رافعة يديها غادية حتَّى نزل جمعاً‏.‏

وقال الإمام أحمد‏:‏ ثنا حسين وأبو نعيم قالا‏:‏ ثنا إسرائيل عن عبد العزيز بن رفيع قال‏:‏ حدثني من سمع ابن عبَّاس يقول‏:‏ لم ينزل رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم من عرفات وجمع إلا أريق الماء‏.‏

وقال الإمام أحمد‏:‏ ثنا يزيد بن هارون، أخبرنا عبد الملك عن أنس بن سيرين قال‏:‏ كنت مع ابن عمر بعرفات فلما كان حين راح معه حتَّى الإمام فصلى معه الأولى والعصر، ثم وقف وأنا وأصحاب لي حتَّى أفاض الإمام فأفضنا معه، حتَّى انتهينا إلى المضيق دون المأزمين فأناخ وأنخنا ونحن نحسب أنه يريد أن يصلي، فقال غلامه الذي يمسك راحلته‏:‏ إنه ليس يريد الصلاة، ولكنه ذكر أن النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم لما انتهى إلى هذا المكان قضى حاجته، فهو يحب أن يقضي حاجته‏.‏

وقال البخاري‏:‏ ثنا موسى، ثنا جويرية عن نافع قال‏:‏ كان عبد الله بن عمر يجمع بين المغرب العشاء بجمع، غير أنه يمر بالشعب الذي أخذه رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم فيدخل، فينتقص ويتوضأ ولا يصلي، حتَّى يجيء جمعاً‏.‏

تفرد به البخاري رحمه الله من هذا الوجه‏.‏

وقال البخاري‏:‏ ثنا آدم ابن أبي ذئب عن الزُّهري، عن سالم بن عبد الله، عن ابن عمر قال‏:‏ جمع النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم المغرب والعشاء بجمع كل واحدة منهما بإقامة، ولم يسبِّح بينهما، ولا على إثر واحدة منها‏.‏

ورواه مسلم عن يحيى بن يحيى، عن مالك، عن الزُّهري، عن سالم، عن ابن عمر أن رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم صلى المغرب والعشاء بالمزدلفة جميعاً‏.‏

ثم قال مسلم‏:‏ حدثني حرملة، حدثني ابن وهب، أخبرني يونس عن ابن شهاب أن عبيد الله بن عبد الله بن عمر أخبره أن أباه قال‏:‏ جمع رسول الله بين المغرب والعشاء بجمع ليس بينهما سجدة، فصلى المغرب ثلاث ركعات، وصلى العشاء ركعتين، فكان عبد الله يصلي بجمع كذلك حتى لحق بالله‏.‏

ثم روى مسلم من حديث شعبة عن الحكم وسلمة بن كهيل، عن سعيد بن جبير أنه صلى المغرب بجمع والعشاء بإقامة واحدة، ثم حدث عن ابن عمر أنه صلى مثل ذلك، وحدث ابن عمر أن رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم صنع مثل ذلك‏.‏

ثم رواه من طريق الثوري عن سلمة، عن سعيد بن جبير، عن ابن عمر قال‏:‏ جمع رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم بين المغرب والعشاء بجمع، صلى المغرب ثلاثاً، والعشاء ركعتين بإقامة واحدة‏.‏

ثم قال مسلم‏:‏ ثنا أبو بكر ابن أبي شيبة، ثنا عبد الله بن جبير، ثنا إسماعيل ابن أبي خالد عن أبي إسحاق قال‏:‏ قال سعيد بن جبير‏:‏ أفضنا مع ابن عمر حتَّى أتينا جمعاً، فصلى بنا المغرب والعشاء بإقامة واحدة، ثم انصرف فقال‏:‏ هكذا صلى بنا رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم في هذا المكان‏.‏

وقال البخاري‏:‏ ثنا خالد بن مخلد، ثنا سليمان بن بلال، حدثني يحيى بن سعيد، حدثني عدي بن ثابت، حدثني عبد الله بن يزيد الخطمي، حدثني أبو زيد الأنصاري أن رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم جمع في حجة الوداع بين المغرب والعشاء بالمزدلفة‏.‏

ورواه البخاري أيضاً في المغازي عن القعنبي، عن مالك، ومسلم من حديث سليمان بن بلال، والليث بن سعد، ثلاثتهم عن يحيى بن سعيد الأنصاري، عن عدي بن ثابت‏.‏

ورواه النسائي أيضاً عن الفلاس، عن يحيى القطان، عن شعبة، عن عدي بن ثابت به‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏5/199‏)‏

ثم قال البخاري - باب من أذَّن وأقام لكل واحدة منهما -‏:‏ حدثنا عمرو بن خالد، ثنا زهير بن حرب، ثنا أبو إسحاق سمعت عبد الرحمن بن يزيد يقول‏:‏ حج عبد الله، فأتينا المزدلفة حين الأذان بالعتمة أو قريباً من ذلك، فأمر رجلا فأذَّن وأقام، ثم صلى المغرب، وصلى بعدها ركعتين، ثم دعا بعشائه فتعشى، ثم أمر رجلاً فأذَّن وأقام‏.‏

قال عمرو‏:‏ لا أعلم الشك إلا من زهير، ثم صلى العشاء ركعتين، فلما طلع الفجر قال‏:‏ إن النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم كان لا يصلي هذه الساعة إلا هذه الصلاة في هذا المكان من هذا اليوم‏.‏

قال عبد الله‏:‏ هما صلاتان تحولان عن وقتهما صلاة المغرب بعد ما يأتي النَّاس المزدلفة، والفجر حين يبزغ الفجر قال‏:‏ رأيت النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم يفعله‏.‏

وهذا اللفظ وهو قوله‏:‏ والفجر حين يبزغ الفجر، أبين وأظهر من الحديث الآخر الذي رواه البخاري عن حفص بن عمر بن غياث، عن أبيه، عن الأعمش، عن عمارة، عن عبد الرحمن، عن عبد الله بن مسعود قال‏:‏ ما رأيت رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم صلى صلاة بغير ميقاتها إلا صلاتين جمع بين المغرب والعشاء، وصلاة الفجر قبل ميقاتها‏.‏

ورواه مسلم من حديث أبي معاوية وجرير عن الأعمش به‏.‏

وقال جابر في حديثه‏:‏ ثم اضطجع رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم حتَّى طلع الفجر فصلى الفجر، حتَّى تبين له الصبح بأذان وإقامة، وقد شهد معه هذه الصلاة عروة بن مضرس بن أوس بن حارثة بن لام الطائي‏.‏

قال الإمام أحمد‏:‏ ثنا هشيم، ثنا ابن أبي خالد وزكريا عن الشعبي، أخبرني عروة بن مضرس قال‏:‏ أتيت النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم وهو بجمع‏.‏

فقلت‏:‏ يا رسول الله جئتك من جبل طيء أتعبت نفسي، وأنضيت راحلتي، والله ما تركت من جبل إلا وقفت عليه فهل لي من حج‏؟‏

فقال‏:‏ ‏(‏‏(‏من شهد معنا هذه الصلاة - يعني‏:‏ صلاة الفجر - بجمع، ووقف معنا حتَّى يفيض منه وقد أفاض قبل ذلك من عرفات ليلاً أونهاراً، فقد تمَّ حجه، وقضى تفثه‏)‏‏)‏‏.‏

وقد رواه الامام أحمد أيضاً، وأهل السنن الأربعة من طرق عن الشعبي، عن عروة بن مضرس‏.‏

وقال التِّرمذي‏:‏ حسن صحيح‏.‏

فصل تقديم رسول الله ضعفة أهله بالليل ليقفوا بالمزدلفة‏.‏

وقد كان رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم قدَّم طائفة من أهله بين يديه من الليل قبل حطمة النَّاس من المزدلفة إلى منى‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏5 /200‏)‏

قال البخاري - باب من قدم ضعفة أهله بالليل فيقفون بالمزدلفة ويدعون، ويقدم إذا غاب القمر -‏:‏ حدثنا يحيى بن بكير، ثنا الليث عن يونس، عن ابن شهاب قال‏:‏ قال سالم‏:‏ كان عبد الله بن عمر يقدم ضعفة أهله فيقفون عند المشعر الحرام بليل، فيذكرون الله ما بدا لهم، ثم يدفعون قبل أن يقف الإمام وقبل أن يدفع، فمنهم من يقدم منى لصلاة الفجر، ومنهم من يقدم بعد ذلك، فإذا قدموا رموا الجمرة، وكان ابن عمر يقول‏:‏ أرخص في أولئك رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم‏.‏

حدثنا سليمان بن حرب، ثنا حماد بن زيد عن أيوب، عن عكرمة، عن ابن عبَّاس قال‏:‏ بعثني رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم من جمع بليل‏.‏

وقال البخاري‏:‏ ثنا علي بن عبد الله، ثنا سفيان، أخبرني عبد الله ابن أبي يزيد سمع ابن عبَّاس يقول‏:‏ أنا ممن قدم النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم ليلة المزدلفة في ضعفة أهله‏.‏

وروى مسلم من حديث ابن جريج أخبرني عطاء عن ابن عبَّاس قال‏:‏ بعث بي رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم من جَمع بسحر مع ثقله‏.‏

وقال الإمام أحمد‏:‏ ثنا سفيان الثوري، ثنا سلمة بن كهيل عن الحسن العرني، عن ابن عبَّاس قال‏:‏ قدمنا رسول الله أغيلمة بني عبد المطلب على حراثنا فجعل يلطح أفخاذنا بيده ويقول‏:‏ ‏(‏‏(‏أبني لا ترموا الجمرة حتَّى تطلع الشمس‏)‏‏)‏‏.‏

قال ابن عبَّاس‏:‏ ما أخال أحداً يرمي الجمرة حتَّى تطلع الشمس‏.‏

وقد رواه أحمد أيضاً عن عبد الرحمن بن مهدي، عن سفيان الثوري فذكره‏.‏

وقد رواه أبو داود عن محمد بن كثير، عن الثوري به‏.‏

والنسائي عن محمد بن عبد الله بن يزيد، عن سفيان بن عيينة، عن سفيان الثوري به‏.‏

وأخرجه ابن ماجه عن أبي بكر ابن أبي شيبة، وعلي بن محمد، كلاهما عن وكيع، عن مسعر وسفيان الثوري كلاهما عن سلمة بن كهيل به‏.‏

وقال الامام أحمد‏:‏ ثنا يحيى بن آدم، ثنا أبو الأحوص عن الأعمش، عن الحكم ابن عتيبة، عن مقسم، عن ابن عبَّاس قال‏:‏ مرَّ بنا رسول الله ليلة النحر، وعلينا سواد من الليل، فجعل يضرب أفخاذنا ويقول‏:‏ ‏(‏‏(‏أبني أفيضوا لا ترموا الجمرة حتَّى تطلع الشمس‏)‏‏)‏‏.‏

ثم رواه الإمام أحمد من حديث المسعودي عن الحكم، عن مقسم، عن ابن عبَّاس قال‏:‏ قدَّم رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم ضعفة أهله من المزدلفة بليل فجعل يوصيهم أن لا يرموا جمرة العقبة حتَّى تطلع الشمس‏.‏

وقال أبو داود‏:‏ ثنا عثمان ابن أبي شيبة، ثنا الوليد بن عقبة، ثنا حمزة الزيات بن حبيب عن عطاء، عن ابن عبَّاس قال‏:‏ كان رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم يقدِّم ضعفة أهله بغلس، ويأمرهم - يعني‏:‏ أن لا يرموا الجمرة حتَّى تطلع الشمس -‏.‏

وكذا رواه النسائي عن محمود بن غيلان، عن بشر بن السري، عن سفيان، عن حبيب‏.‏

قال‏:‏ الطبراني - وهو ابن أبي ثابت - عن عطاء، عن ابن عبَّاس‏:‏ فخرج حمزة الزيات من عهدته، وجاد إسناد الحديث، والله أعلم‏.‏

وقد قال البخاري‏:‏ ثنا مسدد عن يحيى، عن ابن جريج، حدثني عبد الله مولى أسماء عن أسماء أنها نزلت ليلة جمع عند المزدلفة، فقامت تصلي فصلت ساعة، ثم قالت‏:‏ يا بني هل غاب القمر‏؟‏

قلت‏:‏ لا‏.‏

فصلت ساعة ثم قالت‏:‏ هل غاب القمر‏؟‏

قلت‏:‏ نعم‏!‏

قالت‏:‏ فارتحلوا‏.‏

فارتحلنا فمضينا حتَّى رمت الجمرة، ثم رجعت، فصلت الصبح في منزلها‏.‏

فقلت لها‏:‏ يا هنتاه ما أرانا إلا قد غسلنا‏.‏

فقالت‏:‏ يا بني إن رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم أذن للظعن‏.‏

ورواه مسلم من حديث ابن جريج به، فإن كانت أسماء بنت الصديق رمت الجمار قبل طلوع الشمس كما ذكرنا هاهنا عن توقيف، فروايتها مقدمة على رواية ابن عبَّاس، لأن إسناد حديثهما أصح من إسناد حديثه؛ اللهم إلا أن يقال‏:‏ إن الغلمان أخف حالاً من النساء وأنشط، فلهذا أمر الغلمان بأن لا يرموا قبل طلوع الشمس، وأذن للظعن في الرمي قبل طلوع الشمس لأنهن أثقل حالاً وأبلغ في التستر، والله أعلم‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏5/201‏)‏

وإن كانت أسماء لم تفعله عن توقيف، فحديث ابن عبَّاس مقدم على فعلها، لكن يقوي الأول قول أبي داود‏:‏ ثنا محمد بن خلاد الباهلي، ثنا يحيى عن ابن جريج، أخبرني عطاء، أخبرني مخبر عن أسماء أنها رمت الجمرة بليل‏.‏

قلت‏:‏ إنا رمينا الجمرة بليل‏.‏

قالت‏:‏ إنا كنا نصنع هذا على عهد النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم‏.‏

وقال البخاري‏:‏ ثنا أبو نعيم، ثنا أفلح بن حميد عن القاسم، عن محمد، عن عائشة قالت‏:‏ نزلنا المزدلفة، فاستأذنت النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم سودة أن تدفع قبل حطمة النَّاس - وكانت امرأة بطيئة - فأذن لها، فدفعت قبل حطمة النَّاس، وأقمنا نحن حتَّى أصبحنا، ثم دفعنا بدفعه، فلأن أكون استأذنت رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم كما استأذنت سودة أحب إلي من مفروح به‏.‏

وأخرجه مسلم عن القعنبي، عن أفلح بن حميد به‏.‏

وأخرجاه في الصحيحين من حديث سفيان الثوري عن عبد الرحمن بن القاسم، عن أبيه، عن عائشة به‏.‏

وقال أبو داود‏:‏ ثنا هارون بن عبد الله، ثنا ابن أبي فديك عن الضحاك - يعني‏:‏ ابن عثمان -، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة أنها قالت‏:‏ أرسل رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم بأم سلمة ليلة النحر فرمت الجمرة قبل الفجر، ثم مضت فأفاضت، وكان ذلك اليوم الذي يكون رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم‏.‏

قال أبو داود‏:‏ - يعني‏:‏ عندها - انفرد به أبو داود، وهو إسناد جيد قوي رجاله ثقات‏.‏





ذكر تلبيته عليه السلام بالمزدلفة

قال مسلم‏:‏ ثنا أبو بكر ابن أبي شيبة، ثنا أبو الأحوص عن حصين، عن كثير بن مدرك، عن عبد الرحمن بن يزيد قال‏:‏ قال عبد الله‏:‏ ونحن بجمع سمعت الذي أنزلت عليه سورة البقرة يقول في هذا المقام‏:‏ ‏(‏‏(‏لبيك اللهم لبيك‏)‏‏)‏‏.‏

فصل

في وقوفه عليه السلام بالمشعر الحرام ودفعه من المزدلفة قبل طلوع الشمس، وإيضاعه في وادي محسر

قال الله تعالى‏:‏ ‏{‏فَإِذَا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ‏}‏ الآية‏.‏ ‏[‏البقرة‏:‏ 198‏]‏‏.‏

وقال جابر في حديثه‏:‏ فصلى الفجر حين تبين له الصبح بأذان وإقامة، ثم ركب القصواء حتَّى أتى المشعر الحرام فاستقبل القبلة فدعا الله عز وجلوكبره، وهلَّله ووحَّده، فلم يزل واقفاً حتَّى أسفر جداً، ودفع قبل أن تطلع الشمس، وأردف الفضل بن عبَّاس وراءه‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏5 /202‏)‏

وقال البخاري‏:‏ ثنا الحجاج بن منهال، ثنا شعبة عن ابن اسحاق قال‏:‏ سمعت عمرو بن ميمون يقول‏:‏ شهدت عمر صلى بجمع الصبح، ثم وقف فقال‏:‏ إن المشركين كانوا لا يفيضون حتَّى تطلع الشمس، ويقولون‏:‏ أشرق ثبير، وإن رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم أفاض قبل أن تطلع الشمس‏.‏

وقال البخاري‏:‏ ثنا عبد الله بن رجاء، ثنا إسرائيل عن أبي إسحاق، عن عبد الرحمن بن يزيد قال‏:‏ خرجت مع عبد الله إلى مكة، ثم قدمنا جمعاً فصلى صلاتين، كل صلاة وحدها بأذان وإقامة والعشاء بينهما، ثم صلى الفجر حين طلع الفجر قائل يقول‏:‏ طلع الفجر و قائل يقول‏:‏ لم يطلع الفجر ثم قال‏:‏ إن رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم قال‏:‏ ‏(‏‏(‏إن هاتين الصلاتين حولتا عن وقتهما في هذا المكان المغرب و العشاء، فلا تقدم النَّاس جمعاً حتَّى يعتموا، وصلاة الفجر هذه الساعة‏)‏‏)‏‏.‏

ثم وقف حتَّى أسفر ثم قال‏:‏ لو أن أمير المؤمنين أفاض الآن أصاب السنة‏.‏

فلا أدري أقوله كان أسرع، أو دفع عثمان‏.‏

فلم يزل يلبي حتَّى رمى جمرة العقبة يوم النحر‏.‏

وقال الحافظ البيهقي‏:‏ أنبأنا أبو عبد الله الحافظ، أنبأنا أبو عبد الله محمد بن يعقوب الشيباني، ثنا يحيى بن محمد بن يحيى، ثنا عبد الرحمن بن المبارك العبسي، ثنا عبد الوارث بن سعيد عن ابن جريج، عن محمد بن قيس بن مخرمة، عن المسور بن مخرمة قال‏:‏ خطبنا رسول الله بعرفة، فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال‏:‏ ‏(‏‏(‏أما بعد فإن أهل الشرك والأوثان كانوا يدفعون من هاهنا عند غروب الشمس حتَّى تكون الشمس على رؤوس الجبال مثل عمائم الرجال على رؤوسها، هدينا مخالف لهديهم، وكانوا يدفعون من المشعر الحرام عند طلوع الشمس على رؤوس الجبال مثل عمائم الرجال على رؤوسها، هدينا مخالف لهديهم‏)‏‏)‏‏.‏

قال‏:‏ ورواه عبد الله بن ادريس عن ابن جريج، عن محمد بن قيس بن مخرمة مرسلاً‏.‏

وقال الإمام أحمد‏:‏ ثنا أبو خالد سليمان بن حيان سمعت الأعمش عن الحكم، عن مقسم، عن ابن عبَّاس أن رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم أفاض من المزدلفة قبل طلوع الشمس‏.‏

وقال البخاري‏:‏ ثنا زهير بن حرب، ثنا وهب بن جرير، ثنا أبي عن يونس الإيلي، عن الزُّهري، عن عبيد الله بن عبد الله بن عبَّاس أن أسامة كان ردف النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم من عرفة إلى المزدلفة، ثم أردف الفضل من المزدلفة إلى منى‏.‏

قال‏:‏ فكلاهما قال‏:‏ لم يزل النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم يلبي حتَّى رمى جمرة العقبة‏.‏

ورواه ابن جريج عن عطاء، عن ابن عبَّاس‏.‏

وروى مسلم من حديث الليث بن سعد عن أبي الزبير، عن أبي معبد، عن ابن عبَّاس، عن الفضل بن عبَّاس وكان رديف رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم أنه قال في عشية عرفة وغداة جمع للناس حين دفعوا‏:‏ ‏(‏‏(‏عليكم بالسكينة‏)‏‏)‏ وهو كاف ناقته، حتَّى دخل محسراً، وهو من منى قال‏:‏ ‏(‏‏(‏عليكم بحصى الخذف الذي يرمى به الجمرة‏)‏‏)‏‏.‏

قال‏:‏ ولم يزل رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم يلبي حتَّى رمى الجمرة‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏5/203‏)‏

وقال الحافظ البيهقي - باب الإيضاع في وادي محسر -‏:‏ أخبرنا أبو عبد الله الحافظ، أخبرني أبو عمرو المقري، وأبو بكر الوراق، أنبأنا الحسن بن سفيان، ثنا هشام بن عمار، وأبو بكر ابن ابي شيبة قالا‏:‏ ثنا حاتم بن إسماعيل، ثنا جعفر بن محمد عن أبيه، عن جابر في حج النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم قال‏:‏ حتَّى إذا أتى محسراً حرك قليلاً‏.‏

رواه مسلم في الصحيح عن أبي بكر ابن شيبة‏.‏

ثم روى البيهقي من حديث سفيان الثوري عن أبي الزبير، عن جابر قال‏:‏ أفاض رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم وعليه السكينة، وأمرهم بالسكينة، وأوضع في وادي محسر، وأمرهم أن يرموا الجمار بمثل حصى الخذف‏.‏

وقال‏:‏ ‏(‏‏(‏خذوا عني مناسككم، لعلي لا أراكم بعد عامي هذا‏)‏‏)‏‏.‏

ثم روى البيهقي من حديث الثوري عن عبد الرحمن بن الحارث، عن زيد بن علي، عن أبيه، عن عبيد الله ابن أبي رافع، عن علي أن رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم أفاض من جمع حتَّى أتى محسراً، فقرع ناقته حتَّى جاوز الوادي فوقف، ثم أردف الفضل ثم أتى الجمرة فرماها، هكذا رواه مختصراً‏.‏

وقد قال الإمام أحمد‏:‏ ثنا أبو أحمد محمد بن عبد الله الزبيري، ثنا سفيان بن عبد الرحمن بن الحارث بن عياش ابن أبي ربيعة عن زيد بن علي، عن أبيه، عن عبيد الله ابن أبي رافع، عن علي قال‏:‏ وقف رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم بعرفة فقال‏:‏ ‏(‏‏(‏إن هذا الموقف، وعرفة كلها موقف‏)‏‏)‏ وأفاض حين غابت الشمس، وأردف أسامة فجعل يعنق على بعيرة، والنَّاس يضربون يميناً وشمالاً لا يلتفت إليهم، ويقول‏:‏ ‏(‏‏(‏السكينة أيها النَّاس‏)‏‏)‏‏.‏

ثم أتى جمعاً فصلى بهم الصلاتين المغرب والعشاء، ثم بات حتَّى أصبح، ثم أتى قزح فوقف على قزح فقال‏:‏ ‏(‏‏(‏هذا الموقف وجمع كلها موقف‏)‏‏)‏ ثم سار حتَّى أتى محسراً فوقف عليه، فقرع دابته فخبت حتَّى جاز الوادي ثم حبسها، ثم أردف الفضل وسار حتَّى أتى الجمرة فرماها، ثم أتى المنحر فقال‏:‏ ‏(‏‏(‏هذا المنحر، ومنى كلها منحر‏)‏‏)‏‏.‏

قال‏:‏ واستفتته جارية شابة من خثعم فقالت‏:‏ إن أبي شيخ كبير قد أفند، وقد أدركته فريضة الله في الحج، فهل يجزئ عنه أن أودي عنه‏؟‏

قال‏:‏ ‏(‏‏(‏نعم‏!‏فأدي عن أبيك‏)‏‏)‏‏.‏

قال‏:‏ ولوى عنق الفضل فقال له العبَّاس‏:‏ يا رسول الله، لِمَ لويت عنق ابن عمك‏؟‏

قال‏:‏ ‏(‏‏(‏رأيت شاباً وشابة، فلم آمن الشيطان عليهما‏)‏‏)‏‏.‏

قال‏:‏ ثم جاءه رجل فقال‏:‏ يا رسول الله حلقت قبل أن أنحر‏.‏

قال‏:‏ ‏(‏‏(‏إنحر ولا حرج‏)‏‏)‏‏.‏

ثم أتاه آخر فقال‏:‏ يا رسول الله إني أفضت قبل أن أحلق‏.‏

قال‏:‏ ‏(‏‏(‏إحلق أو قصِّر ولا حرج‏)‏‏)‏‏.‏

ثم أتى البيت فطاف، ثم أتى زمزم فقال‏:‏ ‏(‏‏(‏يا بني عبد المطلب سقايتكم، ولولا أن يغلبكم النَّاس عليها لنزعت معكم‏)‏‏)‏‏.‏

وقد رواه أبو داود عن أحمد بن حنبل، عن يحيى بن آدم، عن سفيان الثوري‏.‏

ورواه التِّرمذي عن بندار، عن أبي أحمد الزبيري‏.‏

وابن ماجه عن علي بن محمد، عن يحيى بن آدم‏.‏

وقال التِّرمذي‏:‏ حسن صحيح، لا نعرفه من حديث علي إلا من هذا الوجه‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏5/204‏)‏

قلت‏:‏ وله شواهد من وجوه صحيحة مخرجة في الصحاح وغيرها، فمن ذلك‏:‏ قصة الخثعمية، وهو في الصحيحين من طريق الفضل، وتقدمت في حديث جابر، وسنذكر من ذلك ما تيسر‏.‏

وقد حكى البيهقي بإسناد عن ابن عبَّاس أنه أنكر الإسراع في وادي محسر وقال‏:‏ إنما كان ذلك من الأعراب‏.‏

قال‏:‏ والمثبت مقدم على النافي‏.‏

قلت‏:‏ وفي ثبوته عنه نظر، والله أعلم‏.‏

وقد صح ذلك عن جماعة من الصحابة عن رسول الله، وصح من صنيع الشيخين أبي بكر وعمر أنهما كانا يفعلان ذلك‏.‏

فروى البيهقي عن الحاكم، عن النجاد وغيره، عن أبي علي محمد بن معاذ بن المستهل المعروف بدران، عن القعنبي، عن أبيه، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن المسور بن مخرمة أن عمر كان يوضع ويقول‏:‏

إليكَ تَعدُوا قلقاً وضينُها * مخالفُ دينَ النصارى دينُها

ذكر رميه عليه السلام جمرة العقبة وحدها يوم النحر

وكيف رماها، ومتى رماها، ومن أي موضع رماها، وبكم رماها، وقطعة التلبية حين رماها‏.‏

قد تقدم من حديث أسامة والفضل وغيرهما من الصحابة رضي الله عنهم أجمعين أنه عليه السلام لم يزل يلبي حتَّى رمى جمرة العقبة‏.‏

وقال البيهقي‏:‏ أنبأنا الإمام أبو عثمان، أنبانا أبو طاهر ابن خزيمة، أنبأنا جدي - يعني‏:‏ إمام الأئمة محمد بن اسحاق بن خزيمة -، ثنا علي بن حجر، ثنا شريك عن عامر بن شقيق، عن أبي وائل، عن عبد الله قال‏:‏ رمقت النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم فلم يزل يلبي حتَّى رمى جمرة العقبة بأول حصاة‏.‏

وبه عن ابن خزيمة، ثنا عمر بن حفص الشيباني، ثنا حفص بن غياث، ثنا جعفر بن محمد عن أبيه، عن علي بن الحسين، عن ابن عبَّاس، عن الفضل قال‏:‏ أفضت مع رسول الله من عرفات، فلم يزل يلبي حتى رمى جمرة العقبة، يكبر مع كل حصاة، ثم قطع التلبية مع آخر حصاة‏.‏

قال البيهقي‏:‏ وهذه زيادة غريبة ليست في الروايات المشهورة عن ابن عبَّاس عن الفضل، وإن كان ابن خزيمة قد اختارها‏.‏

وقال محمد بن اسحاق‏:‏ حدثني أبان بن صالح عن عكرمة قال‏:‏ أفضت مع الحسين بن علي، فما أزال أسمعه يلبي حتَّى رمى جمرة العقبة، فلما قذفها أمسك‏.‏

فقلت‏:‏ ما هذا‏؟‏

فقال‏:‏ رأيت أبي علي ابن أبي طالب يلبي حتَّى رمى جمرة العقبة، وأخبرني أن رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم كان يفعل ذلك‏.‏

وتقدم من حديث الليث عن أبي الزبير، عن أبي معبد، عن ابن عبَّاس، عن أخيه الفضل أن النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم أمر النَّاس في وادي محسر بحصى الخذف الذي يرمى به الجمرة‏.‏

رواه مسلم‏.‏

وقال أبو العالية عن ابن عبَّاس‏:‏ حدثني الفضل قال‏:‏ قال لي رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم غداة يوم النحر‏:‏ ‏(‏‏(‏هات فالقط لي حصا‏)‏‏)‏ فلقطت له حصيات مثل حصى الخذف، فوضعهن في يده فقال‏:‏ ‏(‏‏(‏بأمثال هؤلاء، بأمثال هؤلاء، وإياكم والغلو فإنما أهلك من كان قبلكم الغلو في الدين‏)‏‏)‏‏.‏

رواه البيهقي‏.‏

وقال جابر في حديثه‏:‏ حتَّى أتى بطن محسر فحرك قليلاً ثم سلك الطريق الوسطى التي تخرج على الجمرة الكبرى، حتَّى أتى الجمرة فرماها بسبع حصيات يكبر مع كل حصاة منها، مثل حصى الخذف رمى من بطن الوادي‏.‏

رواه مسلم‏.‏ ‏(‏ج /ص‏:‏5/205‏)‏

وقال البخاري‏:‏ وقال جابر رضي الله عنه‏:‏ رمى النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم الجمرة يوم النحر ضحى، ورمى بعد ذلك بعد الزوال‏.‏

وهذا الحديث الذي علَّقه البخاري أسنده مسلم من حديث ابن جريج، أخبرني أبو الزبير سمع جابراً قال‏:‏ رمى رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم الجمرة يوم النحر ضحى، وأما بعد فإذا زالت الشمس‏.‏

وفي الصحيحين من حديث الأعمش عن إبراهيم، عن عبد الرحمن بن يزيد قال‏:‏ رمى عبد الله من بطن الوادي‏.‏

فقلت‏:‏ يا أبا عبد الرحمن إن ناساً يرمونها من فوقها‏.‏

فقال‏:‏ والذي لا إله غيره هذا مقام الذي أنزلت عليه سورة البقرة‏.‏

لفظ البخاري‏.‏

وفي لفظ له من حديث شعبة عن الحكم، عن ابراهيم، عن عبد الرحمن، عن عبد الله بن مسعود‏:‏ أنه أتى الجمرة الكبرى فجعل البيت عن يساره، ومنى عن يمينه، ورمى بسبع‏.‏

وقال‏:‏ هكذا رمى الذي أنزلت عليه سورة البقرة‏.‏

ثم قال البخاري - باب من رمى الجمار بسبع يكبر مع كل حصاة - قاله ابن عمر عن النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم‏:‏ وهذا إنما يعرف في حديث جابر من طريق جعفر بن محمد عن أبيه، عن جابر كما تقدم أنه أتى الجمرة، فرماها بسبع حصيات يكبِّر مع كل حصاة منها مثل حصى الخذف‏.‏

وقد روى البخاري في هذه الترجمة من حديث الأعمش عن إبراهيم، عن عبد الرحمن بن يزيد، عن عبد الله بن مسعود أنه رمى الجمرة من بطن الوادي بسبع حصيات يكبر مع كل حصاة ثم قال‏:‏ من هاهنا والذي لا إله غيره قام الذي أنزلت عليه سورة البقرة‏.‏

وروى مسلم من حديث ابن جريج‏:‏ أخبرني أبو الزبير سمع جابر بن عبد الله قال‏:‏ رأيت رسول الله يرمي الجمرة بسبع مثل حصى الخذف‏.‏

وقال الإمام أحمد‏:‏ ثنا يحيى بن زكريا، ثنا حجاج عن الحكم، عن أبي القاسم - يعني‏:‏ مقسماً-، عن ابن عبَّاس أن النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم رمى الجمرة جمرة العقبة يوم النحر راكباً‏.‏

ورواه التِّرمذي عن أحمد بن منيع، عن يحيى ابن زكريا ابن أبي زائدة، وقال‏:‏ حسن‏.‏

وأخرجه ابن ماجه عن أبي بكر ابن أبي شيبة، عن أبي خالد الأحمر، عن الحجاج بن أرطاة به‏.‏

وقد روى أحمد، وأبو داود، وابن ماجه، والبيهقي من حديث يزيد بن زياد عن سليمان بن عمرو بن الأحوص، عن أمه أم جندب الأزديّة قالت‏:‏ رأيت رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم يرمي الجمار من بطن الوادي وهو راكب يكبر مع كل حصاة، ورجل من خلفه يستره، فسألت عن الرجل فقالوا‏:‏ الفضل بن عبَّاس، فازدحم النَّاس فقال النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم‏:‏ ‏(‏‏(‏يا أيها النَّاس، لا يقتل بعضكم بعضاً، وإذا رميتم الجمرة فارموه بمثل حصى الخذف‏)‏‏)‏‏.‏

لفظ أبي داود‏.‏

وفي رواية له‏:‏ قالت‏:‏ رأيته عند جمرة العقبة راكباً، ورأيت بين أصابعه حجراً فرمى، ورمى النَّاس ولم يقم عندها‏.‏

ولابن ماجه قالت‏:‏ رأيت رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم يوم النحر عند جمرة العقبة وهو راكب على بغلة‏.‏ ذكر الحديث‏.‏

وذكر البغلة هاهنا غريب جداً‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏5 /206‏)‏

وقد روى مسلم في صحيحه من حديث ابن جريج‏:‏ أخبرني أبو الزبير سمعت جابر بن عبد الله يقول‏:‏ رأيت رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم يرمي الجمرة على راحلته يوم النحر ويقول‏:‏ ‏(‏‏(‏لتأخذوا مناسككم، فإني لا أدري لعلي لا أحج بعد حجتي هذه‏)‏‏)‏‏.‏

وروى مسلم أيضاً من حديث زيد ابن أبي أنيسة عن يحيى بن الحصين، عن جدته أم الحصين سمعتها تقول‏:‏ حججت مع رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم حجة الوداع، فرأيته حين رمى جمرة العقبة وانصرف وهو على راحلته يوم النحر وهو يقول‏:‏ ‏(‏‏(‏لتأخذوا مناسككم، فإني لا أدري لعلي لا أحج بعد حجتي هذه‏)‏‏)‏‏.‏

وفي رواية‏:‏ قالت‏:‏ حججت مع رسول الله حجة الوداع، فرأيت أسامة وبلالاً، أحدهما‏:‏ آخذ بخطام ناقة النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم، والآخر‏:‏ رافع ثوبه يستره من الحر حتَّى رمى جمرة العقبة‏.‏

وقال الإمام أحمد‏:‏ ثنا أبو أحمد محمد بن عبد الله الزبيري، ثنا أيمن بن نابل، ثنا قدامة بن عبد الله الكلابي أنه رأى رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم رمى جمرة العقبة من بطن الوادي يوم النحر على ناقة له صهباء، لا ضرب ولا طرد، ولا إليك إليك‏.‏

ورواه أحمد أيضاً عن وكيع، ومعتمر ابن سليمان، وأبي قرة موسى بن طارق الزبيدي، ثلاثتهم عن أيمن بن نائل به‏.‏

ورواه أيضاً عن أبي قرة، عن سفيان الثوري، عن أيمن‏.‏

وأخرجه النسائي وابن ماجه من حديث وكيع به‏.‏

ورواه التِّرمذي عن أحمد بن منيع، عن مروان بن معاوية، عن أيمن بن نابل به، وقال‏:‏ هذا حديث حسن صحيح‏.‏

وقال الإمام أحمد‏:‏ ثنا نوح بن ميمون، ثنا عبد الله - يعني‏:‏ العمري - عن نافع قال‏:‏ كان ابن عمر يرمي جمرة العقبة على دابته يوم النحر، وكان لا يأتي سائرها بعد ذلك إلا ماشياً، وزعم أن النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم كان لا يأتيها إلا ماشياً ذاهباً وراجعاً‏.‏

ورواه أبو داود عن القعنبي، عن عبد الله العمري به‏.‏

فصل انصراف رسول الله إلى المنحر واشراكه سيدنا علي بالهدي‏.‏

قال جابر‏:‏ ثم انصرف إلى المنحر فنحر ثلاثاً وستين بيده، ثم أعطى علياً فنحر ما غبر، وأشركه في هديه، ثم أمر من كل بدنة ببضعة فجعلت في قدر فطبخت، فأكلا من لحمها، وشربا من مرقها، وسنتكلم على هذا الحديث‏.‏

وقال الإمام أحمد بن حنبل‏:‏ ثنا عبد الرزاق، أنبأنا معمر عن حميد الأعرج، عن محمد بن ابراهيم التيمي، عن عبد الرحمن بن معاذ، عن رجل من أصحاب النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم قال‏:‏ خطب النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم بمنى ونزلهم منازلهم فقال‏:‏ ‏(‏‏(‏لينزل المهاجرون هاهنا، وأشار إلى ميمنة القبلة، والأنصار هاهنا، وأشار إلى ميسرة القبلة، ثم لينزل النَّاس حولهم‏)‏‏)‏‏.‏

قال‏:‏ وعلَّمهم مناسكهم، ففتحت أسماع أهل منى حتَّى سمعوه في منازلهم‏.‏

قال‏:‏ فسمعته يقول‏:‏ ‏(‏‏(‏إرموا الجمرة بمثل حصى الخذف‏)‏‏)‏‏.‏

وكذا رواه أبو داود عن أحمد بن حنبل إلى قوله‏:‏ ‏(‏‏(‏ثم لينزل النَّاس حولهم‏)‏‏)‏‏.‏

وقد رواه الإمام أحمد عن عبد الصمد بن عبد الوارث، عن أبيه، وأبو داود عن مسدد، عن عبد الوارث‏.‏

وابن ماجه من حديث ابن المبارك عن عبد الوارث، عن حميد بن قيس الأعرج، عن محمد بن إبراهيم التيمي، عن عبد الرحمن بن معاذ التيمي قال‏:‏ خطبنا رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم ونحن بمنى، ففتحت أسماعنا حتَّى كأنَّا نسمع ما يقول‏.‏ الحديث‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏5/207‏)‏

ذكر جابر بن عبد الله أن رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم أشرك علي ابن أبي طالب في الهدي، وأن جماعة الهدي الذي قدم به علي من اليمن، والذي جاء به رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم مائة من الإبل، وأن رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم نحر بيده الكريمة ثلاثاً وستين بدنة‏.‏

قال ابن حبان وغيره‏:‏ وذلك مناسب لعمره عليه السلام فإنه كان ثلاثاً وستين سنة‏.‏

وقد قال الإمام أحمد‏:‏ ثنا يحيى بن آدم، ثنا زهير، ثنا محمد بن عبد الرحمن ابن أبي ليلى عن الحكم، عن مقسم، عن ابن عبَّاس قال‏:‏ نحر رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم في الحج مائة بدنة، نحر منها بيده ستين، وأمر ببقيتها فنحرت، وأخذ من كل بدنة بضعة، فجمعت في قدر فأكل منها، وحسى من مرقها‏.‏

قال‏:‏ ونحر يوم الحديبية سبعين فيها جمل أبي جهل، فلما صدت عن البيت حنت كما تحن إلى أولادها‏.‏

وقد روى ابن ماجه بعضه عن أبي بكر ابن أبي شيبة، وعلي بن محمد عن وكيع، عن سفيان الثوري، عن ابن أبي ليلى به‏.‏

وقال الإمام أحمد‏:‏ ثنا يعقوب، ثنا أبي عن محمد بن إسحاق، حدثني رجل عن عبد الله ابن أبي نجيح، عن مجاهد بن جبر، عن ابن عبَّاس قال‏:‏ أهدى رسول الله في حجة الوداع مائة بدنة، نحر منها ثلاثين بدنة بيده، ثم أمر علياً فنحر ما بقي منها‏.‏

وقال‏:‏ ‏(‏‏(‏قسِّم لحومها وجلودها، وجلالها بين النَّاس، ولا تعطين جزَّاراً منها شيئاً، وخذ لنا من كل بعير جدية من لحم، واجعلها في قدر واحدة، حتَّى نأكل من لحمها، ونحسو من مرقها،‏)‏‏)‏ ففعل‏.‏

وثبت في الصحيحين من حديث مجاهد عن ابن أبي ليلى، عن علي قال‏:‏ أمرني رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم أن أقوم على بدنه، وأن أتصدق بلحومها، وجلودها وأجلتها، وأن لا أعطي الجزار منها شيئاً‏.‏

وقال‏:‏ ‏(‏‏(‏نحن نعطيه من عندنا‏)‏‏)‏‏.‏

وقال أبو داود‏:‏ ثنا محمد بن حاتم، ثنا عبد الرحمن بن مهدي، ثنا عبد الله بن المبارك عن حرملة بن عمران، عن عبد الله بن الحارث الأزديّ سمعت عرفة بن الحارث الكندي قال‏:‏ شهدت رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم وأتى بالبدن فقال‏:‏ ‏(‏‏(‏أدع لي أبا حسن‏)‏‏)‏ فدعي له علي‏.‏

فقال‏:‏ ‏(‏‏(‏خذ بأسفل الحربة‏)‏‏)‏ وأخذ رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم بأعلاها ثم طعنا بها البدن، فلما فرغ ركب بغلته وأردف علياً‏.‏

تفرد به أبو داود، وفي إسناده ومتنه غرابة، والله أعلم‏.‏

وقال الإمام أحمد‏:‏ حدثنا أحمد بن الحجاج، أنبأنا عبد الله، أنبأنا الحجاج بن أرطأة عن الحكم عن أبي القاسم - يعني‏:‏ مقسما - عن ابن عبَّاس قال‏:‏ رمى رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم جمرة العقبة ثم ذبح، ثم حلق‏.‏

وقد ادعى ابن حزم أنه ضحى عن نسائه بالبقر، وأهدى بمنى بقرة، وضحى هو بكبشين أملحين‏.‏

صفة حلقه رأسه الكريم عليه الصلاة والتسليم

قال الإمام أحمد‏:‏ ثنا عبد الرزاق، أنبأنا معمر عن الزُّهري، عن سالم، عن ابن عمر أن رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم حلق في حجته‏.‏

ورواه النسائي عن إسحاق بن إبراهيم - هو‏:‏ ابن راهويه -، عن عبد الرزاق‏.‏

وقال البخاري‏:‏ ثنا أبو اليمان، ثنا شعيب قال‏:‏ قال نافع‏:‏ كان عبد الله بن عمر يقول‏:‏ حلق رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم في حجته‏.‏

ورواه مسلم من حديث موسى بن عقبة عن نافع به‏.‏

وقال البخاري‏:‏ ثنا عبد الله بن محمد بن أسماء، ثنا جويرية بن أسماء عن نافع أن عبد الله بن عمر قال‏:‏ حلق رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم وطائفة من أصحابه، وقصَّر بعضهم‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏5/208‏)‏

رواه مسلم من حديث الليث عن نافع به‏.‏

وزاد‏:‏ قال عبد الله‏:‏ قال رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم‏:‏ ‏(‏‏(‏يرحم الله المحلقين‏)‏‏)‏ مرة أو مرتين، قالوا‏:‏ يا رسول الله والمقصرين‏؟‏

قال‏:‏ ‏(‏‏(‏والمقصرين‏)‏‏)‏‏.‏

وقال مسلم‏:‏ ثنا أبو بكر ابن أبي شيبة، ثنا وكيع، وأبو داود الطيالسي عن يحيى بن الحصين، عن جدته أنها سمعت رسول الله في حجة الوداع دعا للمحلقين ثلاثاً، وللمقصرين مرة‏.‏

ولم يقل وكيع‏:‏ في حجة الوداع‏.‏

وهكذا روى هذا الحديث مسلم من حديث مالك‏.‏

وعبد الله عن نافع، عن ابن عمر، وعمارة عن أبي زرعة، عن أبي هريرة، والعلاء بن عبد الرحمن عن أبيه، عن أبي هريرة‏.‏

وقال مسلم‏:‏ ثنا يحيى بن يحيى، ثنا حفص ابن غياث عن هشام، عن ابن سيرين، عن أنس بن مالك‏:‏ أن رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم أتى منى فأتى الجمرة فرماها، ثم أتى منزله بمنى ونحر‏.‏

ثم قال للحلاق‏:‏ ‏(‏‏(‏خذ‏)‏‏)‏ وأشار إلى جانبه الأيمن ثم الأيسر، ثم جعل يعطيه النَّاس‏.‏

وفي رواية‏:‏ أنه حلق شقه الأيمن، فقسَّمه بين النَّاس، من شعرة أو شعرتين، وأعطى شقه الأيسر لأبي طلحة‏.‏

وفي رواية له‏:‏ أنه أعطى الأيمن لأبي طلحة وأعطاه الأيسر، وأمره أن يقسمه بين النَّاس‏.‏

وقال الإمام أحمد‏:‏ حدثنا سليمان بن حرب، ثنا سليمان بن المغيرة عن ثابت، عن أنس قال‏:‏ رأيت رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم والحلاق يحلقه، وقد أطاف به أصحابه ما يريدون أن يقع شعرة إلا في يد رجل‏.‏

انفرد به أحمد‏.‏

فصل تحلله صلَّى الله عليه وسلَّم بعد رمي جمرة العقبة‏.‏

ثم لبس عليه السلام ثيابه، وتطيب بعد ما رمى جمرة العقبة، ونحر هديه، وقبل أن يطوف بالبيت طيَّبته عائشة أم المؤمنين‏.‏

قال البخاري‏:‏ ثنا علي بن عبد الله بن المديني، ثنا سفيان هو‏:‏ ابن عيينة -، ثنا عبد الرحمن بن القاسم بن محمد -وكان أفضل أهل زمانه - أنه سمع أباه - وكان أفضل أهل زمانه - يقول‏:‏ إنه سمع عائشة تقول‏:‏ طيَّبت رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم بيدي هاتين حين أحرم، ولحله حين أحل قبل أن يطوف، وبسطت يديها‏.‏

وقال مسلم‏:‏ ثنا يعقوب الدورقي، وأحمد بن منيع قالا‏:‏ ثنا هشيم، أنبأنا منصور عن عبد الرحمن بن القاسم، عن أبيه، عن عائشة قالت‏:‏ كنت أطيب رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم قبل أن يحرم ويحل يوم النحر قبل أن يطوف بالبيت بطيب فيه مسك‏.‏

وروى النسائي من حديث سفيان بن عيينة عن الزُّهري، عن عروة، عن عائشة قالت‏:‏ طيبت رسول الله لحرمه حين أحرم، ولحله بعد ما رمى جمرة العقبة قبل أن يطوف بالبيت‏.‏

وقال الشافعي‏:‏ أنبأنا سفيان بن عيينة عن عمرو بن دينار، عن سالم قال‏:‏ قالت عائشة‏:‏ أنا طيَّبت رسول الله لحله وإحرامه‏.‏

ورواه عبد الرزاق عن معمر، عن الزُّهري، عن سالم، عن عائشة فذكره‏.‏

وفي الصحيحين من حديث ابن جريج أخبرني عمر بن عبد الله بن عروة أنه سمع عروة والقاسم يخبران عن عائشة أنها قالت‏:‏ طيبت رسول الله بيدي بذريرة في حجة الوداع للحل والإحرام‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏5/209‏)‏

ورواه مسلم من حديث الضحاك بن عثمان عن أبي الرحال، عن أمه عمرة، عن عائشة به‏.‏

وقال سفيان الثوري عن سلمة بن كهيل، عن الحسن العوفي، عن ابن عبَّاس أنه قال‏:‏ إذا رميتم الجمرة فقد حللتم من كل شيء كان عليكم حراماً إلا النساء حتَّى تطوفوا بالبيت‏.‏

فقال رجل‏:‏ والطيب يا أبا العبَّاس‏؟‏

فقال له‏:‏ إني رأيت رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم يضمخ رأسه بالمسك، أفطيب هو أم لا‏؟‏

وقال محمد بن إسحاق‏:‏ حدثني أبو عبيدة عن عبد الله بن زمعة، عن أبيه، وأمه زينب بنت أم سلمة، عن أم سلمة قالت‏:‏ كانت الليلة التي يدور فيها رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم ليلة النحر، فكان رسول الله عندي، فدخل وهب بن زمعة، ورجل من آل أبي أمية متقمصين‏.‏

فقال لهما رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم‏:‏ ‏(‏‏(‏أفضتما‏؟‏‏)‏‏)‏

قالا‏:‏ لا‏.‏

قال‏:‏ ‏(‏‏(‏فانزعا قميصكما‏)‏‏)‏ فنزعاهما‏.‏

فقال له وهب‏:‏ ولِمَ يا رسول الله‏؟‏

فقال‏:‏ ‏(‏‏(‏هذا يوم أرخص لكم فيه إذا رميتم الجمرة ونحرتم هدياً، إن كان لكم فقد حللتم من كل شيء حرمتم منه إلا النساء حتَّى تطوفوا بالبيت، فإذا رميتم ولم تفيضوا صرتم حرماً كما كنتم أول مرة حتَّى تطوفوا بالبيت‏)‏‏)‏‏.‏

وهكذا رواه أبو داود عن أحمد بن حنبل، ويحيى بن معين، كلاهما عن ابن أبي عدي، عن ابن إسحاق، فذكره‏.‏

وأخرجه البيهقي عن الحاكم، عن أبي بكر، عن أبي إسحاق، عن أبي المثنى العنبري، عن يحيى بن معين‏.‏

وزاد في آخره‏:‏ قال أبو عبيدة‏:‏ وحدثتني أم قيس بنت محصن قالت‏:‏ خرج من عندي عكاشة بن محصن في نفر من بني أسد متقمصين عشية يوم النحر، ثم رجعوا إلينا عشياً وقمصهم على أيديهم يحملونها، فسألتهم فأخبروها بمثل ما قال رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم لوهب بن زمعة وصاحبه‏.‏

وهذا الحديث غريب جداً، لا أعلم أحدا من العلماء قال به‏.‏

ذكر إفاضته صلَّى الله عليه وسلَّم إلى البيت العتيق

قال جابر‏:‏ ثم ركب رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم فأفاض إلى البيت فصلى بمكة الظهر، فأتى بني عبد المطلب وهم يسقون على زمزم‏.‏

فقال‏:‏ ‏(‏‏(‏انزعوا بني عبد المطلب فلولا أن تغلبكم النَّاس على سقايتكم لنزعت معكم‏)‏‏)‏ فناولوه دلواً فشرب منه‏.‏ رواه مسلم‏.‏

ففي هذا السياق ما يدل على أنه عليه السلام ركب الى مكة قبل الزوال فطاف بالبيت، ثم لما فرغ صلى الظهر هناك‏.‏

وقال مسلم أيضاً‏:‏ أخبرنا محمد بن رافع، أنبأنا عبد الرزاق، أنبأنا عبيد الله بن عمر عن نافع، عن ابن عمر أن رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم أفاض يوم النحر، ثم رجع فصلى الظهر بمنى‏.‏

وهذا خلاف حديث جابر، وكلاهما عند مسلم‏.‏

فإن عللنا بهما أمكن أن يقال‏:‏ أنه عليه السلام صلى الظهر بمكة، ثم رجع إلى منى، فوجد النَّاس ينتظرونه فصلى بهم، والله أعلم‏.‏

ورجوعه عليه السلام إلى منى في وقت الظهر ممكن، لأن ذلك الوقت كان صيفاً والنهار طويل، وإن كان قد صدر منه عليه السلام أفعال كثيرة في صدر هذا النهار، فإنه دفع فيه من المزدلفة بعد ما أسفر الفجر جداً ولكنه قبل طلوع الشمس، ثم قدم منى فبدأ برمي جمرة العقبة بسبع حصيات‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏5/210‏)‏

ثم جاء فنحر بيده ثلاثاً وستين بدنة، ونحر علي بقية المائة، ثم أُخذت من كل بدنة بضعة، ووضعت في قدر وطبخت حتَّى نضجت فأكل من ذلك اللَّحم، وشرب من ذلك المرق‏.‏

وفي غبون ذلك حلق رأسه عليه السلام وتطيَّب، فلما فرغ من هذا كله ركب إلى البيت، وقد خطب عليه السلام في هذا اليوم خطبة عظيمة، ولست أدري أكانت قبل ذهابه إلى البيت أو بعد رجوعه منه إلى منى، فالله أعلم‏.‏

والقصد أنه ركب الى البيت فطاف به سبعة أطواف راكباً، ولم يطف بين الصفا والمروة، كما ثبت في صحيح مسلم عن جابر وعائشة رضي الله عنهما ثم شرب من ماء زمزم، ومن نبيذ تمر من ماء زمزم‏.‏

فهذا كله مما يقوي قول من قال‏:‏ إنه عليه السلام صلى الظهر بمكة كما رواه جابر‏.‏

ويحتمل أنه رجع الى منى في آخر وقت الظهر، فصلى بأصحابه بمنى الظهر أيضاً‏.‏

وهذا هو الذي أشكل على ابن حزم، فلم يدر ما يقول فيه، وهو معذور لتعارض الروايات الصحيحة فيه، والله أعلم‏.‏

وقال أبو داود‏:‏ ثنا علي بن بحر، وعبد الله بن سعيد المعني قالا‏:‏ ثنا أبو خالد الأحمر عن محمد بن إسحاق، عن عبد الرحمن بن القاسم، عن أبيه، عن عائشة قالت‏:‏ أفاض رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم من آخر يومه حين صلى الظهر، ثم رجع إلى منى فمكث بها ليالي أيام التشريق يرمى الجمرة، إذا زالت الشمس كل جمرة بسبع حصيات، يكبر مع كل حصاة‏.‏

قال ابن حزم‏:‏ فهذا جابر وعائشة قد اتفقا على أنه عليه السلام صلى الظهر يوم النحر بمكة، وهما والله أعلم أضبط لذلك من ابن عمر‏.‏

كذا قال‏:‏ وليس بشيء، فإن رواية عائشة هذه ليست ناصة أنه عليه السلام صلى الظهر بمكة، بل محتملة إن كان المحفوظ في الرواية حتَّى صلى الظهر، وإن كانت الرواية حين صلى الظهر، وهو الأشبه، فإن ذلك دليل على أنه عليه السلام صلى الظهر بمنى قبل أن يذهب إلى البيت، وهو محتمل، والله سبحانه وتعالى أعلم‏.‏

وعلى هذا فيبقى مخالفاً لحديث جابر، فإن هذا يقتضي أنه صلى الظهر بمنى قبل أن يركب إلى البيت‏.‏

وحديث جابر يقتضي أنه ركب إلى البيت قبل أن يصلي الظهر، وصلاها بمكة‏.‏

وقد قال البخاري‏:‏ وقال أبو الزبير عن عائشة وابن عبَّاس‏:‏ أخَّر النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم يعني‏:‏ طواف الزيارة إلى الليل وهذا والذي علَّقه البخاري، فقد وراه النَّاس من حديث يحيى بن سعيد، وعبد الرحمن بن مهدي، وفرج بن ميمون عن سفيان الثوري، عن أبي الزبير، عن عائشة وابن عبَّاس أن النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم أخَّر الطواف يوم النحر إلى الليل‏.‏

ورواه أهل السنن الأربعة من حديث سفيان به‏.‏

وقال التِّرمذي‏:‏ حسن‏.‏

وقال الإمام أحمد‏:‏ حدثنا محمد بن عبد الله، ثنا سفيان عن أبي الزبير، عن عائشة، وابن عمر أن رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم زار ليلاً‏.‏

فإن حمل هذا على أنه أخَّر ذلك إلى ما بعد الزوال، كأنه يقول‏:‏ إلى العشي صح ذلك‏.‏

وأما إن حُمل على ما بعد الغروب فهو بعيد جداً‏.‏

ومخالف لما ثبت في الأحاديث الصحيحة المشهورة من أنه عليه السلام طاف يوم النحر نهاراً، وشرب من سقاية زمزم‏.‏

وأما الطواف الذي ذهب في الليل إلى البيت بسببه فهو طواف الوداع‏.‏

ومن الرواة من يعبر عنه بطواف الزيارة كما سنذكره إن شاء الله، أو طواف زيارة محضة قبل طواف الوداع وبعد طواف الصدر الذي هو طواف الفرض‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏5/211‏)‏

وقد ورد حديث سنذكره في موضعه‏.‏

أن رسول الله كان يزور البيت كل ليلة من ليالي منى، وهذا بعيد أيضاً، والله أعلم‏.‏

وقد روى الحافظ البيهقي من حديث عمرو بن قيس عن عبد الرحمن، عن القاسم، عن أبيه، عن عائشة أن رسول الله أذَّن لأصحابه، فزاروا البيت يوم النحر ظهيرة، وزار رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم مع نسائه ليلاً‏.‏

وهذا حديث غريب جداً أيضاً‏.‏

وهذا قول طاوس وعروة بن الزبير أن رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم أخَّر الطواف يوم النحر إلى الليل‏.‏

والصحيح من الروايات، وعليه الجمهور‏:‏ أنه عليه السلام طاف يوم النحر بالنهار، والأشبه أنه كان قبل الزوال، ويحتمل أن يكون بعده، والله أعلم‏.‏

والمقصود‏:‏ أنه عليه السلام لما قدم مكة طاف بالبيت سبعاً وهو راكب، ثم جاء زمزم وبنو عبد المطلب يستقون منها، ويسقون النَّاس فتناول منها دلواً فشرب منه وأفرغ عليه منه‏.‏

كما قال مسلم‏:‏ أخبرنا محمد بن منهال الضرير، ثنا يزيد بن زريع، ثنا حميد الطويل عن بكر بن عبد الله المزني سمع ابن عبَّاس يقول‏:‏ وهو جالس معه عند الكعبة، قدم النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم على راحلته، وخلفه أسامة فأتيناه بإناء فيه نبيذ فشرب، وسقى فضله أسامة‏.‏

وقال‏:‏ ‏(‏‏(‏أحسنتم وأجملتم هكذا فاصنعوا‏)‏‏)‏‏.‏

قال ابن عبَّاس‏:‏ فنحن لا نريد أن نغير ما أمر به رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم‏.‏

وفي رواية عن بكر أن أعرابياً قال لابن عبَّاس‏:‏ مالي أرى بني عمكم يسقون اللبن والعسل، وأنتم تسقون النَّبيّذ، أمن حاجة بكم أم من بخل‏؟‏‏.‏

فذكر له ابن عبَّاس هذا الحديث‏.‏

وقال أحمد‏:‏ حدثنا روح، ثنا حماد عن حميد، عن بكر، عن عبد الله أن أعرابياً قال لابن عبَّاس‏:‏ ما شأن آل معاوية يسقون الماء والعسل، وآل فلان يسقون اللبن، وأنتم تسقون النَّبيّذ، أمن بخل بكم أم حاجة‏؟‏

فقال ابن عبَّاس‏:‏ ما بنا بخل ولا حاجة، ولكن رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم جاءنا ورديفه أسامة بن زيد، فاستسقى فسقيناه من هذا - يعني‏:‏ نبيذ السقاية - فشرب منه‏.‏

وقال‏:‏ ‏(‏‏(‏أحسنتم هكذا فاصنعوا‏)‏‏)‏‏.‏

ورواه أحمد عن روح ومحمد بن بكر عن ابن جريج، عن حسين بن عبد الله بن عبيد الله بن عبَّاس، وداود بن علي بن عبد الله بن عبَّاس عن ابن عبَّاس فذكره‏.‏

وروى البخاري عن إسحاق بن سليمان، حدَّثنا خالد عن خالد الحذاء، عن عكرمة عن ابن عبَّاس أن رسول الله جاء الى السِّقاية فاستقى‏.‏

فقال العبَّاس‏:‏ يا فضل اذهب إلى أمك فأت رسول الله بشراب من عندها‏.‏

فقال‏:‏ ‏(‏‏(‏اسقني ‏!‏‏)‏‏)‏

فقال‏:‏ يا رسول الله إنهم يجعلون أيديهم فيه‏.‏

قال‏:‏ ‏(‏‏(‏اسقني ‏!‏‏)‏‏)‏

فشرب منه، ثم أتى زمزم وهم يسقون ويعملون فيها‏.‏

فقال‏:‏ ‏(‏‏(‏اعملوا فإنكم على عمل صالح‏)‏‏)‏‏.‏

ثم قال‏:‏ ‏(‏‏(‏لولا أن تغلبوا لنزعت حتَّى أضع الحبل على هذه - يعني‏:‏ عاتقه - وأشار إلى عاتقه‏)‏‏)‏‏.‏

وعنده من حديث عاصم عن الشعبي أن ابن عبَّاس قال‏:‏ سقيت النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم من زمزم فشرب وهو قائم‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏5/212‏)‏

قال عاصم‏:‏ فحلف عكرمة - ما كان يومئذ إلا على بعير -‏.‏

وفي رواية‏:‏ ناقته‏.‏

وقال الإمام أحمد‏:‏ ثنا هشيم، ثنا يزيد ابن أبي زياد عن عكرمة، عن ابن عبَّاس‏:‏ أن رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم طاف بالبيت وهو على بعير، واستلم الحجر بمحجن كان معه قال‏:‏ وأتى السقاية فقال‏:‏ ‏(‏‏(‏أسقوني ‏!‏‏)‏‏)‏‏.‏

فقالوا‏:‏ إن هذا يخوضه النَّاس، ولكنا نأتيك به من البيت‏.‏

فقال‏:‏ ‏(‏‏(‏لا حاجة لي فيه اسقوني مما تشرب النَّاس‏)‏‏)‏‏.‏

وقد روى أبو داود عن مسدد، عن خالد الطحان، عن يزيد ابن أبي زياد، عن عكرمة، عن ابن عبَّاس قال‏:‏ قدم رسول الله مكة ونحن نستقي فطاف على راحلته - الحديث -‏.‏

وقال الإمام أحمد‏:‏ حدثنا روح وعفان قالا‏:‏ ثنا حماد عن قيس وقال عفان في حديثه‏:‏ أنبأنا قيس عن مجاهد، عن ابن عبَّاس أنه قال‏:‏ جاء النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم إلى زمزم فنزعنا له دلواً فشرب، ثم مج فيها ثم أفرغناها في زمزم ثم قال‏:‏ ‏(‏‏(‏لولا أن تغلبوا عليها لنزعت بيدي‏)‏‏)‏‏.‏

انفرد به أحمد وإسناده على شرط مسلم‏.‏

فصل اكتفاء رسول الله عليه السلام بطوافه الأول‏.‏

ثم إنه صلَّى الله عليه وسلَّم لم يعد الطواف بين الصفا والمروة مرة ثانية، بل اكتفى بطوافه الأول‏.‏

كما روى مسلم في صحيحه من طريق ابن جريج‏:‏ أخبرني أبو الزبير‏:‏ سمعت جابر بن عبد الله يقول‏:‏ لم يطف النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم وأصحابه بين الصفا والمروة إلا طوافاً واحداً‏.‏

قلت‏:‏ والمراد بأصحابه هاهنا الذين ساقوا الهدي وكانوا قارنين‏.‏

كما ثبت في صحيح مسلم أن رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم قال لعائشة وكانت أدخلت الحج على العمرة فصارت قارنة‏:‏ ‏(‏‏(‏يكفيك طوافك بالبيت وبين الصفا والمروة لحجك وعمرتك‏)‏‏)‏‏.‏

وعند أصحاب الإمام أحمد أن قول جابر وأصحابه عام في القارنين والمتمتعين، ولهذا نص الإمام أحمد على أن المتمتع يكفيه طواف واحد عن حجه وعمرته، وإن تحلل بينهما تحلل، وهو قول غريب مأخذه ظاهر عموم الحديث، والله أعلم‏.‏

وقال أصحاب أبي حنيفة في المتمتع كما قال المالكية، والشافعية‏:‏ إنه يجب عليه طوافان وسعيان، حتَّى طردت الحنفية ذلك في القارن، وهو من أفراد مذهبهم أنه يطوف طوافين ويسعى سعيين، ونقلوا ذلك عن علي موقوفاً، وروى عنه مرفوعاً إلى النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم، وقد قدمنا الكلام على ذلك كله عند الطواف، وبيَّنا أن أسانيد ذلك ضعيفة مخالفة للأحاديث الصحيحة، والله أعلم‏.‏

فصل رجوعه عليه الصلاة والسلام إلى منى

ثم رجع عليه السلام إلى منى بعد ما صلى الظهر بمكة كما دل عليه حديث جابر‏.‏

وقال ابن عمر‏:‏ رجع فصلى الظهر بمنى‏.‏

رواهما مسلم كما تقدَّم قريباً، ويمكن الجمع بينهما بوقوع ذلك بمكة وبمنى، والله أعلم‏.‏

وتوقف ابن حزم في هذا المقام فلم يجزم فيه بشيء، وهو معذور لتعارض النقلين الصحيحين فيه، فالله أعلم‏.‏

وقال محمد بن إسحاق عن عبد الرحمن بن القاسم، عن أبيه، عن عائشة قالت‏:‏ أفاض رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم من آخر يومه حين صلى الظهر، ثم رجع إلى منى فمكث بها ليالي أيام التشريق يرمي الجمرات، إذا زالت الشمس كل جمرة بسبع حصيات يكبِّر مع كل حصاة‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏5/213‏)‏

ورواه أبو داود منفرداً به‏.‏

وهذا يدل على أن ذهابه عليه السلام إلى مكة يوم النحر كان بعد الزوال‏.‏

وهذا ينافي حديث ابن عمر قطعاً، وفي منافاته لحديث جابر نظر، والله أعلم‏.‏

فصل خطبة رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم يوم النحر

وقد خطب رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم في هذا اليوم الشريف خطبة عظيمة تواترت بها الأحاديث، ونحن نذكر منها ما يسره الله عز وجل‏.‏

قال البخاري - باب الخطبة أيام منى -‏:‏ حدثنا علي بن عبد الله، ثنا يحيى بن سعيد، ثنا فضيل بن غزوان، ثنا عكرمة عن ابن عبَّاس أن رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم خطب النَّاس يوم النحر فقال‏:‏ ‏(‏‏(‏ياأيها النَّاس أي يوم هذا‏؟‏‏)‏‏)‏

قالوا‏:‏ يوم حرام‏.‏

قال‏:‏ ‏(‏‏(‏فأي بلد هذا‏؟‏‏)‏‏)‏

قالوا‏:‏ بلد حرام‏.‏

قال‏:‏ ‏(‏‏(‏فأي شهر هذا‏؟‏‏)‏‏)‏

قالوا‏:‏ شهر حرام‏.‏

قال‏:‏ ‏(‏‏(‏فإن دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام كحرمة يومكم هذا في بلدكم هذا في شهركم هذا‏)‏‏)‏‏.‏

قال‏:‏ فأعادها مراراً ثم رفع رأسه‏.‏

فقال‏:‏ ‏(‏‏(‏اللهم هل بلغت اللهم قد بلغت‏)‏‏)‏‏.‏

قال ابن عبَّاس‏:‏ فوالذي نفسي بيده إنها لوصيته إلى أمته، فليبلغ الشاهد الغائب لا ترجعوا بعدي كفاراً يضرب بعضكم رقاب بعض‏.‏

ورواه التِّرمذي عن الفلاس، عن يحيى القطان به‏.‏

وقال‏:‏ حسن صحيح‏.‏

وقال البخاري أيضاً‏:‏ حدثنا عبد الله بن محمد، ثنا أبو عامر، ثنا قرة عن محمد بن سيرين، أخبرني عبد الرحمن ابن أبي بكرة عن أبيه، ورجل أفضل في نفسي من عبد الرحمن حميد بن عبد الرحمن، عن أبي بكرة رضي الله عنه قال‏:‏ خطبنا رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم يوم النحر فقال‏:‏ ‏(‏‏(‏أتدرون أي يوم هذا‏؟‏‏)‏‏)‏‏.‏

قلنا‏:‏ الله ورسوله أعلم‏.‏

فسكت حتَّى ظننا أنه سيسميه بغير اسمه قال‏:‏ ‏(‏‏(‏أليس هذا يوم النحر‏؟‏‏)‏‏)‏‏.‏

قلنا‏:‏ بلى‏!‏

قال‏:‏ ‏(‏‏(‏أي شهر هذا‏؟‏‏)‏‏)‏

قلنا‏:‏ الله ورسوله أعلم‏.‏

فسكت حتَّى ظننا أنه سيسميه بغير اسمه قال‏:‏ ‏(‏‏(‏أليس ذو الحجة‏؟‏‏)‏‏)‏‏.‏

قلنا‏:‏ بلى‏!‏

قال‏:‏ ‏(‏‏(‏أي بلد هذا‏؟‏‏)‏‏)‏‏.‏

قلنا‏:‏ الله ورسوله أعلم‏.‏

فسكت حتَّى ظننا أنه سيسميه بغير اسمه قال‏:‏ ‏(‏‏(‏أليس بالبلدة الحرام‏؟‏‏)‏‏)‏‏.‏

قلنا‏:‏ بلى‏!‏

قال‏:‏ ‏(‏‏(‏فإن دماءكم وأموالكم عليكم حرام كحرمة يومكم هذا، في شهركم هذا، في بلدكم هذا، إلى يوم تلقون ربكم، ألا هل بلغت‏؟‏‏)‏‏)‏‏.‏

قالوا‏:‏ نعم‏.‏

قال‏:‏ ‏(‏‏(‏اللهم اشهد، فليبلغ الشاهد الغائب، فرُب مبلِّغ أوعى من سامع، فلا ترجعوا بعدي كفاراً يضرب بعضكم رقاب بعضٍ‏)‏‏)‏‏.‏

ورواه البخاري ومسلم من طرق عن محمد بن سيرين به‏.‏

ورواه مسلم من حديث عبد الله بن عون عن ابن سيرين، عن عبد الرحمن ابن أبي بكرة، عن أبيه فذكره‏.‏

وزاد في آخره‏:‏ ثم انكفأ إلى كبشين أملحين فذبحهما، وإلى جذيعة من الغنم فقسمها بيننا‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏5/214‏)‏

وقال الإمام‏:‏ أحمد ثنا إسماعيل، أنبأنا أيوب عن محمد بن سيرين، عن أبي بكرة أن رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم خطب في حجته فقال‏:‏ ‏(‏‏(‏ألا إن الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق الله السموات والأرض، السنة اثني عشر شهراً منها أربعة حرم؛ ثلاثة متواليات ذو القعدة، وذو الحجة، والمحرم، ورجب مضر الذي بين جمادى وشعبان‏)‏‏)‏‏.‏

ثم قال‏:‏ ‏(‏‏(‏ألا أي يوم هذا‏؟‏‏)‏‏)‏‏.‏

قلنا‏:‏ الله ورسوله أعلم‏.‏

فسكت حتَّى ظننا أنه سيسميه بغير اسمه‏.‏

قال‏:‏ ‏(‏‏(‏أليس يوم النحر‏؟‏‏)‏‏)‏‏.‏

قلنا‏:‏ بلى‏!‏

ثم قال‏:‏ ‏(‏‏(‏أي شهر هذا‏؟‏‏)‏‏)‏‏.‏

قلنا‏:‏ الله ورسوله أعلم‏.‏

فسكت حتَّى ظننا أنه سيسميه بغير اسمه‏.‏

قال‏:‏ ‏(‏‏(‏أليس ذا الحجة‏؟‏‏)‏‏)‏‏.‏

قلنا‏:‏ بلى‏!‏

ثم قال‏:‏ ‏(‏‏(‏أي بلد هذا‏؟‏‏)‏‏)‏

قلنا‏:‏ الله ورسوله أعلم‏.‏

فسكت حتَّى ظننا أنه سيسميه بغير اسمه‏.‏

قال‏:‏ ‏(‏‏(‏أليست البلدة‏؟‏‏)‏‏)‏

قلنا‏:‏ بلى‏!‏

قال‏:‏ ‏(‏‏(‏فإن دماءكم وأموالكم - لأحبسه - قال‏:‏ ‏(‏‏(‏وأعراضكم عليكم حرام كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا، وستلقون ربكم فيسألكم عن أعمالكم ألا لا ترجعوا بعدي ضُلالاً يضرب بعضكم رقاب بعض، ألا هل بلغت، ألا ليبلغ الشاهد الغائب، فلعل من يبلغه يكون أوعى له من بعض من سمعه‏)‏‏)‏‏.‏

هكذا وقع في مسند الإمام أحمد عن محمد بن سيرين، عن أبي بكرة‏.‏

وهكذا رواه أبو داود عن مسدد، والنسائي عن عمرو بن زرارة، كلاهما عن إسماعيل - وهو ابن علية - عن أيوب، عن ابن سيرين، عن أبي بكرة به‏.‏

وهو منقطع لأن صاحبا الصحيح أخرجاه من غير وجه عن أيوب، وغيره عن محمد بن سيرين، عن عبد الرحمن ابن أبي بكرة، عن أبيه به‏.‏

وقال البخاري أيضاً‏:‏ ثنا محمد بن المثنى، ثنا يزيد بن هارون، أنبأنا عاصم بن محمد بن زيد عن أبيه، عن ابن عمر قال‏:‏ قال النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم بمنى‏:‏ ‏(‏‏(‏أتدرون أي يوم هذا‏؟‏‏)‏‏)‏‏.‏

قالوا‏:‏ الله ورسوله أعلم‏.‏

قال‏:‏ ‏(‏‏(‏فإن هذا يوم حرام، أفتدرون أي بلد هذا‏؟‏‏)‏‏)‏‏.‏

قالوا‏:‏ الله ورسوله أعلم‏.‏

قال‏:‏ ‏(‏‏(‏بلد حرام‏)‏‏)‏‏.‏

قال‏:‏ ‏(‏‏(‏أفتدرون أي شهر هذا‏؟‏‏)‏‏)‏‏.‏

قالوا‏:‏ الله ورسوله أعلم‏.‏

قال‏:‏ ‏(‏‏(‏شهر حرام، فإن الله حرم عليكم دماءكم وأموالكم وأعراضكم كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا، في بلدكم هذا‏)‏‏)‏‏.‏

وقد أخرجه البخاري في أماكن متفرقة من صحيحه، وبقية الجماعة إلا التِّرمذي من طرق عن محمد بن زيد بن عبد الله بن عمر، عن جده عبد الله بن عمر، فذكره‏.‏

قال البخاري، وقال هشام بن الغاز أخبرني نافع عن ابن عمر‏:‏ وقف النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم يوم النحر بين الجمرات في الحجة التي حجَّ بهذا‏.‏

وقال‏:‏ ‏(‏‏(‏هذا يوم الحج الأكبر‏)‏‏)‏‏.‏

فطفق النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم يقول‏:‏ ‏(‏‏(‏اللهم اشهد‏)‏‏)‏ وودع النَّاس‏.‏

فقالوا‏:‏ هذه حجة الوداع‏.‏

وقد أسند هذا الحديث أبو داود عن مؤمل بن الفضل، عن الوليد بن مسلم‏.‏

وأخرجه ابن ماجه عن هشام بن عمار، عن صدقة بن خالد، كلاهما عن هشام بن الغاز بن ربيعة الجرشي أبي العبَّاس الدمشقي به‏.‏

وقيامه عليه السلام بهذه الخطبة عند الجمرات يحتمل أنه بعد رميه الجمرة يوم النحر وقبل طوافه‏.‏

ويحتمل أنه بعد طوافه، ورجوعه الى منى ورميه بالجمرات‏.‏

لكن يقوي الأول ما رواه النسائي حيث قال‏:‏ حدثنا عمرو بن هشام الحراني، ثنا محمد بن سلمة عن أبي عبد الرحيم، عن زيد ابن أبي أنيسة، عن يحيى بن حصين الأحمسي، عن جدته أم حصين قالت‏:‏ حججت في حجة النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم فرأيت بلالاً آخذاً بقود راحلته، وأسامة بن زيد رافع عليه ثوبه يظله من الحر، وهو محرم حتَّى رمى جمرة العقبة ثم خطب النَّاس، فحمد وأثنى عليه، وذكر قولاً كثيراً‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏5/215‏)‏

وقد رواه مسلم من حديث زيد ابن أبي أنيسة عن يحيى بن الحصين، عن جدته أم الحصين قالت‏:‏ حججت مع رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم حجة الوداع فرأيت أسامة، وبلالاً أحدهما آخذ بخطام ناقة رسول الله، والآخر رافع ثوبه يستره من الحر حتَّى رمى جمرة العقبة‏.‏

قالت‏:‏ فقال رسول الله قولاً كثيراً، ثم سمعته يقول‏:‏ ‏(‏‏(‏إن أُمِّر عليكم عبد مجدع - حسبتها قالت‏:‏ أسود - يقودكم بكتاب الله فاسمعوا له وأطيعوه‏)‏‏)‏‏.‏

وقال الإمام أحمد‏:‏ ثنا محمد بن عبيد الله، ثنا الأعمش عن أبي صالح - وهو ذكوان السمان - عن جابر‏.‏

قال‏:‏ خطبنا رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم يوم النحر فقال‏:‏ ‏(‏‏(‏أي يوم أعظم حرمة‏؟‏‏)‏‏)‏‏.‏

قالوا‏:‏ يومنا هذا‏.‏

قال‏:‏ ‏(‏‏(‏أي شهر أعظم حرمة‏؟‏‏)‏‏)‏‏.‏

قالوا‏:‏ شهرنا هذا‏.‏

قال‏:‏ ‏(‏‏(‏أي بلد أعظم حرمة‏؟‏‏)‏‏)‏‏.‏

قالوا‏:‏ بلدنا هذا‏.‏

قال‏:‏ ‏(‏‏(‏فإن دماءكم وأموالكم عليكم حرام كحرمة يومكم هذا، في بلدكم هذا، في شهركم هذا، هل بلغت‏؟‏‏)‏‏)‏‏.‏

قالوا‏:‏ نعم‏.‏

قال‏:‏ ‏(‏‏(‏اللهم اشهد‏)‏‏)‏‏.‏

انفرد به أحمد من هذا الوجه وهو على شرط الصحيحين‏.‏

ورواه أبو بكر ابن أبي شيبة عن أبي معاوية، عن الأعمش به‏.‏

وقد تقدَّم حديث جعفر بن محمد عن أبيه، عن جابر في خطبته عليه السلام يوم عرفة، فالله أعلم‏.‏

قال الإمام أحمد‏:‏ ثنا علي بن بحر، ثنا عيسى بن يونس عن الأعمش، عن أبي صالح، عن أبي سعيد الخدري قال‏:‏ قال رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم في حجة الوداع فذكر معناه‏.‏

وقد رواه ابن ماجه عن هشام بن عمار، عن عيسى بن يونس به، وإسناده على شرط الصحيحين، فالله أعلم‏.‏

وقال الحافظ أبو بكر البزار‏:‏ حدثنا أبو هشام، ثنا حفص عن الأعمش، عن أبي صالح، عن أبي هريرة وأبي سعيد أن رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم خطب فقال‏:‏ ‏(‏‏(‏أي يوم هذا‏؟‏‏)‏‏)‏‏.‏

قالوا‏:‏ يوم حرام‏.‏

قال‏:‏ ‏(‏‏(‏فإن دماءكم وأموالكم عليكم حرام كحرمة يومكم هذا، في شهركم هذا، في بلدكم هذا‏)‏‏)‏‏.‏

ثم قال البزار‏:‏ رواه أبو معاوية عن الأعمش، عن أبي صالح، عن أبي هريرة وأبي سعيد، وجمعهما لنا أبو هشام عن حفص بن غياث، عن الأعمش، عن أبي صالح، عن أبي هريرة وأبي سعيد‏.‏

قلت‏:‏ وتقدم رواية أحمد له عن محمد بن عبيد الطنافسي، عن الأعمش، عن أبي صالح، عن جابر بن عبد الله فلعله عند أبي صالح عن الثلاثة، والله أعلم‏.‏

وقال هلال بن يساف عن سلمة بن قيس الأشجعي قال‏:‏ قال رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم في حجة الوداع‏:‏ ‏(‏‏(‏إنما هن أربع‏:‏ لا تشركوا بالله شيئاً، ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق، ولا تزنوا، ولا تسرقوا‏)‏‏)‏‏.‏

قال‏:‏ فما أنا بأشج عليهن مني حين سمعتهن من رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم‏.‏

وقد رواه أحمد والنسائي من حديث منصور عن هلال بن يساف‏.‏

وكذلك رواه سفيان بن عيينة والثوري عن منصور‏.‏

وقال ابن حزم في حجة الوداع‏:‏ حدثنا أحمد بن عمر بن أنس العذري، ثنا أبو ذر عبد الله بن أحمد الهروي الأنصاري، ثنا أحمد بن عبدان الحافظ بالأهواز، ثنا سهل بن موسى بن شيرزاد، ثنا موسى بن عمرو بن عاصم، ثنا أبو العوام، ثنا محمد بن جحادة عن زياد بن علاقة، عن أسامة بن شريك قال‏:‏ شهدت رسول الله في حجة الوداع وهو يخطب وهو يقول‏:‏ ‏(‏‏(‏أمك وأباك وأختك وأخاك، ثم أدناك أدناك‏)‏‏)‏‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏5/216‏)‏

قال‏:‏ فجاء قوم فقالوا‏:‏ يا رسول الله قبلنا بنو يربوع‏.‏

فقال رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم‏:‏ ‏(‏‏(‏لا تجني نفس على أخرى‏)‏‏)‏‏.‏

ثم سأله رجل نسي أن يرمي الجمار‏.‏

فقال‏:‏ ‏(‏‏(‏ارم ولا حرج‏)‏‏)‏‏.‏

ثم أتاه آخر فقال‏:‏ يا رسول الله نسيت الطواف‏.‏

فقال‏:‏ ‏(‏‏(‏طف ولا حرج‏)‏‏)‏‏.‏

ثم أتاه آخر حلق قبل أن يذبح‏.‏

قال‏:‏ ‏(‏‏(‏اذبح ولا حرج‏)‏‏)‏‏.‏

فما سألوه يومئذ عن شيء إلا قال‏:‏ ‏(‏‏(‏لا حرج لا حرج‏)‏‏)‏‏.‏

ثم قال‏:‏ ‏(‏‏(‏قد أذهب الله الحرج إلا رجلاً اقترض امرأ مسلماً فذلك الذي حرج وهلك‏)‏‏)‏‏.‏

وقال‏:‏ ‏(‏‏(‏ما أنزل الله داء إلا أنزل له دواء إلا الهرم‏)‏‏)‏‏.‏

وقد روى الإمام أحمد، وأهل السنن بعض هذا السياق من هذه الطريق‏.‏

وقال الترمذي‏:‏ حسن صحيح‏.‏

وقال الإمام أحمد‏:‏ ثنا حجاج، حدثني شعبة عن علي بن مدرك سمعت أبا زرعة يحدِّث عن جرير - وهو جده - عن النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم قال في حجة الوداع‏:‏ يا جرير استنصت النَّاس‏.‏

ثم قال في خطبته‏:‏ ‏(‏‏(‏لا ترجعوا بعدي كفاراً يضرب بعضكم رقاب بعض‏)‏‏)‏‏.‏

ثم رواه أحمد عن غندر، وعن ابن مهدي، كل منهما عن شعبة به‏.‏

وأخرجاه في الصحيحين من حديث شعبة به‏.‏

وقال أحمد‏:‏ ثنا ابن نمير، ثنا إسماعيل عن قيس قال‏:‏ بلغنا أن جريراً قال‏:‏ قال رسول الله‏:‏ استنصت النَّاس ثم قال عند ذلك‏:‏ ‏(‏‏(‏لا أعرفن بعد ما أرى ترجعون كفاراً يضرب بعضكم رقاب بعض‏)‏‏)‏‏.‏

ورواه النسائي من حديث عبد الله بن نمير به‏.‏

وقال النسائي‏:‏ ثنا هناد بن السري عن أبي الأحوص، عن ابن غرقدة، عن سليمان بن عمرو، عن أبيه قال‏:‏ شهدت رسول الله في حجة الوداع يقول‏:‏ ‏(‏‏(‏أيها النَّاس - ثلاث مرات - أي يوم هذا‏؟‏‏)‏‏)‏‏.‏

قالوا‏:‏ يوم الحج الأكبر‏.‏

قال‏:‏ ‏(‏‏(‏فإن دماءكم وأموالكم وأعراضكم بينكم حرام كحرمة يومكم هذا، في بلدكم هذا، ولا يجني جان على والده، ألا إن الشيطان قد يئس أن يعبد في بلدكم هذا، ولكن سيكون له طاعة في بعض ما تحتقرون من أعمالكم فيرضى، ألا وإن كل ربا من ربا الجاهلية يوضع لكم رؤوس أموالكم لا تَظلِمون ولا تُظلَمون‏)‏‏)‏ وذكر تمام الحديث‏.‏

وقال أبو داود - باب من قال خطب يوم النحر -‏:‏ حدثنا هارون بن عبد الله، ثنا هشام بن عبد الملك، ثنا عكرمة - هو ابن عمار -، ثنا الهرماس بن زياد الباهلي قال‏:‏ رأيت رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم يخطب النَّاس على ناقته العضباء يوم الأضحى بمنى‏.‏

ورواه أحمد والنسائي من غير وجه عن عكرمة بن عمار، عن الهرماس قال‏:‏ كان أبي مردفي فرأيت رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم يخطب النَّاس بمنى يوم النحر على ناقته العضباء‏.‏

لفظ أحمد وهو من ثلاثيات المسند ولله الحمد‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏5/217‏)‏

ثم قال أبو داود‏:‏ ثنا مؤمل بن الفضل الحراني، ثنا الوليد، ثنا ابن جرير، ثنا سليم بن عامر الكلاعي سمعت أبا أمامة يقول‏:‏ سمعت خطبة رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم بمنى يوم النحر‏.‏

وقال الامام أحمد‏:‏ ثنا عبد الرحمن عن معاوية بن صالح، عن سليم بن عامر الكلاعي سمعت أبا امامة يقول‏:‏ سمعت رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم وهو يومئذ على الجدعاء واضع رجليه في الغرز يتطاول ليُسمع النَّاس‏.‏

فقال بأعلا صوته‏:‏ ‏(‏‏(‏ألا تسمعون‏؟‏‏)‏‏)‏‏.‏

فقال رجل من طوائف النَّاس‏:‏ يا رسول الله ماذا تعهد إلينا‏؟‏‏.‏

فقال‏:‏ ‏(‏‏(‏اعبدوا ربكم، وصلُّوا خمسكم، وصوموا شهركم، وأطيعوا إذا أمرتم، تدخلوا جنة ربكم‏)‏‏)‏‏.‏

فقلت‏:‏ يا أبا أمامة مثل من أنت يومئذ‏.‏

قال‏:‏ أنا يومئذ ابن ثلاثين سنة، أزاحم البعير أزحزحه قدما لرسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم‏.‏

ورواه أحمد أيضاً عن زيد بن الحباب، عن معاوية بن صالح‏.‏

وأخرجه التِّرمذي عن موسى بن عبد الرحمن الكوفي، عن زيد بن الحباب‏.‏

وقال‏:‏ حسن صحيح‏.‏

قال الإمام أحمد‏:‏ ثنا أبو المغيرة، ثنا إسماعيل بن عبَّاس، ثنا شرحبيل بن مسلم الخولاني سمعت أبا أمامة الباهلي يقول‏:‏ سمعت رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم يقول في خطبته عام حجة الوداع‏:‏ ‏(‏‏(‏إن الله قد أعطى كل ذي حق حقه، فلا وصية لوارث، والولد للفراش، وللعاهر الحجر، وحسابهم على الله، ومن ادّعى إلى غير أبيه أو انتمى إلى غير مواليه، فعليه لعنة الله التابعة إلى يوم القيامة، لا تنفق امرأة من بيتها إلا بإذن زوجها‏)‏‏)‏‏.‏

فقيل‏:‏ يا رسول الله ولا الطعام‏.‏

قال‏:‏ ‏(‏‏(‏ذاك أفضل أموالنا‏)‏‏)‏‏.‏

ثم قال رسول الله‏:‏ ‏(‏‏(‏العارية مؤداة، والمنحة مردودة، والدين مقضي، والزعيم غارم‏)‏‏)‏‏.‏

ورواه أهل السنن الأربعة من حديث إسماعيل بن عياش‏.‏

وقال التِّرمذي‏:‏ حسن‏.‏

ثم قال أبو داود رحمه الله باب من يخطب يوم النحر‏:‏ حدثنا عبد الوهاب بن عبد الرحيم الدمشقي، ثنا مروان عن هلال بن عامر المزني، حدثني رافع بن عمرو المزني قال‏:‏ رأيت رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم يخطب النَّاس بمنى حين ارتفع الضحى على بغلة شهباء، وعلي يعبر عنه، والنَّاس بين قائم وقاعد‏.‏

ورواه النسائي عن دحيم، عن مروان الفزاري به‏.‏

وقال الإمام أحمد‏:‏ حدثنا أبو معاوية، ثنا هلال بن عامر المزني عن أبيه قال‏:‏ رأيت رسول الله يخطب النَّاس بمنى على بغلة وعليه برد أحمر قال‏:‏ ورجل من اهل بدر بين يديه يعبر عنه‏.‏

قال‏:‏ فجئت حتَّى أدخلت يدي بين قدمه وشراكه‏.‏

قال‏:‏ فجعلت أعجب من بردها‏.‏

حدثنا محمد بن عبيد، ثنا شيخ من بني فزارة عن هلال بن عامر المزني، عن أبيه قال‏:‏ رأيت رسول الله على بغلة شهباء وعلي يعبر عنه‏.‏

ورواه أبو داود من حديث أبي معاوية عن هلال بن عامر ثم قال أبو داود - باب ما يذكر الإمام في خطبته بمنى -‏:‏ حدثنا مسدد، ثنا عبد الوارث عن حميد الأعرج، عن محمد بن إبراهيم التيمي، عن عبد الرحمن بن معاذ التيمي قال‏:‏ خطبنا رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم ونحن بمنى ففتحت أسماعنا حتَّى كنا نسمع ما يقول ونحن في منازلنا، فطفق يعلمهم مناسكهم حتَّى بلغ الجمار فوضع السباحتين ثم قال‏:‏ حصى الخذف، ثم أمر المهاجرين فنزلوا في مقدم المسجد، وأمر الأنصار فنزلوا من وراء المسجد، ثم نزل النَّاس بعد ذلك‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏5/218‏)‏

وقد رواه أحمد عن عبد الصمد بن عبد الوارث، عن أبيه‏.‏

وأخرجه النسائي من حديث ابن المبارك عن عبد الوارث كذلك‏.‏

وتقدَّم رواية الإمام أحمد له عن عبد الرزاق، عن معمر، عن محمد بن إبراهيم التيمي، عن عبد الرحمن بن معاذ، عن رجل من الصحابة، فالله أعلم‏.‏

وثبت في الصحيحين من حديث ابن جريج عن الزُّهري، عن عيسى بن طلحة، عن عبد الله بن عمرو بن العاص أن رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم بينا هو يخطب يوم النحر، فقام إليه رجل فقال‏:‏ كنت أحسب أن كذا وكذا قبل كذا وكذا‏.‏

ثم قام آخر فقال‏:‏ كنت أحسب أن كذا، وكذا قبل كذا‏.‏

فقال رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم‏:‏ ‏(‏‏(‏افعل ولا حرج‏)‏‏)‏‏.‏

وأخرجاه من حديث مالك‏.‏

زاد مسلم ويونس عن الزُّهري به، وله ألفاظ كثيرة ليس هذا موضع استقصائها، ومحله ‏(‏كتاب الأحكام‏)‏ وبالله المستعان‏.‏

وفي لفظ الصحيحين قال‏:‏ فما سئل رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم في ذلك اليوم عن شيء قدِّم وإلا أخِّر، إلا قال‏:‏ ‏(‏‏(‏افعل ولا حرج‏)‏‏)‏‏.

فصل نزوله عليه الصلاة والسلام في منى

ثم نزل عليه السلام بمنى حيث المسجد اليوم فيما يقال، وأنزل المهاجرين يمنته والأنصار يسرته والنَّاس حولهم من بعدهم‏.‏

وقال الحافظ البيهقي‏:‏ أنبأنا أبو عبد الله الحافظ، أنبأنا علي بن محمد بن عقبة الشيباني بالكوفة، ثنا إبراهيم بن إسحاق الزُّهري، ثنا عبيد الله بن موسى، أنبأنا إسرائيل عن إبراهيم بن مهاجر، عن يوسف بن ماهك، عن أم مسيكة، عن عائشة قال‏:‏ قيل يا رسول الله، ألا نبني لك بمنى بناء يظلك‏.‏

قال‏:‏ ‏(‏‏(‏لا منى مناخ من سبق‏)‏‏)‏‏.‏

وهذا إسناد لا بأس به، وليس هو في المسند ولا في الكتب الستة من هذا الوجه‏.‏

وقال أبو داود‏:‏ ثنا أبو بكر محمد بن خلاد الباهلي، ثنا يحيى عن ابن جريج، حدثني حريز، أو أبو حريز الشك من يحيى أنه سمع عبد الرحمن بن فروخ يسأل ابن عمر قال‏:‏ إنا نتبايع بأموال النَّاس فيأتي أحدنا مكة، فيبت على المال‏.‏

فقال‏:‏ أما رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم فبات بمنى وظل‏.‏

انفرد به أبو داود‏.‏

ثم قال أبو داود‏:‏ ثنا عثمان ابن أبي شيبة، ثنا ابن نمير وأبو أسامة عن عبيد الله، عن نافع، عن ابن عمر قال‏:‏ استأذن العبَّاس رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم أن يبيت بمكة ليالي منى من أجل سقايته، فأذن له‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏5/219‏)‏

وهكذا رواه البخاري ومسلم من حديث عبد الله بن نمير‏.‏

زاد البخاري‏:‏ وأبي ضمرة أنس بن عياض‏.‏

زاد مسلم‏:‏ وأبي أسامة حماد بن أسامة‏.‏

وقد علَّقه البخاري عن أبي أسامة وعقبة بن خالد، كلهم عن عبيد الله بن عمر به‏.‏

وقد كان صلَّى الله عليه وسلَّم يصلي بأصحابه بمنى ركعتين، كما ثبت عنه ذلك في الصحيحين من حديث ابن مسعود، وحارثة بن وهب رضي الله عنهما‏.‏

ولهذا ذهب طائفة من العلماء إلى أن سبب هذا القصر النسك، كما هو قول طائفة من المالكية وغيرهم‏.‏

قالوا‏:‏ ومن قال‏:‏ إنه عليه السلام كان يقول بمنى لأهل مكة‏:‏ ‏(‏‏(‏أتموا فإنا قوم سفر‏)‏‏)‏ فقد غلط، إنما قال ذلك رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم عام الفتح، وهو نازل بالأبطح، كما تقدم، والله أعلم‏.‏

وكان صلَّى الله عليه وسلَّم يرمي الجمرات الثلاث في كل يوم من أيام منى بعد الزوال، كما قال جابر فيما تقدَّم‏:‏ ماشياً، كما قال ابن عمر فيما سلف‏:‏ كل جمرة بسب حصيات يكبِّر مع كل حصاة، ويقف عند الأولى وعند الثانية، يدعو الله عز وجل، ولا يقف عند الثالثة‏.‏

قال أبو داود‏:‏ ثنا علي بن بحر، وعبد الله بن سعيد المعني قالا‏:‏ ثنا أبو خالد الأحمر عن محمد بن إسحاق، عن عبد الرحمن بن القاسم، عن أبيه، عن عائشة قالت‏:‏ أفاض رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم من آخر يومه حين صلى الظهر، ثم رجع إلى منى فمكث بها أيام التشريق، يرمي الجمرة إذا زالت الشمس كل جمرة بسبع حصيات ويكبِّر مع كل حصاة، ويقف عند الأولى والثانية فيطيل المقام ويتضرع، ويرمى الثالثة لا يقف عندها‏.‏

انفرد به أبو داود‏.‏

وروى البخاري من غير وجه عن يونس بن يزيد، عن الزُّهري، عن سالم، عن ابن عمر أنه كان يرمي الجمرة الدنيا بسبع حصيات، يكبِّر على إثر كل حصاة ثم يتقدم ثم يسهل، فيقوم مستقبل القبلة طويلاً ويدعو ويرفع يديه، ثم يرمي الوسطى، ثم يأخذ ذات الشمال فيسهل فيقوم مستقبل القبلة ويدعو ويرفع يديه ويقوم طويلاً، ثم يرمي جمرة ذات العقبة من بطن الوادي ولا يقف عندها، ثم ينصرف فيقول‏:‏ هكذا رأيت رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم يفعله‏.‏

وقال وبرة بن عبد الرحمن‏:‏ قام ابن عمر عند العقبة، بقدر قراءة سورة البقرة‏.‏

وقال أبو مجلز‏:‏ حزرت قيامه بعد قراءة سورة يوسف، ذكرهما البيهقي‏.‏

وقال الإمام أحمد‏:‏ حدثنا سفيان بن عيينة عن عبد الله ابن أبي بكر، عن أبيه، عن أبي القداح، عن أبيه أن رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم رخَّص للرعاء أن يرموا يوماً ويدعوا يوماً‏.‏

وقال أحمد‏:‏ ثنا محمد ابن أبي بكر، وأما روح ثنا ابن جريج، أخبرني محمد ابن أبي بكر بن محمد بن عمرو عن أبيه، عن أبي القداح بن عاصم بن عدي، عن أبيه أن رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم أرخص للرعاء أن يتعاقبوا فيرموا يوم النحر، ثم يدعوا يوماً وليلة ثم يرموا الغد‏.‏

وقال الإمام أحمد‏:‏ ثنا عبد الرحمن، ثنا مالك عن عبد الله، عن بكر، عن أبيه، عن أبي القداح، عن عاصم بن عدي، عن أبيه أن رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم رخَّص لرعاء الإبل في البيتوتة بمنى حتَّى يرمون يوم النحر، ثم يرمون يوم النحر، ثم يرمون الغد أو من بعد الغد ليومين، ثم يرمون يوم النفر‏.‏

وكذا رواه عن عبد الرزاق عن مالك بنحوه‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏5/220‏)‏

وقد رواه أهل السنن الأربعة من حديث مالك، ومن حديث سفيان بن عيينة به‏.‏

قال التِّرمذي‏:‏ ورواية مالك أصح، وهو حديث حسن صحيح‏.‏

فصل خطبة النَّبيّ عليه الصلاة والسلام في ثاني أيام التشريق

فيما ورد من الأحاديث الدالة على أنه عليه السلام خطب النَّاس بمنى في اليوم الثاني من أيام التشريق، وهو أوسطها‏.‏

قال أبو داود باب أي يوم يخطب‏:‏ حدثنا محمد بن العلاء، أنبأنا ابن المبارك عن إبراهيم بن نافع، عن ابن أبي نجيح، عن أبيه، عن رجلين من بني بكر قالا‏:‏ رأينا رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم يخطب بين أوسط أيام التشريق ونحن عند راحلته، وهي خطبة رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم التي خطب بمنى‏.‏

انفرد به أبو داود‏.‏

ثم قال أبو داود‏:‏ ثنا محمد بن بشار، ثنا أبو عاصم، ثنا ربيعة بن عبد الرحمن بن حصين، حدثتني جدتي سراء بنت نبهان - وكانت ربة بيت في الجاهلية - قالت‏:‏ خطبنا رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم يوم الرؤوس فقال‏:‏ ‏(‏‏(‏أي يوم هذا‏؟‏‏)‏‏)‏‏.‏

قلنا‏:‏ الله ورسوله أعلم‏.‏

قال‏:‏ ‏(‏‏(‏أليس أوسط أيام التشريق‏)‏‏)‏‏.‏

انفرد به أبو داود‏.‏

قال أبو داود‏:‏ وكذلك قال عم أبي حرة الرقاشي‏:‏ أنه خطب أوسط أيام التشريق‏.‏

وهذا الحديث قد رواه الإمام أحمد متصلاً مطولاً‏.‏

فقال‏:‏ ثنا عثمان، ثنا حماد بن سلمة، أنبأنا علي بن زيد عن أبي حرة الرقاشي، عن عمه قال‏:‏ كنت آخذاً بزمام ناقة رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم في أوسط أيام التشريق أذود عنه النَّاس‏.‏

فقال‏:‏ ‏(‏‏(‏ياأيها النَّاس أتدرون في أي شهر أنتم، وفي أي يوم أنتم، وفي أي بلد أنتم‏؟‏‏.‏

قالوا‏:‏ في يوم حرام، وشهر حرام، وبلد حرام‏.‏

قال‏:‏ ‏(‏‏(‏فإن دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا إلى أن تلقونه‏)‏‏)‏‏.‏

ثم قال‏:‏ ‏(‏‏(‏اسمعوا مني تعيشوا، ألا لا تظلموا، ألا لا تظلموا، ألا لا تظلموا، إنه لا يحل مال امرء مسلم إلا بطيب نفس منه، ألا إن كل دم ومال ومأثرة كانت في الجاهلية تحت قدمي هذه إلى يوم القيامة، وإن أول دم يوضع دم ربيعة بن الحارث بن عبد المطلب كان مستعرضاً في بني سعد فقتلته هذيل، ألا إن كل ربا في الجاهلية موضوع، وإن الله قضى أن أول ربا يوضع ربا العبَّاس بن عبد المطلب، لكم رؤوس أموالكم لا تَظلِمون ولا تُظلَمون، ألا وإن الزمان قد استدار كهيئة يوم خلق الله السموات والأرض‏)‏‏)‏‏.‏

ثم قرأ‏:‏ ‏(‏‏(‏إنَّ عدة الشهور عند الله اثنا عشر شهراً في كتاب الله يوم خلق السَّموات والأرض منها أربعة حرم ذلك الدِّين القيم فلا تظلموا فيهن أنفسكم‏)‏‏)‏ ‏[‏التوبة‏:‏ 36‏]‏ ألا لا ترجعوا بعدي كفاراً يضرب بعضكم رقاب بعض، ألا إن الشيطان قد يئس أن يعبده المصلون ولكنه في التحريش بينكم، واتقوا الله في النساء فإنهن عندكم عوان لا يملكن لأنفسهن شيئاً، وإن لهن عليكم حقاً ولكم عليهن حق أن لا يوطئن فرشكم أحد غيركم، ولا يأذن فيي بيوتكم لأحد تكرهونه، فإن خفتم نشوزهن فعظوهن، واهجروهن في المضاجع، واضربوهن ضرباً غير مبرح، ولهن رزقهن وكسوتهن بالمعروف، وإنما أخذتموهن بأمانة الله واستحللتم فروجهن بكلمة الله، ألا ومن كانت عنده أمانة فليؤدها الى من ائتمنه عليها‏)‏‏)‏ ‏(‏ج/ص‏:‏5/221‏)‏

وبسط يده وقال‏:‏ ‏(‏‏(‏ألا هل بلغت، ألا هل بلغت ‏!‏‏)‏‏)‏‏.‏

ثم قال‏:‏ ‏(‏‏(‏ليبلِّغ الشاهد الغائب فإنه رُبَّ مبلّغ أسعد من سامع‏)‏‏)‏‏.‏

قال حميد‏:‏ قال الحسن حين بلغ هذه الكلمة‏:‏ قد والله بلغوا أقواماً كانوا أسعد به‏.‏

وقد روى أبو داود في كتاب النكاح من سننه عن موسى بن إسماعيل، عن حماد بن سلمة، عن علي بن زيد بن جدعان، عن أبي حرة الرقاشي - واسمه‏:‏ حنيفة - عن عمه ببعضه في النشوز‏.‏

قال ابن حزم‏:‏ جاء أنه خطب يوم الرؤوس، وهو اليوم الثاني من يوم النحر بلا خلاف عن أهل مكة، وجاء أنه أوسط أيام التشريق فيحتمل على أن أوسط بمعنى أشرف‏.‏

كما قال تعالى‏:‏ ‏(‏‏(‏وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً‏)‏‏)‏‏.‏ ‏[‏البقرة‏:‏ 143‏]‏‏.‏

وهذا المسلك الذي سلكه ابن حزم بعيد، والله أعلم‏.‏

وقال الحافظ أبو بكر البزار‏:‏ حدثنا الوليد بن عمرو بن مسكين، ثنا أبو همام محمد بن الزبرقان، ثنا موسى بن عبيدة عن عبد الله بن دينار وصدقة بن يسار، عن عبد الله بن عمر قال‏:‏ نزلت هذه السورة على رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم بمنى وهو في أوسط أيام التشريق في حجة الوداع‏:‏ ‏{‏إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ‏}‏ فعرف أنه الوداع، فأمر براحلته القصواء فرحلت له، ثم ركب فوقف النَّاس بالعقبة فاجتمع إليه ما شاء الله من المسلمين، فحمد الله وأثنى عليه بما هو أهله ثم قال‏:‏ ‏(‏‏(‏أما بعد أيها النَّاس، فإن كل دم كان في الجاهلية فهو هدر، وإن أول دمائكم أهدر دم ربيعة بن الحارث كان مسترضعاً في بني ليث فقتلته هذيل، وكل ربا في الجاهلية فهو موضوع، وإن أول رباكم أضع ربا العبَّاس بن عبد المطلب، أيها النَّاس إن الزمان قد استدار كهيئة يوم خلق الله السموات والأرض، وإن عدة الشهور عند الله اثنا عشر منها أربعة حرم رجب مضر - الذي بين جمادى وشعبان، وذو القعدة وذو الحجة والمحرم ‏{‏ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ‏}‏ الآية ‏[‏التوبة‏:‏ 36‏]‏‏.‏

‏{‏إِنَّمَا النَّسِيءُ زِيَادَةٌ فِي الْكُفْرِ يُضَلُّ بِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا يُحِلُّونَهُ عَاماً وَيُحَرِّمُونَهُ عَاماً لِيُوَاطِئُوا عِدَّةَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ فَيُحِلُّوا مَا حَرَّمَ اللَّهُ‏}‏ ‏[‏التوبة‏:‏ 37‏]‏ كانوا يحلون صفراً عاماً، ويحرمون المحرم عاماً، ويحرمون صفراً عاماً، ويحلون المحرم عاماً، فذلك النسئ‏.‏

يا أيها النَّاس من كان عنده وديعة فليؤدها الى من ائتمنه عليها، أيها النَّاس إن الشيطان قد يئس أن يعبد ببلادكم آخر الزمان، وقد يرضى عنكم بمحقرات الأعمال فاحذروه على دينكم بمحقرات الأعمال، أيها النَّاس إن النساء عندكم عوانٍ أخذتموهن بأمانة الله واستحللتم فروجهن بكلمة الله، لكم عليهن ولهن عليكم حق، ومن حقكم عليهن أن لا يوطئن فرشكم غيركم، ولا يعصينكم في معروف، فإن فعلن ذلك فليس عليهن سبيل، ولهن رزقهن وكسوتهن بالمعروف، فإن ضربتم فاضربوا ضرباً غير مبرح، ولا يحل لامرء من مال أخيه إلا ما طابت به نفسه‏.‏

أيها النَّاس إني قد تركت فيكم ما إن أخذتم به لم تضلوا كتاب الله فاعملوا به، أيها النَّاس أي يوم هذا‏؟‏‏)‏‏)‏‏.‏

قالوا‏:‏ يوم حرام‏.‏

قال‏:‏ ‏(‏‏(‏فأي بلد هذا‏؟‏‏)‏‏)‏

قالوا‏:‏ بلد حرام‏.‏

قال‏:‏ ‏(‏‏(‏أي شهر هذا‏؟‏‏)‏‏)‏

قالوا‏:‏ شهر حرام‏.‏

قال‏:‏ ‏(‏‏(‏فإن الله حرَّم دماءكم وأموالكم وأعراضكم كحرمة هذا اليوم، في هذا البلد وهذا الشهر، ألا ليبلِّغ شاهدكم غائبكم لا نبي بعدي ولا أمة بعدكم‏)‏‏)‏‏.‏

ثم رفع يديه فقال‏:‏ ‏(‏‏(‏اللهم اشهد‏)‏‏)‏‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏5/222‏)‏

حديث الرسول صلَّى الله عليه وسلَّم يزور البيت كل ليلة من ليالي منى

قال البخاري يذكر عن أبي حسان عن ابن عبَّاس‏:‏ أن رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم كان يزور البيت في أيام منى‏.‏

هكذا ذكره معلقاً بصيغة التمريض‏.‏

وقد قال الحافظ البيهقي‏:‏ أخبرناه أبو الحسن بن عبدان، أنبأنا أحمد بن عبيد الصفار، ثنا العمري، أنبأنا ابن عرعرة فقال‏:‏ دفع إلينا معاذ بن هشام كتاباً‏.‏

قال‏:‏ سمعته من أبي ولم يقرأه‏.‏

قال‏:‏ فكان فيه عن قتادة عن أبي حسان عن ابن عبَّاس أن رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم كان يزور البيت كل ليلة ما دام بمنى‏.‏

قال‏:‏ وما رأيت أحداً واطأه عليه‏.‏

قال البيهقي‏:‏ وروى الثوري في ‏(‏الجامع‏)‏ عن طاوس، عن ابن عبَّاس أن رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم كان يفيض كل ليلة - يعني‏:‏ ليالي منى - وهذا مرسل‏.‏



فصل يوم الزينة

اليوم السادس من ذي الحجة‏.‏

قال بعضهم‏:‏ يقال له‏:‏ يوم الزينة لأنه يزين فيه البدن بالجلال وغيرها‏.‏

واليوم السابع‏:‏ يقال له‏:‏ يوم التروية، لأنهم يتروون فيه من الماء ويحملون منه ما يحتاجون اليه حال الوقوف وما بعده‏.‏

واليوم الثامن‏:‏ يقال له‏:‏ يوم منى لأنهم يرحلون فيه من الأبطح إلى منى‏.‏

واليوم التاسع‏:‏ يقال له‏:‏ يوم عرفة لوقوفهم فيه بها‏.‏

واليوم العاشر‏:‏ يقال له‏:‏ يوم النحر، ويوم الأضحى، ويوم الحج الأكبر‏.‏

واليوم الذي يليه‏:‏ يقال له‏:‏ يوم القر لأنهم يقرون فيه، ويقال له‏:‏ يوم الرؤوس لأنهم يأكلون فيه رؤوس الأضاحي، وهو أول أيام التشريق، وثاني أيام التشريق يقال له‏:‏ يوم النفر الأول لجواز النفر فيه، وقيل‏:‏ هو اليوم الذي يقال له‏:‏ يوم الرؤوس، واليوم الثالث من أيام التشريق يقال له‏:‏ يوم النفر الآخر‏.‏

قال الله تعالى‏:‏ ‏{‏فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ وَمَنْ تَأَخَّرَ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ‏}‏ الآية‏.‏ ‏[‏البقرة‏:‏ 203‏]‏‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏5/223‏)‏

فلما كان يوم النفر الآخر، وهو اليوم الثالث من أيام التشريق، وكان يوم الثلاثاء ركب رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم والمسلمون معه فنفر بهم من منى، فنزل المحصب - وهو واد بين مكة ومنى - فصلَّى به العصر‏.‏

كما قال البخاري‏:‏ حدثنا محمد بن المثنى، ثنا إسحاق بن يوسف، ثنا يوسف، ثنا سفيان الثوري عن عبد العزيز بن رفيع قال‏:‏ سألت أنس بن مالك‏:‏ أخبرني عن شيء عقلته عن رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم أين صلى الظهر يوم التروية‏؟‏‏.‏

قال‏:‏ بمنى‏.‏

قلت‏:‏ فأين صلى العصر يوم النفر‏؟‏

قال‏:‏ بالأبطح، افعل كما يفعل أمراؤك‏.‏

وقد روي أنه صلَّى الله عليه وسلَّم صلى الظهر يوم النفر بالأبطح، وهو المحصب، فالله أعلم‏.‏

قال البخاري‏:‏ حدثنا عبد المتعال بن طالب، ثنا ابن وهب، أخبرني عمرو بن الحارث أن قتادة حدَّثه أن أنس بن مالك، حدثَّه عن النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم أنه صلَّى الظهر والعصر والعشاء، ورقد رقدة في المحصب ثم ركب إلى البيت فطاف به‏.‏

قلت‏:‏ - يعني‏:‏ طواف الوداع -‏.‏

وقال البخاري‏:‏ ثنا عبد الله بن عبد الوهاب، ثنا خالد بن الحارث قال‏:‏ سئل عبيد الله عن المحصب فحدثنا عبيد الله عن نافع قال‏:‏ نزل بها رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم وعمر وابن عمر‏.‏

وعن نافع أن ابن عمر كان يصلي بها - يعني المحصب - والظهر والعصر أحسبه قال‏:‏ والمغرب، قال خالد‏:‏ لا أشك في العشاء ثم يهجع هجعة، ويذكر ذلك عن النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم‏.‏

وقال الإمام أحمد‏:‏ ثنا نوح بن ميمون، أنبأنا عبد الله عن نافع، عن ابن عمر أن رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم وأبا بكر وعمر وعثمان نزلوا المحصب، هكذا رأيته في مسند الإمام أحمد من حديث عبد الله العمري عن نافع‏.‏

وقد روى التِّرمذي هذا الحديث عن إسحاق بن منصور، وأخرجه ابن ماجه عن محمد بن يحيى، كلاهما عن عبد الرزاق، عن عبيد الله بن عمر، عن نافع عن ابن عمر قال‏:‏ كان رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم وأبا بكر وعمر وعثمان ينزلون الأبطح‏.‏

قال التِّرمذي‏:‏ وفي الباب عن عائشة، وأبي رافع، وابن عبَّاس، وحديث ابن عمر حسن غريب‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏5/224‏)‏

وإنما نعرفه من حديث عبد الرزاق عن عبيد الله بن عمر به‏.‏

وقد رواه مسلم عن محمد بن مهران الرازي، عن عبد الرزاق، عن معمر، عن أيوب، عن نافع، عن ابن عمر أن رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم وأبا بكر وعمر كانوا ينزلون الأبطح‏.‏

ورواه مسلم أيضاً من حديث صخر بن جويرية عن نافع، عن ابن عمر أنه كان ينزل المحصب، وكان يصلي الظهر يوم النفر بالحصبة‏.‏

قال نافع‏:‏ قد حصب رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم والخلفاء بعده‏.‏

وقال الإمام أحمد‏:‏ حدثنا يونس، ثنا حماد - يعني‏:‏ ابن سلمة - عن أيوب وحميد، عن بكر بن عبد الله، عن ابن عمر أن رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم صلى الظهر والعصر والمغرب والعشاء بالبطحاء، ثم هجع هجعة، ثم دخل - يعني‏:‏ مكة - فطاف بالبيت‏.‏

ورواه أحمد أيضاً عن عفان، عن حماد، عن حميد، عن بكر، عن ابن عمر، فذكره وزاد في آخره‏:‏ وكان ابن عمر يفعله‏.‏

وكذلك رواه أبو داود عن أحمد بن حنبل‏.‏

وقال البخاري‏:‏ ثنا الحميدي، ثنا الوليد، ثنا الأوزاعيّ، حدثني الزُّهري عن أبي سلمة، عن أبي هريرة قال‏:‏ قال رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم‏:‏ من الغد يوم النحر - بمنى - نحن نازلون غداً بخيف بني كنانة حيث تقاسموا على الكفر - يعني‏:‏ بذلك المحصب - الحديث‏.‏

ورواه مسلم عن زهير بن حرب، عن الوليد بن مسلم، عن الأوزاعيّ فذكر مثله سواء‏.‏

وقال الإمام أحمد‏:‏ ثنا عبد الرزاق، أنبأنا معمر عن الزُّهري، عن علي بن الحسين، عن عمرو بن عثمان، عن أسامة بن زيد قال‏:‏ قلت‏:‏ يا رسول الله أين تنزل غداً - في حجته -‏؟‏‏.‏

قال‏:‏ ‏(‏‏(‏وهل ترك لنا عُقيل منزلاً‏)‏‏)‏‏.‏

ثم قال‏:‏ ‏(‏‏(‏نحن نازلون غداً إن شاء الله بخيف بني كنانة - يعني‏:‏ المحصب‏:‏ حيث قاسمت قريشاً على الكفر‏)‏‏)‏‏.‏

وذلك أن بني كنانة حالفت قريشاً على بني هاشم أن لا يناكحوهم، ولا يبايعوهم، ولا يؤوهم - يعني‏:‏ حتَّى يسلموا إليهم رسول الله -‏.‏

ثم قال عند ذلك‏:‏ ‏(‏‏(‏لا يرث المسلمُ الكافرَ ولا الكافرُ المسلمَ‏)‏‏)‏‏.‏

قال الزُّهري - والخيف - الوادي‏.‏

أخرجاه من حديث عبد الرزاق، وهذان الحديثان فيهما دلالة على أنه عليه السلام قصد النزول في المحصب مراغمة لما كان تمالأ عليه كفار قريش، لما كتبوا الصحيفة في مصارمة بني هاشم وبني المطلب، حتَّى يسلموا إليهم رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم‏.‏

كما قدمنا بيان ذلك في موضعه‏.‏

وكذلك نزله عام الفتح، فعلى هذا يكون نزوله سنة مرغباً فيها، وهو أحد قولي العلماء‏.‏

وقد قال البخاري‏:‏ ثنا أبو نعيم، أنبأنا سفيان عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة قالت‏:‏ إنما كان منزلاً ينزله النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم ليكون أسمح لخروجه - يعني‏:‏ الأبطح -‏.‏

وأخرجه مسلم من حديث هشام به‏.‏

ورواه أبو داود عن أحمد بن حنبل عن يحيى بن سعيد، عن هشام، عن أبيه، عن عائشة‏:‏ إنما نزل رسول الله المحصّب ليكون أسمح لخروجه، وليس بسنّة، فمن شاء نزله ومن شاء لم ينزله‏.‏

وقال البخاري‏:‏ حدثنا علي بن عبد الله، ثنا سفيان قال‏:‏ قال عمرو عن عطاء، عن ابن عبَّاس قال‏:‏ ليس التحصيب بشيء، إنما هو منزل نزله رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم‏.‏

ورواه مسلم عن أبي بكر ابن أبي شيبة وغيره، عن سفيان - وهو ابن عيينة - به‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏5/225‏)‏

وقال أبو داود‏:‏ ثنا أحمد بن حنبل وعثمان ابن أبي شيبة ومسدد المعني قالوا‏:‏ ثنا سفيان، ثنا صالح بن كيسان عن سليمان بن يسار قال‏:‏ قال أبو رافع‏:‏ لم يأمرني - يعني‏:‏ رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم أن أنزله، ولكن ضربت قبته فيه فنزله‏.‏

قال مسدد‏:‏ وكان على ثقل النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم، وقال عثمان - يعني‏:‏ في الأبطح -‏.‏

ورواه مسلم عن قتيبة وأبي بكر، وزهير بن حرب عن سفيان بن عيينة به‏.‏

والمقصود‏:‏ أن هؤلاء كلهم اتفقوا على نزول النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم في المحصّب لما نفر من منى، ولكن اختلفوا فمنهم من قال‏:‏ لم يقصد نزوله، وإنما نزله اتفاقاً ليكون أسمح لخروجه، ومنهم من أشعر كلامه بقصده عليه السلام نزوله، وهذا هو الأشبه، وذلك أنه عليه السلام أمر النَّاس أن يكون آخر عهدهم بالبيت، وكانوا قبل ذلك ينصرفون من كل وجه كما قال ابن عبَّاس، فأمر النَّاس أن يكون آخر عهدهم بالبيت - يعني‏:‏ طواف الوداع - فأراد عليه السلام أن يطوف هو ومن معه من المسلمين بالبيت طواف الوداع وقد نفر من منى قريب الزوال، فلم يكن يمكنه أن يجيء البيت في بقية يومه، ويطوف به ويرحل إلى ظاهر مكة من جانب المدينة، لأن ذلك قد يتعذر على هذا الجم الغفير، فاحتاج أن يبيت قبل مكة ولم يكن منزل أنسب لمبيته من المحصّب الذي كانت قريش قد عاقدت بني كنانة على بني هاشم وبني المطلب فيه، فلم يبرم الله لقريش أمراً بل كبتهم وردهم خائبين، وأظهر الله دينه، ونصر نبيه وأعلا كلمته، وأتم له الدين القويم، وأوضح به الصراط المستقيم، فحجَّ بالنَّاس وبيَّن لهم شرائع الله وشعائره، وقد نفر بعد إكمال المناسك، فنزل في الموضع الذي تقاسمت قريش فيه على الظلم والعدوان والقطيعة، فصلى به الظهر والعصر والمغرب والعشاء، وهجع هجعة‏.‏

وقد كان بعث عائشة أم المؤمنين مع أخيها عبد الرحمن ليعمرها من التنعيم، فإذا فرغت أتته، فلما قضت عمرتها ورجعت أذّن في المسلمين بالرحيل إلى البيت العتيق‏.‏

كما قال أبو داود‏:‏ حدثنا وهب بن بقية، ثنا خالد عن أفلح، عن القاسم، عن عائشة قالت‏:‏ أحرمت من التنعيم بعمرة، فدخلت فقضيت عمرتي، وانتظرني رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم بالأبطح حتَّى فرغت أمر النَّاس بالرحيل‏.‏

قالت‏:‏ وأتى رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم البيت فطاف به ثم خرج‏.‏

وأخرجاه في الصحيحين من حديث أفلح بن حميد‏.‏

ثم قال أبو داود‏:‏ ثنا محمد بن بشار، ثنا أبو بكر - يعني‏:‏ الحنفي - ثنا أفلح عن القاسم عنها - يعني‏:‏ عائشة - قالت‏:‏ خرجت معه - يعني‏:‏ رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم النفر الآخر ونزل المحصب‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏5/226‏)‏

قال أبو داود‏:‏ فذكر ابن بشار بعثها إلى التنعيم‏.‏

قالت‏:‏ ثم جئت سحراً فأذّن في الصحابة بالرحيل، فارتحل فمر بالبيت قبل صلاة الصبح فطاف به حين خرج ثم انصرف متوجهاً إلى المدينة‏.‏

ورواه البخاري عن محمد بن بشار به‏.‏

قلت‏:‏ والظاهر أنه عليه السلام صلى الصبح يومئذ عند الكعبة بأصحابه وقرأ في صلاته تلك بسورة ‏(‏‏(‏والطور * وكتاب مسطور * في رقٍّ منشور * والبيت المعمور * والسَّقف المرفوع * والبحر المسجور‏)‏‏)‏ السورة بكمالها‏.‏

وذلك لما رواه البخاري حيث قال‏:‏ حدثنا إسماعيل، حدثني مالك عن محمد بن عبد الرحمن بن نوفل، عن عروة بن الزبير، عن زينب بنت أبي سلمة، عن أم سلمة زوج النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم قال‏:‏ شكوت إلى رسول الله أني اشتكي‏.‏

قال‏:‏ ‏(‏‏(‏طوفي من وراء النَّاس وأنت راكبة‏)‏‏)‏‏.‏

فطفت ورسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم يصلي حينئذ إلى جنب البيت، وهو يقرأ‏:‏ ‏{‏وَالطُّورِ * وَكِتَابٍ مَسْطُورٍ‏}‏‏.‏

وأخرجه بقية الجماعة إلا التِّرمذي من حديث مالك بإسناد نحوه‏.‏

وقد رواه البخاري من حديث هشام بن عروة عن أبيه، عن زينب، عن أم سلمة أن رسول الله قال وهو بمكة وأراد الخروج، ولم تكن أم سلمة طافت وأرادت الخروج فقال لها‏:‏ ‏(‏‏(‏إذا أقيمت صلاة الصبح، فطوفي على بعيرك والنَّاس يصلون‏)‏‏)‏ فذكر الحديث‏.‏

فأما ما رواه الإمام أحمد‏:‏ حدثنا أبو معاوية، ثنا هشام بن عروة عن أبيه، عن زينب بنت أبي سلمة، عن أم سلمة أن رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم أمرها أن توافي معه صلاة الصبح يوم النحر بمكة‏.‏

فهو إسناد كما ترى على شرط الصحيحين، ولم يخرِّجه أحد من هذا الوجه بهذا اللفظ، ولعل قوله‏:‏ يوم النحر، غلط من الراوي أو من النَّاسخ، وإنما هو يوم النفر، ويؤيده ما ذكرناه من رواية البخاري، والله أعلم‏.‏

والمقصود‏:‏ أنه عليه السلام لما فرغ من صلاة الصبح طاف بالبيت سبعاً، ووقف في الملتزم بين الركن الذي فيه الحجر الأسود، وبين باب الكعبة، فدعا الله عز وجل وألزق جسده بجدار الكعبة‏.‏

قال الثوري عن المثنى بن الصباح، عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده قال‏:‏ رأيت رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم يلزق وجهه وصدره بالملتزم المثنى - ضعيف -‏.‏

فصل خروج النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم من مكة

ثم خرج عليه السلام من أسفل مكة كما قالت عائشة‏:‏ أن رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم دخل مكة من أعلاها وخرج من أسفلها أخرجاه‏.‏

وقال ابن عمر‏:‏ دخل رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم من الثنية العليا التي بالبطحاء، وخرج من الثنية السفلى‏.‏

رواه البخاري ومسلم، وفي لفظ‏:‏ دخل من كداء، وخرج من كدى‏.‏

وقد قال الإمام أحمد‏:‏ ثنا محمد بن فضيل، ثنا أجلح بن عبد الله عن أبي الزبير، عن جابر قال‏:‏ خرج رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم من مكة عند غروب الشمس فلم يصل حتَّى أتى سرف وهي على تسعة أميال من مكة‏.‏

وهذا غريب جداً، وأجلح فيه نظر، ولعل هذا في غير حجة الوداع، فإنه عليه السلام كما قدمنا طاف بالبيت بعد صلاة الصبح، فماذا أخره إلى وقت الغروب، هذا غريب جداً، اللهم إلا أن يكون ما ادَّعاه ابن حزم صحيحاً من أنه عليه السلام رجع إلى المحصب من مكة بعد طوافه بالبيت طواف الوداع، ولم يذكر دليلاً على ذلك إلا قول عائشة حين رجعت من اعتمارها من التنعيم فلقيته بصعدة، وهو مهبط على أهل مكة أو منهبطه، وهو مصعد‏.‏

قال ابن حزم‏:‏ الذي لا شكَّ فيه أنها كانت مصعدة من مكة وهو منهبط، لأنها تقدمت إلى العمرة وانتظرها حتَّى جاءت، ثم نهض عليه السلام إلى طواف الوداع فلقيها منصرفه إلى المحصب من مكة‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏5/227‏)‏

وقال البخاري باب من نزل بذي طوى إذا رجع من مكة وقال محمد بن عيسى‏:‏ حدثنا حماد بن زيد عن أيوب، عن نافع، عن ابن عمر أنه كان إذا أقبل بات بذي طوى، حتَّى إذا أصبح دخل، وإذا نفر مرَّ بذي طوى وبات بها حتَّى يصبح، وكان يذكر أن رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم كان يفعل ذلك، هكذا ذكر هذا معلقاً بصيغة الجزم، وقد أسند هو ومسلم من حديث حماد بن زيد به، لكن ليس فيه ذكر المبيت بذي طوى في الرجعة، فالله أعلم‏.‏

فائدة عزيزة‏:‏

فيها أن رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم استصحب معه من ماء زمزم شيئاً قال الحافظ أبو عيسى التِّرمذي‏:‏ حدثنا أبو كريب، ثنا خلاد بن يزيد الجعفي، ثنا زهير بن معاوية عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة أنها كانت تحمل من ماء زمزم وتخبر أن رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم كان يحمله‏.‏

ثم قال‏:‏ هذا حديث حسن غريب، لا نعرفه إلا من هذا الوجه‏.‏

وقال البخاري‏:‏ ثنا محمد بن مقاتل، أخبرنا عبد الله هو‏:‏ ابن المبارك -، ثنا موسى بن عقبة عن سالم، ونافع عن عبد الله بن عمر أن رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم كان إذا قفل من الغزو، أو من الحج أو من العمرة يبدأ فيكبر ثلاث مرات ثم يقول‏:‏ ‏(‏‏(‏لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك، وله الحمد، وهو على كل شيء قدير، آيبون تائبون، عابدون ساجدون لربنا حامدون، صدق الله وعده، ونصر عبده، وهزم الأحزاب وحده‏)‏‏)‏ والأحاديث في هذا كثيرة، ولله الحمد والمنة‏.‏

فصل خطبته صلَّى الله عليه وسلَّم بين مكة والمدينة

في إيراد الحديث الدال على أنه عليه السلام خطب بمكان بين مكة والمدينة مرجعه من حجة الوداع قريب من الجحفة - يقال له‏:‏ غدير خم - فبين فيها فضل علي ابن أبي طالب وبراءة عرضه مما كان تكلَّم فيه بعض من كان معه بأرض اليمن بسبب ما كان صدر منه إليهم من المعدلة التي ظنها بعضهم جوراً وتضييقاً وبخلاً‏.‏

والصواب‏:‏ كان معه في ذلك، ولهذا لما تفرغ عليه السلام من بيان المناسك، ورجع إلى المدينة بين ذلك في أثناء الطريق، فخطب خطبة عظيمة في اليوم الثامن عشر من ذي الحجة عامئذ، وكان يوم الأحد بغدير خم تحت شجرة هناك، فبين فيها أشياء وذكر من فضل علي وأمانته وعدله وقربه إليه ما أزاح به ما كان في نفوس كثير من النَّاس منه، ونحن نورد عيون الأحاديث الواردة في ذلك، ونبين ما فيها من صحيح وضعيف بحول الله وقوته وعونه، وقد اعتنى بأمر هذا الحديث أبو جعفر محمد بن جرير الطبري، صاحب التفسير والتاريخ، فجمع فيه مجلدين أورد فيهما طرقه وألفاظه، وساق الغث والسمين، والصحيح والسقيم، على ما جرت به عادة كثير من المحدثين يوردون ما وقع لهم في ذلك الباب من غير تمييز بين صحيحه وضعيفه‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏5/228‏)‏

وكذلك الحافظ الكبير أبو القاسم بن عساكر، أورد أحاديث كثيرة في هذه الخطبة، ونحن نورد عيون ما روى في ذلك مع إعلامنا أنه لاحظ للشيعة فيه ولا متمسك لهم، ولا دليل لما سنبينه وننبه عليه، فنقول وبالله المستعان‏:‏

قال محمد بن إسحاق - في سياق حجة الوداع -‏:‏ حدثني يحيى بن عبد الله بن عبد الرحمن ابن أبي عمرة عن يزيد بن طلحة بن يزيد بن ركانة قال‏:‏ لما أقبل علي من اليمن ليلقى رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم بمكة تعجل إلى رسول الله واستخلف على جنده الذين معه رجلاً من أصحابه، فعمد ذلك الرجل فكسى كل رجل من القوم حلة من البز الذي كان مع علي، فلما دنا جيشه خرج ليلقاهم فإذا عليهم الحلل قال‏:‏ ويلك ما هذا‏؟‏

قال‏:‏ كسوت القوم ليتجملوا به إذا قدموا في النَّاس‏.‏

قال‏:‏ ويلك إنزع قبل أن ينتهي به إلى رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم‏.‏

قال‏:‏ فانتزع الحلل من النَّاس فردها في البز‏.‏

قال‏:‏ وأظهر الجيش شكواه لما صنع بهم‏.‏

قال ابن إسحاق‏:‏ فحدثني عبد الله بن عبد الرحمن بن معمر بن حزم عن سليمان بن محمد بن كعب بن عجرة، عن عمته زينب بنت كعب - وكانت عند أبي سعيد الخدري - عن أبي سعيد قال‏:‏ اشتكى النَّاس علياً، فقام رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم فينا خطيباً فسمعته يقول‏:‏ ‏(‏‏(‏أيها النَّاس لا تشكو علياً، فوالله إنه لأخشن في ذات الله، أو في سبيل الله من أن يشكى‏)‏‏)‏‏.‏

ورواه الإمام أحمد من حديث محمد بن إسحاق به وقال‏:‏ ‏(‏‏(‏إنه لأخشن في ذات الله، أو في سبيل الله‏)‏‏)‏‏.‏

وقال الإمام أحمد‏:‏ حدثنا الفضل بن دكين، ثنا ابن أبي غنية عن الحكم، عن سعيد بن جبير، عن ابن عبَّاس، عن بريدة قال‏:‏ غزوت مع علي اليمن فرأيت منه جفوة، فلما قدمت على رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم ذكرت علياً فتنقصته، فرأيت وجه رسول الله يتغير فقال‏:‏ ‏(‏‏(‏يا بريدة ألست أولى بالمؤمنين من أنفسهم‏؟‏‏)‏‏)‏

قلت‏:‏ بلى يا رسول الله ‏!‏

قال‏:‏ ‏(‏‏(‏من كنت مولاه فعلي مولاه‏)‏‏)‏‏.‏

وكذا رواه النسائي عن أبي داود الحراني، عن أبي نعيم الفضل بن دكين، عن عبد الملك ابن أبي غنية بإسناده نحوه، وهذا إسناد جيد قوي رجاله كلهم ثقات‏.‏

وقد روى النسائي في سننه عن محمد بن المثنى، عن يحيى بن حماد، عن أبي معاوية، عن الأعمش، عن حبيب ابن أبي ثابت، عن أبي الطفيل، عن زيد بن أرقم قال‏:‏ لما رجع رسول الله من حجة الوداع ونزل غدير حم أمر بدوحات فقممن ثم قال‏:‏ ‏(‏‏(‏كأني قد دعيت فأجبت إني قد تركت فيكم الثقلين كتاب الله، وعترتي أهل بيتي، فانظروا كيف تخلفوني فيهما، فإنهما لن يفترقا حتَّى يردا علي الحوض‏)‏‏)‏‏.‏

ثم قال‏:‏ ‏(‏‏(‏الله مولاي، وأنا ولي كل مؤمن‏)‏‏)‏ ثم أخذ بيد علي فقال‏:‏ ‏(‏‏(‏من كنت مولاه، فهذا وليه، اللهم وال من والاه، وعاد من عاداه‏)‏‏)‏‏.‏

فقلت لزيد‏:‏ سمعته من رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم فقال‏:‏ ما كان في الدوحات أحد إلا رآه بعينيه، وسمعه بأذنيه، تفرد به النسائي من هذا الوجه‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏5/229‏)‏

قال شيخنا أبو عبد الله الذهبي‏:‏ وهذا حديث صحيح‏.‏

وقال ابن ماجه‏:‏ حدثنا علي بن محمد، أنَّا أبو الحسين، أنبأنا حماد بن سلمة عن علي بن زيد بن جدعان، عن عدي بن ثابت، عن البراء بن عازب قال‏:‏ أقبلنا مع رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم في حجة الوداع التي حج فنزل في الطريق فأمر الصلاة جامعة، فأخذ بيد علي فقال‏:‏ ‏(‏‏(‏ألست بأولى المؤمنين من أنفسهم‏؟‏‏)‏‏)‏

قالوا‏:‏ بلى‏.‏

قال‏:‏ ‏(‏‏(‏ألست بأولى بكل مؤمن من نفسه‏؟‏‏)‏‏)‏

قالوا‏:‏ بلى‏.‏

قال‏:‏ ‏(‏‏(‏فهذا ولي من أنا مولاه، اللهم وال من والاه، وعاد من عاداه‏)‏‏)‏‏.‏

وكذا رواه عبد الرزاق عن معمر، عن علي بن زيد بن جدعان، عن عدي، عن البراء‏.‏

وقال الحافظ أبو يعلى الموصلي، والحسن بن سفيان‏:‏ ثنا هدبة، ثنا حماد بن سلمة عن علي بن زيد وأبي هارون، عن عدي بن ثابت، عن البراء قال‏:‏ كنا مع رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم في حجة الوداع، فلما أتينا على غدير خم كشح لرسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم تحت شجرتين، ونودي في النَّاس‏:‏ الصلاة جامعة، ودعا رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم علياً، وأخذ بيده فأقامه عن يمينه فقال‏:‏ ‏(‏‏(‏ألست أولى بكل امرء من نفسه‏؟‏‏)‏‏)‏

قالوا‏:‏ بلى ‏!‏

قال‏:‏ ‏(‏‏(‏فإن هذا مولى من أنا مولاه، اللهم وال من والاه، وعاد من عاداه‏)‏‏)‏‏.‏

فلقيه عمر بن الخطاب فقال‏:‏ هنيئاً لك، أصبحت وأمسيت مولى كل مؤمن ومؤمنة‏.‏

ورواه ابن جرير عن أبي زرعة، عن موسى بن إسماعيل، عن حماد بن سلمة، عن علي بن زيد وأبي هارون العبدي - وكلاهما ضعيف - عن عدي بن ثابت، عن البراء بن عازب به‏.‏

وروى ابن جرير هذا الحديث من حديث موسى بن عثمان الحضرمي - وهو ضعيف جداً -، عن أبي إسحاق السبيعي، عن البراء وزيد بن أرقم، فالله أعلم‏.‏

وقال الإمام أحمد‏:‏ حدثنا ابن نمير، ثنا عبد الملك عن أبي عبد الرحيم الكندي، عن زاذان أبي عمر قال‏:‏ سمعت علياً بالرحبة وهو ينشد النَّاس من شهد رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم يوم غدير خم وهو يقول‏:‏ ما قال‏؟‏

قال‏:‏ فقام اثنا عشر رجلاً فشهدوا أنهم سمعوا من رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم وهو يقول‏:‏ ‏(‏‏(‏من كنت مولاه فعلي مولاه‏)‏‏)‏ تفرد به أحمد، وأبو عبد الرحيم هذا لا يعرف‏.‏

وقال عبد الله بن الإمام أحمد في مسند أبيه‏:‏ حديث علي بن حكيم الأودي أخبرنا شريك عن أبي إسحاق، عن سعيد بن وهب، وعن زيد بن يثيغ قال‏:‏ نشد علي النَّاس في الرحبة من سمع رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم يقول يوم غدير خم‏:‏ ‏(‏‏(‏ما قال إلا قام‏؟‏‏)‏‏)‏

قال‏:‏ فقام من قبل سعيد ستة، ومن قبل زيد ستة، فشهدوا أنهم سمعوا رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم يقول لعلي يوم غدير خم‏:‏ ‏(‏‏(‏أليس الله أولى بالمؤمنين من أنفسهم‏؟‏‏)‏‏)‏

قالوا‏:‏ بلى ‏!‏

قال‏:‏ ‏(‏‏(‏اللهم من كنت مولاه فعلي مولاه، اللهم وال من والاه، وعاد من عاداه‏)‏‏)‏‏.‏

قال عبد الله‏:‏ وحدثني علي بن حكيم، أنَّا شريك عن أبي إسحاق، عن عمرو ذي أمر، مثل حديث أبي إسحاق - يعني‏:‏ عن سعيد - وزيد، وزاد فيه‏:‏ ‏(‏‏(‏وانصر من نصره، واخذل من خذله‏)‏‏)‏‏.‏

قال عبد الله‏:‏ وحدثنا علي، ثنا شريك عن الأعمش، عن حبيب ابن أبي ثابت، عن أبي الطفيل، عن زيد بن أرقم، عن النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم مثله‏.‏

وقال النسائي في ‏(‏كتاب خصائص علي‏)‏‏:‏ حدثنا حسين بن حرب، ثنا الفضل بن موسى عن الأعمش، عن أبي إسحاق، عن سعيد بن وهب قال‏:‏ قال علي في الرحبة‏:‏ أنشد بالله رجلاً سمع رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم يوم غدير خم يقول‏:‏ ‏(‏‏(‏إن الله ولي المؤمنين ومن كنت وليه فهذا وليه، اللهم وال من والاه، وعاد من عاداه، وانصر من نصره‏)‏‏)‏‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏5/230‏)‏

وكذلك رواه شعبة عن أبي إسحاق، وهذا إسناد جيد‏.‏

ورواه النسائي أيضاً من حديث إسرائيل عن أبي إسحاق، عن عمرو ذي أمر قال‏:‏ نشد علي النَّاس بالرحبة، فقام أناس فشهدوا أنهم سمعوا رسول الله يقول يوم غدير خم‏:‏ ‏(‏‏(‏من كنت مولاه فإن علياً مولاه، اللهم وال من والاه، وعاد من عاداه، وأحب من أحبه، وأبغض من أبغضه، وانصر من نصره‏)‏‏)‏‏.‏

ورواه ابن جرير عن أحمد بن منصور، عن عبد الرزاق، عن إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن زيد بن وهب، وعبد خير، عن علي‏.‏

وقد رواه ابن جرير عن أحمد بن منصور، عن عبيد الله بن موسى - وهو‏:‏ شيعي ثقة -، عن فطر بن خليفة، عن أبي إسحاق، عن زيد بن وهب، وزيد بن يثيغ، وعمرو ذي أمر، أن علياً أنشد النَّاس بالكوفة، وذكر الحديث‏.‏

وقال عبد الله بن أحمد‏:‏ حدثني عبيد الله بن عمر القواريري، ثنا يونس بن أرقم، ثنا يزيد ابن أبي زياد عن عبد الرحمن ابن أبي ليلى شهدت علياً في الرحبة ينشد النَّاس فقال‏:‏ أشهد الله من سمع رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم يوم غدير خم يقول‏:‏ ‏(‏‏(‏من كنت مولاه فعلي مولاه‏)‏‏)‏ لما قام فشهد، قال عبد الرحمن‏:‏ فقام اثنا عشر رجلاً بدرياً كأني أنظر إلى أحدهم فقالوا‏:‏ نشهد أنا سمعنا رسول الله يقول يوم غدير خم‏:‏ ‏(‏‏(‏ألست أولى بالمؤمنين من أنفسهم وأزواجي أمهاتهم‏؟‏‏)‏‏)‏

فقلنا‏:‏ بلى يا رسول الله ‏!‏

قال‏:‏ ‏(‏‏(‏من كنت مولاه فعلي مولاه، اللهم وال من والاه، وعاد من عاداه‏)‏‏)‏، إسناد ضعيف غريب‏.‏

وقال عبد الله بن أحمد‏:‏ حدثنا أحمد بن عمير الوكيعي، ثنا زيد بن الحباب، ثنا الوليد بن عقبة بن ضرار القيسي، أنبأنا سماك عن عبيد بن الوليد القيسي قال‏:‏ دخلت على عبد الرحمن ابن أبي ليلى، فحدثني‏:‏ أنه شهد علياً في الرحبة قال‏:‏ أنشد بالله رجلاً سمع رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم وشهده يوم غدير خم إلا قام ولا يقوم إلا من رآه، فقام اثنا عشر رجلاً فقالوا‏:‏ قد رأيناه وسمعناه حيث أخذ بيده يقول‏:‏ ‏(‏‏(‏اللهم وال من والاه، وعاد من عاداه، وانصر من نصره، واخذل من خذله‏)‏‏)‏ فقام إلا ثلاثة لم يقوموا فدعا عليهم، فأصابتهم دعوته‏.‏

وروى أيضاً عن عبد الأعلى بن عامر التغلبي وغيره، عن عبد الرحمن ابن أبي ليلى به‏.‏

وقال ابن جرير‏:‏ ثنا أحمد بن منصور، ثنا أبو عامر العقدي، وروى ابن أبي عاصم عن سليمان الغلابي، عن أبي عامر العقدي، ثنا كثير بن زيد، حدثني محمد بن عمر بن علي، عن أبيه، عن علي أن رسول الله حضر الشجرة بخم، فذكر الحديث، وفيه‏:‏ ‏(‏‏(‏من كنت مولاه فإن علياً مولاه‏)‏‏)‏‏.‏

وقد رواه بعضهم عن أبي عامر، عن كثير، عن محمد بن عمر بن علي، عن علي منقطعاً‏.‏

وقال إسماعيل بن عمرو البجلي - وهو ضعيف - عن مسعر، عن طلحة بن مصرف، عن عميرة ابن سعد أنه شهد عليا على المنبر يناشد أصحاب رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم من سمع رسول الله يوم غدير خم، فقام اثنا عشر رجلاً منهم أبو هريرة، وأبو سعيد، وأنس بن مالك، فشهدوا أنهم سمعوا رسول الله يقول‏:‏ ‏(‏‏(‏من كنت مولاه فعلي مولاه، اللهم وال من والاه، وعاد من عاداه‏)‏‏)‏‏.‏

وقد رواه عبيد الله بن موسى عن هاني بن أيوب وهو ثقة، عن طلحة بن مصرف به‏.‏

وقال عبد الله بن أحمد‏:‏ حدثني حجاج بن الشاعر، ثنا شبابة، ثنا نعيم بن حكيم، حدثني أبو مريم، ورجل من جلساء علي عن علي أن رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم قال يوم غدير خم‏:‏ ‏(‏‏(‏من كنت مولاه فعلي مولاه‏)‏‏)‏، قال‏:‏ فزاد النَّاس بعد وال من والاه، وعاد من عاداه‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏5/231‏)‏

روى أبو داود بهذا السند، حديث المخرج‏.‏

وقال الإمام أحمد‏:‏ حدثنا حسين بن محمد، وأبو نعيم المعني قالا‏:‏ ثنا قطن عن أبي الطفيل قال‏:‏ جمع علي النَّاس في الرحبة - يعني‏:‏ رحبة مسجد الكوفة - فقال‏:‏ أنشد الله كل من سمع رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم يقول يوم غدير خم ما سمع لما قام، فقام ناس كثير فشهدوا حين أخذ بيده فقال للناس‏:‏ ‏(‏‏(‏أتعلمون أني أولى بالمؤمنين من أنفسهم‏؟‏‏)‏‏)‏

قالوا‏:‏ نعم يا رسول الله ‏!‏

قال‏:‏ ‏(‏‏(‏من كنت مولاه فعلي مولاه، اللهم وال من والاه، وعاد من عاداه‏)‏‏)‏‏.‏

قال‏:‏ فخرجت كأن في نفسي شيئاً، فلقيت زيد بن أرقم فقلت له‏:‏ إني سمعت علياً يقول‏:‏ كذا، وكذا‏.‏

قال‏:‏ فما تنكر‏؟‏ سمعت رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم يقول ذلك له‏.‏

هكذا ذكره الإمام أحمد في مسند زيد بن أرقم رضي الله عنه‏.‏

ورواه النسائي من حديث الأعمش عن حبيب ابن أبي ثابت، عن أبي الطفيل، عن زيد بن أرقم به، وقد تقدم‏.‏

وأخرجه التِّرمذي عن بندار، عن غندر، عن شعبة، عن سلمة بن كهيل، سمعت أبا الطفيل يحدِّث عن أبي سريحة أو زيد بن أرقم - شكَّ شعبة - أن رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم قال‏:‏ ‏(‏‏(‏من كنت مولاه فعلي مولاه‏)‏‏)‏‏.‏

ورواه ابن جرير عن أحمد بن حازم، عن أبي نعيم، عن كامل أبي العلاء، عن حبيب ابن أبي ثابت، عن يحيى بن جعدة، عن زيد بن أرقم‏.‏

وقال الإمام أحمد‏:‏ حدثنا عفان، ثنا أبو عوانة عن المغيرة، عن أبي عبيد، عن ميمون أبي عبد الله قال‏:‏ قال زيد بن أرقم وأنا أسمع‏:‏ نزلنا مع رسول الله منزلاً يقال له‏:‏ وادي خم، فأمر بالصلاة فصلاها بهجير قال‏:‏ فخطبنا وظل رسول الله بثوب على شجرة ستره من الشمس فقال‏:‏ ‏(‏‏(‏ألستم تعلمون - أو ألستم تشهدون - أني أولى بكل مؤمن من نفسه‏؟‏‏)‏‏)‏

قالوا‏:‏ بلى ‏!‏

قال‏:‏ ‏(‏‏(‏فمن كنت مولاه فإن علياً مولاه، اللهم وال من والاه، وعاد من عاداه‏)‏‏)‏‏.‏

ثم رواه أحمد عن غندر، عن شعبة، عن ميمون أبي عبد الله، عن زيد بن أرقم، إلى قوله‏:‏ ‏(‏‏(‏من كنت مولاه فعلي مولاه‏)‏‏)‏‏.‏

قال ميمون‏:‏ حدثني بعض القوم عن زيد أن رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم قال‏:‏ ‏(‏‏(‏اللهم وال من والاه، وعاد من عاداه‏)‏‏)‏ وهذا إسناد جيد رجاله ثقات على شرط السنن، وقد صحَّح التِّرمذي بهذا السند حديثاً في الريث‏.‏

وقال الإمام أحمد‏:‏ ثنا يحيى بن آدم، ثنا حنش بن الحارث بن لقيط الأشجعي، عن رباح بن الحارث قال‏:‏ جاء رهط إلى علي بالرحبة فقالوا‏:‏ السلام عليك يا مولانا‏.‏

قال‏:‏ كيف أكون مولاكم وأنتم قوم عرب‏؟‏

قالوا‏:‏ سمعنا رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم يوم غدير خم يقول‏:‏ ‏(‏‏(‏من كنت مولاه فهذا مولاه‏)‏‏)‏

قال رباح‏:‏ فلما مضوا تبعتهم فسألت من هؤلاء‏؟‏

قالوا‏:‏ نفر من الأنصار منهم أبو أيوب الأنصاري‏.‏

وقال الإمام أحمد‏:‏ ثنا حنش عن رباح بن الحارث قال‏:‏ رأيت قوماً من الأنصار قدموا على علي في الرحبة فقال‏:‏ من القوم‏؟‏

فقالوا‏:‏ مواليك يا أمير المؤمنين، فذكر معناه، هذا لفظه وهو من أفراده‏.‏

وقال ابن جرير‏:‏ ثنا أحمد بن عثمان أبو الجوزاء، ثنا محمد بن خالد بن عثمة، ثنا موسى بن يعقوب الزمعي - وهو صدوق -، حدثني مهاجر بن مسمار عن عائشة بنت سعد سمعت أباها يقول‏:‏ رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم يقول يوم الجحفة وأخذ بيد علي فخطب، ثم قال‏:‏ ‏(‏‏(‏أيها النَّاس إني وليكم‏)‏‏)‏‏.‏

قالوا‏:‏ صدقت ‏!‏

فرفع يد علي فقال‏:‏ ‏(‏‏(‏هذا وليي، والمؤدي عني، وإن الله موالي من والاه، ومعادي من عاداه‏)‏‏)‏‏.‏

قال شيخنا الذهبي‏:‏ وهذا حديث حسن غريب‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏5/232‏)‏

ثم رواه ابن جرير من حديث يعقوب بن جعفر ابن أبي كبير عن مهاجر بن مسمار، فذكر الحديث، وأنه عليه السلام وقف حتَّى لحقه من بعده، وأمر برد من كان تقدم فخطبهم، الحديث‏.‏

وقال أبو جعفر بن جرير الطبري في ‏(‏الجزء الأول من كتاب غدير خم‏)‏‏:‏ قال شيخنا أبو عبد الله الذهبي‏:‏ وجدته في نسخة مكتوبة عن ابن جرير، حدثنا محمود بن عوف الطائي، ثنا عبيد الله بن موسى، أنبأنا إسماعيل بن كشيط عن جميل بن عمارة، عن سالم بن عبد الله بن عمر قال ابن جرير - أحسبه قال عن عمر -‏:‏ وليس في كتابي سمعت رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم وهو آخذ بيد علي، من كنت مولاه فهذا مولاه، اللهم وال من والاه، وعاد من عاداه، وهذا حديث غريب، بل منكر وإسناده ضعيف‏.‏

قال البخاري في جميل بن عمارة‏:‏ هذا فيه نظر‏.‏

وقال المطلب بن زياد عن عبد الله بن محمد بن عقيل سمع جابر بن عبد الله يقول‏:‏ كنا بالجحفة بغدير خم، فخرج علينا رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم من خباء، أو فسطاط، فأخذ بيد علي فقال‏:‏ ‏(‏‏(‏من كنت مولاه فعلي مولاه‏)‏‏)‏‏.‏

قال شيخنا الذهبي‏:‏ هذا حديث حسن‏.‏

وقد رواه ابن لهيعة عن بكر بن سوادة، وغيره، عن أبي سلمة بن عبد الرحمن، عن جابر بنحوه‏.‏

وقال الإمام أحمد‏:‏ حدثنا يحيى بن آدم وابن أبي بكير قالا‏:‏ ثنا إسرائيل عن أبي إسحاق، عن حبشي بن جنادة، قال يحيى بن آدم - وكان قد شهد حجة الوداع - قال‏:‏ قال رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم‏:‏ ‏(‏‏(‏علي مني وأنا منه، ولا يؤدي عني إلا أنا أو علي‏)‏‏)‏‏.‏
وقال ابن أبي بكير‏:‏ ‏(‏‏(‏لا يقضي عني ديني إلا أنا أو علي‏)‏‏)‏‏.‏

وكذا رواه أحمد أيضاً عن أبي أحمد الزبيري، عن إسرائيل‏.‏

قال الإمام أحمد‏:‏ وحدثناه الزبيري، ثنا شريك عن أبي إسحاق، عن حبشي بن جنادة مثله قال‏:‏ فقلت لأبي إسحاق‏:‏ أين سمعت منه‏؟‏

قال‏:‏ وقف علينا على فرس في مجلسنا في جبانة السبيع، وكذا رواه أحمد عن أسود بن عامر، ويحيى بن آدم، عن شريك‏.‏

ورواه التِّرمذي عن إسماعيل بن موسى، عن شريك، وابن ماجه عن أبي بكر ابن أبي شيبة، وسويد بن سعيد، وإسماعيل بن موسى، ثلاثتهم عن شريك به‏.‏

ورواه النسائي عن أحمد بن سليمان، عن يحيى بن آدم، عن إسرائيل به‏.‏

وقال التِّرمذي‏:‏ حسن صحيح غريب‏.‏

ورواه سليمان بن قرم - وهو متروك -عن أبي إسحاق، عن حبش بن جنادة، سمع رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم يقول يوم غدير خم‏:‏ ‏(‏‏(‏من كنت مولاه فعلي مولاه، اللهم وال من والاه، وعاد من عاداه‏)‏‏)‏ وذكر الحديث‏.‏

وقال الحافظ أبو يعلى الموصلي‏:‏ ثنا أبو بكر ابن أبي شيبة، أنبأنا شريك عن أبي يزيد الأودي، عن أبيه قال‏:‏ دخل أبو هريرة المسجد فاجتمع النَّاس إليه، فقام إليه شاب فقال‏:‏ أنشدك بالله أسمعت رسول الله يقول‏:‏ ‏(‏‏(‏من كنت مولاه فعلي مولاه، اللهم وال من والاه، وعاد من عاداه‏)‏‏)‏‏.‏

قال‏:‏ نعم ‏!‏

ورواه ابن جرير عن أبي كريب، عن شاذان، عن شريك به‏.‏

تابعه إدريس الأودي عن أخيه أبي يزيد - واسمه‏:‏ داود بن يزيد به‏.‏

ورواه ابن جرير أيضاً من حديث إدريس الأودي عن أبيهما، عن أبي هريرة، فذكره‏.‏ ‏(‏ج/ ص‏:‏5/233‏)‏

فأما الحديث الذي رواه ضمرة عن ابن شوذب، عن مطر الورَّاق، عن شهر بن حوشب، عن أبي هريرة قال‏:‏ لما أخذ رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم بيد علي قال‏:‏ ‏(‏‏(‏من كنت مولاه فعلي مولاه‏)‏‏)‏، فأنزل الله عز وجل ‏(‏‏(‏اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي‏)‏‏)‏‏.‏

قال أبو هريرة‏:‏ وهو يوم غدير خم، من صام يوم ثمان عشرة من ذي الحجة، كتب له صيام ستين شهراً، فإنه حديث منكر جداً، بل كذب لمخالفته لما ثبت في الصحيحين عن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب أن هذه الآية نزلت في يوم الجمعة يوم عرفة ورسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم واقف بها، كما قدمنا، وكذا قوله‏:‏ إن صيام يوم الثامن عشر من ذي الحجة وهو يوم غدير خم يعدل صيام ستين شهراً لا يصح، لأنه قد ثبت ما معناه في الصحيح أن صيام شهر رمضان بعشرة أشهر، فكيف يكون صيام يوم واحد يعدل ستين شهراً هذا باطل‏.‏

وقد قال شيخنا الحافظ أبو عبد الله الذهبي بعد إيراده هذا الحديث‏:‏ هذا حديث منكر جداً‏.‏

ورواه حبشون الخلال، وأحمد بن عبد الله بن أحمد النيري و هما صدوقان عن علي بن سعيد الرملي، عن ضمرة قال‏:‏ ويروى هذا الحديث من حديث عمر بن الخطاب، ومالك بن الحويرث، وأنس بن مالك، وأبي سعيد، وغيرهم بأسانيد واهية‏.‏

قال‏:‏ وصدر الحديث متواتر أتيقن أن رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم قاله، وأما اللهم وال من والاه، فزيادة قوية الإسناد، وأما هذا الصوم فليس بصحيح، ولا والله ما نزلت هذه الآية إلا يوم عرفة قبل غدير خم بأيام، والله تعالى أعلم‏.‏

وقال الطبراني‏:‏ حدثنا علي بن إسحاق الوزير الأصبهانيّ، حدثنا علي بن محمد المقدمي، حدثنا محمد بن عمر بن علي المقدمي، حدثنا علي بن محمد بن يوسف بن شبان بن مالك بن مسمع، حدثنا سهل بن حنيف بن سهل بن مالك أخي كعب بن مالك عن أبيه، عن جده قال‏:‏ لما قدم رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم المدينة من حجة الوداع، صعد المنبر فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال‏:‏ ‏(‏‏(‏أيها النَّاس إن أبا بكر لم يسؤني قط فاعرفوا ذلك له، أيها النَّاس إني عن أبي بكر، وعمر، وعثمان، وعلي، وطلحة، والزبير، وعبد الرحمن بن عوف، والمهاجرين الأولين راض فاعرفوا ذلك لهم، أيها النَّاس احفظوني في أصحابي، وأصهاري، وأحبابي لا يطلبكم الله بمظلمة أحد منهم، أيها النَّاس ارفعوا ألسنتكم عن المسلمين، وإذا مات أحد منهم فقولوا فيه خيراً‏)‏‏)‏‏.‏