الجزء السادس - فصل في المعجزات الأرضية

فصل في المعجزات الأرضية

فمنها ما هو متعلق بالجمادات، ومنها ما هو متعلق بالحيوانات‏.‏

فمن المتعلق بالجمادات‏:‏ تكثيره الماء في غير ما موطن على صفات متنوعة سنوردها بأسانيدها إن شاء الله، وبدأنا بذلك لأنَّه أنسب باتباع ما أسلفنا ذكره من استسقائه، وإجابة الله له‏.‏

قال البخاريّ‏:‏ ثنا عبد الله بن مسلمة عن مالك، عن إسحاق بن عبد الله ابن أبي طلحة، عن أنس بن مالك قال‏:‏ رأيت رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم وحانت صلاة العصر، والتمس النَّاس الوضوء فلم يجدوه، فأتى رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم بوضوء، فوضع رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم يده في ذلك الإناء، فأمر النَّاس أن يتوضؤوا منه، فرأيت الماء ينبع من تحت أصابعه فتوضأ النَّاس حتى توضؤوا من عند آخرهم‏.‏

وقد رواه مسلم والتّرمذيّ، والنَّسائي من طرق عن مالك به‏.‏

وقال التّرمذيّ‏:‏ حسن صحيح‏.‏

طريق أخرى عن أنس‏:‏

قال الإمام أحمد‏:‏ حدَّثنا يونس بن محمد، ثنا حزم سمعت الحسن يقول‏:‏ حدَّثنا أنس بن مالك أنَّ رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم خرج ذات يوم لبعض مخارجه معه ناس من أصحابه فانطلقوا يسيرون فحضرت الصَّلاة فلم يجد القوم ما يتوضؤون به‏.‏

فقالوا‏:‏ يا رسول الله ما نجد ما نتوضأ به، ورأى في وجوه أصحابه كراهية ذلك، فانطلق رجل من القوم فجاء بقدح من ماء يسير، فأخذ نبي الله فتوضأ منه، ثمَّ مدَّ أصابعه الأربع على القدح ثمَّ قال‏:‏ ‏(‏‏(‏هلموا فتوضؤوا‏)‏‏)‏ فتوضأ القوم حتَّى بلغوا فيما يريدون من الوضوء‏.‏

قال الحسن‏:‏ سئل أنس كم بلغوا ‏؟‏

قال‏:‏ سبعين، أو ثمانين‏.‏

وهكذا رواه البخاريّ عن عبد الرَّحمن بن المبارك العنسي، عن حزم بن مهران القطيعي به‏.‏

طريق أخرى عن أنس‏:‏

قال الإمام أحمد‏:‏ حدَّثنا ابن أبي عدي عن حميد ويزيد قال‏:‏ أنَّا حميد المعنيّ عن أنس بن مالك قال‏:‏ نودي بالصَّلاة فقام كل قريب الدَّار من المسجد، وبقي من كان أهله نائي الدَّار، فأتى رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم بمخضب من حجارة فصغر أن يبسط كفه فيه قال‏:‏ فضمَّ أصابعه‏.‏

قال‏:‏ فتوضأ بقيتهم‏.‏

قال حميد‏:‏ وسئل أنس كم كانوا ‏؟‏

قال‏:‏ ثمانين أو زيادة‏.‏

وقد روى البخاريّ عن عبد الله بن منير، عن يزيد بن هارون، عن حميد، عن أنس بن مالك قال‏:‏ حضرت الصَّلاة فقام من كان قريب الدَّار من المسجد يتوضأ وبقي قوم، فأتى رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم بمخضب فيه ماء، فوضع كفَّه فصغر المخضب أن يبسط فيه كفَّه، فضمَّ أصابعه فوضعها في المخضب فتوضأ القوم كلهم جميعاً‏.‏

قلت‏:‏ كم كانوا ‏؟‏

قال‏:‏ كانوا ثمانين رجلاً‏.‏

طريق أخرى عنه‏:‏

قال الإمام أحمد‏:‏ حدَّثنا محمد بن جعفر، ثنا سعيد إملاءً عن قتادة، عن أنس بن مالك أنَّ رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم كان بالزَّوراء فأتى بإناء فيه ماء لا يغمر أصابعه، فأمر أصحابه أن يتوضؤوا فوضع كفَّه في الماء، فجعل الماء ينبع من بين أصابعه وأطراف أصابعه حتَّى توضأ القوم‏.‏

قال‏:‏ فقلت لأنس‏:‏ كم كنتم ‏؟‏

قال‏:‏ كنَّا ثلاثمائة‏.‏

وهكذا رواه البخاريّ عن بندار بن أبي عدي، ومسلم عن أبي موسى، عن غندر، كلاهما عن سعيد ابن أبي عروبة، وبعضهم يقول عن شعبة، والصَّحيح سعيد عن قتادة، عن أنس قال‏:‏ أتي رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم بإناء وهو في الزَّوراء، فوضع يده في الإناء فجعل الماء ينبع من بين أصابعه فتوضأ القوم‏.‏

قال قتادة‏:‏ فقلت لأنس‏:‏ كم كنتم ‏؟‏

قال‏:‏ ثلاثمائة، أو زهاء ثلاثمائة‏.‏

لفظ البخاريّ‏.‏

حديث البراء بن عازب في ذلك‏:‏

قال البخاريّ‏:‏ ثنا مالك بن إسماعيل، ثنا إسرائيل عن أبي إسحاق، عن البراء بن عازب قال‏:‏ كنَّا يوم الحديبية أربع عشرة مائة، والحديبية بئر فنزحناها حتى لم نترك فيها قطرة، فجلس رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم على شفير البئر، فدعا بماء فمضمض ومجَّ في البئر، فمكثنا غير بعيد، ثم استقينا حتَّى روينا وروت أو صدرت ركابنا‏.‏

تفرد به البخاريّ إسناداً ومتناً‏.‏

قال الإمام أحمد‏:‏ حدَّثنا عفَّان وهاشم، حدَّثنا سليمان بن المغيرة، حدَّثنا حميد بن هلال، حدَّثنا يونس - هو ابن عبيدة مولى محمد بن القاسم - عن البراء قال‏:‏ كنَّا مع رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم في سفر، فأتينا على ركى ذمة - يعني‏:‏ قليلة الماء - قال‏:‏ فنزل فيها ستة أناس أنا سادسهم ماحة فأدليت إلينا دلو‏.‏

قال‏:‏ ورسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم على شفتي الركي، فجعلنا فيها نصفها، أو قراب ثلثيها، فرفعت إلى رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم‏.‏

قال البراء‏:‏ فكدت بإنائي هل أجد شيئاً أجعله في حلقي‏؟‏ فما وجدت فرفعت الدّلو إلى رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم -، فغمس يده فيها فقال ما شاء الله أن يقول، وأعيدت إلينا الدلو بما فيها‏.‏

قال‏:‏ فلقد رأيت أحدنا أخرج بثوب خشية الغرق‏.‏

قال‏:‏ ثمَّ ساحت - يعني‏:‏ جرت نهراً -‏.‏

تفرَّد به الإمام أحمد، وإسناده جيد قوي، والظَّاهر قصة أخرى غير يوم الحديبية، والله أعلم‏.‏

حديث آخر عن جابر في ذلك‏:‏

قال الإمام أحمد‏:‏ ثنا سنان بن حاتم، ثنا جعفر - يعني‏:‏ ابن سليمان -، ثنا الجعد أبو عثمان، ثنا أنس بن مالك عن جابر بن عبد الله الأنصاريّ قال‏:‏ اشتكى أصحاب رسول الله -، صلَّى الله عليه وسلَّم - إليه العطش‏.‏

قال‏:‏ فدعا بعس فصب فيه شيء من الماء، ووضع رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم يده فيه وقال‏:‏ ‏(‏‏(‏استقوا‏)‏‏)‏‏.‏

فاستقى النَّاس قال‏:‏ فكنت أرى العيون تنبع من بين أصابع رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم‏.‏

تفرَّد به أحمد من هذا الوجه، وفي أفراد مسلم من حديث حاتم بن إسماعيل عن أبي حرزة يعقوب بن مجاهد، عن عبادة بن الوليد بن عبادة، عن جابر بن عبد الله في حديث طويل قال فيه‏:‏ سرنا مع رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم حتَّى نزلنا وادياً أفيح، فذهب رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم يقضي حاجته، فاتبعته بإداوة من ماء، فنظر رسول الله فلم ير شيئاً يستتر به، وإذا بشجرتين بشاطئ الوادي فانطلق رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم إلى إحداهما، فأخذ بغصن من أغصانها فقال‏:‏ ‏(‏‏(‏انقادي عليَّ بإذن الله‏)‏‏)‏‏.‏

فانقادت معه كالبعير المخشوش الذي يصانع قائده حتى أتى الأخرى فأخذ بغصن من أغصانها فقال‏:‏ ‏(‏‏(‏انقادي عليَّ بإذن الله‏)‏‏)‏

فانقادت معه كذلك، حتَّى إذا كان بالمنتصف مما بينهما لأم بينهما - يعني جمعهما - فقال‏:‏ ‏(‏‏(‏التئما عليَّ بإذن الله‏)‏‏)‏ فالتأمتا‏.‏

قال جابر‏:‏ فخرجت أحضر مخافة أن يحس رسول الله بقربي فيبتعد، فجلست أحدِّث نفسي، فحانت مني لفتةً فإذا أنا برسول الله وإذا بالشَّجرتين قد افترقتا فقامت كل واحدة منهما على ساق، فرأيت رسول الله وقف وقفة فقال برأسه هكذا يميناً وشمالاً، ثم أقبل فلما انتهى إليَّ قال‏:‏ ‏(‏‏(‏يا جابر هل رأيت مقامي‏؟‏‏)‏‏)‏

قلت‏:‏ نعم يا رسول الله‏.‏

قال‏:‏ ‏(‏‏(‏فانطلق إلى الشَّجرتين فاقطع من كل واحدة منهما غصناً، فأقبل بهما حتَّى إذا قمت مقامي فأرسل غصناً عن يمينك، وغصناً عن شمالك‏)‏‏)‏‏.‏

قال جابر‏:‏ فقمت فأخذت حجراً فكسرته وحددته فاندلق لي، فأتيت الشَّجرتين فقطعت من كل واحدة منهما غصناً، ثمَّ أقبلت حتى قمت مقام رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم أرسلت غصناً عن يميني، وغصناً عن يساري، ثمَّ لحقت فقلت‏:‏ قد فعلت يا رسول الله‏.‏

قال‏:‏ فقلت‏:‏ فلِمَ ذاك ‏؟‏

قال‏:‏ ‏(‏‏(‏إنِّي مررت بقبرين يعذَّبان، فأحببت بشفاعتي أن يرفع ذلك عنهما ما دام الغصنان رطبين‏)‏‏)‏‏.‏

قال‏:‏ فأتينا العسكر فقال رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم ‏(‏‏(‏يا جابر ناد الوضوء‏)‏‏)‏‏.‏

فقلت‏:‏ ألا وضوء، ألا وضوء، ألا وضوء‏)‏‏)‏‏.‏

قال‏:‏ قلت‏:‏ يا رسول الله ما وجدت في الرَّكب من قطرة، وكان رجل من الأنصار يبرد لرسول الله في أشجاب له على حمارة من جريد‏.‏

قال‏:‏ فقال لي‏:‏ ‏(‏‏(‏انطلق إلى فلان الأنصاري فانظر هل ترى في أشجابه من شيء‏؟‏‏)‏‏)‏

قال‏:‏ فانطلقت إليه فنظرت فيها فلم أجد فيها إلا قطرة في عزلاء شجب منها لو أني أفرغته لشربه يابسه‏.‏

قال‏:‏ ‏(‏‏(‏إذهب فأتني‏)‏‏)‏ فأتيته فأخذه بيده فجعل يتكلم بشيء لا أدري ما هو وغمزني بيده، ثم أعطانيه فقال‏:‏ ‏(‏‏(‏يا جابر ناد بجفنة‏)‏‏)‏‏.‏

فقلت‏:‏ يا جفنة الرَّكب، فأتيت بها تحمل فوضعتها بين يديه‏.‏

فقال رسول الله بيده في الجفنة هكذا، فبسطها وفرَّق بين أصابعه، ثم وضعها في قعر الجفنة وقال‏:‏ ‏(‏‏(‏خذ يا جابر فصبَّ عليَّ وقل‏:‏ بسم الله‏)‏‏)‏

فصببت عليه وقلت‏:‏ بسم الله، فرأيت الماء يفور من بين أصابع رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم، ثم فارت الجفنة ودارت حتى امتلأت‏.‏

فقال يا جابر‏:‏ ‏(‏‏(‏ناد من كانت له حاجة بماء‏)‏‏)‏‏.‏

قال‏:‏ فأتى النَّاس فاستقوا حتى رووا‏.‏

فقلت‏:‏ هل بقي أحد له حاجة ‏؟‏

فرفع رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم يده من الجفنة وهي ملأى‏.‏

قال‏:‏ وشكى النَّاس إلى رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم الجوع‏.‏

فقال‏:‏ ‏(‏‏(‏عسى الله أن يطعمكم‏)‏‏)‏‏.‏

فأتينا سيف البحر فزجر زجرة فألقى دابة، فأورينا على شقها النَّار فطبخنا واشتوينا، وأكلنا وشبعنا‏.‏

قال جابر‏:‏ فدخلت أنا وفلان وفلان وفلان حتى عد خمسة في محاجر عينها ما يرانا أحد حتى خرجنا، وأخذنا ضلعاً من أضلاعها فقوسناه، ثم دعونا بأعظم رجل في الرَّكب، وأعظم حمل في الرَّكب، وأعظم كفل في الرَّكب، فدخل تحتها ما يطأطئ رأسه‏.‏

وقال البخاريّ‏:‏ ثنا موسى بن إسماعيل، ثنا عبد العزيز بن مسلم، ثنا حصين عن سالم ابن أبي الجعد، عن جابر بن عبد الله قال‏:‏ عطش النَّاس يوم الحديبية والنَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم بين يديه ركوة بيضاء، فجهش الناس نحوه‏.‏

قال‏:‏ ‏(‏‏(‏مالكم‏)‏‏)‏ ‏؟‏

قالوا‏:‏ ليس عندنا ماء نتوضأ، ولا نشرب إلا ما بين يديك، فوضع يده في الركوة فجعل الماء يفور من بين أصابعه كأمثال العيون، فشربنا وتوضأنا‏.‏

قلت‏:‏ كم كنتم ‏؟‏

قال‏:‏ لو كنَّا مائة ألف لكفانا، كنا خمس عشرة مائة‏.‏

وهكذا رواه مسلم من حديث حصين، وأخرجاه من حديث الأعمش، زاد مسلم وشعبة ثلاثتهم عن جابر بن سالم، عن جابر‏.‏

وفي رواية الأعمش‏:‏ كنا أربع عشرة مائة‏.‏

وقال الإمام أحمد‏:‏ حدَّثنا يحيى بن حماد، ثنا أبو عوانة عن الأسود بن قيس، عن شقيق العبديّ أنَّ جابر بن عبد الله قال‏:‏ غزونا أو سافرنا مع رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم ونحن يومئذ بضع عشر ومائتان، فحضرت الصَّلاة فقال رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم‏:‏ ‏(‏‏(‏هل في القوم من ماء‏؟‏‏)‏‏)‏

فجاءه رجل يسعى بإداوة فيها شيء من ماء‏.‏

قال‏:‏ فصبَّه رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم في قدح‏.‏

قال‏:‏ فتوضأ رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم فأحسن الوضوء، ثم انصرف وترك القدح، فركب النَّاس القدح تمسحوا وتمسحوا‏.‏

فقال رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم‏:‏ ‏(‏‏(‏على رسلكم‏)‏‏)‏ حين سمعهم يقولون ذلك‏.‏

قال‏:‏ فوضع رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم كفَّه في الماء، ثم قال رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم‏:‏ ‏(‏‏(‏بسم الله‏)‏‏)‏ ثم قال‏:‏ ‏(‏‏(‏أسبغوا الوضوء‏)‏‏)‏‏.‏

قال جابر‏:‏ فوالذي هو ابتلاني ببصري لقد رأيت العيون عيون الماء يومئذ تخرج من بين أصابع رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم، فما رفعها حتى توضؤوا أجمعون‏.‏

وهذا إسناد جيد تفرَّد به أحمد، وظاهره كأنَّه قصة أخرى غير ما تقدَّم‏.‏

وفي صحيح مسلم عن سلمة بن الأكوع قال‏:‏ قدمنا الحديبية مع رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم ونحن أربع عشرة مائة، أو أكثر من ذلك، وعليها خمسون رأساً لا يرويها، فقعد رسول الله على شفا الركية فإمَّا دعا وإما بصق فيها‏.‏

قال‏:‏ فجاشت فسقينا واستقينا‏.‏

وفي صحيح البخاريّ من حديث الزُّهريّ عن عروة، عن المسور ومروان بن الحكم في حديث صلح الحديبية الطَّويل‏:‏ فعدل عنهم رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم حتى نزل بأقصى الحديبية على ثمد قليل الماء يتبرضه تبرضاً، فلم يلبثه النَّاس حتى نزحوه، وشكى إلى رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم العطش، فانتزع سهماً من كنانته ثم أمرهم أن يجعلوه فيه، فوالله ما زال يجيش لهم بالرِّي حتى صدروا عنه‏.‏

وقد تقدَّم الحديث بتمامه في صلح الحديبية، فأغنى عن إعادته‏.‏

وروى ابن إسحاق عن بعضهم أنَّ الذي نزل بالسَّهم ناجية بن جندب سائق البدن قال‏:‏ وقيل‏:‏ البراء بن عازب، ثم رجَّح ابن إسحاق الأوَّل‏.‏

حديث آخر عن ابن عباس في ذلك‏:‏

قال الإمام أحمد‏:‏ ثنا حسين الأشقر، ثنا أبو كدينة عن عطاء، عن أبي الضّحى، عن ابن عباس أصبح رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم ذات يوم وليس في العسكر ماء، فأتاه رجل فقال‏:‏ يا رسول الله ليس في العسكر ماء قال‏:‏ ‏(‏‏(‏هل عندك شيء‏؟‏‏)‏‏)‏

قال‏:‏ نعم‏.‏

قال‏:‏ ‏(‏‏(‏فأتني‏)‏‏)‏‏.‏

قال‏:‏ فأتاه بإناءٍ فيه شيء من ماء قليل‏.‏

قال‏:‏ فجعل رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم أصابعه في فم الإناء وفتح أصابعه‏.‏

قال‏:‏ فانفجرت من بين أصابعه عيون، وأمر بلالاً فقال‏:‏ ‏(‏‏(‏ناد في النَّاس الوضوء المبارك‏)‏‏)‏‏.‏

تفرَّد به أحمد‏.‏

ورواه الطَّبرانيّ من حديث عامر الشعبيّ عن ابن عباس بنحوه‏.‏

حديث عن عبد الله بن مسعود في ذلك

قال البخاري‏:‏ ثنا محمد بن المثنى، ثنا أبو أحمد الزُّبيريّ، ثنا إسرائيل عن منصور، عن إبراهيم، عن علقمة، عن عبد الله قال‏:‏ كنَّا نعد الآيات بركة، وأنتم تعدونها تخويفاً، كنَّا مع رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم في سفر فقلَّ الماء‏.‏

فقال‏:‏ ‏(‏‏(‏اطلبوا فضلة من ماء‏)‏‏)‏‏.‏

فجاءوا بإناء فيه ماء قليل، فأدخل يده في الإناء ثم قال‏:‏ ‏(‏‏(‏حيِّ على الطّهور المبارك، والبركة من الله عزَّ وجل‏)‏‏)‏‏.‏

قال‏:‏ فلقد رأيت الماء ينبع من بين أصابع رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم، ولقد كنَّا نسمع تسبيح الطَّعام وهو يؤكل‏.‏

ورواه التّرمذيّ عن بندار، عن ابن أحمد وقال‏:‏ حسن صحيح‏.‏

حديث عن عمران بن حصين في ذلك‏:‏

قال البخاري‏:‏ ثنا أبو الوليد، ثنا مسلم بن زيد سمعت أبا رجاء قال‏:‏ حدَّثنا عمران بن حصين أنَّهم كانوا مع رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم في مسير فأدلجوا ليلتهم، حتَّى إذا كان وجه الصّبح عرَّسوا فغلبتهم أعينهم حتَّى ارتفعت الشَّمس، فكان أوَّل من استيقظ من منامه أبو بكر، وكان لا يوقظ رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم من منامه حتى يستيقظ، فاستيقظ عمر، فقعد أبو بكر عند رأسه فجعل يكبر ويرفع صوته حتى استيقظ النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم فنزل وصلَّى بنا الغداة، فاعتزل رجل من القوم لم يصل معنا، فلما انصرف قال‏:‏ ‏(‏‏(‏يا فلان ما يمنعك أن تصلي معنا ‏؟‏ ‏)‏‏)‏‏.‏

قال‏:‏ أصابتني جنابة، فأمره أن يتيمم بالصَّعيد ثم صلَّى، وجعلني رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم في ركوب بين يديه، وقد عطشنا عطشاً شديداً، فبينما نحن نسير مع رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم إذا نحن بامرأة سادلة رجليها بين مزادتين‏.‏

فقلنا لها‏:‏ أين الماء ‏؟‏

قالت‏:‏ إنَّه لا ماء‏.‏

فقلنا‏:‏ كم بين أهلك وبين الماء ‏؟‏

قالت‏:‏ يوم وليلة‏.‏

فقلنا‏:‏ انطلقي إلى رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم‏.‏

قالت‏:‏ وما رسول الله ‏؟‏

فلم نملكها من أمرها حتى استقبلنا بها النَّبيّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - فحدَّثته بمثل الذي حدَّثتنا غير أنَّها حدَّثته أنَّها موتمة، فأمر بمزادتها فمسح في العزلاوين فشربنا عطاشاً أربعين رجلاً حتى روينا، وملأنا كل قربة معنا وإداوة غير أنَّه لم نسقِ بعيراً، وهي تكاد تفضي من الملء‏.‏

ثم قال‏:‏ ‏(‏‏(‏هاتوا ما عندكم‏)‏‏)‏ فجمع لها من الكسر والتَّمر حتَّى أتت أهلها‏.‏

قالت‏:‏ أتيت أسحر النَّاس أو هو نبيّ كما زعموا‏.‏

فهدى الله ذاك الصَّرم بتلك المرأة، فأسلمت وأسلموا‏.‏

وكذلك رواه مسلم من حديث سلم بن رزين، وأخرجاه من حديث عوف الأعرابي، كلاهما عن رجاء العطارديّ - واسمه عمران بن تيم - عن عمران بن حصين به‏.‏

وفي رواية لهما قال لها‏:‏ ‏(‏‏(‏اذهبي بهذا معك لعيالك، واعلمي أنَّا لم نرزأك من مائك شيئاً غير أنَّ الله سقانا‏)‏‏)‏‏.‏

وفيه أنَّه لما فتح العزلاوين سمى الله - عز وجل -‏.‏

حديث عن أبي قتادة في ذلك‏:‏

قال الإمام أحمد‏:‏ ثنا يزيد بن هارون، ثنا حماد بن سلمة عن ثابت، عن عبد الله بن رباح، عن أبي قتادة قال‏:‏ كنَّا مع رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم في سفر فقال‏:‏ ‏(‏‏(‏إنَّكم إن لا تدركوا الماء غداً تعطشوا‏)‏‏)‏‏.‏

وانطلق سرعان النَّاس يريدون الماء، ولزمت رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم، فمالت برسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم راحلته فنعس رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم فدعمته فادعم، ثم مال فدعمته فادعم، ثم مال حتَّى كاد أن ينجفل عن راحلته فدعمته فانتبه فقال‏:‏ ‏(‏‏(‏من الرَّجل‏؟‏‏)‏‏)‏

فقلت‏:‏ أبو قتادة‏.‏

قال‏:‏ ‏(‏‏(‏منذ كم كان مسيرك‏؟‏‏)‏‏)‏

قلت‏:‏ منذ الليلة‏.‏

قال‏:‏ ‏(‏‏(‏حفظك الله كما حفظت رسوله‏)‏‏)‏‏.‏

ثم قال‏:‏ ‏(‏‏(‏لو عرَّسنا‏)‏‏)‏ فمال إلى شجرة فنزل فقال‏:‏ ‏(‏‏(‏أنظر هل ترى أحداً‏؟‏‏)‏‏)‏‏.‏

قلت‏:‏ هذا راكب، هذان راكبان، حتَّى بلغ سبعة‏.‏

فقال‏:‏ ‏(‏‏(‏احفظوا علينا صلاتنا‏)‏‏)‏‏.‏

فنمنا فما أيقظنا إلا حرّ الشَّمس فانتبهنا، فركب رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم فسار وسرنا هنيهة، ثم نزل فقال‏:‏ ‏(‏‏(‏أمعكم ماء‏؟‏‏)‏‏)‏

قال‏:‏ قلت‏:‏ نعم معي ميضأة فيها شيء من ماء‏.‏

قال‏:‏ ‏(‏‏(‏إئت بها‏)‏‏)‏‏.‏

قال‏:‏ فأتيته بها‏.‏

فقال‏:‏ ‏(‏‏(‏مسُّوا منها، مسُّوا منها‏)‏‏)‏‏.‏

فتوضأ القوم وبقيت جرعة فقال‏:‏ ‏(‏‏(‏ازدهر بها يا أبا قتادة فإنَّه سيكون لها نبأ‏)‏‏)‏‏.‏

ثمَّ أذن بلال وصلُّوا الرّكعتين قبل الفجر، ثم صلُّوا الفجر، ثم ركب وركبنا فقال‏:‏ بعضهم لبعض فرَّطنا في صلاتنا‏.‏

فقال رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم‏:‏ ‏(‏‏(‏ما تقولون إن كان أمر دنياكم فشأنكم، وإن كان أمر دينكم فإليَّ‏)‏‏)‏‏.‏

قلنا‏:‏ يا رسول الله فرَّطنا في صلاتنا‏.‏

فقال‏:‏ ‏(‏‏(‏لا تفريط في النَّوم، إنَّما التَّفريط في اليقظة، فإن كان ذلك فصلُّوها ومن الغد وقتها‏)‏‏)‏‏.‏

ثم قال‏:‏ ‏(‏‏(‏ظنوا بالقوم‏)‏‏)‏‏.‏

قالوا‏:‏ إنَّك قلت بالأمس‏:‏ ‏(‏‏(‏إن لا تدركوا الماء غداً تعطشوا‏)‏‏)‏ فالنَّاس بالماء‏.‏

قال‏:‏ فلمَّا أصبح النَّاس وقد فقدوا نبيَّهم‏.‏

فقال بعضهم لبعض‏:‏ إنَّ رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم بالماء، وفي القوم أبو بكر وعمر فقالا‏:‏ أيُّها النَّاس إنَّ رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم لم يكن ليسبقكم إلى الماء ويخلِّفكم، وإن يطع النَّاس أبا بكر وعمر يرشدوا قالها ثلاثاً، فلمَّا اشتدت الظَّهيرة رفع لهم رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم‏.‏

فقالوا‏:‏ يا رسول الله هلكنا عطشاً، تقطعت الأعناق‏.‏

فقال‏:‏ ‏(‏‏(‏لا هلك عليكم‏)‏‏)‏‏.‏

ثم قال‏:‏ ‏(‏‏(‏يا أبا قتادة إئت بالميضأة‏)‏‏)‏

فأتيته بها فقال‏:‏ ‏(‏‏(‏إحلل لي غمري‏)‏‏)‏ - يعني‏:‏ قدحه - فحللته، فأتيته به فجعل يصُّب فيه ويسقي النَّاس، فازدحم النَّاس عليه‏.‏

فقال رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم‏:‏ ‏(‏‏(‏يا أيُّها النَّاس أحسنوا الملأ، فكلكم سيصدر عن ري‏)‏‏)‏

فشرب القوم حتَّى لم يبق غيري وغير رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم، فصبَّ لي فقال‏:‏ ‏(‏‏(‏إشرب يا أبا قتادة‏)‏‏)‏‏.‏

قال‏:‏ قلت‏:‏ إشرب أنت يا رسول الله‏.‏

قال‏:‏ ‏(‏‏(‏إنَّ ساقي القوم آخرهم‏)‏‏)‏‏.‏

فشربت وشرب بعدي، وبقي في الميضأة نحو ما كان فيها، وهم يومئذ ثلاثمائة‏.‏

قال عبد الله‏:‏ فسمعني عمران بن حصين وأنا أحدِّث هذا الحديث في المسجد الجامع، فقال‏:‏ من الرَّجل ‏؟‏

قلت‏:‏ أنا عبد الله بن رباح الأنصاريّ‏.‏

قال‏:‏ القوم أعلم بحديثهم، انظر كيف تحدِّث فإني أحد السَّبعة تلك اللَّيلة‏.‏

فلمَّا فرغت قال‏:‏ ما كنت أحسب أحداً يحفظ هذا الحديث غيري‏.‏

قال حماد بن سلمة‏:‏ وحدَّثنا حميد الطَّويل عن بكر بن عبد الله المزنيّ، عن عبد الله بن رباح، عن أبي قتادة الموصليّ، عن النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم بمثله‏.‏

وزاد قال‏:‏ كان رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم إذا عرس وعليه ليل توسد يمينه، وإذا عرس الصّبح وضع رأسه على كفِّه اليمنى، وأقام ساعده‏.‏

وقد رواه مسلم عن شيبان بن فروخ، عن سليمان بن المغيرة، عن ثابت، عن عبد الله بن رباح، عن أبي قتادة الحرث بن ربعي الأنصاريّ بطوله، وأخرج من حديث حماد بن سلمة بسنده الأخير أيضاً‏.‏

حديث آخر عن أنس يشبه هذا‏:‏

روى البيهقيّ من حديث الحافظ أبي يعلى الموصليّ‏:‏ ثنا شيبان، ثنا سعيد بن سليمان الضبعيّ، ثنا أنس بن مالك أنَّ رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم جهَّز جيشاً إلى المشركين فيهم أبو بكر فقال لهم‏:‏ ‏(‏‏(‏جدُّوا السَّير فإنَّ بينكم وبين المشركين ماء، إن يسبق المشركون إلى ذلك الماء شُقَّ على النَّاس وعطشتم عطشاً شديداً أنتم ودوابكم‏)‏‏)‏‏.‏

قال‏:‏ وتخلَّف رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم في ثمانية أنا تاسعهم وقال لأصحابه‏:‏ ‏(‏‏(‏هل لكم أن نعرس قليلاً، ثم نلحق بالنَّاس‏)‏‏)‏‏.‏

قالوا‏:‏ نعم يا رسول الله، فعرسوا فما أيقظهم إلا حرّ الشَّمس، فاستيقظ رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم واستيقظ أصحابه فقال لهم‏:‏ ‏(‏‏(‏تقدَّموا واقضوا حاجاتكم‏)‏‏)‏ ففعلوا، ثم رجعوا إلى رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم‏.‏

فقال لهم‏:‏ ‏(‏‏(‏هل مع أحد منكم ماء‏؟‏‏)‏‏)‏

قال رجل منهم‏:‏ يا رسول الله معي ميضأة فيها شيء من ماء‏.‏

قال‏:‏ ‏(‏‏(‏فجئ بها‏)‏‏)‏‏.‏

فجاء بها، فأخذها نبي الله صلَّى الله عليه وسلَّم فمسحها بكفيه ودعا بالبركة فيها وقال لأصحابه‏:‏ ‏(‏‏(‏تعالوا فتوضؤوا‏)‏‏)‏ فجاءوا وجعل يصبّ عليهم رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم حتَّى توضؤوا كلَّهم، فأذَّن رجل منهم وأقام، فصلَّى رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم لهم وقال لصاحب الميضأة‏:‏ ‏(‏‏(‏ازدهر بميضأتك فسيكون لها شأن‏)‏‏)‏‏.‏

وركب رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم قبل النَّاس وقال لأصحابه‏:‏ ‏(‏‏(‏ما ترون النَّاس فعلوا‏؟‏‏)‏‏)‏

فقالوا‏:‏ الله ورسوله أعلم‏.‏

فقال لهم‏:‏ ‏(‏‏(‏فيهم أبو بكر، وعمر وسيرشد النَّاس‏)‏‏)‏‏.‏

فقدم النَّاس وقد سبق المشركون إلى ذلك الماء، فشقَّ ذلك على النَّاس وعطشوا عطشاً شديداً ركابهم ودوابهم‏.‏

فقال رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم‏:‏ ‏(‏‏(‏أين صاحب الميضأة‏؟‏‏)‏‏)‏

قالوا‏:‏ هو هذا يا رسول الله‏.‏

قال‏:‏ ‏(‏‏(‏جئني بميضأتك‏)‏‏)‏‏.‏

فجاء بها وفيها شيء من ماء فقال لهم‏:‏ ‏(‏‏(‏تعالوا فاشربوا‏)‏‏)‏ فجعل يصب لهم رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم، حتى شرب النَّاس كلَّهم، وسقوا دوابهم وركابهم، وملأوا ما كان معهم من إداوة وقربة ومزادة، ثم نهض رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم وأصحابه إلى المشركين، فبعث الله ريحاً فضرب وجوه المشركين، وأنزل الله نصره وأمكن من ديارهم، فقتلوا مقتلة عظيمة، وأسروا أسارى كثيرة، واستاقوا غنائم كثيرة، ورجع رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم والنَّاس وافرين صالحين‏.‏

وقد تقدَّم قريباً عن جابر ما يشبه هذا، وهو في صحيح مسلم‏.‏

وقدَّمنا في غزوة تبوك ما رواه مسلم من طريق مالك عن أبي الزبير، عن أبي الطّفيل، عن معاذ بن جبل، فذكر حديث جمع الصَّلاة في غزوة تبوك إلى أن قال‏:‏ وقال‏:‏ - يعني رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم‏:‏ ‏(‏‏(‏إنَّكم ستأتون غداً إن شاء الله عين تبوك، وإنَّكم لن تأتوها حتى يضحى ضحى النَّهار، فمن جاءها فلا يمس من مائها شيئاً حتَّى آتي‏)‏‏)‏‏.‏

قال‏:‏ فجئناها، وقد سبق إليها رجلان، والعين مثل الشراك تبض بشيء، فسألهما رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم‏:‏ ‏(‏‏(‏هل مسستماً من مائها شيئاً‏؟‏‏)‏‏)‏

قالا‏:‏ نعم، فسبَّهما، وقال لهما ما شاء الله أن يقول، ثمَّ غرفوا من العين قليلاً قليلاً، حتَّى اجتمع في شيء، ثم غسل رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - وجهه ويديه، ثمَّ أعاده فيها فجرت العين بماء كثير، فاستقى النَّاس ثم قال رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم -‏:‏ ‏(‏‏(‏يا معاذ يوشك إن طالت بك حياة أن ترى ما هاهنا قد ملئ جناناً‏)‏‏)‏‏.‏

وذكرنا في ‏(‏باب الوفود‏)‏ من طريق عبد الرحمن بن زياد بن أنعم عن زياد بن الحارث الصدائي في قصة وفادته، فذكر حديثاً طويلاً فيه‏.‏

ثم قلنا‏:‏ يا رسول الله إنَّ لنا بئراً إذا كان الشتاء وسعنا ماؤها واجتمعنا عليها، وإذا كان الصَّيف قلَّ ماؤها فتفرَّقنا على مياه حولنا، وقد أسلمنا وكل من حولنا عدو، فادع الله لنا في بئرنا فيسعنا ماؤها، فنجتمع عليه ولا نتفرق، فدعا بسبع حصيات ففركهن بيده ودعا فيهن ثم قال‏:‏ ‏(‏‏(‏اذهبوا بهذه الحصيات فإذا أتيتم البئر فألقوا واحدة، واحدة، واذكروا الله عزَّ وجل‏)‏‏)‏‏.‏

قال الصدائي‏:‏ ففعلنا ما قال لنا فما استطعنا بعد ذلك أن ننظر إلى قعرها - يعني‏:‏ البئر -‏.‏

وأصل هذا الحديث في المسند، وسنن أبي داود، والتّرمذيّ، وابن ماجه‏.‏

وأما الحديث بطوله ففي ‏(‏دلائل النبُّوة‏)‏ للبيهقي رحمه الله‏.‏

وقال البيهقيّ‏:‏

باب ما ظهر في البئر التي كانت بقباء من بركته صلَّى الله عليه وسلَّم

أخبرنا أبو الحسن محمد بن الحسين العلوي، ثنا أبو حامد بن الشرقي، أنَّا أحمد بن حفص بن عبد الله، نا أبي، حدَّثنا إبراهيم بن طهمان عن يحيى بن سعيد أنَّه حدَّثه أنَّ أنس بن مالك أتاهم بقباء فسأله عن بئر هناك‏.‏

قال‏:‏ فدللته عليها‏.‏

فقال‏:‏ لقد كانت هذه وإنَّ الرَّجل لينضح على حماره فينزح، فجاء رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم وأمر بذنوب فسقي، فإذا أن يكون توضأ منه، وإما أن يكون تفل فيه ثم أمر به فأعيد في البئر‏.‏

قال‏:‏ فما نزحت بعد‏.‏

قال‏:‏ فرأيته بال، ثم جاء فتوضأ ومسح على جنبه ثم صلَّى‏.‏

وقال أبو بكر البزَّار‏:‏ ثنا الوليد بن عمرو بن مسكين، ثنا محمد بن عبد الله بن مثنى عن أبيه، عن ثمامة، عن أنس قال‏:‏ أتى رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم فنزلنا فسقيناه من بئر لنا في دارنا كانت تسمى ‏(‏النزور‏)‏ في الجاهلية، فتفل فيها، فكانت لا تنزح بعد‏.‏

ثم قال‏:‏ لا نعلم هذا يروى إلا من هذا الوجه‏.‏

باب تكثيره عليه السلام الأطعمة‏:‏

تكثيره اللَّبن في مواطن أيضاً‏:‏

قال الإمام أحمد‏:‏ ثنا روح، ثنا عمر بن ذر عن مجاهد أن أبا هريرة كان يقول‏:‏ والله إن كنت لأعتمد بكبدي على الأرض من الجوع، وإن كنت لأشد الحجر على بطني من الجوع، ولقد قعدت يوماً على طريقهم الذي يخرجون منه فمرَّ أبو بكر فسألته عن آية من كتاب الله - عز وجل - وما سألته إلا ليستتبعني فلم يفعل، فمرَّ عمر رضي الله عنه فسألته عن آية من كتاب الله ما سألته إلا ليستتبعني فلم يفعل، فمرَّ أبو القاسم صلَّى الله عليه وسلَّم فعرف ما في وجهي، وما في نفسي فقال أبا هريرة‏:‏ قلت له‏:‏ لبيك يا رسول الله‏.‏

فقال‏:‏ ‏(‏‏(‏إلحق‏)‏‏)‏ واستأذنت فأذن لي، فوجدت لبناً في قدح قال‏:‏ ‏(‏‏(‏من أين لكم هذا اللَّبن‏؟‏‏)‏‏)‏

فقالوا‏:‏ أهداه لنا فلان، أو آل فلان‏.‏

قال‏:‏ ‏(‏‏(‏أبا هر‏)‏‏)‏‏.‏

قلت‏:‏ لبيك يا رسول الله‏.‏

قال‏:‏ ‏(‏‏(‏انطلق إلى أهل الصَّفة فادعهم لي‏)‏‏)‏‏.‏

قال‏:‏ وأهل الصَّفة أضياف الإسلام، لم يأووا إلى أهل ولا مال، إذا جاءت رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم هدية، أصاب منها وبعث إليهم منها، وإذا جاءته الصَّدقة أرسل بها إليهم ولم يصب منها‏.‏

قال‏:‏ وأحزنني ذلك، وكنت أرجو أن أصيب من اللَّبن شربة أتقوى بها بقية يومي وليلتي‏.‏

وقلت‏:‏ أنا الرَّسول، فإذا جاء القوم كنت أنا الذي أعطيهم‏.‏

وقلت‏:‏ ما يبقى لي من هذا اللَّبن، ولم يكن من طاعة الله وطاعة رسوله بدّ، فانطلقت فدعوتهم فأقبلوا فاستأذنوا، فأذن لهم، فأخذوا مجالسهم من البيت ثم قال‏:‏ ‏(‏‏(‏أبا هر خذ فأعطهم‏)‏‏)‏‏.‏

فأخذت القدح فجعلت أعطيهم، فيأخذ الرَّجل القدح فيشرب حتى يروى، ثم يردّ القدح، حتَّى أتيت على آخرهم، ودفعت إلى رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم فأخذ القدح فوضعه في يده، وبقي فيه فضلة، ثمَّ رفع رأسه ونظر إلي وتبسم وقال‏:‏ ‏(‏‏(‏أبا هر‏)‏‏)‏‏.‏

فقلت‏:‏ لبيك رسول الله‏.‏

قال‏:‏ ‏(‏‏(‏بقيت أنا وأنت‏)‏‏)‏‏.‏

فقلت‏:‏ صدقت يا رسول الله‏.‏

قال‏:‏ ‏(‏‏(‏فاقعد فاشرب‏)‏‏)‏‏.‏

قال‏:‏ فقعدت فشربت‏.‏

ثم قال لي‏:‏ ‏(‏‏(‏إشرب‏)‏‏)‏ فشربت‏.‏

فما زال يقول لي‏:‏ ‏(‏‏(‏إشرب‏)‏‏)‏ فأشرب، حتَّى قلت‏:‏ لا والذي بعثك بالحق ما أجد له في مسلكاً‏.‏

قال‏:‏ ‏(‏‏(‏ناولني القدح‏)‏‏)‏ فرددت إليه القدح فشرب من الفضلة‏.‏

ورواه البخاريّ عن أبي نعيم، وعن محمد بن مقاتل، عن عبد الله بن المبارك، وأخرجه التّرمذيّ عن عباد بن يونس بن بكير، ثلاثتهم عن عمر بن ذر‏.‏

وقال التّرمذيّ‏:‏ صحيح‏.‏

وقال الإمام أحمد‏:‏ ثنا أبوبكر ابن عياش، حدَّثني عن زر، عن ابن مسعود قال‏:‏ كنت أرعى غنماً لعقبة ابن أبي معيط فمرَّ بي رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم وأبو بكر فقال‏:‏ ‏(‏‏(‏يا غلام هل من لبن‏؟‏‏)‏‏)‏

قال‏:‏ فقلت‏:‏ نعم، ولكنِّي مؤتمن‏.‏

قال‏:‏ ‏(‏‏(‏فهل من شاة لم ينز عليها الفحل‏؟‏‏)‏‏)‏

فأتيته بشاة، فمسح ضرعها، فنزل لبن، فحلبه في إناء، فشرب وسقى أبا بكر، ثم قال للضرع‏:‏ ‏(‏‏(‏أقلص‏)‏‏)‏ فقلص‏.‏

قال‏:‏ ثمَّ أتيته بعد هذا فقلت‏:‏ يا رسول الله علِّمني من هذا القول‏.‏

قال‏:‏ فمسح رأسي وقال‏:‏ ‏(‏‏(‏يا غلام يرحمك الله، فإنَّك عليم معلَّم‏)‏‏)‏‏.‏

ورواه البيهقيّ من حديث أبي عوانة عن عاصم، عن أبي النجود، عن زر، عن ابن مسعود وقال فيه‏:‏ فأتيته بعناق جذعة فاعتقلها، ثم جعل يمسح ضرعها ويدعو، وأتاه أبو بكر بجفنة فحلب فيها وسقى أبا بكر، ثم شرب ثم قال للضرع‏:‏ ‏(‏‏(‏أقلص‏)‏‏)‏ فقلص‏.‏

فقلت‏:‏ يا رسول الله علِّمني من هذا القول، فمسح رأسي وقال‏:‏ ‏(‏‏(‏إنَّك غلام معلَّم‏)‏‏)‏ فأخذت عنه سبعين سورة ما نازعنيها بشر‏.‏

وتقدم في الهجرة حديث أم معبد وحلبه عليه السلام شاتها وكانت عجفاء لا لبن لها، فشرب هو وأصحابه، وغادر عندها إناء كبيراً من لبن، حتَّى جاء زوجها‏.‏

وتقدم في ذكر من كان يخدمه من غير مواليه عليه السلام المقداد بن الأسود حين شرب اللبن الذي كان قد جاء لرسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم، ثم قام في اللَّيل ليذبح له شاة، فوجد لبناً كثيراً، فحلب ما ملأ منه إناء كبيراً جداً، الحديث‏.‏

وقال أبو داود الطَّيالسيّ‏:‏ ثنا زهير عن أبي إسحاق، عن ابنة حباب أنَّها أتت رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم بشاة فاعتقلها وحلبها فقال‏:‏ ‏(‏‏(‏إئتني بأعظم إناء لكم‏)‏‏)‏ فأتيناه بجفنة العجين، فحلب فيها حتى ملأها ثمَّ قال‏:‏ ‏(‏‏(‏اشربوا أنتم وجيرانكم‏)‏‏)‏‏.‏

وقال البيهقيّ‏:‏ أنَّا أبو الحسين بن بشران ببغداد، أنَّا إسماعيل بن محمد الصفار، أنَّا محمد بن الفرج الأزرق، ثنا عصمة بن سليمان الخزار، ثنا خلف بن خليفة عن أبي هاشم الرمانيّ، عن نافع - وكانت له صحبة - قال‏:‏ كنَّا مع رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم في سفر وكنَّا زهاء أربعمائة، فنزلنا في موضع ليس فيه ماء فشقَّ ذلك على أصحابه وقالوا‏:‏ رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم أعلم‏.‏

قال‏:‏ فجاءت شويهة لها قرنان فقامت بين يدي رسول الله -صلَّى الله عليه وسلَّم -، فحلبها فشرب حتى روي، وسقى أصحابه حتَّى رووا ثم قال‏:‏ ‏(‏‏(‏يا نافع املكها اللَّيلة وما أراك تملكها‏)‏‏)‏‏.‏

قال‏:‏ فأخذتها فوتدت لها وتداً، ثمَّ ربطتها بحبل، ثمَّ قمت في بعض اللَّيل فلم أرَ الشَّاة، ورأيت الحبل مطروحاً، فجئت رسول الله فأخبرته من قبل أن يسألني وقال‏:‏ ‏(‏‏(‏يا نافع ذهب بها الذي جاء بها‏)‏‏)‏‏.‏

قال البيهقيّ‏:‏ ورواه محمد بن سعد عن خلف بن الوليد أبي الوليد الأزدي، عن خلف بن خليفة، عن أبان وهذا حديث غريب جداً إسناداً ومتناً‏.‏

ثم قال البيهقيّ‏:‏ أنَّا أبو سعيد الماليني، أنَّا أبو أحمد بن عدي، أنَّا ابن العبَّاس بن محمد بن العبَّاس، ثنا أحمد بن سعيد ابن أبي مريم، ثنا أبو حفص الرياحيّ، ثنا عامر ابن أبي عامر الخزاز عن أبيه، عن الحسن، عن سعد - يعني‏:‏ مولى أبي بكر - قال‏:‏ قال رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم‏:‏ ‏(‏‏(‏احلب لي العنز‏)‏‏)‏‏.‏

قال‏:‏ وعهدي بذلك الموضع لا عنز فيه‏.‏

قال‏:‏ فأتيت فإذا العنز حافل‏.‏

قال‏:‏ فاحتلبتها واحتفظت بالعنز، وأوصيت بها قال‏:‏ فاشتغلنا بالرِّحلة ففقدت العنز‏.‏

فقلت‏:‏ يا رسول الله قد فقدت العنز‏.‏

فقال‏:‏ ‏(‏‏(‏إنَّ لها رباً‏)‏‏)‏‏.‏

وهذا أيضاً حديث غريب جداً إسناداً ومتناً، وفي إسناده من لا يعرف حاله، وسيأتي حديث الغزالة في قسم ما يتعلق من المعجزات بالحيوانات‏.‏

تكثيره عليه السلام السمن لأم سليم‏:‏

قال الحافظ أبو يعلى‏:‏ حدَّثنا شيبان، ثنا محمد بن زيادة البرجمي عن أبي طلال، عن أنس، عن أمه قال‏:‏ كانت لها شاة فجمعت من سمنها في عكة فملأت العكة ثم بعثت بها مع ربيبة فقالت‏:‏ يا ربيبة أبلغي هذه العكة رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم يأتدم بها‏.‏

فانطلقت بها ربيبة حتى أتت رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم فقالت‏:‏ يا رسول الله هذه عكة سمن بعثت بها إليك أم سليم، قال‏:‏ ‏(‏‏(‏أفرغوا لها عكتها‏)‏‏)‏ ففرغت العكة فدفعت إليها، فانطلقت بها وجاءت وأم سليم ليست في البيت، فعلقت العكة على وتد، فجاءت أم سليم فرأت العكة ممتلئة تقطر فقالت أم سليم‏:‏ يا ربيبة أليس أمرتك أن تنطلقي بها إلى رسول الله ‏؟‏

فقالت‏:‏ قد فعلت فإن لم تصدقيني فانطلقي فسلي رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم -، فانطلقت ومعها ربيبة فقالت‏:‏ يا رسول الله إنِّي بعثت معها إليك بعكة فيها سمن‏.‏

قال‏:‏ ‏(‏‏(‏قد فعلت، قد جاءت‏)‏‏)‏‏.‏

قالت‏:‏ والذي بعثك بالحق، ودين الحق، إنها لممتلئة تقطر سمناً‏.‏

قال‏:‏ فقال لها رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم‏:‏ ‏(‏‏(‏يا أم سليم أتعجبين إن كان الله أطعمك كما أطعمت نبيه‏؟‏ كلي وأطعمي‏)‏‏)‏‏.‏

قالت‏:‏ فجئت إلى البيت فقسمت في قعب لنا وكذا وكذا، تركت فيها ما ائتدمنا به شهراً أو شهرين‏.‏

حديث آخر في ذلك‏:‏

قال البيهقيّ‏:‏ أنَّا الحاكم، أنَّا الأصمّ، ثنا عبَّاس الدُّوريّ، ثنا علي بن بحر القطَّان، ثنا خلف بن خليفة عن أبي هاشم الرمانيّ، عن يوسف بن خالد، عن أوس بن خالد، عن أم أوس البهزية قالت‏:‏ سليت سمناً لي فجعلته في عكة فأهديته لرسول الله فقبله، وترك في العكة قليلاً ونفخ فيها، ودعا بالبركة ثم قال‏:‏ ‏(‏‏(‏ردُّوا عليها عكتها‏)‏‏)‏ فردُّوها عليها وهي مملوءة سمناً‏.‏

قالت‏:‏ فظننت أنَّ رسول الله لم يقبلها، فجاءت ولها صراخ فقالت‏:‏ يا رسول الله إنَّما سليته لك لتأكله، فعلم أنَّه قد استجيب له‏.‏

فقال‏:‏ ‏(‏‏(‏إذهبوا فقولوا لها‏:‏ فلتأكل سمنها، وتدعو بالبركة‏)‏‏)‏‏.‏

فأكلت بقية عُمْرِ النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم وولاية أبي بكر وولاية عمر، وولاية عثمان حتَّى كان من أمر علي ومعاوية ما كان‏.‏

حديث آخر‏:‏

روى البيهقيّ عن الحاكم، عن الأصمّ، عن أحمد بن عبد الجبَّار، عن يونس بن بكير، عن عبد الأعلى بن المسور القرشيّ، عن محمد بن عمرو بن عطاء، عن أبي هريرة قال‏:‏ كانت امرأة من دوس يقال لها‏:‏ أم شريك أسلمت في رمضان، فذكر الحديث في هجرتها وصحبة ذلك اليهودي لها، وأنَّها عطشت فأبى أن يسقيها حتى تهود، فنامت فرأت في النَّوم من يسقيها فاستيقظت وهي ريَّانة، فلمَّا جاءت رسول الله قصَّت عليه القصة، فخطبها إلى نفسها فرأت نفسها أقلَّ من ذلك وقالت‏:‏ بل زوِّجني من شئت‏.‏

فزوجها زيداً وأمر لها بثلاثين صاعاً وقال‏:‏ ‏(‏‏(‏كلوا ولا تكيلوا‏)‏‏)‏ وكانت معها عكة سمن هدية لرسول الله فأمرت جاريتها أن تحملها إلى رسول الله ففرغت، وأمرها رسول الله إذا ردَّتها أن تعلقها ولا توكئها، فدخلت أم شريك فوجدتها ملآى فقالت للجارية‏:‏ ألم آمرك أن تذهبي بها إلى رسول الله ‏؟‏

فقالت‏:‏ قد فعلت، فذكروا ذلك لرسول الله فأمرهم أن لا يوكئوها، فلم تزل حتى أوكتها أم شريك، ثمَّ كالوا الشَّعير فوجدوه ثلاثين صاعاً لم ينقص منه شيء‏.‏

حديث آخر في ذلك‏:‏

قال الإمام أحمد‏:‏ ثنا حسن، ثنا ابن لهيعة، ثنا أبو الزُّبير عن جابر أنَّ أم مالك البهزية كانت تهدي في عكة لها سمناً للنبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم، فبينما بنوها يسألونها الإدام وليس عندها شيء، فعمدت إلى عكتها التي كانت تهدي فيها إلى النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم فقال‏:‏ ‏(‏‏(‏أعصرتيه‏؟‏‏)‏‏)‏

فقلت‏:‏ نعم‏.‏

قال‏:‏ ‏(‏‏(‏لو تركتيه ما زال ذلك مقيماً‏)‏‏)‏‏.‏

ثمَّ روى الإمام أحمد بهذا الإسناد عن جابر، عن النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم أنَّه أتاه رجل يستطعمه فأطعمه شطر وسق شعير، فما زال الرَّجل يأكل منه هو وامرأته وضيف لهم حتى كالوه فقال رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم‏:‏ ‏(‏‏(‏لو لم تكيلوه لأكلتم فيه، ولقام لكم‏)‏‏)‏‏.‏

وقد روى هذين الحديثين مسلم من وجه آخر عن أبي الزبير، عن جابر‏.‏

ذكر ضيافة أبي طلحة الأنصاريّ رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم

قال البخاري‏:‏ ثنا عبد الله بن يوسف، أخبرنا مالك عن إسحاق بن عبد الله ابن أبي طلحة أنَّه سمع أنس بن مالك يقول‏:‏ قال أبو طلحة لأم سليم‏:‏ لقد سمعت صوت رسول الله ضعيفاً أعرف فيه الجوع، فهل عندك من شيء ‏؟‏

قالت‏:‏ نعم، فأخرجت أقراصاً من شعير، ثم أخرجت خماراً لها فلفت الخبز ببعضه، ثم دسَّته تحت يدي ولاثتني ببعضه، ثم أرسلتني إلى رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم‏.‏

قال‏:‏ فذهبت به فوجدت رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم في المسجد ومعه النَّاس، فقمت عليهم‏.‏

فقال لي رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم‏:‏ ‏(‏‏(‏أرسلك أبو طلحة‏؟‏‏)‏‏)‏

فقلت‏:‏ نعم‏.‏

قال‏:‏ ‏(‏‏(‏بطعام‏؟‏‏)‏‏)‏

قلت‏:‏ نعم‏.‏

فقال رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم لمن معه‏:‏ ‏(‏‏(‏قوموا‏)‏‏)‏ فانطلق وانطلقت بين أيديهم حتَّى جئت أبا طلحة فأخبرته‏.‏

فقال أبو طلحة‏:‏ يا أم سليم قد جاء رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم والنَّاس، وليس عندنا ما نطعمهم‏.‏

فقلت‏:‏ الله ورسوله أعلم، فانطلق أبو طلحة حتَّى لقي رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم، فأقبل رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم وأبو طلحة معه فقال رسول الله‏:‏ ‏(‏‏(‏هلمَّ يا أم سليم ما عندك‏؟‏‏)‏‏)‏ فأتت بذلك الخبز فأمر به رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - ففتَّ، وعصرت أم سليم عكة فآدمته، ثم قال رسول الله فيه ما شاء الله أن يقول ثم قال‏:‏ ‏(‏‏(‏إئذن لعشرة‏)‏‏)‏ فأذن لهم فأكلوا حتى شبعوا، ثمَّ خرجوا‏.‏

ثمَّ قال‏:‏ ‏(‏‏(‏إئذن لعشرة‏)‏‏)‏ فأذن لهم، فأكلوا حتى شبعوا، ثمَّ خرجوا‏.‏

ثمَّ قال‏:‏ ‏(‏‏(‏إئذن لعشرة‏)‏‏)‏ فأذن لهم، فأكلوا حتى شبعوا، ثمَّ خرجوا‏.‏

ثمَّ قال‏:‏ ‏(‏‏(‏إئذن لعشرة‏)‏‏)‏ فأكل القوم كلهم، والقوم سبعون، أو ثمانون رجلاً‏.‏

وقد رواه البخاريّ في مواضع أخر من صحيحه، ومسلم من غير وجه عن مالك‏.‏

طريق آخر عن أنس بن مالك رضي الله عنه‏:‏

قال أبو يعلى‏:‏ ثنا هدبة بن خالد، ثنا مبارك بن فضالة، ثنا بكير وثابت البنانيّ عن أنس أنَّ أبا طلحة رأى رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم طاوياً، فجاء إلى أم سليم فقال‏:‏ إنِّي رأيت رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم طاوياً فهل عندك من شيء ‏؟‏

قالت‏:‏ ما عندنا إلا نحو من دقيق شعير‏.‏

قال‏:‏ فاعجنيه وأصلحيه عسى أن ندعو رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم فيأكل عندنا‏.‏

قال‏:‏ فعجنته وخبزته فجاء قرصاً فقال‏:‏ يا أنس أدع رسول الله، فأتيت رسول الله ومعه أناس‏.‏

قال مبارك‏:‏ أحسبه قال‏:‏ بضعة وثمانون‏.‏

قال‏:‏ فقلت‏:‏ يا رسول الله أبو طلحة يدعوك‏.‏

فقال لأصحابه‏:‏ ‏(‏‏(‏أجيبوا أبا طلحة‏)‏‏)‏‏.‏

فجئت جزعاً حتَّى أخبرته أنَّه قد جاء بأصحابه‏.‏

قال بكر‏:‏ فعدى قدمه، وقال ثابت‏:‏ قال أبو طلحة‏:‏ رسول الله أعلم بما في بيتي مني‏.‏

وقالا جميعاً عن أنس‏:‏ فاستقبله أبو طلحة فقال‏:‏ يا رسول الله ما عندنا شيء إلا قرص، رأيتك طاوياً فأمرت أم سليم فجعلت لك قرصاً‏.‏

قال‏:‏ فدعا بالقرص، ودعا بجفنة فوضعه فيها وقال‏:‏ ‏(‏‏(‏هل من سمن‏؟‏‏)‏‏)‏

قال أبو طلحة‏:‏ قد كان في العكة شيء‏.‏

قال‏:‏ فجاء بها قال‏:‏ فجعل رسول الله وأبو طلحة يعصرانها، حتَّى خرج شيء مسح رسول الله به سبابته، ثمَّ مسح القرص فانتفخ وقال‏:‏ ‏(‏‏(‏بسم الله‏)‏‏)‏ فانتفخ القرص، فلم يزل يصنع كذلك والقرص ينتفخ حتَّى رأيت القرص في الجفنة يميع فقال‏:‏ ‏(‏‏(‏أدع عشرة من أصحابي‏)‏‏)‏ فدعوت له عشرة‏.‏

قال‏:‏ فوضع رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم يده وسط القرص وقال‏:‏ ‏(‏‏(‏كلوا باسم الله‏)‏‏)‏ فأكلوا من حوالي القرص حتى شبعوا‏.‏

ثمَّ قال‏:‏ ‏(‏‏(‏أدع لي عشرة أخرى‏)‏‏)‏ فدعوت له عشرة أخرى فقال‏:‏ ‏(‏‏(‏كلوا بسم الله‏)‏‏)‏ فأكلوا من حوالي القرص حتى شبعوا، فلم يزل يدعو عشرةً عشرةً يأكلون من ذلك القرص حتى أكل منه بضعة وثمانون من حوالي القرص حتى شبعوا، وإنَّ وسط القرص حيث وضع رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم يده كم هو‏.‏

وهذا إسناد حسن على شرط أصحاب السنن ولم يخرِّجوه، فالله أعلم‏.‏

طريق أخرى عن أنس بن مالك‏:‏

قال الإمام أحمد‏:‏ ثنا عبد الله بن نمير، ثنا سعد - يعني‏:‏ ابن سعيد بن قيس -، أخبرني أنس ابن مالك قال‏:‏ بعثني أبو طلحة إلى رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم لأدعوه وقد جعل له طعاماً، فأقبلت ورسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم مع النَّاس‏.‏

قال‏:‏ فنظر إليَّ فاستحييت فقلت‏:‏ أجب أبا طلحة فقال للنَّاس‏:‏ ‏(‏‏(‏قوموا‏)‏‏)‏‏.‏

فقال أبو طلحة‏:‏ يا رسول الله إنَّما صنعت شيئاً لك‏.‏

قال‏:‏ فمسَّها رسول الله ودعا فيها بالبركة ثمَّ قال‏:‏ ‏(‏‏(‏أدخل نفراً من أصحابي عشرة‏)‏‏)‏‏.‏

فقال‏:‏ ‏(‏‏(‏كلوا‏)‏‏)‏ فأكلوا حتَّى شبعوا وخرجوا وقال‏:‏ ‏(‏‏(‏أدخل عشرة‏)‏‏)‏ فأكلوا حتى شبعوا، فما زال يدخل عشرة ويخرج عشرة، حتَّى لم يبق منهم أحد إلا دخل، فأكل حتى شبع، ثمَّ هيأها فأخذه هي مثلها حين أكلوا منها‏.‏

وقد رواه مسلم عن أبي بكر ابن أبي شيبة ومحمد بن عبد الله بن نمير كلاهما عن عبد الله بن نمير، وعن سعيد بن يحيى الأموي، عن أبيه، كلاهما عن سعد بن سعيد بن قيس الأنصاري‏.‏

طريق أخرى‏:‏

رواه مسلم في ‏(‏الأطعمة‏)‏ عن عبد الله بن حميد، عن خالد بن مخلد، عن محمد بن موسى، عن عبد الله بن عبد الله بن أبي طلحة، عن أنس فذكر نحو ما تقدم‏.‏

وقد رواه أبو يعلى الموصليّ عن محمد بن عباد المكيّ، عن حاتم، عن معاوية ابن أبي مردد، عن عبد الله بن عبد الله ابن أبي طلحة، عن أبيه، عن أبي طلحة فذكره، والله أعلم‏.‏

طريق أخرى عن أنس‏:‏

قال الإمام أحمد‏:‏ ثنا علي بن عاصم، ثنا حصين بن عبد الرَّحمن عن عبد الرَّحمن ابن أبي ليلى، عن أنس بن مالك قال‏:‏ أتى أبو طلحة بمدين من شعير فأمر به فصنع به طعاماً ثمَّ قال لي‏:‏ يا أنس انطلق إئت رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم فادعه، وقد تعلم ما عندنا‏.‏

قال‏:‏ فأتيت رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم وأصحابه عنده فقلت‏:‏ إنَّ أبا طلحة يدعوك إلى طعامه‏.‏

فقام وقال للنَّاس‏:‏ ‏(‏‏(‏قوموا‏)‏‏)‏ فقاموا فجئت أمشي بين يديه حتَّى دخلت على أبي طلحة فأخبرته‏.‏

قال‏:‏ فضحتنا‏.‏

قلت‏:‏ إنِّي لم أستطع أن أردّ على رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم أمره، فلمَّا انتهى رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم قال لهم‏:‏ ‏(‏‏(‏اقعدوا‏)‏‏)‏ ودخل عاشر عشرة، فلمَّا دخل أتى بالطَّعام، تناول فأكل وأكل معه القوم حتَّى شبعوا‏.‏

ثمَّ قال لهم‏:‏ ‏(‏‏(‏قوموا وليدخل عشرة مكانكم‏)‏‏)‏ حتَّى دخل القوم كلهم وأكلوا‏.‏

قال‏:‏ قلت‏:‏ كم كانوا ‏؟‏

قال‏:‏ كانوا نيفاً وثمانين‏.‏

قال‏:‏ وفضل لأهل البيت ما أشبعهم‏.‏

وقد رواه مسلم في الأطعمة عن عمرو النَّاقد، عن عبد الله بن جعفر الرقيّ، عن عبيد الله بن عمرو، عن عبد الملك بن عمير، عن عبد الرَّحمن ابن أبي ليلى، عن أنس قال‏:‏ أمر أبو طلحة أم سليم قال‏:‏ اصنعي للنبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم لنفسه خاصة طعاماً يأكل منه، فذكر نحو ما تقدَّم‏.‏

طريق أخرى عن أنس‏:‏

قال أبو يعلى‏:‏ ثنا شجاع بن مخلد، ثنا وهب بن جرير، ثنا أبي سمعت جرير بن يزيد يحدّث عن عمرو بن عبد الله ابن أبي طلحة، عن أنس بن مالك قال‏:‏ رأى أبو طلحة رسول الله في المسجد مضطجعاً يتقلب ظهراً لبطن، فأتى أم سليم فقال‏:‏ رأيت رسول الله مضطجعاً في المسجد يتقلب ظهراً لبطن فخبزت أم سليم قرصاً ثمَّ قال لي أبو طلحة‏:‏ اذهب فادع رسول الله‏.‏

فأتيته وعنده أصحابه فقلت‏:‏ يا رسول الله يدعوك أبو طلحة‏.‏

فقام وقال‏:‏ ‏(‏‏(‏قوموا‏)‏‏)‏‏.‏

قال‏:‏ فجئت أسعى إلى أبي طلحة فأخبرته أنَّ رسول الله قد تبعه أصحابه، فتلقاه أبو طلحة فقال‏:‏ يا رسول الله إنَّما هو قرص‏.‏

فقال‏:‏ ‏(‏‏(‏إنَّ الله سيبارك فيه‏)‏‏)‏ فدخل رسول الله، وجيء بالقرص في قصعة، فقال‏:‏ ‏(‏‏(‏هل من سمن‏؟‏‏)‏‏)‏

فجيء بشيء من سمن، فغور القرص بإصبعه هكذا ورفعها ثمَّ صبَّ وقال‏:‏ ‏(‏‏(‏كلوا من بين أصابعي‏)‏‏)‏ فأكل القوم حتى شبعوا‏.‏

ثمَّ قال‏:‏ ‏(‏‏(‏أدخل عليَّ عشرة‏)‏‏)‏ فأكلوا حتَّى شبعوا، حتَّى أكل القوم فشبعوا، وأكل رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم وأبو طلحة وأم سليم وأنا حتَّى شبعنا، وفضلت فضلة أهديت لجيران لنا‏.‏

ورواه مسلم في ‏(‏الأطعمة‏)‏ من صحيحه‏:‏ عن حسن الحلواني، وعن وهب بن جرير بن حازم، عن عمه جرير بن يزيد، عن عمرو بن عبد الله ابن أبي طلحة، عن أنس بن مالك فذكر نحو ما تقدم‏.‏

طريق أخرى عن أنس‏:‏

قال الإمام أحمد‏:‏ ثنا يونس بن محمد، ثنا حماد - يعني ابن زيد - عن هشام، عن محمد - يعني ابن سيرين -، عن أنس قال حماد‏:‏ والجَّعد قد ذكره قال‏:‏ عمدت أم سليم إلى نصف مد شعير فطحنته، ثمَّ عمدت إلى عكة كان فيها شيء من سمن فاتخذت منه خطيفة‏.‏

قال‏:‏ ثمَّ أرسلتني إلى رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم قال‏:‏ فأتيته وهو في أصحابه فقلت‏:‏ إنَّ أم سليم أرسلتني إليك تدعوك‏.‏

فقال‏:‏ أنا ومن معي ‏؟‏

قال‏:‏ فجاء هو ومن معه قال‏:‏ فدخلت‏.‏

فقلت لأبي طلحة‏:‏ قد جاء رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم ومن معه، فخرج أبو طلحة فمشى إلى جنب النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم قال‏:‏ يا رسول الله إنَّما هي خطيفة اتخذتها أم سليم من نصف مد شعير‏.‏

قال‏:‏ فدخل فأتي به قال‏:‏ فوضع يده فيها ثمَّ قال‏:‏ ‏(‏‏(‏أدخل عشرة‏)‏‏)‏‏.‏

قال‏:‏ فدخل عشرة فأكلوا حتَّى شبعوا، ثمَّ دخل عشرة فأكلوا، ثمَّ عشرة فأكلوا، حتَّى أكل منها أربعون كلهم أكلوا حتى شبعوا‏.‏

قال‏:‏ وبقيت كما هي قال‏:‏ فأكلنا‏.‏

وقد رواه البخاريّ في ‏(‏الأطعمة‏)‏ عن الصَّلت بن محمد، عن حماد بن زيد، عن الجعد أبي عثمان، عن أنس وعن هشام بن محمد، عن أنس، وعن سنان بن ربيعة، عن أبي ربيعة، عن أنس أنَّ أم سليم عمدت إلى مدّ من شعير جشته وجعلت منه خطيفة، وعمدت إلى عكة فيها شيء من سمن فعصرته، ثمَّ بعثتني إلى رسول الله وهو في أصحابه، الحديث بطوله‏.‏

ورواه أبو يعلى الموصليّ‏:‏ ثنا عمرو عن الضحاك، ثنا أبي سمعت أشعث الحرَّانيّ قال‏:‏ قال محمد بن سيرين‏:‏ حدَّثني أنس بن مالك أنَّ أبا طلحة بلَّغه أنَّه ليس عند رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم طعام، فذهب فأجَّر نفسه بصاع من شعير، فعمل يومه ذلك فجاء به، وأمر أم سليم أن تعمله خطيفة، وذكر الحديث‏.‏

طريق آخر عن أنس‏:‏

قال الإمام أحمد‏:‏ ثنا يونس بن محمد، ثنا حرب بن ميمون عن النصر بن أنس، عن أنس بن مالك قال‏:‏ قالت أم سليم‏:‏ إذهب إلى نبيّ الله صلَّى الله عليه وسلَّم فقل‏:‏ إن رأيت أن تغدي عندنا فافعل، فجئته فبلَّغته فقال‏:‏ ‏(‏‏(‏ومن عندي‏؟‏‏)‏‏)‏

قلت‏:‏ نعم‏.‏

قال‏:‏ ‏(‏‏(‏انهضوا‏)‏‏)‏‏.‏

قال‏:‏ فجئته فدخلت على أم سليم وأنا لدهش لمن أقبل مع رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم‏.‏

قال‏:‏ فقالت أم سليم‏:‏ ما صنعت يا أنس ‏؟‏

فدخل رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم على إثر ذلك فقال‏:‏ ‏(‏‏(‏هل عندك سمن‏؟‏‏)‏‏)‏

قالت‏:‏ نعم، قد كان منه عندي عكة فيها شيء من سمن‏.‏

قال‏:‏ ‏(‏‏(‏فأت بها‏)‏‏)‏

قالت‏:‏ فجئت بها، ففتح رباطها ثمَّ قال‏:‏ ‏(‏‏(‏بسم الله، اللهم أعظم فيها البركة‏)‏‏)‏‏.‏

قال‏:‏ فقال‏:‏ ‏(‏‏(‏اقلبيها‏)‏‏)‏ فقلبتها فعصرها نبيّ الله صلَّى الله عليه وسلَّم وهو يسمي، فأخذت نقع قدر فأكل منها بضع وثمانون رجلاً، وفضل فضلة فدفعها إلى أم سليم فقال‏:‏ ‏(‏‏(‏كلي وأطعمي جيرانك‏)‏‏)‏‏.‏

وقد رواه مسلم في الأطعمة عن حجاج بن الشَّاعر، عن يونس بن محمد المؤدب به‏.‏

طريق أخرى‏:‏

قال أبو القاسم البغويّ‏:‏ ثنا علي بن المدينيّ، ثنا عبد العزيز بن محمد الدَّراورديّ عن عمرو بن يحيى بن عمارة المازني، عن أبيه، عن أنس بن مالك أنَّ أمه أم سليم صنعت خزيراً فقال أبو طلحة‏:‏ إذهب يا بني فادع رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم‏.‏

قال‏:‏ فجئته - وهو بين ظهرانيّ النَّاس - فقلت‏:‏ إنَّ أبي يدعوك‏.‏

قال‏:‏ فقام وقال للنَّاس‏:‏ ‏(‏‏(‏انطلقوا‏)‏‏)‏‏.‏

قال‏:‏ فلمَّا رأيته قام بالنَّاس تقدمت بين أيديهم، فجئت أبا طلحة فقلت‏:‏ يا أبت قد جاءك رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم بالنَّاس‏.‏

قال‏:‏ فقام أبو طلحة على الباب وقال‏:‏ يا رسول الله إنَّما كان شيئاً يسيراً‏.‏

فقال‏:‏ ‏(‏‏(‏هلمه فإنَّ الله سيجعل فيه البركة‏)‏‏)‏ فجاء به فجعل رسول الله يده فيه، ودعا الله بما شاء أن يدعو ثم قال‏:‏ ‏(‏‏(‏أدخل عشرة عشرة‏)‏‏)‏ فجاءه منهم ثمانون فأكلوا وشبعوا‏.‏

ورواه مسلم في ‏(‏الأطعمة‏)‏ عن عبد بن حميد، عن القعنبي، عن الدَّراورديّ، عن يحيى بن عمارة ابن أبي حسن الأنصاريّ المازنيّ، عن أبيه، عن أنس بن مالك بنحو ما تقدم‏.‏

طريق أخرى‏:‏

ورواه مسلم في ‏(‏الأطعمة‏)‏ أيضاً عن حرملة، عن ابن وهب، عن أسامة بن زيد اللَّيثي، عن يعقوب بن عبد الله بن أبي طلحة، عن أنس كنحو ما تقدم‏.‏

قال البيهقيّ‏:‏ وفي بعض حديث هؤلاء ثمَّ أكل رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم وأكل أهل البيت وأفضلوا ما بلغ جيرانهم‏.‏

فهذه طرق متواترة عن أنس بن مالك رضي الله عنه أنَّه شاهد ذلك على ما فيه من اختلاف عنه في بعض حروفه، ولكن أصل القصة متواتر لا محالة كما ترى، ولله الحمد والمنة‏.‏

فقد رواه عن أنس بن مالك‏:‏ إسحاق بن عبد الله ابن أبي طلحة، وبكر بن عبد الله المزنيّ، وثابت بن أسلم البنانيّ، والجعد بن عثمان، وسعد بن سعيد أخو يحيى بن سعيد الأنصاريّ، وسنان بن ربيعة، وعبد الله بن عبد الله ابن أبي طلحة، وعبد الرَّحمن ابن أبي ليلى، وعمرو بن عبد الله ابن أبي طلحة، ومحمد بن سيرين، والنضر بن أنس، ويحيى بن عمارة ابن أبي حسن، ويعقوب بن عبد الله ابن أبي طلحة‏.‏

وقد تقدَّم في غزوة الخندق‏:‏ حديث جابر في إضافته صلَّى الله عليه وسلَّم على صاع من شعير وعناق، فعزم عليه السلام على أهل الخندق بكمالهم فكانوا ألفاً أو قريباً من ألف، فأكلوا كلَّهم من تلك العناق وذلك الصَّاع حتى شبعوا وتركوه كما كان، وقد أسلفناه بسنده ومتنه وطرقه، ولله الحمد والمنة‏.‏

ومن العجب الغريب ما ذكره الحافظ أبو عبد الرَّحمن بن محمد بن المنذر الهرويّ - المعروف بشكر - في كتاب ‏(‏العجائب الغريبة‏)‏ في هذا الحديث فإنَّه أسنده وساقه بطوله، وذكر في آخره شيئاً غريباً فقال‏:‏ ثنا محمد بن علي بن طرخان، ثنا محمد بن مسرور، أنَّا هاشم بن هاشم، ويكنى‏:‏ بأبي برزة بمكة في المسجد الحرام، ثنا أبو كعب البداح بن سهل الأنصاريّ من أهل المدينة من النَّاقلة الذين نقلهم هارون إلى بغداد سمعت منه بالمصيصة عن أبيه سهل بن عبد الرَّحمن، عن أبيه عبد الرَّحمن بن كعب، عن أبيه كعب بن مالك قال‏:‏ أتى جابر بن عبد الله إلى رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم فعرف في وجهه الجوع، فذكر أنَّه رجع إلى منزله فذبح داجناً كانت عندهم وطبخها، وثرد تحتها في جفنة وحملها إلى رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم، فأمره أن يدعو له الأنصار فأدخلهم عليه أرسالاً فأكلوا كلهم، وبقي مثل ما كان، وكان رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم يأمرهم أن يأكلوا ولا يكسروا عظماً، ثمَّ إنَّه جمع العظام في وسط الجفنة فوضع عليها يده، ثمَّ تكلَّم بكلام لا أسمعه، إلا أني أرى شفتيه تتحرك، فإذا الشَّاة قد قامت تنفض أذنيها‏.‏

فقال‏:‏ ‏(‏‏(‏خذ شاتك يا جابر، بارك الله لك فيها‏)‏‏)‏‏.‏

قال‏:‏ فأخذتها ومضيت وإنها لتنازعني أذنها، حتَّى أتيت بها البيت فقالت لي المرأة‏:‏ ما هذا يا جابر ‏؟‏

فقلت‏:‏ هذه والله شاتنا التي ذبحناها لرسول الله، دعا الله فأحياها لنا‏.‏

فقالت‏:‏ أنا أشهد أنَّه رسول الله، أشهد أنَّه رسول الله، أشهد أنَّه رسول الله‏.‏

حديث آخر عن أنس في معنى ما تقدَّم‏:‏

قال أبو يعلى الموصليّ والباغندي‏:‏ ثنا شيبان، ثنا محمد بن عيسى بصري - وهو صاحب الطَّعام -، ثنا ثابت البنانيّ قلت لأنس بن مالك‏:‏ يا أنس أخبرني بأعجب شيء رأيته ‏؟‏

قال‏:‏ نعم يا ثابت، خدمت رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - عشر سنين، فلم يعب عليَّ شيئاً أسأت فيه، وإنَّ نبيَّ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - لمَّا تزوج زينب بنت جحش‏.‏

قالت لي أمي‏:‏ يا أنس إنَّ رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - أصبح عروساً، ولا أدري أصبح له غداء فهلمَّ تلك العكة، فأتيتها بالعكة وبتمر فجعلت له حيساً فقالت‏:‏ يا أنس إذهب بهذا إلى نبي الله وامرأته، فلمَّا أتيت رسول الله -صلَّى الله عليه وسلَّم - بتور من حجارة فيه ذلك الحيس‏.‏

قال‏:‏ ‏(‏‏(‏دعه ناحية البيت، وادع لي أبا بكر، وعمر، وعلياً، وعثمان، ونفراً من أصحابه، ثمَّ أدع لي أهل المسجد، ومن رأيت في الطَّريق‏)‏‏)‏‏.‏

قال‏:‏ فجعلت أتعجب من قلَّة الطَّعام، ومن كثرة ما يأمرني أن أدعو النَّاس، وكرهت أن أعصيه حتَّى امتلأ البيت والحجرة‏.‏

فقال‏:‏ ‏(‏‏(‏يا أنس هل ترى من أحد‏؟‏‏)‏‏)‏

فقلت‏:‏ لا يا رسول الله‏.‏

قال‏:‏ ‏(‏‏(‏هات ذلك التور‏)‏‏)‏‏.‏

فجئت بذلك التور فوضعته قدامه، فغمس ثلاث أصابع في التور، فجعل التَّمر يربو فجعلوا يتغدون ويخرجون، حتَّى إذا فرغوا أجمعون وبقي في التور نحو ما جئت به فقال‏:‏ ‏(‏‏(‏ضعه قدام زينب‏)‏‏)‏ فخرجت، وأسقفت عليهم باباً من جريد‏.‏

قال ثابت‏:‏ قلنا يا أبا حمزة‏:‏ كم ترى كان الذين أكلوا من ذلك التور ‏؟‏

فقال‏:‏ أحسب واحداً وسبعين، أو اثنين وسبعين‏.‏

وهذا حديث غريب من هذا الوجه، ولم يخرجوه‏.‏

حديث آخر عن أبي هريرة في ذلك‏:‏

قال جعفر بن محمد الفريانيّ‏:‏ ثنا عثمان ابن أبي شيبة، ثنا حاتم بن إسماعيل عن أنيس ابن أبي يحيى، عن إسحاق بن سالم، عن أبي هريرة قال‏:‏ خرج علي رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم فقال‏:‏ ‏(‏‏(‏أدع لي أصحابك من أصحاب الصّفة‏)‏‏)‏ فجعلت أنبههم رجلاً رجلاً فجمعتهم، فجئنا باب رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم فاستأذنَّا فأذن لنا‏.‏

قال أبو هريرة‏:‏ فوضعت بين أيدينا صحفة أظنُّ أنَّ فيها قدر مد من شعير، قال‏:‏ فوضع رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم عليها يده وقال‏:‏ ‏(‏‏(‏كلوا بسم الله‏)‏‏)‏‏.‏

قال‏:‏ فأكلنا ما شئنا، ثم رفعنا أيدينا فقال رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم حين وضعت الصحفة‏:‏ ‏(‏‏(‏والذي نفسي بيده، ما أمسى في آل محمد طعام ليس ترونه‏)‏‏)‏‏.‏

قيل لأبي هريرة‏:‏ قدر كم كانت حين فرغتم منها ‏؟‏

قال‏:‏ مثلها حين وضعت إلا أنَّ فيها أثر الأصابع‏.‏

وهذه قصة غير قصة أهل الصّفة المتقدمة في شربهم اللَّبن كما قدمنا‏.‏

حديث آخر عن أبي أيوب في ذلك‏:‏

قال جعفر الفريابي‏:‏ ثنا أبو سلمة يحيى بن خلف، ثنا عبد الأعلى عن سعيد الجريريّ، عن أبي الورد، عن أبي محمد الحضرميّ، عن أبي أيوب الأنصاريّ قال‏:‏ صنعت لرسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم ولأبي بكر طعاماً قدر ما يكفيهما فأتيتهما به‏.‏

فقال رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم‏:‏ ‏(‏‏(‏إذهب فادع لي ثلاثين من أشراف الأنصار‏)‏‏)‏‏.‏

قال‏:‏ فشق ذلك عليّ ما عندي شيء أزيده‏.‏

قال‏:‏ فكأني تثاقلت‏.‏

فقال‏:‏ ‏(‏‏(‏إذهب فادع لي ثلاثين من أشراف الأنصار‏)‏‏)‏ فدعوتهم فجاءوا فقال‏:‏ ‏(‏‏(‏أطعموا‏)‏‏)‏ فأكلوا حتَّى صدروا، ثمَّ شهدوا أنَّه رسول الله ثمَّ بايعوه قبل أن يخرجوا‏.‏

ثمَّ قال‏:‏ ‏(‏‏(‏إذهب فادع لي ستين من أشراف الأنصار‏)‏‏)‏‏.‏

قال أبو أيوب‏:‏ فوالله لأنا بالستين أجود مني بالثلاثين‏.‏

قال‏:‏ فدعوتهم‏.‏

فقال رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم‏:‏ ‏(‏‏(‏تربعوا‏)‏‏)‏ فأكلوا حتى صدروا، ثمَّ شهدوا أنَّه رسول الله، وبايعوه قبل أن يخرجوا‏.‏

قال‏:‏ ‏(‏‏(‏فاذهب فادع لي تسعين من الأنصار‏)‏‏)‏‏.‏

قال‏:‏ فلأنا أجود بالتسعين والستين منيّ بالثلاثين‏.‏

قال‏:‏ فدعوتهم، فأكلوا حتى صدروا، ثمَّ شهدوا أنَّه رسول الله، وبايعوه قبل أن يخرجوا‏.‏

قال‏:‏ فأكل من طعامي ذلك مائة وثمانون رجلاً كلهم من الأنصار‏.‏

وهذا حديث غريب جداً إسناداً ومتناً‏.‏

وقد رواه البيهقيّ من حديث محمد بن أبي بكر المقدمي عن عبد الأعلى به‏.‏

قصة أخرى في تكثير الطَّعام في بيت فاطمة‏:‏

قال الحافظ أبو يعلى‏:‏ ثنا سهل بن الحنظلية، ثنا عبد الله بن صالح، حدَّثني ابن لهيعة عن محمد بن المنكدر، عن جابر أنَّ رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم أقام أياماً لم يطعم طعاماً حتَّى شقَّ ذلك عليه، فطاف في منازل أزواجه فلم يصب عند واحدة منهن شيئاً، فأتى فاطمة فقال‏:‏ ‏(‏‏(‏يا بنية هل عندك شيء آكله فإنِّي جائع‏)‏‏)‏‏.‏

فقالت‏:‏ لا والله بأبي أنت وأمي، فلمَّا خرج من عندها رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم بعثت إليها جارة لها برغيفين وقطعة لحم، فأخذته منها فوضعته في جفنة لها وغطت عليها وقالت‏:‏ والله لأوثرن بهذا رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم على نفسي ومن عندي، وكانوا جميعاً محتاجين إلى شعبة طعام، فبعثت حسناً أو حسيناً إلى رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم فرجع إليها‏.‏

فقالت له‏:‏ بأبي أنت وأمي، قد أتى الله بشيء فخبأته لك‏.‏

قال‏:‏ ‏(‏‏(‏هلمِّي يا بنية‏)‏‏)‏ فكشفت عن الجفنة فإذا هي مملوءة خبزاً ولحماً، فلمَّا نظرت إليها بهتت، وعرفت أنَّها بركة من الله فحمدت الله، وصلَّت على نبيه صلَّى الله عليه وسلَّم وقدمته إلى رسول الله‏.‏

فلمَّا رآه حمد الله وقال‏:‏ ‏(‏‏(‏من أين لك هذا يا بنية‏؟‏‏)‏‏)‏

قالت‏:‏ يا أبت هو من عند الله، إنَّ الله يرزق من يشاء بغير حساب‏.‏

فحمد الله وقال‏:‏ ‏(‏‏(‏الحمد لله الذي جعلك يا بنية شبيهة سيدة نساء بني إسرائيل فإنها كانت إذا رزقها الله شيئاً، فسئلت عنه قالت‏:‏ هو من عند الله، إنَّ الله يرزق من يشاء بغير حساب‏)‏‏)‏ فبعث رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم إلى علي، ثم أكل رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم وعلي وفاطمة، وحسن وحسين، وجميع أزواج رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم وأهل بيته جميعاً حتى شبعوا‏.‏

قالت‏:‏ وبقيت الجفنة كما هي، فأوسعت بقيتها على جميع جيرانها، وجعل الله فيها بركة وخيراً كثيراً‏.‏

وهذا حديث غريب أيضاً إسناداً ومتناً‏.‏

وقد قدَّمنا في أول البعثة حين نزل قوله تعالى‏:‏ ‏(‏‏(‏وأنذر عشيرتك والأقربين‏)‏‏)‏ حديث ربيعة بن ماجد عن علي في دعوته عليه السلام بني هاشم -وكانوا نحواً من أربعين - فقدَّم إليهم طعاماً من مد فأكلوا حتَّى شبعوا وتركوه كما هو، وسقاهم من عس شراباً حتى رووا وتركوه كما هو ثلاثة أيام متتابعة، ثمَّ دعاهم إلى الله كما تقدَّم‏.‏

قصة أخرى في بيت رسول الله -صلَّى الله عليه وسلَّم -‏:‏

قال الإمام أحمد‏:‏ ثنا علي بن عاصم، ثنا سليمان التيميّ عن أبي العلاء بن الشَّخير، عن سمرة بن جندب قال‏:‏ بينما نحن عند النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم إذ أتى بقصعة فيها ثريد‏.‏

قال‏:‏ فأكل وأكل القوم، فلم يزالوا يتداولونها إلى قريب من الظُّهر، يأكل قوم ثم يقومون، ويجيء قوم فيتعاقبونه‏.‏

قال‏:‏ فقال له رجل‏:‏ هل كانت تمد بطعام ‏؟‏

قال‏:‏ أما من الأرض فلا إلا أن تكون كانت تمدُّ من السَّماء‏.‏

ثم رواه أحمد عن يزيد بن هارون، عن سليمان، عن أبي العلاء، عن سمرة أنَّ رسول الله أتى بقصعة فيها ثريد، فتعاقبوها إلى الظُّهر من غدوة يقوم ناس ويقعد آخرون‏.‏

قال له رجل‏:‏ هل كانت تمد ‏؟‏

فقال‏:‏ له فمن أين تعجب، ما كانت تمد إلا من ههنا، وأشار إلى السَّماء‏.‏

وقد رواه التّرمذيّ والنَّسائي أيضاً من حديث معتمر بن سليمان عن أبيه، عن أبي العلاء - واسمه يزيد بن عبد الله بن الشخير -، عن سمرة بن جندب به‏.‏



قصة قصعة بيت الصِّديق‏:‏

ولعلها هي القصة المذكورة في حديث سمرة، والله أعلم‏.‏

قال البخاريّ‏:‏ ثنا موسى بن إسماعيل، ثنا معتمر عن أبيه، ثنا عثمان أنَّه حدثه عبد الرَّحمن ابن أبي بكر رضي الله عنهما أنَّ أصحاب الصفة كانوا أناساً فقراء، وأنَّ النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم قال مرة‏:‏ ‏(‏‏(‏من كان عنده طعام اثنين فليذهب بثالث، ومن كان عنده طعام أربعة فليذهب بخامس أو سادس - أو كما قال -‏)‏‏)‏ وأن أبا بكر جاء بثلاثة، وانطلق النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم بعشرة وأبو بكر بثلاثة‏.‏

قال‏:‏ فهو أنا وأبي وأمي، ولا أدري هل قال‏:‏ امرأتي وخادمي من بيتنا وبيت أبي بكر، وإنَّ أبا بكر تعشَّى عند النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم، ثمَّ لبث حتى صلَّى العشاء، ثمَّ رجع فلبث حتَّى تعشَّى رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم، فجاء بعد ما مضى من اللَّيل ما شاء الله‏.‏

قالت له امرأته‏:‏ ما حبسك عن أضيافك أو ضيفك ‏؟‏

قال‏:‏ أو ما عشَّيتهم ‏؟‏

قالت‏:‏ أبوا حتَّى تجيء، قد عرضوا عليهم فغلبوهم‏.‏

فذهبت فاختبأت فقال‏:‏ يا غنثر - فجدع وسب - وقال‏:‏ كلوا‏.‏

وقال‏:‏ لا أطعمه أبداً، والله ما كنَّا نأخذ من لقمة إلا ربا من أسفلها أكثر منها، حتَّى شبعوا وصارت أكثر مما كانت قبل، فنظر أبو بكر فأخذه هي شيء أو أكثر، فقال لامرأته‏:‏ ما هذا يا أخت بني فراس ‏؟‏

قالت‏:‏ لا وقرة عيني هي الآن أكثر مما قبل بثلاث مرار‏.‏

فأكل منها أبو بكر وقال‏:‏ إنما كان الشَّيطان - يعني‏:‏ يمينه -، ثمَّ أكل منها لقمة، ثمَّ حملها إلى النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم فأصبحت عنده، وكان بيننا وبين قوم عهد فمضى الأجل فعرفنا اثني عشر رجلاً مع كل رجل منهم أناس الله أعلم كم مع كل رجل غير أنه بعث معهم‏.‏

قال‏:‏ فأكلوا منها أجمعون، أو كما قال‏:‏ وغيرهم يقول‏:‏ فتفرقنا‏.‏

هذا لفظه، وقد رواه في مواضع أخر من صحيحه، ومسلم من غير وجه عن أبي عثمان عبد الرَّحمن بن مل النهدي، عن عبد الرَّحمن ابن أبي بكر‏.‏

حديث آخر عن عبد الرَّحمن ابن أبي بكر في هذا المعنى‏:‏

قال الإمام أحمد‏:‏ ثنا حازم، ثنا معتمر بن سليمان عن أبيه، عن أبي عثمان، عن عبد الرَّحمن ابن أبي بكر أنَّه قال‏:‏ كنَّا مع رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم ثلاثين ومائة‏.‏

فقال النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم‏:‏ ‏(‏‏(‏هل مع أحد منكم طعام‏؟‏‏)‏‏)‏

فإذا مع رجل صاع من طعام أو نحوه، فعجن، ثمَّ جاء رجل مشرك مشعان طويل بغنم يسوقها‏.‏

فقال النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم‏:‏ ‏(‏‏(‏أبيعاً أم عطية‏؟‏ - أو قال‏:‏ - أم هدية‏؟‏‏)‏‏)‏

قال‏:‏ لا بل بيع، فاشترى منه شاة فصنعت‏.‏

وأمر النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم بسواد البطن أن يشوى‏.‏

قال‏:‏ وأيم الله ما من الثلاثين والمائة، إلا قد حز له رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم حزة من سواد بطنها إن كان شاهداً أعطاه إياه، وإن كان غائباً خبأ له‏.‏

قال‏:‏ وجعل منها قصعتين قال‏:‏ فأكلنا منهما أجمعون وشبعنا، وفضل في القصعتين فجعلناه على البعير، أو كما قال‏.‏

وقد أخرجه البخاريّ، ومسلم من حديث معتمر بن سليمان‏.‏

حديث آخر في تكثير الطَّعام في السَّفر

قال الإمام أحمد‏:‏ حدَّثنا فزارة بن عمر، أنَّا فليح عن سهيل ابن أبي صالح، عن أبيه، عن أبي هريرة قال‏:‏ خرج رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم في غزوة غزاها، فأرمل فيها المسلمون واحتاجوا إلى الطَّعام، فاستأذنوا رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم في نحر الإبل فأذن لهم، فبلغ ذلك عمر بن الخطَّاب رضي الله عنه‏.‏

قال‏:‏ فجاء فقال‏:‏ يا رسول الله إبلهم تحملهم وتبلغهم عدوهم ينحرونها‏؟‏ أدع يا رسول الله بغبرات الزَّاد، فادع الله عزَّ وجل فيها بالبركة‏.‏

قال‏:‏ ‏(‏‏(‏أجل‏)‏‏)‏ فدعا بغبرات الزَّاد، فجاء النَّاس بما بقي معهم فجمعه، ثمَّ دعا الله عزَّ وجل فيه بالبركة، ودعاهم بأوعيتهم فملأها وفضل فضل كثير‏.‏

فقال رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم عند ذلك‏:‏ ‏(‏‏(‏أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أني عبد الله ورسوله، ومن لقي الله عزَّ وجل بهما غير شاك دخل الجنة‏)‏‏)‏‏.‏

وكذلك رواه جعفر الفريابيّ عن أبي مصعب الزُّهريّ، عن عبد العزيز ابن أبي حازم، عن أبيه سهيل به‏.‏

ورواه مسلم، والنسائي جميعاً عن أبي بكر ابن أبي النضر، عن أبيه، عن عبيد الله الأشجعيّ، عن مالك بن مغول، عن طلحة بن مصرف، عن أبي صالح، عن أبي هريرة به‏.‏

وقال الحافظ أبو يعلى الموصليّ‏:‏ ثنا زهير، ثنا أبو معاوية عن الأعمش، عن أبي صالح سعيد، أو عن أبي هريرة - شكَّ الأعمش - قال‏:‏ لما كانت غزوة تبوك أصاب النَّاس مجاعة فقالوا‏:‏ يا رسول الله لو أذنت لنا فنحرنا نواضحنا فأكلنا، وادهنا ‏؟‏

فقال‏:‏ ‏(‏‏(‏إفعلوا‏)‏‏)‏‏.‏

فجاء عمر فقال‏:‏ يا رسول الله إن فعلوا قلَّ الظَّهر، ولكن أدعهم بفضل أزوادهم، ثمَّ أدع لهم عليها بالبركة لعلَّ الله أن يجعل في ذلك البركة‏.‏

فأمر رسول الله بنطع فبسط، ودعا بفضل أزوادهم قال‏:‏ فجعل الرَّجل يجيء بكفّ التَّمر، والآخر بالكسرة حتى اجتمع على النطع شيء من ذلك يسير، فدعا عليهم بالبركة ثم قال‏:‏ ‏(‏‏(‏خذوا في أوعيتكم‏)‏‏)‏ فأخذوا في أوعيتهم حتى ما تركوا في العسكر وعاء إلا ملأه، وأكلوا حتى شبعوا وفضلت فضلة‏.‏

فقال رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم‏:‏ ‏(‏‏(‏أشهد أن لا إله إلا الله، وأني رسول الله، لا يلقى الله بها عبد غير شاك فتحتجب عنه الجنَّة‏)‏‏)‏‏.‏

وهكذا رواه مسلم أيضاً عن سهل ابن عثمان وأبي كريب، كلاهما عن أبي معاوية، عن الأعمش، عن أبي صالح، عن أبي سعيد، وأبي هريرة فذكر مثله‏.‏

حديث آخر في هذه القصة‏:‏


قال الإمام أحمد‏:‏ ثنا علي بن إسحاق، ثنا عبد الله - هو ابن المبارك -، أنَّا الأوزاعيّ، أنَّا المطلب بن حنطب المخزوميّ، حدَّثني عبد الرَّحمن ابن أبي عمرة الأنصاريّ، حدَّثني أبي قال‏:‏ كنَّا مع رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم في غزاة، فأصاب النَّاس مخمصة، فاستأذن النَّاس رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم في نحر بعض ظهورهم وقالوا‏:‏ يبلغنا الله به‏.‏

فلمَّا رأى عمر بن الخطَّاب أنَّ رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم قد همَّ أن يأذن لهم في نحر بعض ظهورهم‏.‏

قال‏:‏ يا رسول الله كيف بنا إذا نحن لقينا العدو غداً جياعاً رجالاً‏؟‏ ولكن إن رأيت يا رسول الله أن تدعو لنا ببقايا أزوادهم وتجمعها، ثمَّ تدعو الله فيها بالبركة فإنَّ الله سيبلغنا بدعوتك، أو سيبارك لنا في دعوتك، فدعا النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم ببقايا أزوادهم، فجعل النَّاس يجيئون بالحبة من الطَّعام وفوق ذلك، فكان أعلاهم من جاء بصاع من تمر، فجمعها رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم ثمَّ قام فدعا ما شاء الله أن يدعو، ثمَّ دعا الجيش بأوعيتهم وأمرهم أن يحتثوا، فما بقي في الجيش وعاء إلا ملأوه وبقي مثله، فضحك رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم حتى بدت نواجذه وقال‏:‏ ‏(‏‏(‏أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أني رسول الله، لا يلقى الله عبد يؤمن بهما إلا حجبت عنه النَّار يوم القيامة‏)‏‏)‏‏.‏

وقد رواه النَّسائي من حديث عبد الله بن المبارك بإسناده نحو ما تقدم‏.‏

حديث آخر في هذه القصة‏:‏

قال الحافظ أبو بكر البزَّار‏:‏ ثنا أحمد بن المعلى الآدميّ، ثنا عبد الله بن رجاء، ثنا سعيد بن سلمة، حدَّثني أبو بكر - أظنَّه من ولد عمر بن الخطَّاب -عن إبراهيم بن عبد الرَّحمن ابن أبي ربيعة أنَّه سمع أبا خنيس الغفاريّ أنَّه كان مع رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم في غزوة تهامة حتَّى إذا كنَّا بعسفان جاءه أصحابه فقالوا‏:‏ يا رسول الله جهدنا الجوع، فأذن لنا في الظَّهر أن نأكله‏.‏

قال‏:‏ ‏(‏‏(‏نعم‏)‏‏)‏‏.‏

فأُخبر بذلك عمر بن الخطَّاب، فجاء رسول الله فقال‏:‏ يا نبي الله ما صنعت‏؟‏ أمرت النَّاس أن ينحروا الظَّهر فعلى ما يركبون‏؟‏

قال‏:‏ ‏(‏‏(‏فما ترى يا ابن الخطَّاب‏؟‏‏)‏‏)‏

قال‏:‏ أرى أن تأمرهم أن يأتوا بفضل أزوادهم فتجمعه في ثوب ثمَّ تدعو لهم، فأمرهم، فجمعوا فضل أزوادهم في ثوب ثمَّ دعا لهم ثمَّ قال‏:‏ ‏(‏‏(‏إئتوا بأوعيتكم‏)‏‏)‏ فملأ كل إنسان وعاءه، ثمَّ أذن بالرَّحيل، فلما جاوز مطروا فنزل ونزلوا معه وشربوا من ماء السَّماء، فجاء ثلاثة نفر فجلس إثنان مع رسول الله، وذهب الآخر معرضاً‏.‏

فقال رسول الله‏:‏ ‏(‏‏(‏ألا أخبركم عن النَّفر الثلاثة‏:‏ أما واحد فاستحى من الله فاستحى الله منه، وأما الآخر فأقبل تائباً فتاب الله عليه، وأما الآخر فأعرض فأعرض الله عنه‏)‏‏)‏

ثمَّ قال البزَّار‏:‏ لا نعلم روى أبو خنيس إلا هذا الحديث بهذا الإسناد‏.‏

وقد رواه البيهقيّ عن الحسين بن بشران، عن أبي بكر الشَّافعي، ثنا إسحاق بن الحسن الخرزي، أنَّا أبو رجاء، ثنا سعيد بن سلمة، حدَّثني أبو بكر بن عمرو بن عبد الرَّحمن بن عبد الله بن عمر بن الخطَّاب، عن إبراهيم بن عبد الرِّحمن بن عبد الله ابن أبي ربيعة أنَّه سمع أبا خنيس الغفاريّ فذكره‏.‏

حديث آخر عن عمر بن الخطَّاب في هذه القصة‏:‏

قال الحافظ أبو يعلى‏:‏ ثنا ابن هشام - محمد بن يزيد الرفاعي - ثنا ابن فضل، ثنا يزيد - وهو ابن أبي زياد - عن عاصم بن عبيد الله بن عاصم، عن أبيه، عن جده عمر قال‏:‏ كنَّا مع رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم في غزاة‏.‏


فقلنا‏:‏ يا رسول الله إنَّ العدو قد حضر وهم شباع، والنَّاس جياع‏.‏

فقالت الأنصار‏:‏ ألا ننحر نواضحنا فنطعمها النَّاس ‏؟‏

فقال رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم -‏:‏ ‏(‏‏(‏من كان معه فضل طعام فليجيء به‏)‏‏)‏ فجعل الرَّجل يجيء بالمد والصاع وأقل وأكثر، فكان جميع ما في الجيش بضعاً وعشرين صاعاً، فجلس النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم إلى جنبه فدعا بالبركة‏.‏

فقال النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم‏:‏ ‏(‏‏(‏خذوا ولا تنتهبوا‏)‏‏)‏ فجعل الرَّجل يأخذ في جرابه، وفي غرارته، وأخذوا في أوعيتهم حتى أنَّ الرَّجل ليربط كم قميصه فيملؤه، ففرغوا والطَّعام كما هو‏.‏

ثم قال النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم‏:‏ ‏(‏‏(‏أشهد أن لا إله إلا الله، وإني رسول الله، لا يأتي بها عبد محق إلا وقاه الله حرَّ النَّار‏)‏‏)‏

ورواه أبو يعلى أيضاً عن إسحاق بن إسمعيل الطالقاني، عن جرير، عن يزيد ابن أبي زياد فذكره، وما قبلة شاهد له بالصِّحة، كما أنَّه متابع لما قبله، والله أعلم‏.‏

حديث آخر عن سلمة بن الأكوع في ذلك‏:‏

قال الحافظ أبو يعلى‏:‏ ثنا محمد بن بشَّار، ثنا يعقوب بن إسجاق الحضرميّ القاريّ، ثنا عكرمة بن عمار عن إياس بن سلمة عن أبيه قال‏:‏ كنَّا مع رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم في غزوة خيبر، فأمرنا أن نجمع ما في أزوادنا - يعني من التَّمر - فبسط نطعاً نشرنا عليه أزوادنا‏.‏

قال‏:‏ فتمطيت فتطاولت فنظرت فحزرته كربضة شاة، ونحن أربع عشرة مائة‏.‏

قال‏:‏ فأكلنا، ثمَّ تطاولت فنظرت فحزرته كربضة شاة‏.‏

وقال رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم‏:‏ ‏(‏‏(‏هل من وضوء‏؟‏‏)‏‏)‏

قال‏:‏ فجاء رجل بنقطة في إداوته‏.‏

قال‏:‏ فقبضها فجعلها في قدح‏.‏

قال‏:‏ فتوضأنا كلنا ندغفقها دغفقة، ونحن أربع عشرة مائة‏.‏

قال‏:‏ فجاء أناس فقالوا‏:‏ يا رسول الله ألا وضوء ‏؟‏

فقال‏:‏ ‏(‏‏(‏قد فرغ الوضوء‏)‏‏)‏‏.‏

وقد رواه مسلم عن أحمد بن يوسف السلميّ، عن النضر بن محمد، عن عكرمة بن عمار، عن إياس، عن أبيه سلمة وقال‏:‏ فأكلنا حتى شبعنا، ثمَّ حشونا جربنا‏.‏

وتقدَّم ما ذكره ابن إسحاق في حفر الخندق حيث قال‏:‏ حدَّثني سعيد بن ميناء أنَّه قد حدِّث أنَّ ابنة لبشير بن سعد - أخت النُّعمان بن بشير - قالت‏:‏ دعتني أمي عمرة بنت رواحة، فأعطتني جفنة من تمر في ثوبي ثم قالت‏:‏ أي بنية اذهبي إلى أبيك وخالك عبد الله بغدائهما‏.‏

قالت‏:‏ فأخذتها فانطلقت بها فمررت برسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم وأنا ألتمس أبي وخالي‏.‏

فقال‏:‏ ‏(‏‏(‏تعالي يا بنية ما هذا معك‏؟‏‏)‏‏)‏


قالت‏:‏ قلت‏:‏ يا رسول الله هذا تمر بعثتني به أمي إلى أبي بشير بن سعد، وخالي عبد الله بن رواحة يتغديانه‏.‏

فقال‏:‏ ‏(‏‏(‏هاتيه‏)‏‏)‏‏.‏

قالت‏:‏ فصببته في كفَّي رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم فما ملأتهما، ثمَّ أمر بثوب فبسط له، ثمَّ دعا بالتَّمر فنبذ فوق الثوب، ثم قال لإنسان عنده‏:‏ ‏(‏‏(‏إصرخ في أهل الخندق أن هلم إلى الغداء‏)‏‏)‏ فاجتمع أهل الخندق عليه، فجعلوا يأكلون منه، وجعل يزيد حتى صدر أهل الخندق عنه، وإنَّه ليسقط من أطراف الثوب‏.‏

قصة جابر ودين أبيه وتكثيره عليه السلام التَّمر‏:‏

قال البخاري في ‏(‏دلائل النبوة‏)‏‏:‏ حدَّثنا أبو نعيم، ثنا زكريا، حدَّثني عامر، حدَّثني جابر أنَّ أباه توفي وعليه دين، فأتيت النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم فقلت‏:‏ إنَّ أبي ترك عليه ديناً وليس عندي إلا ما يخرج نخله، ولا يبلغ ما يخرج سنين ما عليه، فانطلق معي لكيلا يفحش علي الغرماء، فمشى حول بيدر من بيادر التَّمر فدعا ثمَّ آخر، ثمَّ جلس عليه فقال‏:‏ ‏(‏‏(‏إنزعوه‏)‏‏)‏ فأوفاهم الذي لهم، وبقي مثل ما أعطاهم‏.‏

هكذا رواه هنا مختصراً، وقد أسنده من طرق عن عامر بن شراحيل الشعبيّ عن جابر به‏.‏

وهذا الحديث قد روي من طرق متعددة عن جابر بألفاظ كثيرة، وحاصلها أنَّه ببركة رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم ودعائه له، ومشيه في حائطه، وجلوسه على تمره، وفَّى الله دين أبيه وكان قد قتل بأحد، وجابر كان لا يرجوه وفاءه في ذلك العام ولا ما بعده، ومع هذا فضل له من التَّمر أكثر فوق ما كان يؤمله ويرجوه، ولله الحمد والمنة‏.‏

قصة سلمان‏:‏

في تكثيره صلَّى الله عليه وسلَّم تلك القطعة من الذَّهب لوفاء دينه في مكاتبته‏:‏

قال الإمام أحمد‏:‏ حدَّثنا يعقوب، حدَّثنا أبي عن ابن إسحاق، حدَّثني يزيد ابن أبي حبيب، عن رجل من عبد القيس عن سلمان قال‏:‏ لما قلت‏:‏ وأين تقع هذه من الذي علي يا رسول الله ‏؟‏

أخذها رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم فقلبها على لسانه ثمَّ قال‏:‏ ‏(‏‏(‏خذها فأوفهم منها‏)‏‏)‏‏.‏

فأخذتها فأوفيتهم منها حقهم أربعين أوقية‏.‏

ذكر مزود أبي هريرة وتمرة‏:‏

قال الإمام أحمد‏:‏ حدَّثنا يونس، حدَّثنا حماد - يعني ابن زيد - عن المهاجر، عن أبي العالية، عن أبي هريرة قال‏:‏ أتيت رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم يوماً بتمرات‏.‏

فقال‏:‏ قلت‏:‏ أدع الله لي فيهن بالبركة‏.‏

قال‏:‏ فصفَّهنَّ بين يديه، ثمَّ دعا فقال لي‏:‏ ‏(‏‏(‏إجعلهنَّ في مزود، وأدخل يدك ولا تنثره‏)‏‏)‏‏.‏

قال‏:‏ فحملت منه كذا كذا وسقاً في سبيل الله ونأكل ونطعم، وكان لا يفارق حقوي، فلمَّا قتل عثمان رضي الله عنه انقطع عن حقوي فسقط‏.‏

ورواه التّرمذيّ عن عمران بن موسى القزاز البصريّ، عن حماد بن زيد، عن المهاجر، عن أبي مخلد، عن رفيع أبي العالية عنه، وقال التّرمذيّ‏:‏ حسن غريب من هذا الوجه‏.‏


طريق أخرى عنه‏:‏

قال الحافظ أبو بكر البيهقيّ‏:‏ أخبرنا أبو الفتح هلال بن محمد بن جعفر الحفَّار، أنَّا الحسين بن يحيى بن عبَّاس القطَّان، ثنا حفص بن عمر، ثنا سهل بن زياد، ثنا أيوب السختيانيّ عن محمد بن سيرين، عن أبي هريرة قال‏:‏ كان رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم في غزاة فأصابهم عوز من الطَّعام‏.‏

فقال‏:‏ ‏(‏‏(‏يا أبا هريرة عندك شيء‏؟‏‏)‏‏)‏

قال‏:‏ قلت‏:‏ شيء من تمر في مزود لي‏.‏

قال‏:‏ ‏(‏‏(‏جيء به‏)‏‏)‏‏.‏

قال‏:‏ فجئت بالمزود‏.‏

قال‏:‏ ‏(‏‏(‏هات نطعاً‏)‏‏)‏ فجئت بالنَّطع فبسطته، فأدخل يده فقبض على التَّمر فأخذه هو واحد وعشرون ثم قال‏:‏ ‏(‏‏(‏بسم الله‏)‏‏)‏ فجعل يضع كل تمرة ويسمي حتى أتى على التَّمر فقال به هكذا فجمعه‏.‏

فقال‏:‏ ‏(‏‏(‏أدع فلاناً وأصحابه‏)‏‏)‏ فأكلوا حتى شبعوا وخرجوا‏.‏

ثمَّ قال‏:‏ ‏(‏‏(‏أدع فلاناً وأصحابه‏)‏‏)‏ فأكلوا حتى شبعوا، وخرجوا‏.‏

ثمَّ قال‏:‏ ‏(‏‏(‏أدع فلاناً وأصحابه‏)‏‏)‏ فأكلوا، وشبعوا، وخرجوا‏.‏

ثم قال‏:‏ ‏(‏‏(‏أدع فلاناً وأصحابه‏)‏‏)‏ فأكلوا وشبعوا وخرجوا وفضل‏.‏

ثم قال لي‏:‏ ‏(‏‏(‏أقعد‏)‏‏)‏ فقعدت فأكل وأكلت‏.‏

قال‏:‏ وفضل تمر فأدخلته في المزود‏.‏

وقال لي‏:‏ ‏(‏‏(‏يا أبا هريرة إذا أردت شيئاً فأدخل يدك وخذه، ولا تكفي فيكفى عليك‏)‏‏)‏‏.‏

قال‏:‏ فما كنت أريد تمراً إلا أدخلت يدي فأخذت منه، خمسين وسقاً في سبيل الله‏.‏

قال‏:‏ وكان معلقاً خلف رحلي، فوقع في زمن عثمان فذهب‏.‏

طريق أخرى عن أبي هريرة في ذلك‏:‏

روى البيهقيّ من طريقين عن سهل بن أسلم العدويّ، عن يزيد ابن أبي منصور، عن أبيه، عن أبي هريرة قال‏:‏ أصبت بثلاث مصيبات في الإسلام لم أصب بمثلهن‏:‏ موت رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم وكنت صويحبه، وقتل عثمان والمزود‏.‏

قالوا‏:‏ وما المزود يا أبا هريرة ‏؟‏

قال‏:‏ كنَّا مع رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم في سفر فقال‏:‏ ‏(‏‏(‏يا أبا هريرة أمعك شيء‏؟‏‏)‏‏)‏

قال‏:‏ قلت‏:‏ تمر في مزود‏.‏

قال‏:‏ ‏(‏‏(‏جيء به‏)‏‏)‏


فأخرجت تمراً فأتيته به قال‏:‏ فمسَّه ودعا فيه‏.‏

قال‏:‏ ‏(‏‏(‏أدع عشرة‏)‏‏)‏ فدعوت عشرة فأكلوا حتَّى شبعوا، ثمَّ كذلك حتى أكل الجيش كله، وبقي من التَّمر معي في المزود‏.‏

فقال‏:‏ ‏(‏‏(‏يا أبا هريرة إذا أردت أن تأخذ منه شيئاً فأدخل يدك فيه، ولا تكفه‏)‏‏)‏‏.‏

قال‏:‏ فأكلت منه حياة النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم، وأكلت منه حياة أبي بكر كلها، وأكلت منه حياة عمر كلها، وأكلت منه حياة عثمان كلها، فلمَّا قتل عثمان انتهب ما في يدي وانتهب المزود، ألا أخبركم كم أكلت منه‏؟‏ أكلت منه أكثر من مائتي وسق‏.‏

طريق أخرى‏:‏

قال الإمام أحمد‏:‏ حدَّثنا أبو عامر، ثنا إسمعيل - يعني ابن مسلم - عن أبي المتوكل، عن أبي هريرة قال‏:‏ أعطاني رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم شيئاً من تمر، فجعلته في مكتل فعلقناه في سقف البيت، فلم نزل نأكل منه حتى كان آخره إصابة أهل الشَّام حيث أغاروا بالمدينة‏.‏

تفرَّد به أحمد‏.‏

حديث عن العرباض بن سارية في ذلك‏:‏

رواه الحافظ بن عساكر في ترجمته من طريق محمد بن عمر الوافدي‏:‏ حدَّثني ابن أبي سبرة، عن موسى بن سعد، عن العرباض قال‏:‏ كنت ألزم باب رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم في الحضر والسَّفر، فرأينا ليلة ونحن بتبوك أو ذهبنا لحاجة فرجعنا إلى رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم وقد تعشَّى ومن عنده فقال‏:‏ ‏(‏‏(‏أين كنت منذ الليلة‏؟‏‏)‏‏)‏

فأخبرته، وطلع جعال بن سراقة، وعبد الله بن معقل المزنيّ فكنَّا ثلاثة كلنا جائع فدخل رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - بيت أم سلمة فطلب شيئاً نأكله فلم يجده، فنادى بلالاً‏:‏ ‏(‏‏(‏هل من شيء‏؟‏‏)‏‏)‏

فأخذ الجرب ينقفها، فاجتمع سبع تمرات فوضعها في صحفة ووضع عليهن يده وسمى الله وقال‏:‏ ‏(‏‏(‏كلوا باسم الله‏)‏‏)‏‏.‏

فأكلنا، فأحصيت أربعاً وخمسين تمرة، كلَّها أعدها ونواها في يدي الأخرى، وصاحباي يصنعان ما أصنع، فأكل كل منهما خمسين تمرة، ورفعنا أيدينا فإذا التَّمرات السبع كما هن فقال‏:‏ ‏(‏‏(‏يا بلال ارفعهن في جرابك‏)‏‏)‏‏.‏

فلما كان الغد وضعهنَّ في الصحفة وقال‏:‏ ‏(‏‏(‏كلوا بسم الله‏)‏‏)‏ فأكلنا حتى شبعنا، وإنا لعشرة، ثمَّ رفعنا أيدينا وإنهن كما هنَّ سبع فقال‏:‏ ‏(‏‏(‏لولا أني أستحي من ربي عزَّ وجل لأكلت من هذه التَّمرات حتى نرد إلى المدينة عن آخرنا‏)‏‏)‏‏.‏

فلما رجع إلى المدينة طلع غليم من أهل المدينة، فدفعهنَّ إلى ذلك الغلام فانطلق يلوكهنَّ‏.‏

حديث آخر‏:‏

روى البخاري ومسلم من حديث أبي أسامة عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة قالت له‏:‏ لقد توفي رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم وما في بيتي شيء يأكله ذو كبد إلا شطر شعير في رف لي، فأكلت منه حتَّى طال عليَّ فكلته، ففني‏.‏

حديث آخر‏:‏


روى مسلم في صحيحه عن سلمة بن شبيب، عن الحسن بن أعين، عن معقل، عن أبي الزُّبير، عن جابر أنَّ رجلاً أتى النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم يستطعمه فأطعمه شطر وسق شعير، فما زال الرَّجل يأكل منه وامرأته وضيفهما حتى كاله، فأتى النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم فقال‏:‏ ‏(‏‏(‏لو لم تكله لأكلتم منه، ولقام لكم‏)‏‏)‏‏.‏

وبهذا الإسناد عن جابر أنَّ أم مالك كانت تهدي إلى رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم في عكتها سمناً، فيأتيها بنوها فيسألون الأدم وليس عندها شيء فتعمد إلى التي كانت تهدي فيه إلى رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم فتجد فيه سمناً، فما زال يقيم لها أدم بيتها حتى عصرتها، فأتت رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم فقال‏:‏ ‏(‏‏(‏أعصرتيها‏؟‏‏)‏‏)‏

قالت‏:‏ نعم‏.‏

فقال‏:‏ ‏(‏‏(‏لو تركتيها ما زالت قائمة‏)‏‏)‏‏.‏

وقد رواهما الإمام أحمد عن موسى، عن ابن لهيعة، عن أبي الزُّبير، عن جابر‏.‏

حديث آخر‏:‏

قال البيهقيّ‏:‏ أنَّا أبو عبد الله الحافظ، أنَّا أبو جعفر البغداديّ، ثنا يحيى بن عثمان بن صالح، ثنا حسَّان بن عبد الله، ثنا ابن لهيعة، ثنا يونس بن يزيد، ثنا أبو إسحاق عن سعيد بن الحرث بن عكرمة، عن جده نوفل بن الحرث بن عبد المطَّلب أنَّه استعان رسول الله في التَّزويج فأنكحه امرأة فالتمس شيئاً فلم يجده، فبعث رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم أبا رافع وأبا أيُّوب بدرعه فرهناها عند رجل من اليهود بثلاثين صاعاً من شعير، فدفعه رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم إليه‏.‏

قال‏:‏ فطعمنا منه نصف سنة، ثمَّ كلناه فوجدناه كما أدخلناه‏.‏

قال نوفل‏:‏ فذكرت ذلك لرسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم فقال‏:‏ ‏(‏‏(‏لو لم تكله لأكلت منه ما عشت‏)‏‏)‏‏.‏

حديث آخر‏:‏

قال الحافظ البيهقيّ في‏(‏الدَّلائل‏)‏‏:‏ أنَّا عبد الله بن يوسف الأصبهانيّ، أنَّا أبو سعيد بن الأعرابيّ، ثنا عبَّاس بن محمد الدوريّ، أنَّا أحمد بن عبد الله بن يونس، أنَّا أبو بكر ابن عيَّاش عن هشام - يعني‏:‏ ابن حسَّان -، عن ابن سيرين، عن أبي هريرة قال‏:‏ أتى رجل أهله فرأى ما بهم من الحاجة فخرج إلى البريَّة‏.‏

فقالت امرأته‏:‏ اللَّهم ارزقنا ما نعتجن ونختبز‏.‏

قال‏:‏ فإذا الجفنة ملأى خميراً، والرَّحى تطحن، والتَّنُّور ملأى خبزاً وشواءً‏.‏

قال‏:‏ فجاء زوجها فقال‏:‏ عندكم شيء ‏؟‏

قالت‏:‏ نعم رزق الله، فرفع الرَّحى فكنس ما حوله، فذكر ذلك للنبي صلَّى الله عليه وسلَّم فقال‏:‏ ‏(‏‏(‏لو تركها لدارت إلى يوم القيامة‏)‏‏)‏‏.‏

وأخبرنا علي بن أحمد بن عبدان‏:‏ أنَّا أحمد بن عبيد الصفار، ثنا أبو إسمعيل التّرمذيّ، ثنا أبو صالح عبد الله بن صالح، حدَّثني اللَّيث بن سعد، عن سعيد ابن أبي سعيد المقبريّ، عن أبي هريرة أنَّ رجلاً من الأنصار كان ذا حاجة فخرج وليس عند أهله شيء فقالت امرأته‏:‏ لو حرَّكت رحاي وجعلت في تنوري سعفات، فسمع جيراني صوت الرَّحى ورأوا الدُّخان فظنُّوا أنَّ عندنا طعاماً وليس بنا خصاصة، فقامت إلى تنورها فأوقدته وقعدت تحرك الرَّحا‏.‏

قال‏:‏ فأقبل زوجها وسمع الرَّحا، فقامت إليه لتفتح له الباب‏.‏


فقال‏:‏ ماذا كنت تطحنين ‏؟‏

فأخبرته فدخلا وإنَّ رحاهما لتدور، وتصب دقيقاً، فلم يبق في البيت وعاء إلا ملئ، ثمَّ خرجت إلى تنورها فوجدته مملوءاً خبزاً، فأقبل زوجها فذكر ذلك للنبي صلَّى الله عليه وسلَّم قال‏:‏ ‏(‏‏(‏فما فعلت الرَّحا‏؟‏‏)‏‏)‏

قال‏:‏ رفعتها ونفضتها‏.‏

فقال رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم‏:‏ ‏(‏‏(‏لو تركتموها ما زالت لكم حياتي - أو قال‏:‏ - حياتكم‏)‏‏)‏‏.‏

وهذا الحديث غريب سنداً ومتناً‏.‏

حديث آخر‏:‏

وقال مالك عن سهيل ابن أبي صالح، عن أبيه، عن أبي هريرة أنَّ رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم ضافه ضيف كافر فأمر بشاة فحلبت فشرب حلابها، ثمَّ أخرى فشرب حلابها، ثم أخرى فشرب حلابها، حتَّى شرب حلاب سبع شياه، ثمَّ إنَّه أصبح فأسلم، فأتى رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم فأمر له بشاة فحلبت فشرب حلابها، ثمَّ أمر له بأخرى فلم يستتمها‏.‏

فقال رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم‏:‏ ‏(‏‏(‏إنَّ المسلم يشرب في معاً واحدٍ، والكافر يشرب في سبعة أمعاء‏)‏‏)‏‏.‏

ورواه مسلم من حديث مالك‏.‏

حديث آخر‏:‏

قال الحافظ البيهقيّ‏:‏ أخبرنا علي بن أحمد بن عبدان، ثنا أحمد بن عبيد الصفار، حدَّثني محمد بن الفضل بن حاتم، ثنا الحسين بن عبد الأوَّل، ثنا حفص بن غياث، ثنا الأعمش، عن أبي صالح، عن أبي هريرة قال‏:‏ ضاف النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم أعرابي قال‏:‏ فطلب له شيئاً فلم يجد إلا كسرة في كوة قال‏:‏ فجزأها رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم أجزاء ودعا عليها وقال‏:‏ ‏(‏‏(‏كُل‏)‏‏)‏‏.‏

قال‏:‏ فأكل فأفضل‏.‏

قال‏:‏ فقال‏:‏ يا محمد إنَّك لرجل صالح‏.‏

فقال له النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم‏:‏ ‏(‏‏(‏أسلم‏)‏‏)‏‏.‏

فقال‏:‏ إنَّك لرجل صالح‏.‏

ثمَّ رواه البيهقيّ من حديث سهل بن عثمان عن حفص بن غياث بإسناده نحوه‏.‏

حديث آخر‏:‏

قال الحافظ البيهقيّ‏:‏ أنَّا أبو عبد الله الحافظ، أنَّا أبو علي الحسين بن علي الحافظ قال‏:‏ وفيما ذكر عبدان الأهوازيّ، ثنا محمد بن زياد البرجميّ، ثنا عبيد الله بن موسى عن مسعر، عن زبيد، عن مرة، عن عبد الله بن مسعود قال‏:‏ أضاف النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم ضيف، فأرسل إلى أزواجه يبتغي عندهنَّ طعاماً فلم يجد عند واحدة منهنَّ شيئاً فقال‏:‏ ‏(‏‏(‏اللَّهم إني أسألك من فضلك ورحمتك، فإنَّه لا يملكها إلا أنت‏)‏‏)‏‏.‏

قال‏:‏ فأهديت له شاة مصليَّة‏.‏


فقال‏:‏ ‏(‏‏(‏هذا من فضل الله، ونحن ننتظر الرَّحمة‏)‏‏)‏‏.‏

قال أبو عليّ‏:‏ حدَّثنيه محمد بن عبدان الأهوازيّ عنه قال‏:‏ والصَّحيح عن زبيد مرسلاً، حدَّثناه محمد بن عبدان، حدَّثنا أبي، ثنا الحسن بن الحرث الأهوازيّ، أنَّا عبيد الله بن موسى عن مسعر، عن زبيد فذكره مرسلاً‏.‏

حديث آخر‏:‏

قال البيهقيّ‏:‏ أنَّا أبو عبد الرَّحمن السلميّ، ثنا أبو عمر بن حمدان، أنَّا الحسن بن سفيان، ثنا إسحاق بن منصور، ثنا سليمان بن عبد الرَّحمن، ثنا عمرو بن بشر بن السرح، ثنا الوليد بن سليمان ابن أبي السائب، ثنا واثلة بن الخطَّاب عن أبيه، عن جده واثلة بن الأسقع قال‏:‏ حضر رمضان ونحن في أهل الصَّفة فصمنا، فكنَّا إذا أفطرنا أتى كل رجل منا رجل من أهل البيعة فانطلق به فعشَّاه، فأتت علينا ليلة لم يأتنا أحد وأصبحنا صياماً، وأتت علينا القابلة فلم يأتنا أحد، فانطلقنا إلى رسول الله -صلَّى الله عليه وسلَّم - فأخبرناه بالذي كان من أمرنا، فأرسل إلى كل امرأة من نسائه يسألها هل عندهاشيء‏؟‏ فما بقيت منهنَّ امرأة إلا أرسلت تقسم ما أمسى في بيتها ما يأكل ذو كبد‏.‏

فقال لهم رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم‏:‏ ‏(‏‏(‏فاجتمعوا‏)‏‏)‏ فدعا وقال‏:‏ ‏(‏‏(‏اللَّهم إني أسألك من فضلك ورحمتك فإنها بيدك لا يملكها أحد غيرك‏)‏‏)‏‏.‏

فلم يكن إلا ومستأذن يستأذن فإذا بشاة مصليَّة ورغف، فأمر بها رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم فوضعت بين أيدينا، فأكلنا حتى شبعنا‏.‏

فقال لنا رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم‏:‏ ‏(‏‏(‏إنَّا سألنا الله من فضله ورحمته فهذا فضله، وقد ادخر لنا عنده رحمته‏)‏‏)‏‏.‏

حديث الذِّراع‏:‏

قال الإمام أحمد‏:‏ حدَّثنا إسماعيل، ثنا يحيى بن أبي كثير عن أبي إسحاق، حدَّثني رجل من بني غفار في مجلس سالم بن عبد الله قال‏:‏ حدَّثني فلان أنَّ رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم أتي بطعام من خبز ولحم‏.‏

فقال‏:‏ ‏(‏‏(‏ناولني الذِّراع‏)‏‏)‏ فنوول ذراعاً‏.‏

قال يحيى‏:‏ لا أعلمه إلا هكذا ثمَّ قال‏:‏ ‏(‏‏(‏ناولني الذِّراع‏)‏‏)‏ فنوول ذراعاً فأكلها‏.‏

ثمَّ قال‏:‏ ‏(‏‏(‏ناولني الذِّراع‏)‏‏)‏‏.‏

فقال‏:‏ يا رسول الله إنما هما ذراعان‏.‏

فقال‏:‏ ‏(‏‏(‏وأبيك لو سكتَّ ما زلت أناول منها ذراعاً ما دعوت به‏)‏‏)‏

فقال سالم‏:‏ أمَّا هذه فلا، سمعت عبد الله بن عمر يقول‏:‏ قال رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم‏:‏ ‏(‏‏(‏إنَّ الله ينهاكم أن تحلفوا بآبائكم‏)‏‏)‏‏.‏

هكذا وقع إسناد هذا الحديث، وهو عن مبهم عن مثله‏.‏

وقد روي من طرق أخرى‏:‏ قال الإمام أحمد‏:‏ حدَّثنا خلف بن الوليد، حدَّثنا أبو جعفر - يعني‏:‏ الرَّازيّ - عن شرحبيل، عن أبي رافع مولى النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم قال‏:‏ أهديت له شاة فجعلها في القدر، فدخل رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم فقال‏:‏ ‏(‏‏(‏ما هذا يا أبا رافع‏؟‏‏)‏‏)‏

قال‏:‏ شاة أهديت لنا يا رسول الله، فطبختها في القدر‏.‏

فقال‏:‏ ‏(‏‏(‏ناولني الذِّراع يا أبا رافع‏)‏‏)‏‏.‏

فناولته الذِّراع‏.‏

ثمَّ قال‏:‏ ‏(‏‏(‏ناولني الذِّراع الآخر‏)‏‏)‏

فناولته الذِّراع الآخر‏.‏

ثمَّ قال‏:‏ ‏(‏‏(‏ناولني الذِّراع الآخر‏)‏‏)‏‏.‏

فقال‏:‏ يا رسول الله إنما للشَّاة ذراعان‏.‏

فقال رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم‏:‏ ‏(‏‏(‏أما إنَّك لو سكتَّ لناولتني ذراعاً فذراعاً ما سكتّ‏)‏‏)‏ ثمَّ دعا بماء فمضمض فاه، وغسل أطراف أصابعه، ثمَّ قام فصلَّى، ثمَّ عاد إليهم فوجد عندهم لحماً بارداً فأكل، ثمَّ دخل المسجد فصلَّى ولم يمس ماء‏.‏

طريق أخرى عن أبي رافع‏:‏

قال الإمام أحمد‏:‏ ثنا مؤمل، ثنا حماد، حدَّثني عبد الرَّحمن ابن أبي رافع، عن عمَّته، عن أبي رافع قال‏:‏ صنع لرسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم شاة مصلية فأتى بها فقال لي‏:‏ ‏(‏‏(‏يا أبا رافع ناولني الذِّراع‏)‏‏)‏‏.‏

فناولته‏.‏

ثمَّ قال‏:‏ ‏(‏‏(‏يا أبا رافع ناولني الذِّراع‏)‏‏)‏‏.‏

فناولته‏.‏

ثم قال‏:‏ ‏(‏‏(‏يا أبا رافع ناولني الذِّراع‏)‏‏)‏‏.‏

فقلت‏:‏ يا رسول الله وهل للشَّاة إلا ذراعان‏؟‏‏!‏

فقال‏:‏ ‏(‏‏(‏لو سكت لناولتني منها ما دعوت به‏)‏‏)‏‏.‏

قال‏:‏ وكان رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم يعجبه الذِّراع‏.‏

قلت‏:‏ ولهذا لما علمت اليهود - عليهم لعائن الله - بخيبر سمُّوه في الذِّراع في تلك الشَّاة التي أحضرتها زينب اليهودية، فأخبره الذِّراع بما فيه السُّم لما نهس منه نهسة كما قدمنا ذلك في غزوة خيبر مبسوطاً‏.‏

طريق أخرى‏:‏

قال الحافظ أبو يعلى‏:‏ ثنا أبو بكر ابن أبي شيبة، ثنا زيد بن الحباب، حدَّثني قائد مولى عبيد الله ابن أبي رافع قال‏:‏ أتيت رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم يوم الخندق بشاة في مكتل فقال‏:‏ ‏(‏‏(‏يا أبا رافع ناولني الذِّراع‏)‏‏)‏‏.‏

فناولته‏.‏

ثم قال‏:‏ ‏(‏‏(‏يا أبا رافع ناولني الذِّراع‏)‏‏)‏‏.‏

فناولته‏.‏

ثمَّ قال‏:‏ ‏(‏‏(‏يا أبا رافع ناولني الذِّراع‏)‏‏)‏‏.‏

فقلت‏:‏ يا رسول الله أللشاة إلا ذراعان ‏؟‏

فقال‏:‏ ‏(‏‏(‏لو سكتَّ ساعة ناولتنيه ما سألتك‏)‏‏)‏‏.‏

فيه انقطاع من هذا الوجه‏.‏

وقال أبو يعلى أيضاً‏:‏ ثنا محمد ابن أبي بكر المقدميّ، ثنا فضيل بن سليمان، ثنا قايد مولى عبيد الله، حدَّثني عبيد الله أنَّ جدته سلمى أخبرته أنَّ النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم بعث إلى أبي رافع بشاة وذلك يوم الخندق فيما أعلم، فصلاها أبو رافع ليس معها خبز، ثمَّ انطلق بها فلقيه النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم راجعاً من الخندق فقال‏:‏ ‏(‏‏(‏يا أبا رافع ضع الذي معك‏)‏‏)‏ فوضعه‏.‏

ثم قال‏:‏ ‏(‏‏(‏يا أبا رافع ناولني الذِّراع‏)‏‏)‏‏.‏

فناولته‏.‏

ثمَّ قال‏:‏ ‏(‏‏(‏يا أبا رافع ناولني الذِّراع‏)‏‏)‏‏.‏

فناولته‏.‏

ثمَّ قال‏:‏ ‏(‏‏(‏يا أبا رافع ناولني الذِّراع‏)‏‏)‏‏.‏

فقلت‏:‏ يا رسول الله هل للشَّاة غير ذراعين ‏؟‏

فقال‏:‏ ‏(‏‏(‏لو سكتَّ لناولتني ما سألتك‏)‏‏)‏‏.‏

وقد روي من طريق أبي هريرة‏:‏ قال الإمام أحمد‏:‏ ثنا الضحاك، ثنا ابن عجلان عن أبيه، عن أبي هريرة أنَّ شاة طبخت فقال رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم‏:‏ ‏(‏‏(‏أعطني الذِّراع‏)‏‏)‏‏.‏

فناولته إيَّاه‏.‏

فقال‏:‏ ‏(‏‏(‏أعطني الذِّراع‏)‏‏)‏‏.‏

فناولته إيَّاه‏.‏

ثمَّ قال‏:‏ ‏(‏‏(‏أعطني الذِّراع‏)‏‏)‏‏.‏

فناولته إيَّاه‏.‏

ثمَّ قال‏:‏ ‏(‏‏(‏أعطني الذِّراع‏)‏‏)‏‏.‏

فقال‏:‏ يا رسول الله إنما للشَّاة ذراعان ‏؟‏

قال‏:‏ ‏(‏‏(‏أما إنَّك لو التمستها لوجدتها‏)‏‏)‏‏.‏

حديث آخر‏:‏


قال الإمام أحمد‏:‏ حدَّثنا وكيع عن دكين بن سعيد الخثعميّ قال‏:‏ أتينا رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم ونحن أربعون وأربعمائة نسأله الطَّعام، فقال النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم لعمر‏:‏ ‏(‏‏(‏قم فأعطهم‏)‏‏)‏‏.‏

فقال‏:‏ يا رسول الله ما عندي إلا ما يقيظني والصبية -‏.‏

قال وكيع‏:‏ القيظ في كلام العرب أربعة أشهر -‏.‏

قال‏:‏ ‏(‏‏(‏قم فأعطهم‏)‏‏)‏‏.‏

قال‏:‏ يا رسول الله سمعاً وطاعةً‏.‏

قال‏:‏ فقام عمر وقمنا معه، فصعد بنا إلى غرفة له فأخرج المفتاح من حجزته ففتح الباب‏.‏

قال دكين فإذا في الغرفة من التَّمر شبيه بالفصيل الرَّابض‏.‏

قال‏:‏ شأنكم‏.‏

قال‏:‏ فأخذ كل رجل منَّا حاجته ما شاء، ثمَّ التفت وإني لمن آخرهم فكأنَّا لم نرزأ منه تمرة‏.‏

ثمَّ رواه أحمد عن محمد، ويعلى أبي عبيد عن إسماعيل - وهو ابن أبي خالد - عن قيس - وهو ابن أبي حازم -، عن دكين به‏.‏

ورواه أبو داود عن عبد الرَّحيم بن مطرف الرواسيّ، عن عيسى بن يونس، عن إسماعيل به‏.‏

حديث آخر‏:‏

قال علي بن عبد العزيز‏:‏ ثنا أبو نعيم، ثنا حشرج بن نباتة، ثنا أبو نضرة، حدَّثني أبو رجاء قال‏:‏ خرج رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم حتَّى دخل حائطاً لبعض الأنصار فإذا هو برسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم فقال رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم‏:‏ ‏(‏‏(‏ما تجعل لي إن أرويت حائطك هذا‏؟‏‏)‏‏)‏

قال‏:‏ إني أجهد أن أرويه فما أطيق ذلك‏.‏

فقال له رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم‏:‏ ‏(‏‏(‏تجعل لي مائة تمرة أختارها من تمرك‏؟‏‏)‏‏)‏

قال‏:‏ نعم‏.‏

فأخذ رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم الغرب فما لبث أن أرواه حتى قال الرَّجل‏:‏ غرقت حائطي، فاختار رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم من تمره مائة تمره‏.‏

قال‏:‏ فأكل هو وأصحابه حتى شبعوا، ثمَّ ردَّ عليه مائة تمرة كما أخذها‏.‏

هذا حديث غريب أورده الحافظ ابن عساكر في ‏(‏دلائل النبُّوة‏)‏ من أوَّل تاريخه بسنده عن علي بن عبد العزيز البغويّ كما أوردناه‏.‏

وقد تقدَّم في ذكر ‏(‏إسلام سلمان الفارسيّ‏)‏ ما كان من أمر النَّخيل التي غرسها رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم بيده الكريمة لسلمان، فلم يهلك منهن واحدة بل أنجب الجميع وكن ثلاثمائة، وما كان من تكثيره الذَّهب حين قلَّبه على لسانه الشَّريف حتَّى قضى منه سلمان ما كان عليه من نجوم كتابته وعتق - رضي الله عنه وأرضاه -‏.‏



باب انقياد الشَّجر لرسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم‏:‏

قد تقدَّم الحديث الذي رواه مسلم من حديث حاتم بن إسماعيل عن أبي حرزة يعقوب بن مجاهد، عن عبادة بن الوليد بن عبادة، عن جابر بن عبد الله قال‏:‏ سرنا مع النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم حتَّى نزلنا وادياً أفيح فذهب رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم يقضي حاجته، فأبتعته بإداوة من ماء فنظر فلم ير شيئاً يستتر به، وإذا شجرتان بشاطئ الوادي، فانطلق إلى إحداهما فأخذ بغصن من أغصانها وقال‏:‏ ‏(‏‏(‏انقادي عليَّ بإذن الله‏)‏‏)‏ فانقادت معه كالبعير المخشوش الذي يصانع قائده، حتى أتى الشجرة الأخرى فأخذ بغصن من أغصانها وقال‏:‏ ‏(‏‏(‏انقادي عليَّ بإذن الله‏)‏‏)‏ فانقادت معه كالبعير المخشوش الذي يصانع قائده، حتى إذا كان بالمنتصف فيما بينهما لأم بينهما - يعني‏:‏ جمعهما - وقال‏:‏ ‏(‏‏(‏التئما عليَّ بإذن الله‏)‏‏)‏ فالتأمتا‏.‏

قال جابر‏:‏ فخرجت أحضر مخافة أن يحس بقربي فيبعد، فجلست أحدِّث نفسي فحانت مني لفتة، فإذا أنا برسول الله مقبل، وإذا الشَّجرتان قد افترقتا وقامت كل واحدة منهما على ساق، فرأيت رسول الله وقف وقفة وقال برأسه‏:‏ هكذا يميناً وشمالاً، وذكر تمام الحديث في قصة الماء، وقصة الحوت الذي دسره البحر كما تقدم، ولله الحمد والمنة‏.‏

حديث آخر‏:‏

قال الإمام أحمد‏:‏ حدَّثنا أبو معاوية، ثنا الأعمش عن أبي سفيان - وهو طلحة بن نافع - عن أنس قال‏:‏ جاء جبريل إلى رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم ذات يوم وهو جالس حزين قد خضب بالدِّماء من ضربة بعض أهل مكة قال‏:‏ فقال له‏:‏ مالك ‏؟‏

فقال‏:‏ ‏(‏‏(‏فعل بي هؤلاء وفعلوا‏)‏‏)‏‏.‏

قال‏:‏ فقال له جبريل‏:‏ أتحب أن أريك آية ‏؟‏

قال‏:‏ فقال‏:‏ نعم‏.‏

قال‏:‏ فنظر إلى شجرة من وراء الوادي فقال‏:‏ أدع تلك الشَّجرة فدعاها‏.‏

قال‏:‏ فجاءت تمشي حتى قامت بين يديه‏.‏

فقال‏:‏ مرها فلترجع، فأمرها فرجعت إلى مكانها‏.‏

فقال رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم‏:‏ ‏(‏‏(‏حسبي‏)‏‏)‏‏.‏

وهذا إسناد على شرط مسلم ولم يروه إلا ابن ماجه عن محمد بن طريف، عن أبي معاوية‏.‏

حديث آخر‏:‏

روى البيهقيّ من حديث حماد بن سلمة عن علي بن زيد، عن أبي رافع، عن عمر بن الخطَّاب أنَّ رسول الله كان على الحجون كئيباً لما أذاه المشركون فقال‏:‏ ‏(‏‏(‏اللَّهم أرني اليوم آية لا أبالي من كذبني بعدها‏)‏‏)‏‏.‏

قال‏:‏ فأمر فنادى شجرة من قبل عقبة المدينة فأقبلت تخدُّ الأرض حتى انتهت إليه‏.‏

قال‏:‏ ثمَّ أمرها فرجعت إلى موضعها‏.‏

قال‏:‏ فقال‏:‏ ‏(‏‏(‏ما أبالي من كذَّبني بعدها من قومي‏)‏‏)‏‏.‏

ثم قال البيهقيّ‏:‏ أنَّا الحاكم وأبو سعيد بن عمرو قالا‏:‏ ثنا الأصمّ، ثنا أحمد بن عبد الجبَّار عن يونس بن بكير، عن مبارك ابن فضالة، عن الحسن قال‏:‏ خرج رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم إلى بعض شعاب مكة وقد دخله من الغم ما شاء الله من تكذيب قومه إيَّاه فقال‏:‏ ‏(‏‏(‏يا رب أرني ما أطمئن إليه ويذهب عني هذا الغمّ‏)‏‏)‏ فأوحى الله إليه أدع إليك أيّ أغصان هذه الشَّجرة شئت‏.‏

قال‏:‏ فدعا غصناً فانتزع من مكانه، ثمَّ خدَّ في الأرض حتَّى جاء رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم فقال له رسول الله‏:‏ ‏(‏‏(‏ارجع إلى مكانك‏)‏‏)‏ فرجع، فحمد الله رسول الله وطابت نفسه‏.‏

وكان قد قال المشركون‏:‏ أفضلت أباك وأجدادك يا محمد‏.‏

فأنزل الله‏:‏ ‏(‏‏(‏أفغير الله تأمروني أعبد أيُّها الجاهلون‏)‏‏)‏ الآيات‏.‏

وقال البيهقيّ‏:‏ وهذا المرسل يشهد له ما قبله‏.‏

حديث آخر‏:‏

قال الإمام أحمد‏:‏ ثنا أبو معاوية، ثنا الأعمش عن أبي ظبيان - وهو حصين بن جندب - عن ابن عباس قال‏:‏ أتى النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم رجل من بني عامر فقال‏:‏ يا رسول الله أرني الخاتم الذي بين كتفيك، فإني من أطب النَّاس‏.‏

فقال له رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم‏:‏ ‏(‏‏(‏ألا أريك آية‏؟‏‏)‏‏)‏

قال‏:‏ بلى‏.‏

قال‏:‏ فنظر إلى نخلة فقال‏:‏ ‏(‏‏(‏أدع ذلك العذق‏)‏‏)‏ فدعاه، فجاء ينقز بين يديه‏.‏

فقال له رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم‏:‏ ‏(‏‏(‏ارجع‏)‏‏)‏ فرجع إلى مكانه‏.‏

فقال العامري‏:‏ يا آل بني عامر ما رأيت كاليوم رجلاً أسحر من هذا هكذا‏.‏

رواه الإمام أحمد‏.‏

وقد أسنده البيهقيّ من طريق محمد بن أبي عبيدة عن أبيه، عن الأعمش، عن أبي ظبيان، عن ابن عبَّاس قال‏:‏ جاء رجل من بني عامر إلى رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم فقال‏:‏ إنَّ عندي طباً وعلماً فما تشتكي‏؟‏ هل يريبك من نفسك شيء إلى ما تدعو ‏؟‏

قال‏:‏ ‏(‏‏(‏أدعو إلى الله والإسلام‏)‏‏)‏‏.‏

قال‏:‏ فإنَّك لتقول قولاً فهل لك من آية ‏؟‏

قال‏:‏ نعم إن شئت أريتك آية، وبين يديه شجرة فقال لغصن منها‏:‏ ‏(‏‏(‏تعال يا غصن‏)‏‏)‏ فانقطع الغصن من الشَّجرة، ثمَّ أقبل ينقز حتى قام بين يديه‏.‏

فقال‏:‏ ‏(‏‏(‏ارجع إلى مكانك‏)‏‏)‏ فرجع‏.‏

فقال العامري‏:‏ يا آل عامر بن صعصعة لا ألومك على شيء قلته أبداً‏.‏

وهذا يقتضي أنَّه سالم الأمر، ولم يجب من كل وجه‏.‏

وقد قال البيهقيّ‏:‏ أنَّا أبو الحسن علي بن أحمد بن عبدان، أنَّا أحمد بن عبيد الصفار، ثنا ابن أبي قماش، ثنا ابن عائشة عن عبد الواحد بن زياد، عن الأعمش، عن سالم ابن أبي الجعد، عن ابن عبَّاس قال‏:‏ جاء رجل إلى رسول الله فقال‏:‏ ما هذا الذي يقول أصحابك ‏؟‏
قال‏:‏ وحول رسول الله أعذاق وشجر‏.‏

قال‏:‏ فقال رسول الله‏:‏ ‏(‏‏(‏هل لك أن أريك آية‏؟‏‏)‏‏)‏

قال‏:‏ نعم‏.‏

قال‏:‏ فدعا عذقاً منها، فأقبل يخدّ الأرض حتى وقف بين يديه يخدّ الأرض ويسجد، ويرفع رأسه، حتى وقف بين يديه، ثمَّ أمره فرجع‏.‏

قام العامري وهو يقول‏:‏ يا آل عامر بن صعصعة والله لا أكذبه بشيء يقوله أبداً‏.‏

طريق أخرى فيها أنَّ العامري أسلم‏:‏

قال البيهقيّ‏:‏ أخبرنا أبو نصر بن قتادة، أنَّا أبو علي حامد بن محمد بن الوفا، أنَّا علي بن عبد العزيز، ثنا محمد بن سعيد بن الأصبهانيّ، أنَّا شريك عن سماك، عن أبي ظبيان، عن ابن عبَّاس قال‏:‏ جاء أعرابي إلى رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم قال‏:‏ بما أعرف أنَّك رسول الله ‏؟‏

قال‏:‏ ‏(‏‏(‏أرأيت إن دعوت هذا العذق من هذه النَّخلة، أتشهد أني رسول الله‏؟‏‏)‏‏)‏

قال‏:‏ نعم‏.‏

قال‏:‏ فدعا العذق، فجعل العذق ينزل من النَّخلة حتى سقط في الأرض، فجعل ينقز حتى أتى رسول الله ثمَّ قال له‏:‏ ‏(‏‏(‏ارجع‏)‏‏)‏ فرجع حتى عاد إلى مكانه‏.‏

فقال‏:‏ أشهد أنَّك رسول الله وآمن‏.‏

قال البيهقيّ‏:‏ رواه البخاريّ في ‏(‏التاريخ‏)‏ عن محمد بن سعيد الأصبهانيّ‏.‏

قلت‏:‏ ولعلَّه قال أولاً‏:‏ إنَّه سحر، ثمَّ تبصَّر لنفسه فأسلم وآمن لما هداه الله عزَّ وجل، والله أعلم‏.‏

حديث آخر عن أبي عمر في ذلك‏:‏

قال الحاكم أبو عبد الله النّيسابوريّ‏:‏ أنَّا أبو بكر محمد بن عبد الله الوراق، أنَّا الحسين بن سفيان، أنَّا أبو عبد الرَّحمن عبد الله بن عمر بن أبان الجعفيّ، ثنا محمد بن فضيل عن أبي حيان، عن عطاء، عن ابن عمر قال‏:‏ كنَّا مع رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم في سفر فأقبل أعرابي فلمَّا دنا منه قال له رسول الله‏:‏ ‏(‏‏(‏أين تريد‏؟‏‏)‏‏)‏

قال‏:‏ إلى أهلي‏.‏

قال‏:‏ ‏(‏‏(‏هل لك إلى خير‏؟‏‏)‏‏)‏

قال‏:‏ ما هو ‏؟‏

قال‏:‏ ‏(‏‏(‏تشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأنَّ محمداً عبده ورسوله‏)‏‏)‏‏.‏

قال‏:‏ هل من شاهد على ما تقول ‏؟‏

قال‏:‏ ‏(‏‏(‏هذه الشَّجرة‏)‏‏)‏‏.‏

فدعاها رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم وهي على شاطئ الوادي فأقبلت تخدُّ الأرض خداً فقامت بين يديه، فاستشهد ثلاثاً فشهدت أنَّه كما قال، ثمَّ إنها رجعت إلى منبتها، ورجع الأعرابي إلى قومه فقال‏:‏ إن يتبعوني أتيتك بهم وإلا رجعت إليك وكنت معك‏.‏

وهذا إسناد جيد، ولم يخرِّجوه، ولا رواه الإمام أحمد، والله أعلم‏.‏

باب حنين الجزع شوقاً إلى رسول الله وشغفاً من فراقه‏:‏

وقد ورد من حديث جماعة من الصَّحابة بطرق متعددة تفيد القطع عند أئمة هذا الشأن، وفرسان هذا الميدان‏.‏

الحديث الأول عن أبي كعب‏:‏

قال الإمام أبو عبد الله محمد بن إدريس الشَّافعيّ رحمه الله‏:‏ حدَّثنا إبراهيم بن محمد قال‏:‏ أخبرني عبد الله بن محمد بن عقيل عن الطّفيل بن أُبي بن كعب، عن أبيه قال‏:‏ كان النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم يصلي إلى جذع نخلة إذ كان المسجد عريشاً، وكان يخطب إلى ذلك الجذع‏.‏

فقال رجل من أصحابه‏:‏ يا رسول الله هل لك أن نجعل لك منبراً تقوم عليه يوم الجمعة فتسمع النَّاس خطبتك ‏؟‏

قال‏:‏ ‏(‏‏(‏نعم‏)‏‏)‏‏.‏

فصنع له ثلاث درجات هن اللاتي على المنبر، فلمَّا صنع المنبر ووضع موضعه الذي وضعه فيه رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم بدا للنبي صلَّى الله عليه وسلَّم أن يقوم على ذلك المنبر فيخطب عليه فمرَّ إليه، فلما جاوز ذلك الجذع الذي كان يخطب إليه خار حتى تصدع وانشق، فنزل النبي صلَّى الله عليه وسلَّم لما سمع صوت الجذع فمسحه بيده ثمَّ رجع إلى المنبر، فلمَّا هدم المسجد أخذ ذلك الجذع أُبي بن كعب - رضي الله تعالى عنه - فكان عنده حتَّى بلي وأكلته الأرضة وعاد رفاتاً‏.‏

وهكذا رواه الإمام أحمد بن حنبل عن زكريا بن عدي، عن عبيد الله بن عمرو الرقيّ، عن عبد الله بن محمد بن عقيل، عن الطّفيل، عن أبي بن كعب فذكره، وعنده فمسحه بيده حتَّى سكن، ثمَّ رجع إلى المنبر، وكان إذا صلَّى صلَّى إليه، والباقي مثله‏.‏

وقد رواه ابن ماجه عن إسمعيل بن عبد الله الرقي، عن عبيد الله بن عمرو الرقي به‏.‏

الحديث الثاني عن أنس بن مالك‏:‏

قال الحافظ أبو يعلى الموصليّ‏:‏ ثنا أبو خيثمة، ثنا عمرو بن يونس الحنفيّ، ثنا عكرمة بن عمار، ثنا إسحاق بن عبد الله ابن أبي طلحة، حدَّثنا أنس بن مالك أنَّ رسول الله كان يوم الجمعة يسند ظهره إلى جذع منصوب في المسجد يخطب النَّاس‏.‏

فجاءه رومي فقال‏:‏ ألا أصنع لك شيئاً تقعد عليه كأنَّك قائم‏؟‏ فصنع له منبراً درجتان ويقعد على الثالثة، فلمَّا قعد نبي الله على المنبر خار كخوار الثَّور، ارتج لخواره حزناً على رسول الله، فنزل إليه رسول الله من المنبر فالتزمه وهو يخور فلمَّا التزمه سكت‏.‏

ثمَّ قال‏:‏ ‏(‏‏(‏والذي نفس محمد بيده لو لم ألتزمه لما زال هكذا حتى يوم القيامة حزناً على رسول الله‏)‏‏)‏‏.‏

فأمر به رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم فدفن‏.‏

وقد رواه التّرمذيّ عن محمود بن غيلان، عن عمر بن يونس به وقال‏:‏ صحيح غريب من هذا الوجه‏.‏

طريق أخرى عن أنس‏:‏

قال الحافظ أبو بكر البزَّار في مسنده‏:‏ ثنا هدبة، ثنا حماد عن ثابت عن أنس، عن النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم أنَّه كان يخطب إلى جذع نخلة فلمَّا اتخذ المنبر تحول إليه فحنَّ، فجاء رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم حتى احتضنه فسكن وقال‏:‏ ‏(‏‏(‏لو لم أحتضنه لحنَّ إلى يوم القيامة‏)‏‏)‏‏.‏

وهكذا رواه ابن ماجه عن أبي بكر ابن خلاد، عن بهز بن أسد، عن حماد بن سلمة، عن ثابت، عن أنس، وعن حماد، عن عمار ابن أبي عمار، عن ابن عبَّاس به، وهذا إسناد على شرط مسلم‏.‏

طريق أخرى عن أنس‏:‏

قال الإمام أحمد‏:‏ حدَّثنا هاشم، ثنا المبارك عن الحسن، عن أنس بن مالك قال‏:‏ كان رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم إذا خطب يوم الجمعة يسند ظهره إلى خشبة، فلمَّا كثر النَّاس قال‏:‏ ‏(‏‏(‏ابنوا لي منبراً‏)‏‏)‏ - أراد أن يسمعهم - فبنوا له عتبتين فتحول من الخشبة إلى المنبر‏.‏

قال‏:‏ فأخبر أنس بن مالك أنَّه سمع الخشبة تحنّ حنين الواله‏.‏

قال‏:‏ فما زالت تحن حتى نزل رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم عن المنبر فمشى إليها فاحتضنها فسكنت‏.‏

تفرَّد به أحمد‏.‏

وقد رواه أبو القاسم البغويّ عن شيبان بن فروخ، عن مبارك بن فضالة، عن الحسن، عن أنس فذكره‏.‏

وزاد‏:‏ فكان الحسن إذا حدَّث بهذا الحديث بكى ثمَّ قال‏:‏ يا عباد الله الخشبة تحنّ إلى رسول الله شوقاً إليه لمكانه من الله فأنتم أحق أن تشتاقوا إلى لقائه‏.‏

وقد رواه الحافظ أبو نعيم من حديث الوليد بن مسلم عن سالم بن عبد الله الخياط، عن أنس بن مالك، فذكره‏.‏

طريق أخرى عن أنس‏:‏

قال أبو نعيم‏:‏ ثنا أبو بكر ابن خلاد، ثنا الحارث بن محمد ابن أبي أسامة، ثنا يعلى بن عباد، ثنا الحكم عن أنس قال‏:‏ كان رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم يخطب إلى جذع فحنَّ الجذع فاحتضنه وقال‏:‏ ‏(‏‏(‏لو لم أحتضنه لحنَّ إلى يوم القيامة‏)‏‏)‏‏.‏

الحديث الثالث عن جابر بن عبد الله‏:‏

قال الإمام أحمد‏:‏ حدَّثنا وكيع، ثنا عبد الواحد بن أيمن عن أبيه، عن جابر قال‏:‏ كان رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم يخطب إلى جذع نخلة‏.‏

قال‏:‏ فقالت امرأة من الأنصار - وكان لها غلام نجَّار -‏:‏ يا رسول الله إنَّ لي غلاماً نجاراً أفآمره أن يتخذ لك منبراً تخطب عليه ‏؟‏

قال‏:‏ ‏(‏‏(‏بلى‏)‏‏)‏‏.‏

قال‏:‏ فاتخذ له منبراً‏.‏

قال‏:‏ فلمَّا كان يوم الجمعة خطب على المنبر‏.‏

قال‏:‏ فأنَّ الجذع الذي كان يقوم عليه كما يئن الصبيّ‏.‏


فقال النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم‏:‏ ‏(‏‏(‏إنَّ هذا بكى لما فقد من الذِّكر‏)‏‏)‏ هكذا رواه أحمد‏.‏

وقد قال البخاريّ‏:‏ ثنا عبد الواحد بن أيمن قال‏:‏ سمعت أبي عن جابر بن عبد الله أنَّ رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم كان يقوم يوم الجمعة إلى شجرة أو نخلة‏.‏

فقالت امرأة من الأنصار أو رجل‏:‏ يا رسول الله ألا نجعل لك منبراً‏؟‏

قال‏:‏ ‏(‏‏(‏إن شئتم‏)‏‏)‏‏.‏

فجعلوا له منبراً، فلمَّا كان يوم الجمعة دفع إلى المنبر فصاحت النخلة صياح الصبيّ، ثمَّ نزل النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم فضمَّه إليه يئنّ أنين الصبيّ الذي يسكن‏.‏

قال‏:‏ كانت تبكي على ما كانت تسمع من الذِّكر عندها‏.‏

وقد ذكره البخاري في غير ما موضع من صحيحه من حديث عبد الواحد بن أيمن عن أبيه - وهو أيمن الحبشيّ المكيّ مولى ابن أبي عمرة المخزوميّ، عن جابر به‏.‏

طريق أخرى عن جابر‏:‏

قال البخاري‏:‏ ثنا إسماعيل، حدَّثني أخي عن سليمان بن بلال، عن يحيى بن سعيد، حدَّثني حفص بن عبيد الله بن أنس بن مالك أنَّه سمع جابر بن عبد الله الأنصاريّ يقول‏:‏ كان المسجد مسقوفاً على جذوع من نخل، فكان النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم إذا خطب يقوم إلى جذع منها، فلمَّا صنع له المنبر وكان عليه فسمعنا لذلك الجذع صوتاً كصوت العشار حتى جاء النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم فوضع يده عليها فسكنت‏.‏

تفرَّد به البخاريّ‏.‏

طريق أخرى عنه‏:‏

قال الحافظ أبو بكر البزَّار‏:‏ ثنا محمد بن المثنى، ثنا أبو المساور، ثنا أبو عوانة عن الأعمش، عن أبي صالح - وهو ذكوان - عن جابر بن عبد الله، وعن إسحاق عن كريب، عن جابر قال‏:‏ كانت خشبة في المسجد يخطب إليها النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم‏.‏

فقالوا‏:‏ لو اتخذنا لك مثل الكرسيّ تقوم عليه ‏؟‏

ففعل، فحنَّت الخشبة كما تحنّ النَّاقة الحلوج فأتاه فاحتضنها فوضع يده عليها فسكنت‏.‏

قال أبو بكر البزَّار‏:‏ وأحسب أنَّا قد حدَّثناه عن أبي عوانة، عن الأعمش، عن أبي صالح، عن جابر، وعن أبي إسحاق عن كريب، عن جابر بهذه القصة التي رواها أبو المساور عن أبي عوانة، وحدَّثناه محمد بن عثمان بن كرامة، ثنا عبيد الله بن موسى، عن إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن سعيد ابن أبي كريب، عن جابر، عن النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم بنحوه‏.‏

والصَّواب إنما هو سعيد ابن أبي كريب، وكريب خطأ، ولا يعلم يروي عن سعيد ابن أبي كريب إلا أبا إسحاق‏.‏

قلت‏:‏ ولم يخرِّجوه من هذا الوجه، وهو جيد‏.‏

طريق أخرى عن جابر‏:‏

قال الإمام أحمد‏:‏ ثنا يحيى بن آدم، ثنا إسرائيل عن أبي إسحاق، عن سعيد ابن أبي كريب، عن جابر بن عبد الله قال‏:‏ كان النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم يخطب إلى خشبة، فلمَّا جعل له منبر حنَّت حنين النَّاقة فأتاها فوضع يده عليها فسكنت‏.‏
تفرَّد به أحمد‏.‏

طريق أخرى عن جابر‏:‏

قال الحافظ أبو بكر البزَّار‏:‏ ثنا محمد بن معمر، ثنا محمد بن كثير، ثنا سليمان بن كثير عن الزُّهريّ، عن سعيد بن المسيّب، عن جابر بن عبد الله قال‏:‏ كان النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم يقوم إلى جذع قبل أن يجعل له المنبر فلمَّا جعل المنبر حنَّ الجذع حتى سمعنا حنينه فمسح رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم يده عليه فسكن‏.‏

قال البزَّار‏:‏ لا نعلم رواه عن الزهريّ إلا سليمان بن كثير‏.‏

قلت‏:‏ وهذا إسناد جيد رجاله على شرط الصَّحيح، ولم يروه أحد من أصحاب الكتب السِّتة‏.‏

وقال الحافظ أبو نعيم في ‏(‏الدَّلائل‏)‏‏:‏ ورواه عبد الرزاق عن معمر، عن الزهريّ، عن رجل سمَّاه، عن جابر‏.‏

ثم أورده من طريق أبي عاصم بن علي‏:‏ عن سليمان بن كثير، عن يحيى بن سعيد، عن سعيد بن المسيّب، عن جابر مثله‏.‏

ثمَّ قال‏:‏ ثنا أبو بكر ابن خلاد، ثنا أحمد بن علي الخراز، حدَّثنا عيسى بن المساور، ثنا الوليد بن مسلم عن الأوزاعيّ، عن يحيى ابن أبي كثير، عن أبي سلمة، عن جابر أنَّ رسول الله كان يخطب إلى جذع فلمَّا بني المنبر حنَّ الجذع فاحتضنه فسكن وقال‏:‏ ‏(‏‏(‏لو لم أحتضنه لحنَّ إلى يوم القيامة‏)‏‏)‏‏.‏

ثمَّ رواه من حديث أبي عوانة عن الأعمش، عن أبي صالح، عن جابر، وعن أبي إسحاق، عن كريب، عن جابر مثله‏.‏

طريق أخرى عن جابر‏:‏

قال الإمام أحمد‏:‏ ثنا عبد الرَّزاق، أنَّا ابن جريج وروح قال‏:‏ حدَّثنا ابن جريج، أخبرني أبو الزُّبير أنَّه سمع جابر بن عبد الله يقول‏:‏ كان النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم إذا خطب يستند إلى جذع نخلة من سواري المسجد، فلمَّا صنع له منبره واستوى عليه فاضطربت تلك السَّارية كحنين النَّاقة حتَّى سمعها أهل المسجد حتَّى نزل إليها رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم فاعتنقها، فسكنت‏.‏

وقال روح‏:‏ فسكتت، وهذا إسناد على شرط مسلم ولم يخرجوه‏.‏

طريق أخرى عن جابر‏:‏

قال الإمام أحمد‏:‏ ثنا ابن أبي عديّ عن سليمان، عن أبي نضرة، عن جابر قال‏:‏ كان رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم يقوم في أصل شجرة - أو قال‏:‏ إلى جذع - ثمَّ اتخذ منبراً‏.‏

قال‏:‏ فحنَّ الجذع‏.‏

قال جابر‏:‏ حتَّى سمعه أهل المسجد حتَّى أتاه رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم فمسحه فسكن‏.‏

فقال بعضهم‏:‏ لو لم يأته لحنَّ إلى يوم القيامة‏.‏

وهذا على شرط مسلم، ولم يروه إلا ابن ماجه عن بكير بن خلف، عن ابن أبي عدي، عن سليمان التيميّ، عن أبي نضرة المنذر بن مالك بن قطفة العبديّ النضريّ، عن جابر به‏.‏

الحديث الرابع عن سهل بن سعد‏:‏


قال أبو بكر ابن أبي شيبة‏:‏ ثنا سفيان بن عيينة عن أبي حازم قال‏:‏ أتوا سهل بن سعد فقالوا‏:‏ من أي شيء منبر رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - ‏؟‏

فقال‏:‏ كان رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - يستند إلى جذع في المسجد يصلي إليه إذا خطب، فلمَّا اتخذ المنبر فصعد حنَّ الجذع حتَّى أتاه رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - فوطَّنه حتى سكن‏.‏

وأصل هذا الحديث في الصَّحيحين وإسناده على شرطهما‏.‏

وقد رواه إسحاق بن راهويه وابن أبي فديك عن عبد المهيمن بن عبَّاس بن سهل بن سعد، عن أبيه، عن جده‏.‏

ورواه عبد الله بن نافع وابن وهب عن عبد الله بن عمر، عن ابن عبَّاس بن سهل، عن أبيه فذكره‏.‏

ورواه ابن لهيعة عن عمارة بن عرفة، عن ابن عبَّاس بن سهل بن سعد، عن أبيه بنحوه‏.‏

الحديث الخامس عن عبد الله بن عبَّاس‏:‏

قال الإمام أحمد‏:‏ حدَّثنا عفَّان، ثنا حماد عن عمار بن أبي عمار، عن ابن عبَّاس رضي الله عنهما أنَّ رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم كان يخطب إلى جذع قبل أن يتَّخذ المنبر، فلمَّا اتخذ المنبر وتحول إليه حنَّ عليه فأتاه فاحتضنه فسكن قال‏:‏ ‏(‏‏(‏ولو لم أحتضنه لحنَّ إلى يوم القيامة‏)‏‏)‏‏.‏

وهذا الإسناد على شرط مسلم، ولم يروه إلا ابن ماجه من حديث حماد بن سلمة‏.‏

الحديث السَّادس عن عبد الله بن عمر‏:‏

قال البخاريّ‏:‏ ثنا محمد بن المثنى حدَّثنا يحيى بن كثير أبو غسَّان، ثنا أبو حفص - واسمه عمر بن العلاء أخو أبي عمرو بن العلاء - قال‏:‏ سمعت نافعاً عن ابن عمر رضي الله عنهما قال‏:‏ كان النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم يخطب إلى جذع فلمَّا اتخذ المنبر تحوَّل إليه، فحنَّ الجذع فأتاه فمسح يده عليه‏.‏

وقال عبد الحميد‏:‏ أنَّا عثمان بن عمر، أنَّا معاذ بن العلاء عن نافع بهذا‏.‏

ورواه أبو عاصم عن ابن أبي رواد، عن نافع، عن ابن عمر، عن النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم هكذا ذكره البخاري‏.‏

وقد رواه التّرمذيّ عن عمرو بن علي الفلاس، عن عثمان بن عمرو ويحيى بن كثير، عن أبي غسَّان العنبريّ، كلاهما عن معاذ بن العلاء به وقال‏:‏ حسن صحيح غريب‏.‏

قال شيخنا الحافظ أبو الحجاج المزيّ في ‏(‏أطرافه‏)‏‏:‏ ورواه علي بن نصر بن علي الجهضمي، وأحمد بن خالد الخلال، وعبد الله بن عبد الرَّحمن الدَّارميّ في آخرين عن عثمان بن عمر، عن معاذ بن العلاء قال‏:‏ وعبد الحميد هذا - يعني‏:‏ الذي ذكره البخاري - يقال‏:‏ إنَّه عبد بن حميد، والله أعلم‏.‏

قال شيخنا‏:‏ وقد قيل‏:‏ إنَّ قول البخاريّ عن أبي حفص - واسمه عمرو بن العلاء - وهم، والصَّواب معاذ ابن العلاء كما وقع في رواية التّرمذيّ‏.‏

قلت‏:‏ وليس هذا ثابتاً في جميع النسخ، ولم أر في النّسخ التي كتبت منها تسميته بالكلية، والله أعلم‏.‏

وقد روى هذا الحديث الحافظ أبو نعيم من حديث عبد الله بن رجاء عن عبيد الله بن عمر، ومن حديث أبي عاصم عن ابن أبي رواد، كلاهما عن نافع عن ابن عمر قال‏:‏ قال تميم الدَّاري‏:‏ ألا نتخذ لك منبراً فذكر الحديث‏.‏


طريق أخرى عن ابن عمر‏:‏

قال الإمام أحمد‏:‏ ثنا حسين، ثنا خلف عن أبي خبَّاب - وهو يحيى ابن أبي حية - عن أبيه، عن عبد الله بن عمر قال‏:‏ كان جذع نخلة في المسجد يسند رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم ظهره إليه إذا كان يوم جمعة، أو حدث أمر يريد أن يكلِّم النَّاس‏.‏

فقالوا‏:‏ ألا نجعل لك يا رسول الله شيئاً كقدر قيامك ‏؟‏

قال‏:‏ ‏(‏‏(‏لا عليكم أن تفعلوا‏)‏‏)‏

فصنعوا له منبراً ثلاث مراقي‏.‏

قال‏:‏ فجلس عليه‏.‏

قال‏:‏ فخار الجذع كما تخور البقرة جزعاً على رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم فالتزمه ومسحه حتى سكن‏.‏

تفرَّد به أحمد‏.‏

الحديث السَّابع عن أبي سعيد الخدريّ‏:‏

قال عبد بن حميد اللَّيثي‏:‏ ثنا علي بن عاصم عن الجريريّ، عن أبي نضرة العبديّ، حدَّثني أبو سعيد الخدريّ قال‏:‏ كان رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم يخطب يوم الجمعة إلى جذع نخلة‏.‏

فقال له النَّاس‏:‏ يا رسول الله إنَّه قد كثر النَّاس - يعني‏:‏ المسلمين - وإنهم ليحبُّون أن يروك فلو اتخذت منبراً تقوم عليه ليراك النَّاس‏.‏

قال‏:‏ ‏(‏‏(‏نعم من يجعل لنا هذا المنبر‏؟‏‏)‏‏)‏‏.‏

فقام إليه رجل فقال‏:‏ أنا‏.‏

قال‏:‏ ‏(‏‏(‏تجعله‏)‏‏)‏

قال‏:‏ نعم، ولم يقل إن شاء الله‏.‏

قال‏:‏ ‏(‏‏(‏ما اسمك‏؟‏‏)‏‏)‏

قال‏:‏ فلان‏.‏

قال‏:‏ ‏(‏‏(‏أقعد‏)‏‏)‏

فقعد، ثمَّ عاد فقال‏:‏ ‏(‏‏(‏من يجعل لنا هذا المنبر‏؟‏‏)‏‏)‏

فقام إليه رجل فقال‏:‏ أنا‏.‏

فقال‏:‏ ‏(‏‏(‏تجعله‏)‏‏)‏

قال‏:‏ نعم، ولم يقل إن شاء الله‏.‏

قال‏:‏ ‏(‏‏(‏ما اسمك‏؟‏‏)‏‏)‏

قال‏:‏ فلان‏.‏

قال‏:‏ ‏(‏‏(‏أقعد‏)‏‏)‏‏.‏

فقعد، ثمَّ عاد فقال‏:‏ ‏(‏‏(‏من يجعل لنا هذا المنبر‏؟‏‏)‏‏)‏

فقام إليه رجل فقال‏:‏ أنا‏.‏

قال‏:‏ ‏(‏‏(‏تجعله‏؟‏‏)‏‏)‏

قال‏:‏ نعم، ولم يقل إن شاء الله‏.‏

قال‏:‏ ‏(‏‏(‏ما اسمك‏؟‏‏)‏‏)‏

قال‏:‏ فلان‏.‏

قال‏:‏ ‏(‏‏(‏أقعد‏)‏‏)‏

فقعد، ثمَّ عاد فقال‏:‏ ‏(‏‏(‏من يجعل لنا هذا المنبر‏؟‏‏)‏‏)‏

فقام إليه رجل فقال‏:‏ أنا‏.‏

قال‏:‏ ‏(‏‏(‏تجعله‏؟‏‏)‏‏)‏

قال‏:‏ نعم إن شاء الله‏.‏

قال‏:‏ ‏(‏‏(‏ما اسمك‏؟‏‏)‏‏)‏

قال‏:‏ إبراهيم‏.‏

قال‏:‏ ‏(‏‏(‏اجعله‏)‏‏)‏

فلمَّا كان يوم الجمعة اجتمع النَّاس للنبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم في آخر المسجد فلمَّا صعد رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم المنبر فاستوى عليه فاستقبل النَّاس وحنَّت النَّخلة حتى أسمعتني وأنا في آخر المسجد‏.‏

قال‏:‏ فنزل رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم عن المنبر فاعتنقها فلم يزل حتى سكنت، ثمَّ عاد إلى المنبر فحمد الله وأثنى عليه ثمَّ قال‏:‏ ‏(‏‏(‏إنَّ هذه النَّخلة إنما حنَّت شوقاً إلى رسول الله لما فارقها، فوالله لو لم أنزل إليها فأعتنقها لما سكنت إلى يوم القيامة‏)‏‏)‏‏.‏

وهذا إسناد على شرط مسلم، ولكن في السِّياق غرابة، والله تعالى أعلم‏.‏

طريق أخرى عن أبي سعيد‏:‏

قال الحافظ أبو يعلى‏:‏ ثنا مسروق بن المرزبان، ثنا زكريا عن مجالد عن أبي الوداك - وهو جبر بن نوف - عن أبي سعيد قال‏:‏ كان النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم يقوم إلى خشبة يتوكأ عليها يخطب كل جمعة، حتى أتاه رجل من الرُّوم فقال‏:‏ إن شئت جعلت لك شيئاً إذا قعدت عليه كنت كأنك قائم ‏؟‏

قال‏:‏ ‏(‏‏(‏نعم‏)‏‏)‏


قال‏:‏ فجعل له المنبر فلما جلس عليه حنَّت الخشبة حنين النَّاقة على ولدها حتَّى نزل النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم فوضع يده عليها، فلمَّا كان الغد رأيتها قد حوِّلت‏.‏

فقلنا‏:‏ ما هذا ‏؟‏

قالوا‏:‏ جاء رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - وأبو بكر وعمر البارحة فحولوها‏.‏

وهذا غريب أيضاً‏.‏

الحديث الثَّامن عن عائشة رضي الله عنها‏:‏

رواه الحافظ من حديث علي بن أحمد الحوار عن قبيصة، عن حبان بن علي، عن صالح بن حبان، عن عبد الله بن بريدة، عن عائشة، فذكر الحديث بطوله، وفيه أنَّه خيَّره بين الدُّنيا والآخرة فاختار الجذع الآخرة وغار حتى ذهب فلم يعرف، هذا حديث غريب إسناداً ومتناً‏.‏

الحديث التَّاسع عن أم سلمة -رضي الله عنها -‏:‏

روى أبو نعيم من طريق شريك القاضي وعمرو ابن أبي قيس ومعلى بن هلال ثلاثتهم عن عمار الذهبيّ، عن أبي سلمة بن عبد الرَّحمن، عن أم سلمة قالت‏:‏ كان لرسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم خشبة يستند إليها إذا خطب، فصنع له كرسي أو منبر فلمَّا فقدته خارت كما يخور الثَّور حتى سمع أهل المسجد، فأتاها رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم فسكنت، هذا لفظ شريك‏.‏

وفي رواية معلى بن هلال‏:‏ أنها كانت من دوم، وهذا إسناد جيد ولم يخرِّجوه‏.‏

وقد روى الإمام أحمد والنَّسائيّ من حديث عمار الذهبي عن أبي سلمة، عن أم سلمة قالت‏:‏ قال رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم‏:‏ ‏(‏‏(‏قوائم منبري في زاوية في الجنَّة‏)‏‏)‏‏.‏

وروى النَّسائيّ أيضاً بهذا الإسناد‏:‏ ‏(‏‏(‏ما بين بيتي ومنبري روضة من رياض الجنَّة‏)‏‏)‏‏.‏

فهذه الطُّرق من هذه الوجوه تفيد القطع بوقوع ذلك عند أئمة هذا الفنّ، وكذا من تأمَّلها وأنعم فيها النَّظر والتَّأمل مع معرفته بأحوال الرِّجال وبالله المستعان‏.‏

وقد قال الحافظ أبو بكر البيهقيّ‏:‏ أنَّا أبو عبد الله الحافظ، أخبرني أبو أحمد ابن أبي الحسن، ثنا عبد الرَّحمن بن محمد بن إدريس الرَّازيّ قال‏:‏ قال أبي - يعني أبا حاتم الرَّازيّ -‏:‏ قال عمرو بن سواد‏:‏ قال لي الشَّافعيّ‏:‏ ما أعطى الله نبياً ما أعطى محمداً صلَّى الله عليه وسلَّم‏.‏

فقلت له‏:‏ أعطى عيسى إحياء الموتى‏.‏

فقال‏:‏ أعطى محمداً الجذع الذي كان يخطب إلى جنبه حتَّى هيء له المنبر، فلمَّا هيء له المنبر حنَّ الجذع حتى سمع صوته فهذا أكبر من ذلك‏.‏

باب تسبيح الحصى في كفه عليه الصلاة والسلام‏:‏

قال الحافظ أبو بكر البيهقيّ‏:‏ أنَّا أبو الحسن علي بن أحمد بن عبدان، أنَّا أحمد بن عبيد الصفار، ثنا الكديميّ، ثنا قريش بن أنس، ثنا صالح ابن أبي الأخضر عن الزهريّ، عن رجل يقال له‏:‏ سويد بن يزيد السلميّ قال‏:‏ سمعت أبا ذر يقول‏:‏ لا أذكر عثمان إلا بخير بعد شيء رأيته كنت رجلاً أتبع خلوات رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم، فرأيته يوماً جالساً وحده فاغتنمت خلوته فجئت حتى جلست إليه فجاء أبو بكر فسلَّم عليه، ثمَّ جلس عن يمين رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم، ثمَّ جاء عمر فسلَّم وجلس عن يمين أبي بكر، ثمَّ جاء عثمان فسلَّم ثم جلس عن يمين عمر وبين يدي رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم سبع حصيات - أو قال‏:‏ تسع حصيات - فأخذهن في كفه فسبحن حتى سمعت لهن حنيناً كحنين النَّخل، ثمَّ وضعهنَّ فخرسن، ثمَّ أخذهنَّ فوضعهنَّ في كف أبي بكر فسبَّحن حتى سمعت لهنَّ حنيناً كحنين النَّخل، ثمَّ وضعهنَّ فخرسن، ثمَّ تناولهنَّ فوضعهنَّ في يد عمر فسبحن حتى سمعت لهنَّ حنيناً كحنين النَّخل، ثمَّ وضعهنَّ فخرسن، ثمَّ تناولهنَّ فوضعهنَّ في يد عثمان فسبحن حتى سمعت لهنَّ حنيناً كحنين النَّخل، ثمَّ وضعهنَّ فخرسن فقال النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم‏:‏ ‏(‏‏(‏هذه خلافة النبوة‏)‏‏)‏‏.‏

قال البيهقيّ‏:‏ وكذلك رواه محمد بن يسار عن قريش بن أنس، عن صالح بن أبي الأخضر، وصالح لم يكن حافظاً، والمحفوظ عن أبي حمزة، عن الزهريّ قال‏:‏ ذكر الوليد بن سويد هذا الحديث عن أبي ذر هكذا‏.‏

قال البيهقيّ‏:‏ وقد قال محمد بن يحيى الذُّهليّ في الزهريات التي جمع فيها أحاديث الزهريّ‏:‏ حدَّثنا أبو اليمان، ثنا شعيب قال‏:‏ ذكر الوليد بن سويد أنَّ رجلاً من بني سليم كبير السِّن كان ممن أدرك أبا ذر بالربذة ذكر أنَّه بينما هو قاعد يوماً في ذلك المجلس وأبو ذر في المجلس إذ ذكر عثمان بن عفَّان، يقول السلميّ‏:‏ فأنا أظن أنَّ في نفس أبي ذر على عثمان معتبة لإنزاله إياه بالربذة، فلمَّا ذكر له عثمان عرض له أهل العلم بذلك وهو يظن أن في نفسه عليه معتبة، فلمَّا ذكره قال‏:‏ لا تقل في عثمان إلا خيراً، فإني أشهد لقد رأيت منه منظراً وشهدت منه مشهداً لا أنساه حتى أموت، كنت رجلاً ألتمس خلوات النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم لأسمع منه أو لآخذ عنه، فهجَّرت يوماً من الأيام فإذا النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم قد خرج من بيته، فسألت عنه الخادم فأخبرني أنَّه في بيت فأتيته وهو جالس ليس عنده أحد من النَّاس، وكأني حينئذ أرى أنَّه في وحي، فسلَّمت عليه فردَّ السَّلام ثمَّ قال‏:‏ ‏(‏‏(‏ما جاء بك‏؟‏‏)‏‏)‏

فقلت‏:‏ جاء بي الله ورسوله، فأمرني أن أجلس، فجلست إلى جنبه لا أسأله عن شيء ولا يذكره لي، فمكثت غير كثير فجاء أبو بكر يمشي مسرعاً فسلَّم عليه، فردَّ السَّلام ثم قال‏:‏ ‏(‏‏(‏ما جاء بك‏؟‏‏)‏‏)‏

قال‏:‏ جاء بي الله ورسوله، فأشار بيده أن اجلس، فجلس إلى ربوة مقابل النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم بينه وبينها الطَّريق، حتى إذا استوى أبو بكر جالساً فأشار بيده، فجلس إلى جنبي عن يميني، ثمَّ جاء عمر ففعل مثل ذلك، وقال له رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم مثل ذلك، وجلس إلى جنب أبي بكر على تلك الرَّبوة، ثمَّ جاء عثمان فسلَّم، فردَّ السَّلام وقال‏:‏ ‏(‏‏(‏ما جاء بك‏؟‏‏)‏‏)‏

قال‏:‏ جاء بي الله ورسوله، فأشار إليه بيده فقعد إلى الرَّبوة، ثمَّ أشار بيده فقعد إلى جنب عمر، فتكلم النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم بكلمة لم أفقه أولها غير أنَّه قال‏:‏ ‏(‏‏(‏قليل ما يبقين‏)‏‏)‏ ثمَّ قبض على حصيات سبع أو تسع أو قريب من ذلك، فسبَّحن في يده حتى سمع لهن حنيناً كحنين النَّخل في كفِّ النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم، ثمَّ ناولهنَّ أبا بكر وجاوزني فسبَّحن في كفِّ أبي بكر كما سبحن في كف النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم، ثمَّ أخذهن منه فوضعهنَّ في الأرض فخرسن فصرن حصاً، ثمَّ ناولهنَّ عمر فسبحن في كفه كما سبحن في كفِّ أبي بكر، ثمَّ أخذهنَّ فوضعهن في الأرض فخرسن، ثمَّ ناولهنَّ عثمان فسبحن في كفِّه نحو ما سبَّحن في كفِّ أبي بكر وعمر، ثمَّ أخذهنَّ فوضعهنَّ في الأرض فخرسن‏.‏

قال الحافظ ابن عساكر‏:‏ رواه صالح ابن أبي الأخضر عن الزهري فقال عن رجل يقال له‏:‏ سويد بن يزيد السلميّ، وقول شعيب أصح‏.‏

وقال أبو نعيم في كتاب ‏(‏دلائل النبوة‏)‏‏:‏ وقد روى داود ابن أبي هند عن الوليد بن عبد الرَّحمن الحرشيّ، عن جبير بن نفير، عن أبي ذر مثله‏.‏

ورواه شهر بن حوشب وسعيد بن المسيّب عن أبي سعيد قال‏:‏ وفيه عن أبي هريرة، وقد تقدَّم ما رواه البخاريّ‏:‏ عن ابن مسعود رضي الله عنه أنَّه قال‏:‏ ولقد كنَّا نسمع تسبيح الطَّعام وهو يؤكل‏.‏

حديث آخر في ذلك‏:‏

روى الحافظ البيهقيّ من حديث عبد الله بن عثمان بن إسحاق بن سعد ابن أبي وقاص قال‏:‏ حدَّثني أبو أمي مالك بن حمزة ابن أبي أسيد السَّاعديّ عن أبيه، عن جده أبي أسيد السَّاعديّ قال‏:‏ قال رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم للعبَّاس بن عبد المطَّلب‏:‏ ‏(‏‏(‏يا أبا الفضل لا ترم منزلك غداً أنت وبنوك حتى آتيكم فإنَّ لي فيكم حاجة‏)‏‏)‏‏.‏

فانتظروه حتى جاء بعد ما أضحى فدخل عليهم فقال‏:‏ ‏(‏‏(‏السَّلام عليكم‏)‏‏)‏

فقالوا‏:‏ وعليك السَّلام ورحمة الله وبركاته‏.‏

قال‏:‏ ‏(‏‏(‏كيف أصبحتم‏؟‏‏)‏‏)‏

قالوا‏:‏ أصبحنا بخير نحمد الله فكيف أصبحت بأبينا وأمنا أنت يا رسول الله ‏؟‏

قال‏:‏ ‏(‏‏(‏أصبحت بخير أحمد الله‏)‏‏)‏ فقال لهم‏:‏ ‏(‏‏(‏تقاربوا تقاربوا، يزحف بعضكم إلى بعض‏)‏‏)‏‏.‏

حتى إذا أمكنوه اشتمل عليهم بملاءته وقال‏:‏ ‏(‏‏(‏يا رب هذا عميّ وصنو أبي، وهؤلاء أهل بيتي فاسترهم من النَّار كسترتي إيَّاهم بملاءتي هذه‏)‏‏)‏‏.‏

وقال‏:‏ فأمنت أسكفة الباب وحوائط البيت فقالت‏:‏ آمين آمين آمين‏.‏

وقد رواه أبو عبد الله بن ماجه في سننه مختصراً عن أبي إسحاق إبراهيم بن عبد الله بن حاتم الهرويّ، عن عبد الله بن عثمان بن إسحاق بن سعد ابن أبي وقَّاص الوقَّاصيّ الزهريّ، روى عنه جماعة وقد قال ابن معين‏:‏ لا أعرفه‏.‏

وقال أبو حاتم‏:‏ يروي أحاديث مشبهة‏.‏

حديث آخر‏:‏

قال الإمام أحمد‏:‏ ثنا يحيى ابن أبي بكير، ثنا إبراهيم بن طهمان، حدَّثني سماك بن حرب عن جابر بن سمرة قال‏:‏ قال رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم‏:‏ ‏(‏‏(‏إنِّي لأعرف حجراً بمكة كان يسلِّم عليّ قبل أن أبعث، إنِّي لأعرفه الآن‏)‏‏)‏‏.‏

رواه مسلم عن أبي بكر ابن أبي شيبة، عن يحيى ابن أبي بكير به‏.‏

ورواه أبو داود الطَّيالسيّ عن سليمان بن معاذ، عن سماك به‏.‏

حديث آخر‏:‏

قال التّرمذيّ‏:‏ ثنا عباد بن يعقوب الكوفيّ، ثنا الوليد ابن أبي ثور عن السديّ، عن عبَّاد ابن أبي يزيد، عن علي ابن أبي طالب قال‏:‏ كنت مع النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم بمكة فخرجنا في بعض نواحيها فما استقبله جبل ولا شجر إلا قال‏:‏ السَّلام عليك يا رسول الله‏.‏

ثمَّ قال‏:‏ وهذا حديث حسن غريب، وقد رواه غير واحد عن الوليد ابن أبي ثور، وقالوا عن عباد ابن أبي يزيد منهم‏:‏ فروة ابن أبي الفرا‏.‏

ورواه الحافظ أبو نعيم من حديث زياد بن خيثمة عن السدي، عن أبي عمارة الحيواني، عن علي قال‏:‏ خرجت مع رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم فجعل لا يمرّ على شجر ولا حجر إلا سلَّم عليه‏.‏

وقدَّمنا في المبعث أنَّه عليه السلام لما رجع وقد أوحي إليه جعل لا يمرّ بحجر ولا شجر ولا مدر ولا شيء إلا قال له‏:‏ السَّلام عليك يا رسول الله‏.‏

وذكرنا في وقعة بدر، ووقعة حنين رميه عليه السلام بتلك القبضة من التُّراب وأمره أصحابه أن يتبعوها بالحملة الصَّادقة فيكون النَّصر والظَّفر، والتَّأييد عقب ذلك سريعاً، أما في وقعة بدر فقد قال الله تعالى في سياقها في سورة الأنفال‏:‏ ‏(‏‏(‏وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى‏)‏‏)‏ الآية‏.‏

وأما في غزوة حنين فقد ذكرناه في الأحاديث بأسانيده وألفاظه بما أغني عن إعادته ههنا، ولله الحمد والمنة‏.‏

حديث آخر‏:‏

ذكرنا في غزوة الفتح أنَّ رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم لما دخل المسجد الحرام فوجد الأصنام حول الكعبة فجعل يطعنها بشيء في يده ويقول‏:‏ ‏(‏‏(‏جاء الحقّ، وزهق الباطل، إنَّ الباطل كان زهوقاً، قل‏:‏ جاء الحق وما يبدئ الباطل وما يعيد‏)‏‏)‏‏.‏

وفي رواية أنَّه جعل لا يشير إلى صنم منها إلا خرَّ لقفاه، وفي رواية‏:‏ إلا سقط‏.‏

وقال البيهقيّ‏:‏ أنَّا أبو عبد الله الحافظ وأبو بكر أحمد بن الحسن القاضي قالا‏:‏ ثنا أبو العبَّاس محمد بن يعقوب، ثنا بحر بن نصر وأحمد بن عيسى اللَّخمي قالا‏:‏ ثنا بشر بن بكير، أنَّا الأوزاعيّ عن ابن شهاب أنَّه قال‏:‏ أخبرني القاسم بن محمد ابن أبي بكر الصّديق عن عائشة قالت‏:‏ دخل علي رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم وأنا مستترة بقرام فهتكه، ثمَّ قال‏:‏ ‏(‏‏(‏إنَّ أشدَّ النَّاس عذاباً يوم القيامة الذين يشبهون بخلق الله‏)‏‏)‏‏.‏

قال الأوزاعيّ‏:‏ وقالت عائشة‏:‏ أتى رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم بترس فيه تمثال عقاب فوضع عليه يده فأذهبه الله عزَّ وجل‏.‏