الجزء السابع - فصل خطبة علي رضي الله عنه بعد انصرافه من النهروان

فصل خطبة علي رضي الله عنه بعد انصرافه من النهروان

قال الهيثم بن عدي في كتابه الذي جمعه في الخوارج وهو من أحسن ما صنف في ذلك قال‏:‏ وذكر عيسى بن دآب قال‏:‏ لما انصرف علي رضي الله عنه من النهروان قام في الناس خطيباً، فقال‏:‏ بعد حمد الله والثناء عليه والصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم‏.‏

أما بعد فإن الله قد أعز نصركم فتوجهوا من فوركم هذا إلى عدوكم من أهل الشام‏.‏

فقاموا إليه، فقالوا‏:‏ يا أمير المؤمنين نفذت نبالنا، وكلت سيوفنا، ونصلت أسنتنا، فانصرف بنا إلى مصرنا حتى نستعد بأحسن عدتنا، ولعل أمير المؤمنين يزيد في عدتنا عدة من فارقنا وهلك منا، فإنه أقوى لنا على عدونا - وكان الذي تكلم بهذا الأشعث بن قيس الكندي - فبايعهم وأقبل بالناس حتى نزل بالنخيلة، وأمرهم أن يلزموا معسكرهم ويوطنوا أنفسهم على جهاد عدوهم، ويقلوا زيارة نسائهم وأبنائهم، فأقاموا معه أياماً متمسكين برأيه وقوله، ثم تسللوا حتى لم يبق منهم أحد إلا رؤوس أصحابه‏.‏

فقام علي فيهم خطيباً فقال‏:‏ الحمد لله فاطر الخلق وفالق الأصباح وناشر الموتى، وباعث من في القبور، وأشهد أن لا إله الله، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله‏.‏
وأوصيكم بتقوى الله، فإن أفضل ما توسل به العبد الإيمان، والجهاد في سبيله، وكلمة الإخلاص فإنها الفطرة، وإقام الصلاة، فإنها الملة، وإيتاء الزكاة فإنها من فريضته، وصوم شهر رمضان فإنه جنة من عذابه، وحج البيت فإنه منفاة للفقر مدحضة للذنب‏.‏

وصلة الرحم فإنها مثراة في المال، منسأة في الأجل، محبة في الأهل، وصدقة السر فإنها تكفر الخطيئة وتطفئ غضب الرب، وصنع المعروف فإنه يدفع ميتة السوء ويقي مصارع الهول‏.‏

أفيضوا في ذكر الله فإنه أحسن الذكر، وارغبوا فيما وعد المتقون فإن وعد الله أصدق الوعد، واقتدوا بهدي نبيكم صلى الله عليه وسلم فإنه أفضل الهدى، واستسنوا بسنته فإنها أفضل السنن‏.‏

وتعلموا كتاب الله فإنه أفضل الحديث، وتفقهوا في الدين فإنه ربيع القلوب، واستشفوا بنوره فإنه شفاء لما في الصدور، وأحسنوا تلاوته فإنه أحسن القصص‏.‏

وإذا قرىء عليكم فاستمعوا له وأنصتوا لعلكم ترحمون، وإذا هديتم لعلمه فاعملوا بما علمتم به لعلكم تهتدون، فإن العالم العامل بغير علمه كالجاهل الجائر الذي لا يستقيم عن جهله‏.‏

بل قد رأيت أن الحجة أعظم، والحسرة أدوم على هذا العالم المنسلخ من علمه على هذا الجاهل المتحير في جهله، وكلاهما مضلل مثبور‏.‏

لا ترتابوا فتشكوا، ولا تشكوا فتكفروا، ولا ترخصوا لأنفسكم فتذهلوا، ولا تذهلوا في الحق فتخسروا‏.‏

ألا وإن من الحزم أن تثقوا، ومن الثقة أن لا تغتروا، وإن أنصحكم لنفسه أطوعكم لربه وإن أغشكم لنفسه أعصاكم لربه، من يطع الله يأمن ويستبشر، ومن يعص الله يخف ويندم‏.‏

ثم سلوا الله اليقين وارغبوا إليه في العافية، وخير ما دام في القلب اليقين، إن عوازم الأمور أفضلها، وإن محدثاتها شرارها، وكل محدث بدعة، وكل محدث مبتدع، ومن ابتدع فقد ضيع‏.‏

وما أحدث محدث بدعة إلا ترك بها سنة المغبون من غبن دينه، والمغبون من خسر نفسه‏.‏

وإن الريا من الشرك، وإن الإخلاص من العمل والإيمان، ومجالس اللهو تنسي القرآن ويحضرها الشيطان، وتدعو إلى كل غي، ومجالسة النساء تزيغ القلوب وتطمح إليه الأبصار، وهي مصائد الشيطان‏.‏

فأصدقوا الله فأن الله مع من صدق، وجانبوا الكذب فإن الكذب مجانب للإيمان، ألا إن الصدق على شرف منجاة وكرامة، وإن الكذب على شرف رديء وهلكه‏.‏

ألا وقولوا الحق تعرفوا به، واعملوا به تكونوا من أهله، وأدوا الأمانة إلى من ائتمنكم، وصلوا أرحام من قطعكم، وعودوا بالفضل على من حرمكم‏.‏

وإذا عاهدتم فأوفوا، وإذا حكمتم فاعدلوا، ولا تفاخروا بالآباء، ولا تنابزوا بالألقاب، ولا تمازحوا، ولا يغضب بعضكم بعضاً‏.‏

وأعينوا الضعيف، والمظلوم، والغارمين، وفي سبيل الله، وابن السبيل، والسائلين، وفي الرقاب، وارحموا الأرملة واليتيم، وأفشوا السلام، وردوا التحية على أهلها بمثلها أو بأحسن منها‏.‏

‏{‏وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ‏}‏ ‏[‏المائدة‏:‏ 2‏]‏ وأكرموا الضيف، وأحسنوا إلى الجار، وعودوا المرضى، وشيعوا الجنائز، وكونوا عباد الله إخواناً‏.‏

أما بعد، فإن الدنيا قد أدبرت وآذنت بوداع، وإن الآخرة قد أظلت وأشرفت بإطلاع، وإن المضمار اليوم وغداً السباق، وإن السبقة الجنة والغاية النار‏.‏

ألا وإنكم في أيام مهل من ورائها أجل يحثه عجل، فمن أخلص لله عمله في أيام مهله قبل حضور أجله فقد أحسن عمله ونال أمله، ومن قصر عن ذلك فقد خسر عمله وخاب أمله، وضره أمله، فاعملوا في الرغبة والرهبة، فإن نزلت بكم رغبة فاشكروا الله واجمعوا معها رهبة‏.‏

وإن نزلت بكم رهبة فاذكروا الله واجمعوا معها رغبة، فإن الله قد تأذن المسلمين بالحسنى، ولمن شكر بالزيادة‏.‏

وإني لم أر مثل الجنة نام طالبها، ولا كالنار نام هاربها، ولا أكثر مكتسباً من شيء كسبه ليوم تدخر فيه الدخائر، وتبلى فيه السرائر، وتجتمع في الكبائر، وإنه من لا ينفعه الحق يضره الباطل، ومن لا يستقيم به الهدى يجر به الضلال، ومن لا ينفعه اليقين يضره الشك، ومن لا ينفعه حاضره فعازبه عنه أعور، وغائبه عنه أعجز، وإنكم قد أمرتم بالظعن ودللتم على الزاد‏.‏

ألا وإن أخوف ما أخاف عليكم اثنان‏:‏ طول الأمل، واتباع الهوى‏.‏

فأما طول الأمل فينسي الآخرة، وأما اتباع الهوى فيبعد عن الحق، ألا وإن الدنيا قد ترحلت مدبرة، وإن الآخرة قد ترحلت مقبلة، ولهما بنون فكونوا من أبناء الآخرة إن استطعتم، ولا تكونوا من بني الدنيا، فإن اليوم عمل ولا حساب وغداً حساب ولا عمل‏.‏

وهذه خطبة بليغة نافعة جامعة للخير، ناهية عن الشر‏.‏

وقد روي لها شواهد من وجوه أخر متصلة، ولله الحمد والمنة‏.‏

وقد ذكر ابن جرير‏:‏ أن علياً رضي الله عنه لما نكل أهل العراق عن الذهاب إلى الشام خطبهم فوبخهم وأنبهم وتوعدهم وهددهم وتلا عليهم آيات في الجهاد من سور متفرقة، وحث على المسير إلى عدوهم فأبوا من ذلك وخالفوا ولم يوافقوه، واستمروا في بلادهم، وتفرقوا عنه هاهنا وهاهنا، فدخل على الكوفة‏.‏

فصل ما جرى من أحداث في قصة التحكيم‏.‏

وقد ذكر الهيثم بن عدي‏:‏ أنه خرج على علي بعد النهروان يقال له الحارث بن راشد الناجي، قدم مع أهل البصرة‏.‏

فقال لعلي‏:‏ إنك قد قاتلت أهل النهروان في كونهم أنكروا عليك قصة التحكيم، وتزعم أنك قد أعطيت أهل الشام عهودك ومواثيقك، وأنك لست بناقضها، وهذان الحكمان قد اتفقا على خلعك ثم اختلفا في ولاية معاوية فولاه عمر وامتنع أبو موسى من ذلك، فأنت مخلوع باتفاقهما وأنا قد خلعتك وخلعت معاوية معك‏.‏

وتبع الحارث هذا بشر كثير من قومه - بني ناجية وغيرهم - وتحيزوا ناحية، فبعث إليهم على معقل بن قيس الرماحي في جيش كثيف فقتلهم معقل قتلاً ذريعاً‏.‏

وسبى من بني ناجية خمسمائة أهل بيت فقدم بهم ليقدم بهم على علي فتلقاه رجل يقال له‏:‏ مصقلة بن هبيرة أبو المغلس - وكان عاملاً لعلي على بعض الأقاليم - فتضرروا إليه وشكوا ما هم فيه من السبي‏.‏

فاشتراهم مصقلة من معقل بخمسمائة ألف درهم وأعتقهم، فطالبه بالثمن فهرب منه إلى ابن عباس بالبصرة‏.‏

فكتب معقل إلى ابن عباس فقال له مصقلة‏:‏ إني إنما جئت لأدفع ثمنهم إليك، ثم هرب منه إلى علي، فكتب ابن عباس ومعقل إلى علي فطالبه علي فدفع من الثمن مائتي ألف ثم انشمر هارباً فلحق بمعاوية بن أبي سفيان بالشام‏.‏

فأمضى علي عتقهم وقال‏:‏ ما بقي من المال في ذمة مصقلة‏؟‏ وأمر بداره في الكوفة فهدمت‏.‏

وقد روى الهيثم، عن سفيان الثوري وإسرائيل، عن عمار الدهني، عن أبي الطفيل‏:‏ أن بني ناجية ارتدوا فبعث إليهم‏:‏ معقل بن قيس فسباهم، فاشتراهم مصقله من علي بثلاثمائة ألف فأعتقهم ثم هرب إلى معاوية‏.‏

قال الهيثم‏:‏ وهذا قول الشيعة، ولم يسمع بحي من العرب ارتدوا بعد الردة التي كانت في أيام الصديق‏.‏

وقال الهيثم‏:‏ حدثني عبد الله بن تميم بن طرفة الطائي، حدثني أبي‏:‏ أن عدي بن حاتم قال مرة لعلي بن أبي طالب وهو يخطب‏:‏ قتلت أهل النهروان على إنكار الحكومة، وقتلت الحريث بن راشد على مسألتهم إياك أيضاً الحكومة، والله ما بينهما موضع قدم‏.‏

فقال له علي‏:‏ اسكت إنما كنت أعرابياً تأكل الضبع بجبل طيء بالأمس‏.‏

فقال له عدي‏:‏ وأنت والله قد رأيناك بالأمس تأكل البلح بالمدينة‏.‏

قال الهيثم‏:‏ ثم خرج على علي رجل من أهل البصرة فقتل، فأمر أصحابه عليهم الأشرس بن عوف الشيباني، فقتل هو وأصحابه‏.‏

قال‏:‏ ثم خرج على علي الأشهب بن بشر البجلي، ثم أحد عرينة من أهل الكوفة فقتل هو وأصحابه‏.‏

قال‏:‏ ثم خرج على علي سعيد بن نغد التميمي، ثم من بني ثعلبة من أهل الكوفة فقتل بقنطرة درربجان فوق المدائن‏.‏

قال الهيثم‏:‏ أخبرني بذلك عبد الله بن عياش عن مشيخته‏.‏

فصل قتاله للخوارج كان سنة سبع وثلاثين‏.‏

ذكر ابن جرير، عن أبي مخنف لوط بن يحيى - وهو أحد أئمة هذا الشأن - أن قتال علي للخوارج يوم النهروان، كان في هذه السنة - أعني‏:‏ سنة سبع وثلاثين -‏.‏

قال ابن جرير‏:‏ وأكثر أهل السير على أن ذلك كان في سنة ثمان وثلاثين، وصححه ابن جرير‏.‏

قلت‏:‏ وهو الأشبه كما سننبه عليه في السنة الآتية إن شاء الله تعالى‏.‏

قال ابن جرير‏:‏ وحج بالناس في هذه السنة - يعني‏:‏ سنة سبع وثلاثين - عبيد الله بن عباس نائب علي على اليمن ومخالفيها‏.‏

وكان نائب مكة قثم بن العباس، وعلى المدينة تمام بن عباس، وقيل‏:‏ سهل بن حنيف، وعلى البصرة عبد الله بن عباس، وعلى قضائها أبو الأسود الدؤلي، وعلى مصر محمد بن أبي بكر، وعلي بن أبي طالب أمير المؤمنين مقيم بالكوفة، ومعاوية بن أبي سفيان مستحوذ على الشام‏.‏

قلت‏:‏ ومن نيته أن يأخذ مصر من محمد بن أبي بكر‏.‏

ذكر من توفي فيها من الأعيان‏:‏

خباب بن الأرت بن جندلة بن سعد بن خزيمة، كان قد أصابه سبي في الجاهلية فاشترته أنمار الخزاعية التي كانت تختن النساء، وهي أم سباع بن عبد العزى الذي قتله حمزة يوم أحد وحالف بني زهرة‏.‏

أسلم خباب قديماً قبل دار الأرقم، وكان ممن يؤدي في الله فيصبر ويحتسب، وهاجر وشهد بدراً وما بعدها من المشاهد‏.‏
قال الشعبي‏:‏ دخل يوماً على عمر فأكرم مجلسه وقال‏:‏ ما أحد أحق بهذا المجلس منك إلا بلال‏.‏

فقال‏:‏ يا أمير المؤمنين إن بلالاً كان يؤذى وكان له من يمنعه، وإني كنت لا ناصر لي والله لقد سلقوني يوماً في نار أججوها ووضع رجل على صدري فما اتقيت الأرض إلا بظهري، ثم كشف عن ظهره فإذا هو برص رضي الله عنه‏.‏

ولما مرض دخل عليه أناس من الصحابة يعودونه فقالوا‏:‏ أبشر غداً تلقى الأحبة محمداً وحزبه‏.‏

فقال‏:‏ والله إن إخواني مضوا ولم يأكلوا من دنياهم شيئاً، وإنا قد أينعت لنا ثمرتها فنحن نهدبها، فهذا الذي يهمني‏.‏

قال‏:‏ وتوفي بالكوفة في هذه السنة عن ثلاث وستين سنة وهو أول من دفن بظاهر الكوفة‏.‏

خزيمة بن ثابت

ابن الفاكه بن ثعلبة بن ساعدة الأنصاري ذو الشهادتين وكانت راية بني حطمة معه يوم الفتح، وشهد صفين مع علي، وقتل يومئذٍ رضي الله عنه‏.‏

سفينة

مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم قد قدمنا ترجمته في الموالي المنسوبين إليه صلوات الله وسلامه عليه‏.‏

عبد الله بن الأرقم بن أبي الأرقم

أسلم عام الفتح وكتب بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم‏.‏ وقد تقدم مع كتاب الوحي‏.‏

عبد الله بن بديل بن ورقاء الخزاعي، قتل يوم صفين وكان أمير الميمنة لعلي فصارت إمرتها للأشتر النخعي‏.‏

عبد الله بن خباب بن الأرت‏.‏ ولد في حياة النبي صلى الله عليه وسلم، وكان موصوفاً بالخير، قتله الخوارج كما قدمنا بالنهروان في هذه السنة، فلما جاء علي قال لهم‏:‏ أعطونا قتلته ثم أنتم آمنون‏.‏

فقالوا‏:‏ كلنا قتله، فقاتلهم‏.‏

عبد الله بن سعد بن أبي سرح‏:‏ أحد كتّاب الوحي أيضاً، أسلم قديماً وكتب الوحي ثم ارتد ثم عاد إلى الإسلام عام الفتح واستأمن له عثمان - وكان أخاه لأمه - وحسن إسلامه وقد ولاه عثمان نيابة مصر بعد موت عمرو بن العاص، فغزا إفريقية وبلاد النوبة، وفتح الأندلس وغزا ذات الصواري مع الروم في البحر فقتل منهم ما صبغ وجه الماء من الدماء‏.‏

ثم لما حصر عثمان تغلب عليه محمد بن أبي حذيفة وأخرجه من مصر فمات في هذه السنة وهو معتزل علياً ومعاوية، في صلاة الفجر بين التسليمتين رضي الله عنه‏.‏

عمار بن ياسر أبو اليقظان العبسي

من عبس اليمن، وهو حليف بني مخزوم، أسلم قديماً وكان ممن يعذب في الله هو وأبوه وأمه سمية‏.‏

ويقال‏:‏ إنه أول من اتخذ مسجداً في بيته يتعبد فيه، وقد شهد بدراً وما بعدها وقد قدمنا كيفية مقتله يوم صفين وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ ‏(‏‏(‏تقتلك الفئة الباغية‏)‏‏)‏‏.‏

وروى الترمذي من حديث الحسن عن أنس‏:‏ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال‏:‏

‏(‏‏(‏إن الجنة تشتاق إلى ثلاثة، علي وعمار وسلمان‏)‏‏)‏‏.‏
وفي الحديث الآخر الذي رواه الثوري وقيس بن الربيع، وشريك القاضي وغيرهم عن أبي إسحاق عن هانئ بن هانئ عن علي‏:‏ أن عماراً استأذن على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال‏:‏ ‏(‏‏(‏مرحباً بالطيب المطيب‏)‏‏)‏‏.‏

وقال إبراهيم بن الحسين‏:‏ حدثنا يحيى، حدثني نصر، ثنا سفيان الثوري، عن أبي الأعمش، عن أبي عمار، عن عمرو بن شرحبيل، عن رجل من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال‏:‏

‏(‏‏(‏لقد ملئ عمار إيماناً من قدمه إلى مشاشه‏)‏‏)‏‏.‏

وحدثنا يحيى بن معلى، عن الأعمش، عن مسلم، عن مسروق، عن عائشة أنها قالت‏:‏ ما من أحد من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أشاء أن أقول فيه إلا عمار بن ياسر، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏‏(‏إن عمار بن ياسر حُشي ما بين أخمص قدميه إلى شحمة أذنه إيماناً‏)‏‏)‏‏.‏

وحدثنا يحيى، ثنا عمرو بن عون أنا هشيم، عن العوام بن حوشب، عن سلمة بن كهيل، عن علقمة قال‏:‏ أتيت أهل الشام فلقيت خالد بن الوليد فحدثني قال‏:‏ كان بيني وبين عمار بن ياسر كلام في شيء فشكاني إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال‏:‏

‏(‏‏(‏يا خالد‏!‏ لا تؤذ عماراً فإنه من يبغض عماراً يبغضه الله ومن يعاد عماراً يعاده الله‏)‏‏)‏ قال‏:‏ فعرضت له بعد ذلك فسللت ما في نفسه‏.‏

وله أحاديث كثيرة في فضائله رضي الله عنه قتل بصفين عن إحدى، وقيل‏:‏ ثلاث، وقيل‏:‏ أربع وتسعين سنة طعنه أبو الغادية فسقط ثم أكب عليه رجل فاحتز رأسه، ثم اختصما إلى معاوية أيهما قتله فقال لهما عمرو بن العاص‏:‏ اندرا فوالله إنكما لتختصمان في النار، فسمعها منه معاوية فلامه على تسميعه إياهما ذلك‏.‏

فقال له عمرو‏:‏ والله إنك لتعلم ذلك، ولوددت أني مت قبل هذا اليوم بعشرين سنة‏.‏

قال الواقدي‏:‏ حدثني الحسن بن الحسين بن عمارة عن أبي إسحاق، عن عاصم‏:‏ أن علياً صلى عليه ولم يغسله وصلى مع علي هاشم بن عتبة، فكان عمار مما يلي علياً، وهاشم إلى نحو القبلة‏.‏

قالوا‏:‏ وقبر هنالك، وكان آدم اللون، طويلاً بعيداً ما بين المنكبين‏:‏ أشهل العينين، رجلاً لا يغير شيبه رضي الله عنه‏.‏
الربيع بن معوذ بن عفراء

أسلمت قديماً وكانت تخرج مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الغزوات فتداوي الجرحى، وتسقي الماء للكلمى، وروت أحاديث كثيرة‏.‏

وقد قتل في هذه السنة في أيام صفين خلق كثير وجم غفير، فقيل‏:‏ قتل من أهل الشام خمسة وأربعون ألفاً ومن أهل العراق خمسة وعشرون ألفاً‏.‏

وقيل‏:‏ قتل من أهل العراق أربعون ألفاً - من مائة وعشرين ألفاً - وقيل من أهل الشام عشرون ألفاً من ستين ألفاً وبالجملة فقد كان فيهم أعيان ومشاهير يطول استقصاؤهم وفيما ذكرنا كفاية والله تعالى أعلم‏.‏

ثم دخلت سنة ثمان وثلاثين

فيها‏:‏ بعث معاوية عمرو بن العاص إلى ديار مصر فأخذها من محمد بن أبي بكر واستناب معاوية عمراً عليها، وذلك كما سنبينه‏.‏

وقد كان علي رضي الله عنه استناب عليها قيس بن سعد بن عبادة وانتزعها من يد محمد بن أبي حذيفة حين كان استحوذ عليها ومنع عبد الله بن سعد بن أبي سرح من التصرف فيها، حين حصر عثمان - وقد كان عثمان استخلفه عليها وعزل عنها عمرو بن العاص - وعمرو كان هو الذي افتتحها كما قدمنا ذكر ذلك‏.‏

ثم إن علياً عزل قيس بن سعد عنها وولى عليها محمد بن أبي بكر وقد ندم علي على عزل قيس بن سعد عنها، وذلك أنه كان كفواً لمعاوية وعمرو، ولما ولي محمد بن أبي بكر لم يكن فيه قوة تعادل معاوية وعمراً، وحين عزل قيس بن سعد عنها رجع إلى المدينة ثم سار إلى علي بالعراق فكان معه‏.‏

وكان معاوية يقول‏:‏ والله لقيس بن سعد عند علي أبغض إليّ من مائة ألف مقاتل بدله عنده، فشهد معه صفين فلما فرغ علي من صفين وبلغه أن أهل مصر قد استخفوا بمحمد بن أبي بكر لكونه شاب ابن ست وعشرين سنة أو نحو ذلك عزم على رد مصر إلى قيس بن سعد، وكان قد جعله على شرطته أو إلى الأشتر النخعي وقد كان نائبه على الموصل ونصيبين، فكتب إليه بعد صفين فاستقدمه عليه ثم ولاه مصر‏.‏

فلما بلغ معاوية تولية علي للأشتر النخعي ديار مصر بدل محمد بن أبي بكر عظم ذلك عليه، وذلك أنه كان قد طمع في مصر واستنزاعها من يد محمد ابن أبي بكر، وعلم أن الأشتر سيمنعها منه لحزمه وشجاعته‏.‏

فلما سار الأشتر إليها وانتهى إلى القلزم استقبله الخانسار وهو مقدم على الخراج فقدم إليه طعاماً وسقاه شراباً من عسل فمات منه، فلما بلغ ذلك معاوية وعمراً وأهل الشام قالوا‏:‏ إن لله جنوداً من عسل‏.‏

وقد ذكر ابن جرير في ‏(‏تاريخه‏)‏‏:‏ أن معاوية كان قد تقدم إلى هذا الرجل في أن يحتال على الأشتر ليقتله ووعده على ذلك بأمور ففعل ذلك، وفي هذا نظر‏.‏

وبتقدير صحته فمعاوية يستجيز قتل الأشتر لأنه من قتلة عثمان رضي الله عنه‏.‏

والمقصود‏:‏ أن معاوية وأهل الشام فرحوا فرحاً شديداً بموت الأشتر النخعي، ولما بلغ ذلك علياً تأسف على شجاعته وغنائه، وكتب إلى محمد بن أبي بكر باستقراره واستمراره بديار مصر، غير أنه ضعف جأشه مع ما كان فيه من الخلاف عليه من العثمانية الذين ببلد خربتا‏.‏

وقد كانوا استفحل أمرهم حين انصرف علي من صفين، وحين كان من أمر التحكيم ما كان، وحين نكل أهل العراق عن قتال أهل الشام، وقد كان أهل الشام حين انقضت الحكومة بدومة الجندل سلموا على معاوية بالخلافة وقوي أمرهم جداً‏.‏

فعند ذلك جمع معاوية أمراءه عمرو بن العاص، وشرحبيل بن السمط، وعبد الرحمن بن خالد بن الوليد، والضحاك بن قيس، وبسر بن أبي أرطاة، وأبا الأعور السلمي، وحمزة بن سنان الهمداني وغيرهم‏.‏

فاستشارهم في المسير إلى ديار مصر فاستجابوا له وقالوا‏:‏ سر حيث شئت فنحن معك، وعين معاوية نيابتها لعمرو بن العاص إذا فتحها ففرح بذلك عمرو بن العاص، ثم قال عمرو لمعاوية‏:‏ أرى أن تبعث إليهم رجالاً مع رجل مأمون عارف بالحرب، فإن بها جماعة ممن يوالي عثمان فيساعدونه على حرب من خالفهم‏.‏

فقال معاوية‏:‏ لكن أرى أن أبعث إلى شيعتنا ممن هنالك كتاباً يعلمهم بقدومهم عليهم، ونبعث إلى مخالفينا كتاباً ندعوهم فيه إلى الصلح‏.‏

وقال معاوية‏:‏ إنك يا عمرو رجل بورك لك في العجلة وإني امرؤ بورك لي في التؤدة‏.‏

فقال عمرو‏:‏ افعل ما أراك الله، فوالله ما أمرك وأمرهم إلا سيصير إلى الحرب العوان‏.‏

فكتب عند ذلك معاوية إلى مسلمة بن مخلد الأنصاري، وإلى معاوية بن خديج السكوني - وهما‏:‏ رئيسا العثمانية ببلاد مصر ممن لم يبايع علياً ولم يأتمر بأمر نوابه بمصر في نحو من عشرة آلاف - يخبرهم بقدوم الجيش عليهم سريعاً، وبعث به مع مولى له يقال له‏:‏ سبيع‏.‏

فلما وصل الكتاب إلى مسلمة ومعاوية بن خديج فرحا به وردا جوابه بالاستبشار والمعاونة والمناصرة له ولمن يبعثه من الجيوش والجند والمدد إن شاء الله تعالى‏.‏

فعند ذلك جهز معاوية عمرو بن العاص في ستة آلاف، وخرج معاوية مودعاً وأوصاه بتقوى الله والرفق والمهل والتؤدة، وأن يقتل من قاتل ويعفو عمن أدبر، وأن يدعو الناس إلى الصلح والجماعة، فإذا أنت ظهرت فليكن أنصارك آثر الناس عندك‏.‏

فسار عمرو بن العاص إلى مصر، فلما قدمها اجتمعت عليه العثمانية فقادهم‏.‏

وكتب عمرو بن العاص إلى محمد بن أبي بكر‏:‏ أما بعد فتنح فإني لا أحب أن يصيبك مني ظفر، فإن الناس قد اجتمعوا بهذه البلاد على خلافك ورفض أمرك، وندموا على اتباعك، فهم مسلموك لو قد التقت حلقتا البطان، فاخرج منها فإني لك لمن الناصحين والسلام‏.‏

وبعث إليه عمرو أيضاً بكتاب معاوية إليه‏:‏ أما بعد فإن غب البغي والظلم عظيم الوبال، وإن سفك الدم الحرام لا يسلم صاحبه من النقمة في الدنيا والتبعة الموبقة في الآخرة وإنا لا نعلم أحداً كان أشد خلافاً على عثمان منك حين تطعن بمشاقصك بين خششائه وأوداجه، ثم إنك تظن أني عنك نائم أو ناسٍ ذلك لك، حتى تأتي فتأمر على بلاد أنت بها جاري وجل أهلها أنصاري، وقد بعثت إليك بجيوش يتقربون إلى الله بجهادك ولن يسلمك الله من القصاص أينما كنت والسلام‏.‏

قال‏:‏ فطوى محمد بن أبي بكر الكتابين وبعث بهما إلى علي وأعلمه بقدوم عمرو إلى مصر في جيش من قبل معاوية، فإن كانت لك بأرض مصر حاجة فابعث إليّ بأموال ورجال والسلام‏.‏

فكتب إليه يأمره بالصبر وبمجاهدة العدو، وأنه سيبعث إليه الرجال والأموال، ويمده بما أمكنه من الجيوش‏.‏

وكتب محمد بن أبي بكر كتاباً إلى معاوية في جواب ما قال وفيه غلظة، وكذلك كتب إلى عمرو بن العاص وفيه كلام غليظ، وقام محمد بن أبي بكر في الناس فخطبهم وحثهم على الجهاد ومناجزة من قصدهم من أهل الشام، وتقدم عمرو بن العاص إلى مصر في جيوشه، ومن لحق به من العثمانية المصريين، والجميع في قريب من ستة عشر ألفاً‏.‏

وركب محمد بن أبي بكر في ألفي فارس الذين انتدبوا معه من المصريين، وقدم على جيشه بين يديه كنانة بن بشر فجعل لا يلقاه أحد من الشاميين إلا قاتلهم حتى يلحقهم مغلوبين إلى عمرو بن العاص‏.‏

فبعث عمرو بن العاص إليه معاوية بن خديج فجاءه من ورائه وأقبل إليه الشاميون حتى أحاطوا به من كل جانب، فترجل عند ذلك كنانة وهو يتلو‏:‏ ‏{‏وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ كِتَاباً مُؤَجَّلاً‏}‏ الآية ‏[‏آل عمران‏:‏ 145‏]‏‏.‏

ثم قاتل حتى قتل وتفرق أصحاب محمد بن أبي بكر عنه ورجع يمشي فرأى خربة فآوى إليها ودخل عمرو بن العاص فسطاط مصر وذهب معاوية بن خديج في طلب محمد بن أبي بكر فمر بعلوج في الطريق فقال لهم‏:‏ هل مر بكم أحد تستنكرونه‏؟‏

قالوا‏:‏ لا ‏!‏‏.‏

فقال رجل منهم‏:‏ إني رأيت رجلاً جالساً في هذه الخربة‏.‏

فقال‏:‏ هو هو ورب الكعبة‏:‏ فدخلوا عليه فاستخرجوه منها - وقد كاد يموت عطشاً - فانطلق أخوه عبد الرحمن بن أبي بكر إلى عمرو بن العاص - وكان قد قدم معه إلى مصر - فقال‏:‏ أيقتل أخي صبراً ‏؟‏

فبعث عمرو بن العاص إلى معاوية بن خديج أن يأتيه بمحمد بن أبي بكر ولا يقتله‏.‏

فقال معاوية‏:‏ كلا والله، أيقتلون كنانة بن بشر وأترك محمد بن أبي بكر، وقد كان ممن قتل عثمان وقد سألهم عثمان الماء، وقد سألهم محمد بن أبي بكر أن يسقوه شربة من الماء‏.‏

فقال معاوية‏:‏ لا سقاني الله إن سقيتك قطرة من الماء أبداً، إنكم منعتم عثمان أن يشرب الماء حتى قتلتموه صائماً محرماً فتلقاه الله بالرحيق المختوم‏.‏

وقد ذكر ابن جرير وغيره‏:‏ أن محمد بن أبي بكر نال من معاوية بن خديج هذا ومن عمرو بن العاص، ومن معاوية، ومن عثمان بن عفان أيضاً، فعند ذلك غضب معاوية بن خديج فقدمه فقتله ثم جعله في جيفة حمار فأحرقه بالنار‏.‏

فلما بلغ ذلك عائشة جزعت عليه جزعاً شديداً وضمت عياله إليها، وكان فيهم ابنه القاسم وجعلت تدعو على معاوية وعمرو بن العاص دبر الصلوات‏.‏

وذكر الواقدي أن عمرو بن العاص قدم مصر في أربعة آلاف فيهم أبو الأعور السلمي فالتقوا مع المصريين بالمسناة فاقتتلوا قتالاً شديداً حتى قتل كنانة بن بشر بن عتاب التجيببي، فهرب عند ذلك محمد بن أبي بكر فاختبأ عند رجل يقال له‏:‏ جبلة بن مسروق، فدل عليه فجاء معاوية بن خديج وأصحابه فأحاطوا به فخرج إليهم محمد بن أبي بكر فقاتل حتى قتل‏.‏

قال الواقدي‏:‏ وكان ذلك في صفر من هذه السنة‏.‏

قال الواقدي‏:‏ ولما قتل محمد بن أبي بكر بعث علي الأشتر النخعي إلى مصر فمات في الطريق فالله أعلم‏.‏

قال‏:‏ وكانت أذرح في شعبان في هذه السنة أيضاً، وكتب عمرو بن العاص إلى معاوية يخبره بما كان من الأمر وأن الله قد فتح عليه بلاد مصر ورجعوا إلى السمع والطاعة واجتماع الجماعة، وبما عهد لهم من الأمر‏.‏

وقد زعم هشام بن محمد الكلبي أن محمد بن أبي حذيفة بن عتبة مسك بعد مقتل محمد بن أبي بكر - وكان من جملة المحرضين على قتل عثمان - فبعثه عمرو بن العاص إلى معاوية ولم يبادر إلى قتله لأنه ابن خال معاوية، فحبسه معاوية بفلسطين فهرب من السجن، فلحقه رجل يقال له عبد الله بن عمر بن ظلام بأرض البلقاء‏.‏

فاختفى محمد بغار فجاءت حمر وحش لتأوي إليه فلما رأته فيه نفرت فتعجب من نفرها جماعة من الحصادين هنالك، فذهبوا إلى الغار فوجدوه فيه، فجاء أولئك إليه فخشي عبد الله بن عمرو بن ظلام أن يرده إلى معاوية فيعفو عنه، فضرب عنقه، هكذا ذكر ذلك ابن الكلبي‏.‏

وقد ذكر الواقدي وغيره أن محمد بن أبي حذيفة قتل في سنة ست وثلاثين كما قدمنا‏.‏ فالله أعلم‏.‏

وقال إبراهيم بن الحسين بن ديزيل في كتابه‏:‏ ثنا عبد الله بن صالح، حدثني ابن لهيعة، عن يزيد ابن أبي حبيب أن عمرو بن العاص استحل مال قبطي من قبط مصر لأنه استقر عنده أنه كان يظهر الروم على عورات المسلمين - يكتب إليهم بذلك - فاستخرج منه بضعاً وخمسين أردباً دنانير‏.‏

قال أبو صالح‏:‏ والأردب ست ويبات الويبة مثل القفيز واعتبرنا الويبة فوجدناها تسعاً وثلاثين ألف دينار‏.‏

قلت‏:‏ فعلى هذا يكون يبلغ ما كان أخذ من القبطي ما يقارب ثلاثة عشر ألف ألف دينار‏.‏

قال أبو مخنف بإسناده‏:‏ ولما بلغ علي بن أبي طالب مقتل محمد بن أبي بكر وما كان بمصر من الأمر، وتملك عمرو لها، واجتماع الناس عليه وعلى معاوية قام في الناس خطيباً فحثهم على الجهاد والصبر والمسير إلى أعدائهم من الشاميين والمصريين، وواعدهم الجرعة بين الكوفة والحيرة‏.‏

فلما كان الغد خرج يمشي إليها حتى نزلها فلم يخرج إليه أحد من الجيش، فلما كان العشي بعث إلى أشراف الناس فدخلوا عليه وهو حزين كئيب فقام فيهم خطيباً فقال‏:‏ الحمد لله على ما قضى من أمر وقدر من فعل وابتلاني بكم و بمن لا يطيع إذا أمرتُ، ولا يجيب إذا دعوتُ، أو ليس عجباً أن معاوية يدعو الجفاة الطغام فيتبعونه بغير عطاء ولا معونة، ويجيبونه في السنة مرتين والثلاث إلى أي وجه شاء‏؟‏

وأنا أدعوكم وأنتم أولو النهي وبقية الناس على المعونة وطائفة من العطاء فتفرقون عني وتعصونني وتختلفون عليّ‏؟‏

فقام إليه مالك بن كعب الأوسي فندب الناس إلى امتثال أمر علي والسمع والطاعة فانتدب ألفان فأمر عليهم مالك بن كعب هذا فسار بهم خمساً، ثم قدم على علي جماعة ممن كان مع محمد بن أبي بكر بمصر فأخبروه كيف وقع الأمر وكيف قتل محمد بن أبي بكر وكيف استقر أمر عمرو بها‏.‏

فبعث إلى مالك بن كعب فرده من الطريق - وذلك أنه خشي عليهم من أهل الشام قبل وصولهم إلى مصر واستقر أمر العراقيين على مخالفة علي فيما يأمرهم به وينهاهم عنه، والخروج عليه والبعد عن أحكامه وأقواله وأفعاله، لجهلهم وقلة عقلهم وجفائهم وغلظتهم وفجور كثير منهم‏.‏

فكتب علي عند ذلك إلى ابن عباس - وهو نائبه على البصرة - يشكو إليه ما يلقاه من الناس من المخالفة والمعاندة، فرد عليه ابن عباس يسليه في ذلك، ويعزيه في محمد بن أبي بكر ويحثه على تلافي الناس والصبر على مسيئهم، فإن ثواب الله خير من الدنيا‏.‏

ثم ركب ابن عباس من البصرة إلى علي وهو بالكوفة واستخلف ابن عباس على البصرة زياداً‏.‏

وفي هذا الحين بعث معاوية بن أبي سفيان كتاباً مع عبد الله بن عمرو الحضرمي إلى أهل البصرة يدعوهم إلى الإقرار بما حكم له عمرو بن العاص‏.‏

فلما قدمها نزل على بني تميم فأجاروه فنهض إليه زياد وبعث إليه أعين بن ضبيعة في جماعة من الناس فساروا إليهم فاقتتلوا فقتل أعين بن ضبيعة، فكتب زياد إلى علي يعلمه بما وقع بالبصرة بعد خروج ابن عباس منها‏.‏

فبعث عند ذلك علي جارية بن قدامة التميمي في خمسين رجلاً إلى قومه بني تميم، وكتب معه كتاباً إليهم فرجع أكثرهم عن ابن الحضرمي وقصده جارية فحصره في دار هو وجماعة معه‏.‏

قيل‏:‏ كان عددهم أربعين، وقيل‏:‏ سبعين، فحرقهم بالنار بعد أن أعذر إليهم وأنذرهم فلم يقبلوا ولم يرجعوا عما جاؤوا له

فصل قتال علي رضي الله عنه لأهل النهروان سنة ثمان وثلاثين‏.‏

وقد صحح ابن جرير أن قتال علي لأهل النهروان كان في هذه السنة، وكذلك خروج الحريث بن راشد الناجي كان في هذه السنة أيضاً‏.‏

وكان مع الحريث ثلاثمائة رجل من قومه بني ناجية - وكان مع علي بالكوفة - فجاء إلى علي فقام بين يديه وقال‏:‏ والله يا علي لا أطيع أمرك ولا أصلي خلفك، إني لك غداً لمفارق‏.‏

فقال له علي‏:‏ ثكلتك أمك إذاً تعصي ربك وتنقض عهدك ولا تضر إلا نفسك، ولم تفعل ذلك‏؟‏

قال‏:‏ لأنك حكمت في الكتاب وضعفت عن قيام الحق إذ جد الجد، وركنت إلى القوم الظالمين، فأنا عليك زاري وعليك ناقم، وإنا لكم جميعاً مباينون‏.‏

ثم رجع إلى أصحابه فسار بهم نحو بلاد البصرة فبعث إليهم معقل بن قيس ثم أردفه بخالد بن معدان الطائي - وكان من أهل الصلاح والدين والبأس والنجدة - وأمره أن يسمع له ويطيع‏.‏

فلما اجتمعوا صاروا جيشاً واحداً، ثم خرجوا في آثار الحريث وأصحابه فلحقوهم - وقد أخذوا في جبال رامهرمز -‏.‏

قال‏:‏ فصففنا لهم ثم أقبلنا إليهم فجعل معقل على ميمنته يزيد بن معقل، وعلى ميسرته منجاب بن راشد الضبي، ووقف الحريث فيمن معه من العرب فكانوا ميمنة، وجعل من اتبعه من الأكراد والعلوج ميسرة‏.‏

قال‏:‏ وسار فينا معقل بن قيس فقال‏:‏ عباد الله‏!‏ لا تبدؤا القوم وغضوا أبصاركم، وأقلوا الكلام، ووطنوا أنفسكم على الطعن والضرب، وأبشروا في قتالكم بالأجرة إنما تقاتلون مارقة مرقت من الدين، وعلوجاً كسروا الخراج، ولصوصاً وأكراداً، فإذا حملت فشدوا شدة رجل واحد‏.‏

ثم تقدم فحرك دابته تحريكتين ثم حمل عليهم في الثالثة وحملنا معه جميعنا، فوالله ما صبروا لنا ساعة واحدة حتى ولوا منهزمين، وقتلنا من العلوج والأكراد نحواً من ثلثمائة، وفر الحريث منهزماً حتى لحق بأساف - وبها جماعة من قومه كثيرة - فاتبعوه فقتلوه مع جماعة من أصحابه بسيف البحر، قتله النعمان بن صهبان، وقتل معه في المعركة مائة وسبعون رجلاً‏.‏

ثم ذكر ابن جرير وقعات كثيرة كانت بين أصحاب علي والخوارج فيها أيضاً‏.‏

ثم قال‏:‏ حدثني عمر بن شيبة ثنا أبو الحسن - يعني‏:‏ المدائني - علي بن محمد بن علي بن مجاهد قال‏:‏

قال الشعبي‏:‏ لما قتل علي أهل النهر خالفه قوم كثير، وانتقضت أطرافه وخالفه بنو ناجية، وقدم ابن الحضرمي إلى البصرة، وانتقض أهل الجبال، وطمع أهل الخراج في كسره وأخرجوا سهل بن حُنيف من فارس - وكان عاملاً عليها - فأشار عليه ابن عباس بزياد بن أبيه أن يوليه إياها فولاه إياها فسار إليها في السنة الآتية في جمع كثير، فوطئهم حتى أدوا الخراج‏.‏ ‏

قال ابن جرير وغيره‏:‏ وحج بالناس في هذه السنة قثم بن العباس، نائب علي على مكة، وأخوه عبيد الله بن عباس نائب اليمن، وأخوهما عبد الله نائب البصرة، وأخوهم تمام بن عباس نائب المدينة، وعلى خراسان خالد بن قرة اليربوعي‏.‏

وقيل‏:‏ ابن أبزي، وأما مصر فقد استقرت بيد معاوية فاستناب عليها عمرو بن العاص‏.‏

ذكر من توفي في هذه السنة من الأعيان‏:‏

سهل بن حُنيف

ابن واهب بن العليم بن ثعلبة الأنصاري الأوسي، شهد بدراً، وثبت يوم أُحُد، وحضر بقية المشاهد، وكان صاحباً لعلي بن أبي طالب، وقد شهد معه مشاهده كلها أيضاً غير الجمل فإنه كان قد استخلفه على المدينة، ومات سهل بن حُنيف في سنة ثمان وثلاثين بالكوفة، وصلى عليه علي فكبر خمساً وقيل‏:‏ ستاً‏.‏

وقال‏:‏ إنه من أهل بدر رضي الله عنه‏.‏

صنوان بن بيضاء أخو سهيل بن بيضاء

شهد المشاهد كلها وتوفي في هذه السنة في رمضانها وليس له عقب‏.‏

صهيب بن سنان بن مالك

الرومي وأصله من اليمن أبو يحيى بن قاسط، وكان أبوه أو عمه عاملاً لكسرى على الأيلة، وكانت منازلهم على دجلة عند الموصل‏.‏
وقيل‏:‏ على الفرات، فأغارت على بلادهم الروم فأسرته وهو صغير، فأقام عندهم حيناً ثم اشترته بنو كلب فحملوه إلى مكة فابتاعه عبد الله بن جدعان فأعتقه وأقام بمكة حيناً‏.‏

فلما بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم آمن به، وكان ممن أسلم قديماً هو وعمار في يوم واحد بعد بضعة وثلاثين رجلاً، وكان من المستضعفين الذين يعذبون في الله عز وجل‏.‏

ولما هاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم هاجر صهيب بعده بأيام فلحقه قوم من المشركين يريدون أن يصدوه عن الهجرة‏.‏

فلما أحس بهم نثل كنانته فوضعها بين يديه وقال‏:‏ والله لقد علمتم أني مِنْ أرماكم، ووالله لا تصلون إليّ حتى أقتل بكل سهم من هذه رجلاً منكم، ثم أقاتلكم بسيفي حتى أقتل‏.‏

وإن كنتم تريدون المال فأنا أدلكم على مالي هو مدفون في مكان كذا وكذا، فانصرفوا عنه فأخذوا ماله‏.‏

فلما قدم قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏‏(‏ربح البيع أبا يحيى‏)‏‏)‏، وأنزل الله‏:‏ ‏(‏‏(‏ومن الناس من يشري نفسه ابتغاء مرضات الله والله رؤوف بالعباد‏)‏‏)‏‏.‏

ورواه حماد بن سلمة عن علي بن زيد، عن سعيد بن المسيب‏.‏

وشهد بدراً وأُحداً وما بعدهما، ولما جعل عمر الأمر شورى كان هو الذي يصلي بالناس حتى تعين عثمان، وهو الذي وليّ الصلاة على عمر - وكان له صاحباً - وكان أحمر شديد الحمرة ليس بالطويل ولا بالقصير، أقرن الحاجبين، كثير الشعر، وكان لسانه فيه عجمة شديدة‏.‏

وكان مع فضله ودينه فيه دعابة وفكاهة وانشراح، رُوي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رآه يأكل بقثاء رطباً وهو أرمد إحدى العينين‏.‏

فقال‏:‏ ‏(‏‏(‏أتأكل رطباً وأنت أرمد ‏؟‏‏)‏‏)‏

فقال‏:‏ إنما آكل من ناحية عيني الصحيحة، فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم‏.‏

وكانت وفاته بالمدينة سنة ثمان وثلاثين، وقيل‏:‏ سنة تسع وثلاثين، وقد نيف على السبعين‏.‏

محمد بن أبي بكر الصدّيق

ولد في حياة النبي صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع تحت الشجرة عند الحرم وأمه أسماء بنت عميس، ولما احتضر الصديق أوصى أن تغسله فغسلته، ثم لما انقضت عدتها تزوجها علي فنشأ في حجره‏.‏

فلما صارت إليه الخلافة استنابه على بلاد مصر بعد قيس بن سعد بن عُبادة كما قدمنا‏.‏

فلما كانت هذه السنة بعث معاوية عمر بن العاص فاستلب منه بلاد مصر وقتل محمد بن أبي بكركما تقدم، وله من العمر دون الثلاثين، رحمه الله ورضي الله عنه‏.‏

أسماء بنت عميس

ابن معبد بن الحارث الخثعمية، أسلمت بمكة وهاجرت مع زوجها جعفر بن أبي طالب إلى الحبشة وقدمت معه إلى خيبر، ولها منه عبد الله، ومحمد، وعون‏.‏

ولما قتل جعفر بمؤتة تزوجها بعده أبو بكر الصديق فولدت منه محمد بن أبي بكر أمير مصر، ثم لما مات الصديق تزوجها بعده علي بن أبي طالب فولدت له يحيى وعوناً، وهي أخت ميمونة بنت الحارث أم المؤمنين لأمها‏.‏
وكذلك هي أخت أم الفضل امرأة العباس لأمها، وكان لها من الأخوات لأمها تسع أخوات، وهي أخت سلمى بنت عميس امرأة العباس التي له منها بنت اسمها عمارة‏.‏




ثم دخلت سنة تسع وثلاثين

فيها‏:‏ جهز معاوية بن أبي سفيان جيوشاً كثيرة ففرقها في أطراف معاملات علي بن أبي طالب، وذلك أن معاوية رأى بعد أن ولاه عمرو بن العاص بعد اتفاقه مع أبي موسى على عزل علي، أن ولايته وقعت الموقع، فهو الذي يجب طاعته فيما يعتقده، ولأن جيوش علي من أهل العراق لا تطيعه في كثير من الأمر ولا يأتمرون بأمره‏.‏

فلا يحصل بمباشرته المقصود من الإمارة والحالة هذه، فهو يزعم أنه أولى منه إذ كان الأمر كذلك‏.‏

وكان ممن بعث في هذه السنة النعمان بن بشير في ألفي فارس إلى عين التمر، وعليها مالك بن كعب الأرحبي في ألف فارس مسلحة لعلي، فلما سمعوا بقدوم الشاميين أرفضوا عنه فلم يبق مع مالك بن كعب إلا مائة رجل‏.‏

فكتب عند ذلك إلى علي يعلمه بما كان من الأمر، فندب علي الناس إلى مالك بن كعب فتثاقلوا ونكلوا عنه ولم يجيبوا إلى الخروج، فخطبهم علي عند ذلك فقال في خطبته‏:‏

يا أهل الكوفة‏!‏ كلما سمعتم بمنسرٍ من مناسر أهل الشام انجحر كل منكم في بيته، وغلق عليه بابه، انجحار الضـب في جحره، والضبع في وجاره، المغرورُ والله من غررتموه، ولمن فارقكم فاز بالسهم الأصيب، لا أحرار عند النداء، ولا إخوان ثقةٍ عند النجاة، إنا لله وإنا إليه راجعون، ماذا منيتُ به منكم، عميُّ لا تبصرون، وبكْم لا تنطقون، وصمُّ لا تسمعون، إنا لله وإنا إليه راجعون‏.‏

ودهمهم النعمان بن بشير فاقتتلوا قتالاً شديداً، وليس مع مالك بن كعب إلا مائة رجل قد كسروا جفون سيوفهم واستقتلوا، فبينا هم كذلك إذ جاءهم نجدة من جهة مخنف بن سليم مع ابنه عبد الرحمن بن مخنف في خمسين رجلاً، فلما رآهم الشاميون ظنوا أنهم مدد عظيم ففروا هراباً، فاتبعهم مالك بن كعب فقتل منهم ثلاثة أنفس وذهب الباقون على وجوههم ولم يتم لهم أمر من هذا الوجه‏.‏

وفيها‏:‏ بعث معاوية سفيان بن عوف في ستة آلاف وأمره بأن يأتي هيت فيغير عليها، ثم يأتي الأنبار والمدائن، فسار حتى انتهى إلى هيت فلم يجد بها أحداً، ثم إلى الأنبار وفيها مسلحة لعلي نحو من خمسمائة، فتفرقوا ولم يبق منهم إلا مائة رجل‏.‏

فقاتلوا مع قلتهم وصبروا حتى قتل أميرهم - وهو أشرس بن حسان البلوي - في ثلاثين رجلاً من أصحابه، واحتملوا ما كان بالأنبار من الأموال وكروا راجعين إلى الشام‏.‏

فلما بلغ الخبر علياً رضي الله عنه ركب بنفسه فنزل بالنخيلة فقال له الناس‏:‏ نحن نكفيك ذلك يا أمير المؤمنين‏.‏

فقال‏:‏ والله ما تكفونني ولا أنفسكم‏.‏ وسرح سعد بن قيس في أثر القوم فسار وراءهم حتى بلغ هيت فلم يلحقهم فرجع‏.‏

وفيها‏:‏ بعث معاوية عبد الله بن مسعدة الفزاري في ألف وسبعمائة إلى تيماء وأمره أن يصدق أهل البوادي ومن امتنع من إعطائه فليقتله ثم يأتي المدينة ومكة والحجاز‏.‏

فسار إلى تيماء واجتمع عليه بشر كثير، فلما بلغ علياً بعث المسيب بن نجيبة الفزاري في ألفي رجل فالتقوا بتيماء فاقتتلوا قتالاً شديداً عند زوال الشمس‏.‏

وحمل المسيب بن نجية على ابن مسعدة فضربه ثلاث ضربات وهو لا يريد قتله بل يقول له‏:‏ النجا النجا، فانحاز ابن مسعدة في طائفة من قومه إلى حصن هناك فتحصنوا به وهرب بقيتهم إلى الشام، وانتهبت الأعراب ما كان جمعه ابن نجية من إبل الصدقة، وحاصرهم المسيب بن نجية ثلاثة أيام ثم ألقى الحطب على الباب وألهب فيه النار‏.‏

فلما أحسوا بالهلاك أشرفوا من الحصن، ومتوا إليه بأنهم من قومه فَرَقَ لهم وأطفأ النار، فلما كان الليل فتح باب الحصن وخرجوا هراباً إلى الشام، فقال عبد الرحمن بن شبيب للمسيب بن نجية‏:‏ سر حتى ألحقهم‏!‏

فقال‏:‏ لا‏!‏

فقال‏:‏ غششت أمير المؤمنين داهنت في أمرهم‏.‏

وفيها‏:‏ وجَّه معاوية الضحاك بن قيس في ثلاثة آلاف وأمره أن يغير على أطراف جيش علي، فجهز علي حجر بن عدي في أربعة آلاف، وأنفق فيهم خمسين درهماً خمسين درهماً، فالتقوا بتدمر فقتل من أصحاب الضحاك تسعة عشر رجلاً، ومن أصحاب حجر بن عدي رجلان، وغشيهم الليل فتفرقوا، واستمر الضحاك بأصحابه فاراً إلى الشام‏.‏

وفيها‏:‏ سار معاوية بنفسه في جيش كثيف حتى بلغ دجلة ثم كر راجعاً‏.‏

ذكره محمد بن سعد عن الواقدي بإسناده وأبو معشر أيضاً‏.‏

وفي هذه السنة‏:‏ ولى علي بن أبي طالب زياد بن أبيه على أرض فارس، وكانوا قد منعوا الخراج والطاعة،‏.‏

وسبب ذلك حين قتل ابن الحضرمي وأصحابه بالنار حين حرقهم جارية بن قدامة في تلك الدار كما قدمنا، فلما اشتهر هذا الصنيع في البلاد تشوش قلوب كثير من الناس على علي، واختلفوا على علي، ومنع أكثر أهل تلك النواحي خراجهم، ولا سيما أهل فارس فإنهم تمردوا وأخرجوا عاملهم سهل بن حُنيف - كما تقدم في العام الماضي - من بين أظهرهم‏.‏

فاستشار علي الناس فيمن يوليه عليهم، فأشار ابن عباس وجارية بن قدامة أن يولي عليهم زياد بن أبيه، فإنه صليب الرأي، عالم بالسياسة‏.‏

فقال علي‏:‏ هو لها، فولاه فارس وكرمان وجهزه إليهما في أربعة آلاف فارس، فسار إليها في هذه السنة فدوخ أهلها وقهرهم حتى استقاموا وأدوا الخراج وما كان عليهم من الحقوق، ورجعوا إلى السمع والطاعة، وسار فيهم بالمعدلة والأمانة، حتى كان أهل تلك البلاد يقولون‏:‏

ما رأينا سيرة أشبه بسيرة كسرى أنوشروان من سيرة هذا العربي في اللين والمداراة والعلم بما يأتي، وصفت له تلك البلاد بعدله وعلمه وصرامته، واتخذ للمال قلعة حصينة، فكانت تعرفه بقلعة زياد، ثم لما تحصن فيها منصور اليشكري فيما بعد ذلك عرفت به فكان يقال لها‏:‏ قلعة منصور‏.‏

قال الواقدي‏:‏ وفي هذه السنة بعث علي بن أبي طالب عبد الله بن عباس على الموسم وبعث معاوية يزيد بن سخبرة الرهاوي ليقيم للناس الحج، فلما اجتمعا بمكة تنازعا وأبى كل واحد منهما أن يسلم لصاحبه فاصطلحا على شيبة بن عثمان بن أبي طلحة الحجبي فحج بالناس وصلى بهم في أيام الموسم‏.‏

قال أبو الحسن المدائني‏:‏ لم يشهد عبد الله بن عباس الموسم في أيام علي حتى قتل، والذي نازعه يزيد بن سخبرة إنما هو قثم بن العباس حتى اصطلحا على شيبة بن عثمان.

قال ابن جرير‏:‏ وكما قال أبو الحسن المدائني قال أبو مصعب‏:‏ قال ابن جرير‏:‏ وأما عمال علي على الأمصار فهم الذين ذكرنا في السنة الماضية غير أن ابن عباس كان قد سار من البصرة إلى الكوفة واستخلف على البصرة زياد بن أبيه ثم سار زياد في هذه السنة إلى فارس وكرمان كما ذكرنا‏.‏

ذكر من توفي في هذه السنة من الأعيان‏:‏

سعد القرظي

مؤذن مسجد قبا، في زمان رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما وَليَّ عمر الخلافة ولاه أذان المسجد النبوي وكان أصله مولى لعمار بن ياسر، وهو الذي كان يحمل العنزة بين يدي أبي بكر وعمر وعلي إلى المصلى يوم العيد وبقي الأذان في ذريته مدة طويلة‏.‏

عقبة بن عمرو بن ثعلبة

أبو مسعود البدري سكن ماء بدر ولم يشهد الوقعة بها على الصحيح، وقد شهد العقبة، وهو من سادات الصحابة وكان ينوب لعلي بالكوفة إذا خرج لصفين وغيرها‏.‏

سنة أربعين من الهجرة

قال ابن جرير‏:‏ فممَّا كان في هذه السنة من الأمور الجليلة توجيه معاوية بسر بن أبي أرطاة في ثلاثة آلاف من المقاتلة إلى الحجاز، فذكر عن زياد بن عبد الله البكائي عن عوانة قال‏:‏

أرسل معاوية بعد تحكيم الحكمين بسر بن أبي أرطاة -هو رجل من بني عامر بن لؤي - في جيش فساروا من الشام حتى قدموا المدينة - وعامل علي عليها يومئذ أبو أيوب - ففر منهم أبو أيوب فأتى علياً بالكوفة، ودخل بسر المدينة ولم يقاتله أحد، فصعد منبرها فنادى على المنبر‏:‏ يا دينار، ويا نجار، ويا رزيق شيخي شيخي عهدي به ها هنا بالأمس فأين هو‏؟‏ - يعني‏:‏ عثمان بن عفان - ثم قال‏:‏

يا أهل المدينة والله لولا ما عهد إليَّ معاوية ما تركتُ بها محتلماً إلا قتلته، ثم بايع أهل المدينة وأرسل إلى بني سلمة فقال‏:‏ والله مالكم عندي من أمان ولا مبايعة حتى تأتوني بجابر بن عبد الله - يعني حتى يبايعه -‏.‏

فانطلق جابر إلى أم سلمة فقال لها‏:‏ ماذا ترين إني خشيت أن أقتل وهذه بيعة ضلالة‏؟‏

فقالت‏:‏ أرى أن تبايع فإني قد أمرت ابني عمر وختني عبد الله بن زمعة - وهو زوج ابنتها زينب - أن يبايعا فأتاه جابر فبايعه‏.‏

قال‏:‏ وهدم بسر دوراً بالمدينة ثم مضى حتى أتى مكة فخافه أبو موسى الأشعري أن يقتله فقال له بسر‏:‏ ما كنت لأفعل بصاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك، فخلى عنه‏.‏

وكتب أبو موسى قبل ذلك إلى أهل اليمن أن خيلاً مبعوثة من عند معاوية تقتل من أبى أن يقر بالحكومة، ثم مضى بسر إلى اليمن وعليها عبيد الله بن عباس ففر إلى الكوفة حتى لحق بعلي، واستخلف على اليمن عبد الله بن عبد الله بن المدان الحاوي

فلما دخل بسر اليمن قتله وقتل ابنه، ولقي بسر ثقل عبيد الله ابن عباس وفيه ابنان صغيران له فقتلهما وهما‏:‏ عبد الرحمن، وقثم‏.‏

ويقال‏:‏ إن بسراً قتل خلقاً من شيعة علي في مسيره هذا، وهذا الخبر مشهور عند أصحاب المغازي والسير، وفي صحته عندي نظر والله تعالى أعلم‏.‏

ولما بلغ علياً خبر بسر وجه جارية بن قدامة في ألفين، ووهب بن مسعود في ألفين، فسار جارية حتى بلغ نجران فخرق بها وقتل ناساً من شيعة عثمان، وهرب بسر وأصحابه فاتبعهم حتى بلغ مكة، فقال لهم جارية‏:‏ بايعوا فقالوا‏:‏ لمن نبايع وقد هلك أمير المؤمنين فلمن نبايع‏؟‏

فقال‏:‏ بايعوا لمن بايع له أصحاب علي، فتثاقلوا ثم بايعوا من خوف‏.‏

ثم سار حتى أتى المدينة وأبو هريرة يصلي بهم فهرب منه فقال جارية‏:‏ والله لو أخذت أبا سنور لضربت عنقه، ثم قال لأهل المدينة‏:‏ بايعوا للحسن بن علي، فبايعوا وأقام عندهم ثم خرج منصرفاً إلى الكوفة، وعاد أبو هريرة يصلي بهم‏.‏

قال ابن جرير‏:‏ وفي هذه السنة جرت بين علي ومعاوية المهادنة بعد مكاتبات يطول ذكرها على وضع الحرب بينهما، وأن يكون ملك العراق لعلي، ولمعاوية الشام، ولا يدخل أحدهما على صاحبه في عمله بجيش ولا غارة ولا غزوة‏.‏

ثم ذكر عن زياد عن ابن إسحاق ما هذا مضمونه أن معاوية كتب إلى علي‏:‏ أما بعد فإن الأمة قد قتل بعضها بعضاً - يعني‏:‏ فلك العراق ولي الشام - فأقر بذلك علي رضي الله عنه‏.‏

وأمسك كل واحد منهما عن قتال الآخر، وبعث الجيوش إلى بلاده، واستقر الأمر على ذلك‏.‏

قال ابن جرير‏:‏ وفي هذه السنة خرج ابن عباس من البصرة إلى مكة وترك العمل في قول عامة أهل السير، وقد أنكر ذلك بعضهم وزعم أنه لم يزل عاملاً على البصرة حتى صالح علي معاوية، وأنه كان شاهداً للصلح، ممن نص على ذلك أبو عبيدة كما سيأتي‏.‏

ثم ذكر ابن جرير سبب خروج ابن عباس عن البصرة وذلك أنه كلم أبا الأسود الدؤلي القاضي بكلام فيه غض من أبي الأسود فكتب أبو الأسود إلى علي يشكو إليه ابن عباس وينال من عرضه فإنه تناول شيئاً من أموال بيت المال‏.‏

فبعث علي إلى ابن عباس فعاتبه في ذلك وحرر عليه التبعة فغضب ابن عباس من ذلك وكتب إلى علي‏:‏ ابعث إلى عملك من أحببت فإني ظاعن عنه والسلام‏.‏

ثم سار ابن عباس إلى مكة مع أخواله بني هلال وتبعهم قيس كلها، وقد أخذ شيئاً من بيت المال مما كان اجتمع له من العمالة والفيء، ولما سار تبعه أقوام أخر فلحقهم بنو غنم وأرادوا منعهم من المسير فكان بينهم قتال، ثم تحاجزوا ودخل ابن عباس مكة‏.‏

ذكر مقتل أمير المؤمنين علي بن أبي طالب وما ورد من الأحاديث النبوية من الأخبار بمقتله وكيفيته‏:‏

كان أمير المؤمنين رضي الله عنه قد تنغصت عليه الأمور، واضطرب عليه جيشه، وخالفه أهل العراق، ونكلوا عن القيام معه‏.‏

واستفحل أمر أهل الشام، وصالوا وجالوا يميناً وشمالاً، زاعمين أن الإمرة لمعاوية بمقتضى حكم الحكمين في خلعهما علياً وتولية عمرو بن العاص معاوية عند خلو الإمرة عن أحد، وقد كان أهل الشام بعد التحكيم يسمون معاوية الأمير‏.‏

وكلما ازداد أهل الشام قوة ضعف جأش أهل العراق، هذا وأميرهم علي بن أبي طالب خير أهل الأرض في ذلك الزمان، أعبدهم وأزهدهم، وأعلمهم وأخشاهم لله عز وجل، ومع هذا كله خذلوه وتخلوا عنه حتى كره الحياة وتمنى الموت، وذلك لكثرة الفتن وظهور المحن، فكان يكثر أن يقول‏:‏ ما يحبس أشقاها، أي ما ينتظر‏؟‏ ماله لا يقتل‏؟‏ ثم يقول‏:‏ والله لتخضبن هذه ويشير إلى لحيته من هذه ويشير إلى هامته‏.‏

كما قال البيهقي‏:‏ عن الحاكم، عن الأصم، عن محمد بن إسحاق الصنعاني، ثنا أبو الحراب الأحوص بن جواب، ثنا عمار بن زريق، عن الأعمش، عن حبيب بن أبي ثابت، عن ثعلبة بن يزيد قال‏:‏

قال علي‏:‏ والذي فلق الحبة وبرأ النسمة لتخضبن هذه من هذه للحيته من رأسه فما يحبس أشقاها‏؟‏

فقال عبد الله بن سبع‏:‏ والله يا أمير المؤمنين لو أن رجلاً فعل ذلك لأبدنا عترته‏.‏

فقال‏:‏ أنشدكم بالله أن يقتل بي غير قاتلي‏.‏
فقالوا‏:‏ يا أمير المؤمنين ألا تستخلف‏؟‏

فقال‏:‏ لا ولكن أترككم كما ترككم رسول الله صلى الله عليه وسلم‏.‏

قالوا‏:‏ فما تقول لربك إذا لقيته وقد تركتنا هملاً‏؟‏‏.‏

أقول‏:‏ اللهم استخلفتني فيهم ما بدا لك، ثم قبضتني وتركتك فيهم فإن شئت أصلحتهم وإن شئت أفسدتهم‏.‏

طريق أخرى

قال أبو داود الطيالسي في ‏(‏مسنده‏)‏‏:‏ ثنا شريك عن عثمان بن المغيرة عن زيد بن وهب‏.‏

قال‏:‏ جاءت الخوارج إلى علي فقالوا له‏:‏ اتق الله فإنك ميت‏.‏

قال‏:‏ لا والذي فلق الحبة وبرأ النسمة، ولكن مقتول من ضربةٍ على هذه تخضب هذه - وأشار بيده إلى لحيته - عهد معهود وقضى مقضي، وقد خاب من افترى‏.‏

طريق أخرى عنه

قال الحافظ أبو يعلى‏:‏ ثنا سويد بن سعيد، ثنا رشدين بن سعد، عن يزيد بن عبد الله بن أسامة، عن عثمان بن صهيب، عن أبيه قال‏:‏

قال علي‏:‏ قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏‏(‏من أشقى الأولين ‏؟‏‏)‏‏)‏‏.‏

قلت‏:‏ عاقر الناقة‏.‏

قال‏:‏ ‏(‏‏(‏صدقت فمن أشقى الآخرين ‏؟‏‏)‏‏)‏

قلت‏:‏ لا علم لي يا رسول الله صلى الله عليه وسلم‏.‏

قال‏:‏ ‏(‏‏(‏الذي يضربك على هذه - وأشار بيده - على يافوخه فيخضب هذه من هذه‏)‏‏)‏ يعني لحيته من دم رأسه قال‏:‏ فكان يقول‏:‏ وددت أنه قد انبعث أشقاكم‏.‏

طريق أخرى عن علي

قال الإمام أحمد‏:‏ حدثنا وكيع، ثنا الأعمش، عن سالم بن أبي الجعد، عن عبد الله بن سبع قال‏:‏ سمعت علياً يقول‏:‏ لتخضبن هذه من هذه فما ينتظر بي إلا شقي‏.‏

فقال‏:‏ يا أمير المؤمنين، أخبرنا نبد عترته‏.‏

قال‏:‏ إذاً تقتلون بي غير قاتلي‏.‏

قالوا‏:‏ فما تقول لربك إذا أتيته ‏؟‏‏.‏

قال‏:‏ أقول‏:‏ اللهم تركتني فيهم ما بدا لك ثم قبضتني إليك وأنت فيهم، إن شئت أصلحتهم وإن شئت أفسدتهم‏.‏

وقال الإمام أحمد‏:‏ حدثنا أسود بن عامر، ثنا أبو بكر، عن الأعمش، عن سلمة بن كهيل، عن عبد الله بن سبعٍ قال‏:‏ خطبنا علي فقال‏:‏ والذي فلق الحبة وبرأ النسمة لتخضبن هذه من هذه‏.‏
قال‏:‏ فقال الناس‏:‏ فأعلمنا من هو والله لنبيدنه أو لنبيدن عترته‏.‏

قال‏:‏ أنشدكم بالله أن يقتل غير قاتلي‏.‏

قالوا‏:‏ إن كنت علمت ذلك فاستخلف‏.‏

قال‏:‏ لا، ولكن أكلكم إلى ما وكلكم إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم‏.‏ تفرد به أحمد‏.‏

طريق أخرى عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه

قال الإمام أحمد‏:‏ حدثنا هشم بن القاسم، ثنا محمد - يعني‏:‏ ابن راشد - عن عبد الله بن محمد بن عقيل، عن فضالة بن أبي فضالة الأنصاري - وكان أبو فضالة من أهل بدر -، وقال‏:‏

خرجت مع أبي عائداً لعلي بن أبي طالب من مرض أصابه ثقل منه‏.‏

قال فقال له أبي‏:‏ ما يقيمك بمنزلك هذا لو أصابك أجلك لم يلك إلا أعراب جهينة‏؟‏ تحمل إلى المدينة فإن أصابك أجلك وليك أصحابك وصلوا عليك‏.‏

فقال علي‏:‏ إن رسول الله صلى الله عليه وسلم عهد إلي أن لا أموت حتى أؤمر ثم تخضب هذه - يعني لحيته - من دم هذه - يعني هامته -‏.‏

قال‏:‏ فقتل أبو فضالة يوم صفين، تفرد به أحمد أيضاً‏.‏

وقد رواه البيهقي في ‏(‏الدلائل‏)‏ عن الحاكم، عن الأصم، عن الحسن بن مكرم، عن أبي النضر هاشم بن القاسم به‏.‏

طريق أخرى عنه

قال الحافظ أبو بكر البزار في ‏(‏مسنده‏)‏‏:‏ حدثنا أحمد بن أبان القرشي، ثنا سفيان بن عيينة، ثنا كوفي يقال له‏:‏ عبد الملك بن أعين، عن أبي حرب بن أبي الأسود عن أبيه قال‏:‏ سمعت علي بن أبي طالب يقول‏:‏

قال لي عبد الله بن سلام وقد وضعت رجلي في غرز الركاب لا تأتي العراق فإنك إن أتيتها أصابك بها ذباب السيف‏.‏

قال‏:‏ وأيم الله لقد قالها ولقد قالها النبي صلى الله عليه وسلم لي قبله‏.‏

قال أبو الأسود‏:‏ فقلت‏:‏ تالله ما رأيت رجلاً محارباً يحدث بهذا قبلك غيرك‏.‏

ثم قال البزار‏:‏ ولا نعلم رواه إلا علي بن أبي طالب بهذا الإسناد، ولا نعلم رواه إلا عبد الملك بن أعين عن أبي حرب، ولا رواه عنه إلا ابن عيينة‏.‏ هكذا قال‏.‏

قال‏:‏ وقد رأيت من الطرق المتعددة خلاف ذلك‏.‏

وقال البيهقي بعد ذكره طرفاً من هذه الطرق‏:‏ وقد رويناه في كتاب ‏(‏السنن‏)‏ بإسناد صحيح عن زيد بن أسلم، عن أبي سنان الدؤلي، عن علي في إخبار النبي صلى الله عليه وسلم بقتله‏.‏

حديث آخر في ذلك

قال الخطيب البغدادي‏:‏ أخبرني علي بن القاسم البصري، ثنا علي بن إسحاق المارداني، أنا محمد بن إسحاق الصنعاني، ثنا إسماعيل بن أبان الوراق، ثنا ناصح بن عبد الله المحلمي، عن سماك، عن جابر بن سمرة قال‏:‏ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعلي‏:‏ ‏(‏‏(‏من أشقى الأولين ‏؟‏‏)‏‏)‏‏.‏

قال‏:‏ عاقر الناقة‏.‏

قال‏:‏ ‏(‏‏(‏فمن أشقى الآخرين ‏؟‏‏)‏‏)‏‏.‏

قال‏:‏ الله ورسوله أعلم‏.‏

قال‏:‏ ‏(‏‏(‏قاتلك‏)‏‏)‏‏.‏

حديث آخر في معنى ذلك

وروى البيهقي من طريق فطر بن خليفة وعبد العزيز بن سياه كلاهما عن حبيب بن أبي ثابت، عن ثعلبة الحماني قال‏:‏ سمعت علياً على المنبر وهو يقول‏:‏ والله إنه لعهد النبي الأمي إليّ إن الأمة ستغدر بك بعدي‏.‏

قال البخاري‏:‏ ثعلبة بن زيد الحماني في حديثه هذا نظر‏.‏

قال البيهقي‏:‏ وقد رويناه بإسناد آخر عن علي إن كان محفوظاً‏.‏

أخبرنا أبو علي الروذباري، أنا أبو محمد بن شوذب الواسطي بها، ثنا شعيب بن أيوب، ثنا عمرو بن عون، عن هشيم، عن إسماعيل بن سالم، عن أبي إدريس الأزدي، عن علي قال‏:‏ إن مما عهد إليّ رسول الله صلى الله عليه وسلم أن الأمة ستغدر بك بعدي‏.‏

قال البيهقي‏:‏ فإن صح فيحتمل أن يكون المراد به والله أعلم في خروج من خرج عليه ثم في قتله‏.‏

وقال الأعمش‏:‏ عن عمرو بن مرة بن عبد الله بن الحارث، عن زهير بن الأرقم‏.‏

قال‏:‏ خطبنا علي يوم جمعة فقال‏:‏ نبئت أن بسراً قد طلع اليمن، وإني والله لأحسب أن هؤلاء القوم سيظهرون عليكم، وما يظهرون عليكم إلا بعصيانكم إمامكم وطاعتهم إمامهم، وخيانتكم وأمانتهم، وإفسادكم في أرضكم وإصلاحهم‏.‏

قد بعثت فلاناً فخان وغدر، وبعثت فلاناً فخان وغدر، وبعث المال إلى معاوية لو ائتمنت أحدكم على قدح لأخذ علاقته، اللهم سئمتهم وسئموني، وكرهتهم وكرهوني، اللهم فأرحهم مني وأرحني منهم‏.‏

قال‏:‏ فما صلى الجمعة الأخرى حتى قتل رضي الله عنه وأرضاه‏.‏

صفة مقتله رضي الله عنه

ذكر ابن جرير، وغير واحد من علماء التاريخ والسير وأيام الناس‏:‏ أن ثلاثة من الخوارج وهم‏:‏ عبد الرحمن بن عمرو المعروف‏:‏ بابن ملجم الحميري ثم الكندي، حليف بني حنيفة من كندة المصري، وكان أسمر حسن الوجه، أبلح شعره مع شحمة أذنيه، وفي وجهه أثر السجود‏.‏

والبرك بن عبد الله التميمي، وعمرو بن بكر التميمي أيضاً - اجتمعوا فتذاكروا قتل علي إخوانهم من أهل النهروان فترحموا عليهم‏.‏

وقالوا‏:‏ ماذا نصنع بالبقاء بعدهم‏؟‏ كانوا لا يخافون في الله لومة لائم، فلو شرينا أنفسنا فأتينا أئمة الضلال فقتلناهم فأرحنا منهم البلاد وأخذنا منهم ثأر إخواننا‏؟‏

فقال ابن ملجم‏:‏ أما أنا فأكفيكم علي بن أبي طالب‏.‏

وقال البرك‏:‏ وأنا أكفيكم معاوية‏.‏

وقال عمرو بن بكر‏:‏ وأنا أكفيكم عمرو بن العاص‏.‏

فتعاهدوا وتواثقوا أن لا ينكص رجل منهم عن صاحبه حتى يقتله أو يموت دونه، فأخذوا أسيافهم فسمّوها واتعدوا لسبع عشرة من رمضان أن يبيت كل واحد منهم صاحبه في بلده الذي هو فيه‏.‏

فأما ابن ملجم فسار إلى الكوفة فدخلها وكتم أمره حتى عن أصحابه من الخوارج الذين هم بها، فبينما هو جالس في قوم من بني الرباب يتذاكرون قتلاهم يوم النهروان إذ أقبلت امرأة منهم يقال‏:‏ قطام بنت الشجنة‏.‏

قد قتل علي يوم النهروان أباها وأخاها، وكانت فائقة الجمال مشهورة به، وكانت قد انقطعت في المسجد الجامع تتعبد فيه‏.‏

فلما رآها ابن ملجم سلبت عقله ونسي حاجته التي جاء لها، وخطبها إلى نفسها فاشترطت عليه ثلاثة آلاف درهم وخادماً وقينة، وأن يقتل لها علي بن أبي طالب‏.‏

قال‏:‏ فهو لك ووالله ما جاء بي إلى هذه البلدة إلا قتل علي، فتزوجها ودخل بها ثم شرعت تحرضه على ذلك وندبت له رجلاً من قومها، من تيم الرباب يقال له‏:‏ وردان، ليكون معه ردءاً، واستمال عبد الرحمن بن ملجم رجلاً آخر يقال له‏:‏ شبيب بن نجدة الأشجعي الحروري قال له ابن ملجم‏:‏ هل لك في شرف الدنيا والآخرة‏؟‏

فقال‏:‏ وما ذاك‏:‏ قال‏؟‏ قتل علي‏.‏

فقال‏:‏ ثكلتك أمك، لقد جئت شيئاً إذاً كيف تقدر عليه‏؟‏

قال‏:‏ أكمن له في المسجد فإذا خرج لصلاة الغداة شددنا عليه فقتلناه، فإن نجونا شفينا أنفسنا وأدركنا ثأرنا، وإن قتلنا فما عند الله خير من الدنيا‏.‏

فقال‏:‏ ويحك لو غير علي كان أهون عليّ‏؟‏ قد عرفت سابقته في الإسلام وقرابته من رسول الله صلى الله عليه وسلم، فما أجدني أنشرح صدراً لقتله‏.‏

فقال‏:‏ أما تعلم أنه قتل أهل النهروان‏؟‏

فقال‏:‏ بلى‏.‏

قال‏:‏ فنقتله بمن قتل من إخواننا‏.‏

فأجابه إلى ذلك بعد لأي ودخل شهر رمضان فواعدهم ابن ملجم ليلة الجمعة لسبع عشرة ليلة خلت‏.‏

وقال‏:‏ هذه الليلة التي واعدت أصحابي فيها أن يثأروا بمعاوية وعمرو بن العاص فجاء هؤلاء الثلاثة - وهم‏:‏ ابن ملجم، ووردان، وشبيب، وهم مشتملون على سيوفهم فجلسوا مقابل السدة التي يخرج منها علي، فلما خرج جعل ينهض الناس من النوم إلى الصلاة‏.‏

ويقول‏:‏ الصلاة الصلاة فثار إليه شبيب بالسيف فضربه فوقع في الطاق، فضربه ابن ملجم بالسيف على قرنه فسال دمه على لحيته رضي الله عنه‏.‏

ولما ضربه ابن ملجم قال‏:‏ لا حكم إلا لله ليس لك يا علي ولا لأصحابك، وجعل يتلو قوله تعالى‏:‏ ‏{‏وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللَّهِ وَاللَّهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ‏}‏ ‏[‏البقرة‏:‏ 207‏]‏‏.‏

ونادى علي‏:‏ عليكم به، وهرب وردان فأدركه رجل من حضرموت فقتله، وذهب شبيب فنجا بنفسه وفات الناس، وُمسك ابن ملجم وقدم على جعدة بن هبيرة بن أبي وهب فصلى بالناس صلاة الفجر، وحمل علي إلى منزله، وحمل إليه عبد الرحمن بن ملجم فأوقف بين يديه وهو مكتوف - قبحه الله - فقال له‏:‏ أي عدو الله ألم أحسن إليك‏؟‏

قال‏:‏ بلى‏.‏

قال‏:‏ فما حملك على هذا‏؟‏

قال‏:‏ شحذته أربعين صباحاً وسألت الله أن يقتل به شر خلقه‏.‏

فقال له علي‏:‏ لا أراك إلا مقتولاً به، ولا أراك إلا من شر خلق الله‏.‏

ثم قال‏:‏ إن مت فاقتلوه وإن عشت فأنا أعلم كيف أصنع به‏.‏

فقال جندب بن عبد الله‏:‏ يا أمير المؤمنين إن مت نبايع الحسن‏؟‏

فقال‏:‏ لا آمركم ولا أنهاكم، أنتم أبصر‏.‏

ولما احتضر علي جعل يكثر من قول لا إله إلا الله، لا يتلفظ بغيرها‏.‏

وقد قيل‏:‏ إن آخر ما تكلم به‏:‏ ‏{‏فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ * وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرّاً يَرَهُ‏}‏ ‏[‏الزلزلة‏:‏ 7‏]‏‏.‏

وقد أوصى ولديه الحسن والحسين بتقوى الله والصلاة، والزكاة، وكظم الغيظ، وصلة الرحم، والحلم عن الجاهل، والتفقه في الدين، والتثبت في الأمر، والتعاهد للقرآن، وحسن الجوار، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، واجتناب الفواحش‏.‏

ووصاهما بأخيهما محمد بن الحنفية، ووصاه بما وصاهما به، وأن يعظمهما ولا يقطع أمراً دونهما وكتب ذلك كله في كتاب وصيته رضي الله عنه وأرضاه‏.‏

وصورة الوصية‏:‏ بسم الله الرحمن الرحيم‏!‏

هذا ما أوصى به علي بن أبي طالب أنه يشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون، إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين لا شريك له وبذلك أمرت وأنا أول المسلمين‏.‏

أوصيك يا حسن وجميع ولدي ومن بلغه كتابي بتقوى الله ربكم ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون، واعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا فإني سمعت أبا القاسم صلى الله عليه وسلم يقول‏:‏ ‏(‏‏(‏إن صلاح ذات البين أفضل من عامة الصلاة والصيام‏)‏‏)‏ انظروا إلى ذوي أرحامكم فصلوا ليهوِّن الله عليكم الحساب، الله الله في الأيتام فلا تعفو أفواهم ولا يضيعن بحضرتكم، والله الله في جيرانكم فإنهم وصية نبيكم، ما زال يوصي بهم حتى ظننا أنه سيورثهم‏.‏

والله الله في القرآن فلا يسبقنكم إلى العمل به غيركم، والله الله في الصلاة فإنها عمود دينكم، والله الله في بيت ربكم فلا يخلون منكم ما بقيتم فإنه إن ترك لم تناظروا، والله الله في شهر رمضان فإن صيامه جنة من النار‏.‏

والله الله في الجهاد في سبيل الله بأموالكم وأنفسكم، والله الله في الزكاة فإنها تطفئ غضب الرب، والله الله في ذمة نبيكم لا تظلمن بين ظهرانيكم‏.‏
والله الله في أصحاب نبيكم فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم أوصى بهم، والله الله في الفقراء والمساكين فأشركوهم في معاشكم، والله الله فيما ملكت أيمانكم فإن آخر ما تكلم به رسول الله صلى الله عليه وسلم أن قال‏:‏ ‏(‏‏(‏أوصيكم بالضعيفين نسائكم وما ملكت أيمانكم‏)‏‏)‏‏.‏

الصلاة الصلاة لا تخافن في الله لومة لائم يكفكم من أرادكم وبغى عليكم، وقولوا للناس حسناً كما أمركم الله‏.‏

ولا تتركوا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فيولي الأمر شراركم ثم تدعون فلا يستجاب لكم، وعليكم بالتواصل والتباذل، وإياكم والتدابر والتقاطع والتفرق، وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الآثم والعدوان واتقوا الله إن الله شديد العقاب‏.‏

حفظكم الله من أهل بيت، وحفظ عليكم نبيكم، أستودعكم الله وأقرأ عليكم السلام ورحمة الله‏.‏

ثم لم ينطق إلا بلا إله إلا الله حتى قبض، في شهر رمضان سنة أربعين‏.‏

وقد غسله ابناه الحسن، والحسين، وعبد الله بن جعفر، وصلى عليه الحسن فكبر عليه تسع تكبيرات‏.‏

وقال الإمام أحمد‏:‏ حدثنا أبو أحمد الزبيري، ثنا شريك، عن عمران بن ظبيان، عن أبي يحيى قال‏:‏ لما ضرب ابن ملجم علياً قال لهم‏:‏ افعلوا به كما أراد رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يفعل برجل أراد قتله فقال‏:‏ اقتلوه ثم حرقوه‏.‏

وقد روي أن أم كلثوم قالت لابن ملجم وهو واقف‏:‏ ويحك ‏!‏لم ضربت أمير المؤمنين‏؟‏

قال‏:‏ إنما ضربت أباك‏.‏

فقالت‏:‏ إنه لا بأس عليه‏.‏

فقال‏:‏ لم تبكين‏؟‏ والله لقد ضربته ضربة لو أصابت أهل المصر لماتوا أجمعين، والله لقد سمعت هذا السيف شهراً، ولقد اشتريته بألف وسممته بألف‏.‏

قال الهيثم بن عدي‏:‏ حدثني رجل من بجيلة عن مشيخة قومه‏:‏ أن عبد الرحمن بن ملجم رأى امرأة من تيم الرباب يقول لها‏:‏ قطام، كانت من أجمل النساء ترى رأي الخوارج‏.‏

قد قتل علي قومها على هذا الرأي فلما أبصرها عشقها فخطبها فقالت‏:‏ لا أتزوجك إلا على ثلاثة آلاف وعبد وقينة، فتزوجها على ذلك‏.‏

فلما بنى بها قالت له‏:‏ يا هذا قد فرعت فأفرع فخرج ملبساً سلاحه وخرجت معه فضربت له قبة في المسجد وخرج علي يقول‏:‏ الصلاة الصلاة، فاتبعه عبد الرحمن فضربه بالسيف على قرن رأسه‏.‏

فقال الشاعر‏:‏ قال ابن جرير‏:‏ هو ابن مياس المرادي‏.‏

فلم أر مهراً ساقه ذو سماحة * كمهر قطام بينّاً غير معجم

ثلاثة آلاف وعبد وقينةٌ * وقتل علي بالحسام المصمم

فلا مهر أغلا من علي وإن غلا * ولا فتك إلا دون فتك ابن ملجم

وقد عزى ابن جرير هذه الأبيات إلى ابن شاس المرادي وأنشد له ابن جرير في قتلهم علياً‏:‏

ونحن ضربنا مالك الخير حيدراً * أبا حسنٍ مأمومة فتقطرا

ونحن خلعنا ملكه من نظامه * بضربة سيفٍ إذ علا وتجبرا

ونحن كرامٌ في الهياج أعزةٌ * إذا الموتُ بالموتِ ارتدى وتأزرا

وقد امتدح ابن ملجم بعض الخوارج المتأخرين في زمن التابعين وهو عمران بن حطان وكان أحد العباد ممن يروي عن عائشة في ‏(‏صحيح البخاري‏)‏ فقال فيه‏:‏

يا ضربةً من تقيٍ ما أراد بها * إلا ليبلغ من ذي العرش رضوانا

إني لأذكره يوماً فأحسبه * أوفى البرية عند الله ميزانا

وأما صاحب معاوية - وهو البرك - فإنه حمل عليه وهو خارج إلى صلاة الفجر في هذا اليوم فضربه بالسيف، وقيل‏:‏ بخنجر مسموم، فجاءت الضربة في وركه فجرحت إليته ومسك الخارجي فقتل‏.‏

وقد قال لمعاوية‏:‏ اتركني فإني أبشرك ببشارة‏.‏

فقال‏:‏ وما هي‏؟‏

فقال‏:‏ إن أخي قد قتل في هذا اليوم علي بن أبي طالب‏.‏

قال‏:‏ فلعله لم يقدر عليه

قال‏:‏ بلى إنه لا حرس معه، فأمر به فقتل، وجاء الطبيب فقال لمعاوية‏:‏ إن جرحك مسموم، فإما أن أكويك، وأما أن أسقيك شربة فيذهب السم ولكن ينقطع نسلك‏.‏

فقال معاوية‏:‏ أما النار فلا طاقة لي بها، وأما النسل ففي يزيد وعبد الله ما تقر به عيني‏.‏

فسقاه شربة فبرأ من ألمه وجراحه واستقل وسلم رضي الله عنه‏.‏

ومن حينئذ عملت المقصورة في المسجد الجامع وجعل الحرس حولها في حال السجود، فكان أول من اتخذها معاوية لهذه الحادثة‏.‏

وأما صاحب عمرو بن العاص - وهو عمرو بن بكر - فإنه كمن له ليخرج إلى الصلاة، فاتفق أن عرض لعمرو بن العاص مغص شديد في ذلك اليوم فلم يخرج إلا نائبه إلى الصلاة، وهو خارجة بن أبي حبيبة من بني عامر بن لؤي، وكان على شرطة عمرو بن العاص فحمل عليه الخارجي فقتله وهو يعتقده عمرو بن العاص‏.‏

فلما أخذ الخارجي قال‏:‏ أردت عمراً وأراد الله خارجة، فأرسلها مثلاً، وقتل قبحه الله‏.‏

وقد قيل‏:‏ إن الذي قالها عمرو بن العاص، وذلك حين جيء بالخارجي فقال‏:‏ ما هذا‏؟‏

قالوا‏:‏ قتل نائبك خارجة، ثم أمر به فضربت عنقه‏.‏

والمقصود‏:‏ أن علياً رضي الله عنه لما مات صلى عليه ابنه الحسن فكبر عليه تسع تكبيرات، ودفن بدار الإمارة بالكوفة خوفاً عليه من الخوارج أن ينبشوا عن جثته، هذا هو المشهور‏.‏

ومن قال‏:‏ إنه حمل على راحلته فذهبت به فلا يدري أين ذهب فقد أخطأ وتكلف ما لا علم له به ولا يسيغه عقل ولا شرع‏.‏

وما يعتقده كثير من جهلة الروافض من أن قبره بمشهد النجف فلا دليل على ذلك ولا أصل له، ويقال‏:‏ إنما ذاك قبر المغيرة بن شعبة، حكاه الخطيب البغدادي، عن أبي نعيم الحافظ، عن أبي بكر الطلحي، عن محمد بن عبد الله الحضرمي الحافظ، عن مطر أنه قال‏:‏ لو علمت الشيعة قبر هذا الذي يعظمونه بالنجف لرجموه بالحجارة، هذا قبر المغيرة بن شعبة‏.‏

قال الواقدي‏:‏ حدثني أبو بكر بن عبد الله بن أبي سبرة، عن إسحاق بن عبد الله بن أبي فروة قال‏:‏ سألت أبا جعفر محمد بن علي الباقر كم كان سن علي يوم قتل‏؟‏

قال‏:‏ ثلاثاً وستين سنة‏.‏

قلت‏:‏ أين دفن‏؟‏

قال‏:‏ دفن بالكوفة ليلاً وقد غبي عن دفنه‏.‏

وفي رواية عن جعفر الصادق‏:‏ أنه كان عمره ثمانية وخمسين سنة‏.‏

وقد قيل‏:‏ إن علياً دفن قبلي المسجد الجامع من الكوفة‏.‏

قاله الواقدي‏:‏ والمشهور بدار الإمارة‏.‏

وقد حكى الخطيب البغدادي، عن أبي نعيم الفضل بن دكين‏:‏ أن الحسن والحسين حولاه فنقلاه إلى المدينة فدفناه بالبقيع عند قبر فاطمة‏.‏

وقيل‏:‏ إنهم لما حملوه على البعير ضل منهم فأخذته طيء يظنونه مالاً، فلما رأوا أن الذي في الصندوق ميت ولم يعرفوه دفنوا الصندوق بما فيه فلا يعلم أحد أين قبره، حكاه الخطيب أيضاً‏.‏

وروى الحافظ ابن عساكر، عن الحسن قال‏:‏ دفنت علياً في حجرة من دور آل جعدة‏.‏

وعن عبد الملك بن عمير قال‏:‏ لما حفر خالد بن عبد الله أساس دار ابنه يزيد استخرجوا شيخاً مدفوناً أبيض الرأس واللحية كأنما دفن بالأمس فهّم بإحراقه، ثم صرفه الله عن ذلك فاستدعى بقباطي فلفه فيها وطيبه وتركه مكانه‏.‏

قالوا‏:‏ وذلك المكان بحذاء باب الوراقين مما يلي قبلة المسجد في بيت إسكاف وما يكاد يقر في ذلك الموضع أحد إلا انتقل منه‏.‏

وعن جعفر بن محمد الصادق‏:‏

قال‏:‏ صلّي على علي ليلاً ودفن بالكوفة، وعميَ موضع قبره ولكنه عند قصر الإمارة‏.‏

وقال ابن الكلبي‏:‏ شهد دفنه في الليل الحسن، والحسين، وابن الحنفية، وعبد الله بن جعفر وغيرهم من أهل بيتهم، فدفنوه في ظاهر الكوفة وعموا قبره خيفة عليه من الخوارج وغيرهم، وحاصل الأمر أن علياً قتل يوم الجمعة سَحَراً وذلك لسبع عشرة خلت من رمضان من سنة أربعين‏.‏

وقيل‏:‏ إنه قتل في ربيع الأول والأول هو الأصح الأشهر والله أعلم‏.‏

ودفن بالكوفة عن ثلاث وستين سنة وصححه الواقدي، وابن جرير وغير واحد‏.‏

وقيل‏:‏ عن خمس وستين‏.‏

وقيل‏:‏ عن ثمان وستين سنة رضي الله عنه، وكانت خلافته أربع سنين وتسعة أشهر‏.‏

فلما مات علي رضي الله عنه استدعى الحسن بابن ملجم فقال له ابن ملجم‏:‏ إني أعرض عليك خصلة‏.‏

قال‏:‏ وما هي‏؟‏

قال‏:‏ إني كنت عاهدت الله عند الحطيم أن أقتل علياً ومعاوية أو أموت دونهما، فإن خليتني ذهبت إلى معاوية على أني لم أقتله أو قتلته وبقيت فلله علي أن أرجع إليك حتى أضع يدي في يدك‏.‏

فقال له الحسن‏:‏ كلا والله حتى تعاين النار، ثم قدمه فقتله، ثم أخذه الناس فأدرجوه في بواري ثم أحرقوه بالنار‏.‏

وقد قيل‏:‏ إن عبد الله بن جعفر قطع يديه ورجليه وكحلت عيناه، وهو مع ذلك يقرأ سورة اقرأ باسم ربك الذي خلق إلى آخرها، ثم جاؤوا ليقطعوا لسانه فجزع وقال‏:‏ إني أخشى أن تمر علي ساعة لا أذكر الله فيها، ثم قطعوا لسانه، ثم قتلوه، ثم حرقوه في قوصرة والله أعلم‏.‏

وروى ابن جرير قال‏:‏ حدثني الحارث، ثنا ابن سعد، عن محمد بن عمر قال‏:‏ ضرب علي يوم الجمعة فمكث يوم الجمعة، وليلة السبت، وتوفي ليلة الأحد لإحدى عشرة ليلة بقيت من رمضان سنة أربعين عن ثلاث وستين سنة‏.‏

قال الواقدي‏:‏ وهو المثبت عندنا والله أعلم بالصواب‏.‏

ذكر زوجاته وبنيه وبناته

قال الإمام أحمد‏:‏ حدثنا حجاج، ثنا إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن هانئ بن هانئ، عن علي قال‏:‏ لما ولد الحسن جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال‏:‏ ‏(‏‏(‏أروني ابني، ما سميتموه ‏؟‏‏)‏‏)‏

فقلت‏:‏ سميته حرباً‏.‏

فقال‏:‏ ‏(‏‏(‏بل هو حسن‏)‏‏)‏‏.‏

فلما ولد الحسين قال‏:‏ ‏(‏‏(‏أروني ابني، ما سميتموه ‏؟‏‏)‏‏)‏

فقلت‏:‏ سميته حرباً‏.‏

قال‏:‏ ‏(‏‏(‏بل هو حسين‏)‏‏)‏‏.‏

فلما ولد الثالث، جاء النبي صلى الله عليه وسلم فقال‏:‏ ‏(‏‏(‏أروني ابني، ما سميتموه ‏؟‏‏)‏‏)‏

فقلت‏:‏ حرباً‏.‏

فقال‏:‏ ‏(‏‏(‏بل هو محسن، ثم قال‏:‏ إني سميتهم اسم ولد هارون شبر وشبير ومشبر‏)‏‏)‏‏.‏

وقد رواه محمد بن سعد، عن يحيى بن عيسى التيمي، عن الأعمش، عن سالم بن أبي الجعد قال‏:‏

قال علي‏:‏ كنت رجلاً أحب الحرب، فلما ولد الحسن هممت أن أسميه حرباً، فذكر الحديث بنحو ما تقدم، لكن لم يذكر الثالث‏.‏

وقد ورد في بعض الأحاديث‏:‏ أن علياً سمى الحسن أولاً بحمزة، وحسيناً بجعفر فغير اسميهما رسول الله صلى الله عليه وسلم‏.‏

فأول زوجة تزوجها علي رضي الله عنه فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم، بنى بها بعد وقعة بدر، فولدت له الحسن وحسيناً ويقال‏:‏ ومحسناً ومات وهو صغير‏.‏

وولدت له زينب الكبرى، وأم كلثوم، وهذه تزوج بها عمر بن الخطاب كما تقدم‏.‏

ولم يتزوج علي على فاطمة حتى توفيت بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم بستة أشهر‏.‏

فلما ماتت تزوج بعدها بزوجات كثيرة، منهن من توفيت في حياته، ومنهن من طلقها، وتوفي عن أربع كما سيأتي‏.‏

فمن زوجاته‏:‏ أم البنين بنت حرام، وهو المحل بن خالد بن ربيعة بن كعب بن عامر بن كلاب، فولدت له العباس، وجعفراً، وعبد الله، وعثمان‏.‏

وقد قتل هؤلاء مع أخيهم الحسين بكربلاء ولا عقب لهم سوى العباس‏.‏

ومنهن‏:‏ ليلى بنت مسعود بن خالد بن مالك من بني تميم، فولدت له عبيد الله، وأبا بكر، قال هشام بن الكلبي‏:‏ وقد قتلا بكربلاء أيضاً‏.‏

وزعم الواقدي‏:‏ أن عبيد الله قتله المختار بن أبي عبيد يوم الدار‏.‏

ومنهن‏:‏ أسماء بنت عميس الخثعمية، فولدت له يحيى ومحمداً الأصغر قاله الكلبي‏.‏

وقال الواقدي‏:‏ ولدت له يحيى وعوناً‏.‏

قال الواقدي‏:‏ فأما محمد الأصغر فمن أم ولد‏.‏

ومنهن‏:‏ أم حبيبة بنت زمعة بن بحر بن العبد بن علقمة، وهي أم ولد، من السبي الذين سباهم خالد من بني تغلب حين أغار على عين التمر، فولدت له عمر - وقد عمر خمساً وثلاثين سنة - ورقية‏.‏

ومنهن‏:‏ أم سعيد بنت عروة بن مسعود بن معتب بن مالك الثقفي، فولدت له أم الحسن، ورملة الكبرى‏.‏

ومنهن‏:‏ ابنة امرئ القيس بن عدي بن أوس بن جابر بن كعب بن عليم بن كلب الكلبية، فولد له جارية فكانت تخرج مع علي إلى المسجد وهي صغيرة، فيقال لها‏:‏ من أخوالك‏؟‏

فتقول‏:‏ وه وه تعني‏:‏ بني كلب‏.‏

ومنهن‏:‏ أمامة بنت أبي العاص بن الربيع بن عبد شمس بن عبد مناف بن قصي، وأمها زينب بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهي التي كان رسول الله صلى الله عليه وسلم، يحملها وهو في الصلاة إذا قام حملها وإذا سجد وضعها، فولدت له محمداً الأوسط‏.‏

وأما ابنه محمد الأكبر فهو ابن الحنفية وهي‏:‏ خولة بنت جعفر بن قيس بن مسلمة بن عبيد بن ثعلبة بن يربوع بن ثعلبة بن الدؤل بن حنيفة بن لجيم بن صعب بن علي بن بكر بن وائل، سباها خالد أيام الصديق أيام الردة من بني حنيفة، فصارت لعلي بن أبي طالب فولدت له محمداً هذا‏.‏

ومن الشيعة من يدّعي فيه الأمامة والعصمة، وقد كان من سادات المسلمين ولكن ليس بمعصوم، ولا أبوه معصوم، بل ولا من هو أفضل من أبيه من الخلفاء الراشدين قبله ليسوا بواجبي العصمة كما هو مقرر في موضعه والله أعلم‏.‏

وقد كان لعلي أولاد كثيرة آخرون من أمهات أولاد شتى فإنه مات عن أربع نسوة وتسع عشرة سرية رضي الله عنه‏.‏

فمن أولاده رضي الله عنهم مما لا يعرف أسماء أمهاتهم‏:‏ أم هانئ، وميمونة، وزينب الصغرى، ورملة الكبرى، وأم كلثوم الصغرى، وفاطمة، وأمامة، وخديجة، وأم الكرام، وأم جعفر، وأم سلمة، وجمانة‏.‏

قال ابن جرير‏:‏ فجميع ولد علي أربعة عشر ذكراً وسبع عشرة أنثى‏.‏

قال الواقدي‏:‏ وإنما كان النسل من خمسة‏:‏ وهو الحسن، والحسين، ومحمد بن الحنفية، والعباس بن الكلابية، وعمر بن التغلبية رضي الله عنهم أجمعين‏.‏

وقد قال ابن جرير‏:‏ حدثني ابن سنان القزاز، حدثنا أبو عاصم، حدثنا مسكين بن عبد العزيز أنا حفص بن خالد حدثني أبي خالد بن جابر قال‏:‏ سمعت الحسن لما قتل علي قام خطيباً‏.‏

فقال‏:‏ لقد قتلتم الليلة رجلاً في ليلة نزل فيها القرآن، ورفع فيها عيسى بن مريم، وفيها قتل يوشع بن نون فتى موسى‏.‏

والله ما سبقه أحد من قبله ولا يدركه أحد يكون بعده، والله أن كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ليبعثه في السرية جبريل عن يمينه وميكائيل عن يساره، والله ما ترك صفراء ولا بيضاء إلا ثمانمائة أو تسعمائة أرصدها لحادثة، وهذا غريب جداً وفيه نكارة والله أعلم‏.‏

وهكذا رواه أبو يعلى، عن إبراهيم بن الحجاج، عن مسكين به‏.‏

وقال الإمام أحمد‏:‏ حدثنا وكيع، عن شريك، عن أبي إسحاق، عن هبيرة قال‏:‏

خطبنا الحسن بن علي قال‏:‏ لقد فارقكم رجل بالأمس لم يسبقه الأولون بعلم ولا يدركه الآخرون، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يبعثه بالراية جبريل عن يمينه وميكائيل عن شماله، لا ينصرف حتى يفتح له‏.‏

ورواه زيد العمي، وشعيب بن خالد، عن أبي إسحاق به وقال‏:‏ ما ترك إلا سبعمائة كان أرصدها يشتري بها خادماً‏.‏

وقال الإمام أحمد‏:‏ حدثنا حجاج، حدثنا شريك، عن عاصم بن كريب، عن محمد بن كعب القرظي‏:‏ أن علياً قال‏:‏ لقد رأيتني مع رسول الله وإني لأربط الحجر على بطني من الجوع، وأن صدقتي اليوم لتبلغ أربعين ألفاً‏.‏

ورواه عن أسود، عن شريك به وقال‏:‏ إن صدقتي لتبلغ أربعين ألف دينار‏.‏

شيء من فضائل أمير المؤمنين علي بن أبي طالب

من ذلك أنه أقرب العشرة المشهود لهم بالجنة نسباً من رسول الله صلى الله عليه وسلم فإنه علي بن أبي طالب بن عبد المطلب، واسمه شيبة بن هاشم واسمه عمرو بن عبد مناف، واسمه المغيرة بن قصي، واسمه زيد بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر بن مالك بن النضر بن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان‏.‏

أبو الحسن القرشي الهاشمي فهو ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم وأمه فاطمة بنت أسد بن هاشم بن عبد مناف‏.‏

قال الزبير بن بكار‏:‏ وهي أول هاشمية ولدت هاشمياً‏.‏

وقد أسلمت وهاجرت، وأبوه هو العم الشقيق الرفيق أبو طالب، واسمه عبد مناف كذا نص على ذلك الإمام أحمد بن حنبل هو وغير واحد من علماء النسب وأيام الناس‏.‏
وزعمت الروافض أن اسم أبي طالب عمران وأنه المراد من قوله تعالى‏:‏ ‏{‏إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحاً وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ‏}‏ ‏[‏آل عمران‏:‏ 33‏]‏‏.‏

وقد أخطأوا في ذلك خطأً كثيراً، ولم يتأملوا القرآن قبل أن يقولوا هذا البهتان من القول في تفسيرهم له على غير مراد الله تعالى، فإنه قد ذكر بعد هذه قوله تعالى‏:‏ ‏{‏إِذْ قَالَتِ امْرَأَةُ عِمْرَانَ رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي مُحَرَّراً فَتَقَبَّلْ مِنِّي إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ‏}‏ ‏[‏آل عمران‏:‏ 35‏]‏‏.‏

فذكر ميلاد مريم بنت عمران عليها السلام وهذا ظاهر ولله الحمد‏.‏

وقد كان أبو طالب كثير المحبة الطبيعية لرسول الله صلى الله عليه وسلم، ولم يؤمن به إلى أن مات على دينه كما ثبت ذلك في ‏(‏صحيح البخاري‏)‏ من رواية سعيد بن المسيب، عن أبيه في عرضه عليه السلام على عمه أبي طالب، وهو في السياق أن يقول‏:‏ لا إله إلا الله‏.‏

فقال له أبو جهل وعبد الله بن أبي أمية‏:‏ يا أبا طالب أترغب عن ملة عبد المطلب‏؟‏

فقال‏:‏ كان آخر ما قال هو على ملة عبد المطلب وأبى أن يقول‏:‏ لا إله إلا الله، فخرج رسول الله وهو يقول‏:‏ ‏(‏‏(‏أما لأستغفرن لك ما لم أنه عنك‏)‏‏)‏، فنزل ذلك قوله تعالى‏:‏ ‏{‏إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ‏}‏ ‏[‏القصص‏:‏ 56‏]‏‏.‏

ثم نزل بالمدينة قوله تعالى‏:‏ ‏{‏مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُولِي قُرْبَى مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ * وَمَا كَانَ اسْتِغْفَارُ إِبْرَاهِيمَ لِأَبِيهِ إِلَّا عَنْ مَوْعِدَةٍ وَعَدَهَا إِيَّاهُ فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلَّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَأَوَّاهٌ حَلِيمٌ‏}‏ ‏[‏التوبة‏:‏ 113-114‏]‏‏.‏

وقد قررنا ذلك في أوائل المبعث ونبهنا على خطأ الرافضة في دعواهم أنه أسلم وافترائهم ذلك بلا دليل على مخالفة النصوص الصريحة‏.‏

وأما علي رضي الله عنه فإنه أسلم قديماً، وهو دون البلوغ على المشهور، ويقال‏:‏ إنه أول من أسلم من الغلمان، كما أن خديجة أول من أسلم من النساء، وأبو بكر الصديق أول من أسلم من الرجال الأحرار، وزيد بن حارثة أول من أسلم من الموالي‏.‏

وقد روى الترمذي، وأبو يعلي، عن إسماعيل بن السدي، عن علي بن عياش، عن مسلم الملائي، عن حبة بن جوين، عن علي - وحبة لا يساوي حبة - عن أنس بن مالك قال‏:‏ بعث رسول الله يوم الاثنين وصلى علي يوم الثلاثاء‏.‏

ورواه بعضهم عن مسلم الملائي، عن حبة بن جوين، عن علي - وحبة لا يساوي حبة - وقد روى سلمة بن كهيل، عن حبة، عن علي قال‏:‏ عبدت الله مع رسول الله سبع سنين قبل أن يعبده أحد‏.‏

وهذا لا يصح أبداً وهو كذب‏.‏

وروى سفيان الثوري، وشعبة، عن سلمة، عن حبة، عن علي قال‏:‏ أنا أول من أسلم‏.‏

وهذا لا يصح أيضاً وحبة ضعيف‏.‏

وقال سويد بن سعيد‏:‏ حدثنا نوح بن قيس بن سليمان بن عبد الله، عن معاذة العدوية قالت‏:‏ سمعت علي بن أبي طالب على منبر البصرة يقول‏:‏ أنا الصديق الأكبر آمنت قبل أن يؤمن أبو بكر، وأسلمت قبل أن يسلم‏.‏ وهذا لا يصح قاله البخاري‏.‏

وقد ثبت عنه بالتواتر أنه قال على منبر الكوفة‏:‏ أيها الناس‏!‏ إن خير هذه الأمة بعد نبيها أبو بكر ثم عمر، ولو شئت أن أسمي الثالث لسميت‏.‏

وقد تقدم ذلك في فضائل الشيخين رضي الله عنهما وأرضاهما‏.‏

قال الإمام أحمد‏:‏ حدثنا سليمان بن داود، حدثنا أبو عوانة، عن أبي بلج، عن عمرو بن ميمون، عن ابن عباس قال‏:‏ أول من صلى - وفي رواية أسلم - مع رسول الله بعد خديجة علي بن أبي طالب‏.‏

ورواه الترمذي من حديث شعبة عن أبي بلج به‏.‏

وقد روي عن زيد بن أرقم، وأبي أيوب الأنصاري أنه صلى قبل الناس بسبع سنين، وهذا لا يصح من أي وجه كان روي عنه‏.‏

وقد ورد في أنه أول من أسلم من هذه الأمة أحاديث كثيرة لا يصح منها شيء، وأجود ما في ذلك ما ذكرنا‏.‏

على أنه قد خولف فيه وقد اعتنى الحافظ الكبير أبو القاسم بن عساكر في ‏(‏تاريخه‏)‏ بتطريق هذه الروايات، فمن أراد كشف ذلك فعليه بكتابه ‏(‏التاريخ‏)‏، والله الموفق للصواب‏.‏

وقد روى الترمذي، والنسائي، عن عمرو بن مرة، عن طلحة بن زيد، عن زيد بن أرقم قال‏:‏ أول من أسلم علي‏.‏

قال الترمذي‏:‏ حسن صحيح‏.‏

وصحب علي رسول الله صلى الله عليه وسلم مدة مقامه بمكة، وكان عنده في المنزل وفي كفالته في حياة أبيه لفقرٍ حصل لأبيه في بعض السنين مع كثرة العيال، ثم استمر في نفقة رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد ذلك إلى زمن الهجرة، وقد خلفه رسول الله صلى الله عليه وسلم ليؤدي ما كان عنده عليه السلام من ودائع الناس، فإنه كان يعرف في قومه بالأمين، فكانوا يودعونه الأموال والأشياء النفيسة‏.‏

ثم هاجر علي بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وصحب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أن توفي وهو راضٍ عنه وحضر معه مشاهده كلها، وجرت له مواقف شريفة بين يديه في مواطن الحرب كما بينا ذلك في السيرة بما أغنى عن إعادته ها هنا، كيوم بدر وأُحد والأحزاب وخيبر وغيرها‏.‏

ولما استخلفه عام تبوك على أهله بالمدينة قال‏:‏ ‏(‏‏(‏أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى غير أنه لا نبي بعدي‏)‏‏)‏ وقد ذكرنا تزويجه فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم، ودخوله بها بعد وقعة بدر بما أغنى عن إعادته‏.‏

ولما رجع عليه السلام من حجة الوداع فكان بين مكة والمدينة بمكان يقال له‏:‏ غدير خم خطب الناس هنالك في اليوم الثاني عشر من ذي الحجة فقال في خطبته‏:‏ ‏(‏‏(‏من كنت مولاه فعلي مولاه‏)‏‏)‏

وفي بعض الروايات‏:‏ ‏(‏‏(‏اللهم والِ من والاه، وعادِ من عاداه، وانصر من نصره، واخذل من خذله‏)‏‏)‏‏.‏

والمحفوظ الأول، وإنما كان سبب هذه الخطبة والتنبيه على فضله ما ذكره ابن إسحاق من أن علياً لما بعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى اليمن أميراً هو وخالد بن الوليد، ورجع علي فوافى رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة في حجة الوداع‏.‏

وقد كثرت فيه المقالة، وتكلم فيه بعض من كان معه بسبب استرجاعه منهم خلعاً كان خلعها نائبة عليهم لما تعجل السير إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم‏.‏

فلما تفرغ رسول الله من حجة الوداع أحب أن يبرئ ساحة علي بما نسب إليه من القول الذي لا أصل له، وقد اتخذت الروافض هذا اليوم عيداً، فكانت تضرب فيه الطبول ببغداد في أيام بني بويه في حدود الأربعمائة كما سننبه عليه إذا انتهينا إليه إن شاء الله‏.‏

ثم بعد ذلك بنحو من عشرين يوماً تعلق المسوح على أبواب الدكاكين ويذر التبن والرماد، وتدور الذراري والنساء في سكك البلد تنوح على الحسين بن علي يوم عاشوراء صبيحة قراءتهم المصرع المكذوب في قتله، وسنبين الحق في صفة قتله كيف وقع الأمر على الجلية إن شاء الله تعالى‏.‏

وقد كان بعض بني أمية يعيب علياً بتسميته أبا تراب، وهذا الاسم إنما سماه به رسول الله صلى الله عليه وسلم كما ثبت في ‏(‏الصحيحين‏)‏، عن سهل بن سعد أن علياً غاضب فاطمة فراح إلى المسجد فجاءه رسول الله صلى الله عليه وسلم فوجده نائماً وقد لصق التراب بجلده فجعل ينفض عنه التراب ويقول‏:‏ ‏(‏‏(‏اجلس أبا تراب‏)‏‏)‏‏.‏

حديث المؤآخاة

قال الحاكم‏:‏ حدثنا أبو بكر محمد بن عبد الله الجنيد، حدثنا الحسين بن جعفر القرشي، حدثنا العلاء بن عمرو الحنفي، حدثنا أيوب بن مدرك، عن مكحول، عن أبي أمامة قال‏:‏ لما آخى رسول الله صلى الله عليه وسلم بين الناس آخى بينه وبين علي‏.‏

ثم قال الحاكم‏:‏ لم نكتبه من حديث مكحول إلا من هذا الوجه، وكان المشايخ يعجبهم هذا الحديث لكونه من رواية أهل الشام‏.‏

قلت‏:‏ وفي صحة هذا الحديث نظر، وورد من طريق أنس وعمر‏:‏ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ ‏(‏‏(‏أنت أخي في الدنيا والآخرة‏)‏‏)‏‏.‏

وكذلك من طريق زيد بن أبي أوفى، وابن عباس، ومحدوج بن زيد الذهلي، وجابر بن عبد الله، وعامر بن ربيعة، وأبي ذر، وعلي نفسه نحو ذلك وأسانيدها كلها ضعيفة لا يقوم بشيء منها حجة و الله أعلم‏.‏

و قد جاء من غير وجه أنه قال‏:‏ أنا عبد الله، وأخو رسوله لا يقولها بعدي إلا كذاب‏.‏

وقال الترمذي‏:‏ ثنا يوسف بن موسى القطان البغدادي، ثنا علي بن قادم، ثنا علي بن صالح بن حيي، عن حكيم بن جبير، عن جُميع بن عمير التيمي، عن ابن عمر قال‏:‏ آخى رسول الله بين أصحابه فجاء علي تدمع عيناه فقال‏:‏ يا رسول الله آخيت بين أصحابك ولم تواخي بيني و بين أحد‏.‏

فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏‏(‏أنت أخي في الدنيا والآخرة‏)‏‏)‏‏.‏

ثم قال‏:‏ هذا حديث حسن غريب وفيه‏:‏ عن زيد بن أبي أوفى، وقد شهد بدراً‏.‏

وقد قال رسول الله لعمر‏:‏ ‏(‏‏(‏وما يدريك لعل الله قد اطلع على أهل بدر فقال‏:‏ اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم ‏؟‏‏)‏‏)‏

وبارز يومئذ كما تقدم، وكانت له اليد البيضاء، ودفع إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم الراية يومئذٍ وهو ابن عشرين سنة قاله الحكم عن مقسم، عن ابن عباس‏.‏

قال‏:‏ وكانت تكون معه راية المهاجرين في المواقف كلها، وكذلك قال سعيد بن المسيب وقتادة‏.‏

وقال خيثمة بن سليمان الأطرابلسي الحافظ‏:‏ حدثنا أحمد بن حازم عن ابن أبي غرزة، ثنا إسماعيل بن أبان، ثنا ناصح بن عبد الله المحملي، عن سماك بن حرب، عن جابر بن سمرة قال‏:‏

قالوا يا رسول الله من يحمل رايتك يوم القيامة‏؟‏

قال‏:‏ ‏(‏‏(‏ومن عسى أن يحملها يوم القيامة إلا من كان يحملها في الدنيا علي بن أبي طالب ‏؟‏‏)‏‏)‏ وهذا إسناد ضعيف‏.‏

ورواه ابن عساكر، عن أنس بن مالك ولا يصح أيضاً‏.‏

وقال الحسن بن عرفة‏:‏ حدثني عمار بن محمد، عن سعيد بن محمد الحنظلي، عن أبي جعفر بن علي قال‏:‏ نادى منادٍ في السماء يوم بدر‏:‏ لا سيف إلا ذو الفقار، ولا فتى إلا علي‏.‏

قال الحافظ ابن عساكر‏:‏ وهذا مرسل وإنما تنفل عن رسول الله صلى الله عليه وسلم سيفه ذا الفقار يوم بدر ثم وهبه لعلي بعد ذلك‏.‏

وقال الزبير بن بكار‏:‏ حدثني علي بن المغيرة، عن معمر بن المثنى قال‏:‏ كان لواء المشركين يوم بدر مع طلحة بن أبي طلحة فقتله علي بن أبي طالب ففي ذلك يقول الحجاج بن علاط السلمي‏:‏

لله أي مذنبٍ عن حربه * أعني ابن فاطمة المعم المخولا

جادت يداك له بعاجل طعنةٍ * تركت طليحة للجبين مجندلا

وشددت شدة باسلٍ فكشفتهم * بالحق إذ يهوون أخول أخولا

وعللت سيفك بالدماء ولم تكن * لترده حران حتى ينهلا

وشهد بيعة الرضوان، وقد قال الله تعالى‏:‏ ‏{‏لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحاً قَرِيباً‏}‏ ‏[‏الفتح‏:‏ 18‏]‏‏.‏

وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏‏(‏لن يدخل أحد بايع تحت الشجرة النار‏)‏‏)‏‏.‏

وقد ثبت في ‏(‏الصحاح‏)‏ وغيرها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال يوم خيبر‏:‏ ‏(‏‏(‏لأعطين الراية غداً رجلاً يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله، ليس بفّرار يفتح الله على يديه‏)‏‏)‏‏.‏

فبات الناس يدوكون أيهم يعطاها حتى قال عمر‏:‏ ما أحببت الإمارة إلا يومئذٍ، فلما أصبح أعطاها علياً ففتح الله على يديه‏.‏

ورواه جماعة منهم مالك، والحسن، ويعقوب بن عبد الرحمن، وجرير بن عبد الحميد، وحماد بن سلمة، وعبد العزيز بن المختار، وخالد بن عبد الله بن سهيل عن أبيه، عن أبي هريرة أخرجه مسلم‏.‏

ورواه ابن أبي حازم، عن سهل بن سعد أخرجاه في ‏(‏الصحيحين‏)‏، وقال في حديثه‏:‏ فدعا به رسول الله وهو أرمد فبصق في عينه فبرأ‏.‏

ورواه إياس بن سلمة بن الأكوع، عن أبيه، ويزيد بن أبي عبيد، عن مولاه سلمة أيضاً، وحديثه عنه في ‏(‏الصحيحين‏)‏‏.‏

وقال محمد بن إسحاق‏:‏ حدثني بريدة، عن سفيان، عن أبي فروة الأسلمي، عن أبيه، عن سلمة بن عمرو بن الأكوع قال‏:‏ بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أبي بكر الصديق برايته إلى بعض حصون خيبر، فقاتل ثم رجع ولم يكن فتح وقد جهد‏.‏

ثم بعث عمر بن الخطاب فقاتل ثم رجع ولم يكن فتح وقد جهد‏.‏

فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏‏(‏لأعطين الراية غداً رجلاً يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله يفتح الله على يديه ليس بفّرار‏)‏‏)‏‏.‏
قال سلمة‏:‏ فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم علياً وهو أرمد فتفل في عينيه ثم قال‏:‏ ‏(‏‏(‏خذ هذه الراية فامض بها حتى يفتح الله عليك‏)‏‏)‏‏.‏

قال سلمة‏:‏ فخرج والله بها يهرول هرولة وإنا لخلفه نتبع أثره حتى ركز رايته في رجم من حجارة تحت الحصن، فاطلع إليه يهودي من رأس الحصن‏.‏

فقال‏:‏ من أنت‏؟‏

قال‏:‏ علي بن أبي طالب‏.‏

قال اليهودي‏:‏ غلبتم ومن أنزل التوراة على موسى‏.‏

قال‏:‏ فما رجع حتى فتح الله علي يديه‏.‏

وقد رواه عكرمة بن عمار، عن عطاء مولى السائب، عن سلمة بن الأكوع، وفيه أنه هو الذي جاء به يقوده وهو أرمد حتى بصق رسول الله في عينيه فبرأ‏.‏

رواية بريدة بن الحصيب

وقال الإمام أحمد‏:‏ حدثنا زيد بن الحباب، ثنا الحسين بن واقد، حدثني عبد الله بن بريدة، حدثني بريدة بن الحصيب قال‏:‏ حاصرنا خيبر فأخذ اللواء أبو بكر فانصرف ولم يفتح له‏.‏

ثم أخذه من الغد عمر فخرج فرجع ولم يفتح له، وأصاب الناس يومئذٍ شدة وجهد‏.‏

فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏‏(‏إني دافع اللواء غداً إلى رجل يحبه الله ورسوله ويحب الله ورسوله لا يرجع حتى يفتح له‏)‏‏)‏ - وبتنا طيبة أنفسنا أن الفتح غداً -‏.‏

قال‏:‏ فلما أصبح رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى الغداة، ثم قام قائماً فدعا باللواء والناس على مصافهم فدعا علياً وهو أرمد فتفل في عينيه ودفع إليه اللواء ففتح له‏.‏

قال بريدة‏:‏ وأنا فيمن تطاول لها، ورواه النسائي من حديث الحسين بن واقد به أطول منه، ثم رواه أحمد، عن محمد بن جعفر وروح كلاهما عن عوف، عن ميمون أبي عبد الله الكردي، عن عبد الله بن بريدة، عن أبيه به نحوه، وأخرجه النسائي عن بندار، وغندر به وفيه الشعر‏.‏

رواية عبد الله بن عمر

ورواه هشيم، عن العوام بن حوشب، عن حبيب بن أبي ثابت، عن ابن عمر فذكر سياق حديث بريدة ورواه كثير من النواء عن جميع بن عمير، عن ابن عمر نحوه وفيه قال علي‏:‏ فما رمدت بعد يومئذٍ‏.‏

ورواه أحمد عن وكيع، عن هشام بن سعيد، عن عمر بن أسيد، عن ابن عمر كما سيأتي‏.‏

رواية ابن عباس

وقال أبو يعلى‏:‏ حدثنا يحيى بن عبد الحميد، ثنا أبو عوانة، عن أبي بلج، عن عمرو بن ميمون، عن ابن عباس قال‏:‏

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏‏(‏لأعطين الراية غداً رجل يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله، فقال‏:‏ أين علي ‏؟‏‏)‏‏)‏

قالوا‏:‏ يطحن‏.‏
قال‏:‏ وما أحد منهم يرضى أن يطحن، فأتي به فدفع إليه الراية فجاء بصفية بنت حيي بن أخطب‏.‏

وهذا غريب من هذا الوجه وهو مختصر من حديث طويل‏.‏

ورواه الإمام أحمد عن يحيى بن حماد، عن أبي عوانة، عن أبي بلج، عن عمرو بن ميمون، عن ابن عباس فذكره بتمامه

فقال الإمام أحمد عن يحيى بن حماد‏:‏ حدثنا أبو عوانة، حدثنا أبو بلج، ثنا عمر بن ميمون قال‏:‏ إني لجالس إلى عن ابن عباس، إذا أتاه تسعة رهط فقالوا‏:‏ يا بن عباس إما أن تقوم معنا، وإما أن تخلونا هؤلاء‏؟‏

فقال‏:‏ بل أقوم معكم - وهو يومئذٍ صحيح قبل أن يعمى - قال‏:‏ ابتدأوا فتحدثوا فلا ندري ما قالوا‏.‏

قال‏:‏ فجاء ينفض ثوبه ويقول‏:‏ أف وتف، وقعوا في رجل له عشر وقعوا في رجل قال له النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏‏(‏لأبعثن رجلاً لا يخزيه الله أبداً يحب الله ورسوله‏)‏‏)‏‏.‏

قال‏:‏ فاستشرف لها من استشرف‏.‏

قال‏:‏ ‏(‏‏(‏أين علي ‏؟‏‏)‏‏)‏

قالوا‏:‏ في الرحا يطحن‏.‏

قال‏:‏ ‏(‏‏(‏وما كان أحدكم ليطحن‏)‏‏)‏‏.‏

قال‏:‏ فجاء وهو أرمد لا يكاد أن يبصر فنفث في عينيه، ثم هز الراية ثلاثاً فأعطاها إياه فجاء بصفية بنت حيي بن أخطب قال‏:‏ ثم بعث فلاناً بسورة التوبة فبعث علياً خلفه فأخذها، ثم قال‏:‏ ‏(‏‏(‏لا يذهب بها إلا رجل مني وأنا منه‏)‏‏)‏‏.‏

قال‏:‏ وقال لبني عمه‏:‏ ‏(‏‏(‏أيكم يواليني في الدنيا والآخرة ‏؟‏‏)‏‏)‏، فأبوا‏.‏

فقال علي‏:‏ أنا أواليك في الدنيا والآخرة‏.‏

فقال‏:‏ ‏(‏‏(‏أنت وليي في الدنيا والآخرة‏)‏‏)‏

قال‏:‏ وكان أول من أسلم من الناس بعد خديجة‏.‏

قال‏:‏ وأخذ رسول الله ثوبه فوضعه على علي وفاطمة وحسن وحسين فقال‏:‏ ‏(‏‏(‏إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيراً‏)‏‏)‏‏.‏

قال‏:‏ وشرى علي نفسه لبس ثوب رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم نام مكانه، قال‏:‏ وكان المشركون يرمون رسول الله صلى الله عليه وسلم فجاء أبو بكر وعلي نائم وأبو بكر يحسب أنه نبي الله‏.‏

فقال‏:‏ يا نبي الله ‏!‏‏.‏

فقال له علي‏:‏ إن نبي الله قد انطلق نحو بئر ميمونة فأدركه‏.‏

قال‏:‏ فانطلق أبو بكر فدخل معه الغار، قال‏:‏ وجعل علي يُرمي بالحجارة كما كان يرمى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يتضرر، وقد لف رأسه في الثوب لا يخرجه حتى أصبح، ثم كشف عن رأسه فقالوا‏:‏ إنك لئيم كان صاحبك ترميه فلا يتضرر، وأنت تتضرر وقد استنكرنا ذلك‏.‏

قال‏:‏ وخرج - يعني‏:‏ رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك - فقال له علي‏:‏ أخرج معك‏؟‏

فقال له النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏‏(‏لا ‏!‏‏)‏‏)‏

فبكى علي فقال‏:‏ ‏(‏‏(‏أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى، إلا أنك لست بنبي‏؟‏ إنه لا ينبغي أن أذهب إلا وأنت خليفتي‏)‏‏)‏‏.‏

قال‏:‏ وقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏‏(‏أنت ولي كل مؤمن بعدي‏)‏‏)‏‏.‏

قال‏:‏ وسد أبواب المسجد غير باب علي فيدخل المسجد جنباً وهو طريقه ليس له طريق غيره‏.‏

قال‏:‏ وقال‏:‏ ‏(‏‏(‏من كنت مولاه فإن علياً مولاه‏)‏‏)‏‏.‏

قال‏:‏ وأخبرنا الله في القرآن أنه قد رضي عن أصحاب الشجرة فعلم ما في قلوبهم فهل حدثنا أنه سخط عليهم بعد‏.‏

قال‏:‏ وقال نبي الله صلى الله عليه وسلم لعمر حين قال‏:‏ ائذن لي أن أضرب عنق هذا المنافق - يعني‏:‏ حاطب بن أبي بلتعة - قال‏:‏ ‏(‏‏(‏وما يدريك لعل الله قد اطلع على أهل بدر فقال‏:‏ ‏(‏‏(‏اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم‏)‏‏)‏‏.‏

وقد روى الترمذي بعضه من طريق شعبة، عن أبي بلج يحيى بن أبي سليم واستغربه‏.‏

وأخرج النسائي بعضه أيضاً، عن محمد بن المثنى، عن يحيى بن حماد به‏.‏

وقال البخاري في ‏(‏التاريخ‏)‏‏:‏ حدثنا عمر بن عبد الوهاب الرماحي، حدثنا معمر بن سليمان، عن أبيه، عن منصور، عن ربعي، عن عمران بن حصين‏.‏

قال‏:‏ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏‏(‏لأدفعن الراية إلى رجل يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله‏)‏‏)‏ فبعث إلى علي وهو أرمد فتفل في عينيه وأعطاه الراية فما رد وجهه وما اشتكاهما بعد‏.‏

ورواه أبو القاسم البغوي، عن إسحاق بن إبراهيم، عن أبي موسى الهروي، عن علي بن هاشم، عن محمد بن علي عن منصور، عن ربعي عن عمران فذكره‏.‏

وأخرجه النسائي بعد عن عباس العنبري، عن عمر بن عبد الوهاب به‏.‏

رواية أبي سعيد في ذلك

قال الإمام أحمد‏:‏ حدثنا مصعب بن المقدام، وحجين بن المثنى قالا‏:‏ ثنا إسرائيل، حدثنا عبد الله بن عصمة قال‏:‏ سمعت أبا سعيد الخدري يقول‏:‏ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أخذ الراية فهزها ثم قال‏:‏ ‏(‏‏(‏من يأخذها بحقها‏)‏‏)‏‏.‏

فجاء فلان فقال‏:‏ أنا‏.‏

فقال‏:‏ ‏(‏‏(‏امض‏)‏‏)‏‏.‏

ثم جاء رجل آخر، فقال‏:‏ أنا‏.‏

فقال‏:‏ ‏(‏‏(‏امض‏)‏‏)‏‏.‏

ثم قال النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏‏(‏والذي أكرم وجه محمد لأعطينها رجلاً لا يفر‏)‏‏)‏، فجاء علي فانطلق حتى فتح الله عليه خيبر وفدك وجاء بعجوتهما وقديدههما‏.‏

ورواه أبو يعلي، عن حسين بن محمد، عن إسرائيل وقال في سياقه‏:‏ فجاء الزبير فقال‏:‏ أنا‏.‏

فقال‏:‏ ‏(‏‏(‏امض‏)‏‏)‏‏.‏

ثم جاء آخر‏.‏

فقال‏:‏ ‏(‏‏(‏امض‏)‏‏)‏، وذكره تفرد به أحمد‏.‏

رواية علي بن أبي طالب في ذلك

وقال الإمام أحمد‏:‏ حدثنا وكيع، عن ابن أبي ليلى، عن المنهال، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى قال‏:‏ كان أبي يسير مع علي، وكان علي يلبس ثياب الصيف في الشتاء، وثياب الشتاء في الصيف‏.‏

فقيل له‏:‏ لو سألته

فسأله فقال‏:‏ إن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث إليّ وأنا أرمد العين يوم خيبر، فقلت‏:‏ يا رسول الله إني أرمد العين، فتفل في عيني فقال‏:‏ ‏(‏‏(‏اللهم أذهب عنه الحر والبرد‏)‏‏)‏ فما وجدت حراً ولا برداً منذ يومئذ‏.‏

وقال‏:‏ ‏(‏‏(‏لأعطين الراية رجلاً يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله، ليس بفرار‏)‏‏)‏ فتشرف لها أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فأعطانيها‏.‏

تفرد به أحمد وقد رواه غير واحد عن محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى، عن أبيه، عن علي به مطولاً‏.‏

وقال أبو يعلى‏:‏ حدثنا زهير، حدثنا جرير، عن مغيرة، عن أم موسى قالت‏:‏ سمعت علياً يقول‏:‏ ما رمدت ولا صدعت منذ مسح رسول الله وجهي، وتفل في عيني يوم خيبر وأعطاني الراية‏.‏

رواية سعد بن أبي وقاص في ذلك

وثبت في ‏(‏الصحيحين‏)‏ من حديث شعبة، عن سعد بن إبراهيم بن سعد بن أبي وقاص، عن أبيه، عن سعد بن أبي وقاص أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لعلي‏:‏ ‏(‏‏(‏أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى، غير أنه لا نبي بعدي ‏؟‏‏)‏‏)‏‏.‏

قال أحمد، ومسلم، والترمذي‏:‏ حدثنا قتيبة بن سعيد، حدثنا حاتم بن إسماعيل، عن بكير بن مسمار، عن عامر بن سعد بن أبي وقاص، عن أبيه قال له‏:‏ أمر معاوية بن أبي سفيان سعداً فقال‏:‏ ما يمنعك أن تسب أبا تراب‏؟‏

فقال‏:‏ أما ما ذكرت ثلاثاً قالهن له رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏؟‏

لأن تكون لي واحدة منهن أحب إليّ من حمر النعم، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول - وخلفه في بعض مغازيه - فقال له علي‏:‏ يا رسول الله أتخلفني مع النساء والصبيان ‏؟‏

فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏‏(‏أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي ‏؟‏‏)‏‏)‏‏.‏

وسمعته يقول يوم خيبر‏:‏ ‏(‏‏(‏لأعطين الراية رجلاً يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله‏)‏‏)‏‏.‏

قال‏:‏ فتطاولت لها، قال‏:‏ ‏(‏‏(‏ادعوا لي علياً‏)‏‏)‏ فأُتي به أرمد فبصق في عينيه ودفع الراية إليه ففتح الله عليه‏.‏

ولما نزلت هذه الآية ‏{‏فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءنَا وَأَبْنَاءكُمْ وَنِسَاءنَا وَنِسَاءكُمْ وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكُمْ‏}‏ ‏[‏آل عمران‏:‏ 61‏]‏‏.‏

دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم علياً وفاطمة وحسناً وحسيناً ثم قال‏:‏ ‏(‏‏(‏اللهم هؤلاء أهلي‏)‏‏)‏‏.‏

وقد رواه مسلم، والترمذي، والنسائي، من حديث سعيد بن المسيب، عن سعد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لعلي‏:‏ ‏(‏‏(‏أنت مني بمنزلة هارون من موسى‏)‏‏)‏‏.‏

وقال الترمذي‏:‏ ويستغرب من رواية سعيد عن سعد‏.‏

وقال الإمام أحمد‏:‏ حدثنا أحمد الزبيري، حدثنا عبد الله بن حبيب بن أبي ثابت، عن حمزة بن عبد الله، عن أبيه - يعني‏:‏ عبد الله بن عمر - عن سعد قال‏:‏ لما خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى تبوك خلف علياً فقال‏:‏ أتخلفني‏؟‏

قال‏:‏ ‏(‏‏(‏أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى غير أنه لا نبي بعدي‏)‏‏)‏، وهذا إسناد جيد ولم يخرجوه‏.‏

وقال الحسن بن عرفة العبدي‏:‏ حدثنا محمد بن حازم أبو معاوية الضرير، عن موسى بن مسلم الشيباني، عن عبد الرحمن بن سابط، عن سعد بن أبي وقاص قال‏:‏ قدم معاوية في بعض حجاته فأتاه سعد بن أبي وقاص فذكروا علياً‏.‏

فقال سعد‏:‏ له ثلاث خصال لأن تكون لي واحدة منهن أحب إليّ من الدنيا وما فيها‏.‏

سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول‏:‏ ‏(‏‏(‏من كنت مولاه فعلي مولاه‏)‏‏)‏‏.‏

وسمعته يقول‏:‏ ‏(‏‏(‏لأعطين الراية غداً رجلاً يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله‏)‏‏)‏‏.‏

وسمعته يقول‏:‏ ‏(‏‏(‏أنت مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي‏)‏‏)‏، لم يخرجوه، وإسناده حسن‏.‏

وقال أبو زرعة الدمشقي‏:‏ ثنا أحمد بن خالد الذهبي أبو سعيد، ثنا محمد بن إسحاق، عن عبد الله بن أبي نجيح، عن أبيه قال‏:‏ لما حج معاوية أخذ بيد سعد بن أبي وقاص‏.‏

فقال‏:‏ يا أبا إسحاق إنا قوم قد أجفانا هذا الغزو عن الحج حتى كدنا أن ننسى بعض سننه فطف نطف بطوافك‏.‏

قال‏:‏ فلما فرغ أدخله دار الندوة فأجلسه معه على سريره، ثم ذكر علي بن أبي طالب فوقع فيه‏.‏

فقال‏:‏ أدخلتني دارك وأجلستني على سريرك، ثم وقعت في علي تشتمه ‏؟‏


والله لأن يكون في إحدى خلاله الثلاث أحب إلي من أن يكون لي ما طلعت عليه الشمس، ولأن يكون لي ما قال حين غزا تبوكاً ‏(‏‏(‏إلا ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي ‏؟‏‏)‏‏)‏

أحب إلي مما طلعت عليه الشمس، ولأن يكون لي ما قال له يوم خيبر‏:‏ ‏(‏‏(‏لأعطين الراية رجلاً يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله يفتح الله على يديه، ليس بفرار‏)‏‏)‏

أحب إليّ مما طلعت عليه الشمس، ولأن أكون صهره على ابنته ولي منها الولد ماله أحب إليّ من أن يكون لي ما طلعت عليه الشمس، لا أدخل عليك داراً بعد هذا اليوم، ثم نفض رداءه ثم خرج‏.‏

وقال أحمد‏:‏ حدثنا محمد بن جعفر، ثنا شعبة عن الحكم، عن مصعب بن سعد، عن سعد بن أبي وقاص قال‏:‏ خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم علي بن أبي طالب فقال‏:‏ يا رسول الله تخلفني في النساء والصبيان ‏؟‏

قال‏:‏ ‏(‏‏(‏أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى غير أنه لا نبي بعدي ‏؟‏‏)‏‏)‏ إسناده على شرطهما، ولم يخرجاه‏.‏
وهكذا رواه أبو عوانة، عن الأعمش، عن الحكم بن مصعب، عن أبيه، ورواه أبو داود الطيالسي، عن شعبة، عن عاصم، عن مصعب، عن أبيه فالله أعلم‏.‏

وقال أحمد‏:‏ ثنا أبو سعيد مولى بني هاشم، ثنا سليمان بن بلال، حدثنا الجعد بن عبد الرحمن الجعفي، عن عائشة بنت سعد، عن أبيها‏:‏ أن علياً خرج مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى جاء ثنية الوداع وعلي يبكي يقول‏:‏ تخلفني مع الخوالف ‏؟‏‏.‏

فقال‏:‏ ‏(‏‏(‏أوما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى إلا النبوة ‏؟‏‏)‏‏)‏‏.‏

وهذا إسناد صحيح أيضاً ولم يخرجوه‏.‏

وقد رواه غير واحد، عن عائشة بنت سعد، عن أبيها‏.‏

قال الحافظ ابن عساكر‏:‏ وقد روى هذا الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم جماعة من الصحابة منهم عمر، وعلي، وابن عباس، وعبد الله بن جعفر، ومعاوية، وجابر بن عبد الله، وجابر بن سمرة، وأبو سعيد، والبراء بن عازب، وزيد بن أرقم، وزيد بن أبي أوفى، ونبيط بن شريط، وحبشي بن جنادة، ومالك بن الحويرث، وأنس بن مالك، وأبو الفضل، وأم سلمة، وأسماء بنت عميس، وفاطمة بنت حمزة‏.‏

وقد تقصى الحافظ ابن عساكر هذه الأحاديث في ترجمة علي في ‏(‏تاريخه‏)‏ فأجاد وأفاد وبرز على النظراء والأشباه والأنداد‏.‏ رحمه رب العباد يوم التناد‏.‏

رواية عمر بن الخطاب رضي الله عنه في ذلك

قال أبو يعلى‏:‏ حدثنا عبد الله بن عمر، ثنا عبد الله بن جعفر، أخبرني سهل بن أبي صالح، عن أبيه، عن أبي هريرة قال‏:‏

قال عمر‏:‏ لقد أُعطي علي بن أبي طالب ثلاث خصال لأن تكون لي خصلة منها أحب إليّ من حمر النعم‏.‏

قيل‏:‏ وما هن يا أمير المؤمنين‏؟‏

قال‏:‏ تزويجه فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم، وسكناه المسجد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم يحل له فيه ما يحل له، والراية يوم خيبر‏.‏

وقد روى عن عمر من غير وجه‏.‏

رواية ابن عمر رضي الله عنهما

وقد رواه الإمام أحمد‏:‏ عن وكيع، عن هشام بن سعد، عن عمر بن أسيد، عن ابن عمر قال‏:‏ كنا نقول في زمان رسول الله صلى الله عليه وسلم خير الناس أبو بكر ثم عمر، ولقد أوتي ابن أبي طالب ثلاث لأن أكون أعطيتهن أحب إليّ من حمر النعم‏.‏ فذكر هذه الثلاث‏.‏

وقد روى أحمد، والترمذي، من حديث عبد الله بن محمد بن عقيل، عن جابر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لعلي‏:‏ ‏(‏‏(‏أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى غير أنه لا نبي بعدي ‏؟‏‏)‏‏)‏‏.‏

ورواه أحمد من حديث عطية، عن أبي سعيد، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ ‏(‏‏(‏أنت مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي‏)‏‏)‏‏.‏

ورواه الطبراني من طريق عبد العزيز بن حكيم، عن ابن عمر مرفوعاً‏.‏

ورواه سلمة بن كهيل، عن عامر بن سعد، عن أبيه، عن أم سلمة أن رسول الله قال لعلي‏:‏ ‏(‏‏(‏أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي‏)‏‏)‏‏.‏ قال سلمة‏:‏ وسمعت مولى لبني موهب يقول‏:‏ سمعت ابن عباس يقول‏:‏ قال النبي صلى الله عليه وسلم مثله‏.‏

تزويجه فاطمة الزهراء رضي الله عنهما‏.‏

قال سفيان الثوري‏:‏ عن ابن نجيح، عن أبيه، سمع رجل علياً على منبر الكوفة يقول‏:‏ أردت أن أخطب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ابنته، ثم ذكرت أن لا شيء لي، ثم ذكرت عائدته وصلته فخطبتها‏.‏

فقال‏:‏ ‏(‏‏(‏هل عندك شيء ‏؟‏‏)‏‏)‏

قلت‏:‏ لا ‏!‏‏.‏

قال‏:‏ ‏(‏‏(‏فأين درعك الحطمية التي أعطيتك يوم كذا وكذا ‏؟‏‏)‏‏)‏‏.‏

قلت‏:‏ عندي‏.‏

قال‏:‏ ‏(‏‏(‏فأعطها‏)‏‏)‏

فأعطيتها فزوجني، فلما كان ليلة دخلت عليها‏.‏

قال‏:‏ ‏(‏‏(‏لا تحدثا شيئاً حتى آتيكما‏)‏‏)‏‏.‏

قال‏:‏ فأتانا وعلينا قطيفة أو كساء فتحثثنا‏.‏

فقال‏:‏ ‏(‏‏(‏مكانكما‏)‏‏)‏، ثم دعا بقدح من ماء فدعا فيه، ثم رشه عليّ وعليها‏.‏

فقلت‏:‏ يا رسول الله، أنا أحب إليك أم هي‏؟‏

قال‏:‏ ‏(‏‏(‏هي أحب إليّ وأنت أعز عليّ منها‏)‏‏)‏‏.‏

وقد روى النسائي من طريق عبد الكريم بن سليط، عن ابن بريدة، عن أبيه فذكره بأبسط من هذا السياق‏.‏

وفيه‏:‏ أنه أولم عليها بكبش من عند سعد وآصع من الذرة من عند جماعة من الأنصار، وأنه دعا لهما بعد ما صب عليهما الماء‏.‏

فقال‏:‏ ‏(‏‏(‏اللهم بارك لهما في شملهما‏)‏‏)‏ - يعني‏:‏ الجماع - وقال محمد بن كثير‏:‏ عن الأوزاعي، عن يحيى بن أبي كثير، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة قال‏:‏ لما خطب علي فاطمة دخل عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال لها‏:‏ ‏(‏‏(‏أي بنية‏!‏ إن ابن عمك علياً قد خطبك فماذا تقولين‏؟‏

فبكت ثم قالت‏:‏ كأنك يا أبت إنما دخرتني لفقير قريش‏؟‏

فقال‏:‏ والذي بعثني بالحق ما تكلمت فيه حتى أذن الله لي فيه من السموات‏.‏

فقالت فاطمة‏:‏ رضيت بما رضي الله ورسوله‏.‏

فخرج من عندها واجتمع المسلمون إليه ثم قال‏:‏ ‏(‏‏(‏يا علي أخطب لنفسك‏)‏‏)‏‏.‏

فقال علي‏:‏ الحمد الله الذي لا يموت، وهذا محمد رسول الله زوجني ابنته على صداق مبلغه أربعمائة درهم، فاسمعوا ما يقول واشهدوا‏.‏
قالوا‏:‏ ما تقول يا رسول الله‏؟‏

قال‏:‏ ‏(‏‏(‏أشهدكم أني قد زوجته‏)‏‏)‏‏.‏

رواه ابن عساكر وهو منكر، وقد ورد في هذا الفصل أحاديث كثيرة منكرة وموضوعة، ضربنا عنها لئلا يطول الكتاب بها‏.‏

وقد أورد منها طرفاً جيداً الحافظ ابن عساكر في ‏(‏تاريخه‏)‏‏.‏

وقال وكيع‏:‏ عن أبي خالد، عن الشعبي قال‏:‏ قال علي‏:‏ ما كان لنا إلا إهاب كبش ننام على ناحيته، وتعجن فاطمة على ناحيته‏.‏

وفي رواية مجالد، عن الشعبي‏:‏ ونعلف عليه الناضح بالنهار وما لي خادم عليها غيرها‏.‏

حديث آخر

قال أحمد‏:‏ حدثنا محمد بن جعفر، ثنا عوف، عن ميمون أبي عبد الله، عن زيد بن أرقم قال‏:‏ كان لنفر من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أبواب شارعة في المسجد‏.‏

قال‏:‏ فقال يوماً‏:‏ ‏(‏‏(‏سدوا هذه الأبواب إلا باب علي‏)‏‏)‏‏.‏

قال‏:‏ فتكلم في ذلك أناس، فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال‏:‏ ‏(‏‏(‏أما بعد، فإني أمرت بسد هذه الأبواب غير باب علي، فقال‏:‏ فيه قائلكم، وإني والله ما سددت شيئاً إلا فتحته، ولكن أمرت بشيء فاتبعته‏)‏‏)‏‏.‏

وقد رواه أبو الأشهب‏:‏ عن عوف، عن ميمون، عن البراء بن عازب فذكره‏.‏

وقد تقدم ما رواه أحمد، والنسائي من حديث أبي عوانة، عن أبي بلج، عن عمرو بن ميمون، عن ابن عباس الحديث الطويل وفيه سد الأبواب غير باب علي‏.‏

وكذا رواه شعبة، عن أبي بلج‏.‏

ورواه سعد بن أبي وقاص قال أبو يعلى، ثنا موسى بن محمد بن حسان، ثنا محمد بن إسماعيل بن جعفر الطحان ثنا غسان بن بسر الكاهلي، عن مسلم، عن خيثمة، عن سعد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سد أبواب المسجد وفتح باب علي، فقال الناس في ذلك‏:‏ فقال‏:‏ ‏(‏‏(‏ما أنا فتحته، ولكن الله فتحه‏)‏‏)‏‏.‏

وهذا لا ينافي ما ثبت في ‏(‏صحيح البخاري‏)‏ من أمره عليه السلام في مرض الموت بسد الأبواب الشارعة إلى المسجد إلا باب أبي بكر الصديق، لأن نفي هذا في حق علي كان في حال حياته لاحتياج فاطمة إلى المرور من بيتها إلى بيت أبيها، فجعل هذا رفقاً بها‏.‏

وأما بعد وفاته فزالت هذه العلة فاحتيج إلى فتح باب الصديق لأجل خروجه إلى المسجد ليصلي بالناس إذ كان الخليفة عليهم بعد موته عليه السلام، وفيه إشارة إلى خلافته‏.‏

وقال الترمذي‏:‏ ثنا علي بن المنذر، حدثنا ابن فضيل، عن سالم بن أبي حفصة، عن عطية، عن أبي سعيد، قال‏:‏ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعلي‏:‏ ‏(‏‏(‏يا علي لا يحل لأحد يجنب في المسجد غيري وغيرك‏)‏‏)‏‏.‏

قال علي بن المنذر‏:‏ قلت لضرار بن صُرَدَ‏:‏ ما معنى هذا الحديث‏؟‏

قال‏:‏ لا يحل لأحد يستطرقه جُنباً غيري وغيرك‏.‏

ثم قال الترمذي‏:‏ وهذا حديث حسن غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه‏.‏

وقد سمع محمد بن إسماعيل هذا الحديث‏.‏

وقد رواه ابن عساكر من طريق كثير النواء، عن عطية، عن أبي سعيد به‏.‏

ثم أورده من طريق أبي نعيم‏:‏ حدثنا عبد الملك بن أبي عيينة، عن أبي الخطاب عمر الهروي، عن محدوج، عن جسرة بنت دجاجة أخبرتني أم سلمة قالت‏:‏ خرج النبي صلى الله عليه وسلم في مرضه حتى انتهى إلى صرحة المسجد فنادى بأعلى صوته‏:‏ ‏(‏‏(‏أنه لا يحل لجنب أو لحائض إلا لمحمد وأزواجه، وعلي، وفاطمة بنت محمد، ألا هل بينّت لكم الأسماء أن تضلوا‏)‏‏)‏‏.‏

وهذا إسناد غريب وفيه ضعف، ثم ساقه من حديث أبي رافع بنحوه، وفي إسناده غرابة أيضاً‏.‏

حديث آخر

قال الحاكم وغير واحد‏:‏ عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، عن بريدة بن الحصيب‏:‏ قال‏:‏ غزوت مع علي إلى اليمن فرأيت منه جفوة، فقدمت على النبي صلى الله عليه وسلم فذكرت علياً فتنقصته، فرأيت وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم يتغير، فقال‏:‏ ‏(‏‏(‏يا بريدة ألست أولى بالمؤمنين من أنفسهم‏)‏‏)‏ ‏؟‏‏.‏

فقلت‏:‏ بلى يا رسول الله‏.‏

فقال‏:‏ ‏(‏‏(‏من كنت مولاه فعلي مولاه‏)‏‏)‏‏.‏

وقال الإمام أحمد‏:‏ حدثنا ابن نمير، ثنا الأجلح الكندي، عن عبد الله بن بريدة، عن أبيه بريدة قال‏:‏ بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم بعثتين إلى اليمن على إحداهما علي بن أبي طالب، وعلى الأخرى خالد بن الوليد‏.‏

وقال‏:‏ ‏(‏‏(‏إذا التقيتما فعلي على الناس، وإذا افترقتما فكل واحد منكما على جنده‏)‏‏)‏‏.‏

قال‏:‏ فلقينا بني زيد من أهل اليمن فاقتتلنا، فظهر المسلمون على المشركين فقتلنا المقاتلة، وسبينا الذرية، فاصطفى علي امرأة من السبي لنفسه‏.‏

قال بريدة‏:‏ فكتب معي خالد بن الوليد إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يخبره بذلك، فلما أتيت رسول الله دفعت إليه الكتاب فقرئ عليه فرأيت الغضب في وجه رسول الله‏.‏

فقلت‏:‏ يا رسول الله هذا مكان العائذ بعثتني مع رجل وأمرتني أن أطيعه فبلغت ما أرسلت به‏.‏

فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏‏(‏لا تقع في علي فإنه مني وأنا منه؛ وهو وليكم بعدي‏)‏‏)‏ هذه اللفظة منكرة والأجلح شيعي ومثله لا يقبل إذا تفرد بمثلها، وقد تابعه فيها من هو أضعف منه والله أعلم‏.‏

والمحفوظ في هذا رواية أحمد، عن وكيع، عن الأعمش، عن سعد بن عبيدة، عن عبد الله بن بريدة، عن أبيه قال‏:‏ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏‏(‏من كنت مولاه فعلي وليه‏)‏‏)‏

ورواه أحمد أيضاً‏:‏ والحسن بن عرفة، عن الأعمش به‏.‏

ورواه النسائي عن أبي كريب، عن أبي معاوية به‏.‏

وقال أحمد‏:‏ حدثنا روح بن علي بن سويد بن منجوف، عن عبد الله بن بريدة، عن أبيه قال‏:‏ بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم علياً إلى خالد بن الوليد ليقبض الخمس قال‏:‏ فأصبح ورأسه تقطر‏.‏

فقال خالد لبريدة‏:‏ ألا ترى ما يصنع هذا ‏؟‏‏.‏

قال‏:‏ فلما رجعت إلى رسول الله أخبرته ما صنع علي‏.‏ قال‏:‏ - وكنت أبغض علياً -‏.‏

فقال‏:‏ ‏(‏‏(‏يا بريدة أتبغض علياً ‏؟‏‏)‏‏)‏

فقلت‏:‏ نعم ‏!‏‏.‏

قال‏:‏ ‏(‏‏(‏لا تبغضه وأحبه، فإن له في الخمس أكثر من ذلك‏)‏‏)‏‏.‏

وقد رواه البخاري في ‏(‏الصحيح‏)‏ عن بندار، عن روح به مطولاً‏.‏

وقال أحمد‏:‏ حدثنا يحيى بن سعيد، ثنا عبد الجليل قال‏:‏ انتهيت إلى حلقة فيها أبو مجلز وابنا بريدة فقال عبد الله بن بريدة‏:‏ حدثني أبي بريدة قال‏:‏ أبغضت علياً لم أبغضه أحداً، قال وأحببت رجلاً من قريش لم أحبه إلا على بغضه علياً، فبعث ذلك الرجل على خيل‏:‏ قال‏:‏ فصحبته ما أصحبه إلا على بغضه علياً فأصبنا سبياً، فكتبنا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أبعث إلينا من يخمسه، فبعث إلينا علياً‏.‏

قال‏:‏ وفي السبي وصيفة هي من أفضل السبي - فخمس وقسم فخرج ورأسه يقطر‏.‏

فقلنا‏:‏ يا أبا الحسن ما هذا‏؟‏

قال‏:‏ ألم ترو إلى الوصيفة التي كانت في السبي‏؟‏ فإني قسمت وخمست فصارت في الخمس، ثم صارت في أهل بيت النبي صلى الله عليه وسلم، ثم صارت في آل علي فوقعت بها‏.‏

قال‏:‏ وكتب الرجل إلى نبي الله صلى الله عليه وسلم، فقلت‏:‏ ابعثني‏؟‏ فبعثني مصدّقاً‏.‏

قال‏:‏ فجعلت أقرأ الكتاب وأقول صدق‏.‏

قال‏:‏ فأمسك النبي صلى الله عليه وسلم بيدي والكتاب، قال‏:‏ ‏(‏‏(‏أتبغض علياً ‏؟‏‏)‏‏)‏

قال‏:‏ قلت نعم ‏!‏‏.‏

قال‏:‏ ‏(‏‏(‏فلا تبغضه، وإن كنت تحبه فازدد له حباً، فوالذي نفسي بيده لنصيب آل علي في الخمس أفضل من وصيفة

قال‏:‏ فما كان من الناس أحد بعد قول رسول الله صلى الله عليه وسلم أحب إليّ من علي‏.‏

قال عبد الله‏:‏ فوالذي لا إله غيره ما بيني وبين النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث غير أبي بريدة، وتفرد به أحمد‏.‏

وقد روى غير واحد هذا الحديث عن أبي الجواب، عن يونس بن أبي إسحاق، عن أبيه، عن البراء بن عازب نحو رواية بريدة بن الحصيب وهذا غريب‏.‏

وقد رواه الترمذي‏:‏ عن عبد الله بن أبي زياد، عن أبي الجواب الأحوص بن جواب به، وقال‏:‏ حسن غريب لا نعرفه، إلا من حديثه‏.‏

وقال الإمام أحمد‏:‏ حدثنا عبد الرزاق، حدثنا جعفر بن سليمان، حدثني يزيد الرشك، عن مطرف بن عبد الله، عن عمران بن حصين قال‏:‏ بعث رسول الله سرية، وأمر عليها علي بن أبي طالب فأحدث شيئاً في سفره فتعاقد أربعة من أصحاب محمد أن يذكروا أمره إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم‏.‏

قال عمران‏:‏ وكنا إذا قدمنا من سفر بدأنا برسول الله صلى الله عليه وسلم فسلمنا عليه‏.‏

قال‏:‏ فدخلوا عليه فقام رجل منهم، فقال‏:‏ يا رسول الله صلى الله عليه وسلم إن علياً فعل كذا وكذا، فأعرض عنه، ثم قام الثاني، فقال‏:‏ يا رسول الله صلى الله عليه وسلم إن علياً فعل كذا وكذا، فأعرض عنه‏.‏

ثم قام الثالث فقال‏:‏ يا رسول الله إن علياً فعل كذا وكذا‏.‏

ثم قام الرابع فقال‏:‏ يا رسول الله إن علياً فعل كذا وكذا‏.‏

قال‏:‏ فأقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم على الرابع وقد تغير وجهه، وقال‏:‏ ‏(‏‏(‏دعوا علياً، دعوا علياً، دعوا علياً إن علياً مني وأنا منه، وهو ولي كل مؤمن بعدي‏)‏‏)‏‏.‏

وقد رواه الترمذي، والنسائي عن قتيبة، عن جعفر بن سليمان، وسياق الترمذي مطول، وفيه‏:‏ أنه أصاب جارية من السبي، ثم قال‏:‏ حسن غريب لا نعرفه إلا من حديث جعفر بن سليمان‏.‏

ورواه أبو يعلي الموصلي‏:‏ عن عبد الله بن عمر القواريري، والحسن بن عمر بن شقيق الحرمي، والمعلى بن مهدي كلهم عن جعفر بن سليمان به‏.‏

وقال خيثمة بن سليمان‏:‏ حدثنا أحمد بن حازم، أخبرنا عبيد الله بن موسى بن يوسف بن صهيب، عن دكين، عن وهب بن حمزة قال‏:‏ سافرت مع علي بن أبي طالب من المدينة إلى مكة، فرأيت منه جفوة فقلت‏:‏ لئن رجعت فلقيت رسول الله صلى الله عليه وسلم لأنالن منه‏.‏

قال‏:‏ فرجعت، فلقيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكرت علياً فنلت منه‏.‏

فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏‏(‏لا تقولن هذا لعلي فإن علياً وليكم بعدي‏)‏‏)‏‏.‏

وقال أبو داود الطيالسي‏:‏ عن شعبة، عن أبي بلج، عن عمرو بن ميمون، عن ابن عباس‏:‏ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لعلي‏:‏ ‏(‏‏(‏أنت ولي كل مؤمن بعدي‏)‏‏)‏‏.‏

وقال الإمام أحمد‏:‏ حدثنا يعقوب بن إبراهيم، حدثنا أبي عن أبي إسحاق، حدثني عبد الله بن عبد الرحمن بن معمر بن حزم، عن سليمان بن محمد بن كعب بن عجرة، عن عمته زينب بنت كعب - وكانت عند أبي سعيد الخدري - عن أبي سعيد قالت‏:‏ اشتكى علياً الناس، فقام رسول الله فينا خطيباً‏.‏

فسمعته يقول‏:‏ ‏(‏‏(‏أيها الناس، لا تشكوا علياً، فوالله إنه لأجيش في ذات الله - أو في سبيل الله -‏)‏‏)‏‏.‏ تفرد به أحمد‏.‏

وقال الحافظ البيهقي‏:‏ أخبرنا أبو الحسين بن الفضل القطان، إنا أبو سهل بن زياد القطان، ثنا أبو إسحاق القاضي، ثنا إسماعيل بن أبي إدريس، حدثني أخي، عن سليمان بن بلال، عن سعيد بن إسحاق بن كعب بن عجرة، عن عمته زينب بنت كعب بن عجرة، عن أبي سعيد قال‏:‏ بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم علي بن أبي طالب إلى اليمن‏.‏

قال أبو سعيد‏:‏ فكنت فيمن خرج معه، فلما أحضر إبل الصدقة سألناه أن نركب منها ونريح إبلنا - وكنا قد رأينا في إبلنا خللاً - فأبى علينا وقال‏:‏ إنما لكم منها سهم كما للمسلمين‏.‏

قال‏:‏ فلما فرغ علي وانصرف من اليمن راجعاً، أمّر علينا إنساناً فأسرع هو فأدرك الحج‏.‏

فلما قضى حجته قال له النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏‏(‏ارجع إلى أصحابك حتى تقدم عليهم‏)‏‏)‏‏.‏

قال أبو سعيد‏:‏ وقد كنا سألنا الذي استخلفه ما كان علي منعنا إياه ففعل، فلما جاء علي عرف في إبل الصدقة أنها قد رُكبت - رأى أثر المراكب - فذم الذي أمّره ولامه‏.‏

فقلت‏:‏ أما إن لله عليّ إن قدمت المدينة وغدوت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم لأذكرن لرسول الله صلى الله عليه وسلم ولأخبرته ما لقينا من الغلظة والتضييق‏.‏

قال‏:‏ فلما قدمنا المدينة غدوت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أريد أن أذكر له ما كنت حلفت عليه، فلقيت أبا بكر خارجاً من عند رسول الله صلى الله عليه وسلم‏.‏

فلما رآني وقف معي ورحب بي، وسألني وسألته‏.‏

وقال‏:‏ متى قدمت‏؟‏

قلت‏:‏ قدمت البارحة، فرجع معي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال‏:‏ هذا سعد بن مالك بن الشهيد‏.‏

قال‏:‏ ‏(‏‏(‏ائذن له‏)‏‏)‏‏.‏

فدخلت فحييت رسول الله صلى الله عليه وسلم وحياني، وسلمت عليه، وسألني عن نفسي وعن أهلي، فأخفى المسألة‏.‏

فقلت‏:‏ يا رسول الله صلى الله عليه وسلم لقينا من علي من الغلظة وسوء الصحبة والتضييق، فابتدر رسول الله وجعلت أنا أعدد ما لقينا منه حتى إذا كنت في وسط كلامي ضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم على فخذي - وكنت منه قريباً - وقال‏:‏ ‏(‏‏(‏سعد بن مالك بن الشهيد مه بعض قولك لأخيك علي، فوالله لقد علمت أنه جيش في سبيل الله‏)‏‏)‏‏.‏

قال‏:‏ فقلت في نفسي‏:‏ ثكلتك أمك سعد بن مالك ألا أراني كنت فيما يكره منذ اليوم، وما أدري لا جرم، والله لا أذكره بسوء أبداً سراً ولا علانية‏.‏

وقال يونس بن بكير‏:‏ عن محمد بن إسحاق، حدثني أبان بن صالح، عن عبد الله بن دينار الأسلمي، عن خاله عمرو بن شاش الأسلمي - وكان من أصحاب الحديبية - قال‏:‏ كنت مع علي في خيله التي بعثه فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى اليمن، فجفاني علي بعض الجفاء، فوجدت عليه في نفسي‏.‏

فلما قدمت المدينة اشتكيته في مجالس المدينة وعند من لقيته، فأقبلت يوماً ورسول الله صلى الله عليه وسلم جالس في المسجد، فلما رآني أنظر إلى عينيه نظر إليّ حتى جلست إليه‏.‏

فلما جلست إليه قال‏:‏ ‏(‏‏(‏أما إنه والله يا عمرو لقد آذيتني‏)‏‏)‏

فقلت‏:‏ إنا لله وإنا إليه راجعون، أعوذ بالله والإسلام أن أوذي رسول الله صلى الله عليه وسلم‏.‏

فقال‏:‏ ‏(‏‏(‏من آذى علياً فقد آذاني‏)‏‏)‏‏.‏

وقد رواه أحمد، عن يعقوب، عن أبيه إبراهيم بن سعد، عن محمد بن إسحاق، عن أبان بن صالح، عن الفضل بن معقل، عن عبد الله بن دينار، عن خاله عمرو بن شاش فذكره‏.‏

وكذا رواه غير واحد، عن محمد بن إسحاق، عن أبان بن الفضل، وكذلك رواه سيف بن عمر، عن عبد الله بن سعيد عن أبان بن صالح به ولفظه‏:‏ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏‏(‏من آذى مسلماً فقد آذاني ومن آذاني فقد آذى الله‏)‏‏)‏‏.‏

وروى عباد بن يعقوب الرواجني، عن موسى بن عمير، عن عقيل بن نجدة بن هبيرة، عن عمرو بن شاش قال‏:‏ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏‏(‏يا عمرو، وإن من آذى علياً فقد آذاني‏)‏‏)‏‏.‏

وقال أبو يعلى‏:‏ ثنا محمود بن خداش، ثنا مروان بن معاوية، ثنا فنان بن عبد الله النهمي، ثنا مصعب بن سعد بن أبي وقاص، عن أبيه قال‏:‏ كنت جالساً في المسجد أنا ورجلان معي فنلنا من علي، فأقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي وجهه الغضب فتعوذت بالله من غضبه‏.‏

فقال‏:‏ ‏(‏‏(‏مالكم ومالي من آذى علياً فقد آذاني‏)‏‏)‏‏.‏

حديث غدير خم

قال الإمام أحمد‏:‏ حدثنا حسين بن محمد وأبو نعيم المعنى قالا‏:‏ ثنا فطّر، عن أبي الطفيل قال‏:‏ جمع علي الناس في الرحبة‏.‏

ثم قال لهم‏:‏ أنشد الله كل امرئ مسلم سمع رسول الله يقول‏:‏ يوم غدير خم ما سمع لما قام فقام كثير من الناس‏.‏

قال أبو نعيم‏:‏ - فقام ناس كثير - فشهدوا حين أخذ بيده، فقال للناس‏:‏ ‏(‏‏(‏أتعلمون إني أولى بالمؤمنين من أنفسهم ‏؟‏‏)‏‏)‏‏.‏

قالوا‏:‏ نعم يا رسول الله‏.‏

قال‏:‏ ‏(‏‏(‏من كنت مولاه فهذا مولاه، اللهم والِ من والاه وعادِ من عاداه‏)‏‏)‏‏.‏

قال‏:‏ فخرجت كأن في نفسي شيئاً، فلقيت زيد بن أرقم‏.‏

فقلت له‏:‏ إني سمعت علياً يقول‏:‏ كذا وكذا‏.‏

قال‏:‏ فما تنكر‏؟‏ وقد سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم، يقول ذلك له‏.‏

ورواه النسائي من حديث حبيب بن أبي ثابت، عن أبي الطفيل عنه أتم من ذلك‏.‏

وقال أبو بكر الشافعي‏:‏ ثنا محمد بن سليمان بن الحارث، حدثنا عبيد الله بن موسى، ثنا أبو إسرائيل الملائي، عن الحكم، عن أبي سليمان المؤذن، عن زيد بن أرقم أن علياً انتشد الناس‏:‏

من سمع رسول الله يقول‏:‏ ‏(‏‏(‏من كنت مولاه فعلي مولاه، اللهم والِ من والاه، وعادِ من عاداه‏)‏‏)‏‏.‏

فقام ستة عشر رجلاً فشهدوا بذلك وكنت فيهم‏.‏

وقال أبو يعلى، وعبد الله بن أحمد في مسند أبيه‏:‏ حدثنا القواريري، ثنا يونس بن أرقم، ثنا يزيد بن أبي زياد، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى قال‏:‏ شهدت علياً في الرحبة يناشد الناس‏:‏

أنشد بالله من سمع رسول الله، يقول‏:‏ يوم غدير خم‏:‏ ‏(‏‏(‏من كنت مولاه فعلي مولاه‏)‏‏)‏ لما قام فشهد قال عبد الرحمن‏:‏ فقام اثنا عشر بدرياً كأني أنظر إلى أحدهم عليه سراويل‏.‏

فقالوا‏:‏ نشهد أنا سمعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول يوم غدير خم‏:‏ ‏(‏‏(‏ألست أولى بالمؤمنين من أنفسهم وأزواجي أمهاتهم ‏؟‏‏)‏‏)‏‏.‏
قلنا‏:‏ بلى يا رسول الله‏.‏

قال‏:‏ ‏(‏‏(‏فمن كنت مولاه فعلي مولاه، اللهم والِ من والاه، وعادِ من عاداه‏)‏‏)‏‏.‏

ثم رواه عبد الله بن أحمد، عن أحمد بن عمر الوكيعي، عن زيد بن الحباب، عن الوليد بن عقبة بن نيار، عن سماك بن عبيد بن الوليد العبسي، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى فذكره‏.‏

قال‏:‏ فقام اثنا عشر رجلاً‏.‏

فقالوا‏:‏ قد رأيناه وسمعناه حين أخذ بيدك، يقول‏:‏ ‏(‏‏(‏اللهم والِ من والاه، وعادِ من عاداه، وانصر من نصره، واخذل من خذله‏)‏‏)‏‏.‏

وهكذا رواه أبو داود الطهوي - واسمه عيسى بن مسلم - عن عمرو بن عبد الله بن هند الجملي، وعبد الأعلى بن عامر التغلبي كلاهما، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى فذكره بنحوه‏.‏

قال الدار قطني‏:‏ غريب تفرد به عنهما أبو داود الطهوي‏.‏

وقال الطبراني‏:‏ ثنا أحمد بن إبراهيم بن عبد الله بن كيسان المديني سنة تسعين ومائتين‏.‏

حدثنا إسماعيل بن عمرو البجلي، ثنا مسعر، عن طلحة بن مصرف، عن عميرة بن سعد قال‏:‏ شهدت علياً على المنبر يناشد أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم‏.‏

من سمع رسول الله يوم غدير خم يقول‏:‏ ما قال فقام اثنا عشر رجلاً منهم أبو هريرة، وأبو سعيد، وأنس بن مالك فشهدوا أنهم سمعوا رسول الله يقول‏:‏ ‏(‏‏(‏من كنت مولاه فعلي مولاه اللهم والِ من والاه وعادِ من عاداه‏)‏‏)‏‏.‏

ورواه أبو العباس بن عقدة الحافظي الشيعي، عن الحسن بن علي بن عفان العامري، عن عبد الله بن موسى، عن قطن، عن عمرو بن مرة، وسعيد بن وهب، وعن زيد بن نتيع قالوا‏:‏ سمعنا علياً يقول في الرحبة‏:‏

فذكر نحوه فقام ثلاثة عشر رجلاً، فشهدوا أن رسول الله قال‏:‏ ‏(‏‏(‏من كنت مولاه فعلي مولاه، اللهم والِ من والاه، وعادِ من عاداه، وأحب من أحبه، وأبغض من أبغضه، وانصر من نصره، واخذل من خذله‏)‏‏)‏‏.‏

قال أبو إسحاق‏:‏ حين فرغ من هذا الحديث يا أبا بكر أي أشياخ هم ‏؟‏‏.‏

وكذلك رواه عبد الله بن أحمد، عن علي بن حكيم الأودي، عن إسرائيل، عن أبي إسحاق فذكر نحوه‏.‏

وقال عبد الرزاق‏:‏ عن أبي إسحاق، عن سعيد بن وهب، وعبد خير قالا‏:‏ سمعنا علياً برحبة الكوفة يقول‏:‏ أنشد الله رجلاً سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول‏:‏ ‏(‏‏(‏من كنت مولاه فعلي مولاه‏)‏‏)‏، فقام عدة من أصحاب رسول الله فشهدوا أنهم سمعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ذلك‏.‏

وقال الإمام أحمد‏:‏ حدثنا محمد بن جعفر، ثنا شعبة، عن أبي إسحاق سمعت سعيد بن وهب قال‏:‏ نشد علي الناس فقام خمسة أو ستة من أصحاب رسول الله، فشهدوا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ ‏(‏‏(‏من كنت مولاه فعلي مولاه‏)‏‏)‏‏.‏

وقال أحمد‏:‏ حدثنا يحيى بن آدم، حدثنا حسين بن الحرث بن لقيط الأشجعي، عن رباح بن الحرث قال‏:‏ جاء رهط إلى علي بالرحبة فقالوا‏:‏ السلام عليكم يا مولانا‏.‏

فقال‏:‏ كيف أكون مولاكم وأنتم قوم عرب ‏؟‏‏.‏

قالوا‏:‏ سمعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم غدير خم يقول‏:‏ ‏(‏‏(‏من كنت مولاه فإن هذا علي مولاه‏)‏‏)‏‏.‏

قال رباح‏:‏ فلما مضوا اتبعتهم، فسألت من هؤلاء‏؟‏

قالوا‏:‏ نفر من الأنصار فيهم أبو أيوب الأنصاري‏.‏

وقال أبو بكر بن أبي شيبة‏:‏ حدثنا شريك، عن حنش عن رباح بن الحرث قال‏:‏ بينا نحن جلوس في الرحبة مع علي إذ جاء رجل عليه أثر السفر‏.‏

فقال‏:‏ السلام عليك يا مولاي‏.‏

قالوا‏:‏ من هذا‏؟‏

فقال أبو أيوب‏:‏ سمعت رسول الله يقول‏:‏ ‏(‏‏(‏من كنت مولاه فعلي مولاه‏)‏‏)‏‏.‏

وقال أحمد‏:‏ حدثنا محمد بن عبد الله، ثنا الربيع - يعني‏:‏ ابن أبي صالح الأسلمي - حدثني زياد بن أبي زياد الأسلمي، سمعت علي بن أبي طالب ينشد الناس فقال‏:‏ أنشد الله رجلاً مسلماً سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول‏:‏ يوم غدير خم ما قال، فقام اثنا عشر رجلاً بدرياً فشهدوا‏.‏

وقال أحمد‏:‏ حدثنا ابن نمير، ثنا عبد الملك، عن أبي عبد الرحمن الكندي، عن زاذان، أن ابن عمر قال‏:‏ سمعت علياً في الرحبة وهو ينشد الناس‏:‏ من شهد رسول الله يوم غدير خم وهو يقول ما قال‏؟‏

فقام ثلاثة عشر رجلاً، فشهدوا أنهم سمعوا رسول الله يقول‏:‏ ‏(‏‏(‏من كنت مولاه فعلي مولاه‏)‏‏)‏‏.‏

وقال أحمد‏:‏ ثنا الحجاج بن الشاعر، ثنا شبابة، ثنا نعيم بن حكيم، حدثني أبو مريم ورجل من جلساء علي عن علي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال يوم غدير خم‏:‏ ‏(‏‏(‏من كنت مولاه فعلي مولاه‏)‏‏)‏‏.‏

قال‏:‏ فزاد الناس بعد اللهم والِ من والاه، وعادِ من عاداه‏.‏

وقد روي هذا من طرق متعددة، عن علي رضي الله عنه، وله طرق متعددة عن زيد بن أرقم‏.‏

وقال غندر‏:‏ عن شعبة، عن سلمة بن كهيل، سمعت أبا الطفيل يحدث عن أبي مريم أو زيد بن أرقم - شعبة الشاك - قال‏:‏ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏‏(‏من كنت مولاه فعلي مولاه‏)‏‏)‏‏.‏

قال سعيد بن جبير‏:‏ وأنا قد سمعته قبل هذا من ابن عباس‏.‏

رواه الترمذي، عن بندار، عن غندر، وقال حسن غريب‏.‏

وقال الإمام أحمد‏:‏ حدثنا عفان، حدثنا أبو عوانة، عن المغيرة، عن أبي عبيد، عن ميمون بن أبي عبد الله قال‏:‏ قال زيد بن أرقم وأنا أسمع‏:‏ نزلنا مع رسول الله بوادٍ يقال له واد خُم، فأمر بالصلاة فصلاها بهجير‏.‏

قال‏:‏ فخطبنا وظلل لرسول الله صلى الله عليه وسلم بثوب على شجرة سمر من الشمس فقال‏:‏ ‏(‏‏(‏ألستم تعلمون - أو لستم تشهدون - إني أولى بكل مؤمن من نفسه ‏؟‏‏)‏‏)‏‏.‏

قالوا‏:‏ بلى‏!‏

قال‏:‏ ‏(‏‏(‏فمن كنت مولاه، فإن علياً مولاه، اللهم عاد من عاداه ووالِ من والاه‏)‏‏)‏‏.‏

وكذا رواه أحمد‏:‏ عن غندر، عن شعبة، عن ميمون بن أبي عبد الله، عن زيد بن أرقم‏.‏

وقد رواه عن زيد بن أرقم جماعة منهم أبو إسحاق السبيعي، و حبيب الأساف و عطية العوفي و أبو عبد الله الشامي، و أبو الطفيل عامر بن واثلة‏.‏

وقد رواه معروف بن حربوذ، عن أبي الطفيل، عن حذيفة بن أسيد قال‏:‏ لما قفل رسول الله من حجة الوداع نهى أصحابه عن شجرات بالبطحاء متقاربات أن ينزلوا حولهن، ثم بعث إليهن فصلى تحتهن‏.‏

ثم قام فقال‏:‏ ‏(‏‏(‏أيها الناس قد نبأني اللطيف الخبير أنه لم يعمر نبي إلا مثل نصف عمر الذي قبله، وإني لأظن أن يوشك أن ادعى فأجيب، وإني مسؤول وأنتم مسؤلون، فماذا أنتم قائلون ‏؟‏‏)‏‏)‏‏.‏

قالوا‏:‏ نشهد أنك قد بلّغت ونصحت وجهدت فجزاك الله خيراً‏.‏

قال‏:‏ ‏(‏‏(‏ألستم تشهدون أن لا إله إلا الله، وأن محمداً عبده ورسوله، وأن جنته حق، وأن ناره حق، وأن الموت حق، وأن الساعة آتية لا ريب فيها، وأن الله يبعث من في القبور ‏؟‏‏)‏‏)‏‏.‏

قالوا‏:‏ بلى نشهد بذلك‏.‏

قال‏:‏ ‏(‏‏(‏اللهم أشهد‏)‏‏)‏‏.‏

ثم قال‏:‏ ‏(‏‏(‏يا أيها الناس، إن الله مولاي، وأنا مولى المؤمنين، وأنا أولى بهم من أنفسهم من كنت مولاه فهذا مولاه، اللهم والِ من والاه، وعادِ من عاداه‏)‏‏)‏‏.‏

ثم قال‏:‏ ‏(‏‏(‏أيها الناس إني فرطكم وإنكم واردون عليّ الحوض، حوض أعرض مما بين بصرى وصنعاء فيه آنية عدد النجوم قدحان من فضة، وإني سائلكم حين تردون عليّ عن الثقلين فانظروا كيف تخلفوني فيهما‏؟‏ الثقل الأكبر كتاب الله سبب طرفه بيد الله، وطرف بأيديكم فاستمسكوا به لا تضلوا ولا تبدلوا، وعترتي أهل بيتي فإنه قد نبأني اللطيف الخبير إنهما لن يفترقا حتى يردا عليّ الحوض‏)‏‏)‏‏.‏

رواه ابن عساكر بطوله من طريق معروف كما ذكرنا‏.‏

وقال عبد الرزاق‏:‏ أنا معمر، عن علي بن زيد بن جدعان، عن عدي بن ثابت، عن البراء بن عازب قال‏:‏ خرجنا مع رسول الله حتى نزلنا غدير خم بعث منادياً ينادي‏.‏

فلما اجتمعنا قال‏:‏ ‏(‏‏(‏ألست أولى بكم من أنفسكم ‏؟‏‏)‏‏)‏

قلنا‏:‏ بلى يا رسول الله ‏!‏‏.‏

قال‏:‏ ‏(‏‏(‏ألست أولى بكم من أمهاتكم ‏؟‏‏)‏‏)‏‏.‏

قلنا‏:‏ بلى يا رسول الله‏.‏

قال‏:‏ ‏(‏‏(‏ألست أولى بكم من آبائكم ‏؟‏‏)‏‏)‏‏.‏

قلنا‏:‏ بلى يا رسول الله ‏!‏‏.‏

قال‏:‏ ‏(‏‏(‏ألست ألست ألست ‏؟‏‏)‏‏)‏‏.‏

قلنا‏:‏ بلى يا رسول الله‏.‏

قال‏:‏ ‏(‏‏(‏من كنت مولاه فعلي مولاه، اللهم والِ من والاه، وعادِ من عاداه‏)‏‏)‏‏.‏


فقال عمر بن الخطاب‏:‏ هنيئاً لك يا ابن أبي طالب أصبحت اليوم ولي كل مؤمن‏.‏

وكذا رواه ابن ماجه من حديث حماد بن سلمة، عن علي بن زيد، وأبي هارون العبدي، عن عدي بن ثابت، عن البراء به‏.‏

وهكذا رواه موسى بن عثمان الحضرمي، عن أبي إسحاق، عن البراء به‏.‏

وقد روي هذا الحديث عن سعد، وطلحة بن عبيد الله، وجابر بن عبد الله وله طرق عنه، وأبي سعيد الخدري، وحبشي بن جنادة، وجرير بن عبد الله، وعمر بن الخطاب، وأبي هريرة‏.‏

وله عنه طرق منها - وهي‏:‏ أغربها - الطريق الذي قال الحافظ أبو بكر الخطيب البغدادي‏:‏ ثنا عبد الله بن علي بن محمد بن بشران، أنا علي بن عمر الحافظ، أنا أبو نصر حبشون بن موسى بن أيوب الخلال، ثنا علي بن سعيد الرملي، حدثنا ضمرة بن ربيعة القرشي‏.‏

عن ابن شوذب، عن مطر الوراق، عن شهر بن حوشب، عن أبي هريرة قال‏:‏ من صام يوم ثماني عشرة ذي الحجة كتب له صيام ستين شهراً، وهو يوم غدير خم، لما أخذ النبي صلى الله عليه وسلم بيد علي بن أبي طالب‏.‏

فقال‏:‏ ‏(‏‏(‏ألست ولي المؤمنين‏؟‏‏)‏‏)‏‏.‏

قالوا‏:‏ بلى يا رسول الله‏!‏

قال‏:‏ ‏(‏‏(‏من كنت مولاه فعلي مولاه‏)‏‏)‏‏.‏

فقال عمر بن الخطاب‏:‏ بخ بخ لك يا ابن أبي طالب، أصبحت مولاي، ومولى كل مسلم، فأنزل الله عز وجل‏:‏ ‏(‏‏(‏اليوم أكملت لكم دينكم‏)‏‏)‏‏.‏

ومن صام يوم سبعة وعشرين من رجب كتب له صيام ستين شهراً، وهو أول يوم نزل جبريل في الرسالة‏.‏

قال الخطيب‏:‏ اشتهر هذا الحديث برواية حبشون، وكان يقال‏:‏ إنه تفرد به‏.‏

وقد تابعه عليه أحمد بن عبيد الله بن العباس بن سالم بن مهران، المعروف‏:‏ بابن النبري، عن علي بن سعيد الشامي‏.‏

قلت‏:‏ وفيه نكارة من وجوه منها، قوله نزل فيه‏:‏ ‏(‏‏(‏اليوم أكملت لك دينكم‏)‏‏)‏‏.‏

وقد ورد مثله من طريق ابن هارون العبدي، عن أبي سعيد الخدري ولا يصح أيضاً، وإنما نزل يوم عرفة كما ثبت في ‏(‏الصحيحين‏)‏ عن عمر بن الخطاب وقد تقدم‏.‏

وقد رُوي عن جماعة من الصحابة غير من ذكرنا في قوله عليه السلام ‏(‏‏(‏من كنت مولاه‏)‏‏)‏ والأسانيد إليهم ضعيفة‏.‏

حديث الطير

وهذا الحديث قد صنف الناس فيه، وله طرق متعددة، وفي كل منها نظر، ونحن نشير إلى شيء من ذلك‏.‏

قال الترمذي‏:‏ حدثنا سفيان بن وكيع، حدثنا عبيد الله بن موسى، عن عيسى بن عمر، عن السُّدي، عن أنس قال‏:‏ كان عند النبي صلى الله عليه وسلم طير‏.‏

فقال‏:‏ ‏(‏‏(‏اللهم ائتني بأحب خلقك إليك يأكل معي من هذا الطير‏)‏‏)‏، فجاء علي فأكل معه‏.‏

ثم قال الترمذي‏:‏ غريب لا نعرفه من حديث السُّدي إلا من هذا الوجه‏.‏

قال‏:‏ وقد رُوي من غير وجه عن أنس، وقد رواه أبو يعلى عن الحسين بن حماد، عن شهر بن عبد الملك، عن عيسى بن عمر به‏.‏

وقال أبو يعلى‏:‏ ثنا قطن بن بشير، ثنا جعفر بن سليمان الضبعي، ثنا عبد الله بن مثنى، ثنا عبد الله بن أنس، عن أنس بن مالك قال‏:‏ أهدي لرسول الله صلى الله عليه وسلم حجل مشوي بخبزه وضيافة‏.‏

فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏‏(‏اللهم ائتني بأحب خلقك إليك يأكل معي من هذا الطعام‏)‏‏)‏‏.‏

فقالت عائشة‏:‏ اللهم اجعله أبي‏.‏

وقالت حفصة‏:‏ اللهم اجعله أبي‏.‏

وقال أنس‏:‏ وقلت‏:‏ اللهم اجعله سعد بن عبادة‏.‏

قال أنس‏:‏ فسمعت حركة بالباب فقلت‏:‏ إن رسول الله صلى الله عليه وسلم على حاجة فانصرف، ثم سمعت حركة بالباب فخرجت فإذا علي بالباب‏.‏

فقلت‏:‏ إن رسول الله صلى الله عليه وسلم على حاجة فانصرف

ثم سمعت حركة بالباب فسلم عليَّ فسمع رسول الله صلى الله عليه وسلم صوته فقال‏:‏ ‏(‏‏(‏انظر من هذا ‏؟‏‏)‏‏)‏ فخرجت فإذا هو علي، فجئت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبرته، فقال‏:‏ ‏(‏‏(‏ائذن له يدخل عليَّ‏)‏‏)‏ فأذنت له فدخل‏.‏

فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏‏(‏اللهم والِ من والاه‏)‏‏)‏‏.‏

والى ورواه الحاكم في ‏(‏مستدركه‏)‏ عن أبي علي الحافظ، عن محمد بن أحمد الصفار، وحميد بن يونس الزيات، كلاهما عن محمد بن أحمد بن عياض، عن أبي غسان أحمد بن عياض، عن أبي ظبية، عن يحيى بن حسان، عن سليمان بن بلال، عن يحيى بن سعيد، عن أنس فذكره، وهذا إسناد غريب‏.‏

ثم قال الحاكم‏:‏ هذا الحديث على شرط البخاري ومسلم، وهذا فيه نظر، فإن أبا علاثة محمد بن أحمد بن عياض هذا معروف، لكن روى هذا الحديث عنه جماعة عن أبيه، وممن رواه عنه أبو القاسم الطبراني، ثم قال‏:‏ تفرد به عن أبيه والله أعلم‏.‏

قال الحاكم‏:‏ وقد رواه عن أنس أكثر من ثلاثين نفساً‏.‏

قال شيخنا الحافظ الكبير أبو عبد الله الذهبي‏:‏ فصلهم بثقة يصح الإسناد إليه‏.‏

ثم قال الحاكم‏:‏ وصحت الرواية عن علي، وأبي سعيد، وسفينة‏.‏

قال شيخنا أبو عبد الله‏:‏ لا والله ما صح شيء من ذلك‏.‏

ورواه الحاكم من طريق إبراهيم بن ثابت القصار وهو مجهول، عن ثابت البناني، عن أنس قال‏:‏ دخل محمد بن الحجاج فجعل يسب علياً فقال أنس‏:‏ اسكت عن سب علي، فذكر الحديث مطولاً وهو منكر سنداً ومتناً‏.‏

لم يورد الحاكم في ‏(‏مستدركه‏)‏ غير هذين الحديثين وقد رواه ابن أبي حاتم عن عمار بن خالد الواسطي، عن إسحاق الأزرق، عن عبد الملك بن أبي سليمان، عن أنس، وهذا أجود من إسناد الحاكم‏.‏

ورواه عبد الله بن زياد، أبو العلاء، عن علي بن زيد، عن سعيد بن المسيب، عن أنس بن مالك فقال‏:‏ أُهدي لرسول الله صلى الله عليه وسلم طير مشوي‏.‏

فقال‏:‏ ‏(‏‏(‏اللهم ائتني بأحب خلقك إليك يأكل معي من هذا الطير‏)‏‏)‏ فذكره نحوه‏.‏

ورواه محمد بن مصفى، عن حفص بن عمر، عن موسى بن سعد، عن الحسن، عن أنس فذكره‏.‏

ورواه علي بن الحسن الشامي، عن خليل بن دعلج، عن قتادة، عن أنس بنحوه‏.‏

ورواه أحمد بن يزيد الورتنيس، عن زهير، عن عثمان الطويل، عن أنس فذكره‏.‏

ورواه عبيد الله بن موسى، عن مسكين بن عبد العزيز، عن ميمون أبي خلف، حدثني أنس بن مالك فذكره‏.‏

قال الدار قطني‏:‏ من حديث ميمون أبي خلف تفرد به مسكين بن عبد العزيز، ورواه الحجاج بن يوسف بن قتيبة، عن بشر بن الحسين، عن الزبير بن عدي، عن أنس‏.‏

ورواه ابن يعقوب إسحاق بن الفيض، ثنا المضاء بن الجارود، عن عبد العزيز بن زياد‏:‏ أن الحجاج بن يوسف دعا أنس بن مالك من البصرة، فسأله عن علي بن أبي طالب فقال‏:‏ أهدي للنبي صلى الله عليه وسلم طائر فأمر به فطبخ وصنع، فقال‏:‏ ‏(‏‏(‏اللهم ائتني بأحب الخلق إليّ يأكل معي‏)‏‏)‏‏.‏ فذكره‏.‏

وقال الخطيب البغدادي‏:‏ أنا الحسن بن أبي بكير، أنا أبو بكر محمد بن العباس بن نجيح، حدثنا محمد بن القاسم النحوي أبو عبد الله، ثنا أبو عاصم، عن أبي الهندي، عن أنس فذكره‏.‏

ورواه الحاكم بن محمد، عن محمد بن سليم، عن أنس بن مالك فذكره‏.‏

وقال أبو يعلى‏:‏ حدثنا الحسن بن حماد الوراق، ثنا مسهر بن عبد الملك بن سلع ثقة، ثنا عيسى بن عمر، عن إسماعيل السدي‏:‏ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان عنده طائر‏.‏

فقال‏:‏ ‏(‏‏(‏اللهم ائتني بأحب خلقك إليك يأكل معي من هذا الطير‏)‏‏)‏ فجاء أبو بكر فرده، ثم جاء عمر فرده، ثم جاء عثمان فرده، ثم جاء علي فأذن له‏.‏

وقال أبو القاسم بن عقدة‏:‏ ثنا محمد بن أحمد بن الحسن، ثنا يوسف بن عدي، ثنا حماد بن المختار الكوفي، ثنا عبد الملك بن عمير، عن أنس بن مالك قال‏:‏ أهدي لرسول الله صلى الله عليه وسلم طائر فوضع بين يديه‏.‏

فقال‏:‏ ‏(‏‏(‏اللهم ائتني بأحب خلقك إليك يأكل معي‏)‏‏)‏

قال‏:‏ فجاء علي فدق الباب، فقلت‏:‏ من ذا‏؟‏

فقال‏:‏ أنا علي‏.‏

فقلت‏:‏ إن رسول الله على حاجة حتى فعل ذلك ثلاثاً، فجاء الرابعة فضرب الباب برجله فدخل، فقال النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏‏(‏ما حبسك ‏؟‏‏)‏‏)‏

فقال‏:‏ جئت ثلاث مرات فيحبسني أنس‏.‏

فقال النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏‏(‏ما حملك على ذلك ‏؟‏‏)‏‏)‏

قال‏:‏ قلت‏:‏ كنت أحب أن يكون رجلاً من قومي‏.‏

وقد رواه الحاكم النيسابوري عن عبدان بن يزيد، عن يعقوب الدقاق، عن إبراهيم بن الحسن الشامي، عن أبي توبة الربيع بن نافع، عن حسين بن سليمان بن عبد الملك بن عمير، عن أنس فذكره‏.‏

ثم قال الحاكم‏:‏ لم نكتبه إلا بهذا الإسناد‏.‏

وساقه ابن عساكر من حديث الحرث بن نبهان، عن إسماعيل - رجل من أهل الكوفة - عن أنس بن مالك فذكره‏.‏

ومن حديث حفص بن عمر المهرقاني، عن الحكم بن شبير بن إسماعيل أبي سليمان أخي إسحاق بن سليمان الرازي، عن عبد الملك بن أبي سليمان، عن أنس فذكره‏.‏

ومن حديث سليمان بن قرم، عن محمد بن علي السلمي، عن أبي حذيفة العقيلي، عن أنس فذكره‏.‏

وقال أبو يعلى‏:‏ ثنا أبو هشام، ثنا ابن فضيل، ثنا مسلم الملائي، عن أنس قال‏:‏ أهدت أم أيمن إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم طيراً مشوياً‏.‏

فقال‏:‏ ‏(‏‏(‏اللهم ائتني بمن تحبه يأكل معي من هذا الطير‏)‏‏)‏‏.‏

قال أنس‏:‏ فجاء علي فاستأذن‏.‏

فقلت‏:‏ هو على حاجته، فرجع ثم عاد فاستأذن‏.‏

فقلت‏:‏ هو على حاجته فرجع، ثم عاد فاستأذن فسمع النبي صلى الله عليه وسلم صوته فقال‏:‏ ‏(‏‏(‏ائذن له‏)‏‏)‏، فدخل وهو موضوع بين يديه، فأكل منه وحمد الله‏.‏

فهذه طرق متعددة عن أنس بن مالك، وكل منها فيه ضعف ومقال‏.‏

وقال شيخنا أبو عبد الله الذهبي - في جزء جمعه في هذا الحديث بعد ما أورد طرقاً متعددة نحو مما ذكرنا -ويروى هذا الحديث من وجوه باطلة أو مظلمة عن حجاج بن يوسف، وأبي عاصم خالد بن عبيد، ودينار أبي كيسان، وزياد بن محمد الثقفي، وزياد العبسي، وزياد بن المنذر‏.‏

وسعد بن ميسرة البكري، وسليمان التيمي، وسليمان بن علي الأمير، وسلمة بن وردان، وصباح بن محارب، وطلحة بن مصرف، وأبي الزناد، وعبد الأعلى بن عامر، وعمر بن راشد، وعمر بن أبي حفص الثقفي الضرير، وعمر بن سليم البجلي، وعمر بن يحيى الثقفي، وعثمان الطويل‏.‏

وعلي بن أبي رافع، وعيسى بن طهمان، وعطية العوفي، وعباد بن عبد الصمد، وعمار الذهبي، وعباس بن علي، وفضيل بن غزوان، وقاسم بن جندب، وكلثوم بن جبر، ومحمد بن علي الباقر، والزهري، ومحمد بن عمرو بن علقمة‏.‏

ومحمد بن مالك الثقفي، ومحمد بن جحادة، وميمون بن مهران، وموسى الطويل، وميمون بن جابر السلمي، ومنصور بن عبد الحميد، ومعلى بن أنس، وميمون أبي خلف الجراف‏.‏

وقيل‏:‏ أبو خالد، ومطر بن خالد، ومعاوية بن عبد الله بن جعفر، وموسى بن عبد الله الجهني، ونافع مولى ابن عمر، والنضر بن أنس بن مالك، ويوسف بن إبراهيم، ويونس بن حيان، ويزيد بن سفيان، ويزيد بن أبي حبيب، وأبي المليح، وأبي الحكم، وأبي داود السبيعي، وأبي حمزة الواسطي، وأبي حذيفة العقيلي، وإبراهيم بن هدبة‏.‏

ثم قال بعد أن ذكر الجميع‏:‏ الجميع بضعة وتسعون نفساً أقربها غرائب ضعيفة، وأردؤها طرق مختلفة مفتعلة، وغالبها طرق واهية‏.‏
وقد روي من حديث سفينة مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال أبو القاسم البغوي، وأبو يعلى الموصلي قالا‏:‏

حدثنا القواريري، ثنا يونس بن أرقم، ثنا مطير بن أبي خالد، عن ثابت البجلي، عن سفينة مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم‏.‏

قال‏:‏ أهدت امرأة من الأنصار طائرين بين رغيفين - ولم يكن في البيت غيري وغير أنس - فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم فدعا بغذائه‏.‏

فقلت‏:‏ يا رسول الله قد أهدت لك امرأة من الأنصار هدية، فقدمت الطائرين إليه‏.‏

فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏‏(‏اللهم ائتني بأحب خلقك إليك وإلى رسولك‏)‏‏)‏‏.‏

فجاء علي بن أبي طالب فضرب الباب خفياً، فقلت‏:‏ من هذا‏؟‏

قال‏:‏ أبو الحسن، ثم ضرب الباب ورفع صوته‏.‏

فقال رسول الله‏:‏ ‏(‏‏(‏من هذا‏)‏‏)‏‏؟‏

قلت‏:‏ علي بن أبي طالب‏.‏

قال‏:‏ ‏(‏‏(‏افتح له‏)‏‏)‏، ففتحت له فأكل معه رسول الله صلى الله عليه وسلم من الطيرين حتى فنيا‏.‏

وروي عن ابن عباس، فقال أبو محمد يحيى بن محمد بن صاعد‏:‏ ثنا إبراهيم بن سعيد الجوهري، ثنا حسين بن محمد، ثنا سليمان بن قرم، عن محمد بن شعيب، عن داود بن عبد الله بن عباس، عن أبيه، عن جده ابن عباس‏.‏

قال‏:‏ أن النبي صلى الله عليه وسلم أُتي بطائر‏.‏

فقال‏:‏ ‏(‏‏(‏اللهم ائتني برجل يحبه الله ورسوله‏)‏‏)‏، فجاء علي فقال‏:‏ ‏(‏‏(‏اللهم وإلي‏)‏‏)‏‏.‏

وروى عن علي نفسه، فقال عباد بن يعقوب‏:‏ ثنا عيسى بن عبد الله بن محمد بن عمر بن علي، حدثني أبي، عن أبيه، عن جده، عن علي قال‏:‏ أهدي لرسول الله صلى الله عليه وسلم طير يقال له الحبارى، فوضعت بين يديه -‏.‏

وكان أنس بن مالك يحجبه - فرفع النبي صلى الله عليه وسلم يده إلى الله ثم قال‏:‏ ‏(‏‏(‏اللهم ائتني بأحب خلقك إليك يأكل معي هذا الطير‏)‏‏)‏‏.‏

قال‏:‏ فجاء علي فاستأذن‏.‏

فقال له أنس‏:‏ أن رسول الله يعني على حاجته‏.‏

فرجع ثم أعاد رسول الله صلى الله عليه وسلم الدعاء فرجع، ثم دعا الثالثة فجاء علي فأدخله، فلما رآه رسول الله قال‏:‏ ‏(‏‏(‏اللهم وإلي‏)‏‏)‏ فأكل معه‏.‏

فلما أكل رسول الله وخرج علي، قال أنس‏:‏ سمعت علياً فقلت‏:‏ يا أبا الحسن استغفر لي فإن لي إليك ذنب، وإن عندي بشارة، فأخبرته بما كان من النبي صلى الله عليه وسلم، فحمد الله، واستغفر لي، ورضي عني أذهب ذنبي عنده بشارتي إياه‏.‏

ومن حديث جابر بن عبد الله الأنصاري، أورده ابن عساكر من طريق عبد الله بن صالح كاتب الليث، عن ابن لهيعة، عن محمد بن المنكدر، عن جابر فذكره بطوله‏.‏

وقد روي أيضاً من حديث أبي سعيد الخدري، وصححه الحاكم، ولكن إسناده مظلم، وفيه ضعفاء‏.‏

وروي من حديث حبشي بن جنادة، ولا يصح أيضاً‏.‏

ومن حديث يعلى بن مرة، والإسناد إليه مظلم، ومن حديث أبي رافع نحوه، وليس بصحيح‏.‏

وقد جمع الناس في هذا الحديث مصنفات مفردة منهم‏:‏ أبو بكر بن مردويه، والحافظ أبو طاهر محمد بن أحمد بن حمدان فيما رواه شيخنا أبو عبد الله الذهبي، ورأيت فيه مجلداً في جمع طرقه وألفاظه لأبي جعفر بن جرير الطبري المفسر صاحب ‏(‏التاريخ‏)‏‏.‏

ثم وقفت على مجلد كبير في رده وتضعيفه سنداً ومتناً للقاضي أبي بكر الباقلاني المتكلم‏.‏

وبالجملة ففي القلب من صحة الحديث هذا نظر، وإن كثرت طرقه والله أعلم‏.‏

حديث آخر في فضل علي

قال أبو بكر الشافعي‏:‏ ثنا بشر بن موسى الأسدي، ثنا زكريا بن عدي، ثنا عبد الله بن عمرو، عن عبد الله بن محمد بن عقيل، عن جابر بن عبد الله قال‏:‏

خرجت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى امرأة من الأنصار في نخل لها يقال له‏:‏ الإسراف‏.‏

ففرشت لرسول الله صلى الله عليه وسلم تحت صور لها مرشوش‏.‏

فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏‏(‏الآن يأتيكم رجل من أهل الجنة‏)‏‏)‏، فجاءه أبو بكر‏.‏

ثم قال‏:‏ ‏(‏‏(‏الآن يأتيكم رجل من أهل الجنة‏)‏‏)‏، فجاء عمر‏.‏

ثم قال‏:‏ ‏(‏‏(‏الآن يأتيكم رجل من أهل الجنة‏)‏‏)‏‏.‏

قال‏:‏ فلقد رأيته مطاطياً رأسه تحت الصور‏.‏

ثم يقول‏:‏ ‏(‏‏(‏اللهم إن شئت جعلته علياً‏)‏‏)‏ فجاء علي‏.‏

ثم إن الأنصارية ذبحت لرسول الله صلى الله عليه وسلم شاة وصنعتها فأكل وأكلنا، فلما حضرت الظهر قام يصلي وصلينا ما توضأ ولا توضأنا، فلما حضرت العصر صلى وما توضأ ولا توضأنا‏.‏

حديث آخر

قال أبو يعلى‏:‏ حدثنا الحسن بن حماد الكوفي، ثنا ابن أبي عتبة، عن أبيه، عن الشيباني، عن جميع بن عمير قال‏:‏ دخلت مع أبي على عائشة فسألتها عن علي

فقالت‏:‏ ما رأيت رجلاً كان أحب لرسول الله صلى الله عليه وسلم منه، ولا امرأة كانت أحب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من امرأته‏.‏

وقد رواه غير واحد من الشيعة عن جميع بن عمير به‏.‏

حديث آخر

قال الإمام أحمد‏:‏ ثنا يحيى بن بكير، عن إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن أبي عبد الله الجدلي البجلي قال‏:‏ دخلت على أم سلمة فقالت لي‏:‏

أيسب رسول الله صلى الله عليه وسلم فيكم‏؟‏

فقلت‏:‏ معاذ الله - أو سبحان الله - أو كلمة نحوها‏.‏

قالت‏:‏ سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول‏:‏ ‏(‏‏(‏من سب علياً فقد سبني‏)‏‏)‏‏.‏

وقد رواه أبو يعلى، عن عبيد الله بن موسى، عن عيسى بن عبد الرحمن البجلي، من بجيلة من سليم، عن السدي، عن أبي عبد الله البجلي قال‏:‏ قالت لي أم سلمة‏:‏ أيسب رسول الله فيكم على المنابر ‏؟‏‏.‏

قال‏:‏ قلت وأنى ذلك ‏؟‏‏.‏

قالت‏:‏ أليس يسب علي ومن أحبه‏؟‏ فأشهد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يحبه‏.‏

وقد روي من غير هذا الوجه عن أم سلمة‏.‏

وقد ورد من حديثها، وحديث جابر وأبي سعيد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لعلي‏:‏ ‏(‏‏(‏كذب من زعم أنه يحبني ويبغضك‏)‏‏)‏‏.‏

ولكن أسانيدها كلها ضعيفة لا يحتج بها‏.‏

حديث آخر

قال عبد الرزاق‏:‏ أنا الثوري، عن الأعمش، عن عدي بن ثابت، عن زر بن حبيش قال‏:‏ سمعت علياً يقول‏:‏ والذي فلق الحبة، وبرأ النسمة إنه لعهد النبي صلى الله عليه وسلم إليّ ‏(‏‏(‏أنه لا يحبك إلا مؤمن ولا يبغضك إلا منافق‏)‏‏)‏‏.‏

ورواه أحمد، عن ابن عمير، ووكيع، عن الأعمش‏.‏

وكذلك رواه أبو معاوية، ومحمد بن فضيل، وعبد الله بن داود الحربي، وعبيد الله بن موسى، ومحاضر بن المورع، ويحيى بن عيسى الرملي، عن الأعمش به‏.‏

وأخرجه مسلم في ‏(‏صحيحه‏)‏ عن‏.‏‏.‏‏.‏

ورواه غسان بن حسان، عن شعبة، عن عدي بن ثابت، عن علي فذكره‏.‏

وقد روي من غير وجه عن علي‏.‏

وهذا الذي أوردناه هو الصحيح من ذلك والله أعلم‏.‏

وقال الإمام أحمد‏:‏ ثنا عثمان بن أبي شيبة، ثنا محمد بن فضيل، عن عبيد الله بن عبد الرحمن، أبي نصر، حدثني مساور الحميري، عن أبيه قال‏:‏

سمعت أم سلمة تقول‏:‏ سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لعلي‏:‏ ‏(‏‏(‏لا يبغضك مؤمن ولا يحبك منافق‏)‏‏)‏‏.‏

وقد روي من غير هذا الوجه عن أم سلمة بلفظ آخر ولا يصح‏.‏

وروى ابن عقدة، عن الحسن بن علي بن بزيغ، ثنا عمرو بن إبراهيم، ثنا سوار بن مصعب، عن الحكم، عن يحيى الخزار، عن عبد الله بن مسعود سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول‏:‏ ‏(‏‏(‏من زعم أنه آمن بي وبما جئت به وهو يبغض علياً فهو كاذب ليس بمؤمن‏)‏‏)‏‏.‏

وهذا الإسناد مختلق لا يثبت والله أعلم‏.‏

وقال الحسن بن عرفة‏:‏ حدثني سعيد بن محمد الوراق، عن علي بن الحراز، سمعت أبا مريم الثقفي، سمعت عمار بن ياسر يقول‏:‏

سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول لعلي‏:‏ ‏(‏‏(‏طوبى لمن أحبك وصدق فيك، وويل لمن أبغضك وكذب فيك‏)‏‏)‏‏.‏

وقد روي في هذا المعنى أحاديث كثيرة موضوعة لا أصل لها‏.‏

وقال غير واحد‏:‏ عن أبي الأزهر أحمد بن الأزهر‏:‏ ثنا عبد الرزاق، أنا معمر، عن الزهري، عن عبد الله بن عبيد الله، عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نظر إلى علي فقال‏:‏ ‏(‏‏(‏أنت سيد في الدنيا سيد في الآخرة، من أحبك فقد أحبني، وحبيبك حبيب الله، ومن أبغضك فقد أبغضني، وبغيضك بغيض الله، وويل لمن أبغضك من بعدي‏)‏‏)‏‏.‏

وروى غير واحد أيضاً، عن الحارث بن حصيرة، عن أبي صادق، عن ربيعة بن ناجد، عن علي قال‏:‏ دعاني رسول الله فقال‏:‏ ‏(‏‏(‏إن فيك من عيسى ابن مريم مثلاً أبغضته اليهود حتى بهتوا أمه، وأحبوه النصارى حتى أنزلوه بالمنزل الذي ليس هو له‏)‏‏)‏‏.‏

قال علي‏:‏ ألا وإنه يهلك في اثنان محب مطري مفرط يقرطني بما ليس فيّ‏.‏

ومبغض يحمله شنآني على أن يبهتني، ألا وإني لست بنبي، ولا يوحى إليّ، ولكني أعمل بكتاب الله وسنة نبيه ما استطعت، فما أمرتكم من طاعة الله حق عليكم طاعتي فيما أحببتم وكرهتم‏.‏

لفظ عبد الله بن أحمد‏.‏

قال يعقوب بن سفيان‏:‏ ثنا يحيى بن عبد الحميد، ثنا مسهر، عن الأعمش، عن موسى بن طريف، عن عباية، عن علي قال‏:‏ أنا قسيم النار، إذا كان يوم القيامة قلت‏:‏ هذا لك وهذا لي‏.‏

قال يعقوب‏:‏ وموسى بن طريف ضعيف يحتاج إلى من يعدله، وعباية أقل منه ليس بشيء حديثه‏.‏

وذكر أن أبا معاوية لام الأعمش على تحديثه بهذا‏.‏

فقال له الأعمش‏:‏ إذا نسيت فذكروني‏.‏

ويقال‏:‏ أن الأعمش إنما رواه على سبيل الاستهزاء بالروافض والتنقيص لهم في تصديقهم ذلك‏.‏

قلت‏:‏ وما يتوهمه بعض العوام بل هو مشهور بين كثير منهم، أن علياً هو الساقي على الحوض فليس له أصل، ولم يجئ من طريق مرضي يعتمد عليه‏.‏

والذي ثبت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم هو الذي يسقي الناس‏.‏

وهكذا الحديث الوارد في أنه ليس أحد يأتي يوم القيامة راكباً إلا أربعة‏:‏ رسول الله صلى الله عليه وسلم على البراق، وصالح على ناقته، وحمزة على العضباء، وعلي على ناقة من نوق الجنة رافعاً صوته بالتهليل‏.‏

وكذلك ما في أفواه الناس من اليمين بعلي، يقول أحدهم‏:‏

خذ بعلي، أعطني بعلي، ونحو ذلك كل ذلك لا أصل له بل ذلك من نزعات الروافض ومقالاتهم، ولا يصح من شيء من الوجوه، وهو من وضع الرافضة ويخشى على من اعتاد ذلك سلب الإيمان عند الموت، ومن حلف بغير الله فقد أشرك‏.‏

حديث آخر

قال الإمام أحمد‏:‏ حدثني يحيى، عن شعبة، ثنا عمرو بن مرة، عن عبد الله بن سلمة، عن علي قال‏:‏ مر بي رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا وجع وأنا أقول‏:‏ اللهم إن كان أجلي قد حضر فأرحني، وإن كان آجلاً فارفع عني، وإن كان بلاء فصبرني‏.‏

قال‏:‏ ‏(‏‏(‏ما قلت‏)‏‏)‏‏:‏ فأعدت عليه فضربني برجله، وقال‏:‏ ‏(‏‏(‏ما قلت ‏؟‏‏)‏‏)‏

فأعدت عليه، فقال‏:‏ ‏(‏‏(‏اللهم عافه أو اشفه‏)‏‏)‏‏.‏

فما اشتكيت ذلك الوجع بعد‏.‏

حديث آخر

قال محمد بن مسلم بن داره‏:‏ ثنا عبيد الله بن موسى، ثنا أبو عمر الأزدي، عن أبي راشد الحراني، عن أبي الحمراء قال‏:‏

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏‏(‏من أراد أن ينظر إلى آدم في علمه، وإلى نوح في فهمه، وإلى إبراهيم في حلمه، وإلى يحيى بن زكريا في زهده، وإلى موسى في بطشه، فلينظر إلى علي بن أبي طالب‏)‏‏)‏‏.‏

وهذا منكر جداً ولا يصح إسناده‏.‏

حديث آخر في رد الشمس

قد ذكرناه في ‏(‏دلائل النبوة‏)‏ بأسانيده وألفاظه فأغنى له عن إعادته‏.‏

حديث آخر

قال أبو عيسى الترمذي‏:‏ حدثنا علي بن المنذر الكوفي، ثنا محمد بن فضيل، عن الأجلح، عن أبي الزبير، عن جابر قال‏:‏ دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم علياً يوم الطائف فانتجاه، فقال الناس‏:‏ لقد طال بخواه مع ابن عمه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏‏(‏ما انتجيته ولكن الله انتجاه‏)‏‏)‏‏.‏

ثم قال‏:‏ هذا حديث حسن غريب، لا نعرفه إلا من حديث الأجلح‏.‏

وقد رواه غير ابن فضيل، عن الأجلح، ومعنى قوله ‏(‏‏(‏ولكن الله انتجاه‏)‏‏)‏‏:‏

أن الله أمرني أن أنتجي معه‏.‏


حديث آخر

قال الترمذي‏:‏ ثنا محمد بن بشار، ويعقوب بن إبراهيم، وغير واحد، ثنا أبو عاصم، عن أبي الجراح، عن جابر بن صبح، حدثتني أمي أم شراحيل، حدثتني أم عطية قالت‏:‏ بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم جيشاً فيهم علي‏.‏

قالت‏:‏ سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم رافعاً يديه يقول‏:‏ ‏(‏‏(‏اللهم لا تمتني حتى ترني علياً‏)‏‏)‏‏.‏

ثم قال‏:‏ هذا حديث حسن‏.‏

حديث آخر

قال الإمام أحمد‏:‏ حدثنا علي بن عاصم، قال حصين‏:‏ أنا علي، عن هلال بن يساف، عن عبد الله بن ظالم المازني قال‏:‏ لما خرج معاوية من الكوفة استعمل المغيرة بن شعبة قال‏:‏ فأقام خطباء يقعون في علي، قال‏:‏

وأنا إلى جنب سعيد بن زيد بن عمر بن نفيل، قال‏:‏ فغضب فقام وأخذ بيدي وتبعته‏.‏

فقال‏:‏ ألا ترى إلى هذا الرجل الظالم لنفسه الذي يأمر بلعن رجل من أهل الكوفة، وأشهد على التسعة أنهم من أهل الجنة، ولو شهدت على العاشر لم آثم‏.‏

قال‏:‏ قلت‏:‏ وما ذاك‏؟‏

قال‏:‏ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏‏(‏أثبت حراء فليس عليك إلا نبي أو صدّيق أو شهيد‏)‏‏)‏‏.‏

قال‏:‏ قلت‏:‏ من هم‏؟‏

فقال‏:‏ رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأبو بكر، وعمر، وعثمان، وعلي، والزبير، وطلحة، وعبد الرحمن بن عوف، وسعد بن مالك‏.‏

قال‏:‏ قلت‏:‏ ومن العاشر‏؟‏

قال‏:‏ قال‏:‏ أنا‏.‏

وينبغي أن يكتب هاهنا حديث أم سلمة المتقدم قريباً أنها قالت لأبي عبد الله الجدلي‏:‏ أيسب رسول الله فيكم على المنابر‏؟‏ الحديث رواه أحمد‏.‏

حديث آخر

قال الإمام أحمد‏:‏ حدثنا يحيى بن آدم، وابن أبي بكير قالا‏:‏ ثنا إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن حبشي بن جنادة السلولي - وكان قد شهد حجة الوداع - قال‏:‏

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏‏(‏علي مني، وأنا منه، ولا يؤدي عني إلا أنا أو علي‏)‏‏)‏‏.‏

ثم رواه أحمد، عن أبي أحمد الزبيري، عن إسرائيل‏.‏

حديث آخر

قال أحمد‏:‏ حدثنا وكيع قال‏:‏ قال إسرائيل‏:‏ قال أبو إسحاق، عن زيد بن بثيغ، عن أبي بكر‏:‏ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعثه ببراءة إلى أهل مكة لا يحج بعد العام مشرك، ولا يطوف بالبيت عريان، ولا يدخل الجنة إلا نفس مؤمنة، من كان بينه وبين رسول الله مدة فأجله إلى مدته، والله بريء من المشركين ورسوله‏.‏
قال‏:‏ فسار بها ثلاثاً، ثم قال لعلي‏:‏ الحقه وردّ علي أبا بكر وبلغها أنت‏.‏

قال‏:‏ فلما قدم أبو بكر على رسول الله بكى‏.‏

وقال‏:‏ يا رسول الله حدث فيّ شيء‏؟‏

قال‏:‏ ‏(‏‏(‏ما حدث فيك إلا خير، ولكن أمرت أن لا يبلّغه إلا أنا أو رجل من أهل بيتي‏)‏‏)‏‏.‏

وقال عبد الله بن أحمد‏:‏ حدثني محمد بن سليمان لوين، حدثنا محمد بن جابر، عن سماك، عن حبشي، عن علي قال‏:‏ لما نزلت عشر آيات من براءة دعا رسول الله أبا بكر، فبعثه بها ليقرأها على أهل مكة، ثم دعاني، فقال لي‏:‏ أدرك أبا بكر فحيث لحقته فخذ الكتاب منه فاذهب به إلى أهل مكة فاقرأه عليهم، فلحقته بالجحفة فأخذت الكتاب منه ورجع أبو بكر فقال‏:‏

يا رسول الله نزل فيّ شيء ‏؟‏

قال‏:‏ ‏(‏‏(‏لا، ولكن جبريل جاءني فقال‏:‏ لا يؤدي عنك إلا أنت أو رجل من بيتك‏)‏‏)‏‏.‏

وقد رواه كثير النواء، عن جمُيع بن عمير، عن ابن عمر بنحوه، وفيه نكارة من جهة أمره برد الصديق، فإن الصديق لم يرجع بل كان هو أمير الحج في سنة تسع‏.‏

وكان علي هو وجماعة معه بعثهم الصديق يطوفون برحاب منى في يوم النحر وأيام التشريق ينادون ببراءة‏؟‏ وقد قررنا ذلك في حجة الصديق وفي أول تفسير سورة براءة‏.‏

حديث آخر

روي من حديث أبي بكر الصديق، وعمر، وعثمان بن عفان، وعبد الله بن مسعود، ومعاذ بن جبل، وعمران بن حصين، وأنس، وثوبان، وعائشة، وأبي ذر، وجابر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ ‏(‏‏(‏النظر إلى وجه علي عبادة‏)‏‏)‏‏.‏

وفي حديث عائشة‏:‏ ذكر علي عبادة‏.‏

ولكن لا يصح شيء منها، فإنه لا يخلو كل سند منها عن كذاب أو مجهول لا يعرف حاله، وهو شيعي‏.‏

حديث الصدقة بالخاتم وهو راكع

قال الطبراني‏:‏ ثنا عبد الرحمن بن مسلم الرازي، ثنا محمد بن يحيى، عن ضريس العبدي، ثنا عيسى بن عبد الله بن عبيد الله بن عمر بن علي بن أبي طالب، حدثني أبي، عن أبيه، عن جده، عن علي قال‏:‏

نزلت هذه الآية على رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏{‏إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ‏}‏ ‏[‏المائدة‏:‏ 55‏]‏‏.‏

فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم فدخل المسجد والناس يصلون بين راكع وقائم، وإذا سائل فقال‏:‏ ‏(‏‏(‏يا سائل هل أعطاك أحد شيئاً‏)‏‏)‏

فقال‏:‏ لا‏!‏ إلا ها ذاك الراكع - لعلي - أعطاني خاتمه‏.‏

وقال الحافظ ابن عساكر‏:‏ أنا خالي المعالي القاضي، أنا أبو الحسن الخلعي، أنا أبو العباس أحمد بن محمد الشاهد، ثنا أبو الفضل محمد بن عبد الرحمن بن عبد الله بن الحارث الرملي، ثنا القاضي جملة بن محمد، ثنا أبو سعيد الأشج، ثنا أبو نعيم الأحول، عن موسى بن قيس‏.‏

عن سلمة قال‏:‏ تصدق عليّ بخاتمه وهو راكع، فنزلت‏:‏ ‏{‏إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ‏}‏‏.‏

وهذا لا يصح بوجه من الوجوه لضعف أسانيده، ولم ينزل في علي شيء من القرآن بخصوصيته، وكل ما يريدونه في قوله تعالى‏:‏ ‏{‏إِنَّمَا أَنْتَ مُنْذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ‏}‏ ‏[‏الرعد‏:‏ 7‏]‏‏.‏

وقوله‏:‏ ‏{‏وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِيناً وَيَتِيماً وَأَسِيراً‏}‏ ‏[‏الإنسان‏:‏ 8‏]‏‏.‏

وقوله‏:‏ ‏{‏أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ الْحَاجِّ وَعِمَارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ كَمَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ‏}‏ ‏[‏التوبة‏:‏ 19‏]‏‏.‏

وغير ذلك من الآيات والأحاديث الواردة في أنها نزلت في علي لا يصح شيء منها‏.‏

وأما قوله تعالى‏:‏ ‏{‏هَذَانِ خَصْمَانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ‏}‏ ‏[‏الحج‏:‏ 19‏]‏‏.‏

فثبت في ‏(‏الصحيح‏)‏ أنه نزل في علي، وحمزة، وعبيدة من المؤمنين، وفي عتبة، وشيبة، والوليد بن عتبة من الكافرين‏.‏

وما روي عن ابن عباس أنه قال‏:‏ ما نزل في أحد من الناس ما نزل في علي‏.‏

وفي رواية عنه أنه قال‏:‏ نزل فيه ثلثمائة آية، فلا يصح ذلك عنه لا هذا ولا هذا‏.‏

حديث آخر

قال أبو سعيد بن الأعرابي‏:‏ ثنا محمد بن زكريا الغلابي، ثنا العباس بن بكار، أبو الوليد، ثنا عبد الله بن المثنى الأنصاري، عن عمه ثمامة بن عبد الله بن أنس، عن أنس قال‏:‏

كان رسول الله صلى الله عليه وسلم جالساً بالمسجد وقد أطاف به أصحابه إذ أقبل علي فسلم‏.‏

ثم وقف فنظر مكاناً يجلس فيه، فنظر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى وجوه أصحابه أيهم يوسع له - وكان أبو بكر عن يمين رسول الله صلى الله عليه وسلم - فتزحزح أبو بكر عن مجلسه وقال‏:‏ هاهنا يا أبا الحسن‏.‏

فجلس بين رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين أبي بكر، فرأينا السرور في وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم أقبل على أبي بكر فقال‏:‏ ‏(‏‏(‏يا أبا بكر إنما يعرف الفضل لأهل الفضل‏)‏‏)‏‏.‏

فأما الحديث الوارد عن علي وحذيفة مرفوعاً ‏(‏‏(‏علي خير البشر، من أبى فقد كفر ومن رضي فقد شكر‏)‏‏)‏

فهو موضوع من الطريقين معاً، قبح الله من وضعه واختلقه‏.‏

حديث آخر

قال أبو عيسى الترمذي‏:‏ ثنا إسماعيل بن موسى بن عمر الرومي، ثنا شريك، عن كهيل، سويد بن غفلة، عن الصنابحي، عن علي قال‏:‏

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏‏(‏أنا دار الحكمة وعلي بابها‏)‏‏)‏‏.‏

ثم قال‏:‏ هذا الحديث غريب‏.‏
قال‏:‏ وروى بعضهم هذا الحديث عن ابن عباس‏.‏

قلت‏:‏ رواه سويد بن سعيد، عن شريك، عن سلمة، عن الصنابحي، عن علي مرفوعاً‏:‏ ‏(‏‏(‏أنا مدينة العلم وعلي بابها، فمن أراد العلم فليأت باب المدينة‏)‏‏)‏‏.‏
وأما حديث ابن عباس‏:‏ فرواه ابن عدي من طريق أحمد بن سلمة أبي عمرو الجرحاني، ثنا أبو معاوية، عن الأعمش، عن مجاهد، عن ابن عباس قال‏:‏

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏‏(‏أنا مدينة العلم وعلي بابها، فمن أراد العلم فليأتها من قبل بابها‏)‏‏)‏‏.‏

قال ابن عدي‏:‏ وهذا الحديث يعرف بأبي الصلت الهروي، عن أبي معاوية، سرقه منه أحمد بن سلمة هذا ومعه جماعة من الضعفاء، هكذا قال رحمه الله‏.‏

وقد روى أحمد بن محمد بن القاسم بن محرز، عن ابن معين أنه قال‏:‏ أخبرني ابن أيمن أن أبا معاوية حدث بهذا الحديث قديماً، ثم كف عنه قال‏:‏

وكان أبو الصلت رجلاً موسراً يكرم المشايخ ويحدثونه بهذه الأحاديث‏.‏

وساقه ابن عساكر بإسناد مظلم، عن جعفر الصادق، عن أبيه، عن جده، عن جابر بن عبد الله فذكره مرفوعاً‏.‏

ومن طريق أخرى، عن جابر قال ابن عدي‏:‏ وهو موضوع أيضاً‏.‏

وقال أبو الفتح الأودي‏:‏ لا يصح في هذا الباب شيء‏.‏

حديث آخر

يقرب مما قبله، قال ابن عدي‏:‏ حدثنا أحمد بن حبرون النيسابوري، ثنا ابن أيوب أبو أسامة - وهو جعفر بن هذيل - ثنا ضرار بن صرد، ثنا يحيى بن عيسى الرملي، عن الأعمش، عن ابن عباية، عن ابن عباس، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ ‏(‏‏(‏على عيينة علي‏)‏‏)‏‏.‏

حديث آخر

في معنى ما تقدم قال ابن عدي‏:‏ ثنا أبو يعلى، حدثنا كامل بن طلحة، ثنا ابن لهيعة، ثنا يحيى بن عبد الله، عن أبي عبد الرحمن الجيلي، عن عبد الله بن عمرو بأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في مرضه‏:‏ ‏(‏‏(‏ادعوا لي أخي‏)‏‏)‏‏.‏

فدعوا له أبا بكر فأعرض عنه‏.‏

ثم قال‏:‏ ‏(‏‏(‏ادعوا لي أخي‏)‏‏)‏‏.‏

فدعوا له عمر فأعرض عنه‏.‏

ثم قال‏:‏ ‏(‏‏(‏ادعوا لي أخي‏)‏‏)‏‏.‏

فدعوا له عثمان فأعرض عنه‏.‏

ثم قال‏:‏ ‏(‏‏(‏ادعوا لي أخي‏)‏‏)‏‏.‏

فدعي له علي بن أبي طالب فستره بثوب، وأكب عليه فلما خرج من عنده قيل له‏:‏ ما قال‏؟‏

قال‏:‏ علمني ألف باب يفتح كل باب إلى ألف باب‏.‏

قال ابن عدي‏:‏ هذا حديث منكر، ولعل البلاء فيه من ابن لهيعة فإنه شديد الإفراط في التشيع، وقد تكلم فيه الأئمة ونسبوه إلى الضعف‏.‏

حديث آخر

قال ابن عساكر‏:‏ أنبأنا أبو يعلى، ثنا المقري، أنا أبو نعيم الحافظ، أنا أبو أحمد الغطريفي، ثنا أبو الحسين بن أبي مقاتل، ثنا محمد بن عبيد بن عتبة، حدثنا محمد بن علي الوهبي الكوفي، ثنا أحمد بن عمران بن سلمة - وكان ثقة عدلاً مرضياً -‏.‏

ثنا سفيان الثوري، عن منصور، عن إبراهيم، عن علقمة، عن عبد الله قال‏:‏ كنت عند النبي صلى الله عليه وسلم فسئل عن علي‏.‏

فقال‏:‏ ‏(‏‏(‏قسمت الحكمة عشرة أجزاء، أعطي علي تسعة والناس جزءاً واحداً‏)‏‏)‏‏.‏

وسكت الحافظ ابن عساكر على هذا الحديث ولم ينبه على أمره، وهو منكر بل موضوع مركب على سفيان الثوري بإسناده، قبح الله واضعه ومن افتراه واختلقه‏.‏

حديث آخر

قال أبو يعلى‏:‏ ثنا عبيد الله بن عمر القواريري، ثنا يحيى، عن سعيد، عن الأعمش، عن عمرو بن مرة، عن أبي البختري، عن علي قال‏:‏ بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى اليمن وأنا حديث السن ليس لي علم بالقضاء، قال‏:‏ فضرب في صدري وقال‏:‏ ‏(‏‏(‏إن الله سيهدي قلبك ويثبت لسانك‏)‏‏)‏‏.‏

قال‏:‏ فما شككت في قضاء بين اثنين بعد‏.‏

وقد ثبت عن عمر أنه كان يقول‏:‏ علي أقضانا، وأُبيّ أقرؤنا للقرآن‏.‏

وكان عمر يقول‏:‏ أعوذ بالله من معضلة ولا أبو حسن لها‏.‏

حديث آخر

قال الإمام أحمد‏:‏ حدثنا عبد الله بن محمد، ثنا جرير بن عبد الحميد، عن مغيرة، عن أم موسى، عن أم سلمة قالت‏:‏ والذي أحلف به إن كان علي بن أبي طالب لأقرب الناس عهداً برسول الله‏.‏

عدنا رسول الله غداة بعد غداة يقول‏:‏ ‏(‏‏(‏جاء علي‏)‏‏)‏‏؟‏ مراراً - وأظنه كان بعثه في حاجة - قالت‏:‏ فجاء بعد فظننت أن له إليه حاجة فخرجنا من البيت عند الباب فقعدنا عند الباب فكنت من أدناهم إلى الباب‏.‏

فأكب عليه علي فجعل يسارّه ويناجيه، ثم قبض من يومه ذلك فكان أقرب الناس به عهداً‏.‏

وهكذا رواه عبد الله بن أحمد، وأبو يعلى، عن أبي بكر بن أبي شيبة به‏.‏

حديث آخر في معناه

قال أبو يعلى‏:‏ حدثنا عبد الرحمن بن صالح، ثنا أبو بكر بن عياش، عن صدقة، عن جمُيع بن عمير‏:‏ أن أمه وخالته دخلتا على عائشة فقالتا‏:‏ يا أم المؤمنين، أخبرينا عن علي‏.‏

قالت‏:‏ أي شيء تسألن عن رجل وضع يده من رسول الله موضعاً فسالت نفسه في يده فمسح بها وجهه ثم اختلفوا في دفنه‏.‏

فقال‏:‏ إن أحب الأماكن إلى الله مكان قبض فيه نبيه صلى الله عليه وسلم ‏؟‏‏.‏

قالتا‏:‏ فلم خرجت عليه‏؟‏

قالت‏:‏ أمر قضي، لوددت أني أفديه بما على الأرض‏.‏

وهذا منكر جداً وفي ‏(‏الصحيح‏)‏ ما يرد هذا والله أعلم‏.‏

حديث آخر

قال الإمام أحمد‏:‏ ثنا أسود بن عامر، حدثني عبد الحميد بن أبي جعفر - يعني‏:‏ الفراء - عن إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن زيد بن يثيغ، عن علي قال‏:‏ ‏(‏‏(‏قيل يا رسول الله من نؤمر بعدك‏؟‏

قال‏:‏ أن تؤمروا أبا بكر تجدوه أميناً زاهداً في الدنيا راغباً في الآخرة‏.‏

وأن تؤمروا عمر تجدوه قوياً أميناً لا يخاف في الله لومة لائم‏.‏

وأن تؤمروا علياً - ولا أراكم فاعلين - تجدوه هادياً مهدياً يأخذ بكم الطريق المستقيم‏)‏‏)‏‏.‏

وقد روي هذا الحديث من طريق عبد الرزاق، عن النعمان بن أبي شيبة، وعن يحيى بن العلاء، عن الثوري، عن أبي إسحاق، عن زيد بن يثيغ، عن حذيفة، عن النبي صلى الله عليه وسلم بنحوه‏.‏

ورواه أبو الصلت الهروي عبد السلام بن صالح، عن ابن نمير، عن الثوري، عن شريك، عن أبي إسحاق، عن زيد بن يثيغ، عن حذيفة به‏.‏

وقال الحاكم أبو عبد الله النيسابوري‏:‏ أنا أبو عبد الله محمد بن علي الآدمي بمكة، ثنا إسحاق بن إبراهيم الصنعاني، أنا عبد الرزاق بن همام، عن أبيه، عن ابن ميناء، عن عبد الله بن مسعود قال‏:‏ كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم ليلة وفد الجن‏.‏ قال‏:‏ فتنفس‏.‏

فقلت‏:‏ ما شأنك يا رسول الله ‏؟‏‏.‏

قال‏:‏ ‏(‏‏(‏نعيت إلىّ نفسي‏)‏‏)‏‏.‏

قلت‏:‏ فاستخلف‏.‏

قال‏:‏ ‏(‏‏(‏من‏)‏‏)‏ ‏؟‏

قلت أبا بكر‏؟‏

قال‏:‏ فسكت ثم مضى ثم تنفس‏.‏

قلت‏:‏ ما شأنك يا رسول الله‏؟‏

قال‏:‏ ‏(‏‏(‏نعيت إليّ نفسي يا ابن مسعود‏)‏‏)‏‏.‏
قلت‏:‏ فاستخلف‏.‏

قال‏:‏ ‏(‏‏(‏من‏)‏‏)‏‏؟‏

قلت‏:‏ عمر‏.‏

قال‏:‏ فسكت ثم مضى ساعة ثم تنفس‏.‏

قال‏:‏ فقلت‏:‏ ما شأنك يا رسول الله‏؟‏

قال‏:‏ ‏(‏‏(‏نعيت إليّ نفسي يا ابن مسعود‏)‏‏)‏‏.‏

قلت‏:‏ فاستخلف‏.‏

قال‏:‏ ‏(‏‏(‏من‏)‏‏)‏‏؟‏

قلت‏:‏ علي بن أبي طالب‏.‏

قال‏:‏ ‏(‏‏(‏أما والذي نفسي بيده لئن أطاعوه ليدخلن الجنة أجمعين أكتعين‏)‏‏)‏‏.‏

قال ابن عساكر‏:‏ همام وابن ميناء مجهولان‏.‏

حديث آخر

قال أبو يعلى‏:‏ ثنا أبو موسى - يعني‏:‏ محمد بن المثنى - حدثنا سهيل بن حماد، أبو غياث الدلال، ثنا مختار بن نافع الفهمي، ثنا أبو حيان التيمي، عن أبيه، عن علي قال‏:‏

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏‏(‏رحم الله أبا بكر زوجني ابنته، وحملني إلى دار الهجرة، واعتق بلالاً من ماله‏.‏

رحم الله عمر يقول الحق وإن كان مراً تركه الحق وماله من صديق‏.‏

رحم الله عثمان تستحيه الملائكة‏.‏

رحم الله علياً دار الحق معه حيث دار‏)‏‏)‏‏.‏

وقد ورد عن أبي سعيد وأم سلمة أن الحق مع علي رضي الله عنه‏.‏ وفي كل منهما نظر والله أعلم‏.‏

حديث آخر

قال أبو يعلى‏:‏ ثنا عثمان بن جرير، عن الأعمش، عن إسماعيل بن رجاء، عن أبيه، عن أبي سعيد قال‏:‏ سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول‏:‏ ‏(‏‏(‏إن منكم من يقاتل على تأويل القرآن كما قاتلت على تنزيله‏)‏‏)‏‏.‏

فقال أبو بكر‏:‏ أنا هو يا رسول الله‏.‏

قال‏:‏ ‏(‏‏(‏لا ‏!‏‏)‏‏)‏

فقال عمر‏:‏ أنا هو يا رسول الله‏.‏

قال‏:‏ ‏(‏‏(‏لا ‏!‏‏)‏‏)‏ ولكنه خاصف النعل‏)‏‏)‏ - وكان قد أعطى علياً نعله يخصفه -‏.‏
ورواه الإمام البيهقي‏:‏ عن الحاكم، عن الأصم، عن أحمد بن عبد الجبار، عن أبي معاوية، عن الأعمش به‏.‏

ورواه الإمام أحمد‏:‏ عن وكيع، وحسين بن محمد، عن فطر بن خليفة، عن إسماعيل بن رجاء به‏.‏

ورواه البيهقي أيضاً‏:‏ من حديث أبي نعيم، عن فطر بن خليفة، عن إسماعيل بن رجاء، عن أبيه عن أبي سعيد به‏.‏

ورواه فضيل بن مرزوق‏:‏ عن عطية، عن أبي سعيد‏.‏

وروي من حديث علي نفسه‏.‏

وقد قدمنا هذا الحديث في موضعه في قتال علي أهل البغي والخوارج ولله الحمد‏.‏

وقدمنا أيضاً حديث علي للزبير‏:‏ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لك‏:‏ ‏(‏‏(‏أنك تقاتلني وأنت ظالم‏)‏‏)‏‏.‏

فرجع الزبير وذلك يوم الجمل، ثم قتل بعد مرجعه في وادي السباع‏.‏

وقدمنا صبره وصرامته وشجاعته في يومي الجمل وصفين، وبسالته وفضله في يوم النهروان، وما ورد في فضل طائفته الذين قتلوا الخوارج من الأحاديث، وذكرنا الحديث الوارد من غير طريق عن علي، وأبي سعيد، وأبي أيوب‏:‏

أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمره بقتال المارقين، والقاسطين، والناكثين، وفسروا الناكثين بأصحاب الجمل، والقاسطين بأهل الشام، والمارقين بالخوارج، والحديث ضعيف‏.‏

تم الجزء السابع من كتاب البداية والنهاية ويليه الجزء الثامن، وأوله فصل في ذكر شيء من سيرته العادلة، وسريرته الفاضلة، و خطبه الكاملة‏.‏