أحوال النبي ومغازيه

صلى الله عليه وسلم في مولده ومبعثه ومغازيه إلى أن قبض صلى الله عليه وسلمقال: وولد رسول الله صلى الله عليه وسلم عام الفيل، وبين عام الفيل وعام الفجار عشرون سنة، ودفعته أمه إلى آظاره من بني سعد بن بكر، فلم يزل عندهم خمس سنين ثم ردوه عليها فأخرجته أمه إلى أخواله إلى المدينة بعد سنة وتوفيت بالأبواء، وردته أم أيمن حاضنته إلى مكة بعد موت أمه، وتوفي عبد المطلب وهو ابن ثماني سنين وشهرين وخرج مع أبي طالب عمه إلى الشام في تجارة وهو ابن اثنتي عشرة، وشهد الفجار وهو ابن عشرين سنة، وخرج إلى الشام لخديجة ابنة خويلد وهو ابن خمس وعشرين سنة وتزوجها بعد ذلك بشهرين وأيام، وبنيت الكعبة ورضيت قريش بحكمه فيها وهو ابن خمس وثلاثين سنة، وبعث وهو ابن أربعين سنة بعد بنيان الكعبة بخمس سنين. ورأت قريش النجوم يرمي بها بعد عشرين يوماً من مبعثه، وتوفي عمه أبو طالب وهو ابن تسع وأربعين سنة وثمانية أشهر وأيام، وتوفيت خديجة بعد أبي طالب بثلاثة أيام وخرج إلى الطائف ومعه زيد بن حارثة بعد ثلاثة أشهر من موت خديجة فأقام بها شهراً ثم رجع إلى مكة في جواره مطعم بن عدي، وأسرى به إلى بيت المقدس من بعد سنة ونصف من وقت رجوعه إلى مكة، ثم أمره الله عز وجل بالهجرة وافترض عليه الجهاد فأمر أصحابه بالهجرة فخرجوا أرسالاً وخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعه أبو بكر وعامر بن فهيرة مولى أبي بكر وعبد الله بن أرقم ويقال أرقط الديلي، وخلف علياً على ودائع كانت عنده للناس حتى أداها ثم لحق به مهاجر إلى المدينة وهو ابن ثلاث وخمسين سنة فقال في ذلك حسان بن ثابت: هكذا قال أبو اليقظان:

ثوى في قريش بضع عشرة حجة

 

يذكر لو يلقى حبـيبـاً مـواتـيا

ويعرض في أهل المواسم نفسـه

 

فلم يرَ من يؤوي ولم يرَ داعـيا

فلما أتانا واطمأنت بـه الـنـوى

 

فأصبح مسروراً بطيبةراضـيا

وأما محمد بن إسحاق فذكر أن البيت الأول لصرمة بن أبي أنس الأنصاري، ودخل رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الأثنين لاثنتي عشرة ليلة خلت من شهر ربيع الأولى فكان التاريخ من شهر ربيع الأول فرد إلى المحرم لأنه أول شهور السنة ونزل بقباء على كلثوم بن الهدم من بني عمرو بن عوف الأوسي، ثم مات كلثوم فتحول إلى سعد بن خثيمة الأوسي فأقام شهراً وأربعة أيام إلى أن تمت صلاة المقيم ثم آخى بين المهاجرين والأنصار بعد خمسة أشهر من وقت إتمام الصلاة، ثم غزا غزاة ودان بعد ستة أشهر، ثم غزا عيراً لقريش بعد شهر وثلاثة أيام ثم غزا في طلب كرز حتى بلغ بدراً بعد عشرين يوماً ووجهت من غفار رهط أبي ذر من بطن يقال لهم بنو النار نسب الماء إليه. وقال الشعبي: بدر بئر كانت لرجل يدعى بدراً ولم ينسبه، وكان المشركون تسعمائة وخمسين رجلاً، وكان المسلمون ثلاثمائة وبضعة عشر رجلاً يعتقب النفر البعير الواحد، عدة لأنصاريين منهم مائتان وسبعون رجلاً والباقون من سائر الناس، وكان لواء رسول الله صلى الله عليه وسلم أبيض ورايته سوداء من مرط لعائشة مرحل وكانت رايته يومئذ مع علي ولواؤه مع مصعب بن عمير ولم يبق من قريش بطن إلا نفر منهم ناس من المشركين إلا بني عدي بن كعب فإنه لم يخرج منهم رجل واحد، وكان قوم من زهرة قد خرجوا، فقام الأخنس بن شريق الثقفي فيهم وكان حليفاً له، فأشار عليهم بالرجوع فرجعوا، فلم يشاهد منهم بدراً أحد، وإنما سمي الأخنس. قال أبو اليقظان: عثمان البتي الفقيه بالبصرة من مواليه صلى الله عليه وسلم.

أسماء المتخلفين عن بدر

من المهاجرين والأنصار المشهورين بالعذر أسماؤهم: عثمان بن عفان تخلف عن بدر على رقية ابنة رسول الله صلى الله عليه وسلم فضرب له رسول الله صلى الله عليه وسلم بسهمه فقال عثمان: وأجري برسول الله! قال: وأجرك.

وطلحة بن عبيد الله كان بالشام فتخلف عن بدر وقدم بعد أن رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم من بدر فكلمه فضرب له بسهمه فقال: وأجري برسول الله؟ قال: وأجرك.

وسعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل كان أيضاً بالشام فقدم بعدما رجع رسول الله من بدر فضرب له بسهمه فقال: وأجري برسول الله؟ قال: وأجرك.

وأبو لبابة والحارث بن حاطب الأنصاريان خرجا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فردهما وأمر أبا لبابة على المدينة وضرب لهما بسهمين مع أصحاب بدر.

أسماء المطعمين من قريش

في غزاة بدر:  كان المطعمون من قريش، العباس بن عبد المطلب وعتبة بن ربيعة والحارث بن عامر بن نوفل وطعيمة بن عدي.

وأما النجاري بن هشام وحكيم بن حزام والنضر بن الحارث بن كلدة وأبا جهل بن هشام وأمية بن خلف ومنبهاً ونبيهاً ابني الحجاج وسهل بن عمرو.

عدة من قتل ومن أسر يوم بدر

وعدة من قتل من المشركين: قتل يوم بدر خمسون رجلاً، وأسر أربعة وأربعون رجلاً، وكان فيمن أسر العباس بن عبد المطلب أسره أبو اليسر كعب بن عمرو، وعقيل بن أبي طالب وكانا خرجا مكرهين، ونوفل بن الحارث بن كلدة فقتلهما رسول الله صلى الله عليه وسلم بالصفراء.

وروى ابن المبارك عن شعبة عن أبي بشر عن سعيد بن جبير أنه قال: قتل رسول الله صلى الله عليه وسلم صبراً ثلاثة يوم بدر: عقبة بن أبي معيط وطعيمة بن عدي والنضر بن الحارث.

وقال النبي صلى الله عليه وسلم للعباس أفد نفسك وابني أخويك عقيلاً ونوفلاً وحليفك فإنك ذو مال. فقال: يا رسول الله إني كنت مسلماً. ولكن القوم استكرهوني فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: الله أعلم بإسلامك إن يكن ما تقول حقاً فالله يجزيك به، وأما ظاهر أمرك فقد كان علينا قال: فإنه ليس لي مال. قال: فأين المال الذي وضعته عند أم الفضل بمكة حين خرجت وليس معكما أحد ثم قلت: إن أصبت في سفري هذا فللفضل كذا ولعبد الله كذا؟ قال: والذي بعثك بالحق نبياً ما علم بهذا أحد غيرها، وإني لأعلم إنك رسول الله ففدّى نفسه بمائة أوقية وكل واحد بأربعين أوقية. هكذا قال ابن إسحاق. وقال: تركتني أسأل الناس في كفي فأسلم العباس وأمر عقيلاً فأسلم ولم يسلم من الأسارى غيرهما وقتل علي بن أبي طالب يومئذ العاص بن سعيد بن العاص والوليد بن عتبة بن ربيعة وعامر بن عبد الله حليفاً لهم من بني أنمار بن بغيض. وقتل علي أيضاً نوفل بن خويلد أخا العوام بن خويلد، واختلف في طعيمة بن عدي فقال بعضهم: قتله علي. وقال بعضهم: قتله حمزة وقال بعضهم: قتله رسول الله صلى الله عليه وسلم صبراً وقتل عمر بن الخطاب خاله العاص بن هشام بن المغيرة، وقتل حمزة بن عبد المطلب شيبة بن ربيعة والأسود بن عبد الأسد بن هلال المخزومي، وقتل عبيدة بن الحارث بن عبد المطلب عتبة بن ربيعة، وقتل الزبير بن العوام عبيدة بن سعيد بن العاص، وقتل عمرو بم الجموح الأنصاري أبا جهل بن هشام ضربه بالسيف على رجله فقطعها وذفف عليه عبد الله بن مسعود، وقتل عمار بن ياسر علي بن أمية بن خلف، وسائر من قتل لا يعرف قاتلهم من الأنصار. واستشهد من المسلمين يوم بدر أربعة عشر رجلاً منهم عبيدة بن الحارث بن عبد المطلب قاتل عتبة ومهجع مولى عمرو ذو الشمالين وعمير بن أبي وقاص أخو سعد، وغافل بن البكير يقال له غافل، وعاقل وصفوان بن البيضاء، والباقون من الأنصار. وكانت بدر في شهر رمضان سنة اثنتين لسبع عشرة ليلة خلت منه، وانصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة وتوفيت رقية ابنته، وابتنى علي بفاطمة بعد وفاة رقية بستة عشر يوماً، وتزوج عثمان ابنته أم كلثوم وابتنى بها بعد ابتناء علي بفاطمة بخمسة اشهر ونصف، ثم تزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم حفصة بعد ذلك بشهرين، وتزوج زينب ابنة خزيمة بعدها بعشرين يوماً، وولد الحسن بن علي بعد ذلك بخمسة أيام. هذا في بعض الروايات وإن كان صحيحاً فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قبض والحسن ابن سبع سنين. وفي رواية ابن إسحاق فيما أحسب أنها ولدت الحسن سنة ست بعد خيبر.

فأما الحسين فإنه ولد بعد الحسن بعشرة أشهر واثنين وعشرين يوماً، وأرضعته وهي حامل ثم أرضعتهما جميعاً. قال ابن إسحاق: وكانت غزاة أحد سنة ثلاث. قال: ولما سارت قريش لحرب رسول الله صلى الله عليه وسلم وخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم والمسلمون، حتى نزل بيوت بني حارثة فأقاموا بقية يومهم وليلتهم ثم خرج من غد في ألف رجل من أصحابه، فلما كانوا ببعض الطريق انخذل عنهم عبد الله بن أبي سلول بثلث الناس، وقالوا: والله ما ندري علام نقتل أنفسنا! وهمت بنو حارثة وبنو سلمة بالرجوع؛ ثم عصمهم الله عز وجل، ومضى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فذب فرس بذنبه فأصاب ذؤاب سيف فاستله، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لصاحب السيف، وكان يحب الفأل ولا يعلف: شم سيفك، فإني أرى السيوف ستسل اليوم.وكانت قريش يومئذ ثلاثة آلاف، وث3 صلى الله عليه وسلم في سبعمائة، فظاهر يومئذ بين درعين وأخذ سيفاً فهزه وقال: من يأخذ بحقه؟ فقال عمر: أنا فأعرض عنه، وقال الزبير أنا فأعرض عنه، فوجدا في أنفسهما. فقام أبو دجانة سماك بن خرشة فأعطاه إياه وكان على الرماة يومئذ عبد الله بن جبير أخو خوات بن جبير صاحب ذات النحيين وكانت الدائرة على المشركين حتى خالفت الرماة ما أمرها رسول الله صلى الله عليه وسلم من الثبوت بموضعها ومالت إلى الغنائم فأصيب المسلمون وانهزم منهم من انهزم.

عدة من استشهد من المسلمين يوم أحد

استشهد من المهاجرين يوم أحد أربعة نفر: حمزة بن عبد المطلب وعبد الله بن جحش ومصعب بن عمير وشماس بن عثمان بن الشريد، واستشهد من الأنصار أحد وسبعون رجلاً.

عدة من قتل من المشركين يوم أحد

قتل علي بن أبي طالب طلحة بن أبي طلحة بن عثمان بن عبد الدار مبارزة، وكان صاحب لواء المشركين، وأبا حكم بن الأخنس بن شريق الثقفي حليف بني زهرة، وأبا أمية بن أبي حذيفة بن المغيرة. وقتل حمزة عثمان بن أبي طلحة وسباع بن عبد العزّى. وقتل سعد بن أبي وقاص أبا سعد بن أبي طلحة. وقتل عاصم بن ثابت مسافع بن طلحة وكلاب بن طلحة والجلاس بن طلحة والحارث بن طلحة، هذا قول بعضهم.

وأما قول ابن إسحاق فإنه ذكر أن الجلاس والحارث قتلهما قزمان حليف بني ظفر. قال: وقتل قزمان يومئذ أرطأة بن شرحبيل بن هاشم بن عبد مناف بن عبد الدار، وغلاماً له حبشياً يقال له صوات، والقاسط بن شريح بن هاشم بن عبد مناف بن عبد الدار، وهشام بن أبي أمية بن المغيرة، والوليد بن العاص بن هشام وخالد بن الأعلم، وعبيدة بن جابر، وشيبة بن مالك بن المضرب. وكان قزمان هذا منافقاً وهو القائل: "والله إني قاتلت الأحدبا على قومي" وجرح، فاشتد به جراحه فقتل نفسه وفيه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن الله ليؤيد هذا الدين بالرجل الفاجر. وقتل عبد الرحمن بن عوف أسيد بن أبي طلحة فكان من قتل في هذا اليوم من بني عبد الدار عشرة نفر ومولى لهم، ولم يصحب النبي صلى الله عليه وسلم من بني الدار بن قصي إلا مصعب بن عمير، واستشهد في هذا اليوم، وكان صاحب لواء رسول الله صلى الله عليه وسلم ويقال أن هذه الآية نزلت في عبد الدار: "إن شر الدواب عند الله الصم البكم الذين لا يعقلون" الأنفال: 22 .

وكان يوم الخندق سنة أربع، ويم بني المصطلق ويوم بني لحيان في شعبان سنة خمس، ويوم خيبر في سنة ست، وحاصرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بضع عشرة ليلة، وفيه قدم عليه جعفر بن أبي طالب من عند النجاشي، وفيها صالحه أهل فدك على النصف من ثمارهم فكانت له، خاصة لأنه لم يوجف عليها المسلمون، وفيها خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم معتمراً فصده المشركون، وكان ساق معه من الهدي سبعين بدنة، فعكفوه عن أن يبلغ محله فبايع المسلمون تحت الشجرة بيعة الرضوان، وكان الناس سبعمائة.

قال: حدثنا زيد بن أخرم، قال: حدثنا أبو داود، قال: حدثنا قرة بن خالد عن قتادة، قال: قلت لسعيد بن المسيب: كم كانوا في بيعة الرضوان؟ قال: خمس عشرة مائة، قال: قلت فإن جابر بن عبد الله هو الذي حدثني أنهم كانوا أربعة عشرة مائة. قال: أوهم رحمه الله هو الذي حدثني أنهم كانوا خمس عشرة مائة. وكان أول من بايع عبد الله بن عمر، وكانت البيعة بسبب عثمان رضي الله عنه، وذلك أنه بعثه إلى مكة ليخبر قريشاً أنه لم يأت لحرب، فاحتبسته قريش عندها، وبلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قتل، فدعا الناس إلى البيعة على مناجزة القوم. ثم بلغه أن الذي ذكر من أمر عثمان باطل، وبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم بعثة إلى مؤتة في سنة ثمان واستعمل عليهم زيد بن حارثة. وقال: إن أصيب زيد بن حارثة فجعفر بن أبي طالب على الناس. فإن أصيب جعفر فعبد الله بن رواحة على الناس. وكانوا ثلاثة آلاف، فقتل زيد بن حارثة وجعفر وعبيد الله بن رواحة وقام بأمر الناس خالد بن الوليد فحاشى بهم يعني: اتقى بهم.

وفي سنة ثمان ولد له صلى الله عليه وسلم إبراهيم ومات النجاشي وماتت أم كلثوم بنته. وفي سنة ثمان فتح الله عليه مكة في شهر رمضان فأقام بها خمس عشرة ليلة يقصر الصلاة ثم سار إلى حنين في سنة ثمان في شوال واستخلف على مكة عتاب بن أسيد وحج بالناس على منازلهم ومن الشرك. ولقي رسول الله صلى الله عليه وسلم جمع هوازن بحنين للنصف من شوال فهزمهم الله عز وجل ونفله أموالهم ونساءهم، وكان الذين ثبتوا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم حنين بعد هزيمة الناس علي بن أبي طالب، والعباس بن عبد المطلب، أخذ بحكمة بغلته، وأبو سفيان بن الحارث بن عبد المطلب وابنه والفضل بن العباس بن عبد المطلب وأيمن بن عبيد، وهو ابن أم أيمن مولاة رسول الله صلى الله عليه وسلم وحاضنته وقتل يومئذ، وربيعة بن الحارث بن عبد المطلب وأسامة بن زيد بن حارثة. وقال العباس بن عبد المطلب:

نصرنا رسول الله في الحرب سبعة

 

وقد فر من فر منهم فأقشـعـوا

وثامننا لاقى الحـمـام بـسـيفـه

 

بما مسه في الـلـه لايتـوجـع

يعني أيمن بن عبيدة. ثم سار رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد حنين إلى الطائف فحاصرهم شهراً ثم انصرف ولم يفتحها، فاعتمر في الجعرانة في ذي القعدة ثم انصرف راجعاً إلى المدينة فدخلها وأقام بها إلى رجب سنة تسع، ثم سار إلى أرض الروم فكان أقصى أثره تبوك فأقام بها وبنى مسجداً، وهو بها إلى اليوم، وفتح الله عليه في سفره ذلك دومة الجندل بعث إليها خالد بن الوليد فأتاه باكيدر صاحبه فصالحه على الجزية، ثم قدم المدينة فأقام إلى حضور الموسم سنة تسع، فبعث أبا بكر أميراً على الحاج فأقام للناس حجهم وهي أول حجة كانت في الإسلام، وأنزلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم براءة بعد أن سار أبو بكر فبعث بها مع علي بن أبي طالب وأمره أن يقوم بها في الناس إذ فرغ أبو بكر من الحج، ثم صدر علي وأبو بكر رضي الله عنهما إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم. ودخل سنة عشر فأقامها رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة، وجاءته وفود العرب من كل وجه، وبعث رسله إلى ملوك الأرض ودخل الناس في الإسلام أفواجاً وأنزلت عليه: "إذا جاء نصر الله والفتح" النصر: 1 " فعلم أنه قد نعى إليه نفسه، فلما حضر الموسم خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم لخمس ليال بقين من ذي الحجة فأقام للناس حجهم ثم صدر إلى المدينة فأقام بها بقية ذي الحجة من سنة عشر والمحرم وصفر واثنتي عشرة ليلة من شهر ربيع الأول سنة إحدى عشرة، ثم قبضه الله عز وجل صلى الله عليه وسلم يوم الاثنين، وكان مقامه إلى أن قبض عشر سنين كوامل وقد بلغ من السنين ثلاثاً وستين سنة.

ويقال إنه ولد يوم الاثنين وبعث يوم الاثنين ودخل المدينة يوم الاثنين وقبض صلى الله عليه وسلم يوم الاثنين، ودفن ليلة الأربعاء في حجرة عائشة وفيها قبض، ودخل العباس بن عبد المطلب القبر وعلي بن أبي طالب والفضل بن العباس بن عبد المطلب، ويقال أيضاً: دخل معه قثم بن العباس. وقالت بنو زهرة: نحن أخواله فأدخلوا منا رجلاً، فأدخلوا عبد الرحمن بن عوف. ويقال: دخل معهم أسامة بن زيد. وقال المغيرة بن سعيد: أنا أقربكم عهداً برسول الله صلى الله عليه وسلم، وذلك أنه ألقى خاتمه في القبر فاستخرجه.
قال: حدثني زيد بن أخرم. قال: حدثنا عثمان بن فرقد قال: سمعت جعفر بن محمد يحدث عن أبيه. قال: الذي لحد قبر رسول الله صلى الله عليه وسلم أبو طلحة، والذي ألقى القطيفة تحته شقران. قال: وقال جعفر: أخبرني ابن أبي رافع، قال: سمعت شقران يقول: أنا والله طرحت القطيفة تحت رسول الله صلى الله عليه وسلم في القبر.