واسم أبي سفيان صخر بن حرب بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف بن قصي بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر بن مالك بن النضر بن كنانة، وكان أبو سفيان أسلم قبيل فتح مكة وولاه رسول الله صلى الله عليه وسلم صدقات الطائف، وذهبت عينه مع النبي صلى الله عليه وسلم في بعض المغازي، ثم بقي إلى خلافة عثمان رضي الله عنه فعمي قبل أن يموت، ومات بالمدينة سنة اثنتين وثلاثين وهو ابن ثمان وثمانين سنة، وأم أبي سفيان صفية بنت حزن من قيس عيلان، وأم معاوية هند بنت عتبة بن ربيعة، ويقال: إن إحدى عينيه ذهبت يوم الطائف والأخرى يوم اليرموك، وكان لأبي سفيان من الولد أم حبيبة زوج النبي صلى الله عليه وسلم واسمها رملة، وآمنة وعمرو وهند وصخرة ومعاوية وعتبة وجويرية وأم الحكم، وهؤلاء الأربعة من هند بنت عتبة، وحنظلة وعنبسة ومحمد وزياد ويزيد وملة الصغرى وميمونة.
فأما عمرو بن أبي سفيان فأسر يوم بدر فلم يفده أبو سفيان، وأسر رجلاً من المسلمين فأطلق النبي صلى الله عليه وسلم عمرواً، وأطلق أبو سفيان المسلم، ولا عقب لعمرو بن أبي سفيان.
وأما حنظلة بن أبي سفيان فقتله علي يوم بدر ولا عقب له.
وأما يزيد بن أبي سفيان فكان يقال له يزيد الخير واستعمله أبو بكر على الشام سفيان فكان يضعف، وشهد الجمل مع عائشة وولاه معاوية مصر وكان له أولاد منهم: معاوية بن عتبة ولاه معاوية المدينة، ومنهم عمرو بن عتبة وكان خرج مع ابن الأشعث فقتل وعقب عتبة كثير.
رحمه الله تعالىوأما زياد بن أبي سفيان فكان يكنى أبا المغيرة وأمه أسماء بنت الأعور من بني عبشمي بن سعد، هذا قول أبي اليقظان. وقال غيره: أمه سمية بنت أبي بكرة، وقد ذكرنا قصتها عند ذكر أبي بكرة، وولد زياد عام الفتح بالطائف وهو كاتب المغيرة بن شعبة، ثم كتب لأبي موسى، ثم كتب لابن عامر، ثم كتب لابن عباس، وكان زياد مع علي بن أبي طالب رضي الله عنه فولاه فارس فكتب إليه معاوية يتهدده فكتب إليه: أتوعدني وبيني وبينك ابن أبي طالب أما والله لئن وصلت إليّ لتجدني أحمر ضراباً بالسيف، ثم ولاه معاوية البصرة وأعمالها، فلما مات المغيرة ابن شعبة جمع له العراقين فكان أول من جمعا له فولي ثماني سنين، خمساً منها على البصرة وأعمالها. مات بالكوفة في سنة ثلاث وخمسين.
قال: حدثني سهل بن محمد، قال: حدثنا الأصمعي، قال: حدثنا جرير بن حازم عن الزبير بن الحريث عن أبي لبيد، قال: مر بنا زياد وهو أمير البصرة ومعه رجل أو رجلان على بغلته قد طوى الحبل على عنقها تحت اللجام. فولد زياد عبد الرحمن والمغيرة ومحمداً وأبا سفيان وعبيد الله وعبد الله أمهما مرجانة وسلماً وعثمان وعباداً والربيع وأبا عبيدة ويزيد وعنبسة وأم معاوية وعمراً والغصن وعتبة وأباناً وجعفراً وإبراهيم وسعيداً وعشرين بنتاً.
فأما عبيد الله بن زياد: فكان يكنى أبا حفص، وكان أرقط جميلاً وكان زياد زوج أمه مرجانة من شيرويه الأسواري ودفع إليها عبيد الله ونشأ بالأساورة، وكانت فيه لكنه فولي لمعاوية خراسان ثم ولي العراقين بعد أبيه ثماني سنين، خمساً منها على البصرة وحدها وثلاثاً على العراقين، فلما مات يزيد خرج عليه من أهل البصرة وأخرجوه عن داره فاستجار بمسعود بن عمر والأزدي، فلما قتل مسعود سار إلى الشام فكان مع مروان بن الحكم وكان يوم المرج على إحدى مجنبتيه فلما ظفر مروان رده على العراق، فلما قرب من الكوفة وجه إليه المختار إبراهيم بن الشتر النخعي فاتقوا بقرب الزاب، فقتل عبيد الله ولا عقب له. وكان قتله يوم عاشوراء سنة سبع وستين.
وأما عبد الرحمن بن زياد: فكان يكنى أبا خالد وولاه معاوية خراسان وله عقب بالبصرة، والمغيرة بن زياد لا عقب له، ومحمد بن زياد لا عقب له، وأبو سفيان بن زياد هرب من الطاعون الجارف إلى البادية فطعن بالبادية فمات وله عقب بالبصرة.
وأما سلم بن زياد: فكنيته أبو حرب وكان أجود بني زياد، ولي خراسان ليزيد، وفيه يقول ابن عرادة:
عتبت على سلم فلما هجـرتـه |
|
وخالطت أقواماً بكيت على سلم |
ومات بالبصرة وله عقب.
وأما عباد بن زياد: فكنيته أبو حرب وولي لمعاوية سجستان سبع سنين وفيه يقول ابن مفرغ:
سبق عباد وصلت لحيته |
وله عقب بالشام والبصرة.
وأما الربيع بن زياد: فكان أعرج وله عقب بالبصرة قليل.
وأما أبو عبيدة بن زياد: فولاه سلم بن زياد كابل وأسر ففداه بسبعمائة ألف درهم وله عقب.
ويزيد بن زياد: ولاه أيضاً سلم بن زياد سجستان فقتله العدو ولا عقب له.
وعنبسة بن زياد: مات في طريق مكة في الجارف ولا عقب له.
وعتبة بن زياد: له عقب كثير بالبصرة، ولم يعقب عمرو والغصن وأبان وجعفر وإبراهيم وسعيد.
رضي الله عنه: وأما معاوية بن أبي سفيان فكان يكنى أبا عبد الرحمن وأسلم عام الفتح وكتب للنبي صلى الله عليه وسلم وولي الشام لعمر وعثمان عشرين سنة، وولي الخلافة سنة أربعين وهو ابن اثنتين وستين سنة وبلغه أن أهل الكوفة قد بايعوا للحسن بن علي، فسار يريد الكوفة، وسار الحسن يريده، فالتقوا بمسكن من أرض الكوفة فصالح الحسن معاوية وبايع له ودخل معه الكوفة، ثم انصرف معاوية إلى الشام واستعمل على الكوفة المغيرة بن شعبة وعلى البصرة عبد الله بن عامر ثم جمعهما لزياد وهو أول من جمعا له.
وولي معاوية الخلافة عشرين سنة إلا شهراً وتوفي سنة ستين وهو ابن اثنتين وثمانين سنة. وقال ابن إسحاق: مات وله ثمان وسبعون سنة وكانت علته النقابات وهي الدبيلة ولم يولد له في خلافته ولد، وذلك أن البريك الصريمي ضربه على إليته فانقطع عنه الولد، فولد معاوية عبد الرحمن بن معاوية لأم ولد ويزيد بن معاوية وأمه ميسون بنت مجدل الكلبية وعبد الله وهنداً ورملة وصفية.
فأما عبد الرحمن فلا عقب له. وأما عبد الله فكان ضعيفاً ولقبه منقب ولا عقب له من الذكور، وكان له بنت يقال لها عاتكة تزوجها يزيد بن عبد الملك وفيها قيل:
يا بنت عاتكة الذي أتـغـزل |
|
حذر العدى وبه الفؤاد موكل |
وأما يزيد بن معاوية فيكنى أبا خالد وولي الخلافة، وأقبل الحسين بن علي رضي الله تعالى عنهما يريد الكوفة وعليها عبيد الله بن زياد من قبل يزيد فوجه إليه عبيد الله عمر بن سعد بن أبي وقاص فقاتله، فقتل الحسين رحمة الله تعالى عليه ورضوانه، وهاجت فتنة ابن الزبير فأخرج من كان بالمدينة من بني أمية، فوجه يزيد مسلم بن عقبة المري في جيش عظيم لقتال ابن الزبير فسار بهم حتى نزل المدينة فقاتل أهلها وهزمهم وأباحها ثلاثة أيام فهي وقعة الحرة. ثم سار مسلم بن عقبة إلى مكة فتوفي بالطريق ولم يصل فدفن بقديد، وولي الجيش الحصين بن نمير السكوني فمضى بالجيش وحاصروا عبد الله بن الزبير وأحرقت الكعبة حتى انهدم جدارها وسقط سقفها، وأتاهم الخبر بموت يزيد فانكفوا راجعين إلى الشام فكانت ولاية يزيد ثلاث سنين وشهوراً وهلك بجوارين من عمل دمشق سنة أربع وستين وهو ابن ثمان وثلاثين سنة. فولد يزيد بن معاوية خالداً وعبد الله الأكبر وأبا سفيان وعبد الله الأصغر وعمر وعاتكة وعبد الرحمن وعبد الله الذي يلقب أصغر الأصاغر، وعثمان وعتبة الأعور ويزيد ومحمداً وأبا بكر وأم مزيد وأم عبد الرحمن ورملة.
فأما خالد بن يزيد فكان يكنى أبا هاشم وكان من أعلم قريش بفنون العلم، وكان يقول الشعر وعقبه كثير بالشام.
وأما عبد الله بن يزيد فكان أفضل أهل زمانه وأعبدهم.
وأما معاوية بن يزيد فولي الخلافة بعد يزيد وهو ابن سبع عشرة سنة أربعين يوماً، وقال ابن إسحاق: عشرين يوماً ويكنى أبا ليلى، وفيه يقول الشاعر:
إني أرى فتناً تغلي مراجلهـا |
|
فالملك بعد أبي ليلى لمن غلبا |
ولا عقب لمعاوية بن يزيد وعقب يزيد من غيره من ولده كثير.
فلما مات معاوية بن يزيد بايع أهل الشام مروان بن الحكم بالجابية وهو مروان بن الحكم بن أبي العاص بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف بن قصي بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي ابن غالب بن فهر بن مالك بن النضر بن كنانة، وكان مروان يكنى أبا عبد الملك وأبوه الحكم ابن أبي العاص كان طريد رسول الله صلى الله عليه وسلم وأسلم يوم فتح مكة ومات في خلافة عثمان، وكان سبب طرد رسول الله صلى الله عليه وسلم إياه أنه كان يفشي سره فلعنه وسيره إلى بطن وج فلم يزل طريداً حياة النبي صلى الله عليه وسلم وخلافة أبي بكر وعمر، ثم أدخله عثمان وأعطاه مائة ألف درهم وكان للحكم من الولد أحد وعشرون ذكراً وثماني بنات، وكان مروان ولد لسنتين خلتا من الهجرة وقبض رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو ابن ثماني سنين وولي لعبد الله بن عامر رستاقاً من ازدشيرجوه، ثم ولي البحرين لمعاوية ثم ولي له المدينة مرتين ثم بويع له بالخلافة، وكان معاوية استعمل على الكوفة بعد زياد الضحاك ابن قيس الفهري من كنانة فلما ولي مروان صار الضحاك مع ابن الزبير فقاتل مروان يوم مرج راهط فقتله مروان وكانت ولاية مروان عشرة أشهر ومات بالشام سنة خمس وستين وهو ابن ثلاث وستين سنة، وقيل: إنه قال لخالد بن يزيد يا بن الرطبة، وكانت أمه تحته وبلغها فقعدت على وجهه فقتلته فهو يعد فيمن قتلته النساء، فولد مروان عبد الملك ومعاوية وأم عمر وعبيد الله وعبد الله وأبانا وداود وعبد العزيز وعبد الرحمن وأم عثمان وعمراً وأم عمر وبشراً ومحمداً.
فأما معاوية بن مروان فكان مضعوفاً ويكنى أبا المغيرة وولد عبد الملك والمغيرة وبشراً، ومعاوية القائل لأبي امرأته: لقد نكحت ابنتك بعصبة ما رأيت مثلها قط، فقال له: لو كنت خصياً ما زوجناك. ووقف على طحان وفي عنق حماره جلجل، فقال له: لم جعلت في عنقه جلجلاً؟ فقال: ربما نعست فيقف فإذا لم أسمع صوت الجلجل صحت به فقال: أرأيت إن قام وحرك رأسه ما علمك، قال الطحان: ومن له بمثل عقل الأمير. وأما أبان بن مروان فكان على فلسطين لعبد الملك أخيه، وكان الحجاج على شرطة فولد أبان عبد العزيز بن أبان وأما عمرو بن مروان فلا أعلم له عقباً. وأما محمد بن مروان بن الحكم فكان أشد بني مروان وهو قتل إبراهيم بن الأشتر ومصعب بن الزبير بدير الجاثليق بين الشام والكوفة وكان على الجزيرة، وابنه مروان بن محمد آخر من ولي الخلافة من بني أمية.
وأما داود بن مروان فكان يكنى أبا سليمان، وكان أعور وفيه قيل: بدل أعور من ذات الدعج.
وأما بشر بن مروان فكان يكنى أبا مروان، وكان على الكوفة، ثم ضمت إليه البصرة فشخص إليها وشرب الأذريطوس ومات بها وهو أول أمير مات بالبصرة وله عقب.
وأما عبد العزيز بن مروان فيكنى أبا الأصبغ وولي العهد بعد عبد الملك ولكثير فيه مدائح وابنه عمر وسنذكره مع أخوته في موضع خلافته إن شاء الله تعالى.
قال عبد الله بن مسلم: وأما عبد الملك بن مروان فكان يكنى أبا الوليد ويلقب رشح الحجر لبخله، وكان يكنى أبا ذبان لبخله، وكان معاوية جعله مكان زيد بن ثابت على ديوان المدينة وهو ابن ست عشرة سنة، وولاه أبوه مروان هجر ثم جعله الخليفة بعده، وكانت خلافته بعد أبيه سنة خمس وستين وبويع ابن الزبير على الخلافة سنة خمس وستين وبنى الكعبة وبايعه أهل البصرة والكوفة، ووثب المختار بن عبيد بالكوفة سنة ست وستين في سلطان ابن الزبير وأخرج من الكوفة عبد الله بن مطيع عامل ابن الزبير، ثم أن أهل الكوفة ثاروا بالمختار واقتتلوا في جبانة السبيع فظفر بهم، وكان المختار أيضاً وجه إلى البصرة الأحمر بن سميط لقتال مصعب بن الزبير فقتله المصعب بالمدار وأقبل حتى حصر المختار في قصره بالكوفة ثم قتله سنة سبع وستين، وسار عبد الملك لقتال مصعب فالتقوا بأرض مسكن فقتل مصعب ودخل عبد الملك الكوفة وبايع له أهلها، وبعث الحجاج بن يوسف إلى عبد الله بن الزبير فقتل ابن الزبير سنة ثلاث وسبعين وقد بلغ من السن ثلاثاً وسبعين سنة، فكانت فتنته منذ مات يزيد بن معاوية إلى أن قتل تسع سنين وثلاثة أشهر وأياماً، وحج الحجاج بالناس تلك السنة ونقض بنيان ابن الزبير في الكعبة وبناه على تأسيسه الأول، ثم رجع إلى المدينة لما فرغ من بناء الكعبة. ثم كتب عبد الملك إلى الحجاج بعهده إلى العراق فسار إليها سنة خمس وسبعين وضربت له الدنانير والدراهم بالعربية سنة ست وسبعين، وكان سيل الجحاف الذي ذهب بالحجاج بمكة سنة ثمانين، ويقال: إن الجحفة سميت الجحفة تلك السنة لأن السيل ذهب بكثير من الحاج وأمتعتهم ورحالهم وكان اسمها مهيعة، وكان ذلك يوم الاثنين قال أبو السنابل:
لم ترَ عيني مثل يوم الاثـنـين |
|
أكثر محزوناً وأبكى للـعـين |
وخرج المخـبـآت يسـعـين |
|
ظواهر في جبلـين يرقـين |
وذهب السيل بأهل المصرين |
|
|
وهاجت فتنة عبد الرحمن بن الأشعث سنة اثنتين وثمانين، وكانت وقعة الزاوية بالبصرة سنة ثلاث وثمانين، ووقعة دير الجماجم فيها أيضاً. وحدثني سهل بن محمد عن الأصمعي، قال: كان لابن الأشعث أربع وقعات: وقعة بالأهواز ووقعة بالزاوية ووقعة بدير الجماجم ووقعة بدجيل.
قال: وقال أبو عبيدة: إنما قيل دير الجماجم لأنه كان يعمل فيه الأقداح من خشب، وبنى الحجاج واسطاً سنة ثلاث وثمانين، وتوفي عبد الملك بدمشق سنة ست وثمانين وله اثنتان وستون سنة وقد شد أسنانه بالذهب. فولد عبد الملك بن مروان: مروان الأكبر والوليد وسليمان وعائشة ويزيد ومروان الأصغر وهشاماً وأبا بكر وفاطمة ومسلمة وعبد الله وسعيد والحجاج ومحمد والمنذر وعنبسة وقبيصة، ولم يعقب المنذر ولا قبيصة ولم يكن لعنبسة ولد غير الفيض.
فأما الحجاج بن عبد الملك فولد عبد العزيز وهو ولي، قتل الوليد بن يزيد وحصره بالبحراء.
وأما سعيد بن عبد الملك فكان يلقب سعيد الخير، وكان مقيماً بمكان يقال له نهر سعيد، وله عقب وإليه ينسب ذلك النهر، وكان غيض فيها سباع فأقطعها وعمرها.
وأما عائشة فكانت عند خالد بن يزيد بن معاوية وكانت فاطمة عند عمر بن عبد العزيز. وأما مسلمة فكان يكنى أبا سعيد ويلقب الجرادة الصفراء لصفرة كانت تعلوه، وكان شجاعاً وافتتح فتوحاً كثيرة في الروم منها طوانة وولي العراق أشهراً وله عقب كثير. وأما أبو بكر بن عبد الملك فكان اسمه بكاراً وكان يحمق وهو القائل في بازي كان له فطار، أغلقوا أبواب المدينة لئلا يخرج البازي، وله عقب.
وأما الوليد بن عبد الملك فكان يكنى أبا العباس وولي الخلافة بعد أبيه وكان خبيث الولاية، وولي سنة ست وثمانين وفي سنة ثمان وثمانين كان فتح الطوانة من أرض الروم فتحها أخوه مسلمة، وفيها بنى مسجد دمشق واستعمل الوليد عمر بن عبد العزيز على المدينة سبع سنين وخمسة أشهر، وتوفي الحجاج في خلافته بواسط في شهر رمضان سنة خمس وتسعين، وقيل: بلغ من السن ثلاثاً وخمسين سنة. واستخلف ابنه عبد الملك بن الحجاج على الصلاة، ويزيد بن أبي مسلم على الخراج، فلما انتهى موت الحجاج إلى الوليد بعث يزيد بن أبي كبشة على الصلاة، وتوفي الوليد بن عبد الملك بدمشق سنة ست وتسعين وقد بلغ من العمر ثمانياً وأربعين سنة، وكانت ولايته تسع سنين وثمانية أشهر، فولد الوليد أربعة عشر ذكراً منهم يزيد بن الوليد ولي الخلافة وسنذكره في موضعه، ومنهم عمر بن الوليد وكان يقال له فحل بني مروان وكان يركب معه سبعون رجلاً لصلبه، وعقبه كثير ومنهم بشر بن الوليد عالم بني الوليد ومنهم: إبراهيم بن الوليد كان أخوه يزيد بن الوليد استخلفه فلما سار مروان بن محمد إليه خلع نفسه وسلمها إلى مروان ومنهم: العباس بن الوليد فارس بني مروان وكانت أمه نصرانية.
ثم بويع بعد الوليد بن عبد الملك لأخيه سليمان بن عبد الملك ويكنى أبا أيوب، وكان أبيض جعداً فصيحاً نشأ بالبادية عند أخواله بني عبس، وكانت ولايته سنة ست وتسعين فافتتح بخير وختم بخير لأنه رد المظالم ورد المسيرين وأخرج المسجنين الذين كانوا بالبصرة، واستخلف عمر بن عبد العزيز وأغزا مسلمة الصائفة حتى بلغ القسطنطينة فأقام بها حتى مات سليمان وفيه قال الشاعر:
يا أيها الخليفة المهـدي |
|
خليفة يدعونه السـنـي |
ليأخذ الولي بـالـولـي |
|
وهدم الديماس والمنسي |
وأمن الشرقي والغربي |
|
|
وفيه قال الفرزدق:
إنا لنرجـو أن يقـيم لـنـا |
|
سنن الخلائف من بني فهر |
وكان حين ولي بايع لابنه أيوب وعزل يزيد بن أبي كبشة ويزيد بن سلم واستعمل يزيد بن المهلب على حرب العراق وصالح بن عبد الرحمن التميمي على خراجها، وتوفي سليمان بدابق سنة ثمان وتسعين وهو ابن خمس وأربعين سنة، فولد سليمان أربعة عشر ذكراً منهم: أيوب، وكان عفيفاً أديباً وكان أبوه بايع له وجعله ولي عهده فهلك في حياة أبيه بالشام.
رحمه الله تعالى: كان لعبد العزيز من الولد عشرة: عمر وأبو بكر ومحمد وعاصم أمهم أم عاصم بنت عاصم بن عمر بن الخطاب، والأصبغ وسهيل وسهل وأم الحكم وزبان وأم البنين.
فأما عاصم فولد سفيان، وتزوج سفيان آمنة ابنة عمر بن عبد العزيز فولدت له الأصبغ وكان مخنثاً.
وأما الأصبغ بن عبد العزيز فكان عالماً بخبر ما يكون، وهلك بمصر قبل أبيه وله عقب، ومن ولده دحية بنت مصعب بن الأصبغ كانت عالمة بما يكون.
وأما عمر بن عبد العزيز فكان يكنى أبا حفص وهو أشج بني أمية، ضربته دابة في وجهه، فلما رأى الأصبغ أخوه الأثر قال: الله أكبر هذا أشج بني مروان الذي يملك، وكان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول: إن من ولدي رجلاً بوجهه أثر يملأ الأرض عدلاً.
حدثني عبد الرحمن عن الأصمعي، قال: هو في كتاب دانيال الدردوق الأشج فولي بعد سليمان ابن عبد الملك بعهده إليه فعزل يزيد بن المهلب وصالح بن عبد الرحمن عن العراق، واستعمل على الكوفة عبد الحميد بن عبد الرحمن بن زيد بن الخطاب، وعلى البصرة عدي بن أرطاة الفزاري وتوفي بدير سمعان من أرض حمص سنة إحدى ومائة وهو ابن تسع وثلاثين سنة، فولد عمر بن عبد العزيز أربعة عشر ذكراً منهم: عبد الملك. وكان من أنسك الناس، وهلك قبل أبيه وهو ابن تسع عشرة سنة ونصف. ومنهم: عبد الله بن عمر كان شجاعاً جواداً ولي العراق ليزيد بن الوليد بن عبد الملك ستة أشهر، فلما مات يزيد أراد أهل العراق أن يبايعوا له بالخلافة، وهو احتفر نهر ابن عمر بالبصرة، وله عقب.
وبويع بعد عمر بن عبد العزيز يزيد بن عبد الملك ويكنى أبا خالد، وكان صاحب لهو ولذات، وكان صاحب حبابة وسلامة، وفي ولايته خرج يزيد بن المهلب بالبصرة فأخذ ابن أرطأة فأوثقه ثم خرج من البصرة يريد الكوفة فوجه إليه يزيد بن عبد الملك أخاه مسلمة وابن أخيه العباس بن الوليد فالتقوا بالعقر من أرض بابل فقتل يزيد بن المهلب سنة اثنتين ومائة ثم رجع مسلمة إلى الشام، واستعمل يزيد بن عبد الملك عمر بن هبيرة على العراقين، وتوفي يزيد بأرض حوران في شعبان سنة خمس ومائة وكانت ولايته أربع سنين وشهراً، وبلغ من السن تسعاً وعشرين سنة. وولد يزيد بن عبد الملك ثمانية ذكور منهم: عبد الله ولده سبعة خلفاء أبوه يزيد وأبو يزيد عبد الملك وأبو عبد الملك مروان وأم أبيه عاتكة بنت يزيد بن معاوية وأم عبد الله بن يزيد سعدة ابنة عبد الله بن عمر بن عثمان بن عفان وأم عبد الله بن عمر بن عثمان ابنة عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله عنه.
ومن ولده الوليد بن يزيد كان يكنى أبا العباس وكان ماجناً سفيهاً وولي الخلافة فقتل.
وبويع بعد يزيد بن عبد الملك هشام بن عبد الملك ويكنى أبا الوليد وكان أحول وكان أحزمهم، فعزل عمر بن هبيرة واستعمل على العراق خالد بن عبد الله القسري سنة ست ومائة ثم ولي يوسف بن عمر العراق سنة عشرين ومائة، وفي ولايته قتل زيد بن علي رحمة الله عليه وعلى آبائه الطاهرين قتله يوسف بن عمر سنة إحدى وعشرين ومائة بالكوفة وفي ولايته واقع مسلمة بن عبد الملك وخاقان ملك الترك وبنى الباب سنة ثلاث عشرة ومائة، وتوفي هشام بالرصافة من أرض قنسرين في شهر ربيع الآخر سنة خمس وعشرين ومائة، وقد بلغ من السن ستاً وخمسين سنة وكانت ولايته عشرين سنة إلا أشهراً. وولد هشام عشرة ذكور، منهم: معاوية غلب ابنه عبد الرحمن على الأندلس ومات بها وولده هناك كثير. ومنهم: سليمان بن هشام أدرك أبا العباس فأمنه وأبقاه وأقعده إلى جنبه. فقال سديف شاعر أبي العباس ومولاه:
لا يغرنك ما ترى مـن رجـال |
|
إن تحت الـضـلـوع داء دويا |
فضع السيف وارفع السوط حتى |
|
لا ترى فوق ظهرهـاأمـويا |
فقتله أبو العباس. ومنهم: سعيد بن هشام وكانت أمه نصرانية.
وبويع بعد هشام الوليد بن يزيد بن عبد الملك ويكنى أبا العباس وكان ماجناً سفيهاً يشرب الخمر ويقطع دهره باللهو والغزل ويقول أشعار المغنين يعمل فيها الألحان فسار إليه يزيد بن الوليد بن عبد الملك فقتله، وكان المتولي لذلك عبد العزيز بن الحجاج بن عبد الملك وكان قتله بالبحر، وكانت ولايته سنة وشهرين ونيفاً وعشرين ليلة، وقد بلغ من السن اثنتين وأربعين سنة فولد الوليد الحكم وعثمان ويقال لهما الحمالان وكان بايع لهما فقتلا مع أبيهما.
ودخل يزيد بن الوليد بن عبد الملك دمشق سنة ست وعشرين ومائة وبويع له، وكان لقبه الناقص لأنه نقص الجند من أرزاقهم، وكان محمود السيرة مرضياً ويكنى أبا خالد واستعمل منصور بن جمهور الكلبي على العراق، فلما بلغ ذلك يوسف بن عمر هرب إلى الشام وتوفي يزيد بن الوليد في ذي الحجة سنة ست وعشرين ومائة وقد بلغ من السن اثنتين وأربعين سنة، وكانت ولايته من مقتل الوليد خمسة أشهر وله عقب كثير. ولما ولي مروان نبش قبره واستخرجه وصلبه.
ويقال: إنه مذكور في الكتب المتقدمة بحسن السيرة والعدل. وفي بعضها: يا مبذر الكنوز يا سجاداً بالأسحار كانت ولايتك رحمة ووفاتك فتنة أخذوك فصلبوك.
وبويع إبراهيم بن الوليد بن عبد الملك وعبد العزيز بن الحجاج بن عبد الملك بعده فلم يبايعه مروان بن محمد بن مروان بن الحكم وطلب الخلافة لنفسه.
وكان سبب ذلك أن الحكم بن الوليد بن يزيد ولي عهد أبيه، قال وهو محبوس في حبس يزيد ابن الوليد قبل أن يقتل:
ألا ليت كلباً لم تـلـدنـا |
|
فكنا من ولاة آخـرينـا |
أيذهب عامر بدمي وملكي |
|
فلا غثاً أصبت ولا سمينا |
فإن أهلك أنا وولي عهدي |
|
فمروان أمير المؤمنينـا |
وكان أخوه ولي عهده فمن أجل هذا طلب الخلافة وأقبل بأهل الجزيرة وأهل قنسرين وأهل حمص، وبعث إبراهيم بن الوليد سليمان بن هشام في أهل الشام فالتقوا بأرض الغوطة وبويع له بها، وخلع إبراهيم نفسه ودخل في طاعة مروان وبايع له وكان ذلك كله في شهر ونصف، ولما رأى عبد العزيز بن الحجاج بن عبد الملك تفرق الناس عنهم، بعث يزيد بن خالد بن عبد الله القسري إلى السجن فقتل يوسف بن عمر وكان يوسف عذب أباه حتى قتله وقتل يزيد أيضاً عثمان والحكم ابني الوليد بن يزيد.
وولي مروان سنة سبع وعشرين ومائة وكان يكنى أبا عبد الملك، وخرج عليه الضحاك بن قيس الشاري من شهرزور فيمن بايعه من الخوارج وتوجه إليه، وأقبل مروان يريده فالتقوا بكفر توثا سنة ثمان وعشرين ومائة في صفر فقتل الضحاك وقام مقام الخيبري فاقتتلوا، فهزم مروان، ثم رجع وولى الخوارج شيبان فرجع بأصحابه إلى الموصل وأتبعه مروان ينزل حيث نزل فقاتله شهراً ثم انهزم شيبان، ووجه مروان خلفه عامر بن ضبارة المري واستعمل يزيد بن عمر بن هبيرة الفزاري على العراق فأقبل حتى قدم واسطاً وبها عبد الله بن عمر بن عبد العزيز مخالفاً لمروان فأخذه وأوثقه وبعث به إلى مروان فلم يزل في حبسه مع ابن له حتى مات في الحبس، ولم يزل مروان في تشتت من أمره واضطراب من النواحي عليه وهو مع ذلك يقيم للناس الحج إلى سنة ثلاثين ومائة فكان ذلك آخر ما أقام بنو أمية للناس حجهم. وظهر أبو مسلم عبد الرحمن بخراسان يدعو إلى بني هاشم وبها نصر بن سيار عامل لبني أمية فواقعه أبو مسلم بجموعه وأقبل نصر هارباً حتى توفي بأرض ساوه من همذان، ولما ضبط أبو مسلم خراسان بعث قحطبة بن شبيب الطائي في جمع كثير قبل أهل العراق وجماعة بها من أصحاب مروان مع يزيد بن عمر بن هبيرة، فكان أول من لقي من جموعهم لبانة بن حنظلة الكلابي فقتله قحطبة وقتل ابنه وفض جمعهم ودخل جرجان وأصاب من أصاب من أهلها في ذي الحجة من سنة ثلاثين ومائة، ثم سار بعد قتل نباته حتى لقي عامر بن ضبارة بجابلتي من أرض أصبهان، فالتقيا في رجب سنة إحدى وثلاثين ومائة، فقتله قحطبة وفض جمعه، ثم سار قحطبة حتى نزل نهاوند وبها جمع مروان من أهل الشام وأهل خراسان الذين كانوا خرجوا عن خراسان حين ظهر أبو مسلم وغيرهم من أهل العراق، فحاصرهم شهرين ثم افتتحها في هلال ذي الحجة على أن يؤمن من بها من أهل الشام والعراق إلا رهطاً يعدون، ويخلوا بينه وبين أهل خراسان فقتل من بها من أهل خراسان ثم أقبل حتى لقي يزيد بن عمر بفم الزاب من أرض الفلوجة العليا في المحرم سنة اثنتين وثلاثين ومائة، فالتقوا ساعة ثم انهزم يزيد بن عمر فأقبل حتى دخل واسطاً فتحصنوا بها وقتل تلك الليلة قحطبة، وقيل: إنه غرق ولم يعلم بقتله، ثم ولي الناس بعده الحسن بن قحطبة فسار بهم حتى دخل الكوفة فسلم الأمر إلى أبي سلمة حفص بن سليمان مولى السبيع حي من همذان فولي أبو سلمة أمر الناس ووجه الجيوش إلى ابن هبيرة بواسط وعليهم الحسن بن قحطبة ومعه حازم بن خزيمة ومقاتل بن حكيم في قواد كثير، فحاصروه بها وبعث بسام بن إبراهيم إلى عبد الواحد بن عمر بن هبيرة وكان عامل أخيه على الأهواز، فقاتل حتى فض جمعه ولحق عبد الواحد بمسلم بن قتيبة وهو يومئذ عامل أخيه يزيد بن عمر على البصرة.
وبويع أبو العباس عبد الله بن محمد بن علي بن عبد الله بن العباس يوم الجمعة لثلاث عشرة ليلة من شهر ربيع الأول سنة اثنتين وثلاثين ومائة، وأتاه أبو سلمة وبايعه وحمله حتى صلى بالناس الجمعة في مسجد الكوفة الأعظم وأمه ريطة حارثية. ولما ولي أبو العباس استعمل على الكوفة عمه داود بن علي وبعث جماعة من أهل بيته إلى القواد من أهل خراسان ببيعته واستعمل أخاه أبا جعفر على من بواسط من الناس مع الحسن بن قحطبة، فلم يزل محاصراً ليزيد بن عمر حتى افتتحها صلحاً في شوال سنة اثنتين وثلاثين ومائة، وكان حصاره تسعة أشهر، ثم قتل أبو جعفر يزيد بن عمر وابنه داود بن يزيد، وكتب أبو العباس إلى عبد الله بن علي يأمره بالمسير إلى مروان، فزحف إليه مروان بمن معه فاقتتلوا، فهزم مروان وفض جمعه واتبعه عبد الله بن علي حتى نزل بنهر أبي فطرس من أرض فلسطين، واجتمعت إليه بنو أمية حين نزل النهر فقتل منهم بضعة وثمانين رجلاً وخرج صالح بن علي بن عبد الله بعد مقتلهم في طلب مروان حتى لحقه في قرية من قرى الفيوم من أرض مصر يقال لها بوصير، فقتله وكان الذي تولى قتله عامر بن إسماعيل من أهل خراسان وكان على مقدمة صالح وذلك في ذي الحجة سنة اثنتين وثلاثين ومائة، وكان مروان قد بلغ من السن تسعاً وخمسين سنة وكان له ابنان عبد الله وعبيد الله.
فأما عبيد الله فلا عقب له.
وأما عبد الله فكان أبوه جعله ولي عهده وأخذه أبو جعفر فمات ببغداد وله عقب، ثم تحول أبو العباس من الحيرة إلى الأنبار سنة أربع وثلاثين ومائة وتوفي بها في ذي الحجة سنة ست وثلاثين ومائة، ويقال: إنه ولي الخلافة وهو ابن أربع وعشرين سنة، ويقال: ابن ثمان وعشرين سنة وكانت ولايته أربع سنين وثمانية أشهر منذ بويع، وكان له ابن يقال له محمد مات ببغداد ولم يعقب، وبنت يقال لها ريطة كانت عند المهدي.
داود وعيسى وسليمان وصالح وإسماعيل وعبد الصمد ويعقوب وعبد الله هؤلاء جميعاً بنو علي بن عبد الله بن العباس بن عبد المطلب.
فأما داود فكان خطيباً جميلاً يكنى أبا سليمان وولي مكة والمدينة لأبي العباس وأدرك من دولتهم ثمانية أشهر ومات سنة ثلاث وثلاثين ومائة وله عقب.
وأما عيسى: فكنيته أبو العباس وابنه إسحاق بن عيسى يكنى أبا الحسن ولي المدينة والبصرة ومات عيسى في خلافة المهدي.
وأما إسماعيل: فولي لأبي جعفر فارس والبصرة وابنه أحمد بن إسماعيل ولي فارس والمدينة ومكة ومصر لهارون وله عقب.
وأما عبد الصمد: فيكنى أبا محمد وولي الجزيرة لأبي جعفر وفلسطين ومكة والمدينة والبصرة، وكان أقعد بني هاشم في عصره وهو القعدد بمنزلة عبد الله بن عمرو بن يزيد بن معاوية ومات ببغداد وله عقب.
وأما عبد الله بن علي: فولي الشام لأبي العباس ثم خالف فبعث إليه أبو جعفر أبا مسلم فهزمه ثم حبسه أبو جعفر ومات ببغداد وله عقب، وأمه يزيدية يقال لها هنادة.
وأما يعقوب بن علي: فلا عقب له.
وأما صالح بن علي: فولي الشام لأبي جعفر ومات هناك، ومن ولده عبد الملك بن صالح والفضل وعبد الله وإبراهيم وصالح بن علي هو ترب أبي جعفر ولدا جميعاً في عام واحد.
وأما سليمان بن علي فولي البصرة وعمان والبحرين لأبي جعفر وتوفي بالبصرة سنة اثنتين وأربعين، فولد سليمان جعفراً ومحمداً وعائشة وزينب وأسماء وفاطمة وأم علي وأم الحسن، أمهم أم الحسن بنت جعفر بن حسن بن حسين بن علي بن أبي طالب، وإبراهيم لأم ولد وهارون وموسى لأم ولد وعلياً وعبد الرحمن وريطة وعبد الرحيم أمهم عائشة بنت محمد بن طلحة بن عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق رضي الله تعالى عنهما.
وأما سليمان وعبد الله وعبد السلام لأم ولده وعلياً أمه من ولد عامر ملاعب الأسنة، وهو أبو البراء وسعدى ولبابة والعالية لأمهات أولاد.
فأما جعفر بن سليمان فكان يكنى أبا عبد الله ومات بالبصرة وترك من ولده لصلبه ثلاثة وأربعين ابناً وخمساً وثلاثين بنتاً منهم إسحاق بن سليمان ولي الولايات وكان فيه ضعف ومر بقاص وهو يقول: يتجرعه ولا يكاد يسيغه، فقال: اللهم اجعلنا ممن يتجرعه ويسيغه. وكل ولد سليمان أعقب إلا علي بن سليمان وعبد الرحمن بن سليمان ومحمد بن سليمان ولي البصرة والكوفة.
أبو جعفر المنصور عبد الله وإبراهيم وموسى لأمهات أولاد، ويحيى أمه بنت عبد الله بن الحرث بن نوفل بن عبد المطلب والعباس لأم ولد.
فأما إبراهيم بن محمد بن علي فمات بالشام وولد إبراهيم عبد الوهاب ومحمداً، فولي عبد الوهاب الشام ومات بها وله عقب، وولي محمد مكة والمدينة واليمن والجزيرة ومات ببغداد وله عقب.
وأما موسى بن محمد بن علي فولد عيسى وولي عيسى الأهواز والكوفة ويكنى أبا موسى ومات بالكوفة، وولد عيسى وموسى العباس وإسماعيل وعبيد الله وغيرهم وقد ولوا الولايات.
وأما يحيى بن محمد بن علي فولي الموصل وفارس لأبي جعفر وولد يحيى إبراهيم وهو حج بالناس عام هلك أبو جعفر ولا عقب له وذكر بعض بني هاشم أن يحيى له عقب.
وأما العباس بن محمد فولي الجزيرة لأبي جعفر ويكنى أبا الفضل ومات ببغداد وولد له عبد الله والفضل وغيرهما.
وأما عبد الله بن محمد بن علي فهو أبو جعفر المنصور ولي الخلافة وهو ابن اثنتين وأربعين سنة وأمه بربرية اسمها سلامة ومولده بالشراة في ذي الحجة سنة خمس وتسعين، وكان سليمان بن حبيب ضربه بالسياط لسبب وبويع بالأنبار يوم مات أبو العباس، وولي ذلك والإرسال به في الوجوه عيسى بن علي عمه فلقيت أبا جعفر بيعته في الطريق ومضى حتى قدم الأنبار وقدم أبو مسلم عليه فقتله في شعبان سنة سبع وثلاثين ومائة برومية المدائن وخرج أبو جعفر حاجاً سنة أربعين ومائة وكان أحرم من الحيرة وقد كان قبل خروجه أمر بمسجد الكعبة أن يوسع في سنة تسع وثلاثين، وكانت تلك السنة تدعى عام الخصب، ثم وسعه ووسع مسجد المدينة المهدي سنة ستين ومائة ولما قضى أبو جعفر حجة صدر إلى المدينة فأقام بها ما شاء الله ثم توجه إلى الشام حتى صلى ببيت المقدس ثم انصرف إلى الرقة ثم سلك الفرات حتى نزل المدينة الهاشمية بالكوفة، ثم شخص عنها إلى نهاوند ثم انصرف منها فحضر الموسم سنة أربع وأربعين ومائة، ثم تحول إلى بغداد سنة خمس وأربعين ومائة ولم يلبث إلا يسيراً حتى خرج محمد بن عبد الله بن الحسن بالمدينة، فلما بلغه خروجه انحدر مسرعاً إلى الكوفة فوجه الجيوش إلى المدينة مع عيسى بن موسى وعلى مقدمته حميد بن قحطبة فقتل محمد بن عبد الله في شهر رمضان سنة خمس وأربعين ومائة، وأخوه إبراهيم بن عبد الله خرج إلى البصرة في أول يوم من شهر رمضان، فلما انتهى إليه قتل أخيه خرج متوجهاً إلى الكوفة وأقبل عيسى بن موسى نحوه فالتقوا بباجمرى من أرض الكوفة، فقتل إبراهيم وأصحابه في سنة خمس وأربعين، ثم خرج أبو جعفر إلى الزوراء وهي بغداد وأتم بناءها واتخذها منزلاً سنة ست وأربعين، وخرج يريد الحج بالناس سنة ثمان وخمسين ومائة فمات لست خلون من ذي الحجة على بئر ميمون وقد بلغ من السن ثلاثاً وستين سنة وشهوراً وكانت ولايته اثنتين وعشرين سنة وصلى عليه إبراهيم بن يحيى بن علي، وقال الهيثم صلى عليه عيسى بن موسى بن محمد بن علي. وولد أبو جعفر المهدي واسمه محمد وجعفراً أمهما أم موسى بنت منصور الحميرية وصالحاً أمه يقال إنها بنت ملك الصغد وسليمان وعيسى ويعقوب أمهم فاطمة بنت محمد من ولد طلحة بن عبيد الله والعالية أمها من ولد خالد بن أسيد وجعفراً والقاسم وعبد العزيز والعباس.
فأما جعفر فولى الموصل لأبيه ومات ببغداد فولد جعفر إبراهيم وزبيدة وتكنى أم جعفر أمهما سلسبيل أم ولد وجعفر بن جعفر وعيسى بن جعفر وعبيد الله وصالحاً ولبابة.
فأما إبراهيم فلا عقب له.
وأما زبيدة فتزوجها هارون الرشيد.
وأما لبابة فكانت عند موسى الهادي.
وأما عيسى فولي البصرة وكورها وفارس والأهواز واليمامة والسند، ومات بدير بين بغداد وحلوان وكان يكنى أبا موسى وله عقب باق، وأعقب الباقون من ولد أبي جعفر وولوا الولايات وصلوا أيام الموسم بالناس.
ولما مات أبو جعفر بايع الناس ابنه المهدي واسمه محمد بمكة وأتاه ببيعته منارة البربري مولاه، وكان المهدي يكنى أبا عبد الله وأمه أم موسى بنت منصور الحميري، واستخلف وهو ابن ثمان وثلاثين سنة وولي عشر سنين وشهراً ومات بقرية يقال لها ألوذ من ماسبنذان في المحرم سنة تسع وستين ومائة وقد بلغ من السن ثمانياً وأربعين سنة وقبر هناك. وولد المهدي موسى وهارون والبانوقة وأمهم الخيزران أم ولد، وعلياً وعبيد الله وأمهما ريطة بنت أبي العباس والعباسة لأم ولد، والعالية ومنصوراً وسليمة أمهم البحترية بنت الأصبهند، ويعقوب وإسحاق لأم ولد وإبراهيم لأم ولد. فأما البانوقة فماتت صغيرة.
وأما العباسة فزوّجها هارون من محمد بن سليما فمات عنها، فزوجها من إبراهيم بن صالح بن علي.
وأما علي بن المهدي فحج بالناس غير مرة ومات ببغداد وله ولد.
وأما عبيد الله بن المهدي فولي الجزيرة.
وأما منصور بن المهدي فولي فلسطين وغيرها والبصرة وحج بالناس.
هو موسى بن المهدي تولى البيعة له أخوه هارون ببغداد وكان بجرجان، وقدم عليه ببيعته نصر مولى المهدي، ثم خرج بالمدينة الحسين بن علي الحسيني فغلب عليها ثم شخص يريد مكة فقتل بفخ على رأس فرسخ من مكة يوم التروية، وكان الذي تولى قتله محمد بن سليمان وموسى بن عيسى والعباس بن محمد، وكانت ولاية موسى سنة وشهراً، ويكنى أبا محمد وأمه الخيزران، وتوفي ببغداد يوم الجمعة لأربع عشرة ليلة بقيت من شهر ربيع الأول سنة سبعين ومائة وقد بلغ من السن خمساً وعشرين سنة وولده كثير.
رحمه الله تعالى: هو هارون بن المهدي، بويع له في اليوم الذي توفي فيه موسى ببغداد، وولد له ابنه عبد المأمون في هذا اليوم وكان يكنى أبا جعفر وأمه الخيزران، وكان ينزل الخلد من بغداد في الجانب الغربي، وكان يحيى بن خالد وزيره وابناه الفضل وجعفر ينزلان في رحبة الخلد، ثم ابتنى جعفر قصره بالدور ولم ينزله حتى قتل، وحج هارون بالناس ست حجج آخرها في سنة ست وثمانين ومائة، وحج معه في هذه السنة أبناه ووليا عهده محمد الأمين وعبد الله المأمون، وكتب لكل واحد منهما كتاباً على صاحبه وعلقه في الكعبة، فلما انصرف نزل بالأنبار ثم حج بالناس سنة ثمان وثمانين ومائة، وقتل جعفر بن يحيى بالغمر وهو موضع بقرب الأنبار سنة سبع وثمانين ومائة آخر يوم من المحرم، وبعث بجثته إلى بغداد ولم يزل يحيى وابنه الفضل محبوسين حتى ماتا بالرقة. وخرج في خلافته الوليد بن طريف الشاري وهزم غير عسكر، فوجه إليه يزيد بن مزيد فظفر به وقتله وخرج بعده حراشة الشاري أيضاً، وقتل هارون أنس بن أبي شيخ وهو ابن أخي خالد الحذاء المحدث. وكان أنس صديقاً لجعفر بن يحيى وصلبه بالرقة وكان يرمى بالزندقة وكذا البرامكة كان يرمون بالزندقة إلا أقلهم، وفيهم قال الأصمعي:
إذا ذكر الشرك في مجلس |
|
أضاءت وجوه بني برمك |
وإن تليت عـنـدهـم آية |
|
أتوا بالأحاديث عن مزدك |
وغزا هارون سنة تسعين ومائة الروم، وافتتح هرقلة فظفر ببنت بطريقها فاستخلصها لنفسه، فلما انصرف ظهر رافع بن ليث بن نصر بن سيار بطخارستان مبايناً لعلي بن عيسى، فوجه هرثمة لمحاربته وإشخاص علي بن عيسى إليه، فلما قدم عليه أمر بحبسه واستصفاء أمواله وأموال ولده، وتوجه هارون سنة اثنتين وتسعين ومائة ومعه المأمون نحو خراسان حتى قدم طوس فمرض بها ومات فقبره هناك. وكانت وفاته ليلة السبت لثلاث خلون من جمادى الآخرة سنة ثلاث وتسعين ومائة وقد بلغ من السن سبعاً وأربعين سنة، وكانت ولايته ثلاثاً وعشرين سنة وشهرين وسبعة عشر يوماً، ومن ولده محمد أمه زبيدة بنت جعفر، والمأمون عبد الله أمه مراجل أمة، والقاسم المؤتمن وصالح وأبو عيسى وأبو إسحاق، والقاسم المعتصم وأبو يعقوب وحمدونة وغيرهم.
وبويع الأمين محمد بن هارون بطوس وولي أمر البيعة صالح بن هارون وقدم عليه بها رجاء الخادم للنصف من جمادى الآخرة، فخطب الناس وبويع ببغداد وأخرج من الحبس من كان أبوه حبسه فأخرج عبد الملك بن صالح والحسن بن علي بن عاصم وسلم بن سالم البجلي والهيثم بن عدي، ومات إسماعيل بن علية وكان على مظالم محمد في ذي القعدة سنة ثلاث وتسعين ومائة فولي مظالمه محمد بن عبد الأنصاري من ولد أنس بن مالك والقضاء ببغداد، وبعث إلى وكيع بن الجراح فأقدمه بغداد على أن يسند إليه أمراً من أموره فأبى وكيع أن يدخل في شيء وتوجه وكيع إلى مكة في ذي القعدة سنة ثلاث وتسعين ومائة ومات في طريقها، واتخذ الفضل بن الربيع وزيراً وإسماعيل بن صبيح كاتباً والعباس بن الفضل بن الربيع حاجباً وأغرى الفضل بينه وبين المأمون فنصب محمد ابنه موسى لولاية العهد بعهده وأخذ له البيعة ولقبه الناطق بالحق سنة أربع وتسعين ومائة، وجعله في حجر علي بن عيسى، وأمر علياً بالتوجه إلى خراسان لمحاربة المأمون في سنة خمس وتسعين ومائة، ووجه المأمون هرثمة من مرو وعلى مقدمته طاهر بن الحسين فالتقى علي بن عيسى وطاهر بالري فاقتتلوا، فقتل علي بن عيسى وجماعة من ولده في شهر رمضان سنة خمس وتسعين ومائة، فظفر طاهر بجميع ما كان معه من الأموال والعدة والكراع، فوجه محمد عبد الرحمن بن جبلة الأنباري فالتقى هو وطاهر بهمذان فقتله طاهر، ودخل همذان واجتمع هو وهرثمة فأخذ طاهر على الأهواز، وأخذ هرثمة على الجادة طريق حلوان، ووجه الفضل بن سهل زهير بن المسيب على طريق كرمان، فأخذ كرمان ثم دخل البصرة ولما أتى طاهر الأهواز وجد عليها والياً من المهالبة لمحمد فقتله واستولى على الأهواز ثم صار إلى واسط وصار هرثمة إلى حلوان، ووثب الحسين بن علي بن عيسى في جماعة ببغداد فدخل على محمد وهو في الخلد فحبسه في برج من أبراج مدينة أبي جعفر فتقرضت عساكر محمد من جميع الوجوه، وتغيب الفضل بن الربيع يومئذ فلم يرَ له أثر حتى دخل المأمون بغداد فأرسل الحسين بن علي إلى هرثمة وطاهر يحثهما على الدخول إلى بغداد، ووثب أسد الحربي وجماعة فاستخرجوا محمداً وولده واعتذروا إليه وأخذوا الحسين بن علي فأتوه به فعفا عنه بعد أن اعترف بذنبه وتاب منه وأقر أنه مخدوع مغرور وأطلقه، فلما خرج من عنده وعبر الجسر نادى يا مأمون يا منصور، وتوجه نحو هرثمة فتوجهوا في طلبه فأدركوه بقرب نهربين فقتلوه وأتوا محمداً برأسه، وصار هرثمة إلى النهروان ثم زحف إلى نهربين ونزل طاهر باب الأنبار وصار زهير بن المسيب بكلواذا ولم يزالوا في محاربة، وكاتب طاهر القاسم المؤتمن بن هارون، وكان نازلاً في قصر جعفر بن يحيى بالدور وسأله أن يخرج إليه ففعل وسلم القصر إليه ولم يزلا الأمر على محمد حتى لجأ إلى مدينة أبي جعفر وبعث إلى هرثمة إني أخرج إليك الليلة، فلما خرج صار في أيدي أصحاب طاهرفأتوا به طاهراً فقتله من ليلته، فلما أصبح نصب رأسه على باب الحديد، ثم أنزله وبعث به إلى خراسان مع ابن عمه محمد بن الحسن بن مصعب، ودفن جثته في بستان مؤنسة في سنة ثمان وتسعين ومائة.
وخلص الأمر للمأمون سنة ثمان وتسعين ومائة، وأمه أمة تسمى مراجل، وكان أبوه حدّه في جارية من جواريه. قال الرقاشي يمدح محمداً ويعرض بالمأمون:
لم تـلـده أمة تـــع |
|
رف في السوق التجارا |
لا ولا حـدّ ولا خــا |
|
ن ولا في الجري جارا |
وكان أبو السرايا مع هرثمة من أصحابه فمنعوه أرزاقا، فغضب وخرج حتى أتى الأنبار فقتل العامري بها، ثم مضى لا يعرف أين يريد ولا يطلب، ثم قدم علي بن أبي سعيد من قبل الفضل بن سهل فعزل هرثمة وطاهراً وولوا طاهراً على الجزيرة لمحاربة نصر بن شبث، وأقبل الحسن بن سهل من خراسان على العراق ومعه حميد بن عبد الحميد وجمع كثير من القواد، فلما دنا من بغداد خرج طاهر إلى الرقة وتوجه هرثمة يريد خراسان، وقدم الحسن ونزل الشماسية، وظهر بن طباطبا العلوي بالكوفة وانظم إليه أبو السرايا فغلب على الكوفة ووثب العلويون بمكة والمدينة واليمن فغلبوا عليها، فوجه طاهر زهير بن المسيب إلى أهل الكوفة فقاتلهم فهزموه واستباحوا عساكره ورجع إلى بغداد. وصار طاهر إلى الرقة فالتقى هو نصر بن شبث، فقاتله نصر وأثخن في أصحابه ولم يزل الحرب بينه وبينه حتى ورد المأمون بغداد فقدم عليه ووجه الحسن بن سهل عبدوس بن محمد بن أبي خالد إلى أبي السرايا فالتقوا، فقتل عبدوس أصحابه، وأقبل أهل الكوفة حتى صاروا إلى نهر صرصر وأخذوا واسطاً والبصرة، فبعث الحسن بن سهل السندي ابن شاهك إلى هرثمة وهو بحلوان فرده وبعث به فسار إلى نهر صرصر فكشقهم وأتبعهم فأدركهم بالقرب من قصر ابن هبيرة فواقعهم فقتل منهم خلقاً كثيراً وانهزموا حتى دخلوا الكوفة، ومات أبو طباطبا فنصب أبو السرايا مكانة فتى من العلويين يقال له محمد بن محمد، ولم يزل هرثمة يحاربهم وقد أثخنوا في أصحابه حتى ضعفوا وكاتبوه، وهرب أبو السرايا ومعه العلوي ودخلها هرثمة فأقام بها أياماً ثم استخلف علياً ثم رجع إلى بغداد ومضى إلى خراسان وحارب أهل بغداد الحسن بن سهل ورئيسهم محمد بن أبي خالد المروزي وبنوه عيسى وهارون وأبو زنبيل والحسن بالمدائن، وصار الناس فوضى لا أمير عليهم، فخرج سهل بن سلامة والمطوعة وبعث المأمون إلى علي بن موسى الذي يدعى الرضى فحمله إلى خراسان فبايع له بولاية العهد بعده وأمر الناس بلباس الخضرة، وصار أهل بغداد إلى إبراهيم بن المهدي فبايعوه بيعة الخلافة فخرج إلى الحسن بن سهل فألحقه بواسط وأقام إبراهيم بالمدائن، ثم وجه الحسن علي بن هشام وحميداً الطوسي فاقتتلوا فهزمهم حميد وجلس علي بن عيسى مكان سهل بن سلامة وأمره بالمعروف، فاحتال حتى خذل من معه وظفر به ودفعه إلى إبراهيم بن المهدي فغيبه عنده ولم يعرف خبره حتى قرب المأمون من بغداد.
ووجه الحسن بن سهل هارون بن المسيب إلى الحجاز لقتال العلوية فاقتتلوا فهزمهم هارون بن المسيب وظفر بمحمد بن جعفر فحماه إلى المأمون مع عدة من أهل بيته، فلم يرجع أحد منهم ومات الرضي بخراسان ولمل صار هرثمة إلى خراسان جرى بينه وبين الفضل بن سهل كلام بين يدي المأمون، فامر بسجنه فحبس في قبة في دار المأمون فمكث فيها أياماً ثم أخرج ميتاً فلف في خيشة ودفن في خندق كان لأهل السجن بمرو.
فلما بلغ حاتم بن هرثمة وهو على أرمينية ما صنع أبوه كاتب الأحرار هناك والملوك ودعاهم إلى الخلاف، فبينما هو على ذلك أتاه الموت.
فيقال: إن سبب خروج بابك كان ذاك، فمكث بابك نيفاً وعشرين سنة وكان أبو إسحاق المعتصم مع الحسن بن سهل فهرب إلى إبراهيم بن المهدي وكان يقاتل مع الحسن وأصحابه، ثم التقى هو ومهدي الشاري سنة ثلاث ومائتين فانهزم أبو إسحاق إلى بغداد، ولم تزل الحرب بين أهل بغداد وبين الحسن بن سهل حتى ظفر بهم الحسن وأسر منهم خلقاً وحملهم إلى خراسان مع أحمد بن أبي خالد فوافى خراسان وقد قتل الفضل بن سهل بسرخس في سنة ثلاث ومائتين، فاتخذه المأمون وزيراً مكان الفضل واستخلف على خراسان غسان بن عباد. وأقبل المأمون إلى بغداد فلما قرب منها ظفر إبراهيم بن المهدي بسهل بن سلامة، وقال له: ادع الناس إلى محاربة المأمون ففعل ذلك ثم توارى إبراهيم ودخل المأمون بغداد يوم السبت لأربع ليال خلون من صفر سنة أربع ومائتين وعليه الخضرة، فأحسن السيرة وتفقد أمور الناس وقعد لهم ثم أصابت الناس المجاعة ووجه إلى بابك يحيى بن معاذ، وشبيباً البلخي إلى نصر بن شبث فهزم يحيى وشبيب، ووجه خالد بن يزيد بن مزيد إلى مصر لمحاربة عبيد بن السري فظفر به عبيد وأخذه أسيراً فعفا عنه وعمن أسره من أصحابه وأطلقه، ثم وجه المأمون عبد الله بن طاهر لمحاربة نصر بن شبث والزواقيل سنة سبع ومائتين، وفيها مات طاهر أبوه، واستأمن ابن السري فأمنه وأشخصه إلى بغداد وظفر المأمون بإبراهيم بن المهدي سنة عشر ومائتين فأمنه ونادمه، وفي هذه السنة بنى ببوران وبعث المأمون إلى محمد بن علي بن موسى وهو ابن الرضي فأقدمه فزوجه ابنته وأذن له في حملها إلى المدينة، فحملها ووجه محمد بن حميد لقتال بابك فالتقوا، فقتل محمد بن حميد سنة أربع عشرة ومائتين وعقد لعبد الله بن طاهر وهو بالدينور من أرض الجبل أن يتوجه إلى خراسان، وبعث علي بن هشام لمحاربة بابك، ثم توجه المأمون إلى طرسوس في المحرم سنة خمس عشرة ومائتين فغزا الروم وافتتح حصن قرة وخرشنة وصملة، ثم انصرف إلى دمشق ثم مضى إلى مصر ثم عاد إلى دمشق ثم توجه إلى الروم سنة سبع عشرة ومائتين، وفي هذه السنة قدم عليه عجيف بعلي بن هشام فقتله وأخاه وفيها مات عمرو بن سعيد بأذنة، وفيها فتحت لؤلؤة وأمر ببناء طوانة، ثم عاد المأمون فصار إلى الرقة ثم عاد إلى بلاد الروم فمات على نهر البذندون لثلاث عشرة ليلة بقيت من رجب سنة ثماني عشرة ومائتين، فحمل إلى طرسوس ودفن بها وكانت خلافته منذ قتل محمد عشرين سنة وعقبه كثير.
وهو محمد بن هارون كنيته أبو إسحاق وأمه ماردة أمة، وكان أبو إسحاق مع أخيه حين توفي في بلاد الروم، والعباس بن المأمون، فأراد الناس أن يبايعوا للعباس فأبى العباس وسلم إلى أبي إسحاق الأمر فتوجه أبو إسحاق نحو بغداد مسرعاً خوفاً على نفسه من جماعة من القواد كانوا هموا به فوردها مستهل شهر رمضان سنة ثماني عشرة ومائتين فأقام بها سنتين ثم مضى إلى سر من رأى سنة عشرين ومائتين بعد الفطر بأتراكه، فابتنى فيها واتخذها داراً ومعسكراً، ونزلت الروم زبطرة فتوجه أبو إسحاق غازياً في جمادى الأولى سنة ثلاث وعشرين ومائتين، ففتح عمورية في شهر رمضان من هذه السنة ثم أقبل منصرفاً وأوقع بالعباس بن المأمون وبعجيف في طريقه، ووافى سر من رأى في ذي الحجة من تلك السنة وتوفي إبراهيم بن المهدي بسر من رأى، وفي شهر رمضان سنة أربع وعشرين ومائتين وصلب الأفشين سنة ست وعشرين ومائتين وتوفي أبو إسحاق لإحدى عشرة ليلة بقيت من شهر ربيع الأول سنة سبع وعشرين ومائتين وكانت خلافته ثماني سنين وثمانية أشهر، وفي هذا الشهر توفي بشر بن الحرث الزاهد.
وبويع لهارون الواثق بالله يوم قبض أبوه، وأمه قراطيس أمة وماتت بالحيرة وهي تريد مكة، وقتل أحمد بن نصر بالمجنة لليلتين بقيتا من شعبان سنة إحدى وثلاثين ومائتين، وتوفي هارون يوم الأربعاء لست بقين من ذي الحجة سنة اثنتين وثلاثين ومائتين، وكانت خلافته خمس سنين وتسعة أشهر وأياماً.
وبويع لجعفر يوم توفي الواثق وأمه شجاع أمة، وأخذ البيعة لولده الثلاثة محمد المنتصر وأبي عبد الله المعتز وإبراهيم المؤيد في ذي الحجة سنة خمس وثلاثين ومائتين وقتل سنة سبع وأربعين ومائتين بعد الفطر بثلاثة أيام، وبويع للمنتصر ابنه محمد بن جعفر وتوفي بعد ستة أشهر.
ثم بويع أحمد بن محمد بن أبي إسحاق المعتصم بعده وخلع في آخر سنة إحدى وخمسين ومائتين وقتل سنة اثنتين وخمسين ومائتين.
وهو الزبير بن جعفر وجددت البيعة للمعتز سنة اثنتين وخمسين ومائتين وقتل في رجب سنة خمس وخمسين ومائتين.
ثم استخلف محمد بن هارون الواثق المهتدي سنة خمس وخمسين ومائتين وقتل في رجب سنة ست وخمسين ومائتين.
ثم استخلف أحمد بن جعفر المعتمد على الله ويكنى أبا العباس وأمه أم ولد يقال لها فتيان، وبويع يوم الثلاثاء لأربع عشرة ليلة بقيت من رجب سنة ست وخمسين ومائتين، ويقال: إنه ولي وله خمس وعشرون سنة.