أصحاب الرأي

ابن أبي ليلى

هو محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى، وكان اسم أبي ليلى يسارا وهو من ولد أحيحة بن الجلاح، وكان ابن شبرمة القاضي وغيره يدفعونه عن هذا النسب، قال عبد الله بن شبرمة:

وكيف ترجى لفصل القـضـا

 

ء ولم تصب الحكم في نفسكا

وتزعم أنـك لابـن الـجـلا

 

ح وهيهات دعواك من أصلكا

وكان محمد بن عبد الرحمن ولي القضاء لبني أمية، ثم وليه لبني العباس، وكان فقيهاً مفتياً بالرأي، وكان أبو عبد الرحمن يروي عن عمر وعلي وعبد الله وأبي، وكان خرج مع ابن الأشعث وقتل بدجيل. وقال محمد بن عبد الرحمن: لا أعقل من شأن أبي شيئاً غير أني أعرف أن كانت له امرأتان وكان له حبان أخضران فينبذ عند هذه يوماً وعند هذه يوماً، ومات محمد ابن عبد الرحمن بن أبي ليلى سنة ثمان وأربعين ومائة وهو على القضاء فجعل أبو جعفر المنصور ابن أخيه مكانه.

أبو حنيفة

صاحب الرأي

رضي الله تعالى عنه:

هو النعمان بن ثابت من موالي تيم الله بن ثعلبة وكان خزازاً بالكوفة، ودعاه ابن هبيرة للقضاء فأبى فضربه أياماً كل يوم عشرة أسواط، ويقال إن أبا حنيفة كان ربعياً مولى لبني قفل ومات ببغداد في رجب سنة خمسين ومائة وهو يومئذ ابن سبعين سنة، ودفن في مقابر الخيزران فولد أبو حنيفة حماد بن أبي حنيفة، وكان يكنى أبا إسماعيل وهلك بالكوفة فمن ولد حماد أبو حيان وإسماعيل وعثمان وعمر وولي إسماعيل بن حماد قضاء البصرة للمأمون ومدحه مساور فقال:

إذا ما الناس يوماً قايسونـا

 

بآبدة من الفتـيا طـريفة

أتيناهم بمقياس صـحـيح

 

تلاد من طراز أبي حنيفة

إذا سمع الفقيه بها وعاها

 

وأثبتها بحبر في صحيفة

فأجابه مجيب من أصحاب الحديث:

إذا ذو الرأي خاصم عن قياس

 

وجاء ببدعة هنة سـخـيفة

أتيناهم بقول الـلـه فـيهـا

 

وآثـار مـبـرزة شـريفة

فكم من فرج محصنة عفيف

 

أحل حرامه بأبي حـنـيفة

ربيعة

صاحب الرأي

هو ربيعة بن أبي عبد الرحمن، واسم أبي عبد الرحمن فوخ مولى آل المنكدر التيميين ويكنى أبا عثمان وتوفي سنة ست وثلاثين ومائة بالأنبار في مدينة أبي العباس، وكان أقدمه للقضاء وكان يكثر الكلام ويقول: الساكت بين النائم والأخرس. وتكلم يوماً وعنده أعرابي، فقال: ما العي؟ فقال له الأعرابي: ما أنت فيه منذ اليوم.

زفر

صاحب الرأي

هو زفر بن الهذيل بن قيس من بني العنبر ويكنى أبا الهذيل، وكان قد سمع الحديث وغلب عليه الرأي ومات بالبصرة وكان أبوه الهذيل على أصبهان.

الأوزاعي

حدثني البجلي أن اسمه عبد الرحمن بن عمرو من الأوزاع وهم بطن من همدان، وقال الواقدي: كان يسكن بيروت ومكتبه باليمامة فلذلك سمع من يحيى بن أبي كثير ومات ببيروت سنة سبع وخمسين ومائة، وهو يومئذ ابن اثنتين وسبعين سنة.

سفيان الثوري

رضي الله تعالى عنه:

هو سفيان بن سعيد بن مسروق ويكنى أبا عبد الله، ونسب إلى ثور بن عبد مناة بن أد بن طابخة بن إلياس بن مضر ويقال لثور ثور أطحل وهو جبل، ومن ثور الربيع بن خثيم يقال: إنه كان في بني ثور ثلاثون رجلاً ليس منهم رجل دون الربيع بن خثيم وهم بالكوفة، ليس بالبصرة منهم أحد. ومات سفيان بالبصرة متوارياً من السلطان ودفن عشاء فقال الشاعر:

تحرز سفـيان وفـر بـدينـه

 

وأمسى شريك مرصداً للدراهم

قال الواقدي: مات سنة إحدى وستين ومائة وهو ابن أربع وستين سنة وأخبرني أنه ولد سنة سبع وتسعين. قال وكيع: مات سفيان وله مائة وخمسون ديناراً بضاعة فأوصى إلى عمارة بن يوسف في كتبه فمحاها وأحرقها ولم يعقب. سفيان كان له ابن فمات قبله فجعل كل شيء له لأخته وولدها ولم يورث أخاه المبارك بن سعيد شيئاً، وتوفي أخوه المبارك بالكوفة سنة ثمانين ومائة.

مالك بن أنس

رضي الله تعالى عنه:

هو مالك بن أنس بن أبي عامر من حمير وعداده في بني مرة من قريش، وكان الربيع بن مالك عم مالك يروي الحديث وأبوه مالك بن أبي عامر يروي عن عمر وعثمان وطلحة وأبي هريرة وكان ثقة. وحمل بمالك ثلاث سنين، وكان شديد البياض إلى الشقرة طويلاً عظيم الهامة أصلع يلبس الثياب العدنية الجياد ويكره حلق الشارب، ويعيبه ويراه في المثلة ولا يغير شيبه. قال الواقدي: كان مالك يأتي المسجد ويشهد الصلوات والجمعة والجنائز ويعود المرضى ويقضي الحقوق ويجلس في المسجد ويجمع إليه أصحابه ثم ترك الجلوس في المسجد، وكان يصلي ثم ينصرف إلى منزله وترك حضور الجنائز، فكان يأتي أصحابها ويعزيهم ثم ترك ذلك كله، فلم يكن يشهد الصلوات في المسجد ولا الجمعة ولا يأتي أحداً يعزيه ولا يقضي له حقاً، واحتمل الناس له ذلك حتى مات عليه وكان ربما كلم في ذلك فيقول: ليس كل الناس يقدر أن يتكلم بعذره، وسعى به إلى جعفر بن سليمان، وقالوا: إنه لا يرى أيمان بيعتكم هذه بشيء، فغضب جعفر ودعا به وجرده فضربه بالسياط ومدت يده حتى انخلعت كتفه وارتكب منه أمراً عظيماً فلم يزل بعد ذلك الضرب في علو ورفعة وكأنما كانت السياط حلياً حلى به، ومات سنة تسع وسبعين ومائة، وله يوم مات خمس وثمانون سنة ودفن بالبقيع.

أبو يوسف القاضي

هو يعقوب بن إبراهيم بن حبيب بن سعد بن حبتة من بجيلة، وكان سعد بن حبتة استصغر يوم أحد ونزل الكوفة ومات بها وصلى عليه زيد بن أرقم وكبر عليه خمساً، وكان أبو يوسف يروي عن الأعمش وهشام بن عروة وغيرهما، وكان صاحب حديث حافظاً، ثم لزم أبا حنيفة فغلب عليه الرأي وولي قضاء بغداد فلم يزل قاضياً بها إلى أن مات سنة اثنتين وثمانين ومائة في خلافة هارون وابنه يوسف ولي أيضاً قضاء الجانب الغربي في حياة أبيه، ثم توفي سنة اثنتين وتسعين ومائة.

محمد بن الحسن

الفقيه

يكنى أبا عبد الله وهو مولى لشيبان وقدم أبوه واسطاً فولد له محمداً بها ونشأ بالكوفة وطلب الحديث وسمع من مسعر ومالك ابن مغول وعمر بن ذر والأوزاعي والثوري وأشباههم، وجالس أبا حنيفة وسمع منه ونظر في الرأي فغلب عليه وعرف به، وقدم بغداد فنزلها وسمع منه الحديث والرأي وخرج إلى الرقة فولاه هارون قضاء الرقة ثم عزله، فقدم بغداد فلما خرج هارون إلى الري الخرجة الأولى أمره فخرج معه فمات بالري سنة تسع وثمانين ومائة وهو ابن ثمان وخمسين سنة.