ذكر المساجد

الكعبة

ذكر وهب بن منبه أن الله تبارك وتعالى لما أهبط آدم إلى الأرض حزن واشتد بكاؤه على الجنة، فعزاه الله بخيمة من خيام الجنة فوضعها له بمكة في موضع الكعبة قبل أن تكون الكعبة، وكانت الخيمة ياقوتة حمراء من ياقوت الجنة، فيها قناديل من ذهب من تبر الجنة، ونزل معها لركن يومئذ وهو ياقوتة بيضاء، وكان كرسياً لآدم يجلس عليه، فلما كان الغرق زمن نوح عليه السلام رفع ومكثت الأرض خراباً ألفي سنة حتى أمر تبارك وتعالى إبراهيم أن يبني بيته، فجاءت السكينة كأنها سحابة فيها رأس يتكلم له وجه كوجه الإنسان، فقالت: يا إبراهيم خذ ظلي فابن عليه، فبنى هو وإسماعيل البيت ولم يجعل له سقفاً وحرس الله آدم والبيت بالملائكة، فالحرم مقام الملائكة يومئذ، ولم تزل خيمة آدم عليه السلام إلى أن قبض، ثم رفعها الله إليه وبنى بنو آدم من بعده في موضعها بيتاً من الطين والحجارة، ثم نسفه الغرق فعفى مكانه حتى ابتعث الله تعالى إبراهيم عليه السلام وحفر عن قواعده وبناه على ظل الغمامة فهو أول بيت وضع للناس وأول من كساه الأنطاع والبرود اليمانية أسعد أبو كرب الحميري، فقال:

وكسونا البيت الذي حرم الله

 

ملاء معـضـداً وبـرودا

وبنته قريش قبل مبعث النبي صلى الله عليه وسلم بخمس سنين، وبناه عبد الله بن الزبير بعد ما بويع له بالخلافة، فلما قتل ابن الزبير نقض الحجاج بنيان ابن الزبير وبناه على الأساس الأول، ثم وسع مسجد الكعبة أبو جعفر المنصور سنة ولي الخلافة، ثم زاد فيه المهدي سنة ستين ومائة.

حدثني أبو حاتم عن الأصمعي عن عمر بن قيس، قال: في البيت من الحجر سبع أذرع وأصابع، أو قال: وإصبعان، قال: وقال الأصمعي، قال أبو غزارة: الحجر الأسود على قدر الجدر، يعني ركن الكعبة الذي عند الملتزم، وحدثني عنه، عن الأعمش عن مجاهد، قال: المسعى ما بين دار عباد إلى بئر ابن مطعم، ولكن الناس حفوه بالبناء، قال: غير واحد ذرع الكعبة أربعمائة وتسعون ذراعاً مكسورة، وذكر قوم أن أبي بن سالم الكلبي ورد مكة وقريش تبني البيت وتشاجروا في إخراج النفقة، فسألهم أن يولوه ركناً من أركانه فولوه الربع الذي فيه الركن اليماني فبناه، فسمي اليماني، وقال شاعرهم:

لنا أيمن البيت الذي تعبدونه

 

وراثة ما بقي أبي بن سالم

وأكثر الناس على أنه سمي يمانياً لأنه من شق اليمن والمؤذنون فيه ولد أبي محذورة.

البيت المقدس

ذكر وهب أن إسحاق بن إبراهيم النبي عليهما السلام أمر يعقوب ابنه أن ينكح امرأة من الكنعانيين، وأن ينكح من بنات خاله لأبان بن ناهر بن آزر، وكان مسكنه الفران، فتوجه إليه يعقوب فأدركه الليل في بعض الطريق فبات متوسداً حجراً فرأى فيما يرى النائم سلماً منصوباً إلى باب من أبواب السماء عند رأسه، والملائكة تنزل منه وتعرج فيه، وأوحى الله تبارك وتعالى إني أنا الله لا إله إلا أنا إلهك وإله آبائك إبراهيم وإسماعيل وإسحاق، وقد ورثتك هذه الأرض المقدسة وذريتك وباركت فيك وفيهم، وجعلت فيكم الكتاب والحكمة والنبوة، ثم أنا معك حتى أردك إلى هذا المكان وأجعله بيتاً تعبدني فيه وذريتك فيقال: إنه بيت المقدس، وبناه داود وأتمه سليمان عليهما السلام، ثم خربه بختنصر، فمر به شعيب فرآه خراباً والقرية فقال: أنى يحيي الله هذه بعد موتها فأماته الله مائة عام وابتناه ملك من ملوك فارس يقال له كورش.

مسجد المدينة

روى إبراهيم بن سعد عن صالح بن كيسان عن نافع، أن عبد الله بن علي أخبره أن المسجد يعني مسجد المدينة كان على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم مبنياً بلبن وسقفه الجريد وعمده خشب النخل، فلم يزد فيه أبو بكر شيئاً، وزاد فيه عمر، ثم غيره عثمان؛ فزاد فيه زيادة كثيرة وبنى جداره بالحجارة المنقوشة وبالفضة وجعل عمده من حجارة منقوشة وسقفه بالساج، ووسعه المهدي سنة ستين ومائة وزاد فيه المأمون زيادة كثيرة ووسعه، والمؤذنون فيه من ولد سعد القرظ مولى عمار بن ياسر، وقرأت على موضع زيادة المأمون أمر عبد الله عبد الله بعمارة مسجد رسول الله سنة اثنتين ومائتين طلب ثواب الله وطلب جزاء الله وطلب كرامة الله، فإن الله عنده ثواب الدنيا والآخرة، وكان الله سميعاً بصيراً، أمر عبد الله عبد الله بتقوى الله ومراقبته وبصلة الرحم والعمل بكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم وتعظيم ما صغر الجبابرة من حقوق الله وإحياء ما أماتوا من العدل وتصغير ما عظموا من العدوان والجور، وأن يطاع الله ويطاع من أطاع الله ويعصى من عصى الله، فإنه لا طاعة لمخلوق في معصية الله والتسوية بينهم في فيئهم، ووضع الأخماس مواضعها.

البصرة ومسجدها وأنهارها

أول من مصر البصرة عتبة بن غزوان بن ياسر من الصحابة، اختطها سنة أربع عشرة ومر بموضع المربد فوجد فيه الكلدان الغليظ فقال: هذا هو البصرة انزلوها باسم الله، فبنى المسجد الجامع بقصب بأمر عمر بن الخطاب، ثم بناه ابن عامر باللبن لعثمان وبناه زياد بالآجر لمعاوية وبنى جنبتيه وأتمه عبيد الله بن زياد، والمؤذنون فيه ولد المنذر بن حسان العبدي، وكان مؤذن عبيد الله بن زياد فبقي ولده يؤذنون في المسجد. ونهر معقل منسوب إلى معقل بن يسار من الصحابة، وشاطئ عثمان هو إقطاع عثمان بن عفان بن أبي العاص الثقفي فأحياه واستخرجه، ونهر عدي منسوب إلى عدي بن أرطأة، ونهر ابن عمر منسوب إلى عبد الله بن عمر بن عبد العزيز، وهو كان احتفره ونهر أم عبد الله منسوب إلى أم عبد الله بن عامر بن كرز، ونهر مرة منسوب إلى مرة بن أبي عثمان مولى عبد الرحمن بن أبي بكر بن الصديق، وكانت عائشة كتبت إلى زياد بالوصاة به فأقطعه ذلك النهر، قال: فيزيد الرشك قست البصرة في ولاية خالد بن عبد الله القسري فوجدت طولها فرسخين وعرضها فرسخين غير دانق.

الكوفة ومسجدها

لما نزل المسلمون المدائن وطال بها مكثهم وآذاهم الغبار والذباب، كتب عمر إلى سعد في بعثه رواداً يرتادون منزلاً برياً بحرياً، فإن العرب لا يصلحها من البلدان إلا ما أصلح الشاة والبعير فسأل من قبله عن هذه الصفة فأشار عليه من رأى العراق من وجوه العرب باللسان وهو ظهر الكوفة، وكانت العرب تقول: أدلع البر لسانه في الريف، فما كان يلي الفرات منه فهو الملطاط، وما كان يلي الطين منه فهو النجاف، فكتب عمر إلى سعد يأمره به، وكان نزولهم الكوفة سنة سبع عشرة، فالبصرة أقدم منها بثلاث سنين. وزياد بن أبي سفيان هو باني مسجد الكوفة، وروي في بعض الحديث أن موضع مسجدها فار التنور.

مسجد دمشق

وبنى مسجد دمشق الوليد بن عبد الملك سنة ثمان وثمانين.