الكتاب الأول: كتاب السلطان - في قلة وفاء السلطان لأصحابه

من كتاب الهند

في قلة وفاء السلطان لأصحابه

وقرأت في كتاب للهند: "إنما مثل السلطان في قلة وفائه للأصحاب وسخاء نفسه عمن فقد منهم مثل البغيّ والمكتّب، كلما ذهب واحد جاء بآخر".

للعرب في وصف السلطان

والعرب تقول: "السلطان ذو عدوانٍ وذو بدوانٍ وذو تدرٍأ"، يريدون أنه سريع الإنصراف كثير البدوات هجومٌ على الأمور".

لأبي مسلم الخرساني في أن المعرفة لا تقدرعلى دفع المقدّر المحتوم

قال معاذ بن مسلم: رأيت أبا جعفر وأبا مسلم دخلا الكعبة فنزع أبو جعفر نعله فلما أراد الخروج قال: يا عبد الرحمن، هم ت نعليّ. فجاء بهم ، فقال: يا معاذ ضعهم في رجلي. فألبسته إياهم فحقد ذلك أبو مسلم. ووجّه أبو جعفر يقطين بن موسى إلى أبي مسلم لإحصاء الأموال فقال أبو مسلم: أفعلهم ابن سلامة الفاعلة لا يكّني. فقال يقطين: عجّلت أيهم الأمير، قال: وكيف قال: أمرني أن أحصي الأموال ثم أسلّمهم إليك لتعمل فيهم برأيك. ثم قدم يقطين على المنصور فأخبره. فلما قدم أبو مسلم المدائن في اليوم الذي قتل فيه جعل يضرب بالسوط معرفة برذونه ويقول بالفارسية كلاماً معناه: ما تغني المعرفة إذا لم يقدر على دفع المحتوم. ثم قال: جارّة ذيلهم. تدعو يا ويلهم ، بدجلة أو حولهم ، كأنا بعد ساعة،قد صرنا في دجلة.

من كلام أبي جعفر المنصور

قال المنصور: "ثلاث كنّ في صدري شفى الله منهم: كتاب أبي مسلم إليّ وأنا خليفة: عافانا اللّه وإياك من السوء. ودخول رسوله عليّنا وقوله: أيكم ابن الحارثيّة وضرب سليمان بن حبيب ظهري بالسياط".

بين المنصور وسلم بن قتيبة في قتل أبي مسلم الخراساني

قال المنصور لسلم بن قتيبة: ما ترى في قتل أبي مسلم فقال سلم: "لو كان فيهما آلهة إلا اللّه لفسدتافقال: حسبك يابا أميّة.

 شعر لأبي دلامة

قال أبو دلامة:

أبا مجرم ماغيّر اللّه نـعـمة

 

على عبد ه حتى يغيّرهم العبد

أفي دولة المهديّ حاولت غدرة

 

ألا إن أهل الغدر آباؤك الكرد

أبا مجرم خوفتني القتل فانتحى

 

عليك بما خوفتني الأسد الورد

بين مروان بن محمد و عبد الحميد الكاتب

قال مروان بن محمد لعبد الحميد حين أيقن بزوال ملكه: "قد احتجت إلى أن تصير مع عدوّي وتظهر الغدر بي، فإن إعجابهم بأدبك وحاجتهم إلى كتابك تدعوهم إلى حسن الظن بك، فإن استطعت أن تنفعني في حياتي وإلا لم تعجز عن حفظ حرمتي بعد وفاتيفقال عبد الحميد: إن الذي أمرتني به أنفع الأمرين لك وأقبحهما بي وما عندي إلا الصبر معك حتى يفتح الله لك أو أقتل معك. وقال:

أسرّ وفـاء ثـم اظـهـر غـدرة

 

فمن لي بعذرٍ يوسع الناس ظاهره

 

المشاورة والرأي

عن الحسن في مشاورة النبي صلى الله عليه وسلم النساء

حدّثنا الزّياديّ قال: حدّثنا حماد بن زيد عن هشان عن الحسن قال: "كان النبيّ يستشير حتى المرأة فتشير عليه بالشيء فيأخذ به

 من كتاب التاج في استشارة الملك

وقرأت في التاج أن بعض ملوك العجم استشار وزراءه، فقال أحدهم: "لا ينبغي للملك أن يستشير منا أحداً إلا خالياً به، فإن أموت للسر وأحزم للرأي وأجدر بالسلامة وأعفى لبعضنا من غائلة بعض. فإن إفشاء السر إلى رجل واحد أوثق من إفشائه إلى اثنين، وإفشاءه إلى ثلاث كإفشائه إلى العامّة لأن الواحد رهن بما أفشي إليه، والثاني يطلق عنه ذلك الرهن والثالث علاوة فيه، وإذا كان سر الرجل عند واحد كان أحرى ألا يظهره رهبةً منه ورغبة إليه، وإذا كان عند اثنين دخلت على الملك الشبهة واتسعت على الرجلين المعاريض، فإن عاقبهما عاقب اثنين بذنب واحد، وإن آتهمهما اتهم بريئاً بجناية مجرم، وإن عفا عنهما كان العفو عن أحدهما ولا ذنب له وعن الآخر ولا حجة معه

 أيضاً من كتاب الهند في الاستشارة

وقرأت في كتاب للهند أن ملكاً استشار وزراء له، فقال أحدهم: "الملك الحازم يزداد برأي الوزراء الحزمة كما يزداد البحر بموادّه من الأنهم ر، وينال بالحزم والرأي مالايناله بالقوّة و الجنود، وللأسرار منازل: منهم ما يدخل الرهط فيه، ومنهم ما يستعان فيه بقوم، ومنهم ما يستغنى فيه بواحد. وفي تحصين السر الظّفر بالحاجة والسلامة من الخلل. والمستشير وإن كان أفضل رأياً من المشير، فإنه يزداد برأيه رأياً كما تزداد النار بالسّليط ضوءاً. وإذا كان الملك محصّناً لسره بعيداً من أن يعرف ما في نفسه متخيّراً للوزراء مهيباً في أنفس العامة كافياً بحسن البلاء لا يخافه البريء ولا يأمنه المريب مقدّراً لما يفيد وينفق، كان خليقاً لبقاء ملكه. ولا يصلح لسرّنا هذا إلا لسانان وأربع آذان. ثم خلا به

 من كتاب إلى بعض السلاطين

قال أبو محمد: كتبن إلى بعض السلاطين كتاباً وفي فصل منه: "لم يزل حزمة الرجال يستحلون مرارة قول النصحاء ويستشهدون العيوب ويستثيرون صواب الرأي من كلٍّ حتى الأمة الوكعاء، ومن احتاج إلى إقامة دليل على ما يدّعيه من مودّته ونقاء طويّته فقد أغناني اللّه عن ذلك بما أوجبه الاضطرار إذ كنت أرجو بدوام نعمتكن وارتفاع درجتكن وانبساط جاهك ويدك زيادة الحال وفي فصل آخر: "وقد تحملت في هذا الكتاب بعض العتب وخالفت ما أعلم إذ عرضت بالرأي ولم أستشر وأحللت نفسي محل الخواصّ ولم أحل ونزعت بي النفس، حين جاشت وضاقت بما تسمع، عن طريق الصواب لهم إلى طريق الصواب لك، وحين رأيت لسان عدوّك منبسطاً بما يدّعيه عليك وسهامه نافذة، ورأيت وليّك معكوماً عن الاحتجاج إذ لا يجد العذر ورأيت عوامّ الناس يخوضون بضروب الأقاويل في أمرك، ولا شيء أضرّ على السلطان في حال ولا أنفع في حال منهم. وبما يجريه اللّه على ألسنتهم تسير الركبان وتبقى الأخبار ويخلد الذكر على الدهر وتشرف الأعقاب، وظاهر الخبر عندهم أعدل من شهم دة العدول الثقات وفي فصل منه: "وسائس الناس ومدبر أمورهم يحتاج إلى سعة الصدر واستشعار الصبر واحتمال سوء أدب العامّة وإفهام الجاهل وإرضاء المحكوم عليه والممنوع مما يسأل بتعريفه من أين منع، والناس لا يجمعون على الرضا إذا جمع لهم كل أسباب الرضا فكيف إذا منعوا بعضهم ، ولايعذرون بالعذر الواضح فكيف بالعذر الملتبس، وأخوك من صدقك وآرتمض لك، لا من تابعك على هواك ثم غاب عنك بغير ما أحضرك

 لزياد يشاور رجلاً

قال زياد لرجل يشاوره: "لكل مستشير ثقة ولكل سر مستودع، وإن الناس قد ابدعت بهم خصلتان: إضاعة السر، وإحراج النصيحة. وليس موضع السر إلا أحد رجلين: رجل آخرة يرجو ثواب اللّه، أو رجل دنيا له شرف في نفسه وعقل يصون به حسبه، وقد عجمتهما لك".

 لبعض الكتّاب في النّصح والغشّ

وكتب بعض الكتّاب: "اعلم أن الناصح لك المشفق عليك من طالع لك وراء العواقب برؤيته ونظره، ومثّل لك الأحوال المخوفة عليك، وخلط لك الوعر بالسهل من كلامه ومشورته ليكون خوفك كفئاً لرجائك وشكرك إزاء النعمة عليك. وأن الغاشّ لك الحاطب عليك من مدّ لك في الاغترار ووطّأ لك مهاد الظلم وجرى معك في عنانك منقاداً لهواك".

وفي فصل: "إني وإن كنت ظنيناً عندك في هذا الحال ففي تدبرك صفحات هذه المشورة ما دلك على أن مخرجهم عن صدق وإخلاص".

 لعبيد اللّه بن عمر في المشورة، ثم لنصر بن مالك

إبراهيم بن المنذر قال: استشار زياد بن عبيد اللّه الحارثي عبيد اللّه بن عمر في أخيه أبي بكر أن يوليه القضاء، فأشار عليه به، فبعث إلى أبي بكر فامتنع عليه، فبعث زياد إلى عبيد اللّه يستعين به على أبي بكر، فقال أبو بكر لعبيد اللّه: أنشدك باللّه أترى لي أن آلي القضاء قال: اللهم لا. قال زياد: سبحان اللّه! استشرتك فأشرت عليّ به ثم أسمعك تنهاه! قال: أيها الأمير استشرتني فاجتهدت لك رأيي ونصحتك، واستشارني فاجتهدت له رأيي ونصحته.


كان نصر بن مالك على شرط أبي مسلم، فلما جاءه إذن أبي جعفر في القدوم عليه استشاره فنهاه عن ذلك وقال: لا آمنه عليك. قال له أبو جعفر لما صار إليه: استشارك أبو مسلم في القدوم عليّ فنهيته قال: نعم. قال: وكيف ذلك قال: سمعت أخاك ابراهيم الإمام يحدّث عن أبيه محمد بن عليّ قال: "لايزال الرجل يزاد في رأيه ما نصح لمن استشاره" وكنت له كذلك وأنا اليوم لك كم كنت له.

 لمعاوية في الحلم

قال معاوية: "لقد كنت ألقى الرجل من العرب أعلم أن في قلبه عليّ ضغنا فأستشيره، فيثير إليّ منه بقدر ما يجده في نفسه فلا يزال يوسعني شتماً وأوسعه حلماً حتى يرجع صديقاً أستعين به فيعينني وأستنجده فينجدني

 نصيحة ابرويز لابنه في المشورة

وقرأت في كتاب أبرويز إلى ابنه شيرويه وهو في حبسه: "عليك بالمشورة فإنك واحد في الرجال من ينضج لك الكيّ ويحسم عنك الداء ويخرج لك المستكن ولا يدع لك في عدوّك فرصة إلا انتهزهم ولا لعدوّك فيك فرصة إلا حصّنها، ولا يمنعك شدّة رأيك في ظنك ولا علوّ مكانك في نفسك من أن تجمع إلى رأيك رأي غيرك فإن أحمدت اجتنيت وإن ذممت نفيت، فإن في ذلك خصالاً: منهم أنه إن وافق رأيك ازداد رأسك شدّة عندك، وإن خالف رأيك عرضته على نظرك، فإن رأيته معتلياً لما رأيت قبلت، وإن رأيته متّضعاً عنه استغنيت، ومنهم أنه يجدّد لك النصيحة ممن شاورت وإن أخطأ ويمحض لك مودّته وإن قصّر".

 من كتاب الهند في المشورة

وفي كتاب للهند: "من التمس من الأخوان الرخصة عند المشورة ومن الأطباء عند المرض ومن الفقهاء عند الشبهة، أخطأ الرأي وازداد مرضاً وحمل الوزر".

 من كلام ابن المقفع

وفي آداب ابن المقفع: "لا يقذفن في روعك أنك إن استشرت الرجال ظهر للناس منك الحاجة إلى رأي غيرك، فيقطعك ذاك عن المشاورة، فإنك لا تريد الرأي للفخر به ولكن للانتفاع به. ولو أنك أردت الذكرى كان أحسن الذكر عند الألبّاء أن يقال: لا ينفرد برأيه دون ذوي الرأي من إخوانه.

 قول لعمر بن الخطاب في الرأي

قال عمر بن الخطاب: "الرأي الفرد كالخيط السّحيل، والرأيان كالخيطان المبرمين، والثلاثة مرار لا يكاد ينتقض" وقال أشجع:

رأيٌ سرى وعيون الناس هاجعةٌ

 

ما أخر الحزم رأيٌ قدّم الحذرا

 

قول المهلب للحجاج في الرأي

كتب الحجاج إلى المهلّب يستعجله في حرب الأزارقة، فكتب إليه المهلب: "إن من البلاء أن يكون الرأي لمن يملكه دون من يبصره".

من كلام عبد اللّه بن وهب يوم عقدت له الخوارج

وقيل لعبد اللّه بن وهب الراسبيّ يوم عقدت له الخوارج: تكلم. فقال: ما أنا والرأي الفطير والكلام القضيب. وقال أيضاً: خمير الرأي خير من فطيره، ورب شيء غابّه خير من طريّه، وتأخيره خير من تقديمه. وقيل لآخر: تكلّم. فقال: ما أشتهي الخبز إلا بائتاً.

لابن هبيرة في الصحبة

كان ابن هبيرة يقول: "اللهم إني أعوذ بك من صحبة من غايته خاصة نفسه والإنحطاط في هوى مستشيره، وممن لا يلتمس خالص مودّتك إلا بالتأتّي لموافقة شهوتكن، ومن يساعدك على سرور ساعتك ولا يفكر في حوادث غدك".

وكان يقال: "من أعطي أربعاً لم يمنع أربعاً:من أعطي الشكر لم يمنع المزيد، ومن أعطي التوبة لم يمنع القبول، ومن أعطي المشورة لم يمنع الصواب، ومن أعطي الاستخارة لم يمنع الخيرة".

فيمن يستشار من أصناف الناس

وكان يقال: لا تستشر معلّماًولا راعي الغنم ولا كثير القعود مع النساء.

وكان يقال: لاتشاور صاحب حاجة يريد قضاءها ولا جائعاً ولا حاقن بول. وقالوا: "لا رأي لحاقن ولا لحازق" وهو الذي ضغطه الخف "ولا لحاقب" وهو الذي يجد رزّا في بطنه.

وقالوا أيضاً: لا تشاور من لا دقيق عنده.

لبعض ملوك العجم في خطأ الرأي

وكان بعض ملوك العجم إذا شاور مرازبته فقصّروا في الرأي دعا الموكّلين لأرزاقهم فعاقبهم، فيقولون: تخطىء مرازبتك وتعاقبنا! فيقول: نعم، إنهم لم يخطئوا إلا لتعلّق قلوبهم بأرزاقهم وإذا اهتموا أخطأوا.

وكان يقال: إنّ النفس إذا أحرزت "قوتهم " ورزقهم اطمأنت.

لكعب فيمن يستشار

وقال كعب: لا تستشيروا الحاكة فإن اللّه سلبهم عقولهم ونزع البركة من كسبهم.

شعر في المشاورة

قال الشاعر:

وأنفع من شاروت من كان ناصحـاً

 

شفيقاً فأبصر بعدهم من تـشـاور

وليس بشافـيك الـشـفـيق ورأيه

 

عزيب ولا ذو الرأي والصدر واغر

ويقال: علامة الرشد أن تكون النفس مشتاقة وقال آخر:

إذا بلغ الرأي النصيحة فاستـعـن

 

برأي نصيح أو نصـيحة حـازم

ولا تحسب الشّورى عليك غضاضة

 

فإن الخوافي رافـدات الـقـوادم

وخلّ الهوينا للضعيف ولا تـكـن

 

نؤوماً فإن الحـزم لـيس بـنـائم

وأدن من القربى المقرّب نفـسـه

 

ولا تشهد الشورى أمرأ غير كاتم

وما خير كفّ أمسك الغلّ أختـهـا

 

وما خير سيفٍ لـم يؤيّد بـقـائم

فإنك لم تصطرد الهمّ بالمنى

 

ولن تبلغ العليّا بغير المكارم  

لأعرابي في المشاورة

قال أعرابي: ما غبنت قط حتى يغبن قومي. قيل: وكيف ذلك قال: لا أفعل شيئاً حتى أشاورهم.

قول لعبسيّ في الحزم والطاعة

قيل لرجل من بني عبس: ما أكثر صوابكم! فقال: نحن ألف رجل وفينا حازم واحد ونحن نطيعه، فكأنا ألف حازم. ويقال: "ليس بين الملك وبين أن يملك رعيته أو تملكه إلا حزم أو توانٍ".

 

شعر للقطامي، ثم للرياشي، في معصية الناصح

وقال القطامي في معصية الناصح:

ومعصية الشفيق عليك ممـا

 

يزيدك مرّة منه استمـاعـاً

وخير الأمر ما استقبلت منـه

 

وليس بأن تتبّعه اتّـبـاعـاً

كذلك وما رأيت الـنـاس إلا

 

إلى ما جرّ غاويهم سراعـاً

تراهم يغمزون من استركّـوا

 

ويجتنبون من صدق المصاعا

وقال آخر: أنشدنيه الرياشيّ:

ومولًى عصاني واستبدّ بـرأيه

 

كما لم يطع بالبقّتين قـصـير

فلمّا رأى أن غبّ أمري وأمره

 

وولّت بأعجاز الأمور صدور

تمنّى بئيساً أن يكون أطاعنـي

 

وقد حدّثت بعد الأمور أمـور

 

كلام سبيع لأهل اليمامة

وقال سبيع لأهل اليمامة: "يا بني حنيفة بعدا كما بعدت عاد وثمود، أما واللّه لقد أنبأتكم بالأمر قبل وقوعه كأني أسمع جرسه وأبصر غيبه ولكنّكم أبيتم النصيحة فاجتنيتم الندم، وأصبحتم وفي أيديكم من تكذيبي التصديق ومن تهمتي الندامة، وأصبح في يدي من هلاككم البكاء ومن ذلّكم الجزع، وأصبح ما فات غير مردود وما بقي غير مأمون. وإني لمّا رأيتكم تتّهمون النصيحة وتسفّهون الحليم استشعرت منكم اليأس وخفت عليكم البلاء. واللّه ما منعكم اللّه التوبة ولا أخذكم على غرّة ولقد أمهلكم حتى ملّ الواعظ وهن الموعوظ وكنتم كأنما يعنى بما أنتم فيه غيركم".

 قول صديق لآخر نصحه

وأشار رجل على صديق له برأي، فقال له: "قد قلت ما يقول الناصح الشفيق الذي يخلط حلو كلامه بمرّه وحزنه بسهله ويحرّك الاشفاق منه ما هو ساكن من غيره، وقد وعيت النصح فيه وقبلته إذ كان مصدره من عند من لا يشكّ في مودته وصافي غيبه، وما زلت بحمد اللّه إلى كل خير طريقاً منهجاً ومهيعاً واضحاً".

 

كتاب الخليفة عثمان حين أحيط به إلى عليّ رضي اللّه عنهما

وكتب عثمان إلى عليّ حين أحيط به: "أما بعد فإنه قد جاوز الماء الزّبى وبلغ الحزام الطّبيين وقد تجاوز الأمر بي قدره.

فإن كنت مأكولاً فكن خير آكل

 

وإلا فأدركني ولمّـا أمـزق"

شعر لأوس بن حجر في المشورة

وقال أوس بن حجر:

وقد أعتب ابن العم إن كنت ظالماً

 

وأغفرعنه الجهل إن كان أجهلا

وإن قال لي ماذا ترى يستشيرني

 

يجدني ابن عمّ مخلط الأمر مزيلا

أقيم بدار الحزم ما دام حزمـهـم

 

وأحر إذا حالت بـأن أتـحـوّلا

وأستبدل الأمر القـويّ بـغـيره

 

إذا عقد مأفون الرجال تحـلّـلا

 

قول في الأناة

وكان يقال: "أناة في عواقبهم درك، خير من معاجلة في عواقبهم فوت".


وأنشدني الرياشيّ:

وعاجز الرأي مضياع لفرصته

 

حتى إذا فات أمرٌ عاتب القدر

وكان يقال: "روّ بحزم فإذا استوضحت فاعزم".

 الإصابة بالظن والرأي

لابن الزبير في الاستدلال بالرأي

كان ابن الزبير يقول: "لا عاش بخير من لم ير برأيه ما لم ير بعينه".

لبعض الحكماء في العقل

وسئل بعض الحكماء: ما العقل فقال: "الإصابة بالظن ومعرفة ما لم يكن بما كان وكان يقال: "كفى مخبراً عما مضى ما بقي، وكفى عبراً لأولي الألباب ما جرّبوا".

وكان يقال: "كل شيء محتاج إلى العقل، والعقل محتاج إلى التجارب".

ويقال: "ما لم ينفعك ظنه لم ينفعك يقينه".

لأوس بن حجر، وغيره

وقال أوس بن حجر:

الألمعي الذي يظن بـك ال

 

ظن كأن قد رأى وقد سمعا

وقال آخر:

وأبغي صواب الظنّ أعـلـم أنـه

 

إذا طاش ظنّ المرء طاشت مقادره

للإمام عليّ بن أبي طالب في عبد اللّه بن عباس رضي اللّه عنهما


وقال عليّ بن أبي طالب صلوات اللّه عليه في عبد اللّه بن عباس: "إنه لينظر إلى الغيب من ستر رقيق".

 

قول في الظن

ويقال: "ظن الرجل قطعةٌ من عقلهويقال: "الظنون مفاتيح اليقين".


وقال بعض الكتاب:

أصونك أن أظنّ عليك ظناً

 

لأن الظن مفتاح اليقـين

شعر للكميت ولغيره في التدبّر

وقال الكميت:

مثل التدبر في الأمر ائتنـافـكـه

 

والمرء يعجز في الأقوام لا الحيل

وقال آخر:

وكنت متى تهزز لخطب تـغـشـه

 

ضرائب أمضى من رقاق المضارب

تجلّلتـه بـالـرأي حـتـى أريتـه

 

به ملء عينيه مكـان الـعـواقـب

ولآخر يصف عاقلاً

وقال آخر يصف عاقلاً:

بصير بأعقاب الأمور كـأنـمـا

 

يرى بصواب الرأي ما هو واقع

وقال آخر في مثله:

عليّم بأعقـاب الأمـور بـرأيه

 

كأنّ له في اليوم عيناً على الغد

وقال آخر يصف عاقلاً:

عليّم بأعقاب الأمور كأنّمـا

 

يخاطبه من كل أمر عواقبه

لجثامة بن قيس يهجو قوماً

وقال جثامة بن قيس يهجو قوماً:

أنتم أناس عظام لا قلوب لكـم

 

لا تعلمون أجاء الرشد أم غاب

وتبصرون رؤوس الأمورمقبلةً

 

ولا ترون وقد ولّين أذنـابـا

وقلّما يفجأ المكروه صاحـبـه

 

إذا رأى لوجوه الشر أسبابـاً

وقال آخر:

فلا يحذرون الشرّ حتى يصيبهم

 

ولا يعرفون الأمر إلا تدبّـرا

 

ويقال: "ظن العاقل كهانة".

من كتاب الهند في طبائع الناس

وفي كتاب للهند: "الناس حازمان وعاجز، فأحد الحازمين الذي إذا نزل به البلاء لم يبطر وتلقّاه بحيلته و رأيه حتى يخرج منه، وأحزم منه العارف بالأمر إذا أقبل فيدفعه قبل وقوعه، والعاجز في تردّد وتثنٍّ حائرٌ بائرٌ لا يأتمر رشداً ولا يطيع مرشداً".

 لشاعر في الظن الجميل

وقال الشاعر:

وإني لأرجو اللّه حتى كأنّـنـي

 

أرى بجميل الظن ما اللّه صانع

وقال آخر:

وغرّة مرّةٍ من فعـل غـرّ

 

وغرّة مرّتين فعـال مـوق

فلا تفرح بأمر قـد تـدنّـى

 

ولا تأيس من الأمر السّحيق

فإن القرب يبعد بعد قـرب

 

ويدنو البعد بالقدر المسـوق

ومن لم يتق الضّحضاح زلّت

 

به قدماه في البحر العمـيق

وما اكتسب المحامد طالبوهم

 

بمثل البشر والوجه الطّليق

 

بين مروان بن الحكم وحبيش بن دلجة

وقال مروان بن الحكم لحبيش بن دلجة: أظنك أحمق. قال: "أحمق ما يكون الشيخ إذا عمل بظنّه".

ونقش رجل على خاتمه: "الخاتم خير من الظن ومثله: "طينةٌ خير من ظنّة".

اتباع الهوى

لعامر بن الظّرب في غلبة الرأي الهوى

كان يقال: الهوى شريك العمى.

و قال عامر بن الظّرب: الرأي نائم والهوى يقظان، ولذلك يغلب الرأي الهوى.

وقال ابن عباس: "الهوى إله معبود" وقرأ "أفرأيت من اتّخذ إلهه هواه".

شعر لهشام بن عبد الملك

وقال هشام بن عبد الملك، ولم يقل غيره:

إذا أنت لم تعص الهوى قادك الهوى

 

إلى بعض ما فيه علـيك مـقـال

لبزرجمهر في النهي عن اتباع الهوى

وقال بزرجمهر: "إذا اشتبه عليك أمران فلم تدر في أيهما الصواب، فانظر أقربهما إلى هواك فاجتنبه".

 

ولعمرو بن العاص

كان عمرو بن العاص صاحب عمارة بن الوليد إلى بلاد الحبشة ومع عمرو امرأته فوقعت في نفس عمارة فدفع عمراً في البحر فتعلق بالسفينة وخرج، فلما ورد بلاد الحبشة سعى عمرو بعمارة إلى النّجاشيّ وأخبره أنه يخالف إلى بعض نسائه فدعا النّجاشي بالسواحر فنفخن في إحليله فهام مع الوحش، وقال عمرو في ذلك:

تعلّم عمارا أن من شـرّ شـيمة

 

لمثلك أن يدعى ابن عم له ابنما

وإن كنت ذا بردين أحوى مرجّلا

 

فلست براءٍ لابن عمك محرمـا

إذا المرء لم يترك طعاماً يحبّـه

 

ولم يعص قلباً غاوياً حيث يمّمـا

قضى وطراً منه يسيراً وأصبحت

 

إذا ذكرت أمثاله تملأ الـفـمـا

ومثله لحاتم طيّء ولآخر وقال حاتم طيّء في مثله:

وإنك إن أعطيت بطنك سؤلـه

 

وفرجك نالا منتهى الذمّ أجمعا

وقال آخر:

جار الجنيد عليّ محتـكـمـاً

 

جهلا ولست بموضع الظلـم

أكل الهوى حججي وربّ هوى

 

مما سيأكل حجّة الـخـصـم

لأعرابي في الهوى قال أعرابي: "الهوى هوان، ولكن غلظ باسمه".

للزبير بن عبد المطلب وللبريق الهذلي

وقال الزبير بن عبد المطّلب:

وأجتنب المقاذع حيث كانت

 

وأترك ما هويت لما خشيت

وقال البريق الهذلي:

ابن لي ما ترى والمرء تأبى

 

عزيمته ويغلـبـه هـواه

فيعمى ما يرى فيه عـلـيه

 

ويحسب مـا يراه لا يراه

 

قول في الأخوة

وكان يقال: "أخوك من صدقك وأتاك من جهة عقلك لا من جهة هواك