الكتاب الأول: كتاب السلطان - السر وكتمانه وإعلانه

السر وكتمانه وإعلانه

للرسول صلى الله عليه وسلم في الكتمان

حدّثني أحمد بن الخليل قال: حدّثنا محمد بن الحصيب قال: حدّثني أوس بن عبد اللّه بن بريدة عن أخيه سهل عن بريدة قال: قال رسول اللّه: "استعينوا على الحرائج بالكتمان فإنّ كلّ ذي نعمة محسود"..

للحكماء والعرب في السرّ وكانت الحكماء تقول: "سرّك من دمك والعرب تقول: "من ارتاد لسره موضعاً فقد أذاعه".

بين ابن أبي محجن ومعاوية

حدّثني عبد الرحمن بن عبد اللّه بن قريب عن عمه الأصمعيّ قال: أخبرني بعض أصحابنا قال: دخل ابن أبي محجن الثقفي على معاوية، فقال له معاوية: أبوك الذي يقول:

إذا متّ فادفنّي إلى أصل كـرمة

 

تروّي عظامي بعد موتي عروقهم

ولا تدفننّي في الفـلاة فـإنّـنـي

 

أخاف وراء الموت أن لاأذوقهـم

 

فقال ابن أبي محجن: لو شئت ذكرت أحسن من هذا من شعره. فقال معاوية: وما ذاك قال قوله:

لا تسألي القوم ما مالي وما حسبي

 

وسائلي القوم ما حزمي وما خلقي

القوم أعلم أني مـن سـراتـهـم

 

إذا تطيش يد الرّعديدة الـفـرق

أعطي السّنان غداة الرّوع حصّتـه

 

وعامل الرّمح أرويه من العلـق

قد أركب الهول مسدولاً عساكـره

 

وأكتم السر فيه ضربة العـنـق

 

شعر للصّلتان العبدي

وأنشدني للصّلتان العبدي:

وسرّك ما كان عند امرىء

 

وسرّ الثلاثة غير الخفي 

 

الإمام عليّ رضي اللّه عنه وافشاء السر

وكان عليّ بن أبي طالب رضي اللّه عنه يتمثّل بهذين البيتين:

ولا تفش سـرّك إلّا إلـيك

 

فإن لكلّ نصيح نصـيحـا

فإني رأيت غواة الـرجـا

 

ل لا يتركون أديما صحيحا

 

شعر في كتمان الهوى

وقال الشاعر:

ومراقبين تكاتما بهواهـمـا

 

جعلا القلوب لما تجنّ قبورا

يتلاحظان تلاحظا فكأنّـمـا

 

يتناسخان من الجفون سطورا

 وقال مسكين الدّارمي:

أواخي رجلا لست أطلع بعضهـم

 

على سر بعض غير أني جماعهم

يظلّون شتّى في البلاد وسـرّهـم

 

إلى صخرة أعيا الرّجال انصداعهم

مما قيل في كتمان السر

وقال:

ولو قدرت على نسيان ما اشتملـت

 

مني الضّلوع من الأسرار والخبـر

لكنت أوّل مـن ينـسـى سـرائره

 

إذ كنت من نشرهم يوماً على خطر

 

أسرّ رجلٌ إلى صديق له حديثاً فلما استقصاه قال له: أفهمت قال: لا، بل نسيت.

قيل لأعرابي: كيف كتمانك للسر قال: "ما قلبي له إلا قبر".

وقيل لمزبد: أيّ شيء تحت حضنك فقال: يا أحمق لم خبّأته. وقال الشاعر:

إذا ما ضاق صدرك عن حديث

 

فأفشته الرجال فمـن تـلـوم

إذا عاتبت من أفشى حـديثـي

 

وسرّي عنده فأنا الـظّـلـوم

وإني حين أسأم حمـل سـرّي

 

 

وقد ضمّنته صـدري سـؤوم

 

قيل لرجل: كيف كتمانك للسر قال: "أجحد المخبر وأحلف للمستخبر".


وكان يقال: "من وهي الأمر إعلانه قبل إحكامهوقال الشاعر:

إذا أنت حمّلت الخؤون أمانة

 

فإنك قد أسندتهم شرّ مسند

 

لعمرو بن العاص

وقال عمرو بن العاص: "ما استودعت رجلاً سرّاً فأفشاه فلمته، لأني كنت أضيق صدراً حين أستودعته وقال:

إذا أنت لم تحفظ لنفسك سرّهـم

 

فسرّك عند الناس أفشى وأضيع

وكان يقال: "من ضاق قلبه اتسع لسانه".

بين الوليد بن عتبة وأبيه

وقال الوليد بن عتبة لأبيه: إن أمير المؤمنين أسرّ إلي حديثاً ولا أراه يطوي عنك ما يبسطه لغيرك، أفلا أحدّثك به قال: لا يا بني "إنه من كتم سره كان الخيار له، ومن أفشاه كان الخيار عليه، فلا تكون مملوكاً بعد أن كنت مالكاً قال: قلت: وإن هذا ليجري بين الرجل وأبيه قال: لا، ولكني أكره أن تذلل لسانك بأحاديث السر. فحدّثت به معاوية فقال: يا وليد أعتقك أخي من رقّ الخطأ.

لبعض ملوك فارس

وفي كتب العجم أن بعض ملوك فارس قال: "صونوا أسراركم فإنه لا سر لكم إلا في ثلاثة مواضع: مكيدة تحاول أو منزلة تزاول أو سريرة مدخولة تكتم، ولا حاجة لأحد منكم في ظهور شيء منهم عنه".

وكان يقال: "ما كنت كاتمه من عدوك فلا تظهر عليه صديقك".

 لجميل بن معمر ثم لابن أبي ربيعة

وقال جميل بن أبي معمر:

أموت و ألقى اللّه يا بثن لم أبح

 

بسرّك والمستخبرون كثيرون

وقال عمر بن أبي ربيعة المخزومي:

ولما تلاقينا عرفت الـذي بـهـم

 

كمثل الذي بي حذوك النعل بالنعل

فقالت وأرخت جانب السّتر إنمـا

 

معي فتكلّم غير ذي رقبة أهلـي

فقلت لهم ما بي لهم من تـرقّـب

 

ولكنّ سرّي ليس يحمله مثـلـي

يريد أنه ليس يحمله أحد مثلي في صيانته وستره، أي فلا أبديه لأحد.

لزهير بن أبي سلمى

وقال زهير:

السّتر دون الفاحشات ولا

 

يلقاك دون الخير من ستر

وقال آخر:

فسرّي كإعلاني وتلك خليقتـي

 

وظلمة ليلي مثل ضوء نهم ريا

وقال آخر لأخٍ له وحدّثه بحديث: اجعل هذا في وعاء غير سرب. والسّرب السائل.

وكان يقال: "للقائل على السامع جمع البال والكتمان وبسط العذر".

وكان يقال: "الرّعاية خير من الاسترعاء".

 

بين عبيد اللّه بن زياد وابن همام السلولي

أتى رجل عبيد اللّه بن زياد فأخبره: أن عبد اللّه بن همّام السلّولي سبّه. فأرسل إليه فأتاه فقال: يا بن همام إن هذا يزعم أنك قلت: كذا وكذا. فقال ابن همّام:

فأنت امرؤ إمّا ائتمنتك خالـياً

 

فخنت، وإمّا قلت قولاً بلا علم

وإنك في الأمر الذي قد أتيتـه

 

لفي منزل بين الخيانة والإثـم

وقال آخر:

اخفض الصّوت إن نطقت بليل

 

والتفت بالنهار قبل الـكـلام

لبعض الأعراب في كتم السر، ولأبي الشيص

وقال بعض الأعراب:

ولا أكتم الأسرار لكن أنـمّـهـا

 

ولا أدع الأسرار تغلي على قلبي

وإن قليل العقل من بات لـيلـه

 

تقلّبه الأسرار جنباً إلى جـنـب

وقال أبو الشيص:

لا تأمنن على سـرّي وسـرّكـم

 

غيري وغيرك أو طيّ القراطيس

أو طائرٍ سأحـلّـيه وأنـعـتـه

 

ما زال صاحب تنقير وتأسـيس

سودٌ بـراثـنـه مـيلٌ ذوائبــه

 

صفرٌ حمالقه في الحسن مغموس

قد كان همّ سليمـان لـيذبـحـه

 

لولا سعايته يومـاً بـبـلـقـيس

وقال أيضاً:

أفضى إليك بسرّه قـلـمٌ

 

لو كان يعرفه بكى قلمه

لمسلم بن الوليد

وقال مسلم بن الوليد: في الكتاب يأتيك فيه السر.

الحزم تخريقه إن كنت ذا حـذر

 

وإنما الحزم سوء الظنّ بالناس

إذا أتاك وقـد أدّى أمـانـتـه

 

فاجعل صيانته في بطن أرماس

وقال آخر:

سأكتمه سرّي وأحفظ سرّه

 

ولا غرّني أني عليه كريم

حليمٌ فينسى أو جهولٌ يشيعه

 

ومن الناس إلا جاهل وحليم