صفات القاضي
حدّثنا إسحاق بن راهويه قال: أخبرنا بشر المفضّل بن لاحق قال: حدّثنا المغيرة بن محمد عن عمر بن عبد العزيز قال: "لا ينبغي للرجل أن يكون قاضياً حتى تكون فيه خمس خصال: يكون عالماً قيل أن يستعمل، مستشيراً لأهل العلم، ملقياً للرّثع، منصفاً للخصم، محتملاً للائمة".
حدّثني عليّ بن محمد قال: حدّثنا إسماعيل بن إسحاق الأنصاري عن عبد اللّه بن لهيعة عن عبد اللّه بن هبيرة عن عليّ عليه السلام أنه قال: "ذمتي رهينة وأنا به زعيم لمن صرحت له العبر ألّا يهلك على التقوى زرع قوم ولا يظمأ على التقوى سنخ أصل. ألا وإن أبغض خلق اللّه إلى اللّه رجل قمش جهلاً، غارًّا بأغباش الفتنة، عمياً بما في عقد الهدنة، سمّاه أشباهه من الناس عالماً ولم يغن في العلم يوماً سالماً. بكّر فاستكثر، ما قلّ منه فهو خير مما كثر حتى إذا ما ارتوى من آجن واكتنز من غير طائل قعد بين الناس قاضياً لتخليص ما التبس على غيره، إن نزلت به إحدى المبهمات هيأ حشوا رثّاً من رأيه، فهو من قطع الشبهات في مثل غزل العنكبوت. لا يعلم إذا أخطأ، لأنه لا يعلم أأخطأ أم أصاب. خبّاط عشوات ركّاب جهم لات، لا يعتذر مما لا يعلم فيسلم ولا يعضّ في العلم بضرس قاطع. يذرو الرواية ذرو الريح الهشيم، تبكي منه الدماء وتصرخ منه المواريث ويستحلّ بقضائه الفرج الحرام. لا ملىءٌ واللّه بإصدار ما ورد عليه ولا أهلٌ لما قرّظ به".
لابن شبرمة في القضاء
قال ابن شبرمة:
ما في القضاء شفعة لمخاصم |
|
عند اللبيب ولا الفقيه الحاكم |
أهون عليّ إذا قضيت بسـنة |
|
أو بالكتاب برغم أنف الراغم |
وقضيت فيما لم أجد أثراً بـه |
|
بنظائر معروفة ومعـالـم |
بين شريح والحجاج في توليه القضاء
الهيثم عن ابن عيّاش عن الشّعبي قال: كان أوّل قاضي قضى لعمر بن الخطاب بالعراق سلمان بن ربيعة الباهلي، ثم شهد القادسية وكان قاضياً بهم ، ثم قضى بالمدائن، ثم عزله عمر واستقضى شرحبيل على المدائن، ثم عزله واستقضى أبا قرّة الكندي، وهو اسمه، فاختط الناس الكوفة وقاضيهم أبو قرّة. ثم استقضى شريح بن الحارث الكندي فقضى خمساً وسبعين سنة إلا أن زياداً أخرجه مرة إلى البصرة واستقضى مكانه مسروق بن الأجدع سنة حتى قدم شريح فأعاده ولم يزل قاضياً حتى أدرك الفتنة في زمن ابن الزبير فقعد ولم يقض في الفتنة. فاستقضى عبد اللّه ابن الزبير رجلاً مكانه ثلاث سنين فلما قتل ابن الزبير أعيد شريح على القضاء فلقي رجل شريحاً في الطريق فقال: يا أبا أميةقضيت واللّه بجور. قال: وكيف ذاك ويحك! قال: كبرت سنّك واختلط عقلك وارتشى ابنك. فقال شريح: لاجرم لا يقولهم أحد بعدك. فأتى الحجاج فقال: واللّه لا أقضي بين اثنين. قال: واللّه لا أعفيك أو تبغيني رجلاً.فقال شريح: عليك بالعفيف الشريف أبي بردة بن أبي موسى. فاستقضاه الحجاج وألزمه سعيد بن جبير كاتباً و وزيراً.
بين علقمة بن مرثد ومحارب بن دثار
وروى الثوري عن علقمة بن مرثد أنه لقي محارب بن دثار وكان على القضاء فقال له: يا محارب، إلى كم تردّد الخصوم فقال له: إني والخصوم كما قال الأعشى:
أرقت وما هذا السّهاد الـمـؤرّق |
|
وما بي من سقم وما بي معشـق |
ولكن أرانـي لا أزل بـحـادث |
|
أغادي بما لم يمس عندي وأطرق |
رد إياس بن معاوية على رجل سأله عن مسألة فطوّل فيهم
حدّثني إسحق بن إبراهيم بن حبيب بن الشهيد عن قريش بن أنس عن حبيب ابن الشهيد قال: كنت جالساً عند إياس بن معاوية فأتاه رجل فسأله عن مسألة فطوّل فيهم ، فقال إياس: إن كنت تريد الفتيا فعليك بالحسن معلمي ومعلم أبي، وإن كنت تريد القضاء فعليك بعبد الملك ابن يعلى - وكان على قضاء البصرة يومئذ - وإن كنت تريد الصلح فعليك بحميد الطويل، وتدري ما يقول لك يقول لك: حطّ شيئاً، ويقول لصاحبك: زده شيئاً حتى نصلح بينكما.، وإن كنت تريد الشغب فغليك بصالح السّدوسي، وتدري ما يقول لك يقول لك: اجحد ما عليك. ويقول لصاحبك: ادّع ما ليس لك وادع بيّنةً غيّباً.
من صفات الحاكم وخصائص القضاء الحق
قرأت في الآيين: "ينبغي للحاكم أن يعرف القضاء الحقّ العدل والقضاء العدل غير الحق والقضاء الحق غير العدل ويقايس بتثبّت وروية ويتحفّظ من الشبهةوالقضاء الحق العدل عندهم قتل النفس بالنفس، والقضاء العدل غير الحق قتل الحرب بالعبد ، والقضاء الحق غير العدل الدية على العاقلة.
قول أعرابي في الحق
حدّثني عبد الرحمن بن عبد اللّه بن أخي الأصمعيّ قال: قال أعرابي لقوم يتنازعون: هل لكم في الحق أو فيما هو خير من الحق فقيل: وما يكون خيراً من الحق قال: التحاطّ والهضم فإن أخذ الحق كله مرٌّ.
حكم الهوى
حدّثني أبو حاتم عن الأصمعيّ قال: اختلف رجلان في شيء فحكّما رجلاً له في
المخطىء همى، فقال للمخطىء: من يقول بقولك أكثر.
الهيثم بن عدي قال: تقدّمت كلثم بنت سريع مولى عمرو بن حريث وأخوها الوليد
إلى عبد الملك بن عمير وهو قاضي الكوفة، وكان ابنه عمرو بن عبد الملك يرمى
بهما فقضى لهم ، فقال هذيل الأشجعي:
أتاه رفيق بـالـشـهـود يسـوقـهـم |
|
على ما ادّعت من صامت المال والخول |
فأدلـى ولـيدٌ عـنـد ذاك بـحـقــه |
|
وكـان ولـيد ذا مـراء وذا جـــدل |
ففتّنت القبطيّ حتى قـضـى لـهـمـا |
|
بغير قضاء اللّه في السّـور الـطّـول |
فلو كان من في القصر يعلم عـلـمـه |
|
لما استعمل القبطيّ فينا علـى عـمـل |
له حين يقضي للـنـسـاء تـخـاوصٌ |
|
وكان ما منه التـخـاوص والـحـول |
إذا ذات دلٍّ كـلـمـتـه لـحـــاجة |
|
فهمّ بأن يقضي تنـحـنـح أو سـعـل |
وبـرّق عـينـيه ولاك لـسـانـــه |
|
يرى كل شيء ما خلا شخصهم جلـل" |
فكان عبد الملك بن عمير يقول: واللّه لربما جاءتني السعلة أو التنحنح وأنافي المتوضّأ فأكفّ عن ذلك.
لابن مناذر في خالد بن طلق القاضي
وقال ابن مناذر قي خالد بن طليق وكان قد ولي قضاء البصرة:
قل لأمير المؤمنـين الـذي |
|
من هاشم في سرّها واللباب |
إن كنت للسّخطة عاقبتـنـا |
|
بخالد فهو أشدّ الـعـقـاب |
كان قضاة الناس فيما مضى |
|
من رحمة اللّه وهذا عذاب |
يا عجباً من خالـد كـيف لا |
|
يخطىء فتيا مرةً بالصواب |
وقال فيه:
جعل الحاكم يا لـلـنّ |
|
اس من آل طـلـيق |
ضحكةٌ يحكم في النـا |
|
س برأي الجاثـلـيق |
أي قاض أنت في النق |
|
ص وتعطيل الحقوق |
يا أبا الهـيثـم مـا أن |
|
ت لهـذا بـخـلـيق |
لا ولا أنت لمـا حـمّ |
|
لت منه بـمـطـيق |
رد بكر بن عبد اللّه المزني على عدي ابن أرطاة لما أراد توليته القضاء
أراد عديّ بن أرطاة بكر بن عبد اللّه المزني على القضاء فقال له بكر: واللّه ما أحسن القضاء، فإن كنت كاذباً أو صادقاً فما يحلّ لك أن توليني.
من قضاء ابن شبرمة
وروى عبد الرزاق عن معمر قال: لما عزل ابن شبرمة عن القضاء قال له والي اليمن: اختر لنا رجلاً نوليه القضاء. فقال له ابن شبرمة: ما أعرفه. فذكر له رجل من أهل صنعاء فأرسل إليه فجاء، فقال له ابن شبرمة: هل تدري لم دعيت قال: لا. قال: إنك قد دعيت لأمر عظيم، للقضاء. قال: ما أيسر القضاء! فقال له ابن شبرمة: فنسئلك عن شيء يسير منه. قال: سل. قال له ابن شبرمة: ما تقول في رجل ضرب بطن شاة حامل فألقت ما في بطنهم فسكت الرجل، فقال له ابن شبرمة: أنا بلونك فما وجدنا عندك شيئاً. فقيل له ما القضاء فيهم قال ابن شبرمة: تقوّم حاملاً وتقوّم حائلاً ويغرم قدر ما بينها.
امتحان يحيى بن أكثم لمن يريد القضاء
حدّثني عبد اللّه بن محمد الخلنجي قال: كان يحيى بن أكثم يمتحن من يريدهم للقضاء، فقال الرجل: ما تقول في رجلين زوّج كل واحد منهما الآخر أمّه فولد لكل واحد من امرأته ولد، ما قرابة ما بين الولدين فلم يعرفهم ، فقال له يحيى: كل واحد من الولدين عمّ الآخر لأمه.
بين عبد الملك بن مروان وحميد بن بحدل
ودخل رجل من أهل الشأم على عبد الملك بن مروان فقال: إني تزوجت امرأة وزوجت ابني أمّهم ولا غنى بنا عن رفدك. فقال له عبد الملك: إن أخبرتني ما قرابة ما بين أولادكما إذا أولدتما، فعلت. قال: يا أمير المؤمنين، هذا حميد بن بحدل قد قلدته سيفك ووليته ما وراء بابك فسله عنهم ، فإن أصاب لزمني الحرمان، وإن أخطأ اتسع لي العذر. فدعا بالبحدلي فسأله، فقال: يا أمير المؤمنين، إنك ما قدمتني على العلم بالأنساب ولكن على الطعن بالرّماح، أحدهما عمّ الآخر والآخر خاله.
رفض ابن أبي حذيفة تولي القضاء
قال ابن سيرين: كنا عند أبي عبيد ة بن أبي حذيفة في قبّة له وبين يديه كانون له فيه نار فجاءه رجل فجلس معه على فراشه فسارّه بشيء لا ندري ما هو، فقال له أبو عبيد ة: ضع لي إصبعك في هذه النار. فقال له الرجلك سبحان اللّه! تأمرني أن أضع لك أصبعي في هذه النار! فقال له أبو عبيد ة: أتبخل عليّ بأصبع من أصابعك في نار الدنيا وتسألني أن أضع لك جسدي كله في نار جهنم! قال: فظننا أنه دعاه إلى القضاء.
صفات القاضي الكامل وغير الكامل
كان يقال: "ثلاث إذا كنّ في القاضي فليس بكامل: إذا كره اللوائم، وأحبّ المحامد، وكره العزل. وثلاث إذا لم تكن فيه غليس بكامل: يشاور وإن كان عالماً، ولا يسمع شكيّة من أحد حتى يكون معه خصمه، ويقضي إذا علم".
قالوا: "ويحتاج القاضي إلى العدل في لحظه ولفظه وقعود الخصوم بين يديه وألا يقضي وهو غضبان ولا يرفع صوته على أحد الخصمين ما لا يرفعه على الآخر".
بين الشعبي وشريح في ترك الأخذ بالظواهر
قال الشعبي: حضرت شريحاً ذات يوم وجاءته امرأة تخاصم زوجهم فأرسلت عينيهم فبكت فقلت: يا أبا أمية ما أظنهم إلا مظلومة. فقال: يا شعبي، إن أخوة يوسف جاءوا أباهم عشاء يبكون.
كتاب عمر بن الخطاب إلى أبي موسى الأشعريّ في القضاء
بلغني عن كثير بن هشام عن جعفر بن برقان قال: كتب عمر بن الخطاب رضي اللّه عنه إلى أبي موسى الأشعريّ كتاباً فيه: "بسم اللّه الرحمن الرحيم، من عبد اللّه عمر أمير المؤمنين إلى عبد اللّه بن قيس. سلام عليك، أما بعد فإن القضاء فريضة محكمة وسنة متبعة، فأفهم إذا أدلي إليك، فإنه لا ينفع تكنلّم بحق لا نفاذ له. آس بين الناس في مجلسك ووجهك حتى لا يطمع شريف في حيفك ولا ييأس ضعيف من عدلك. البيّنة على من ادّعى واليمين على من أنكر، والصلح جائز بين الناس إلا صلحاً أحلّ حراماً أو حرّم حلالاً، ولا يمنعنّك قضاء قضيته بالأمس فراجعت فيه نفسك وهديت لرشدك أن ترجع إلى الحق فإن الحق لا يبطله شيء. واعلم أن مراجعة الحق خير من التمادي في الباطل. الفهم الفهم فيما يتلجلج في صدرك مما ليس فيه قرآن ولا سنة، واعرف الأشباه والأمثال ثم قس الأمور عند ذلك ثم اعمد لأحبّهم إلى اللّه وأشبههم بالحق فيما ترى. اجعل لمن ادّعى حقاً غائباً أمداً ينتهي إليه فإن أحضر بينة أخذ بحقه وإلا استحللت عليه القضاء. والمسلمون عدول في الشهم دة إلامجلوداً في حدّ أو مجرّباً عيه شهم دة زور أو ظنينا في ولاء أو قرابة. إن اللّه عزّ وجل تولّى منكم السرائر ودرأ عنكم بالبينات والإيمان. وإياك والقلق والضجر والتإذي بالخصوم في مواطن الحق التي يوجب اللّه بهم الأجر ويحسن الذخر، فإنه من صلحت سريرته فيما بينه وبين اللّه أصلح اللّه ما بينه وبين الناس، ومن تزيّن للدنيا بغير ما يعلم اللّه منه شانه اللّه، والسلام".
لشعر لسلمة بن الخرشب بشأن الرهن التي وضعت على يدي سبيع التغلبي في قتلى عبس وذبيان
وقال سلمة بن الخرشب لسبيع التغلبي في شأن الرّهن التي وضعت على يديه في قتلى عبس وذبيان:
أبلغ سـبـيعـا وأنـت سـيدنـا |
|
قدما وأوفى رجالـنـا ذمـمـا |
أن بـغـيضـاً وأن أخـوتـهـم |
|
ذبيان قد ضرّموا الذي اضطرما |
نبّئت أن حـكّـمـوك بـينـهـم |
|
فلا تقولـنّ بـئس مـا حـمـك |
إن كنت ذا عـرفة بـشـأنـهـم |
|
تعرف ذا حقّهم ومن ظـلـمـا |
وتنزل الأمـر فـي مـنـازلـه |
|
حكما وعلما وتحضر الفـهـمـا |
فاحكم فأنت الحـكـيم بـينـهـم |
|
لن يعدموا الحقّ بارداً صمـتـا |
واصدع أديم الـسـواء بـينـهـم |
|
على رضى من رضا ومن رغما |
إن كان مالا فـمـثـل عـدّتـه |
|
مالٌ بـمـال وإن دمـاً فـدمـا |
هذا وإن لم تطق حكـومـتـهـم |
|
فانبذ إليهم أمـورهـم سـلـمـا |
إعجاب عمر بن الخطاب من علم زهير بن أبي سلمى
وأنشد عمر بن الخطاب شعر زهير بن أبي سلمى، فلما بلغ قوله:
فإن الحق مقطعه ثلاث |
|
يمينٌ أو نفارٌ أو جلاء |
جعل عمر يتعجب من علمه بالحقوق وتفصيله بينهم ويقول كلا يخرج الحق من إحدى ثلاث إما يمين أو محاكمةٌ أو حجةٌ.
شعر لابن أبي ليلى الفقيه في القاضي ابن شبرمة
وقال ابن أبي ليلى الفقيه في عبد اللّه بن شبرمة:
وكيف ترجّى لفصل القضاء |
|
ولم تصب الحكم في نفسكا |
وتزعم أنك لابن الـجـلاح |
|
وهيهم ت دعواك من أصلكا |
شعر العلاء بن المنهم ل في شريك القاضي
عبد اللّه بن صالح العجلي قال: خرج شريك وهو على القضاء يتلقى الخيزران وقد أقبلت تريد الحج، فأتى، "شاهي"، فأقام بهم ثلاثاً ولك تواف فخفّ زاده وما كان معه من الخبز فجعل يبلّه بالماء وي أكله بالملح، فقال العلاء بن المنهم ل الغنوي:
فإن كان الذي قد قلت حـقـاً |
|
بأن قد أكرهوك على القضاء |
فما لك موضعاً في كـل يوم |
|
تلقّى من يحجّ من النـسـاء |
مقيماً في قرى شاهي ثلاثـا |
|
بلا زاد سوى كسـرٍ ومـاء |
يزيد النـاس خـيراً كـلّ يوم |
|
فترجع يا شريك إلـى وراء |
وقال فيه أيضاً:
فليت أبا شريك كـان حـيا |
|
فيقصر حين يبصره شريك |
ويترك من تدرّيه علـيّنـا |
|
إذا قلنا لـه هـذا أبـوك |
شعر في بعض الحكام غير العدول
وأنشد لبعض الشعراء في بعض الحكام:
أبكي وأندب بهجة الإسـلام |
|
إذ صرت تقعد مقعد الحكّام |
إن الحوادث ما علمت كثيرة |
|
وأراك بعض حوادث الأيام |
حدّثني يزيد بن عمرو قال: حدّثني القاسم بن الفضل قال: حدّثني رجل من بني جرير أن رجلاً منهم خاصم رجلاً إلى سوّار بن عبد اللّه فقضى على الجريري، فمر سوّار ببني جرير فقام إليه الجريري فصرعه وخنقه وجعل يقول:
رأيت أحلاماً فعبّرتـهـم |
|
وكنت للأحلام عـبّـارا |
رأيتني أخنق ضبًّا علـى |
|
حجر وكان الضبّ سوّارا |
في الشهم دات أقوال في الشهم دته
حدّثني أبو حاتم قال: حدّثنا الأصمعيّ قال لي أيوب: إن من أصحابي من أرجو دعوته ولا أجيز شهم دته. قال: وقال سوّار: ما أعلم أحداً أفضل من عطاء السّلمي، ولو شهد عندي على فلسين لم أجز شهم دته. يذهب إلى أنه ضعيف الرأي ليس بالحازم، لا أنه يطعن عليه في دينه وأمانته.
قال: وشهد أبو عمرو بن العلاء عند سوّار على نسب فقال سوار: وما يدريك أنه ابنه قال: كما أعلم أنك سوّار بن عبد اللّه بن عنزة بن نقب.
قال: وشهد رجل عند سوار في دار قد ادّعاهم رجل قال: أشهد أنهم من الماء إلى السماء.
وشهد آخر فقال للكاتب: اكتب شهم دتهما. فقال: أيّ شي ء أكتب فقال: كلّ شيء يخرج الدار من يد هذا ويجعلهم في ملك هذا فاكتبه.
قال أبو حاتم: بلغني أنه إنما قيل شهم دة عربية وما أشبهه.
قال: وشهد رجل عند سوار، فقال له: ما صناعتكن قال: أنا مؤدّب. قال: فإنّا لا نجيز شهم دتكن. قال: ولم قال: لأنك تأخذ على تعليّم القرآن أجراً. قال: وأنت تأخذ على القضاء بين المسلمين أجراً. قال إني أكرهت على القضاء. قال: يا هذا، القضاء أكرهت عليه فهل أكرهت على أخذ الرزق قال: هلمّ شهم دتكن. فأجازهم .
قال:وشهد الفرزدق عند بعض القضاة فقال: قد أجزنا شهم دة أبي فراس، وزيدونا. فقيل له حين انصرف: إنه واللّه ما أجاز شهم دتكن. قال: وما يمنعه من ذلكوقد قذفت ألف محصنة.
شعر لأبي دلامة في شهم دته عند ابن أبي ليلى
وجاء أبو دلامة ليشهد عند ابن أبي ليلى فقال في مجلسه ذلك:
إن القوم غطّوني تغطيت دونهم |
|
وإن بحثوا عني ففيهم مباحـث |
وإن حفروا بئري حفرت بئارهم |
|
ليعلم ما تخفيه تلك النّـبـائت |
فأجاز شهم دته وحبس المشهود عليه عنده وأعطاه قيمة الشيء.
من قضاء ابن شبرمة
أتى رجل ابن شبرمة بقوم يشهدون له على قراح فيه نخل، فشهدوا وكانوا عدولاً فسألهم: كم في القراح من نخلة قالوا: لا نعلم. فردّ شهم دتهم. فقال له رجل منهم: أنت تقضي في هذا المسجد منذ ثلاثين سنة، فأعلمنا: كم فيه من أسطوانة فأجازهم.
شعر في خصومة القاضي
وقال بعض الشعراء:
والخصم لا يرتجى النجاة لـه |
|
يوماً إذا كان خصمه القاضي |
قول لزياد في الحقوق إلى ذوي الخاصّة منه
قدم رجلاً خصماً له إلى زياد في حق له عليه، فقال: إن هذا الرجل يدلّ بخاصّة ذكر أنهم له منك. قال: نعم. وسأخبرك بما ينفعه عندي من خاصّته: إن يكن الحقّ له عليك آخذك أخذاً عنيفاً، وإن يكن الحق لك عليه أقضىلا عليه ثم أقض عنه.
في الحكم إلى الأخوان
وقال أبو اليقظان: كان عبيد اللّه بن أبي بكرة قاضياً وكان يميل في الحكم إلى إخوانه. فقيل له في ذلك. فقال: وما خير رجل لا يقطع من دينه لإخوانه
قول عمرو بن العاص لطلحة بن عبيد اللّه والزبير
قال المدائني: كان بين طلحة بن عبيد اللّه والزبير مدارأة في واد بالمدينة. قال: فقالا: نجعل بيننا عمرو بن العاص، فأتياه فقال لهما: أنتما في فضلكما وقديم سوابقكما ونعمة اللّه عليكما تختلفان! وقد سمعتما من رسول اللّه مثل ما سمعت وحضرتما من قوله مثل الذي حضرت فيمن اقتطع شبرا من أرض أخيه بغير حق أنه يطوّقه من سبع أرضين! والحكم أحوج إلى العدل من المحكوم عليه وذلك أن الحكم إذا جار رزيء دينه والمحكوم عليه إذا جير عليه رزيء عرض الدنيا "إن شئتما فأدليا بحجتكنما" وإن شئتما فأصلحا ذات بينكما. فاصطلحا وأعطى كل واحد منهما بصاحبه بالرضا.
فيمن كان السندي لا يقبل شهم دتهم
وكان السّنديّ بن شاهك لا يستحلف المكاري ولا الحائك ولا الملّاح ويجعل القول قول المدّعي مع يمينه، ويقول: اللهم إني أستخيرك في الجمّال ومعلّم الصبيان. فيمن لاتقبل شهم دته في البادية
وقال أبو البيداء: سمعت شيخاً من الأعراب يقول: نحن بالبادية لا نقبل شهم دة العبد ولا شهم دة العذيوط ولا المغذّى ببوله. قال أبو البيداء: فضحكت واللّه حتى كدت أبول في ثوبي.
لعبيد اللّه بن الحسن في عدم إجازة شهم دة الأحمق
وقيل لعبيد اللّه بن الحسن العنبري: أتجيز شهم دة رجل عفيف تقيّ أحمق قال: لا، وسأريكم. ادعوا لي أبا مودود حاجبي. فلما جاء قال له: اخرج حتى تنظر ما الريح فخرج ثم رجع فقال: شمال يشوبهم شيء من الجنوب. فقال: أتروني كنت مجيزاً شهم دة مثل هذا
بين الأعمش ومحارب بن دثار
في ولاية القضاء والعزل عنه
قال الأعمش: قال لي محارب بن دثار: وليت القضاء فبكى أهلي وعزلت عنه فبكوا، فما أدري مم ذاك فقلت له: وليت القضاء فكرهته وجزعت منه فبكى أهلك، وعزلت عنه فكرهت العزل وجزعت منه فبكى أهلك. فقاتل: إنه لكما قلت.
بين إياس بن معاوية وقاضٍ لعبد اللّه بن مروان
قدم إياس بن معاوية الشأم وهو غلام فقدّم خصما له إلى قاض لعبد الملك بن مروان وكان خصمه شيخاً كبيراً. فقال له القاضي: أتقدّم شيخاً كبيراً فقال له إياس الحق أكبر منه. قال: اسكت. قال: فمن ينطق بحجتي قال: ما أظنك تقول حقاً حتى تقوم. قال: أشهد أن لا إله إلا اللّه. فقام القاضي فدخل على عبد الملك فأخبره بالخبر فقال: اقض حاجته وأخرجه من الشأم لا يفسد عليّ الناس.
قول أعرابي لخصمٍ له
قال أعرابي لخصم له: "واللّه لئن هملجت إلى الباطل إنك عن الحق لقطوف".