الكتاب الثاني: كتاب الحرب - آداب الحرب ومكائدهم

آداب الحرب ومكائدهم

للرسول في عدم تمني لقاء العدو قال أبو محمد عبد اللّه بن مسلابن قتيبة: حدّثني محمد بن عبيد ة قال: حدّثنا معاوية بن عمرو عن أبي إسحاق عن هشام والأوزاعيّ عن يحيى بن أبي كثير قال: قال رسول اللّه: "لا تمنّوا لقاء العدوّ فعسى أن تبتلوا بهم ولكن قولوا اللهم اكفنا وكفّ عنا بأسهم، وإذا جاءوكم يعزفون ويزحفون ويصيحون فعليكم الأرض جلوساً، ثم قولوا: اللهم أنت ربنّا وربّهم، ونواصينا ونواصيهم بيدك، فإذا غشوكم فثوروا في وجوههم".

لأبي الدرداء في القتال بالأعمال

حدّثني محمد بن عبيد عن معاوية عن أبي إسحاق عن سعيد بن عبد العزيز عمن حدّثه أنّ أبا الدرداء قال: أيهم الناس، عملٌ صالح قبل الغزو فانما تقاتلون بأعمالكم.

لعمر بن الخطاب عند عقده الألوية لأمراء الجيوش

حدّثنا القاسم بن الحسن عن الحسن بن الربيع عن ابن مبارك عن حيوة بن شريح قال: كان عمر بن الخطاب رضي اللّه عنه إذا بعث أمراء الجيوش أوصاهم بتقوى اللّه العظيم، ثم قال عند عقد الألوية: بسم اللّه وعلى عون اللّه وامضوا بتأييد اللّه بالنصر وبلزوم الحق والصبر، فقاتلوا في سبيل اللّه من كفر باللّه ولا تعتدوا إن اللّه لا يحب المعتدين. لا تجنبوا عند اللقاء ولا تمثّلوا عند القدرة ولا تسرفوا عند الظهور ولا تقتلوا هرماً ولا امرأة ولا وليداً. وتوقّوا قتلهم إذا التقى الزّحفان وعند حمّة النّهضات وفي شنّ الغارات. ولا تغلّوا عند الغنائم ونزّهوا الجهم د عن عرض الدنيا وأبشروا بالرّباح في البيع الذي بايعتم به وذلك هو الفوز العظيم.

وصية أكثم بن صيفي لقوم استشاروه في حرب

استشار قوم أكثم بن صيفيّ في حرب قوم أرادوهم وسألوه أن يوصيهم فقال: أقلّوا الخلاف على أمرائكم، واعلموا أن كثرة الصّياح من الفشل والمرء يعجز لا محالة. تثبّتوا فإن أحزم الفريقين الرّكين، وربّت عجلةٍ تعقب ريثا، وآتزروا للحرب وادّرعوا الليل فإنه أخفى للويل، ولا جماعة لمن اختلف عليه.

وقال بعض الحكماء: قد جمع اللّه لنا أدب الحرب في قوله تعالى: "يأيّهم الّذين آمنوا إذا لقيتم فئةً فاثبتوا وآذكروا اللّه كثيراً لعلّكم تفلحون وأطيعوا اللّه ورسوله ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم و آصبروا إنّ اللّه مع الصّابرين".

قول عتبة بن ربيعة لأصحابه يوم بدر

حدّثني محمد بن عبيد قال: حدّثنا معاوية بن عمرو عن أبي إسحاق عن الأوزاعيّ قال: قال عتبة بن ربيعة يوم بدر لأصحابه: ألا ترونهم - يعني أصحاب النبي - جثيًّا على الرًكب كأنهمخرسٌ يتلمًظون تلمًظ الحيًات. قال: وسمعتهم عائشة يكّبرون يوم الجمل فقالت: لا تكنثروا الصياح فإن كثرة التكنبير عند اللقاء من الفشل.

وصية أبو بكر ليزيد بن أبي سفيان

وذكر أبو حاتم عن العتبيّ عن أبي إبراهيم قال: أوصى أبو بكر رضي اللّه عنه يزيد بن أبي سفيلن حين وجّهه إلى الشام فقال: يا يزيد سر على بركة اللّه. إذا دخلت بلاد العدوّ فكن بعيداً من الحملة فإنة لا آمن عليك الجولة. وآستظهر بالزاد وسر بالأدلاّء ولا تقاتل بمجروح فإنّ بعضه ليس منه، وآحترس من البيات فإنّ في العرب غرّة، وأقلل من الكلام فإنما لك ما وعي عنك. وإذا أتاك كتابي فأنفذه فإنما أعمل على حسب إنفاذه. وإذا قدمت عليك وفود العجم فأنزلهم معظم عسكرك وأسبغ عليهم النفقة و امنع الناس عن محادثتهم ليخرجوا جاهلين كما دخلوا جاهلين. ولا تلحّن في عقوبة "فإن أدناهم وجع" ولا تسرعنّ إليهم وأنت تكنتفي بغيرهم. واقبل من التاس علانيتهم وكلهم إلى اللّه في سرائرهم. ولا تجسّس عسكرك فتفضحه ولا تهمله فتفسده. وأستودعك اللّه الذي لا تضيع ودائعه.

وصية أبو بكر لعكرمة حين وجهه إلى عمان

"قال بو بكر لعكرمة حين وجهه إلى عمان: يا عكرمة سر على بركة اللّه ولا تنزل على مستأمن ولا تؤمّنن على حق مسلم وأهدر الكفر بعضه ببعض. وقدّم النّذر بين يديك. ومهما قلت إني فاعل فافعله ولا تجعل قولك لغواً في عقوبة ولا عفو. ولا ترج إذا أمّنت زلا تخافنّ إذا خوّفت ولكن انظر متى تقول وما تقول. ولا تعدنّ معصية بأكثر من عقوبتنا فإن فعلت أثمت وإن تركت كذبت. ولاتؤمّنن شريفاً دون أن يكفل بأهله ولا تكنفلنّ ضعيفاً أكثر من نفسه. واتق اللّه فإذا لقيت فاصبر".

وصية عبد الملك بن صالح إلى أمير سرية إلى بلاد الروم

وأوصى عبد الملك بن صالح أمير سريّة إلى بلاد الروم فقال: أنت تاجر اللّه لعباده فكن كالمضارب الكيّس الذي إن وجد ربحاً تجر، وإلا احتفظ برأس المال. ولا تطلب الغنيمة حتى تحوز السلامة. وكن من احتيالك على عدوّك أشدّ حذراً من احتيال عدوّك عليك.

وصية رسول اللّه إلى عمرو بن العاص أو زيد بن حارثة

وحدّثني محمد بن عبيد عن ابن عيينة قال: أخبرني رجل من أهل المدينة أنّ رسول اللّه قال ليزيد بن حارثة أو لعمرو بن العاص: "إذا بعثتكن في سرية فلا تتنقّهم واقتطعهم فإن اللّه ينصر القوم بأضعفهم".

فيمن لا يخرج إلى الغزو

حدّثني محمد بن عبيد "عن ابن عيينة" عن عمرو بن دينار عن عبيد بن عمير قال: غزا نبي من الأنبياء أو غير نبي فقال: "لا يغزونّ معي رجل بنى بناء لم يكمله، ولا رجل تزوّج امرأة لم يبن بهم ، ولا رجل زرع زرعاً ثم لم يحصده".

كلام عليّ رضي اللّه عنه لأصحابه يوم صفين

"وذكر ابن عباس عليّاً فقال: ما رأيت رئيساً يوزن به. لرأيته يوم صفّين وكأنّ عينيه سراجا سليط وهو يحمّس أصحابه إلى أن انتهى إليّ وأنا في كثفٍ فقال: معشر المسلمين، استشعروا الخشية وعنّوا الأصوات وتجلببوا السكينة وأكملوا اللّؤم وأخفوا الخون وقلقلوا السيوف في أغمادهم قبل السّلّة والحظوا الشّزر واطعنوا النّبر ونافحوا بالظّبا و صلوا السيوف بالخطا والرماح بالنّبل وامشوا إلى الموت مشياً سجحا. وعليكم بهذا السواد الأعظم والرّواق المطنّب فاضربوا ثبجه فإن الشيطان راكد في كسره نافج خصييه مفترش ذراعيه قد قدّم للوثبة يداً وأخّر للنّكوص رجلاً".

بين يزيد بن معاوية وسلابن زياد

ولما ولّى يزيد بن معاوية سلابن زياد خراسان قال هل: إن أباك كفى أخاه عظيماً، وقد استكنفيتكن صغيراً فلا تتكنلنّ على عذر مني فقد اتكنلت على كفاية منك. وإياك منّي أن أقول إياي منك، فإنّ الظن إذا أخلف فيك أخلف منك. وأنت في أدنى حظك فاطلب أقصاه، وقد أتعبك أبوك فلا تريحنّ نفسك، وكن لنفسك تكن لك، واذكر في يومك أحاديث غدك ترشد إن شاء اللّه.

لأم جبغويه ملك طخارستان فيما ينبغي للأمير

قال الأصمعيّ: قالت أم جبغويه ملك طخارستان لنصر بن سيّار الليثي: ينبغي للأمير أن تكون له ستة أشياء: وزير يثق به ويفشي إليه سرّه، وحصن يلجأ إليه إذا فزع فينجيه - يعني فرساً - وسيف إذا نازل به الأقران لم يخف خونه، وذخيرة خفيفة المحمل إذا نابته نائبة أخذهم ، وامرأة إذا دخل عليهم أذهبت همّه، وطباخ إذا لم يشته الطعام صنع لم ما يشتهيه.

للرسول عليه الصلاة والسلام

وبلغني عن عبّاد بن كثير عن عقيل "بن خالد" عن الزّهري عن عبيد اللّه بن عبد اللّه عن ابن عباس قال: قال رسول اللّه: "خير الأصحاب أربعة وخير السرايا أربعمائة وخير الجيوش أربعة الاف وما غلب قوم قطّ يبلغون اثني عشر ألفاً إذا اجتمعت كلمتهم"وقال رجل يوم حنين: لن نغلب اليوم عن قلّة. وكانوا اثني عشر ألفاً فهزم المسلمون يومئذ وأنزل اللّه عزو جل "ويوم حنينٍ إذ أعجبتكنم كثرتكنم" الآية"

ثلاث من كنّ فيه كنّ عليه

وقالوا كان يقال: ثلاث من كنّ فيه كنّ عليه: البغي، قال اللّه تعالى: "يأيّهم النّاس إنما بغيكم على أنفسكم"، والمكر، قال اللّه تعالى: " ولا يحيق المكر السّيّء إلا بأهله " والنّكث، قال عز وجل: "فمن نكث فإنّما ينكث على نفسه".

من كتاب للهند

وقرأت في كتاب للهند: لاظفر مع بغي، ولا صحّة مع نهم، ولا ثناء مع كبر، ولا صداقة مع خبّ، ولا شرف مع سوء أدب، ولا برّ مع شحٍّ، ولا اجتناب محرّم مع حرص، ولا محبة مع زهو، ولا ولاية حكم مع عدم فقه، ولا عذر مع إصرار، ولا سلامة مع ريبة، ولا راحة قلب مع حسد، ولا سؤدد مع انتقام، ولا رئاسة مع غرارة وعجب، ولا صواب مع ترك المشاورة، ولا ثبات ملك مع تهم ون وجهم لة وزراء.

لقتيبة بن مسلم في صفة المحارب

خرجت خارجة بخراسان على قتيبة بن مسلم فأهمّه ذلك فقيل له: ما يهمّك منهم وجّه إليهم وكيع بن أبي سود فإنه يكفيكهم. فقال:لا، إنّ وكيعاً رجل به كبر يحتقر أعداءه، ومن كان هكذا قلّت مبالاته بعدوّه فلم يحترس منه فيجد عدوّه منه غرّة.

لأحد ملوك العجم في المكيدة بالحرب

وقرأت في بعض كتب العجم أنّ ملكاً من ملوكهم سئل: أيّ مكائد الحرب أحزم فقال: إذكاء العيون واستطلاع الأخبار وإفشاء الغلبة وإظهم ر السرور وإماتة الفرق والاحتراس من البطانة من غير إقصاء لمن يستنصح ولا استنصاح لمن يستغشّ ولا تحويل شيء عن شيء إلا بسدّ ناحية من المراتب وحسن مجاملة الظنون وإشغال الناس عما هم فيه من الحرب بغيره.

وسئل عن وثائق الحزم في القتال فقال: مخاتلة العدوّ عن الرّيف وإعداد العيون على الرّصد وإعطاء المبلّغين على الصدق ومعاقبة المتوصّلين بالكذب وألا تحرج هم رباً إلى قتال ولا تضيّق أماناً على مستأمن ولا تشبّ عن أصحابك للبغية و لا تشدهنّك الغنيمة عن المحاذرة.

من كتاب للهند

وقرأت في كتاب للهند: الحازم يحذر عدوّه على كل حال. يحذر المواثبة إن قرب، والغارة إن بعد، والكمين إن انكشف، والاستطراد إن ولّى، والمكر إن رآه وحيداً، ويكره القتال ما وجد بدّاً لأن النفقة فيه من الأنفس والنفقة في غيره من المال.

من كتاب الآيين في فن المحاربة

و قرأت في الآيين: قد جرت السنة في المحاربة أن يوضع من مكان من الجند أعسر في الميسرة ليكون لقاؤه يسراً ورميه شزراً وأن يكون اللقاء من الفرسان قدماً وترك ذلك على حال ممايلة أو مجانبة وأن يرتاد للقلب مكاناً مشرفاً ويلتمس وضعه فيه فإن أصحاب الميمنة والميسرة لا يقهرون ولا يغلبون وإن زالتا بعض الزوال ما ثبت المادّتان فإن زالت المادّتان لم ينتفع بثبات الميمنة والميسرة. "وإذا عيّ الجند فليناوش أهل الميمنة والمادّتان فأما الميسرة" فلا يشذنّ منهم أحد إلاّ أن يبادر إليهم من العدوّ من يخاف بائقته فيردّون عاديتهم مع أنّ أصحاب الميمنة والمادّتين لا يقدرون على لقاء من يناوشهم والرجوع إلى أصحابهم عاطفين، وأصحاب الميسرة لا يقدرون على مناوشة إلا مائلين ويعجزهم الرجوع عاطفين. ولا يألونّ صاحب الجيش على حال من الحال أن يستدبر جنده عين الشمس والريح، ولا يحاربنّ جنداً إلا على أشدّ الضرورة وعلى حال لا يوجد معهم من المحاربة بدٌّ، فإذا كان كذلك فليجهد صاحب الجيش أن يدفع بالحرب إلى أخر النهم ر. وينبغي على كل حال أن يخلّى بين المنهزمين وبين الذهم ب ولا يحبسوا. وإن كان الجند قد نزلوا على ماء وأراد العدوّ أن ينالوا من الماء فليس من الرأي أن يحال بينهم وبينه لئلا يحرجوا إلى الجدّ في محاربتهم. وإن كان العدو قد نزلوا بماء وأراد الجند غلبتهم عليه فإن وقت طلب ذلك عند ريّ العدوّ من الماء وسقيهم دوابّهم منه وعند حاجة الجند إليه، فإن أسلس ما يكون الإنسان عن الشيء عند استغنائه عنه وأشدّ ما يكون طلباً للشيء عند حاجنه إليه. ولتسر الطلائع في قرار من الأرض ويقفوا على التّلاع ولا يجوزوا أرضاً لم يستقصوا خبرهم. وليكمن الكمين في الخمر والأماكم الخفية. وليطرح الحسك في المواضع التي يتخوّف فيهم البيات. وليحترس صاحب الجيش من انتشار الخبر عنه فأن في انتشاره فساد العسكر وانتقاضه.وإذا كان أكثر من في الجند من المقاتلة مجرّبين ذوي حنكة وبأس فبدار العدوّ الجند إلى الوقعة خير للجند.وإذا كان أكثرهم أغماراً ولم يكن من القتال بدّ فبدار الجند إلى مقاتلة العدوّ أفضل للجند. وليس ينبغي للجند أن يقاتلوا عدوّاً إلا أن تكون عدّتهم أربعة أضعاف عدّة العدوّ أو ثلاثة أضعافهم، فإن غزاهم عدوّهم لزمهم أن يقاتلوهم بعد أن يزيدوا على عدّة العدو مثل نصف عدّتهم. وأن توسط العدوّ بلادهم لزمهم أن يقاتلوهم وإن كانوا أقل منهم، وينبغي أن ينتخب للكمين من الجند أهل جرأة وشجاعة وتيقّظ وصرامة وليس بهم أنين ولا سعال ولا عطاس ويختار لهم من الدواب ما لايصهل ولا يغنث، ويختار لكمونهم مواضع لا تغشى ولا تؤتى، قريبة من الماء حتى ينالوا منه إن طال مكثهم، وأن يكون إقدامهم بعد الرويّة والتشاور والثقة بإصابة الفرصة، ولا يخيفوا سباعاً ولا طيراً ولا وحشاً. وأن يكون إيقاعهم كضريم الحريق، وليجتنبوا الغنائم ولينهضوا من المكمن متفرقين إذا ترك العدوّ الحراسة وإقامة الرّمايا، وإذا أونس من طلائعهم توانٍ وتفريطٌ وإذا أمرجوا دوابّهم في الرعي، وأشدّ ما يكون البرد في الشتاء وأشدّ ما يكون الحر في الصيف. وأن يرفضّوا ويفترقوا إذا ثاروا من مكمنهم بعد أن يستخير بعضهم بعضاً وأن يسرعوا الإيقاع بعدوّهم ويتركوا التلبّث والتلفّت. وينبغي للمبيّتين أن يفترصوا البيات إذا هبّت ريح أو أونس من نهر قريب منهم خريرٌ فإنه أجدر ألا يسمع لهم حسّ. وأن يتوخّى بالوقعة نصف الليل أو أشدّ ما يكون إظلاماً. وأن يصير جماعة من الجند وسط عسكر العدوّ وبقيتهم حوله، ويبدأ بالوقعة من يصير منهم في الوسط ليسمع بالضجّة والضوضاء من ذلك الموضع لا من حوله، وأن يشرّد قبل الوقعة الأفره فالأفره من دوابّهم ويقطّع أرسانهم وتهمز بالرماح في أعجازهم حتى تتحيرّ وتعير ويسمع لهم ضوضاء، وأن يهتف هم تف ويقول: يا معشر أهل العسكر النّجاء النجاء فقد قتل قائدكم فلان وقتل خلق وهرب خلق. ويقول قائل: أيهم الرجل أستحيني اللّه. ويقول آخر: العفو العفو. وآخر: أوّه أوّه، ونحو هذا من الكلام. وليعلم أنه إنما يحتاج في البيات إلى تحيير العدوّ وإخافته وليجتنبوا التقاط الأمتعة واستياق الدوابّ وأخذ الغنائم.

ما ينبغي في محاصرة الحصون

 قال: وينبغي في محاصرة الحصون أن يستمال من يقدر على استماللّه من أهل الحصن والمدينة ليظفر منهم بخصلتين: إحداهما استنباط أسرارهم، والأخرى إخافتهم وإفزاعهم بهم، وأن يدسّ منهم من يصغر شأنهم ويؤيسهم من المدد ويخبرهم أن سرّهم منتشر في مكيدتهم،وأن يفاض حول الحصن ويشار إليه بالأيدي كأن فيه مواضع حصينة وأخر ذليلة وموضع ينصب المجانيق عليهم ومواضع تهيّأ العرّادات لهم ومواضع تنقب نقباً ومواضع توضع السّلالأعليهم ومواضع يتسوّر منهم ومواضع يضرم النار فيهم ليلأهم ذلك رعباً، ويكتب على نشّابة: إياكم أهل الحصن والاغترا وإغفال الحراسة، عليكم بحفظ الأبواب فإن الزمان خبيث وأهله أهل غدر فقد خدع أكثر أهل الحصن واستميلوا، ويرمى بتلك النّشابة في الحصن ثم يدسّ لمخاطبتهم المنطيق المصيب الدّهيّ الموارب المخاتل فير المهذار ولا المغفّل. وتؤخّر الحرب ما أمكن ذلك فإن في المحاربة جرأة منهم على من حاربهم ودليلاً على الحيلة والمكيدة، فإن كان لابد من المحاربة فليحاربوا بأخفّ العدّة وأيسر الآلة. وينبغي أن يغلب العدوّ على الأرض ذات الخمر والشجر والأنهم ر للمعسكر ومصافّ الجنود ويخلّى بين العدوّ وبين بساط الأرض ودكادكهم .

من أشد الأمور تدريباً للجنود

وفي بعض كتب العجم أن بعض الحكماء سئل عن أشدّ الأمور تدريباً للجنود وشحذاً لهم ، فقال: استعادة القتال وكثرة الظّفر، وأن تكون لهم موادّ من ورائهم وغنيمة فيما أمامهم ، ثم الإكرام للجيش بعد الظّفر والإبلاغ بالمجتهدين بعد المناصبة، والتشريف للشجاع على رؤوس الناس.