الكتاب الثاني: كتاب الحرب - قول العرب في الشجاعة

قول العرب في الشجاعة

وتقول العرب: الشجاع موقًّى.

وقالت الخنساء:

نهين النفوس وهون النفو

 

س يوم الكريهة أوقى لهم

وقال يزيد بن المهلب:

تأخّرت أستبقي الحياة فلم أجد

 

لنفسي حياةً مثل أن أتقدّمـا

وقال قطريّ بن الفجاءة:

وقولي كلّما جشأت وجـاشـت

 

من الأبطال ويحك لا تراعـي

فإنّك لـو سـألـت حـياة يوم

 

سوى الأجل الذي لك لم تطاعي

لمعاوية بن أبي سفيان متمثلاً

"وقال معاوية بن أبي سفيان: شجّعني على عليّ بن أبي طالب قول عمرو بن الإطنابة:

أبت لي عفتـي وأبـى بـلائي

 

وأخذي الحمد بالثمن الـرّبـيح

وإقدامي على المكروه نفسـي

 

وضربي هم مة البطل المشيح

وقولي كلّما جشأت نـفـسـي

 

مكانك تحمدي أو تستـريحـي

لأدفع عن مآثر صـالـحـاتٍ

 

وأحمي بعد عن عرض صحيح

أبت لي أن أقضّي في فعالـي

 

وأن أغضي على أمر قـبـيح

وقال ربيعة بن مقروم:

ودعوا نزال فكنت أوّل نازل

 

وعلام أركبه إذا لم أنـزل"

لخالد بن الوليد

وكان خالد بن الوليد يسير في الصفوف يذمّر الناس ويقول: يا أهل الإسلام، إنّ الصبر عزّ وإنّ الفشل عجز وإنّ النصر مع الصبر.

وقال بعض أبطال العرب:

إن الشّواء والنّشيل والرّغـف

 

والقينة الحسناء والكأس الأنف

للضاربين الخيل والخيل قطف

ولأعرابي في الشجاعة

وقال أعرابي: اللّه يخلف ما أتلف الناس، والدهر يتلف ما جمعوا، وكم من ميتة علّتهم طلب الحياة، وحياة سببهم التعرّض للموت.

ومثله قول أبي بكر الصديق لخالد: احرص على الومت توهب لك الحياة.

بين هرقل ورجاله

"قدمت منهزمة الروم على هرقل وهو بأنطاكية، فدعا رجالاً من عظمائهم فقال: ويحكم! أخبروني ما هؤلاء الذين تقاتلوهم أليسوا بشراً مثلكم قالوا: بلى. يعني العرب. قال: فأنتم أكثر أم هم قالوا: بل نحن أكثر منهم أضعافاً في كلّ موطن. قال: ويلكم! فما بالكم تنهزمون كلّما لقيتموهم فسكتوا، فقال شيخ منهم: أنا أخبرك أيهم الملك من أين تؤتون. قال: أخبرني. قال: إذا حملنا عليهم صبروا وإذا حملوا عليّنا صدقوا، ونحمل عليهم فنكذب ويحملون عليّنا فلا نصبر. قال: ويلكم فما بالكم كما تصفون وهم كما تزعمون قال الشيخ: ما كنت أراك إلا وقد علمت من أين هذا قال له: من أين هو قال: لأنّ القوم يصومون بالنهم ر ويقومون بالليل ويوفون بالعهد ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ولا يظلمون أحداً ويتناصفون بينهم، ومن أجل أنّا نشرب الخمر ونزني ونركب الحرام وننقض الهد ونغضب ونظلم ونأمر بما يسخط اللّه وننهى عما يرضي اللّه ونفسد في الأرض. قال: صدقتني، واللّه لأخرجنّ من هذه القرية فما لي في صحبتكنم خير وأنتم هكذا. قالوا: نشهدك اللّه أيهم الملك. تدع سورية وهي جنة الدنيا وحولك من الروم عدد الحصى والتراب ونجوم السماء ولم يؤت عليهم".

ذكر الحرب

شعر للكميت في ذكر الموت

قالت العرب: الحرب غشوم، لأنهم تنال غير الجاني.

وقال الكميت:

الناس في الحرب شتّى وهي مقبلةٌ

 

ويستوون إذا ما أدبـر الـقـبـل

كلٌّ بأمسـيّهـم طـبٌّ مـولّـيةً

 

والعالمون بذي غدويّهـم قـلـل

بين عمر بن الخطاب وعمرو بن معد يكرب

وقال عمر بن الخطاب رحمه اللّه لعمرو بن معد يكرب: أخبرني عن الحرب. قال: مرّة المذاق إذا قلصت عن ساق، من صبر فيهم عرف ومن ضعف عنهم تلف. وهي كما قال الشاعر:

الحرب أوّل ما تكـون فـتـيةٌ

 

تسعى بزينتهم لكـلّ جـهـول

حتى إذا استعرت وشبّ ضرامهم

 

عادت عجوزاً غير ذات خلـيل

شمطاء جزّت رأسهم وتنكّـرت

 

مكروهةً للّثـم والـتـقـبـيل

شعر لنصر بن سيار

كان يزيد بن عمر بن هبيرة يحب أن يضع من نصر بن سيار فكان لا يمدّه بالرجال ويرفع ما يرد عليه من أخبار خراسان، فلما كثر ذلك على نصر قال:

أرى خلل الرماد وميض جمرٍ

 

ويوشك أن يكون له ضـرام

فإنّ النار بالعـودين تـذكـى

 

وإنّ الحرب أوّلهم الـكـلام

فإن لم يطفهم عقـلاء قـوم

 

يكون وقودهم جثثٌ وهـم م

فقلت من التعجب ليت شعري

 

أأيقـاظٌ أمـيّة أم نـــيام

ونحو قوله: "الحرب أوّلهم الكلام" قول حذيفة: إن الفتنة تلقح بالنجوى وتنتج بالشكوى.

قول عليّ بن أبي طالب لابنه الحسن

العتبيّ عن أبيه قال: قال عليّ بن أبي طالب رضي اللّه عنه لابنه الحسن: يا بني لا تدعونّ أحداً إلى البراز، ولا يدعونّك أحد إليه إلا أجبته فإنه بغى.

في العدّة والسلاح

حدّثني محمد بن عبيد قال: حدّثنا سفيان بن عيينة عن يزيد بن خصيفة عن السائب بن يزيد - فيما حفظت إن شاء اللّه - أن النبي كان عليه درعان يوم أحد.

قيل لعبّاد بن الحصين وكان أشدّ رجال أهل البصرة: في أيّ عدّة تحبّ أن تلقى عدوك قال: في أجلٍ مستأخر.

حدّثني زياد بن يحيى قال: حدّثنا بشر بن المفضّل قال: حدّثنا داود بن أبي هند عن عكرمة قال: لما كانت ليلة الأحزاب قالت الجنوب للشّمال: انطلقي بنا نمدّ رسول اللّه.

فقالت الشمال: إنّ الحرّة لا تسري بالليل. فكانت الريح التي أرسلت عليهم الصّبا.

حدّثني سهل بن محمد قال: حدّثنا الأصمعيّ قال: حدّثنا ابن أبي الزّناد قال: ضرب الزبير بن العوّام يوم الخندق عثمان بن عبد اللّه بن المغيرة فقطّه إلى القربوس فقالوا: ما أجود سيفك! فغضب، يريد أنّ العمل ليده لا لسيفه.

للبحتري يصف السيف

وقال الوليد بن عبيد البحتريّ يصف سيفاً:

ماضٍ وإن لم تمضه يد فارس

 

بطلٍ ومصقولٌ وإن لم يصقل

متوقٍّد يفري بـأوّل ضـربة

 

ما أدركت ولو أنهم في يذبل

وقال آخر:

وما السـيف إلا بـزّ غـادٍ لـزينة

 

إذا لم يكن أمضى من السيف حامله

للجرّاح بن عبد اللّه في المظاهرة بين درعين

رؤي الجرّاح بن عبد اللّه في بعض الحروب وقد ظاهر بين درعين، فقيل له في ذلك. فقال: إني لست أقي بدني وإنما أقي صبري.

ليزيد بن حاتم في أدرع اشتراهم

واشترى يزيد بن حاتم أدرعا وقال: إني لم اشتر أدراعا إنما اشتريت أعمارا.

لحبيب بن المهلّب وفضيلة السلاح

وقال حبيب بن المهلّب: ما رأيت رجلاً في الحرب مستلئما إلا كان عندي رجلين، ولا رأيت حاسرين إلا كانا عندي واحداً. فسمع هذا الحديث بعض أهل المعرفة فقال: صدق، إنّ للسلاح فضيلة. أما تراهم ينادون عند الصّريخ: السلاح السلاح ولا ينادون: الرجال الرجال.

وللمهلب يوصي بنيه

"قال المهلب لبنيه: يا بنيّ لا يقعدنّ أحد منكم في السوق، فإن كنتم لا بدّ فاعليّن فإلى زراد أو سرّاج أو ورّاق".

بين عمر بن الخطاب وابن معد يكرب في وصف السلاح

وقال عمر بن الخطاب رضي اللّه عنه لعمرو بن معد يكرب: أخبرني عن السلاح. قال: سل عما شئت منه. قال: الرمح قال: أخوك وربما خانك. قال: النّبل قال: منايا تخطىء وتصيب. قال: التّرس قال: ذاك المجنّ وعليه تدور الدّوائر. قال: الدرّع قال: مثقلة للراجل متعبة للفارس، وإنّهم لحصن حصين. قال: السيف قال: ثمّ، قارعتكن أمّك عن الثّكل. قال عمر: بل أمّك. قال "الحمّى أضرعتني لك".

للطائي ودعبل وصف الرماح

وقال الطائي يصف الرّماح:

مثقّفات سلبن الروم زرقـتـهـم

 

والعرب سمرتهم والعاشق القضفا

وقال دعبل يصف الرّمح:

وأسمرٍ في رأسه أزرقٌ

 

مثل لسان الحيّة الصادي

ولآخر في السيف

وقال الشاعر:

تلمّظ السيف من شوق إلى أنسٍ

 

فالموت يلحظ والأقدار تنتظـر

أظلّه منك حتف قد تجـلّـلـه

 

حتى يؤامر فيه رأيك الـقـدر

أمضى من السيف إلا عند قدرته

 

وليس للسيف عفو حين يقتـدر

وقال آخر:

متى تلقني يعدو ببزّي مقلّصٌ

 

كميتٌ بهيمٌ أو أغرّ محجّـل

 

تلاقي امرأ إن تلقه فبسيفه

 

تعلّمك الأيام ما كنت تجهل

           

لعليّ بن أبي طالب في السيف

وقال عليّ رضي اللّه عنه: السيف أنمى عدداً وأكثر ولدا.

وفي الحديث: "بقيّة السيف مباركة" يعني أنّ من نجا من ضربة السيف ينمو عدده ويكثر ولده.

وللمهلب

وقال المهلّب: ليس شيء أنمى من سيف.

ويقال: لا مجد أسرع من مجد سيف.

درع عليّ رضي اللّه عنه

وكانت درع عليّ رضي اللّه عنه صدراً لا ظهر لهم فقيل له في ذلك فقال: إذا استمكن عدوّي من ظهري لا يبق.

 لأبي الشيص في رثاء بعض الشجعان

وقال أبو الشّيص: ختلته المنون بعد اختيال                 بين صفّين من قناً ونصال

في رداء من الصفيح صقيل

 

وقميص من الحديد مـذال

وصية أبي الأغرّ لابنه فيما يقاتل به من أنواع السلاح بلغ أبا الأغرّ أن أصحابه بالبادية قد وقع بينهم شرّ فبعث ابنه الأغرّ وقال: يا بني كن يداً لأصحابك على من قاتلهم، وإيّاك والسيف فإنه ظلّ الموت، وآتق الرمح فإنه رشاء المنيّة، ولا تقرب السّهم م فإنهم رسل لا تؤامر مرسلهم. قال: فبماذا أقاتل قال: بما قال الشاعر:

جلاميد يملأن الأكفّ كـأنّـهـم

 

رؤوس رجال حلّقت في المواسم

ّشعر للخزيمي وقال الخزيمي في بغداد أيام الفتنة:

يا بؤس بغداد دار مـمـلـكة

 

دارت على أهلهم دوائرهـم

أمهلهم اللّه ثـم عـاقـبـهـم

 

لما أحاطت بهم كـبـائرهـم

رقّ بهم الدّين واستخفّ بذي ال

 

فضل وعزّ الرجال فاجرهـم

وصار ربّ الجيران فاسقهـم

 

وآبتزّ أمن الدروب شاطرهـم

يحرق هـذا وذا يهـدّمـهـم

 

ويشتفي بالنّهم ب داعـرهـم

والكرخ أسواقهم مـعـطّـلة

 

يستنّ شذّابـهـم وعـائرهـم

أخرجت الحرب من أساقطهم=آساد غيلٍ غلبا تساورهم

من البواري تراسهم ومـن ال

 

خوص إذا استلأمت مغافرهم

لا الرزق تبغي ولا العطاء ولا

 

يحشرهم بالعناء حاشـرهـم

شعر لعليّ بن أمية في حرب

ونحوه قول عليّ بن أمية:

دهتنـا أمـور تـشـيب الـولـيد

 

ويخذل فيهم الصّديق الـصـدّيق

فنـاء مـبـيد وذعـر عـتــيد

 

وجوع شـديد وخـوف وضـيق

وداعي الصّباح بطول الصياح السّ

 

لاح السلاح فمـا نـسـتـفـيق

فباللّه نـبـلـغ مـا نـرتـجـي

 

وباللّه نـدفـع مـا لا نـطـيق

لرجل من أهل البادية يحث قومه على القتال

جنى قوم من أهل اليمامة جناية فأرسل إليهم السلطان جنداً من بخاريّة ابن زياد، فقال رجل من أهل البادية يذمّر قومه: يا معشر العرب ويا بني المحصنات، قاتلوا عن أحسابكم ونسائكم، واللّه لئن ظهر هؤلاء عليكم لا يدعون بهم لبنة حمراء ولا نخلة خضراء إلا وضعوهم بالأرض ولاعتراكم من نشّاب معهم في جعاب كأنهم أيور الفيلة ينزعون في قسيٍّ كأنهم العتل فتئطّ أحداهنّ أطيط الزّرنوق يمغط أحدهم فيهم حتى يتفرق شعر إبطيه ثم يرسل نشّابة كأنهم رشاء منقطع فما بين أحدكم وبين أن تنفضح عينه أو ينصدع قلبه منزلة. فخلع قلوب القوم فطاروا رعباً.