الكتاب الثاني: كتاب الحرب - المسير في الغزو والسفر

المسير في الغزو والسفر

للنبي

حدّثنا شبابة عن القاسم بن الحكم عن إسماعيل بن عيّاش عن معدان بن حدير الحضرمي عن عبد الرحمن بن جبير بن نفير عن أبيه قال: قال رسول الله: "مثل الذين يغزون من أمتي ويأخذون الجعل يتقوّون به على عدوهم كمثل أمّ موسى ترضع ولدهم وتأخذ أجرهم ".

حدّثني محمد بن عبيد عن ابن عيينة عن عبد الرحمن بن حرملة عن سعيد بن المسيّب قال: لما نزل النبي المعرّس أمر منادياً فنادى: لا تطرقوا النساء. فتعجّل رجلان فكلاهما وجد مع امرأته رجلاً.

وكانت العرب تقول: السفر ميزان القوم. وتأمر بالمحلاّت وهي الدلو والفأس والسّفرة والقدر والقدّاحة، وإنما قيل لهم محلاّت لأن المسافر بهم يحلّ حيث شاء ولا يبالي ألاّ يكون بقربه أحد.

من وصايا لقمان لابنه في السفر

حدّثني عبد الرحمن بن الحسين عن عبد المنعم عن أبيه بن منبّه قال: قال لقمان لابنه: "يا بنيّ إذا سافرت فلا تنم على دابتكن فإن كثرة النوم سريع في دبرهم ، فإذا نزلت أرضا مكلئة فأعطهم حظّهم من الكلأ وابدأ بعلفهم وسقيهم قبل نفسك وإذا بعدت عليك المنازل "فعليك بالدّلج فإن الأرض تطوى بالليل. وإذا أردت النزول" فلا تنزل على قارعة الطرق فإنهم مأوى الحيّات و السباع ولكن عليك من بقاع الأرض بأحسنهم لوناً وألينهم تربة وأكثرهم كلأ فانزلهم ، وإذا نزلت فصلّ ركعتين قبل أن تجلس وقل "ربّ أنزلني منزلاً مباركاً وأنت خير المنزلين وإذا أردت قضاء حاجة فأبعد المذهب في الأرض وعليك بالسّترة، وإذا ارتحلت من منزل فصلّ ركعتين وودّع الأرض التي ارتحلت عنهم وسام عليهم وعلى أهلهم فإن لكل بقعة من الأرض أهلا من اللائكة. وإذا مررت ببقعة من الأرض أو واد أو جبل فأكثر من ذكر اللّه فإن الجبال والبقاع ينادي بعضهم بعضاً: هل مرّ بكنّ اليوم ذاكرٌ اللّه وإن استطعت ألا تطعم طعاماً حتى تتصدّق منه فافعل. وعليك بذكر اللّه جلّ وعزّ ما دمت راكباً، وبالتّسبيح ما دمت صائماً، وبالدعاء ما دمت خالياً. وإيّاك والسّير في أوّل الليل وعليك بالتّعريس والّدلجة من نصف الليل إلى آخره. وإياك ورفع الصوت في سيرك إلا بذكر اللّه، وسافر بسيفك وقوسك وجميع سلاحك وخفّك وعمامتكن وإبرتكن وخيوطك، وتزوّد معك الأدوية تنتفع بهم وتنفع من صحبك من المرضى والزمنى. وكن لأصحابك موافقاً في كل شيء يقرّبك إلى اللّه ويباعدك من معصيته. وأكثر التبسّم في وجوههم وكن كريماً على زادك بينهم وإذا دعوك فأجبهم، وإذا استعانوك فأعنهم وإذا استشهدوك على الحق فاشهد لهم وآجهد رأيك. وإذا رأيتهم يمشون فامش معهم، أو يعملون فاعمل معهم. "وإن تصدّقوا أو أعطوا فأعطواسمع لمن هو أكبر منك. وإن تحيرّتم في طريق فانزلوا، وإن شككتم في القصد فتثبّتوا وتآمروا، وإن رأيتم خيالاً واحداً فلا تسألوه عن طريقكم فإن الشخص الواحد في الفلاة هو الذي حيرّكم واحذروا الشخصين أيضاً إلا إن تروا ما لا أرى فإن الشاهد يرى ما لا يرى الغائب وإن العاقل إذا أبصر شيئاً بعينيه عرف الحق بقلبه".

نصيحة أعرابي لبنيه في السفر

علّم أعرابي بنيه إتيان الغائط في السفر فقال لهم: اتّبعوا الخلاء وجانبوا الكلاء وآعلوا الضّراء وأفحجوا إفحاج النعامة وامسحوا بأشملكم.

بين عمرو بن العاص والحسن بن عليّ بن أبي طالب

"وقال عمرو بن العاص للحسن بن عليّ بن أبي طالب رحمهما اللّه: يا أبا محمد، هل تنعت الخراءة فقال: نعم، تبعد المشي في الأرض الضّحضح حتى تتوارى من القوم، ولا تستقبل القبلة ولا تستدبرهم ولا تستنج بالرّوثة ولا العظم ولا تبل في الماء الراكد".

بين ثابت والحسن البصري في المصاحبة في السفر

أراد الحسن البصريّ الحج، فقال له ثابت: بلغني أنك تريد الحج فأحببت أن نصطحب. فقال: ويحك! دعنا نتعايش بستر اللّه، إني أخاف أن نصطحب فيرى بعضنا من بعض ما نتماقت عليه.

للنبي في المرافقة في السفر

وفي الحديث المرفوع عن بقيّة عن الوضين بن عطاء عن محفوظ عن علقمة قال: قال رسول الله لرجل من أصحابه: "أما إنّك إن ترافق غير قومك يكن أحسن لخلقك و أحقّ أن يقتفى بك".

وصية هشام أخي ذي الرّمة لرجل سأله

أتى رجل هشاماً أخا ذي الرّمّة الشاعر فقال له: إني أريد السفر فأوصني. قال: صلّ الصلاة لوقتهم فإنك مصلّيهم لا محالة فصلهم وهي تنفعك، وإياك وأن تكون كلب رفقتكن فإن لكل رفقة كلباً ينبح دونهم، فإن كان خيراً شركوه فيه وإن كان عاراً تقلّده دونهم.

دعاء في طلب ضالّة

حدّثني محمد بن عبيد عن معاوية عن أبي إسحاق عن عثمان بن عطاء عن أبيه قال: "إذا ضلّت لأحدكم ضالّةٌ فليقل: اللهم ربّ الضالّة تهدي الضالّة وتردّ الضالّة اردد عليّ ضالتي، اللهم لا تبلنا بهلاكهم ولا تتعبنا بطلبهم ، ما شاء اللّه لا حول ولا قوة إلا باللّه. يا عباد اللّه الصالحين ردّوا عليّنا ضالتنا.

وإذا أردت أن تحمل الحمل الثقيل فقل: يا عباد اللّه أعينونا.

"وقال أبو عمرو: إذا ضلّت لأحدكم ضالة فليتوضأ فيحسن الوضوء ثم يصلّي ركعتين ثم يشهد ويقول: بسم اللّه، اللهم يا هم دي الضّال ورادّ الضّال اردد عليّ ضالتي بعزّتكن وسلطانك فإنهم من فضلك وعطائك".

وللنبي

حدّثني محمد بن عبيد عن حمزة بن وعلة عن رجل من مراد يقال له أبو جعفر عن محمد بن عليّ عن عليّ رضي اللّه عنه قال: قال النبي: "يا عليّ، أمانٌ لأمّتي من الغرق إذا ركبوا الفلك أن يقولوا بسم اللّه الملك الرحمن "وما قدروا اللّه حقّ قدره والأرض جميعاً قبضته يوم القيامة والسّماوات مطويّاتٌ بيمينه سبحانه وتعالى عمّا يشركون"، "بسم اللّه مجريهم ومرساهم إن ربّي لغفورٌ رحيمٌ".

كتاب عمرو بن العاص لعمر بن الخطاب عندما أراد الغزو بالبحر

حدّثني محمد بن عبيد عن معاوية عن أبي إسحاق عن محمد بن عجلان عن عمرو بن شعيب قال: أراد عمر أن يغزي البحر جيشاً، فكتب إليه عمرو بن العاص: يا أمير المؤمنين، البحر خلق عظيم يركبه خلق ضعيف دودٌ على عود بين غرق وبرق. قال عمر: لا يسألني اللّه عن أحد حملته فيه.

قول ابن عمر في السفر

وحدّثني أيضاً عن معاوية عن أبي إسحاق عن يزيد بن أبي زياد عن مجاهد قال: كان ابن عمر يقول في السفر إذا أسحر: سمع سامعٌ بحمد اللّه ونعمته وحسن بلائه عليّنا. ويقول: اللهم صاحبنا فأفضل عليّنا ثلاثاً، اللهم عائذٌ بك من النار ثلاثاً، لا حول ولا قوّة إلا باللّه.

قول النبي في سفره حين هم جر

وعن الأوزاعي عن حسّان بن عطيّة أن رسول اللّه قال في سفره حين هم جر: "الحمد اللّه الذي خلقني ولم أك شيئاً مذكوراً، اللهم أعنّي على أهم ويل الدنيا وبوائق الدهر ومصيبات الليالي والأيام وآكفني شرّ ما يعمل الظالمون في الأرض، اللهم في سفري فآصحبني، وفي أهلي فاخلفني، وفيما رزقتني فبارك لي، ولك في نفسي فذلّلني، وفي أعين الصالحين فعظّمني، وفي خلقي فقوّمني، وإليك ربّ فحبّبني، إلى من تكنلني ربّ المستضعفين

وأنت ربّي".

وحدّثني أيضاً عن معاوية عن أبي إسحاق عن عاصم عن عبد اللّه بن سرجس قال كان النبي إذا سافر يقول: "اللهم إنب أعوذ بك من وعثاء السفر وكآبة المنقلب والحور بعد الكور ودعوة الكظلوم وسوء المنظر في الأهل".

وزاد غيره: اللهم آطو لنا الأرض وهوّن عليّنا السفر".

قول مطرّف بن عبد اللّه لابنه

وقال مطّرف بن عبد اللّه لابنه: الحسنة بين السيّئتين، وخير الأمور أوساطهم. وشرّ السير الحقحقة.

وفي الحديث " لا تحقحق فتنقطع ولا تباطأ فتسبق ولكن آقصد تبلغوالحقحقة أشدّ السير.

وفي حديث آخر "إن المنبتّ لا أرضاً قطع ولا ظهراً أبقى".

وقال المرّار:

تقطّع بالنزول الأرض عنـا

 

وبعد الأرض يقطعه النزول

للأصمعي عن رجل أسرع في سيره

الأصمعيّ قال: قيل لرجل أسرع في سيره: كيف كان مسيرك قال:كنت آكل الوجبة وأعرّس إذا أسحرت وأرتحل إذا أسفرت وأسير الوضّع وأجتنب الملع فجئتكنم لمسي سبع.

مسير ذكوان مولى آل عمر بن الخطاب

قال أبو اليقظان: من السير المذكور مسير ذكوان مولى أل عمر بن الخطاب، سار من مكة إلى المدينة في يوم وليلة، فقدم على أبي هريرة وهو خليفة مروان على المدينة فصلّى العتمة، فقال له أبو هريرة: حاجٌّ غير مقبول منه. قال له: ولم قال: لأنك نفرت قبل الزوال. فأخرج كتاب مروان بعد الزوال وقال:

ألم ترني كلّفتـهـم سـير لـيلة

 

من آل منًى نصًّا إلى آل يثـرب

فأقسمت لا تنفكّ ما عشت سيرتي

 

حديثاً لمن وافى بجمع المحصّب

شعر لقيس بن الخطيم في مسير حذيفة بن بدر

ومن السير المذكور مسير حذيفة بن بدر، وكان أغار على هجائن "النعمان بن" المنذر بن ماء السماء وسار في ليلة مسيرة ثمان، فقال قيس بن الخطيم:

هممنا بالإقامة ثم سـرنـا

 

كسير حذيفة الخير بن بدر

الشرقي بن القطامي وفتى من أهل الجزيرة صحبه في سفره

قال الشرقي بن القطامي: خرجت من الموصل أريد الرّقّة فصحبني فتى من أهل الجزيرة وذكر أنه ولد عمرو بن كلثوم ومعه مزود وزكوة وعصا، ورأيته لا يفارقهم مشاة كنّا أو ركبانا، وهو يقول: إن اللّه جعل جماع أمر موسى وأعاجيبه وبراهينه ومآربه في عصاه. ويكثر من هذا وأنا أضحك متهم وناً بما يقول، فتخلّف المكاري فكان حمار الفتى إذا وقف أكرهه بالعصا ويقف حماري ولا سيء في يدي فيسبقني إلى المنزل فيستريح ويريح ولا أقدر على البراح حتى يوافيني المكاري، فقلت: هذه واحدة. ثم خرجنا من غد مشاة فكان إذا أعيا توكّأ على العصا وربما أحضر ووضع طرفاً على الأرض فاعتمد عليهم ومرّ كأنه سهم زالجٌ حتى انتهينا وقد تفسّخت من الكلال وإذا فيه فضل كثير، فقلت: وهذه أخرى. فلما كان في اليوم الثالث هجمنا على حيّة منكرة فسارت إلينا فأسلمته إليهم وهربت عنهم فضربهم بالعصا حتى قتلهم ، فقلت: هذه ثالثة، وهي أعظمهنّ"، وخرجنا في اليوم الرابع وبنا قرمٌ إلى اللحم فاعترضتنا أرنب فحذفهم بالعصا وأدركنا ذكاتهم فقلت: هذه رابعة. فأقبلت عليه فقلت: لو أن عندنا ناراً ما أخّرت أكلهم إلى المنزل. فأخرج عويداً من مزوده ثم حكّه بالعصا فأورت إيراء المرخ والعفار، ثم جمع ما قدر عليه من الغثاء والحشيش وأوقد ناراً وألقى الأرنب في جوفهم فأخرجناهم وقد لزق بهم من الرماد والتراب ما بغّضهم إليّ، فعلّقهم بيده اليسرى ثم ضرب جنوبهم بالعصا وأعراضهم ضرباً رقيقاً حتى انتثر كل شيء عليهم فأكلناهم وسكن القرم وطابت النفس. فقلت: هذه خامسة. ثم نزلنا بعض الخانات وإذا البيوت ملآنة روثا وتراباً فلم نجد موضعاً نظلّ فيه فنظر إلى حديدة مطروحة في الدار فأخذهم فجعل العصا نصاباً لهم ثم قام فجرف جميع ذلك الروث والتراب وجرد الأرض حتى أظهر بياضهم وطابت ريحهم فقلت: وهذه سادسة. ثم نزع العصا من الحديدة فأوتدهم في الحائط وعلّق عليهم ثيابه وثيابي فقلت: هذه سابعة. فلما صرنا إلى مفرق الطريقين وأردت مفارقته قال لي: لو عدلت معي فبتّ عندي! فعدلت معه فأدخلني منزلاً يتصل ببيعة فما زال يحدّثني ويطرفني الليل كله فلما كان السحر أخذ العصا بعينهم وأخذ خشبة أخرى فقرع بهم العصا فإذا ناقوس ليس في الدنيا مثله وإذا هو أحذق الناس به فقلت له: ويحك! أما أنت بمسلم قال: بلى. قلت: فلم ضربت بالناقوس قال: لأن أبي نصراني وهو شيخ كبير ضعيف فإذا شهدت بررته بالكفاية. وإذا شيطان مارد وأظرف الناس وأكثرهم أدباً، فخبرّته بالذي أحصيت من خصال العصا، فقال: واللّه لو حدّثتكن عن مناقب العصا ليلة إلى الصباح ما استنفدتهم .

للنبي

وروى يزيد عن هشام عن الحسن عن جابر قال: قال رسول اللّه: : إذا كنتم في الخصب فأمكنوا الرّكاب أسنّتهم ولا تغدو المنازل، وإذا كنتم في الجدب فاستنجوا. وعليكم بالدّلجة فإن الأرض تطوى بالليل. وإذا تغولت لكم الغيلان فنادوا بالأذان، ولا تصلّوا على جوادّ الطرق ولا تنزلوا عليهم فإنهم مأوى السّباع والحيات ولا تقضوا عليهم الحوائج فإنهم الملاعن".

بين أعرابي أراد السفر وزوجته

وأراد أعرابي سفراً فقال لامرأته:

عدّي السنين لغيبتي وتصبّري

 

وذري الشّهور فإنهنّ قصار

فأجابته:

اذكر صبابتنا إليك وشوقنا

 

وآرحم بناتكن إنهنّ صغار

فأقام وترك السفر.

شعر لإسحاق الموصلي

وقال إسحاق بن إبراهيم الموصلي:

طربت إلى الأصيبية الصّغار

 

وهم جك منهم قرب المزار

وكلّ مسافر يزداد شـوقـاً

 

إذا دنت الديار مـن الـديار

للنبي

وفي الحديث المرفوع قال ابن مسعود: كنّا يوم بدر ثلاثةٌ على بعير فكان عليّ وأبو لبابة زميلي رسول الله فكا إذا دارت عقبتهما قالا: يا رسول اللّه اركب ونمشي عنك. فيقول: "ما أنتما بأقوى منّي وما أنا بأغنى عن الأجر منكما".

من خطب قتيبة بن مسلم على منبر خراسان

خطب قتيبة بن مسلم على منبر خراسان فقال في خطبته: إذا غزوتم فأطيلوا الأظفار وقصروا الأشعار.

لعائشة رضي اللّه عنهم ، ولبعض الشعراء

وقالت عائشة رضي اللّه عنهم: "لا سهر إلا لثلاثة: مصلٍّ أو عروس أو مسافر".

وقال بعض الشعراء:

سررت بجعفرٍ والقرب منه

 

كما سرّ المسافر بـالإياب

 

وكنت بقربه إذ حلّ أرضي

 

أميراً بالسّكينة والصّواب

كممطورٍ ببلدته فأضحـى

 

غنيّاً عن مطالبة السحاب

           

وقال آخر في معناه:

وكنتم فيهم كممطور ببـلـدتـه

 

فسرّ أن جمع الأوطان والمطرا

وقال آخر:

إذا نحن ابنا سالمـين بـأنـفـس

 

كرام رجت أمراً فخاب رجاؤهم

فأنفسنا خير الغـنـيمة إنـهـم

 

تؤوب وفيهم ماؤهم وحـياؤهـم

وقال آخر:

رجعنا سالمين كما بدأنـا

 

وما خابت غنيمة سالمينا

"وما تدرين أيّ الأمر خير

 

أما تهوين أم ما تكنرهينا

وقال بعض المحدّثين:

قبّح الـلّـه آل بـرمـك إنـي

 

صرت من أجلهم أخا أسفـار

إن يكن ذو القرنين قد مسح الأر

 

ض فإني موكّـل بـالـعـيار

التفويز

مسير خالد بن الوليد من العراق إلى الشام

حدّثني أبي، أحسبه عن الهيثم بن عديّ قال: لما كتب أبو بكر رضي اللّه عنه إلى خالد ابن الوليد يأمره بالمسير إلى الشأم والياً مكان أبي عبيد ة بن الجراح، أخذ على السّماوة حتى انتهى إلى قراقر، وبين رقراقر وسوى خمس ليال في مفازة، فلم يعرف الطريق، فدلّ على رافع ابن عميرة الطائي وكان دليلاً خرّيتاً فقال لخالد: خلّف الأثقال وآسلك هذه المفازة إن كنت فاعلاً، فكره خالد أن يخلّف أحداً وقال: لا بد من أن نكون جميعاً. فقال له رافع: واللّه إن الراكب النفرد ليخافهم على نفسه وما يسلكهم إلا مغرر مخاطر بنفسه، فكيف أنت بمن معك فقال: لا بد من ذلك. فقال الطائي لخالد: ابغني عشرين جزوراً مسانّ عظاماً. ففعل، فظمّأهن ثم سقاهن حتى روين ثم قطع مشافرهنّ وكعمهنّ لئلا تجترّ، ثم قال لخالد: سر بالخيول والأثقال فكاما نزلت منزلاً نحرت من تلك الجزر أربعاً ثم أخذت ما في بطونهم من الماء فسقيته الخيل وشرب الناس مما تزوّدوا، ففعل. فلما صار إلى آخر المفازة انقطع ذلك وجهد الناس وعطشت دوابّهم، فقال لهم خالد: ويحك، ما عندك قال: أدركت الريّ إن شاء اللّه، أنظروا هل تجدون شجرة عوسج على ظهر الطريق فنظروا فوجدوهم فقال: احفروا في أصلهم فحفروا فوجدوا عيناً فشربوا منهم وتزوّدوا، فقال رافع: واللّه ما وردت هذه الماء قطّ إلا مرة واحدة مع أبي وأنا غلام. فقال راجز المسلمين في ذلك:

اللّه درّ رافع أنّـى اهـتـدى

 

فوّز من قرار إلـى سـوى

أرضاً إذا سار بهم الجيش بكى

 

ما سارهم قبلك من إنس أرى

قال: ولما مرّ خالد بموضع يقال له البشر طلع على قوم يشربون وبين أيديهم جفنة وأحدهم يتغنّى:

ألا علّلاني قبل جيش أبـي بـكـر

 

لعلّ منايانـا قـريب ومـا نـدري

ألا علّلاني بـالـزّجـاج وكـررا

 

عليّ كميت اللون صافيةً تـجـري

أظن خيول المسلـمـين وخـالـداً

 

سيطرقك قبل الصباح من البشـر

فهل لكم في السير قبل قتـالـهـم

 

وقبل خروج المعصرات من الخدر

فما هو إلا أن فرغ من قوله شدّ عليه رجل من المسلمين بالسيف فضرب عنقه. فإذا رأسه في الجفنة، ثم أقبل على أهل البشر فقتل منهم وأصاب من أموالهم.

للنبي في امرىء القيس

ابن الكلبي قال: أقبل قوم من أهل اليمن يريدون النبي فأضلّوا الطريق ووقعوا على غير ماء فمكثوا ثلاثاً لا يقدرون على الماء فجعل الرجل منهم يستذري بفيء السّمر والطلح يأساً من الحياة، فبينا هم كذلك أقبل راكب على بعير فأنشد بعض القوم بيتين من شعر امرىء القيس:

لمّا رأت أن الشّـريعة هـمّـهـم

 

وأن البياض من فرائضهم دامـي

تيممت العين التي عـنـد ضـارج

 

يفيء عليهم الظلّ عرمضهم طامي

فقال الراكب: من يقول هذا قالوا: امرؤ القيس. قال: واللّه ما كذب، هذا ضارج عندكم. وأشار إليه، فجثوا على الرّكب فإذا ماء غدق وإذا عليه العرمض والظلّ يفيء عليه فشربوا منه ريّهم وسقوا وحملوا حتى بلغوا الماء، فأتوا النبي فأخبروه وقالوا: يا رسول اللّه أحيانا بيتان من شعر امرىء القيس. قال: "ذاك رجل مذكور في الدنيا شريف فيهم منسيّ في الآخرة خامل فيهم ، يجيء يوم القيامة معه لواء الشعراء يقودهم إلى النار.

للأصمعي عن رجل من بني سليم

حدّثني عبد الرحمن بن عبد اللّه بن قريب عن عمه الأصمعيّ عن رجل من بني سليم أن رفقة ماتت من العطش بالشّجي، فقال الحجاج: إني أظنهم قد دعوا اللّه حين بلغهم الجهد فاحفروا في مكانهم الذي ماتوا فيه لعل اللّه يسقي الناس. فقال رجل من جلسائه: إيهم الأمير قد قال الشاعر:

تراءت لي بين اللّـوى وعـنـيزةٍ

 

وبين الشّجي مما أحال على الوادي

واللّه ما تراءت له إلا وهي على ماء. فأمر الحجاج عضيدة السلمي أن يحفر بالشجي بئراً فحفر فأنبط، ويقال: إنه لم يمت قوم قطّ عطشا إلا وهم على ماء.

قالت العرب "أن ترد الماء بماء أكيس".

ويقال في مثل: "برد غداة غرّ عبد اً من ظمأ".