الكتاب الثاني: كتاب الحرب - أخبار الجبناء

أخبار الجبناء

بين عبيد اللّه بن زياد ورجل أرسله

لحرب الخوارج ففرّ منهم، وشعر لخارجيّ حدّثني عبد الرحمن بن عبد اللّه عن عمه الأصمعيّ قال: أرسل عبيد اللّه بن زياد رجلاً في ألفين إلى مرداس بن أديّة وهو في أربعين فهزمه مرداس فعنّفه ابن زياد وأغلظ له فقال: يشتمني الأمير وأنا حي أحبّ إليّ من أن يدعو لي وأنا ميت. فقال شاعر الخوارج:

أألفا مؤمن منكم زعمـتـم

 

ويهزمهم بآسك أربعـونـا

كذبتم ليس ذلكـم كـذاكـم

 

ولكن الخوارج مؤمنونـا

هم الفئة القليلة قد علمتـم

 

على الفئة الكثيرة ينصرونا

للنبي

حدّثني محمد بن عبيد عن معاوية عن أبي إسحاق عن عون عن الحسن قال: قال النبي: "ما التقت فئتان قطّ إلاّ وكفّ اللّه بينهما فإذا أراد أن يهزم إحدى الطائفتين أمال كفّه عليهم ".

لمعاوية

" ورفع معاوية ثندوته وقال: لقد علم الناس أن الخيل لا تجري بمثلي، فكيف قال النجاشي:

ونجّى ابن حرب سابقٌ ذو علالة

 

أجشّ هزيمٌ والرماح دوانـي "

بين عمرو بن العاص ومعاوية

ابن دأب قال: قال عمرو بن العاص لمعاوية: لقد أعياني أن أعلم أجبان أنت أم شجاع فقال:

شجاع إذا ما أمكنتني فرصة

 

وإلاّ تكن لي فرصة فجبان

شعر لأبي دلامة في حب الموت

شهد أبو دلامة حرباً مع روح بن حاتم فقال له: تقدّم فقاتل. فقال:

إني أعوذ بروح أن يقدّمـنـي

 

إلى القتال فتخزى بي بنو أسد

إن المهلب حبّ الموت ورّثكـم

 

ولم أورّث حبّ الموت عن أحد

لعليّ بن أبي طالب رضي اللّه عنه في ذم ابن النابغة

أبو المنذر قال: حدّثنا زيد بن وهب قال: قال لي عليّ بن أبي طالب رضي اللّه عنه: عجباً لابن النابغة! يزعم أني تلعابة أعافس وأمارس! أما وشرّ القول أكذبه، إنهخ يسأل فيلحف ويسأل فيبخل، فإذا كان عند البأس فإنه آمرؤ زاجر ما لم تأخذ السيوف مأخذهم من هم م القوم، فإذا كان كذلك كان أكبر همّه أن يبرقط ويمنح الناس آسته. قبحه اللّه وترحه.

شعر للفرّار السّلمي وغيره في ذمّ الشجاعة وتحسين الفرار

وقال الفرّار السّلمي:

وكتيبة لبّسـتـهـم بـكـتـيبة

 

حتى إذا التبست نفضت بهم يدي

 

وتركتهم تقص الرماح ظهورهم

 

من بين منجدل وآخر مسـنـد

 

ما كان ينفعني مقال نسائهم

 

وقتلت دون رجالهم: لاتبعد

           

وقال آخر:

أضحت تشجعني هند وقد علـمـت

 

أن الشجاعة مقرون بهم العـطـب

لا والذي حجت الأنصار كعـبـتـه

 

ما يشتهي الموت عندي من له أرب

للحرب قوم أضل اللّـه سـعـيهـم

 

إذا دعتهم إلى حوبـائهـم وثـبـوا

ولست منهم ولا أبغي فـعـالـهـم

 

لا القتل يعجبني منهم ولا السّـلـب

وقال أيمن بن خريم:

إن للفتنة مـيطـا بـينـا

 

فرويد الميط منهم يعتدل

فإذا كان عطاء فـأتـهـم

 

وإذا كان قتال فاعتـزل

إنما يسعرهم جهم لـهـم

 

حطب النار فدعهم تشتعل

وقال آخر:

كملقي الأعنة من كفّه

 

وقاد الجياد بأذنابهـم

لجران العود في الدهش

وقال جران العود في الدهش:

يوم ارتحلت برحلي قبل تودعتـي

 

والقلب مستوهلٌ بالبين مشغـول

ثم اعتضضت على نضوي لأدفعه

 

إثر الحمول الغوادى وهو معقول

مثله لخالد بن عبد اللّه

كان خالد بن عبد اللّه من الجبناء خرج عليه المغيرة بن سعيد صاحب المغيريّة " من الرافضة " وهو من بجيلة فقال من الدهش: أطعموني ماء. فذكّره بعضهم فقال:

عاد الظلوم ظليما حين جـدّ بـه

 

واستطعم الماء لما جدّ في الهرب

لعبيد اللّه بن زياد في الدهش

وقال عبيد اللّه بن زياد إما للكنة فيه أو لجبن أو دهشة: افتحوا سيوفكم.

شعر لابن مفرّغ الحميري

وقال ابن مفرّغ الحميري:

ويوم فتحت سيفك من بعـيد

 

أضعت وكلّ أمرك للضياع

شعر كان يتمثل به معاوية

وكان معاوية يتمثل بهذين البيتين كثيراً:

أكان الجـبـان يرى أنـه

 

سيقتل قبل انقضاء الأجل

فقد تدرك الحادثات الجبان

 

ويسلم منهم الشجاع البطل

لخالد بن الوليد في ذم الجبن

وقال خالد بن الوليد: لقد لقيت كذا وكذا زحفاً وما في جسدي موضع شبر إلا وفيه طعنة أو ضربة أو رمية ثم هم أنا أموت على فراشي حتف أنفي، فلا نامت أعين الجبناء.

لأعرابي في كراهية الغزو

" قيل لأعرابي: ألا تغزو فإن اللّه قد أنذرك. قال: واللّه إني لأبغض الموت على فراشي فكيف أمضي إليه ركضاً " وقال قرواش بن حوط وذكر رجلين:

ضبعا مجاهرة وليثاً هدنة

 

وثعيلبا خمر إذا ما أظلما

شعر لعبد الملك بن مروان في جبن عبد اللّه بن خالد

وقال عبد الملك بن مروان في أمية بن عبد اللّه بن خالد:

إذا صوّت العصفور طار فؤاده

 

وليثٌ حديد الناب عند الثـرائد

ونحوه قول الآخر:

ولو أنهم عصفورة لحسبتهم

 

مسوّمة تدعو عبيد اً وأزنما

لبعض الشطار في الجبان

وقال اللّه عز وجل " يحسبون كلّ صيحةٍ عليهم ".

ومن أشعار الشّطّار في الجبان:

رأى في النوم إنسانا

 

فوارى نفسه أشهر

لابن المقفع في الجبن

قال ابن المقفع: الجبن مقتلة والحرص محرمة فانظر " فيما رأيت وسمعت": من قتل في الحرب مقبلاً أكثر أم من قتل مدبراً وانظر من يطلب إليك بالإجمال والتكنرم أحقّ أن تسخو نفسك له بالعطية أم من يطلب إليك

بالشره والحرص

شعر لحنش بن عمرو

وقال حنش بن عمرو:

وأنتم سماء يعجب الـنـاس رزّهـم

 

لهـم زجـلٌ بـاق شـديدٌ وئيدهـم

تقطّع أطناب البـيوت بـحـاصـبٍ

 

وأكذب شيء برقهـم ورعـودهـم

فويلمّهم خيلاً تهـم وى شـرارهـم

 

إذا لاقت الأعداء لولا صـدودهـم

للفرزدق أو البعيث في هجاء سليط

 

 

وقال الفرزدق أو البعيث:

سائل سليطاً إذا ما الحرب أفزعهم

 

ما بال خيلكم قعسـاً هـواديهـم

لا يرفعون إلى داعٍ أعـنّـتـهـم

 

وفي جواشنهم داء يجـافـيهـم

قصة أبو الأغرّ النهشلي مع الكلب

كان بالبصرة شيخ من بني نهشل يقال له عروة بن مرثد ويكنى أبا الأغرّ ينزل ببني أخت له في سكة بني مازن، وبنو أخته من قريش، فخرج رجالهم إلى ضياعهم في شهر رمضان وخرج النساء يصلين في مسجدهم فلم يبق في الدار إلا الإماء فدخل كلب يعتسّ فرأى بيتاً فدخله وانصفق الباب فسمع الحركة بعض الإماء فظنوا أن لصاً دخل الدار فذهبت إحداهنّ إلى أبي الأغر فأخبرته، فقال أبو الأغر: ما يبتغي اللص ثم أخذ عصاه وجاء. فوقف على باب البيت وقال: إيه يا ملأمان، أما واللّه إنك بي لعارف فهل أنت إلا من لصوص بني مازن شربت حامضاً خبيثاً حتى إذا دارت القروح في رأسك منّتكن نفسك الأماني وقلت: أطرق ديار بني عمرو والرجال خلوف والنساء يصلين في مسجدهم فأسرقهم. سوءةً لك، واللّه ما يفعل هذا ولد الأحرار، وآيم اللّه لتخرجن أو لأهتفنّ هتفة مشؤومة يلتقي فيهم الحيّان عمرو وحنظلة وتجيء سعدٌ بعدد الحصى ويسيل عليك الرجال من هم هنا ومن هم هنا ولئن فعلت لتكوننّ أشأم مولود. فلما رأى أنه لا يجيبه أحد أخذ باللين فقال: اخرج بأبي وأمي، أنت مستور، إني واللّه ما أراك تعرفني ولو عرفتني لقنعت بقولي واطمأننت إليّ. أنا - فديتكن - أبو الأغر النّهشلي، وأنا خال القوم وجلّدة بين أعينهم لا يعصونني، ولن تضارّ الليلة فآخرج فأنت في ذمتي وعندي قوصرّتان أهداهما إليّ ابن أختي البارّ الوصول فخذ إحداهما فانتبذهم حلالاً من اللّه ورسوله. وكان الكلب إذا سمع الكلام أطرق وإذا سكت وثب يريغ المخرج، فتهم فت أبو الأغرّ ثم تضاحك وقال: يا ألأم الناس وأوضعهم، لا أرى إلا أني لك الليلة في واد وأنت لي في واد، أقلّب السوداء والبيضاء فتصيخ وتطرق، وإذا سكتّ عنك وثبت تريغ المخرج، واللّه لتخرجنّ أو لألجنّ عليك البيت. فلما طال وقوفه جاءت إحدى الإماء فقالت: أعرابي مجنون، واللّه ما أرى في البيت شيئاً. فدفعت الباب فخرج الكلب شدّاً وحاد عنه أبو الأغر ساقطاً على قفاه، ثم قال: يا اللّه ما رأيت كالليلة! واللّه ما أراه إلا كلباً، أما واللّه لو علمت بحاله لولجت عليه.

ومثله قصة أبي حية النميري

وشبيه بهذا حديث لأبي حية النّميري، وكان له سيف ليس بينه وبين الخشبة فرق، وكان يسميه لعاب المنية. قال جار له: أشرفت عليه ليلة وقد آنتضاه وشمّر وهو يقول: أيهم المغترّ بنا والمجترىء عليّنا، بئس واللّه ما اخترت لنفسك، خير قليل وسيف صقيل، لعاب المنية الذي سمعت به، مشهور ضربته لا تخاف نبوته. آخرج بالعفو عنك وإلا دخلت بالعقوبة عليك، إني واللّه إن أدع قيساً تملأ الأرض خيلاً ورجلا. يا سبحان اللّه، ما أكثرهم وأطيبهم ! ثم فتح الباب فإذا كلب قد خرج، فقال: الحمد اللّه الذي مسخك كلبا وكفاني حربا.

من كتاب كليلة ودمنة

وقرأت في كتاب كليلة ودمنة: يخاف غير المخوف طائر يرفع رجليه خشية السماء أن تسقط، وطائر يقوم على إحدى رجليه حذار الخسف إن قام عليهما، ودودة تأكل التراب فلا تشبع خوفاً أن يفنى إن شبعت فتجوع، والخفافيش تستتر بالنهم ر حذار أن تصطاد لحسنهم .

بين عبيد اللّه بن زياد وعبد اللّه بن خازم

السّلمي في خوفه من جرذ

بينا عبد اللّه بن خازم السّلمي عند عبيد اللّه بن زياد إذ دخل عليه بجرذ أبيض فعجب منه وقال: يا أبا صالح، هل رأيت أعجب من هذا وإذا عبد اللّه قد تضاءل حتى صار كأنّه فرخ وآصفرّ حتى كأنه جرادةٌ ذكر. فقال عبيد اللّه: أبو صالح يعصى الرحمن ويتهم ون بالشيطان ويقبض على الثعبان ويمشي إلى الأسد الورد ويلقى الرماح بوجهه قد اعتراه من هذا الجرذ ما ترون! إن اللّه على كل شيء قدير!

لحسان بن ثابت يعيّر الحارث بن هشام بفراره يوم بدر

كان الحارث بن هشام أخو أبي جهل بن هشام شهد بدراً مع المشركين وانهزم، فقال فيه حسان:

إن كنت كاذبة الذي حدّثـتـنـي

 

فنجوت منجى الحارث بن هشام

ترك الأحبّة لم يقاتـل دونـهـم

 

ونجا برأس طمـرّةٍ ولـجـام

وللحارث يعتذر عن فراره

فاعتذر الحارث من فراره وقال:

اللّه يعلم ما تركت قتـالـهـم

 

حتى علوا فرسي بأشقر مزبد

وعلمت أني إن أقاتـل واحـداً

 

أقتل ولا يضرر عدوي مشهدي

فصددت عنهم والأحبة فـيهـم

 

طمعاً لهم بعقاب يوم مفـسـد

وأسلم يوم فتح مكة وحسن إسلامه، وخرج في زمن عمر من مكة إلى الشام بأهله وماله، فاتبعه أهل مكة يبكون، فرقّ وبكى ثم قال: أما إنا لو كنا نستبدل داراً بدارنا وجاراً بجارنا ما أردنا بكم بدلاً، ولكنهم النّقلة إلى اللّه. فلم يزل هنالك مجاهداً حتى مات.

بين معاوية وعمرو بن العاص

المدائني قال: رأى عمرو بن العاص معاوية يوماً يضحك فقال له: مم تضحك يا أمير المؤمنين أضحك اللّه سنّك قال: أضحك من حضور ذهنك عند إبدائك سوءتكن يوم ابن أبي طالب، أما واللّه لقد وافقته منّاناً كريماً، ولو شاء أن يقتلك لقتلك. قال عمرو: يا أمير المؤمنين أما واللّه إني لعن يمينك حين دعاك إلى البراز فاحولّت عيناك وربا سحرك وبدا منك ما أكره ذكره لك فمن نفسك فاضحك أو دع.

بين الوليد بن عبد الملك وأم البنين بنت

عبد العزيز بن مروان، وبينهم وبين الحجاج

وقدم الحجاج على الوليد بن عبد الملك فدخل وعليه درع وعمامة سوداء وقوس عربية وكنانة، فبعثت إليه أم البنين بنت عبد العزيز بن مروان فقالت: من هذا الأعرابي المستلئم في السلاح عندك وأنت في غلالة فبعث إليهم أنه الحجاج، فأعادت الرسول إليه، فقال: تقول لك: واللّه لأن يخلو بك ملك الموت أحياناً أحبّ إليّ من أن يخلو بك الحجاج. فأخبره بذلك الوليد وهو يمازحه، فقال: يا أمير المؤمنين، دع عنك مفاكهة النساء بزخرف القول فإنما المرأة ريحانة وليست قهرمانةً فلا تطلعهم على سرك ومكايدة عدوّك. فلما دخل الوليد أخبرهم بمقالة الحجاج فقالت: يا أمير المؤمنين حاجتي أن تأمره غداً بأن يأتيني مستلئماً، ففعل ذلك وأتاهم الحجاج فحجبته فلم يزل قائماً، ثم قالت: "إيه يا حجاج، أنت الممتنّ على أمير المؤمنين بقتال ابن الزبير وابن الأشعث، أما واللّه لولا أن اللّه علم أنك شر خلقه ما ابتلاك برمي الكعبة الحرام ولا بقتل ابن ذات النّطاقين أول مولود ولد في الإسلام، وأما نهيك أمير المؤمنين عن مفاكهة النساء وبلوغ لذّاته وأوطاره فإن كنّ ينفرجن عن مثله فغير قابل لقولك، أما واللّه لقد نفض نساء أمير المؤمنين الطّيب من غدائرهن فبعنه في أعطية أهم الشأم حين كنت في أضيق من القرن قد أظلتكن رماحهم وأثخنك كفاحهم وحين كان أمير المؤمنين أحب إليهم من أبائهم وابنائهم فأنجاك اللّه من عدوّ أمير المؤمنين بحبهم إياه، قاتل اللّه القائل حين نظر إليك وسنان غزالة بين كتفيك:

أسد عليّ وفي الحروب نـعـامة

 

فتخاء تنفر من صفيرالصـافـر

هلا كررت على غزالة في الوغى

 

بل كان قلبك في جوانـح طـائر

وغزالة امرأة شبيب الخارجي. ثم قالت: آخرج، فخرج.

 إقدام ليثيّ بعد جبنه

وكان في بني ليث رجل جبان بخيل فخرج رهطه غازين وبلغ ذلك ناساً من بني سليم وكانوا أعداء لهم فلم يشعر الرجل إلا بخيل قد أحاطت بهم فذهب يفرّ فلم يجد مفرّاً، ووجدهم قد أخذوا عليه كل وجه فلما رأى ذلك جلس ثم نثل كنانته وأخذ قوسه وقال:

ما علّتي وأنا جلد نـابـل

 

والقوس من نبع لهم بلابل

يرزّ فيهم وترٌ عـنـابـل

 

إن لم أقاتلكم فأمّي هم بل

أكلّ يوم أنا عنكم نـاكـل

 

لا أطعم القوم ولا أقاتـل

الموت حقٌ والحياة باطل ثم جعل يرميهم حتى ردّهم، وجاءهم الصريخ وقد منع الحيّ، فصار بعد ذلك شجاعاً سمحاً معروفاً. 

احتيال أهل الكوفة في إخراج روح بن زنباع عنهم لبخله

ولما قتل عبد الملك مصعب بن الزبير وجّه أخاه بشر بن مروان على الكوفة ووجّه معه روح بن زنباع الجذامي كالوزير، وكان روح رجلاً علماً داهية غير أنه كان من أجبن الناس وأبخلهم، فلما رأى أهل الكوفة من بخله ما رأوا تخوّفوا أن يفسد عليهم أمرهم وكانوا قد عرفوا جبنه فاحتالوا في إخراجه عنهم فكتبوا ليلاً على بابه:

إنّ ابن مروان قد حانت منيّتـه

 

فاحتل لنفسك يا روح بن زنباع

فلما أصبح ورألى ذلك لم يشكّ أنه مقتول فدخل على بشر فاستأذنه في الشخوص فأذن له وخرج حتى قدم على عبد الملك فقال له: ما أقدمك قال: يا أمير المؤمنين تركت أخاك مقتولاً أو مخلوعاً. قال: كيف عرفت ذلك فأخبره الخبر فضحك عبد الملك حتى فحص برجليه، ثم قال: احتال لك أهل الكوفة حتى أخرجوك عنهم. خيل

لأمية بن عبد اللّه جيء بهم إلى الحجاج

كان أميّة بن عبد اللّه بن خالد بن أسيد وجّه إلى أبي فديك فانهزم وأتي الحجاج بدوابّ من دوابّ أمية قد وسم على أفخاذهم " عدّة " فأمر الحجاج فكتب تحت ذلك: "للفرار".

لعمر بن الخطاب رضي اللّه عنه في الشجاعة والجبن

" وقال عمر رضي اللّه عنه: إن الشجاعة والجبن غرائز في الرجال، تجد الرجل يقاتل كمن لا يبالي ألا يؤوب إلى أهله، وتجد الرجل يفرّ عن أبيه وأمه، وتجد الرجل يقاتل ابتغاء وجه اللّه فذلك هو الشهيد".

وقال الشاعر:

يفرّ الجبـان عـن أبـيه وأمّـه

 

ويحمي شجاع القوم من لا يناسبه

باب من أخبار الشجعاء والفرسان وأشعارهم

للحرسي في الشجاعة والجبن

حدّثني أبو حاتم قال: حدّثني الأصمعيّ قال: سمعت الحرسيّ يقول: رأيت من الجبن والشجاعة عجباً. استثرنا من مزرعة في بلاد الشأم رجلين يذريان حنطة، أحدهما أصيفر أحيمس، والآخر مثل الجمل عظما، فقاتلنا الأصيفر بالمذرى لا تدنو منه دابة إلاّ نخس أنفهم وضربهم حتى شقّ عليّنا فقتل، ولم نصل إلى الآخر حتى مات فرقا فأمرت بهما فبقرت بطونهما فإذا فؤاد الضخم يابس مثل الحشفة، وإذا فؤاد الأصيفر مثل فؤاد الجمل يتخضخض في مثل كوز من ماء.

حديث صاحب النقب

وحدّثني أبو حاتم عن الأصمعيّ قال: حدّثنا أبو عمرو الصّفّار قال: حاصر مسلمة حصنا فندب الناس إلى نقب منه، فما دخله أحد. فجاء رجل من عرض الجيش فدخله ففتحه اللّه عليهم، فنادى مسلمة: أين صاحب النقب فما جاءه أحد، فنادى: إني قد أمرت الآذن بإدخاله ساعة يأتي، فعزمت عليه إلاّ جاء. فجاء رجل فقال: استأذن لي على الأمير. فقال له: أنت صاحب النقب قال: أ،ا أخبركم عنه. فأتنى مسلمة فأخبره عنه، فأذن له فقال له: إن صاحب النقب يأخذ عليكم ثلاثاً: ألاّ تسوّدوا اسمه في صحيفة " إلى الخليفة " ولا تأمروا له بشيء، ولا تسألوه ممن هو. قال: فذاك له. قال: أنا هو. فكان مسلمة لا يصلي بعدهم صلاة إلا قال: اللهم اجعلني مع صاحب النقب.

كتاب كسرى أنوشروان إلى مرازبته

حدّثني محمد بن عمرو الجرجاني قال: كتب أنوشروان إلى مرازبته: عليكم بأهل الشجاعة والسخاء فإنهم أهل حسن الظن باللّه تعالى.

وصف أعرابي لقوم تحاربوا

وذكر أعرابي قوماً تحاربوا فقال: أقبلت الفحول تمشي مشي الوعول، فلما تصافحوا بالسيوف فغرت المنايا أفواههم .
وذكر آخر قوماً اتبعوا قوماً أغاروا عليهم فقال: آحتثّوا كلّ جمالية عيرانةٍ فما زالوا يخصفون أخفاف المطيّ بحوافر الخيل حتى أدركوهم بعد ثالثة فجعلوا المرّان أرشية الموت وآستقوا بهم أرواحهم.

بين رجل من العرب وقطري بن الفجاءة

حدّثني عبد الحمن عن عمه عن رجل من العرب قال: انهزمنا من قطريّ وأصحابه فأدركني رجل على فرس فسمعت حسّاً منكراً خلفي، فالتفتّ فإذا أنا بقطري فيئست من الحياة فلما عرفني قال: آشددعنانهم وأوجع خاصرتهم قطع اللّه يديك. قال: ففعلت فنجوت منه.

في شجاعة شبيب

وحدّثني عبد الرحمن عن عمه قال: لما غرق شبيب " قالت آمرأة: الغرق يا أمير المؤمنين، قال: "ذلك تقدير العزيز العليّمقال: فأخرج فشقّ بطنه وأخرج فؤاده فإذا مثل الكوز، فجعلوا يضربون به الأرض فينزو.

وعلة الجرمي وأبو عمرو بن العلاء في يوم الكلاب

حدّثنا الرياشيّ قال: حدّثنا الأصمعيّ قال: أخبرنا صاحب لنا عن أبي عمرو بن العلاء قال: لما كان يوم الكلاب خرج رجل من بني تميم، أحسبه قال: سعديٌّ، فقال: لو طلبت رجلاً له فداءٌ! قال: فخرجت أطلبه، فإذا رجل عليه مقطّعة يمانية على فرس ذنوب، فقلت له: على يمينك. قال: على يساري أقصد لي. قلت: أيهم ت منك اليمن. قال: العراق مني أبعد. قلت: وتاللّه لا ترى أهلك العام. قال: لاو اللّه ولا أهلك لا أراهم. قال: فتركته ولما كان بعد أيام ونعتّ نعته بعد ذلك فقيل لي: هو وعلة الجرمي.

من شجاعة الأحنف بن قيس

حدّثنا محمد بن عبيد عن معاوية بن عمرو عن أبي إسحاق عن هشام عن محمد بن سيرين قال: بعث عمر بن الخطاب رضي اللّه عنه الأحنف بن قيس على جيش قبل خراسان فبيّتهم العدوّ ليلاً وفرّقوا جيوشهم أربع فرق وأقبلوا معهم الطبل ففزع الناس وكان أوّل من ركب الأحنف فأخذ سيفه وتقلّده ثم مضى نحو الصوت وهو يقول:

إن على كل رئيس حـقّـا

 

أن يخضب الصّعدة أو تندقّا

ثم حمل على صاحب الطبل فقتله، فلما فقد أصحاب الطبل الصوت انهزموا. ثم حمل على الكردوس الآخر ففعل مثل ذلك وهو وحده، ثم جاء الناس وقد انهزم العدوّ فاتبعوهم يقتلونهم، ثم مضوا حتى فتحوا مدينة يقال لهم مرو الرّوذ.

ومن شجاعة عبد اللّه بن خازم وقت قتله

سأل ابن هبيرة عن مقتل عبد اللّه بن خازم، فقال رجل ممن حضر: سألنا وكيع ابن الدّورقية: كيف قتلته قال: غلبته بفضل فتاء كان لي عليه فصرعته وجلست على صدره وقلت له: يا لثارات دويلة. يعني أخاه من أبيه. فقال من تحتي: قتلك اللّه! تقتل كبش مضر بأخيك وهو لا يساوي كفّ نوى! ثم تنخّم فملأ وجهي نخامة. فقال ابن هبيرة: هذه واللّه البسالة! استدلّ عليهم بكثرة الريق في ذلك الوقت.

من بسالة مسلمة

قال هشام لمسلمة: يا أبا سعيد هل دخلك ذعر قطّ لحرب " أو عدوّ " قال: ما سلمت في ذلك من ذعر ينبّه على حيلة ولم يغشني فيهم ذعر سلبني رأيي. قال هشام: هذه البسالة.

رهم بن حزم الهلالي وجماعة من بني تغلب

خرج رهم بن حزم الهلاليّ ومعه أهله وماله يريد النّقلة من بلد إلى بلد فلقيه ثلاثون رجلاً من بني تغلب فعرفهم، فقال: يا بني تغلب، شأنكم بالمال وخلّوا الظعينة. فقالوا: رضينا إن ألقيت الرمح. قال: وإن رمحي لمعي!! وحمل عليهم فقتل منهم رجلاً وصرع آخر وقال:

ردّا على آخرهم الأتاليا

 

إن لهم بالمشرفيّ حاديا

ذكّرتني الطعن وكنت ناسيا

للزبيري في شجاعة عبد اللّه بن خازم السلمي

وقطري بن فجاءة

قال الزّبيري: ما آستحيا شجاع أن يفرّ من عبد اللّه بن خازم السّلمي وقطريّ بن فجاءة.

شعر لحبيب بن عوف العبد ي

أبو اليقظان قال: كان حبيب بن عوف العبد ي فاتكنا، فلقي رجلاً من أهل الشأم قد بعثه زياد ومعه ستون ألفاً يتّجر بهم فسايره، فلما وجد غفلة قتله وأخذ المال فقال يوماً وهو يشرب "على لذته":

يا صاحبي أقلاّ اللوم والـعـذلا

 

ولا تقولا لشيء فات ما فعـلا

ردّا عليّ كميت اللون صـافـية

 

إني لقيت بأرض خاليا رجـلا

ضخم الفرائص لو أبصرت قمّته

 

وسط الرجال إذن شبهته جملا

ضاحكته ساعة طوراً وقلت لـه

 

أنفقت بيعك إن ريثا وإن عجلا

سايرته ساعة ما بي مخافـتـه

 

ألا التلفّت حولي هل أرى دغلا

غادرته بين آجـامٍ ومـسـبـعة

 

ولم يدر غيري بعد ما فـعـلا

يدعو زياداً وقد حانت مـنـيّتـه

 

ولا زياد لمن قد وافق الأجـلا

 

فصل في شجاعة سليك بن سلكة

المفضّل الضّبّي: كان سليك بن سلكة التميمي من أشدّ فرسان العرب وأذكرهم وأدلّ الناس بالأرض وأجودهم عدوا على رجليه لا تعلق به الخيل وكانت أمّه سوداء وكان يقول: اللهم إنك تهيء ما شئت لما شئت إذا شئت، اللهم إني لو كنت ضعيفاً كنت عبد اً ولو كنت امرأة كنت أمة، اللهم إني أعوذ بك من الخيبة، فأما الهيبة فلا هيبة. وأملق حتى لم يبق له شيء، فخرج على رجليه رجاء أن يصيب غرّة من بعض من يمرّ عليه فيذهب بإبله، حتى إذا أمسى في ليلة باردة مقمرة واشتمل الصّمّاء ونام إذا هو برجل قد جثم على صدره وقال: آستأسر. فرفع سليك رأسه وقال: "إن الليل طويل وأنت مقمر" فجرى مثلاً، وجعل الرجل يلهزه ويقول: آستأسر يا خبيث. فلما آذاه ضمّه إليه ضمّةً ضرط منهم وهو رفوقه، فقال له سليك: "أضرطاً وأنت الأعلى" فجرى مثلاً، ثم قال له: ما أنت قال: أنا رجل افتقرت، فقلت: لأخرجنّ ولا أرجع حتى أستغني. قال: فانطلق معي. فمضيا فوجدا رجلاً قصته مثل قصتهما، فأتوا جوف مراد وهو واد باليمن فإذا فيه نعم كثيرة، فقال لهما سليك: كونا قريباً حتى آتي الرّعاء وأعلم لكما علم الحي أقريب هو أم بعيد، فإن كانوا قريباً رجعت اليكما، وإن كانوا بعيداً قلت لكما قولاً أحي به لكما فأغيرا. فانطلق حتى أتى الرعاء، فجعل يستنطقهم حتى أخبروه بمكان الحي فإذا هم بعيد، فقال لهم سليك: ألا أغنّيكم قالوا: بلى. فتغنّى بأعلى صوته ليسمع صاحبيه:

يا صاحبيّ ألا لا حيّ بالوادي

 

إلا عـبـيد وآمٌ بـين أذواد

أتنظران قليلاً ريث غفلتهـم

 

أم تعدوان فإن الربح للعادي

فلما سمعا ذلك أتيا السليك فأطردوا الإبل وذهبوا بهم .

شدة عدو سليك حتى في كبره

حدّثني سهل بن محمد عن الأصمعيّ قال: كان سليك يحضر فتقع السهم م من كنانته فترتنّ في الأرض من شدّة إحضاره. وقال له بنو كنانة حين كبر: أرأيت أن ترينا بعض ما بقي من إحضارك قال: نعم، اجمعوا لي أربعين شاباً وآبغوني درعاً ثقيلة. فأخذهم فلبسهم وخرج بالشباب حتى إذا كان على رأس ميل أقبل يحضر فلاث العدو لوثاً واهتبصوا في جنبتيه فلم يصحبوه إلا قليلاً فجاء يحضر منبترا من حيث لا يرونه وجاءت الدّرع تخفق في عنقه كأنهم خرقة.

بين أعرابيين أحدهما من اللصوص والآخر من الرماة

قال سهل: وحدّثني العتبي قال: حدّثني رجل من بني تميم عن بعض أشياخه من قومه قال: كنتعند المهم جر بن عبد اللّه والي اليمامة فأتي بأعرابي قد كان معروفاً بالسّرق فقال له: أخبرني عن بعض عجائبك، قال: إنهم لكثيرة، ومن أعجبهم أنه كان لي بعير لا يسبق وكانت لي خيل لا تلحق، فكنت لا أخرج فأرجع خائباً فخرجت يوماً فاحترشت ضبّاً فعلّقته على قتبي، ثم مررت بخباء سريّ ليس فيه إلاّ عجوز، فقلت: أخلق بهذا الخباء أن يكون له رائحة من غنم وإبل، فلما أمسيت إذا بإبل مائة فيهم شيخ عظيم البطن مثدّن اللحم ومعه عبد أسود وغد، فلما رآني رحّب بي ثم قام إلى ناقة فاحتلبهم وناولني العلبة فشربت ما يشرب الرجل فتناول الباقي فضرب به جبهته ثم احتلب تسع أينق فشرب ألبانهن ثم نحر حواراً فطبخه ثم ألقى عظامه بيضاً وحثا كوماً من بطحاء وتوسّدهم وغطّ غطيط البكر، فقلت: هذه واللّه الغنيمة. ثم قمت إلى فحل إبله فخطمته ثم قرنته إلى بعيري وصحت به فآتبعني الفحل وآتبعته الإبل إرباباً به، فصارت خلفي كأنهم حبل ممدود، فمضيت أبادر ثنيّةً بيني وبينهم مسيرة ليلة للمسرع، فلم أزل أضرب بعيري بيدي مرّة وأقرعه برجلي أخرى حتى طلع الفجر، فأبصرت الثنيّة فإذا عليهم سواد فلما دنوت إذا أنا بالشيخ قاعداً وقوسه في حجره فقال: أضيفنا قلت: نعم. قال: أتسخو نفسك عن هذه الإبل قلت: لا. فأخرج سهما كأن نصله لسان كلب ثم قال: أبصر بين أذني الضب. ثم رماه فصدع عظمه عن دماغه، ثم قال: ما تقول قلت: أنا على رأيي الأوّل. قال: انظر هذا السهم الثاني في فقرة ظهره الوسطى. ثم رمى به كأنما قدّره بيده ثم وضعه بأصبعه، ثم قال: أرأيت قلت: إني أحب أن أستثبت. قال: انظر هذا السهم الثالث في عكوة ذنبه والرابع واللّه في بطنك. ثم رماه فلم يخطىء العكوة، فقلت: أنزل آمناً قال: نعم. فنزلت فدفعت إليه خطام فحله وقلت: هذه إبلك لم يذهب منهم وبرة. وأنا أنتظر متى يرميني بسهم ينتظم به قلبي، فلما تنحّيت قال لي: أقبل. فأقبلت واللّه خوفاً من شرّه لا طمعاً في خيره، فقال: أي هذا، ما أحسبك جشمت الليلة ما جمشت إلا من حاجة. قلت: أجل. قال: فاقرن من هذه الإبل بعيرين وآمض لطيّتكن. قلت: أما واللّه حتى أخبرك عن نفسك قبلاً. ثم قلت: واللّه ما رأيت أعرابياً قط أشدّ ضرساً ولا أعدى رجلاً ولا أرمى يداً ولا أكرم عفواً ولا أسخى نفساً منك.

رمي بهرام جور

وقرأت في كتاب سير العجم أن بهرام جور خرج ذات يوم إلى الصيد ومعه جارية له فعرضت له ظباء، فقال للجارية: في أيّ موضع تريدين أضع السهم من الوحش فقالت: أريد أن تشبّه ذكرانهم بالإناث وإناثهم بالذكران، فرمى تيساً من الظباء بنشّابة ذات شعبتين فاقتلع قرنيه ورمى عنزا منهم بنشّابتين فآثبتهما في موضع القرنين. ثم ساللّه أن يجمع أذن الظبي وظلفه بنشّابة واحدة فرمى أصل أذن الظبي ببندقة فلما أهوى بيده إلى أذنه ليحتكن رماه بنشّابة فوصل ظلفه بأذنه ثم أهوى إلى القينة فضرب بهم الأرض وقال: شدّ ما اشتططت عليّ وأردت إظهم ر عجزي!

حديث المروزان في كتب العجم

وقرأت في كتبهم أن كسرى استعمل قرابة له على اليمن يقال له المروزان، فأقام بهم حيناً ثم خالفه أهل المصانع - والمصانع جبل باليمن ممتنع طويل ووراءه جبل آخر بينهما فصل إلا أنه متقارب ما بينهما - فسار إليهم المروزان فنظر إلى جبل لا يطمع أحد أن يدخله إلا من باب واحد يمنع ذلك الباب رجل واحد. فلما رأى أن لا سبيل إليهم صعد الجبل الذي هو وراء المصانع من حيث يحادي حصنهم فنظر إلى أضيق مكان فيه وتحته هواء لا يقدر قدره، فلم يرى شيئاً أقرب إلى افتتاح ذلك الحصن من ذلك الجبل، فأمر أصحابه أن يقوموا به صفّين ثم يصيحوا به صيحة واحدة ثم ضرب فرسه حتى إذا استجمع حضرا رمى به أمام الحصن وصاح به أصحابه فوثب الفرس الوادي فإذا هو على رأس الحصن، فلما نظرت إليه حمير قالوا: هذا أيم. والأيم بالحميرية شيطان، فانتهرهم بالفارسية وأمرهم أن يربط بعضهم بعضاً ففعلوا واستنزلهم من حصنهم فقتل طائفة وسبى طائفة وكتب بما كان منه إلى كسرى، فتعجّب كسرى و أمره بالاستخلاف على عمله والقدوم إليه وأراد أن يسامي به أساورته، فاستخلف الروزان ابنه ثم توجّه نحوه فلما صار ببعض بلاد العرب هلك فوضعوه فب تابوت ثم حملوه حتى قدموا به على كسرى فأمر كسرى بذلك التابوت فوّضع في خزانته فكان يخرج في كل عام إليه وإلى من عنده من أساورته فيقول: هذا الذي فعل كذا وكذا.

بين العباس بن ربيعة وعرار بن أدهم في صفّين

وروى أبو سوقة التميمي عن أبيه عن جدّه عن أبي الأغرّ التميمي قال: بينا أنا واقف بصفّين مر بي العباس بن ربيعة مكفّراً بالسلاح وعيناه تبصّان من تحت المغفر كأنهما عينا أرقم وبيده صفيحة له وهو على فرس له صعب يمنعه ويليّن من عريكته إذ هتف به هم تف من أهل الشأم يقال له عرار بن أدهم: يا عباس هلمّ إلى البراز. قال العباس: فالنزول إذاً فإنه إياسٌ من القفول. فنزل الشأمي وهو يقول:

إن تركبوا فركوب الخيل عادتنا

 

أو تنزلون فإنّا معشـر نـزل

وثنى العباس وركه فنزل وهو يقول:

وتصدّ عنك مخيلة الرجل ال

 

عرّيض موضحةٌ عن العظم

بحسام سيفك أو لسانـك وال

 

كلم الأصيل كأرغب الكلـم

ثم غضن فضلات درعه في حجزته ودفع قوسه إلى غلام له أسود يقال له: أسلم، كأني أنظر إلى فلائل شعره، ثم دلف كلّ واحد منهما إلى صاحبه فذكرت بهما قول أبي ذؤيب:

فتنازلا وتواقفت خيلاهمـا

 

وكلاهما بطل اللقاء مخدّع

وكف الناس أعنّة خيولهم ينتظرون ما يكون من الرجلين فتكنافحا بينهما مليّاً من نهم رهما لا يصل واحد منهما إلى صاحبه لكمال لأمته إلى أن لحظ العباس وهياً في درع الشأميّ فأهوى إليه بيده فهتكنه إلى ثندوته ثم عاد لمجاولته وقد أصحر له مفتّق الدرع فضربه العباس ضربة انتظم بهم جوانح صدره وخرّ الشامي لوجهه وكبّر الناس تكنبيرة ارتجت لهم الأرض من تحتهم وآنشام العباس في الناس "وآنساع أمره" وإذا قائل يقول من ورائي " قاتلوهم يعذّبهم اللّه بأيديكم ويخزهم وينصركم عليهم ويشف صدور قومٍ مؤمنين ويذهب غيظ قلوبهم ويتوب اللّه على من يشاء واللّه عليّمٌ حكيمٌ" فالتفتّ وإذا أمير المؤمنين رضي اللّه عنه عليّ بن أبي طالب، فقال: يا أبا الأغر، من المنازل لعدوّنا فقلت: هذا ابن أخيكم، هذا العباس بن ربيعة. فقال: إنه لهو، يا عباس الأأنهك وابن عباس أن تخلاّ بمركزكما أو تباشرا حرباً قال: إن ذلك. يعني نعم. قال: فما عدا مما بدا قال: فأدعى إلى البراز فلا أجيب قال: نعم، طاعة إمامك أولى بك من إجابة عدوّك. ثم تغيظ وآستشاط حتى قلت: الساعة الساعة.ى ثم تطأمن وسكن ورفع يديه مبتهلاً فقال: اللهم اشكر للعباس مقامه واغفر له ذنبه، اللهم إني قد غفرت له فاغفر له. قال: وتأسّف معاوية على عرار وقال: متى ينطف فحلٌ بمثله! أيطلّ دمه! لا هم اللّه ذا. ألا اللّه رجل يشري نفسه يطلب بدم عرار فآنتدب له رجلان من لخم. فقال: اذهبا فأيّكما قتل العباس برازاً فله كذا. فأتياه ودعواه إلى البراز فقال: إن لي سيداً أريد أن أؤامره. فأتى عليّاً فأخبره الخبر، فقال عليّ: واللّه لودّ معاوية أنه ما بقي من هم شم نافخ ضرمةٍ إلا طعن في نيطه إطفاءً لنور اللّه ويأبى اللّه إلاّ أن يتمّ نوره ولو كره الكافرون، أما واللّه ليملكنهم منا رجال، ورجال يسومونهم الخسف حتى يحفروا الآبار ويتكنفّفوا الناس. ثم قال: يا عباس ناقلني سلاحك بسلاحي، فناقله ووثب على فرس العباس وقصد اللخميين. فلم يشكّا أنه العباس فقالا له: أذن لك صاحبك فحرج أن يقول نعم، فقال: "أذن للّذين يقاتلون بأنهم ظلموا وإنّ اللّه على نصرهم لقديرٌ " فبرز له أحدهما فضربه ضربة فكأنما أخطأه، ثم برز له الآخر فألحقه بالأوّل، ثم أقبل وهو يقول: "الشّهر الحرام بالشّهر الحرام والحرمات قصاصٌ فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم" ثم قال: يا عباس خذ سلاحك وهم ت سلاحي، فإن عاد لك أحد فعد إليّ. ونمي الخبر إلى معاوية فقال: قبح اللّه اللّجاج إنه لقعود ما ركبته قط إلا خذلت. فقال عمرو بن العاص: المخذول واللّه اللخميان لا أنت. قال معاوية: اسكت أيهم الرجل فليس هذه من ساعتكن. قال: وإن لم تكن، رحم اللّه اللخميين وما أراه يفعل. قال: ذاك واللّه أخسر لصفقتكن وأضيق لحجرك. قال: قد علمت ذلك ولولا مصر لركبت المنجاة منهم. قال: هي أعمتكن ولولا هي لألفيت بصيرا.

شعر لعمرو بن العاص يتوجه به إلى معاوية

وقال عمرو بن العاص لمعاوية:

معاوي لا أعطيك ديني ولم أنـل

 

به منك دنيا فانظرن كيف تصنع

فإ، تعطني مصراً فأربح بصفقة

 

أخذت بهم شيخاً يضر وينـفـع

 بين الأخينس الجهني والحصين العمريّ

خرج الأخينس الجهنيّ فلقي الحصين العمريّ، وكانا جميعاً فاتكنين، فسارا حتى لقيا رجلاً من كندة في تجارة أصابهم من مسك وثياب وغيرذلك، فنزل تحت شجرة يأكل، فلما انتهيا إليه سلّما. قال الكنديّ: ألا تضحّيان فنزلا. فبينما هم يأكلون مرّ ظليم فنظر إليه الكنديّ وأيّده بصره فبدت له لبتّه، فاغترّه الحصين فضرب بطنه بالسيف فقتله، واقتسما ماله وركبا، فقال الأخينس: يا حصين ما صعلةٌ وصعل قال: يوم شرب وأكل. قال: فآنعت لي هذه العقاب. فرفع رأسه لينظر إليهم فوجأ بطنه بالسيف فقتله مثل قتله الأوّل. ثم إن أختا للحصين يقال لهم صخرة لما أبطأ عليهم خرجت تسأل عنه في جيران لهم من مراح وجرم. فلما بلغ ذلك الأخينس قال:

وكم من فارس لا تـزدريه

 

إذا شخصت لموقفه العيون

 

يذلّ له العزيز وكـل لـيث

 

شديد الهصر مسكنه العرين

 

علوت بياض مفرقه بعضب

 

ينوء لوقعه الهم م السّكون

 

فأمست عرسه ولهم علـيه

 

هدوء بعد لـيلـتـه أنـين

 

كصخرة اذ تسائل في مراح

 

وفي جرم، وعلمهما ظنون

تسائل عن حصين كل ركب

 

وعند جهينة الخبر اليقـين

           

فذت مثلاً.

 

بين المهدي وعليّ بن سليمان وشعر لأبي دلامة

" خرج المهديّ وعليّ بن سليمان إلى الصيد ومعهما أبو دلامة الشاعر. فسنحت لهم ظباء فرمى المهديّ ظبياً فأصابه، ورمى عليّ بن سليمان كلباً فعقره، فضحك المهدي وقال لأبي دلامة: قل في هذا فقال:

ورمى المهديّ ظبياً

 

شكّ بالسهم فـؤاده

وعليّ بن سلـيمـا

 

ن رمى كلباً فصاده

فهنيئاً لهـمـا كـل

 

امرىء يأكل زاده "

فرار أبي دلامة

قال أبة دلامة: كنت في عسكر مروان أيام زحف إلى شبيب الخارجيّ، فلما التقى الزّحفان خرج منهم فارس ينادي: من يبارز فجعل لا يخرج إليه إنسان إلا أعجله ولم ينهنهه، فغاظ ذلك مروان، فجعل يندب الناس على خمسمائة، فقتل أصحاب خمس المائة، وزاد مروان على ندبته فبلغ بهم ألفا، فما زال ذلك فعله حتى بلغ بالندبة خمسة آلاف درهم، وتحتي فرس لا أخاف خونه، فلما سمعت بخمسة الآلاف نزّقته واقتحمت الصفّ. فلما نظر إلي " الخارجيّ " علم أني خرجت للطمع، فأقبل يتهيأ لي وإذا عليه فروله قد أصابه فارمعلّ ثم أصابته الشمس فاقفعلّ وعيناه تذرّان كأنهما في وقبين، فدنا منّي وقال:

وخارج أخرجه حب الطـمـع

 

فرّ من الموت وفي الموت وقع

من كان ينوي أهله فلا رجع فلما وقرت في أذني انصرفت عنه هم رباً، وجعل مروان يقول: من هذا الفاضح آئتوني به. ودخلت في غمار الناس فنجوت.

بين خالد بن جعفر والحارث بن ظالأفي حضرة النعمان

وكان خالد بن جعفر نديماً للنعمان، فبينما هو ذات يوم عنده وقد دعا النعمان بتمر وزبد فهما يأكلان منه إذ دخل عليهما الحارث بن ظالم. فقال النعمان: آدن يا حارث فكل. فدنا. فقال خالد: من ذا أبيت اللعن قال: هذا سيد قومه وفارسهم الحارث بن ظالم. قال خالد: أما إن لي عنده يداً. قال الحارث: وما تلك اليد قال: قتلت سيد قومك فتركتكن سيدهم بعده. يعني زهير بن جذيمة، قال الحارث: أما إني سأجزيك بتلك اليد. ثم أخذه الزّمع وأرعدت يده، فأخذ يعبث بالتمر فقال له خالد: أيّتهنّ تريد فأناولكهم  قال الحارث: أيّتهم تهمّك فأدعهم  ثم نهض مغضبا، فقال النعمان لخالد: ما أردت بهذا وقد عرفت فتكنه وسفهه فقال: أبيت اللعن، وما تتخوّف عليّ منه فواللّه لو كنت نائماً ما أيقظني. فانصرف خالد فدخل قبّة له من أدمٍ بعد هدأة من الليل وقام على بابهم أخ له يحرسه. فلما نام الناس خرج الحارث حتى أتى القبّة من مؤخّرهم فشقّهم ثم دخل فقتله، فقال عمرو بن الإطنابة:

علّلاني وعلّلا صـاحـبـيّا

 

وآسقياني من المروّق ريّا

إن فينا القيان يعزفن بالضر

 

ب لفتياننا وعيشـا رخـيّا

يتناهين في النعيم ويضرب

 

ن خلال القرون مسكا ذكيا

أبلغا الحارث بن ظالأالرّع

 

ديد والناذر النّذور عـلـيّا

إنما تقتل الـنّـيام ولا تـق

 

تل يقظان ذا سلاحٍ كمـيّا

وكان عمرو قد آلى ألا يدعوه رجل بليل إلا أجابه ولم يسأله عن آسمه. فأتاه الحارث ليلاً فهتف به، فخرج إليه، فقال: ما تريد قال: أعنّي على أبل لبني فلان وهي منك غير بعيد فإنهم غنيمة باردة. فدعا عمرة بفرسه وأراد أن يركب حاسراً. فقال له: البس عليك سلاحك فإني لا آمن من امتناع القوم. فاستلأو وخرج معه، حتى إذا برزا قال له الحارث: أنا أبو ليلى فخذ حذرك يا عمرو. فقال له: آمنن عليّ. فجزّ ناصيته. وقال الحارث:

علّلاني بلذّتـي قـينـتـيّا

 

قبل أن تبكي العيون عليّا

 

قبل أن تذكر العواذل إنـي

 

كنت قدما لأمرهنّ عصيّا

 

ما أبالي إذا أصطحبت ثلاثا

 

أرشيداً دعوتني أم غـويّا

 

غير ألاّ أسر اللّـه إثـمـا

 

في حياتي ولا أخون صفيّا

 

بلغتني مقالة المرء عمرو

 

بلغتني وكـان ذاك بـديّا

 

فخرجنا لموعد فالتقـينـا

 

فوجدناه ذا سلاح كـمـيّا

 

غير ما نائم يروّع باللي

 

ل معدّاً بكفّه مشرفـيّا

فرجعنا بالمنّ منّا عليه

 

بعد ما كان منه منّا بديا

           

بين بكر بن وائل وتميم بن مرّ

و وفد تميم بن مرّ وبكر بن وائل على بعض الملوك، وكانا ينادمانه فجرى بينهما تفاخر فقالا: أيهم الملك أعطنا سيفين، فأمر الملك بسيفين من عودين فنحتا وموّهم بالفضة وأعطاهما إياهما، فجعلا يضطربان بهما مليّا من نهم رهما، فقال بكر: لو كان سيفانا حديدا قطعا وقال تميم: أو نحتا من جندل تصدّعا ففرّق الملك بينهما، فقال بكر لتميم: أساجلك العدواة ما بقينا وقال تميم: و إن متنا نورّثهم بنينا فأورثاهم بنيهما إلى اليوم.

مثلٌ في شدة الصوت، وشعر في ذلك

حدّثني أبو حاتم عن الأصمعيّ عن خلف الأحمر قال: كان أبو عروة السباع يصيح بالسبع وقد آحتمل الشاة فيسقط فيموت فيشقّ بطنه فيوجد فؤاده قد آنخلع. وهو مثل في شدّة الصوت.

قال الشاعر في ذلك:

زجر أبي عروة السباع إذا

 

أشفق أن يلتبسن بالغنـم

ومثله في شدة الصوت لأبي عطية عفيف النصري

قال: وأبو عطية عفيف النصريّ نادى في الحرب التي كانت بين ثقيف وبين بني نصر لما رأى الخيل بعقوته: يا سوء صباحاه، أتيتم يا بني يربوع فألقت الحبالى أولادهم ، فقيل في ذلك:

وأسقط أحبال النساء بصوتـه

 

عفيفٌ لدن نادى بنصرٍ فطرّبا

أيضاً بين يهوذا ويوسف

في أخبار وهب بن منبه أن يهوذا قال ليوسف: لتكنفنّ أو لأصيحنّ صيحة لا تبقى حامل بمصر الا ألقت ما في بطنهم .

في شدة صوت العباس بن عبد المطلب

محمد بن الضحاك عن أبيه قال: كان العباس بن عبد المطلب يقف على سلع فينادي غلمانه وهم بالغابة فيسمعهم وذلك من آخر الليل. وبين الغابة وبين سلع ثمانية أميال، وسلع جبل وسط المدينة.

مثله لشبيب بن ربعي

وكان شبيب بن ربعي يتنحنح في داره فيسمع تنحنحه بالكناسة، ويصيح براعيه فيسمع نداؤه على فرسخ وكان هذا مؤذن سجاح التي تنّبأت. " ذكر هذا خالد بن صفوان، وسمعه أبو المجيب النهديّ فقال: ما سمع له بصوت أبعد من صوته بأذانه فإنه كان مؤذنهم ، يعني سجاح ".

ذم رجل الأشتر فقال له قائد: اسكت فإن حياته هزمت أهل الشام وإن موته هزم أهل العراق.

المدائني قال: أتى عمر بن الخطاب رضي اللّه عنه رجل يستحمله، فقال له: خذ بعيراً من إبل الصدقة. فتناول ذنب بعير صعب فجذبه فاقتلعه، فعجب عهمر وقال له: هل رأيت أشدّ منك قال: نعم، خرجت بامرأة من أهلي أريد بهم زوجهم فنزلنا منزلاً أهله خلوف فقربت من الحوض فبينما أنا كذلك إذ أقبل رجل ومعه ذود والمرأة ناحيةً فسرّب ذوده إلى الحوض ومضى إلى المرأة فساورهم ونادتني، فما انتهيت إليهم حتى خالطهم ، فجئت لأدفعه عنهم فأخذ برأسي فوضعه بين عضده وجنبه فما استطعت أن أتحرك حتى قضى ما أراد ثم استلقى. فقالت المرأة: أي فحل هذا! لو كانت لنا منه سخلة! وأمهلته حتى امتلأ نوماً فقمت إليه بالسيف فضربت ساقه فابنتهم ، فانتبه وتناول رجله فعدا فغلبه الدم فرماني برجله وأخطأني وأصاب عنق بعيري فقتله. فقال عمر: ما فعلت المرأة قال: هذا حديث الرجل. فكرر عليه مراراً لا يزيده على هذا، فظنّ أنه قد قتلهم .

حديث أبو محجن وسعد

حدّثني يزيد بن عمرو قال: حدّثنا أشهل بن حاتم قال: حدّثنا ابن عون عن عمير بن إسحاق قال: كان سعد على ظهر بيت وهو شاكٍ والمشركون يفعلون بالمؤمنين ويفعلون. وأبو محجن في الوثاق عند أم ولد لسعد فأنشأ يقول:

كفى حزنا أن تلتقي الخيل بالقنا

 

وأترك مشدوداً عليّ وثـاقـيا

إذا شئت غنّاني الحديد وغلّقت

 

مغاليق من دوني تصمّ المناديا

فقالت له أم ولد سعد: أتجعل لي إن أنا أطلقتكن أن ترجع إليّ حتى أعيدك في الوثاق قال: نعم. فأطلقته فركب فرساً بلقاء لسعد وحمل على المشركين، فجعل سعد يقول: لولا أن أبا محجن في الوثاق لظننت أنه أبو محجن وأنهم فرسي. فانكشف المشركون وجاء أبو محجن فأعادته في الوثاق وأتت سعدا فأخبرته، فأرسل إلى أبي محجن فأطلقه وقال: واللّه لا حبستكن فيهم أبدا. يعني الخمر، فقال أبو محجن: وأنا واللّه لا أشربهم بعد اليوم أبداً. وقال الشاعر:

سأغسل عني العار بالسيف جالبا

 

عليّ قضاء اللّه ما كان جالـبـا

وأذهل عن داري وأجعل هدمهم

 

لعرضي من باقي المذمّة حاجبا

ويصغر في عيني تلادي اذا آنثنت

 

يميني بإدراك الذي كنت طالبـاً

فيا لرزامٍ رشّحوا بي مـقـدّمـا

 

إلى الموت خوّاضا إليه الكرائبا

إذا همّ لم يردع كـريمة هـمـه

 

ولم يأت ما يأتي من الأمر هم ئبا

أخا غمراتٍ لا يريد على الـذي

 

يهمّ به من مفظع الأمر صاحبـا

إذا همّ ألقى بين عينيه عزمه=ونكّب عن ذكر العواقب جانبا

ولم يستشر في رأيه غير نفسـه

 

ولم يرض إلا قائم السيف صاحبا

عليكم بداري فاهدموهم فإنـهـم

 

تراث كريم لا يخاف العواقـبـا

شعر لرجل من بني العنبر يمدح

بني مازن ويهجو قومه، يعيرّهم بجبنهم

وقال رجل من بني العنبر:

لو كـنـت مـن مـازن لـم تـسـتــبـــح إبـــلـــي

 

بنـو الـلّـقـيطة مـن ذهــل بـــن شـــيبـــانـــا

إذن لـقـام بـنـصـري مــعـــشـــر خـــشـــنٌ

 

عنـــد الـــكـــريهة إن ذو لــــوثةٍ لانـــــــا

قوم إذا الــشـــرّ أبـــدى نـــاجـــذيه لـــهـــم

 

طاروا إلـــيه زرافـــاتٍ ووحــــــدانـــــــا

لكـــنّ قـــومـــي وإن كـــانـــوا ذوي عــــدد

 

ليسـوا مـن الـشـرّ فـي شــيء وإنـــا هـــم نـــا

يجزون من ظلم أهل الظلم مغفرةًا

 

ججومن إساءة أهل السوء إحسان

كأنّ ربّك لم يخلق لخشيته

 

سواهـم مـن جـمـيع الـــنـــاس إنـــســـانـــا

فلـيت لـي بـــهـــم قـــومـــاً إذا ركـــبـــوا

 

شنّـوا الإغـارة فــرســـانـــا وركـــبـــانـــا

لا يسـألـون أخـــاهـــم حـــين ينـــدبـــهـــم

 

في الـنـائبـات عـلـى مـا قــال بـــرهـــم نـــا

لكـــن يطـــيرون أشـــتـــات إذا فـــزعــــوا

 

وينـفـــرون إلـــى الـــغـــارات وحـــدانـــا

ولآخر

وقال آخر:

ولئن عمـرت لأشـفـينّ

 

النفس من تلك المساعي

ولأعلمـنّ الـبـطـن أن

 

الزاد ليس بمسـتـطـاع

أمّا النهـم ر فـرأى أص

 

حابي بمـرقـبةٍ يفـاع

أثر الشجاع بهم كـسـر

 

د الخرز في سير الصّناع

ترد السباع مـعـي فـأل

 

فى كالمدلّ من السبـاع

وقال آخر:

إنا محيوك يا سلمى فحـييّنـا

 

وإن سقيت كرام الناس فاسقينا

إنا لنرخص يوم الرّوع أنفسنـا

 

ولو نسام بهم في الأمن أغلينا

بيضٌ مفارقنا تغليب مراجلنـا

 

نأسوا بأموالنـا آثـار أيدينـا

وقال المعلوط:

ألم ترني خلقت أخا حروب

 

إذا لم أجن كنت مجنّ جاني

وقال آخر:

لعمري لقـد نـادى بـأرفـع صـوتـه

 

نعـيّ سـويد أن فـارسـكـم هــوى

أجل صادقاً والقـائل الـفـاعـل الـذي

 

إذا قال قولا أنبط المـاء فـي الـثـرى

فتىً قبلٌ لم تعـنـس الـسـنّ وجـهـه

 

سوى خلسة في الرأس كالبرق في الدّجى

أشارت له الحرب العـوان فـجـاءهـم

 

يقعـقـع بـالأقـراب أوّل مـن أتـى

ولم يجنـهـم لـكـن جـنـاهـم ولـيّه

 

فآسى فـآداه فـكـان كـمـن جـنـى

شعر لبشامة

وقال بشامة:

إنا بني نهشـلٍ لا نـدّعـي لأب

 

عنه ولا هو بالابنـاء يشـرينـا

إن تبتدر غايةٌ يوماً لـمـكـرمة

 

تلق السوابق منا والمصـلّـينـا

وإنا لمن معشر أفنى أوائلـهـم

 

قيل الكماة ألا أين المحامـونـا

لو كان في الألف منا واحد فدعوا

 

من فارس خالهم إيّاه يعنـونـا

وقال زهير:

يطعنهم ما آرتموا حتى إذا آطّعنوا

 

ضارب حتى إذا ما ضاربوا آعتنقا

ولامرأة من كندة

وقالت امرأة من كندة:

أبوا أن يفرّوا وآلقنا في نحـورهـم

 

ولم يرتقوا من خشية الموت سلّمـا

ولو أنهم فـرّوا لـكـانـوا أعـزّة

 

ولكن رأوا صبرا على الموت أكرما

وقال آخر:

بني عمّنا ردّوا فضـول دمـائنـا

 

ينم ليلكم، أو لا تلمنـا الـلّـوائم

فإنا وإياكم وإن طـال تـركـكـم

 

كذي الدّين ينأى ما نأى وهو غارم

ولأبي سعيد المخزومي

وقال أبو سعيد المخزومي وكان شجاعاً:

وما يريد بنو الأعيار من رجل

 

بالجمر مكتحلٍ بالنّبل مشتمل

لا يشرب الماء إلا من قليب دم

 

ولا يبيت له جارٌ على وجـل

وقال عبد القدّوس بن عبد الواحد من ولد النعمان بن بشير:

ندًى تحكم الآمال فيه ونـجـدةٌ

 

تحكّم في الأعداء بالأسر والقتل

وقال آخر:

ضربناكم حتى إذا قام ميلـكـم

 

ضربنا العدا عنكم بأبيض صارم

شعر تمثل به زيد بن عليّ يوم قتل

تمثّل زيد بن عليّ يوم قتل بقول القائل:

أذلّ الحياة وعـزّ الـمـمـات

 

وكلاًّ أراه طـعـامـاً وبـيلا

فإن كـان لا بـدّ مـن واحـد

 

فسيروا إلى الموت سيراً جميلا

شعر لقيس بن الخطيم، وآخر

وقال قيس بن الخطيم:

أبلج لا يهـمّ بـالـفـرار

 

قد طاب نفساً بدخول النار

وقال آخر:

ومن تكن الحضارة أعجبتـه

 

فأيّ رجـال بـاديةٍ تـرانـا

ومن ربط الجحاش فإن فينـا

 

قناً سلبا وأفراساً حـسـانـا

وكن إذا أغرن على قـبـيل

 

فأعوزهن كونٌ حيث كـانـا

أغرن من الضّباب على حلالٍ

 

وضبّة إنه من حان حـانـا

وأحيانا نكرّ عـلـى أخـينـا

 

إذا ما لم نـجـد إلا أخـانـا

شعر للخنساء

وقالت الخنساء:

تعرّقني الدهر نهسـاً وحـزّا

 

وأوجعني الدهر قرعا وغمزا

وأفنى رجالي فبـادوا مـعـا

 

فأصبح قلبي بهم مستـفـزّا

ومن ظن ممن يلاقي الحروب

 

بأن لا يصاب فقد ظنّ عجزا

وفيهم تقول:

ونلبس للحرب أثـوابـهـم

 

ونلبس في الأمن خزّا وقزّا

وهذا كقولهم: البس لكل حالة لبوسهم .

لعبد اللّه بن سبرة الحرشي حيث قطعت يده

وقال عبد اللّه بن سبرة الحرشي حين فطعت يده:

ويلمّ جارٍ غداة الجسر فـارقـنـي

 

أعزز عليّ به إذ بان فانـصـدعـا

يمنى يديّ غدت مـنّـي مـفـارقة

 

لم أستطع يوم خلطاس لهم تبـعـا

وما ضننت عليهم أنو أصاحـبـهـم

 

لقد حرصت على أن نستريح معـاً

وقائل غاب عـن شـأنـي وقـائلة

 

ألا اجتنبت عدوّ اللّـه إذ صـرعـا

وكيف أتركه يمشي بمـنـصـلـه

 

نحوي وأجبن عنه بعد مـا وقـعـا

ما كان ذلك يوم الرّوع من خلـقـي

 

وإن تقارب مني الموت واكتنـعـا

ويلمّه فارسـاً ولّـت كـتـيبـتـه

 

حامى وقد ضيّعوا الأحساب فآرتجعا

يمشي إلى مستميتٍ مثلـه بـطـلٍ

 

حتى إذا مكّنا سيفيهما آمتـصـعـا

كلٌّ ينوء بماضي الحدّ ذي شـطـبٍ

 

جلّى الصّياقل عن درّيّه الطّبـعـا

حاشيته الموت حتى آشتـفّ آخـره

 

فما استكنان لما لاقى وما جـزعـا

كأنّ لـمّـتـه هـدّاب مـخـمـلةٍ

 

أحمر أزرق لم يشمط وقد صلعـا

فإن يكن أطربون الروم قطّـعـهـم

 

فقد تركت بهم أوصاله قـطـعـا

وإن يكن أطربون الروم قطّعـهـم

 

فإن فيهم بحمد اللّه مـنـتـفـعـا

بنانتـان وجـذمـور أقـيم بـهـم

 

صدر القناة إذا ما آنسـوا فـزعـا

وقال بعض الشعراء:

إن لنا مـن قـومـنـا نـاصـرةً

 

بيض الظّباء سمر القنا شهب اللّمم

يستنفرون الموت من مجـثـمـه

 

ويبعثون الحرب من عقد السّـلـم

أولاك قيسٌ قومنـا أكـرم بـهـم

 

قيس النّدى قيس العلا قيس الكرم

لجعفر بن علبة الحارثي

وقال جعفر بن علبة الحارثي:

ليهن عقيلا أنّني قد تركـتـهـم

 

ينوء بقتلاهم الذئاب الهـوامـل

لهم صدر سيفي يوم برقة سحبلٍ

 

ولي منه ما ضمّت عليه الأنامل

إذا القوم سدّوا مأزقا فرّجت لنـا

 

بأيماننا بيضٌ جلتهم الصّـياقـل

لعمرو بن معد يكرب

وقال عمرو بن معد يكرب:

أعاذل شكّتي بزّي ورمحي

 

وكل مقلّص سلس القـياد

 

أعاذل إنما أفـنـى شـبـابـي

 

ركوبٌ في الصّريخ إلى المنادى

           

ولأبي دلف

قال أبو دلف:

لقــد عـــلـــمـــت وائل أنـــنـــا

 

نخـوض الـحـتـوف غـداة الـحــتـــوف

ولا نـتـقـيهـم بــزحـــف الـــفـــرار

 

إذا مـا الـصـفـوف آنـبـرت لـلـصـفـوف

ويوم أفــاءت لـــنـــا خـــيلـــنـــا

 

لدى جـبـل الـدّيلـمـيّ الـــمـــنـــيف

طوال الـفـتـى بـطــوال الـــقـــنـــا

 

وبـيض الـوجـوه بـبــيض الـــســـيوف

وكـلّ حـصـان بـــكـــل حـــصـــان

 

أمـينٍ شـظـاه ســلـــيم الـــوظـــيف

ألا نـعّـمـانـي فـمـا نـعـــمـــتـــي

 

برادعـتـي عـن ركـوب الـمـــخـــوف

لي الـصـبـر عـنـد حـلــول الـــبـــلا

 

إذا نـزلـت بـي إحـــدى الـــصّـــروف

وإن تـسـألـي تـخــبـــري أنـــنـــي

 

أقـي حـسـبـي بـــألـــوف الألـــوف

وأحلم حتى يقولوا ضعيف

 

 وما أنا قد علموا بالضعيف

خفيف على فرسي ما ركبت

 

ولـسـت عـلـى ظـالـمـي بـالـخـفــيف