الكتاب الثالث: كتاب السؤدد - باب الكبر والعجب

باب الكبر والعجب

الحجاج ومقاتل ؤابن ظبيان ومعبد وأبو السماك

حدّثني إبراهيم بن مسلم قال: حدّثنا أبو السكين قال: حدّثني عمّ أبي زحر بن حصن قال: قال رجل للحجاج. أصلح اللّه الأمير، كيف وجدت منزلك بالعراق قال: خير منزل لو كان اللّه بلغني أربعة فتقربت بدمائهم إليه. قال: ومن هم  قال: مقاتل بن مسمع، ولي سجستان فأتاه الناس فأعطاهم الأموال، فلمّا عزل دخل مسجد البصرة فبسط الناس له أرديتهم فمشى عليهم ، وقال لرجل يماشيه: "لمثل هذا فليعمل العاملون" . وعبيد اللّه بن زياد بن ظبيان التميمى، حزب أهل البصرة أمر فخطب خطبةً أوجز فيهم ، فنادى الناسق من أعراض المسجد: أكثر اللّه فينا أمثالك. فقال: لقد كلفتم اللّه شططا. ومعبد بن زرارة، كان ذات يوم جالساً في طريق، فمرّت به امرأة فقالت: يا عبد اللّه كيف الطريق إلى موضع كذا، فقال: لهدّ عبد اللّه! أنا لهد أراد كفى بك أنا، يريد الفخر. وأبو سماك الأسديّ، أضلّ راحلته فألتمسهما الناس فلم يجدوهم ، فقال: واللّه لئن لم يردد عليّ راحلتي لا صلّيت له أبداً. فآلتمسهم الناس حتى وجدوهم ، فقالوا: قد رد اللّه عليك راحلتك فصل. فقال: إن يميني كانت صريا.

لبعض المتكّبرين

قال أبو حاتم عن الأصمعيّ عن كردين المسمعيّ: قيل لرجل متكبّر: هل مرّت بك أحمرة فقال للسائل: تلك دوابّ لايراهم عمّك.

قال: وقال كرذين: رآني ابن ميادة الشاعر فأعجبته لما رأى من جلدي وبياني، فقال: ممن أنت قلت: من بكر بن وائل. فقال: وفي أي الأرض يكون بكر بن وائل.

قال أبو اليقظان. جلس رافع بن جبير بن مطعأفي حلقة العلاء بن عبد الرحمن الخرقيّ وهويقريء الناس. فلما فرغ قال: أتدرون لم جلست إليكم قالوا: لتسمع. قال: لا، ولكن أردت التواضع للّه بالجلوس إليكم.

قال: ومرّ محمد بن المنذر بن الزبير بن العواأفي حاجة له، فانقطع قبال نعله، فنزع الأخرى بقدمه ومضى وتركهما ولم يعرّج عليهما.

قال بعض الشعراء:

وأعرض عن ذي المال حتى يقال لي

 

قد آحدّث هذا نـخـوةً ولـخـمـا

وما بي كـبـرعـن صـديقٍ ولاأخٍ

 

ولكنه فعليّ إذا كنـت مـعـدمـا

لبعضهم في صفة الكبر

قيل لبعضهم: ما الكبر. قال: حمقٌ لم يدر صاحبه أين يضعه.

بين معاوية بن أبي سفيان وعلقمة بن وائل الحضرمي

قال معاوية بن أبي سفيان: قدم علقمة بن وائل الحضرمي على رسول اللّه فأمرني رسول اللّه أن أنطلق به إلى منزل رجل من الأنصار أنزله عليه، وكان منزله في أقصى المدينة، فآنطلقت معه وهو على ناقة له وأنا أمشي في ساعة حارة وليس عليّ حذاء، فقلت: احملني يا عأمن هذا الحر فإنه ليس عليّ حذاء. فقال: لست من أرداف الملوك. قلت: إني ابن أبي ئمفيان. قال: قد سمعت رسول اللّه عليه السلم أيذكر ذلك. قال: قلت: فألق إلي نبلك. قال: تقبلهم قدماك ولكن امش في ظل ناقتي فكفاك بذلك شرفا، وإن الظل لك لكثير. قال معاوية: لما مرّ بي مثل ذلك اليوم قط، ثم أدرك سلطاني فلم أؤاخذه بل أجلسته.معي على سريري هذا.

شعر لابن يسار في الزهو والكبر

قال ابن يسار:

ولو لحظ الأرض لي والـدٌ

 

تطأطأت الأرض من لحظته

مثله لآخر

وقال آخر:

أتيه على جنّ الـبـلاد وإنـسـهـا

 

ولولم أجد خلقا لتهت على نفـسـي

أتيه فما أدري من التـيه مـن أنـا

 

سوى ما يقول الناس فيّ وفي جنسي

فإن زعموا أني من الأنس مثلـهـم

 

فما لي عيبٌ غيرأني مـن الأنـس

للرستمي وقد حضرت الصلاة

وكان عند الرستمي قوم من التّجار فحضرت الصلاة فنهض ليصلي فنهضوا فقال: ما لكم ولهذا وما أنتم منه! الصلاة ركوع وسجود وخضوع، وإنما فرض الله هذا يريد به المتكبّرين والمتجبّرين والملوك والأعاظم مثلي ومثل فرعون ذي الأوتاد

ونمروذ وأنوشروان.

وكان يقال: من رضي عن نفسه كثر الساخطون عليه.

قال الحسن. ليس بين العبد وبين ألاّ يكون فيه خير الأ أن يرى أن فيه خيراً.

رأى رجل رجلاً يختال في مشيته ويتلفت في أعطافه، فقال: جعلني الل مثلك في نفسك ولا جعلني مثلك في نفسي.

لعبد اللّه بن المبارك

قيل لعبد اللّه بن المبارك: رجلٌ قتل رجلاً فقلت إني خيرٌ منه، فقال: ذنبك أشدّ من ذنبه.

للأحنف في التعجب من المتكبّر

قال الأحنف: عجبت لمن جرى في مجرى البول مرتين كيف يتكبّر.

لمطرّف في ذم التكبّر

ابن غليّة عن صالح بن رستم عن رجل عن مطرّف، قال: لأن أبيت نائمأ وأصبح نادماً أحبّ إليّ من أن أبيت قائماً وأصبح منجباً.

و قال هشام بن حسان. سيئة تسؤك خير من حسنة تعجبك.

قال أبوحازم: إن الرجل ليعمل السيئة ما عمل حسنة قظ أنفع له منهم وإنه ليعمل الحسنة ما عمل سيئة قط أضرعليه منهم .

شعر في متكبّر

قال الشاعر:

أما ابن فروة يونـس فـكـأنـه

 

من كبره أير الحمـار الـقـائم

ما آلناس عندك غير نفسك وحدها

 

والناس عندك ما خلاك بـهـائم

شعر للمسعودي

قال المسعودي:

مسّا تراب الأرض منهم خلقتمـا

 

وفيها المعاد والمصير إلى الحشر

ولا تعجبا أن ترجعا فتـسـلّـمـا

 

فما خشي الأقوام شرّاً من الكبر

ولوشئت أدلى فيكما غـير واحـد

 

علانيةً أو قال عندي في سـتـر

فإن أنا لم آمرولم أنه عنـكـمـا

 

ضحكت له حتى يلحٌ ويستشـري

الأصمعيّ قال: قال رجل: ما رأيت ذا كبر قط الأ تحؤل داوّه في. يريد أني أتكبّر عليه. وقال آخر: ما تاه أحد قط عليّ مرتين. يريد إذا تاه مرة لم أعاوده.

أيضاً شعر في متكبّر

قال الشاعر:

يا مظهر الكبر إعجاباً بصـورتـه

 

انظر خلاءك إن النّتن تـثـريب

لوفكرالناس فيما في بطـونـهـم

 

ما آستشعر الكبرشبّانٌ ولم شـيب

هل فى ابن آدم غير الرأس مكرمة

 

وهو بخمسٍ من الأقذار مضروب

أنفٌ يسيل وأذنٌ ريحهـا سـهـكٌ

 

والعين مرمصةٌ والثغر ملعـوب

يا بن التراب وماكول التراب غـدأ

 

أقصر فإنك مأكول ومـشـروب

لأردشير في ضبط النفس، ومثله للسندي

دفع أردشير الملك إلى رجل كان يقوم على رأسه كتاباً، وقال له: إذا رأيتني قد اشتدّ غضبي فادفعه إليّ، وفي الكتاب: أمسك فلست بإله إنما أنت جسد يوشك أين يأكل بعضه بعضا ويصير عن قريب للدود والتراب.

كان للسنديّ والي الجسر غلامٌ صغير قد أمره بأن يقوم إليه إذا ضرب الناس بالسياط فيقول له: ويلك يا سنديّ، اذكر القصاص.

كتاب إبراهيم بن العباس إلى محمد بن عبد الملك شعراً

كتب إبراهيم بن العباس إلى محمد بن عبد الملك :

أباجعفرعرّج على خـلـطـائكـا

 

وأقصرقليلاً عن مدى غلـوائكـا

فإن كنت قد أعطيت في اليوم رفعةً

 

فإن رجائي في غد كـرجـائكـا

قال لي بعض أصحابنا وأحسبه محمد بن عمر: سمعت رجلاً ينشد:

ألا رب ذي أجل قد حضر

 

طويل التمني قليل الفكر

إذاهزفي المشي أعطافـه

 

تبينت في منكبيه البطـر

عاقبة الكبر

المدائني قال: رأيت فلاناً مولى باهلة يطوف بين الصفا والمروة على بغلة ثم رأيته بعد ذلك راجلًافي سفر، فقلت له: أراجلٌ في هذا الموضع قال: نعم، إني ركبت حيث يمشي الناس فكان حقا على اللّه أن يرجلني حيث يركب الناس.

لأبي نواس يهجو جعفر البرمكي

وقال أبو نواس في جعفر بن يحيى البرمكي:

وأعظم زهواً من ذباب على خرء

 

وأبخل من كلب عقورعلى عرق

ولوجاءغيرالبخل من عندجعفـر

 

لماوضعوه النّاس إلا على حمق

وقال آخر:

ألجّ لجاجاً من الخـنـفـسـاء

 

وأزهى إذا ما مشى من غراب

من كبر رجل من بني عبد الدار

قيل لرجل من بني عبد الدار: الأ تأتي الخليفة قال: أخشى ألاّ يحمل الجسر شرفي. وقيل له: البس شيئا فإن البرد شديد. فقال: حسبي يدفئني.

شعر في جيش بيبي

قال أبو اليقظان: كان الحجاج آستعمل بلالاالضبي على جيش وأغزاه قلاع فارس، وكان يقال لذلك الجيش: بيبي، سمّي بذلك لأنه فرض فرضا من أهل البصرة فكان أهلوهم وأمهم تهم يأتونهم يقولون. بيبي. وفي جيشه قال الشاعر

إلى اللّه أشكوأنني بت حـارسـاً

 

فقام بلاليٌّ فبال على رجـلـي

فقلت لأصحابي آقـطـعـوهـا

 

فإنني كريمٌ وإني لن أبلغها رحلي

فخر أعرابي نجفسه

مد أعرابي يده في الموقف وقال: اللهم إن كنت ترى يدا أكرم منهم فاقطعهم .

للحجاج بن أرطأة في الفخر والزهو

قال نوح: سمعت الحجاج بن أرطاة يقول: قتلني حب الشرف. وقيل له: ما لك لاتحضر الجماعة قال: أكره أن يزحمني البقالون.

أيضأ لجذيمة الأبرش

كان جذيمة الأبرش - وهو الوضّاح سمّي بذلك لبرص كان به - لاينادم أحدأ ذهابا بنفسه، وقال: أنا أعظم من أن أنادم إلا الفرقدين ، فكان يشرب كأساً ويصبّ لكلّ واحد منهما في الأرض كأساً، فلما أتاه مالك وعقيل بابن أخته الذي استهوته الشياطين قال لهما: احتكنما. فقالأ له. منادمتكن. فنادماه أربعين سنة يحادثم نه فيهم ما أعادا عليه حديثاً.

شعر لمتمم بن نويرة، خ للهذلي، في مالك وعقيل نديما جذيمة

وفيهما يقول متفابن نويرة:

وكناكندماني جـذيمة حـقـبةً

 

من الدهر حتى قيل لن نتصدّعا

وقال الهذليّ:

الم تعلمي أن قد تفرق قبلنا

 

خليلا صفاءٍ مالك وعقيل

لإياس بن معاوية في عجبه بنفسه

قيل لإياس بن معاوية: ما فيك عيب إلا أنك معجب. قال: أفأعجبكم قالوا: نعم.

قال: فأنا أحق أن أعجب بما يكون مني.

ويقال: للعادة سلطانٌ على كل شيء، وما آستنبط الصواب بمثل المشاورة، ولاحصنت النعم بمثل المواساة، ولااكتسبت البغضة بمثل الكبر.

باب مدح الرجل نفسه وغيره

قال اللّه عز وجل حكاية عن يوسف: "إجعلني على خزائن الأرض إني حفيظ عليّأ".

للنبي

وقال رسول اللّه : أنا سيد ولد آدم ولافخر.

وقال للأنصار: "واللّه ما علمتكنم إلاّ تقلّون عند الطمع وتكنثرون عند الفزع ".

لأعرابي يمدح نفسه وقومه

وذكر أعرابي قوماً فقال: واللّه ما نالوا بأطراف أناملهم شيئاً الأ وقد وطئناه بأخامص أقدامنا، وإن أقصى مناهم لأدنى فعالنا.

أبي سلمة يمدح نفسه

ابن إدريس عن إسماعيل بن أبي خالد، قال: كنت أمشي مع الشعبي وأبي سلمة، فسال الشعبي أبا سلمة: من أعلم أهل المدينة فقال: الذي يمشي بيتكنما، يعني نفسه.

أيضاً للشعبي في ذلك المعنى

وقال الشعبي: ما رأيت مثلي، وما أشاء أن ألقى رجلاً أعلم مني بشيء الأ لقيته.

بين معاوية ورجل

قال معاوية لرجل: من سيد قومك قال: أنا. قال: لوكنت كذلك لم تقل .

للحسن في ذم الرجل نفسه علانية

الوليد بن مسلم عن خليد عن الحسن قال: ذم الرجل نغسه في العلانية مدح لها في السر.

كان يقال: من أظهر عيب نفسه فقد زكّاها.

الأعمش عن إبراهيم عن عبد اللّه قال: إذا أثنيت على الرجل بما فيه في وجهه لم تزكه.

لعمر بن الخطاب وعليّ بن الحسن في المدح

قال عمر بن الخطاب: المدح ذبح.

ويقال: المدح وافد الكبر.

وقال عليّ بن الحسين: لايقول رجل في رجل من الخير ما لايعلم الأ أوشك أن يقول فيه من الشر ما لايعلم، ولايصطحب آثنان على غير طاعة اللّه الأ أوشكا أن يفترقا على غير طاعة اللّه.

لوهب بن منبه في الرجل يمدحك بما ليس فيك

قال وهب بن منبه: إذا سمعت الرجل يقول فيك من الخير ما ليس فيك فلاتأمن أن يقول فيك من الشرما ليس فيك.

ويقال في بعض كتب اللّه عزوجل: عجبا لمن قيل فيه الخيروليس فيه كيف يفرح ! ولمن قيل فيه الشر وليس فيه كيف يغضب ! وأعجب من ذلك من أحمت نفسه على اليقين وأبغض الناس على الظنون ! وكان يقال: لاينلبن جهل غيرك بك علمك بنفسك.

لأعرابي يصف مادحاً مرائياً وقال أعرابي: كفى جهلاأن يمدح المادح بخلاف ما يعرف الممدوح من نفسه، وإني واللّه ما رأيت أعشق للمعروف منه.

وصية لابن المقفع

قال ابن المقفع: إيّاك إذا كنت والياً أن يكون من شأنك حبّ المدح والتزكية وأن يعرفشعر للأعشى، وغيره، في مدح الرجل نفسه

ومن أحسن ما قيل في مدح الرجل نفسه قول أعشى بني ربيعة:

ما أنافي أهلي ولافي عشـيرتـي

 

بمتـهـضـم حـقـي ولاقـارع

ولا مسلم فؤاداً بين جنبـي عـالـمٌ

 

بما أبصرت عيني وما سمعت أذني

وفضلني في الشعرواللّـب أنّـنـي

 

أقول على علم وأعلم ما أعـنـي

فأصبحت إن فضّلت مروان وابنـه

 

على الناس قد فضلت خيرأب وابن

وقال آخر:

إذا المرء لم يمدحه حسن فعاله

 

فمادحه يهذي وإن كان مفصحا

وقال آخر:

لعمرأبيك الخيرإنـي لـخـادم

 

لصحبي وإني إن ركبت لفارس

وقال آخر:

ونحن ضياء الأرض ما لمنسربهـا

 

غضاباً، وإن نغضب فنحن ظلامها

للحسن البصري في مدح رجل وهجاء قبيلته

وأنشد الحسن البصري قول الشاعر:

لولاجريرهلكت بجيلـه

 

نعم الفتى وبئست القبيله

قال الحسن: ما مدح رجلٌ هجي قومه.

ولأبي الهندام يمدح نفسه

تخرّالأرض إن نوديت باسمي

 

وتنهد الجبـال إذا كـنـيت

ومدّح النفس في الشعر كثير، وهو فيه أسهل منه في الكلام المنثور.