باب العقل
للنبي صلى الله عليه وسلم في العقل حدّثني إسحاق بن إبراهيم الشهيدي، قال: حدّثنا الحارث بن النعمان، قال: حدّثنا خليد ابن دعلج عن معاوية بن قرة يرفعه، قال: إن الناس يعملون الخير وإنما يعطون أجورهم يوم القيامة على قدر عقولهم.
ولمطرف في المعنى نفسه مهدي بن غيلان بن جرير قال: سمعت مطرفا يقول: عقول
الناس على قدر زمانهم.
حكمة داود في ما ينبني للعاقل حدّثني عبد الرحمن عن عبد المنعم عن أبيه وهب
بن منبه قال: وجدت في حكمة داود:
ينبغي للعاقل أن لا يشغل نفسه عن أربع ساعاتٍ: ساعةٍ يناجي فيها ربه،
وساعةٍ يحاسب فيها نفسه، وساعةٍ يخلو فيها هو وإخوانه والذين ينصحون له في
دينه ويصدقونه عن عيوبه، وساعةٍ يخلي بين نفسه وبين لذاتها فيما يحل ويحمد
فإن هذه الساعة عون لهذه الساعات وفضل بلغةٍ واستجمامٌ للقلوب. وينبغي
للعاقل أن لا يرى إلا في إحدى ثلاث خصا لٍ: تزودٍ لمعادٍ، أو مرمةٍ لمعاشٍ،
أو لذةٍ، في غير محرم. وينبغي للعقل أن يكون عارفاً بزمانه، حافظاً للسانه،
مقبلاً على شأنه عمرو بن العاص يصف العاقل قال: حدّثني أبو حاتم عن الأصمعي
قال: حدّثنا هلال بن حق قال: قال عمرو بن العاص: ليس العاقل الذي يعرف
الخير من الشر ولكنه الذي يعرف خير الشرين، والشر الواصل الذي يصل من يصله
ولكنه الذي يصل من قطعه.
ولزياد في هذا المعنى وقال زياد: ليس العاقل الذي يحتال للأمر إذا وقع ولكنه الذي يحتال للأمر ألا يقع فيه.
بين معاوية وعمرو بن العاص قال معاوية لعمرو: ما بلغ من دهائك يا عمرو قال عمرو: لم أدخل في أمرٍ قط فكرهته إلا خرجت منه. قال معاوية: لكني لم أدخل في أمرٍ قط فأردت الخروج منه.
من كتاب الهند وقرأت في كتابٍ للهند: الناس حازمان وعاجزٌ، فأحد الحازمين الذي إذا نزل به البلاء لم ينظر به وتلقاه بحيلته ورأيه حتى يخرج منه، وأحزم منه العارف بالأمر إذا أقبل فيدفعه قبل وقوعه، والعاجز في ترددٍ وتثنٍ حائرٌ بائرٌ لا يأتمر رشداً ولا يطيع مرشداً.
لأعرابي وقال أعرابيٌ: لو صور العقل لأظلمت معه الشمس، ولو صور الحمق لأضاء معه الليل.
لبعض الحكماء في فضل العقل ما عبد الله بشيءٍ أحب إليه من العقل وما عصي اللّه بشيٍ أحب إليه من الستر.
أبو روقٍ عن الضحاك في قول اللّه عز وجل "لينذر من كان حياً" قال: من كان عاقلاً.
للمغير بن شعبة في عمر بن الخطاب ذكر المغيرة بن شعبة عمر بن الخطاب فقال: كان أفضل من أن يخدع وأعقل من أن يخدع.
لإياس في مثله حدّثني إسحاق بن إبراهيم بن حبيب بن الشهيد عن قريش بن أنس عن حبيب ابن الشهيد قال: قال إياس: لست بخب والخب لا يخدعني ولا يخدع ابن سيرين ويخدع أبي ويخدع الحسن.
قال غيره: وكان كثيراً ما ينشد:
أبى لي البلاء وإني امرؤ |
|
إذا ما تثبت لـم أرتـب |
من كتاب كليلة ودمنة في قيمة العقل وفي كتاب كليلة ودمنة: الأدب يذهب عن العاقل السكر ويزيد الأحمق سكراً، كما أن النهار يزيد كل ذي بصرٍ بصراً ويزيد الخفافيش سوء بصرٍ.
وفيه: ذو العقل لا تبطره المنزلة والعز كالجبل لا يتزعزع وإن اشتدت عليه الريح، والسخيف يبطره أدنى منزلةٍ كالحشيش يحركه أضعف ريحٍ.
شعر لتأبط شراً في هذا المعنى وقال تأبط شرا في هذا المعنى :
ولست بمفراحٍ إذا الدهر سـرنـي |
|
ولا جازع من صرفه المتقـلـب |
ولا أتمنى الشر والشـر تـاركـي |
|
ولكن متى أحمل على الشر أركب |
أيضاً من كتاب كليلة ودمنة . وفي كتاب كليلة: رأس العقل التمييز بين الكائن والممتنع، وحسن العزاء عما لا يستطاع. وفيه: العاقل يقل الكلام ويبالغ في العمل ويعترف بزلة عقله ويستقليها كالرجل يعثر بالأرض وبها ينتعش.
ويقال: كل شيءٍ محتاج إلى العقل، والعقل محتاج إلى التجارب.
ليحيى بن خالد قال يحيى بن خالد: ثلاثة أشياء تدل على عقول الرجال: الكتاب، والرسول، والهدية.
وكان يقال: دل على عقل الرجل اختياره، وما تم دين أحدٍ حتى يتم عقله، وأفضل الجهاد جهاد الهوى.
لأنوشروان سئل أنوشروان: ما الذي لا تعلم له، وما الذي لا تغير له، وما الذي لا مدفع له، وما الذي لا حيلة له فقال: تعلم العقل، وتغير العنصر، ودفع القدر، وحيلة الموت.
وكان يقال: كتابك عقلك تضع عليه خاتمك.
وقالوا: كتاب الرجل موضع عقله، ورسوله موضع رأيه.
كان الحسن إذا أخبر عن رجلٍ بصلاح قال: كيف عقله.
حديث بين جبريل وآدم عليهما السلام وفي الحديث "أن جبريل عليه السلام أتى آدم عليه السلام فقال له: إني أتيتك بثلاثٍ فاختر واحدةً. قال: وما هي يا جبريل قال: العقل والحياء والدين. قال. قد اخترت العقل. فخرج جبريل إلى الحياء والدين فقال: ارجعا فقد اختار العقل عليكما. فقالا: أمرنا أن نكون مع العقل حيث كان.
كان يقال: العقل يظهر بالمعاملة وشيم الرجال تظهر بالولاية. ويقال: العاقل يقي ما له بسلطانه، ونفسه بماله، ودينه بنفسه.
للحسن البصري قال الحسن: لو كان للناس جميعاً عقول لخربت الدنيا.
خير رجل فأبى أن يختار وقال : أنا بحظي أوثق مني بعقلي فأقرعوا بيننا ص ص325 بين الأحنف ورجل شتمه فسكت عنه
حدّثني أبو حاتم عن الأصمعيّ عن عبد اللّه بن دينار عن عبد اللّه بن بكر المزني قال: جاء رجل فشتم الأحنف فسكت عنه، وأعاد فسكت، فقال: والهفاه؛ ما يمنعه من أن يرد عليّ إلا هواني عليه.
عبد الله بن صالح الحارثي وآخر تغلبي حدّثني أبو حاتم عن الأصمعيّ قال: أخبرنا عبد الله بن صالح من آل حارثة بن لأمٍ، قال: نزلت برجلٍ من بني تغلب فأتاني بقرًى فانفلت مني فقال :
والتغلبي إذا تنحنح للقرى |
|
حك آسته وتمثل الأمثالا |
فانقبضت فقال: كل أيها الرجل فإنما قلت كلمةً مقولة.
للشعبي حدّثني أبو حاتم عن الأصمعيّ، قال: أسمع رجلٌ الشعبي كلاماً فقال له الشعبي: إن كنت صادقاً فغفر الله لي وإن كنت كاذبا فغفر اللّه لك.
ومر بقوم ينتقصونه فقال :
هنيئاً مريئاً غير داءٍ مخـامـرٍ |
|
لعزة من أعراضنا ما استحلت |
لأي معاوية الأسود واستطال رجلٌ على أبي معاوية الأسود فقال: أستغفر اللّه من الذنب الذي سلطت به عليّ.
ولمعاوية بن أبي سفيان قال معاوية: إني لأرفع نفسي أن يكون ذنبٌ أوزن من حلمي.
معاوية وأبي جهم وشعر لأبي جهم فيه وقال معاوية لأبي جهم العدوي: أنا أكبر أم أنت يا أبا جهم قال: لقد أكلت في عرس أمك هندٍ. قال: عند أي أزواجها قال: عند حفص بن المغيرة. قال: يا أبا جهم، إياك والسلطان فإنه يغضب غضب الصبي ويعاقب عقوبة الأسد، وإن قليله يغلب كثير الناس. وأبو الجهم هذا هو القائل في معاوية:
نميل على جوانبه كأنـا |
|
إذا ملنا نميل على أبينا |
نقلبه لنخبر حـالـتـيه |
|
فنخبر منهما كرماً ولينا |
سمع الأحنف رجلاً ينازع رجلاً في أمرٍ فقال له الأحنف: حسبك إلا ضعيفاً فيما تحاول. فقال الرجل: ما على ظنك خرجت من عند أهلي. فقال الأحنف: لأمرٍ ما قيل: احذروا الجواب.
بين عمرو بن العاص ورجل سأله عن أمه جعل رجلٌ جعلاً لرجل على أن يقوم إلى عمرو بن العاص يسأله عن أمه، فقام إليه وهو يخطب على منبر تنيس، فقال له: أيها الرجل أخبرنا من أمك فقال: كانت امرأ ةً من عنزة أصيبت بأطراف الرماح فوقعت في سهم الفاكه بن المغيرة فاشتراها أبي فوقع عليهم، انطلق وخذ ما جعل لك على هذا.
قال الشاعر
قل ما بدا لك من زورٍ ومن كذبٍ |
|
حلمي أصم وأذني غير صمـاء |
بين معاوية وابنه يزيد نظر معاوية إلى ابنه يزيد وهو يضرب غلاماً له، فقال له: أتفسد أدبك بأدبه فلم ير ضارباً غلاماً له بعد ذلك.
ليحيى بن خالد قيل ليحيى بن خالد: إنك لا تؤدب غلمانك ولا تضربهم. قال: هم أمناؤنا على أنفسنا فإذا نحن أخفناهم فكيف نأمنهم.
وكان يقال: الحليم مطية الجهول أعرابي يصف رجلاً وذكر أعرابي رجلاً فقال: كان أحلم من فرخ طائر.
وفي الإنجيل: كونوا حلماء كالحيات وبلهاء كالحمام.
لبعض الشعراء قال بعض الشعراء. ا:
إني لأعرض عن أشياء أسمعها |
|
حتى يقول رجال إن بي حمقا |
أخشى جواب سفيهٍ لا حياء له |
|
فسلٍ، وظن أنا سٍ أنه صدقـا |
للأحنف في الحلم قال الأحنف: من لم يصبر على كلمةٍ سمع كلما تٍ ورب غيظٍ قد
تجرعته مخافة ما هو أشد منه.
قال أكثم بن صيفي: العز والغلبة للحلم.
لعليّ عليه السلام وقال عليّ بن أبي طالب عليه السلام: أول عوض الحليم من حلمه أن الناس أنصاره على الجهول.
وللمنصور وقال المنصور: عقوبة الحلماء التعريض، وعقوبة السفهاء التصريح.
قال: حدّثني سهيل قال: حدّثنا الأصمعيّ قال: بلغني أن رجلاً قال لآخر: والله لئن قلت واحدةً لتسمعن عشراً، فقال له الآخر: لكنك إن قلت عشراً لم تسمع واحدةً.
بين عمر بن ذر ورجل شتمه وبلغني أن رجلاً شتم عمر بن ذر فقال له: يا هذا لا
تغرق في شتمنا ودع للصلح موضعاً،
فإني أمت مشاتمة الرجال صغيراً ولن أحييها كبيراً، وإني لا أكافئ من عصى
اللّه في بأكثر من أن أطيع الله فيه.
لبعض المحدّثين وقال بعض المحدّثين:
وإن الله ذو حلـم ولـكـن |
|
بقدر الحلم ينتقم الـحـلـيم |
لقد ولت بدولتك الـلـيالـي |
|
وأنت معلق فـيهـا ذمـيم |
وزلت لم يعش فيهـا كـريم |
|
ولا استغنى بثروتها عـديم |
فبعداً لا انقضاء له وسحقـاً |
|
فغير مصابك الحدّث العظيم |
المدائني قال: كان شبيب بن شيبة يقول: من سمع كلمة يكرهها فسكت عنهم انقطع عنه ما يكره، فإن أجاب عنهم سمع أكثر مما يكره. وكان يتمثل بهذا البيت:
وتجزع نفس المرء من وقع شتمةٍ |
|
ويشتئم ألفاً بعدها ثـم يصـبـر |
للأحنف قاتل الأحنف في بعض المواطن قتالاً شديداً، فقال له رجل: يا أبا بحر، أين الحلم قال: عند الحبى.
شعر لمسلم بن الوليد وقال مسلم بن الوليد:
حبًى لا يطير الجهل في جنباتها |
|
إذا هي حلت لم يفت حلهم ذحل |
الأحنف وزيد بن جبلة أغضب زيد بن جبلة الأحنف، فوثب إليه فأخذ بعمامته وتناصبا، فقيل للأحنف: أين الحلم اليوم؛ فقال: لو كان مثلي أو دوني لم أفعل هذا به.
كان يقال: آفة الحلم الضعف.
للجعدي وغيره في هذا المعنى وقال الجعدي :
ولا خير في حلم إذا لم تكن له |
|
بوادر تحمي صفوه أن يكدرا |
وقال إياس بن قتادة:
تعاقب أيدينا ويحلم رأينا |
|
ونشتم بالأفعال لا بالتكلم |
وأنشد الرياشي:
إني امرؤ يذب عن حريمي |
|
حلمي وتركي اللوم للـئيم |
والعلم أحمى من يد الظلوم للأحنف بن قيس وقال الأحنف: أصبت الحلم أنصر لي من الرجال.
حلم المتشمس بن معاوية قال أبو اليقظان: كان المتشمس بن معاوية عم الأحنف يفضل في حلمه على الأحنف قبل، فأمره أبو موسى أن يقسم خيلاً في بني تميم فقسمها، فقال رجل من بني سعد: ما منعك أن تعطيني فرساً ووثب عليه فمرش وجهه، فقام إليه قوم ليأخذوه، فقال. دعوني وإياه، إني لا أعان على واحد، ثم انطلق به إلى أبي موسى، فلما رآه أبو موسى سأله عما بوجهه فقال: دع هذا ولكن ابن عمي ساخط فاحمله على فرسٍ ففعل للأحنف في قيس بن عاصم المنقري قيل للأحنف: ما أحلمك؛ قال: تعلمت الحلم من قيس بن عاصم المنقري، بينا هو قاعد بفنائه محتبٍ بكسائه، أتته جماعةٌ فيهم مقتولٌ ومكتوفٌ وقيل له: هذا ابنك قتله ابن أخيك. فوالله ما حل حبوته حتى فرغ من كلامه، ثم التفت إلى ابن له في المجلس، فقال له: قم فأطلق عن ابن عمك ووار أخاك واحمل إلى أمه مائةً من الإبل فإنها غريبة، ثم أنشأ يقول:
إني أمرؤٌ لا شائن حسـبـي |
|
دنـس يغـيره ولا أفــن |
من منقرٍ في بيت مكـرمة |
|
والغصن ينبت حوله الغصن |
خطباء حين يقول قائلـهـم |
|
بيض الوجوه، أعفة لسـن |
لا يفطنون لعيب جـارهـم |
|
وهم لحفظ جواره فـطـن |
ثم أقبل على القاتل فقال: قتلت قرابتك، وقطعت رحمك، وأقللت عددك، لا يبعد اللّه غيرك.
شعر عبد ة بن الطيب يمدح قيس بن عاصم وفي قيس بن عاصم يقول عبد ة بن الطبيب، إسلامي :
عليك سلام الله قيس بن عاصمٍ |
|
ورحمته ما شاء أن يترحمـا |
تحية من ألبسته منك نـعـمةً |
|
إذا زارعن شحطٍ بلادك سلما |
وما كان قيس هلكه هلك واحدٍ |
|
ولكنه بنيان قـومٍ تـهـدمـا |
الأحنف يمدح قيساً وقال الأحنف: لقد اختلفنا إلى قيس بن عاصم في الحلم كما نختلف إلى الفقهاء في الفقه بين الأحنف ورجل شتمه شتم رجلٌ الأحنف يتبعه حتى بلغ حيه، فقال الأحنف: يا هذا إن كان بقي في نفسك شيء فهاته وانصرف لا يسمعك بعض سفهائنا فتلقى ما تكره.
مثله بين الحسن ورجل شتم رجلٌ الحسن وأربى عليه، فقال له: أما أنت فما أبقيت شيئاً، وما يعلم اللّه أكثر. قال بعض الشعراء:
لن يدرك المجد أقوامٌ وإن كرمواحتى يذلوا وإن عزوا لأقوام |
|
|
ويشتموا فترى الألوان مشرقةً |
|
لا صـفـح ذل ولــكـــن صـــفـــح أحـــلام |
للأصمعي
قال: حدّثني أبو حاتم عن الأصمعيّ قال: لا يكاد يجتمع عشرةً إلا وفيهم
مقاتل وأكثر، ويجتمع ألف ليس فيهم حليمٌ.
بين عليّ بن عبد الله وعروة بن الزبير ابن عيينة قال: كان عروة بن الزبير
إذا أسرع إليه رجل بشتمٍ أو قولٍ سيءٍ لم يجبه وقال: إني أتركك رفعاً لنفسي
عنك. فجرى بينه وبين عليّ بن عبد الله كلامٌ، فأسرع إليه، فقال له عليّ:
خفض عليك أيها الرجل فإني أتركك اليوم لما كنت تترك له الناس.
للأصمعي عن رجل خاصم رجلاً قال: حدّثني أبو حاتم عن الأصمعيّ قال: قال رجل: لمثل هذا اليوم كنت أدع الفحش على الرجال فقال له خصمه: فإني أدع الفحش عليك اليوم لما تركته أنت له قبل اليوم.
لسيد وقد أغاظه عبد له وأغلظ عبدٌ لسيده، فقال: إني أصبر لهذا الغلام على ما ترون لأروض نفسي بذلك، فإذا صبرت للمملوك على المكروه كانت لغير المملوك أصبر.
بين عمر بن عبد العزيز وعقيل بن علفة كلم عمر بن عبد العزيز رجلاً من بني أمية وقد ولدته نساء بني مرة فعاب عليه جفاءً رآه منه، فقال: قبح الله شبهاً غلب عليك من بني مرة. وبلغ ذلك عقيل بن علفة المري وهو بجنفاء من المدينة على أميال في بلد بني مرة، فركب حتى قدم على عمر وهو بدير سمعان، فقال: هيه يا أمير المؤمنين؛ بلغني أنك غضبت على فتى من بني أبيك، فقلت: قبح الله شبهاً غلب عليك من بني مرة، وإني أقول: قبح الله ألأم طرفيه. فقال عمر: دع ويحك هذا وهات حاجتك. فقال. والله ما لي حاجة غير حاجته. وولى راجعاً من حيث جاء، فقال عمر: يا سبحان الله؛ من رأى مثل هذا الشيخ جاء من جنفاء ليس إلآ يشتمنا ثم انصرف؛ فقال له رجل من بني مرة. إنه واللّه يا أمير المؤمنين ما شتمك وما شتم إلا نفسه، نحن واللّه ألأم طرفيه.
بين أمية بن عبد الله المدائني قال: لما عزل الحجاج أمية بن عبد الله عن خراسان أمر رجلاً من بني تميم فعابه بخراسان وشنع عليه، فلما قفل لقيه التميمي فقال: أصلح الله الأمير لا تلمني فإني كنت مأموراً. فقال: إن لنفسك عندك قدرا! كان يقال: طيروا دماء الشباب في وجوههم.
ويقال: الغضب غول الحلم.
ويقال: القدرة تذهب الحفيظة.
كتاب كسرى ابرويز يوصي ابنه شيرويه وكتب كسرى أبرويز إلى ابنه شيرويه من الحبس. إن كلمة منك تسفك دماً، وإن كلمة أخرى منك تحقن دماً، وإن سخطك سيوفك مسلولةً على من سخطت عليه، وإن رضاك بركة مستفيضة على من رضيت عنه، وإن نفاذ أمرك مع ظهور كلامك، فاحترس في غضبك من قولك أن يخطئ، ومن لونك أن يتغير ومن جسدك أن يخف، وإن الملوك تعاقب قدرةً وحزما، وتعفو تفضلا وحلما، ولا ينبغي للقادر أن يستخف ولا للحليم أن يزهو، وإذا رضيت فأبلغ بمن رضيت عنه يحرص من سواه على رضاك، وإذا سخطت فضع من سخطت عليه يهرب من سواه من سخطك، وإذا عاقبت فانهك لئلا يتعرض لعقوبتك، واعلم أنك تجل عن الغضب وأن غضبك يصغر عن ملكك، فقدر لسخطك من العقاب كما تقدر لرضاك من الثواب.
شعر لمحمد بن وهيب قال محمد بن وهيب :
لئن كنت محتاجاً إلى الحلـم إنـنـي |
|
إلى الجهل في بعض الأحايين أحوج |
ولى فرس للحلم بالحلـم مـلـجـم |
|
ولي فرس للجهل بالجهل مسـرج |
فمن رام تقويمي فإني مقوم=ومن رام تعويجي فإني معوج
وما كنت أرضى الجهل خدنا وصاحبا |
|
ولكنني أرضى بـه حـين أحـرج |
ألا ربما ضاق الفضـاء بـأهـلـه |
|
وأمكن من بين الأسـنة مـخـرج |
وإن قال بعض الناس فيه سـمـاجة |
|
فقد صدقوا، والذل بالحر أسـمـج |
لابن المقفع فيما لا ينبغي للملك وقال ابن المقفع: لا ينبغي للملك أن يغضب لأن القدرة من وراء حاجته، ولا يكذب لأنه لا يقدر أحد على استكراهه على غير ما يريد، ولا يبخل لأنه لا يخاف الفقر، ولا يحقد لأن خطره قد جل عن المجازاة.
قال سويد بن الصامت:
إني إذا ما الأمر بـين شـكـه |
|
وبدت بصائره لمـن يتـأمـل |
أدع التي هي أرفق الحالات بي |
|
عند الحفيظة للتي هي أجمـل |
بين عمر بن عبد العزيز ورجل كان واجداً عليه أتى عمر بن عبد العزيز رجل كان واجداً عليه، فقال: لولا أني غضبان لعاقبتك. وكان إذا أراد أن يعاقب رجلاً حبسه ثلاثة أيام، فإذا أراد بعد ذلك أن يعاقبه عاقبه، كراهة أن يعجل عليه في أول غضبه.
وأسمعه رجل كلاماً فقال له. أردت أن يتسفزني الشيطان يعز السلطان فأنال منك اليوم ما تناله مني غداً، انصرف رحمك الله.
للقمان في ثلاث يكمل بها الإيمان قال لقمان لحكيم: ثلاث من كن فيه فقد استكمل الإيمان: من إذا رضي لم يخرجه رضاه إلى الباطل، وإذا غضب لم يخرجه غضبه من الحق، وإذا قدر لم يتناول ما ليس له.
وقال لابنه: إن أردت أن تؤاخي رجلاً فأغضبه، فإن أنصفك في غضبه وإلا فدعه.
لمعاوية في إطفاء الغضب خطب معاوية يوماً فقال له رجل: كذبت. فنزل مغضباً فدخل منزله، ثم خرج عليهم تقطر لحيته ماءً، فصعد المنبر فقال: أيها الناس إن الغضب من الشيطان، وإن الشيطان من النار، فإذا غضب أحدكم فليطفئه بالماء، ثم أخذ في الموضع الذي بلغه من خطبته.
للنبي صلى الله عليه وسلم وفي الحديث المرفوع: "إذا غضب أحدكم فإن كان قائماً فليقعد وإن كان قاعداً فليضطجع وقال الشاعر:
احذر مغايظ أقـوامٍ ذوي أنـفٍ |
|
إن المغيظ جهول السيف مجنون |
لعمر بن عبد العزيز رضي الله عنه وقال عمر بن عبد العزيز: متى أشفي غيظي أحين أقدر فيقال لي: لو عفوت، أو حين أعجز فيقال لي: لو صبرت والعرب تقول: "إن الرثيئة مما يفثأ الغضب والرثيئة اللبن الحامض يصب عليه الحليب، وهو أطيب اللبن.
بين المنصور وابن عياش كان المنصور ولى سلم بن قتيبة البصرة ولى مولى له كور البصرة والأبلة، فورد كتاب مولاه أن سلما ضربه بالسياط، فاستشاط المنصور وقال: عليّ تجرأ سلم؛ لأجعلنه نكالاً. فقال ابن عباس - وكان جريئاً عليه - : يا أمير المؤمنين، إن سلماً لم يضرب مولاك بقوته ولا قوة أبيه، ولكنك قلدته سيفك وأصعدته منبرك، فأراد مولاك أن يطأطىء منه ما رفعت ويفسد ما صنعت، فلم يحتمل ذلك، يا أمير المؤمنين إن غضب العربي في رأسه فإذا غضب لم يهدأ حتى يخرجه بلسان أو يد، وإن غضب النبطي في آسته فإذا غضب وخريء ذهب غضبه. فضحك أبو جعفر وقال: فعل اللّه بك يا منتوف وفعل. فكف عن سلمٍ كان يقال: إياك وعزة الغضب فإنها مصيرتك إلى ذل الاعتذار.
لبعض الشعراء قال بعض الشعراء:
الناس بعدك قد خفت حلومهم |
|
كأنما نفخت فيها الأعاصير |
أبو بكر بن عياش عن الأعمش قال: كنت مع رجل فوقع في إبراهيم، فأتيت إبراهيم فأخبرته وقلت. والله لهممت به. فقال: لعل الذي غضبت له لو سمعه لم يقل شيئاً.