الكتاب الثالث: كتاب السؤدد - باب المجالس والجلساء والمحادثة

باب المجالس والجلساء والمحادثة

للنبي صلى الله عليه وسلم في المجالس

قال: حدّثني أحمد بن الخليل عن حبان بن موسى قال: حدّثنا ابن المبارك عن معمر عن سهيل عن أبيه عن أبي هريرة قال: قال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم : "الرجل أحق بمجلسه إذا قام لحاجةٍ ثم رجع ".

وحدّثني أيضاً عن سعيد بن سليمان عن إسحاق بن يحيى عن المسيب بن رافع عن عبد الله بن يزيد الخطمي عن عبد اللّه بن الغسيل قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "المرء أحق بصدر بيته وصدر دابته وصدر فراشه، وأحق أن يؤم في بيته

لعليّ بن أبي طالب فيمن يأبى الكرامة قال: حدّثني محمد بن عبيد قال: حدّثنا ابن عيينة عن عمرو بن دينار عن أبي جعفر محمد بن عليّ قال: ألقي لعلي وسادةٌ فجلس عليها وقال: إنه لا يأبى الكرامة إلا حمارٌ.

للنبي صلى الله عليه وسلم في الجليس الصالح والجليس السوء وفي الحديث المرفوع عن أبي موسى قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "مثل الجليس الصالح مثل الداري إن لم يحدك من طيبه علقك من ريحه، ومثل الجليس السوء مثل الكير إن لم يحرقك بشرار ناره علقك من نتنه ".

قال أبو إدريس الخولاني: المساجد مجالس الكرام.

للأحنف في أطيب المجالس وشعر لعليّ بن الجهم في معناه قال الأحنف: أطيب المجالس ما سافر فيه البصر واتدع فيه البدن.

فأخذه عليّ بن الجهم فقال :

صحون تسافر فيها العيون

 

وتحسر عن بعد أقطارها

للمهلب، وللأوسية، في خير المجالس وقال المهلب: خير المجالس ما بعد فيه مدى الطرف وكثرت فيه فائدة الجليس.

قيل للأوسية: أي منظرٍ أحسن فقالت: قصورٌ بيضٌ في حدائق خضرٍ.

شعر لعدي بن زيد ونحوه قول عدي بن زيد:

كدمى العاج في المحاريب أو كال

 

بيض في الروض زهره مستنير

للأصمعي عن الأحنف وغيره حدّثنا سهل بن محمد قال: حدّثنا الأصمعي قال: كان الأحنف إذا أتاه إنسان أوسع له، فإن لم يجد موضعاً تحرك ليريه أنه يوسع له. وكان آخر لا يوسع لأحد ويقول: "ثهلان ذو الهضبات ما يتحلحل .

لابن عباس في حق جليسه عليه قال ابن عباس: لجليسي علي ثلاثٌ: أن أرميه بطرفي إذا أقبل، وأن أوسع له إذا جلس، وأصغي إليه إذا تحدّث.

وللأحنف وقال الأحنف: ما جلست مجلساً فخفت أن أقام عنه لغيري.

وكان يقول: لأن أدعى من بعيد فأجيب أحب إلي من أن أقصى من قريب.

سلوك القعقاع بن شور مع جليسه كان القعقاع بن شور إذا جالسه رجل فعرفه بالقصد إليه جعل له نصيباً في ماله، وأعانه على عدوه، وشفع له في حاجته، وغدا إليه بعد المجالسة شاكراً.

وقسم معاوية يوماً آنية فضةٍ ودفع إلى القعقاع حظه منها، فآثر به القعقاع أقرب القوم إليه، فقال :

وكنت جليس قعقاع بن شور

 

ولا يشقى بقعقاع جـلـيس

ضحوك السن إن نطقوا بخير

 

وعند الشر مطراقٌ عبوس

كان يقال: إياك وصدر المجلس فإنه مجلس قلعة.

لمحمد بن واسع، ولعمرو بن العاص قيل لمحمد بن واسع: ألا تجلس متكئاً فقال: تلك جلسة الآمنين.

قال عمرو بن العاص: ثلاثة لا أملهم: جليسي ما فهم عني، وثوبي ما سترني، ودابتي ما حملت رجلي .

وزاد آخر: وامرأتي ما أحسنت عشرتي.

لرجل عن عبد الملك بن مروان ذكر رجل عبد الملك بن مروان فقال: إنه لأخذ بأربع، تاركٌ لأربع: آخذٌ بأحسن الحديث إذا حدّث، وبأحسن الاستماع إذا حدّث، وبأحسن البشر إذا لقي، وبأيسر المؤونة إذا خولف. وكان تاركاً لمحادثة اللئيم، ومنازعة اللجوج، ومماراة السفيه، ومصاحبة المأبون. لرجل من الأشراف وقد أتاه رجل عند الانصراف كان رجل من الأشراف إذا أتاه رجل عند انقضاء مجلسه قال: إنك جلست إلينا على حين قيامٍ منا أفتأذن بين الفضيل بن عياض وسفيان الثوري قال الفضيل بن عياض للثوري: دلني على من أجلس إليه. قال: تلك حالةٌ لا توجد.

لمطرف قال مطرف: لا تطعم طعامك من لا يشتهيه، يريد: لا تقبل بحديثك على من لا يقبل عليك بوجهه.

لسعيد بن سلم في أدب المحادثة، ومثله لابن مسعود وقال سعيد بن سلم: إذا لم تكن المحدّث أو المحدّث فانهض.

ونحوه قول ابن مسعود: حدّث القوم ما حدثوك بأبصارهم.

عمر بن عبد العزيز وزياد مولى عياش بن أي ربيعة قال زياد مولى عياش بن أبي ربيعة: دخلت على عمر بن عبد العزيز، فلما رآني زحل عن مجلسه وقال: إذا دخل عليك رجل لا ترى لك عليه فضلاً فلا تأخذ عليه شرف المجلس.

لابن عباس في الجليس وقال ابن عباس: ما أحدٌ أكرم عليّ من جليسي، إن الذباب يقع عليه فيشق علي.

الشعبي يذكر قوماً ذكر الشعبي قوماً فقال: ما رأيت مثلهم أشد تناوباً في مجلس ولا أحسن فهماً عن محدّث.
لسليمان بن عبد الملك قال سليمان بن عبد الملك: قد ركبنا الفاره ووطئنا الحسناء ولبسنا اللين وأكلنا الطيب حتى أجدنا، ما أنا اليوم إلى شيء أحوج مني إلى جليس أضع عني مؤونة التحفظ فيما بيني وبينه.


لعمر بن الخطاب رضي الله عنه روى ابن أبي ليلى عن حبيب بن أبي ثابت عن يحيى بن جعدة قال: قال عمر بن الخطاب: لولا أن أسير في سبيل اللّه أو أضع جبهتي في التراب لله أو أجالس قوماً يلتقطون طيب القول كما يلتقط طيب الثمر لأحببت أن أكون قد لحقت باللّه.

لعامر بن عبد قيس يتذكر العراق قال عامر بن عبد قيس: ما آسى على شيء من العراق إلا على ظمأ الهواجر، وتجاوب المؤذنين، وإخوان لي منهم الأسود بن كلثوم.

ومثله لأخر يذكر البصرة وقال أخر: ما آسى من البصرة إلا على ثلاث: قصب السكر، وليل الخرير، وحديث ابن أبي بكرة.
لابراهيم النخعي في صيرفي وخارجي وقال المغيرة: كان يجالس إبراهيم صيرفي ورجل متهمٌ برأي الخوارج، فكان يقول لنا: لا تذكروا الربا إذا حضر هذا، ولا الأهواء إذا حضر هذا.

إمام المسجد الحرام واللهبيين وكان إمام مسجد الحرام لا يقول" تبت يدا أبي لهب" إلا عند ختم القرآن في شهر رمضان من أجل اللّهبيين.

كان يقال: محادثة الرجال تلقح ألبابها.

لبعض الملوك في المحادثة كان بعض الملوك في مسير له ليلاً فقال لمن حوله: إنه لا يقطع سرى الليل بمثل الحديث فيه فلينفض كل رجل منكم بنا جوشاً منه.

بين معاوية وعمرو بن العاص قال معاوية لعمرو بن العاص: ما بقي من لذة الدنيا تلذه قال: محادثة أهل العلم، وخبرٌ صالح يأتيني من ضيعتي.

لأبي مسهر قال أبو مسهر: ما حدّثت رجلاً قط إلا حدّثني إصغاؤه: أفهم أم ضيع.

باب الثقلاء قال إبراهيم: إذا علم الثقيل أنه ثقيلٌ فليس بثقيل.

كان يقال: من خاف أن يثقل لم يثقل.

لأيوب وسئل لم لم يكتب عن طاوس قيل لأيوب: ما لك لا تكتب عن طاوس فقال: أتيته فوجدته بين ثقيلين: ليث بن أبي سليم، وعبد الكريم بن أبي أمية.

للحسن قال الحسن: قد ذكر اللّه الثقل في كتابه قال: " فإذا طعمتم فانتشروا".

لأبي هريرة كان أبو هريرة إذا استثقل رجلاً قال: اللهم اغفر له وأرحنا منه.

وكتب رجل على خاتمه: أبرمت فقم، فكان إذا جلس إليه ثقيلٌ ناوله إياه .

نصيحة بختيشوع الطبيب للمأمون قال بختيشوع للمأمون: لا تجالس الثقلاء فإنا نجد في الطب: مجالسة الثقيل حمى الروح.

لبعض الشعراء قال بعض الشعراء:

إني أجالس معـشـراً

 

نوكى أخفهم ثـقـيل

قومٌ إذا جالسـتـهـم

 

صدئت بقربهم العقول

لا يفهموني قولـهـم

 

ويدق عنهم ما أقـول

فهم كثـيرٌ بـي وأع

 

لم أنني بهـم قـلـيل

لصدقة بن خالد في مجلس أي حنيفة أخبرنا النوشجاني عن عمر بن سعيد القرشي قال: حدّثني صدقة بن خالد قال: أتيت الكوفة فجلست إلى أبي حنيفة، فقام رجل من جلسائه فقال :

فما الفيل تحمله مـيتـاً

 

بأثقل من بعض جلاسنا

فما حملت عنه شيئاً.

شعر في ثقيل مر رجل بصديق له ومعه رجل ثقيل، فقال له: كيف حالك فقال :

وقائلٍ كيف أنت قلت لـه

 

هذا جليسي فما ترى حالي

لبشار في أبي سفيان وقال بشار:

ربما يثقل الجليس وإن كـا

 

ن خفيفاً في كفة المـيزان

ولقد قلت حين وتد في الأر

 

ض ثقيلٌ أربى على ثهلان

كيف لم تحمل الأمانة أرضٌ

 

حملت فوقهم أبا سفـيان !

لأخر في ثقيل وقال آخر:

هل غربة الدار منك منجيتي

 

إذا اغتدت بي قلائصٌ ذمل

وما أظن الفلاة تنـجـينـي

 

منك ولا الفلك أيها الرجل

ولو ركبت البراق أدركنـي

 

منك على نأي دارك الثقل

هل لك فيما ملكت نـافـلةٌ

 

تأخذه جملةً وتـرتـحـل

لأعرابي وقال أعرابي :

كأني عند حمزة في مقامي

 

ألا حييت عنا يا مـدينـا

بلينا عنده حـتـى كـأنـا

 

ألا هبي بصحنك فاصبحينا

لآخر في ثقيل وقال آخر

ثقيلٌ يطالعـنـا مـن أمـم

 

إذا سره رغم أنفـي ألـم

لطلعته وخزةٌ في الحـشـا

 

كوخزالمشارط في المحتجم

أقول له إذ بـدا طـالـعـاً

 

ولا حملتـه إلـينـا قـدم

فقدت خيالك لا من عمـى

 

وأذني كلامك لا من صمم

لسهيل بن عبد العزيز قال سهيل بن عبد العزيز: من ثقل عليك بنفسه وغمك في سؤاله فألزمه أذناً صماء وعيناً عمياء.

لبعض الكتاب وكتب بعض الكتاب في فصل من كتابه: ما آمن نزغ مستميحٍ حرمته، وطالب حاجةٍ رددته، ومثابرٍ ثقيلٍ حجبته، أو منبسط نابٍ قبضته، ومقبلٍ بعنانه عليّ لويت عنه، فقد فعلت هذا بمستحقين وبتعذر الحال، فتثبت رحمك الله، ولا تطع كل حلاف مهين.

لبعض المحدّثين في زياد أبو صعصعة وقال بعض المحدّثين للخليل :

خرجنا نريد غزاةً لـنـا

 

وفينا زيادٌ أبو صعصعه

فستة رهطٍ به خمـسةٌ

 

وخمسةٌ رهطٍ به أربعه