الكتاب الثالث: كتاب السؤدد - باب الاقتصاد في الإنفاق والإعطاء

 باب الاقتصاد في الإنفاق والإعطاء

قال اللّه عز وجل:" ولا تجعل يدك مغلولةً إلى عنقك ولا تبسطها كل البسط "، وقال عز وجل: "والذين إذا أنفقوا لم يسرفوا ولم يقتروا وكان بين ذلك قواماً ".

للنبي صلى الله عليه وسلم حدّثني أحمد بن الخليل عن مسلم بن إبراهيم عن سكين بن عبد العزيز بن مسلم عن أبي الأحوص

عن عبد الله قال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم: "ما عال مقتصدٌ".

لأبي الدرداء في حسن التقدير في المعيشة وحدّثني أيضا عن مسلم قال: حدّثنا أبو قدامة الحارث بن عبيد قال: حدّثنا برد بن سنان عن الزهري قال: قال أبو الدرداء: حسن التقدير في المعيشة أفضل من نصف الكسب، ولقط حبا منثوراً وقال: إن فقه الرجل رفقه في معيشته.

أبو الأسود ينصح ولده قال أبو الأسود لولده: لا تجاودوا الله فإنه أجود وأمجد، وإنه لو شاء أن يوسع على الناس كلهم حتى لا يكون محتاجٌ لفعل، فلا تجهدوا أنفسكم في التوسعة فتهلكوا هزلاً.

لمحمد بن عمران وقد نسبوه إلى البخل قيل لمحمد بن عمران قاضي المدينة - وهو من ولد طلحة بن عبيد الله - : إنك تنسب إلى البخل. فقال: والله إني لا أجمد في الحق ولا أذوب في الباطل.

وكان يقال: لا تصن كثيراً عن حقٍ ولا تنفق قليلاً في باطل.

ومن أمثال العرب في ذلك: لا وكس ولا شطط وإذا جد السؤال جد المنع.

وقال الشاعر:

إلا أكن كل الجـواد فـإنـنـي

 

على الزاد في الظلماء غير لئيم

وإلا أكن كل الشجاع فـإنـنـي

 

أرد سنان الرمح غير سـلـيم

وقد علمت عليّا هوازن أنـنـي

 

فتاها وسفلى عامـرٍ وتـمـيم

لمعاوية بن أبي سفيان قال معاوية: ما رأيت شرفاً قط إلا وإلى جانبه حق مضيعٌ.

أفعال من أفعال السادة والأشراف لأبي عمران قاضي المدينة عن طلحة حدّثني الرياشي قال: حدّثنا ألأصمعي قال: حدّثنا ابن عمران قاضي المدينة أن طلحة كان يقال له: طلحة الخير، وطلحة الفياض، وطلحة الطلحات وأنه فدى عشرة من أسارى بدر وجاء يمشي بينهم، وأنه سئل برحمٍ فقال: ما سئلت بهذه الرحم قبل اليوم، وقد بعت حائطاً لي بتسعمائة ألف درهم وأنا فيه بالخيار، فإن شئت ارتجعته وأعطيتكه، وإن شئت أعطيتك ثمنه.

من أفعال ضرار بن القعقاع بن معبد بن زرارة

حدّثني سهل بن محمد عن الأصمعيّ قال: أخبرني شيخ من مشيختنا، - وربما قال: هارون الأعور - أن قتيبة بن مسلم قال: أرسلني أبي إلى ضراب بن القعقاع بن معبد بن زرارة فقال: قل له قد كان في قومك دماء وجراح، وقد أحبوا أن تحضر المسجد فيمن يحضر. قال: فأتيته فأبلغته فقال: يا جارية. غديني فجاءت بأرغفة خشنٍ فشردتهن في مريس ثم برقتهن فأكل، قال قتيبة: فجعل شأنه يصغر في عيني ونفسي، ثم مسح يده وقال: الحمد لله، حنطة الأهواز وتمر الفرات وزيت الشأم. ثم أخذ نعليه وارتدى، ثم انطلق معي وأتى المسجد الجامع فصلى ركعتين ثم احتبى، فما رأته حلقة إلا تقوضت إليه، فاجتمع الطالبون والمطلوبون فأكثروا الكلام، فقال: إلى ماذا صار أمرهم قالوا: إلى كذا وكذا من إبل. قال: هي عليّ. ثم قام.

لمعد يكرب بن أبرهة وعبد العزيز بن مروان الهيثم عن ابن عباس قال: كان معد يكرب بن أبرهة جالساً مع عبد العزيز بن مروان على سريره فأتي بفتيانٍ قد شربوا الخمر، فقال: يا أعداء الله، أتشربون الخمر! فقال معديكرب: أنشدك الله أن تفضح هؤلاء. فقال: إن ألحق في هؤلاء وفي غيرهم واحد. فقال معد يكرب: يا غلام صب من شرابهم في القدح. فصب له فشربه وقال: واللّه ما شرابنا في منازلنا إلا هذا. فقال عبد العزيز: خلوا عنهم. فقيل له حين انصرفوا: شربت الخمر! فقال: أما والله إن اللّه ليعلم أني لم أشربها قط في سر ولا علانية، ولكني كرهت أن يفضح مثل هؤلاء بمحضري . الحسن بن سهل وشاع مدحه وحكمه في الصلة وحدّثني شيخ لنا قال: مدح شاعر الحسن بن سهل، فقال له: احتكم، وظن أن همته قصيرةٌ، فقال: ألف ناقة، فوجم الحسن ولم يمكنه، وكره أن يفتضح وقال: يا هذا إن بلادنا ليست بلاد إبل، ولكن ما قال امرؤ القيس :

إذا ما لم يكن إبلٌ فمعزى

 

كأن قرون جلتها العصي

قد أمرت لك بألف شاة، فالق يحيى بن خاقان. فأعطاه بكل شاة ديناراً.

لأبي دلف قال: وقدم زائر على أبي دلفٍ فأمر له بألف دينار وكسوةٍ ثم قال: - ويقال إن الشعر لعبد اللّه بن طاهر - :

أعجلتنا فأتاك عاجل بـرنـا

 

قلاً ولو أمهلتنا لم يقـلـل

فخذ القليل وكن كأنك لم تقل

 

شيئاً، ونحن كأننا لم نفعـل

لبعض الشعراء في الجود وقال بعض الشعراء:

ليس جود الفتيان من فضل مالٍ

 

إنما الجود للمقل المـواسـي

وقال دعبل في نحوه:

لئن كنت لا تـولـي يداً دون إمـرة

 

فلست بمولٍ نـائلاً آخـر الـدهـر

فأي إناءٍ لم يفـض عـنـد مـلـئه!

 

وأي بخيلٍ لم ينل سـاعة الـوفـر!

وليس الفتى المعطي على اليسر وحده

 

ولكنه المعطي على العسر واليسـر

بين عبد الله وعبيد الله ابنا العباس وسخاء عبيد الله ابن الكلبي قال: أخبرني غير واحد من قريش قالوا: أراد عبد اللّه وعبيد اللّه ابنا العباس أن يقتسما ميراثهما من أبيهما بمكة، فدعي القاسم ليقسم، فلما مد الحبل قال له عبد الله: أقم المطمر، يعني الحبل الذي يمد. فقال له عبيد الله: يا أخي، الدار دارك لا يمد واللّه فيها اليوم مطمرٌ.

وكان يقال: من أراد العلم والسخاء والجمال فليأت دار العباس، كان عبد الله أعلم الناس، وعبيد الله أسخى الناس، والفضل أجمل الناس.

لعبد الله بن عتبة باع عبد الله بن عتبة أرضا بثمانين ألفاً، فقيل له: لو اتخذت لولدك من هذا المال ذخراً! فقال: أنا أجعل هذا المال ذخراً لي عند الله، وأجعل الله ذخراً لولدي. وقسم المال.

في أول سؤدد خالد بن عبد الله القسري ويقال: إن أول ما عرف به سؤدد خالد بن عبد اللّه القسري أنه مر في بعض طرق دمشق وهو غلام فأوطأ فرسه صبياً فوقف عليه، فلما رآه لا يتحرك أمر غلامه فحمله، ثم انتهى به إلى أول مجلس مر به فقال: إن حدّث بهذا الغلام حدّث الموت فأنا صاحبه، أوطأته فرسي ولم أعلم.

بين عدي بن حاتم وابن له قال عدي بن حاتم لابنٍ له حدّثٍ: قم بالباب فامنع من لا تعرف وأذن لمن تعرف. فقال: لا واللّه، لا يكون أول شيءٍ وليته من أمر الدنيا منع قومٍ من الطعام.

لبني زياد العبسيين وضيف لهم

حدّثني أبو حاتم عن الأصمعيّ قال: ضاف بني زيا دٍ العبسيين ضيفٌ، فلم يشعروا إلا وقد احتضن أمهم من خلفها، فرفع ذلك إلى ربيع بن زياد الكامل فقال: لا يضار الليلة عائذ أمي، إنه عاذ بحقويها .

بين عمر بن الخطاب وجرير بن عبد الله المدائني قال: أحدّث رجلٌ في الصلاة خلف عمر بن الخطاب، فلما سلم عمر قال: أعزم على صاحب الضرطة إلا قام فتوضأ وصلى فلم يقم أحدٌ، فقال جرير بن عبد الله: يا أمير المؤمنين اعزم على نفسك وعليّنا أن نتوضأ ثم نعيد الصلاة، فأما نحن فتصير لنا نافلةً، وأما صاحبنا فيقضي صلاته. فقال عمر: رحمك اللّه، إن كنت لشريفاً في الجاهلية فقيهاً في الإسلام.

عبد الله بن جدعان التيمي حين كبر، وشعر لقيس الرقيات فيه كان عبد اللّه بن جدعان التيمي حين كبر أخذ بنو تيم عليه ومنعوه أن يعطي شيئاً من ماله، فكان الرجل إذا أتاه يطلب منه قال: ادن مني. فإذا دنا منه لطمه ثم قال: اذهب فاطلب بلطمتك أو ترضى، فترضيه بنو تيم من ماله.

وفيه يقول ابن قيس الرقيات - حين فخر بسادة قريش - :

والذي إن أشار نحوك لطماً

 

تبع اللطم نائلٌ وعـطـاء

شعر لابن جدعان وابن جدعان هو القائل:

إني وإن لم ينل مالي مدى خلقي

 

وهاب ما ملكت كفي من المال

لا أحبس المال إلا ريث أتلفـه

 

ولا تغيرني حالٌ عن الـحـال

لمشايخ طيء عن عنبة بنت عفيف، وشعر لهم الهيثم عن حماد الراوية عن مشايخ طيء قالوا: كانت عنبة بنت عفيفٍ أم حاتم لا تليق شيئاً سخاءً وجوداً، فمنعها إخوتها من ذلك فأبت، وكانت موسرةً فحبسوها في بيتٍ سنةً يطعمونها قوتها رجاء أن تكف، ثم أخرجوها بعد سنةٍ وظنوا أنها قد أقصرت ودفعوا إليها صرمةً، فأتتها امرأة من هوازن فسألتها فأعطتها الصرمة وقالت: واللّه لقد مسني من الجوع ما آليت معه ألا أمنع سائلاً شيئاً، وقالت :

لعمري لقدماً عضني الجوع عضةً

 

فأليت آلا أمنع الدهـر جـائعـا

فقولا لهذا اللائمي الآن أعفـنـي

 

فإن أنت لم تفعل فعض الأصابعا

فماذا عساكم أن تقولوا لأخـتـكـم

 

سوى عذلكم أو عذل من كان مانعا

ولا ما ترون الدهـر إلا طـبـيعةً

 

فكيف بتركي يا بن أم الطبـائعـا

لرجالات طيء في حاتم ابن الكلبي عن أبيه عن رجالات طيء قالوا: كان حاتم جواداً شاعراً، وكان حيثما نزل عرف منزله، وكان ظفراً إذا قاتل غلب، وإذا غنم أنهب، وإذا سئل وهب، وإذا ضرب بالقداح سبق، وإذا أسر أطلق، وكان أقسم بالله: لا يقتل واحد أمه.

لعبيد الله بن زياد أبو اليقظان قال: أخذ عبيد اللّه بن زياد عروة بن أذينة أخا أبي بلال فقطع يديه ورجليه وصلبه على باب داره، فقال لأهله: انظروا هؤلاء الموكلين بي فأحسنوا إليهم فإنهم أضيافكم.

لسعيد بن العاص سفيان بن عيينة قال: كان سعيد بن العاص إذا أتاه سائلٌ فلم يك عنده ما سأل قال: اكتب عليّ بمسألتك سجلاً إلى أيام يسري.

بين مالك بن أسماء وأعرابي باعه ناقة له باع أعرابي ناقةً له من مالك بن أسماء، فلما صار الثمن في يده نظر إليهم فذرفت عيناه، ثم قال :

وقد تنزع الحاجات يا أم معمرٍ

 

كرائم من ربٍ بهن ضنـين

فقال له مالك: خذ ناقتك وقد سوغتك الثمن.

جود عبيد الله بن أبي بكرة اشترى عبيد اللّه بن أبي بكرة جاريةً نفيسةً فطلبت دابةٌ تحمل عليها فلم توجد، فجاء رجل بدابةٍ فحملها، فقال له عبيد اللّه: اذهب بالجارية إلى منزلك.

باع ثابت بن عبيد اللّه بن أبي بكرة دار الصفاق من مقاتل بن مسمع نسيئةً ثم اقتضاه فلزمه في دار أبيه، فرآه عبيد الله فقال: ما لك قال: حبسني ابنك. قال. بم قال: بثمن دار الصفاق. قال: يا ثابت أما وجدت لغرمائك محبساً إلا داري، إدفع إليه صكه وأعوضك.

في سكن الأطراف قيل لرجل: ما لك تنزل في الأطراف فقال: منازلٌ الأشراف في الأطراف يتناولون ما يريدون بالقدرة ويتناولهم من يريدهم بالحاجة.

لعدي بن حاتم لما شاخ وكبر ثم بينه وبين ابن دارة الشاعر لما كبر عدي بن حاتم آذاه برد الأرض وكان رجلاً لحيماً فنهشت الأرض فخذيه فجمع  قومه فقال: يا بني ثعل، إني لست بخيركم إلا أن تروا ذلك فقد كان أبي بمكانٍ لم يكن به أحدٌ من قومه، بنى لكم الشرف ونفى عنكم العار فأصبح الطائي إذا فعل خيراً قال العرب: من حي لا يحمدون على الجود ولا يعذرون على البخل، وقد بلغت من السن ما ترون وآذاني برد الأرض فأذنوا لي في وطاءٍ فوالله ما أريده فخراً عليكم ولا احتقاراً لكم، وسأخبركم: ما على من وضع طنفسةً وقعد حوله إلا أن الحق عليه أن يذل في عرضه وينخدع في ماله ولا يحسد شريفاً ولا يحقر وضيعاً. فقال القوم: دعنا اليوم. ثم غدوا عليه فقالوا. يا أبا طريف ضع الطنفسة والبس التاج. فبلغ ابن دارة الشاعر فأتاه وقال: قد مدحتك. فقال: أمسك عليك حتى أنبئك بمالي فتمدحني على حسبه، لي ألف ضائنةٍ وألفا درهم وثلاثة أعبدٍ، وفرسي حبيسٌ في سبيل الله، هات الآن فقال:

تحن قلوصي في معـدٍ وإنـمـا

 

تلاقي الربيع في ديار بني ثعـل

وأبقى الليالي من عدي بن حاتـم

 

حساماً كلون الملح سل من الخلل

أبوك جوادٌ مـا يشـق غـبـاره

 

وأن تفعلوا خيراً فمثلكم فـعـل

فقال: أمسك عليك، لا يبلغ مالي أكثر من هذا. وشاطره ماله.

من كرم معن وجوده جاء رجل إلى معنٍ فاستحمله عيراً فقال معنٌ: يا غلام أعطه عيراً وبغلاً وبرذوناً وفرساً وبعيراً وجاريةً، ولو عرفت مركوباً غير هذا لأعطيتكه.

وكان يقال: حدّث عن البحر ولا حرج وعن بني إسرائيل ولا حرج وعن معنٍ ولا حرج.

الحكم بن عوانة ورجل من كلب قال رجلٍ من كلب للحكم بن عوانة وهو على السند: إنما أنت عبدٌ. فقال الحكم: والله لأعطينك عطيةً لا يعطيها العبد. فأعطاه مائة رأس من السبي.

لكسرى ورجل من أصحابه سرق جاماً ذهبية له وقرأت في بعض كتب العجم أن جامات كسرى. التي كان يأكل فيها كانت من ذهب، فسرق رجلٌ من أصحابه جاماً وكسرى ينظر إليه، فلما رفعت الموائد افتقد الطباخ الجام فرجع يطلبها، فقال له كسرى: لا تتعن فقد أخذها من لا يردها ورآه من لا يفشي عليه. ثم دخل عليه الرجل بعد ذلك وقد حلى سيفه ومنطقته ذهباً، فقال له كسرى بالفارسية: يا فلان هذا، يعني السيف، من ذاك قال: نعم وهذا، وأشار إلى منطقته.

جود خالد بن برمك لأخوته قالوا: لم يكن لخالد بن برمك أخٌ إلا بنى له داراً على قدر كفايته ووقف على أولاد الإخوان ما يعيشهم أبدا ولم يكن لإخوانه ولدٌ إلا من جاريةٍ هو وهبها له.

لابن المقفع وجار له ركبه دين فأراد بيع داره بلغ ابن المقفع أن جاراً له يبيع داراً له لدينٍ ركبه وكان يجلس في ظل داره، فقال: ما قمت إذاً بحرمة ظل داره إن باعها معدماً وبت واجداً، فحمل إليه ثمن الدار وقال: لا تبع. لنهيك بن مالك بن معاوية قال أبو اليقظان: باع نهيك بن مالك بن معاوية إبله وانطلق بثمنها إلى منًى فجعل ينهبه، والناس يقولون: مجنونٌ. فقال: لست بمجنونٍ ولكني سمحٌ أنهبكم مالي إذا عز الفتح.

بين عبد الله بن جعفر وقهرمانه قال: وأتى عبد اللّه بن جعفر قهرمانه بحسابه فكان في أوله حبلٌ بخمسين درهماً، فقال عبد اللّه. لقد غلت الحبال. فقال القهرمان: إنه أبرق. فقال عبد الله: إن كان أبرق فأنا أجيزه. فهو الآن مثل مضروب بالمدينة.

ما كان يقوله أبو سفيان لجار إذا نزل به كان أبو سفيان إذا نزل به جار قال له: يا هذا، إنك قد اخترتني جاراً فجناية يدك عليّ دونك، وإن جنت عليك يدٌ فاحتكم علي حكم الصبي على أهله.

لبعض الشعراء وقال بعض الشعراء - يثني على قوم بحسن الجوار - :

هم خلطوني بالنفوس ودافعـوا

 

ورائي بركن ذي مناكب مدفع

وقالوا تعلم أن مالك إن يصب

 

يعدك وإن تحبس يدك ويشفع

حديث الكرام الحارث بن هشام وعكرمة بن أي جمل وعياش بن أبي ربيعة وروى عبد اللّه بن بكر السهمي عن حاتم بن أبي صغيرة عن حبيب بن أبي ثابت أن الحارث بن هشام وعكرمة بن أبي جهل وعياش بن أبي ربيعة خرجوا يوم اليرموك حتى آنبتوا، فدعا الحارث بن هشام بماء ليشربه، فنظر إليه عكرمة فقال: ادفعه إلى عكرمة، فنظر إليه عياشٌ فقال عكرمة: ادفعه إلى عياش. فما وصل إلى عيا شٍ حتى مات ولا عاد إليهم حتى ماتوا، فسمي هذا حديث الكرام.

تعليّق المؤلف على الحديث

وهذا الحديث عندي موضوع لأن أهل السيرة يذكرون أن عكرمة قتل بوم أجنادين وعياشٌ مات بمكة، والحارث مات بالشأم في طاعون عمواس لرجل أعطى امرأ ةً سألته مالاً كثيراً أعطى رجلٌ امرأةً سألته مالاً عظيماً، فلاموه وقالوا: إنها لا تعرفك وإنما كان يرضيها اليسير. فقال: إن كانت ترضى باليسير فإني لا أرضى إلا بالكثير وإن كانت لا تعرفني فأنا أعرف نفسي.

قال بعض الشعراء:

وما خير مالٍ لا يقي الذم ربـه

 

ونفس امرءٍ في حقها لا يهينها

لعبد الله بن معاوية في كرم النفس وقال عبد الله بن معاوية بن عبد اللّه بن جعفر:

أرى نفسي تتوق إلى أمورٍ

 

ويقصر دون مبلغهن حالي

فنفسي لا تطاوعني ببخـلٍ

 

ومالي لا يبلغني فعـالـي

وقال أيضاً:

ولا أقول نعم يوماً فأتبـعـهـا

 

منعاً ولو ذهبت بالمال والولـد

ولا اؤتمنت على سرٍ فبحت بـه

 

ولا مددت إلى غير الجميل يدي

لكعب بن سعد الغنوي، ولزهير وقال كعب بن سعد الغنوي:

وذي ند بٍ دامي الأظل قسمته

 

محافظةً بيني وبين زمـيلـي

وزادٍ رفعت الكف عنه تجملاً

 

لاؤثر في زادي علي أكيلـي

وما أنا للشيء الذي ليس نافعي

 

ويغضب منه صاحبي بقـول

وقال زهير:

وأبـيض فـياضٍ يداه غـمـامةٌ

 

على معتفيه ما تغب نـوافـلـه

غدوت عليه غـدوةً فـوجـدتـه

 

قعوداً لديه بالصـريم عـواذلـه

فأعرضن منه عن كـريم مـرزأ

 

جموعٍ على الأمر الذي هو فاعله

أخي ثقةٍ لا تذهب الخمر مـالـه

 

ولكنه قد يذهب المـال نـائلـه

تراه إذا ما جئتـه مـتـهـلـلاً

 

كأنك تعطيه الذي أنت سـائلـه

بين فيروز بن حصين وصاحب السوط المدائني قال: أضل فيروز بن حصين سوطه يوماً، فأعطاه رجلٌ سوطاً فأمر له بألف درهم، ثم أتاه بعد حول فقال: من أنت قال: صاحب السوط. فأمر له بألف دهم، ثم أتاه بعد حول فقال: من أنت قال: صاحب السوط. قال: أعطوه ألف درهم ومائة سوطٍ. فانقطع عنه.

لشاعر يمدح نبي شيبان قال الشاعر:

!ني حمدت بني شيبان إذ خمدت

 

نيران قومي فشبت فيهم النار

ومن تكرمهم في المحل أنهـم

 

لا يحسب الجار فيهم أنه جار

ولآخر في أل المهلب وقال آخر.

نزلت على آل المهلب شـاتـياً

 

بعيداً قصي الدار في زمنٍ محل

فما زال بي إلطافهم وافتقادهـم

 

وإكرامهم حتى حسبتهم أهلـي

وقال آخر:

!ذا كان لي شيئان يا أم مالكٍ

 

فإن لجاري منهما ما تخيرا

شعر لعمرو بن الأهتم وقال عمرو بن الأهتم:

ذريني فإن الـشـح يا أم هـيثـمٍ

 

لصالح أخلاق الرجـال سـروق

ذريني وحطي في هواي فإنـنـي

 

على الحسب العالي الرفيع شفيق

ومستمنحٍ بعد الهـدوء دعـوتـه

 

وقد كان من ساري الشتاء طروق

فقلت له أهلاً وسهلاً ومرحـبـاً

 

فهذا مبـيتٌ صـالـحٌ وصـديق

أضفت فلم أفحش عليه ولم أقـل

 

لأحرمه إن الفـنـاء مـضـيق

لعمرك ما ضاقت بلادٌ بأهلـهـا

 

ولكن أخلاق الرجـال تـضـيق

كان يقال: للعباس بن عبد المطلب ثوبٌ لعاري بني هاشم، وجفنةٌ لجاره، ومقطرةٌ لجاهلهم.

شعر لبكر بن النطاح في مدح جواد قال بكر بن النطاح:

ولو خذلت أمواله جـود كـفـه

 

لقاسم من يرجوه بعض حياتـه

ولو لم يجد في العمر قسماً لزائرٍ

 

لجاد له بالشط رمن حسنـاتـه

الفرزدق يمدح المهالبة وقال الفرزدق:

إن المهالبة الكرام تحـمـلـوا

 

دفع المكاره عن ذوي المكروه

زانوا قديمهم بحسن حديثـهـم

 

وكريم أخلاقٍ بحسـن وجـوه

كان يقال: الشرف في السرف.

ولعامر بن الطفيل قال عامر بن الظفيل:

إذا نزلت بالناس يوماً ملمةٌ

 

تسوق من الأيام داهيةً إدا

 

دلفنا لها حتى نقوم ميلـهـا

 

ولم نهد عنها بالأسنة أوتهدا

 

وكم مظهـرٍ بـغـضـاءنـا ود أنـه

 

إذا ما التقينا كان أخفى الـذي أبـدى

مطاعيم في اللأواء مطاعين في الوغى

 

شمائلنا تنكـي وأيمـانـنـا تـنـدى

           

شعر لحاتم الطائي، ومثله لجابر بن حيان وقال حاتم طيء:

أكف يدي من أن تنال أكفـهـم

 

إذا ما مددناها وحاجتنـا مـعـا

وإني لأستحيي رفيقـي أن يرى

 

مكان يدي من جانب الزاد أقرعا

وقال جابر بن حبان:

فإن يقتسم مالي بني ونـسـوتـي

 

فلن يقسموا خلقي الكريم ولا فعليّ

وما وجد الأضياف فيما ينوبـهـم

 

لهم عند علات النفوس أباً مثلـي

أهين لهم مالي وأعـلـم أنـنـي

 

سأورثه الأحياء سيرة من قبـلـي

بين سعيد بن عمرو ويزيد بن المهلب في سجنه، وشعر لعدي بن الرقاع يمدح يزيداً كان سعيد بن عمرو مؤاخياً ليزيد بن المهلب، فلما حبس عمر بن عبد العزيز يزيد ومنع من الدخول عليه، أتاه سعيدٌ فقال: يا أمير المؤمنين، لي على يزيد خمسون ألف درهم وقد حلت بيني وبينه، فإن رأيت أن تأذن لي فأقتضيه؛ فأذن له فدخل عليه فسر به يزيد، وقال: كيف وصلت إلي فأخبره، فقال يزيد: والله لا تخرج إلا وهي معك. فامتنع سعيدٌ فحلف يزيد ليقبضنها، فقال عدي بن الرقاع:

لم أر محبوساً من الناس واحداً

 

حبا زائراً في السجن غير يزد

سعيد بن عمرو إذ أتاه أجـازه

 

بخمسين ألفا عجلت لسـعـيد

وقال بعض الشعراء:

وإني لحلالٌ بي الحق، أتقي

 

إذا نزل الأضياف أن أتجهما

إذا لم تذد ألبانها عن لحومها

 

حلبنا لهم منهم بأسيافنا دمـا

شعر في عدوى الجود دخل شاعر على المهدي فامتدحه، فأمر له بمال فلما قبضه فرقه على من حضر وقال:

لمست بكفي كفه أبتغي الغـنـى

 

وماخلت أن الجود من كفه يعدي

فلا أنا منه ما أفاد ذوو الغـنـى

 

أفدت وأعداني فبددت ما عنـدي

لأبي العيناء عن صديق لهم يهودي بالبصرة أخبرني أبو الحسن عليّ بن هارون الهاشمي قال: أخبرني وكيع قال: حدّثني أبو العيناء قال: كان بالبصرة لنا صديقٌ يهودي وكان ذا مالٍ وقد تأدب وقال الشعر وعرف شيئاً من العلوم وكان له ولدٌ ذكورٌ، فلما حضرته الوفاة جمع ماله وفرقه على أهل العلم والأدب ولم يترك لولده ميراثاً، فعوتب على ذلك فقال:

أريت مالي أبر من ولـدي

 

فاليوم لا نحلةٌ ولا صدقـه

من كان منهم لها فأبعده الل

 

ه ومن كان صالحاً رزقه

وحدّثني الأخفش بهذا الخبر عن المبرد عن الرياشي، والله أعلم.

تم الجزء الثالث ويتلوه الكتاب الرابع وبه كتاب الطبائع