الكتاب الرابع: كتاب الطبائع - باب السعاية

باب السعاية

بين عطاء بن السائب والشعبي روى وكيع عن أبيه عن عطاء بن السائب قال: قدمت من مكة فلقيني الشعبي فقال: يا أبا زيدٍ أطرفنا مما سمعت؛ قلت: سمعت عبد الرحمن بن عبد اللّه بن سابط يقول: لا يسكن مكة سافك دمٍ، ولا آكل رباً، ولا مشاءٌ بنميم؛ فعجبت منه حين عدل النميمة بسفك الدماء وأكل الربا؛ فقال الشعبي: وما يعجبك من هذا! وهل تسفك الدماء وتركب العظائم إلا بالنميمة! بين مصعب بن الزبير والأحنف بن قيس عاتب مصعب بن الزبير الأحنف بن قيس على شيءٍ بلغه عنه، فاعتذر إليه الأحنف من ذلك ودفعه؛ فقال مصعبٌ: أخبرني بذلك الثقة؛ فقال الأحنف: كلا أيها الأمير، إن الثقة لا يبلغ.

شعر للأعشى في إطاعة الواشين قال الأعشى:

ومن يطع الواشين لا يتركوا له

 

صديقاً وإن كان الحبيب المقربا

لرجل في السعاة وذكر السعاة عند المأمون فقال رجلٌ ممن حضر: يا أمير المؤمنين، لو لم يكن من عيبهم إلا أنهم أصدق ما يكونون أبغض ما يكونون إلى اللّه لكفاهم.

بين بلال بن أبي بردة وساعٍ، وحديث للنبي صلى الله عليه وسلم سعى رجلٌ إلى بلال بن أبي بردة برجل؛ فقال له: انصرف حتى أسأل عما ذكرت، وبعث في المسألة عن الساعي فإذا هو لغير أبيه الذي يدعى له، فقال بلالٌ: أخبرنا أبو عمرو قال: حدّثني أبي قال: قال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم : "الساعي بالناس لغير رشدة".

لبعض الشعراء وقال الشاعر:

إذا الواشي نعى يوماً صديقـاً

 

فلا تدع الصديق لقول واشي

بين الوليد بن عبد الملك وساعٍ بجاره أتى رجلٌ الوليد بن عبد الملك وهو على دمشق لأبيه، فقال: للأمير عندي نصيحةٌ؛ فقال: إن كانت لنا فأظهرها، وإن كانت لغيرنا فلا حاجة لنا فيها؛ فقال: جارٌ لي عصى وفر من بعثه، قال: أما أنت فتخبر أنك جار سوء، فإن شئت أرسلنا معك، فإن كنت صادقاً أقصيناك، وإن كنت كاذباً عاقبناك، وإن شئت تاركناك. قال: بل تاركني.

شعر لعبد ة بن الطبيب في الوشاة والنمامين وقال عبد ة بن الطبيب :

وأعـصـوا الــذي يســـدي

 

متنصحاً وهو السمام المـنـقـع

يزجي عقاربه ليبعـث بـينـكـم

 

حرباً كما بعث العـروق الأخـدع

حران لا يشفـي غـلـيل فـؤاده

 

عسلٌ بماءٍ في الإناء مشـعـشـع

لا تأمنوا قوماً يشـب صـبـيهـم

 

بين القبائل بـالـعـداوة ينـسـع

إن الذين تـرونـهـم خـلانـكـم

 

يشفي صداع رؤوسهم أن تصرعوا

فضلت عداوتهم على أحـلامـهـم

 

وأبت ضباب صدورهم لا تنـزع

قومٌ إذا دمس الظـلام عـلـيهـم

 

حدجوا قنافذ بالنـمـيمة تـمـرغ

لأبي دهبل الجمحي في الوشاة وقال أبو دهبلٍ الجمحي:

وقد قطع الواشون ما كان بينـنـا

 

ونحن إلى أن يوصل الحبل أحوج

رأوا عورةً فاستقبلوها بألبـهـم

 

فراحوا على ما لا نحب وأدلجوا

وكانوا أناساً كنت آمن غيبـهـم

 

فلم ينههم حلمٌ ولم يتحـرجـوا

مثله لبشار وقال بشار:

تشتهي قربك الرباب وتخشى

 

عين واشٍ وتتقي أسمـاعـه

أنت من قلبها محـل شـرابٍ

 

تشتهي شربه وتخشى صداعه

ولأبي نواس في هذا المعنى وقال أبو نواس:

كنت من الحب في ذرى نـيق

 

أرود منـه مـراد مـومـوق

حتى ثناني عنـه تـخـلـق وا

 

شٍ كذبةً لـفـهـا بـتـزويق

جبت قفا ما نمتـه مـعـتـذراً

 

منه وقد فزت بعد تـخـريق

كقول كسرى فيما تـمـثـلـه

 

من فرص اللص ضجة السوق

من كتاب الهند في أن نار الحقد لا تخبو وقرأت في كتاب للهند: قلما يمنع القلب من القول إذا تردد عليه، فإن الماء ألين من القول والحجر أصلب من القلب، وإذا انحدر عليه وطال ذلك أثر فيه، وقد تقطع الشجرة بالفؤوس فتنبت ويقطع اللحم بالسيوف فيندمل واللسان لا يندمل جرحه، والنصول تغيب في الجوف فتنزع والقول إذا وصل إلى القلب لم ينزع، ولكل حريقٍ مطفئٌ: للنار الماء، وللسم الدواء، وللحزن الصبر، وللعشق الفرقة، ونار آلحقد لا تخبو.

لطرفة بن العبد في ضرر النميمة وقال طرفة بن العبد:

وتصد عنك مخيلة الرجل ال

 

عريض موضحةٌ عن العظم

بحسام سيفك أو لسانـك وال

 

كلم الأصيل كأوسع الكلـم

وله في نفاذ القول ونحوه قوله: والقول ينفذ ما لا تنفذ الإبر مثله لامرئ القيس وقال امرؤ القيس: وجرح آللسان كجرح اليد بين عبد الملك بن مروان ورجل أراد الخلوة به سأل رجلٌ عبد الملك بن مروان آلخلوة؛ فقال لأصحابه: إذا شئتم تنحوا؛ فلما تهيأ الرجل للكلام قال له: إياك وأن تمدحني فإني أعرف بنفسي منك، أو تكذبني فإنه لا رأي لكذوبٍ، أو تسعى بأحدٍ إلي، وإن شئت أن أقيلك أقلتك؛ قال: أقلني.

لذي الرياستين في قبول النميمة وقال ذو الرياستين: قبول السعاية شرٌ من السعاية، لأن السعاية دلالةٌ والقبول إجازةٌ، وليس من دل على شيءٍ كمن قبل وأجاز، فامقت الساعي على سعايته وإن كان صادقاً للؤمه في هتك العورة وإضاعة الحرمة، وعاقبه إن كان كاذباً لجمعه بين هتك العورة وإضاعة الحرمة مبارزةً لله بقول البهتان والزور.

لبعض الشعراء وقال بعض المحدّثين لعبد الصمد بن المعذل:

لعمرك ما سب الأمير عدوه

 

ولكنما سب الأمير المبلـغ

 بين الوليد بن عبد الملك ورجل وقال رجلٌ للوليد بن عبد الملك: إن فلاناً شتمك. فأكب ثم قال: أراه شتمك.

وأتى رجلٌ ابن عمر فقال له: إن فلاناً شتمك؛ فقال له: إني وأخي عاصماً لا نساب أحداً.

بين النعمان وحاتم طيء وأوس بن حارثة عوانة قال: كان بين حاتم طيء وبين أوس بن حارثة ألطف ما يكون بين اثنين؛ فقال النعمان بن المنذر لجلسائه: واللّه لأفسدن ما بينهما. قالوا: لا تقدر على ذلك.

قال: بلى فقلما جرت الرجال في شيء إلا بلغته. فدخل عليه أوسٌ، فقال: يا أوس ما الذي يقول حاتمٌ قال: وما يقول قال: يقول إنه أفضل منك وأشرف؛ قال: أبيت اللعن، صدق؛ واللّه لو كنت أنا وأهلي وولدي لحاتم لأنهبنا في مجلسٍ واحدٍ، ثم خرج وهو يقول:

يقول لي النعمان لا من نصيحةٍ

 

أرى حاتماً في قوله متطـاولا

له فوقنا باعٌ كما قـال حـاتـمٌ

 

وما النصح فيما بيننا كان حاولا

ثم دخل عليه حاتم فقال له مثل مقالته لأوسٍ؛ قال: صدق، أين عسى أن أقع من أوس! له عشرة ذكورٍ أخسهم أفضل مني. ثم خرج وهو قول:

يسائلني النعمان كي يستزلـنـي

 

وهيهات لي أن أستضام فأصرعا

كفاني نقصاً أن أضيم عشيرتـي

 

بقولٍ أرى في غيره متوسـعـا

فقال النعمان: ما سمعت بأكرم من هذين الرجلين.

يعقوب بن داود أيام كان مع المهدي ذكر يعقوب بن داود أيام كان مع المهدي أنه وافاه في يوم واحدٍ ثمانون رقعةً كلها سعايةٌ، منهم ستون لأهل البصرة، وعشرون لسائر البلاد.

بين الاسكندر وبعض الوشاة وشى واشٍ إلى آلإسكندر؛ فقال له: أتحب أن أقبل منك ما قلت فيه على أن نقبل منه ما قال فيك قال: لا. قال: فكف عن الشر يكف عنك الشر.

كتاب رجل سعي به إلى عاملٍ كتب بعض إخواننا من الكتاب إلى عاملٍ وكان سعي به إليه: لست أنفك فيما بيني وبينك من إحدى أربع: إما كنت محسناً وإنك لكذلك فاربب، أو مسيئاً ولست به فأبق، أو أكون ذا ذنبٍ ولم أتعمد فتغمد، أو مقروفاً وقد تلحق به حيل الأشرار فتثبت "ولا تطع كل حلافٍ مهينٍ همازٍ مشاء بنميم ".