الكتاب الرابع: كتاب الطبائع - باب الكذب والقحة

باب الكذب والقحة

للنبي صلى الله عليه وسلم في المواضع التي يصلح فيها الكذب حدّثني أحمد بن الخليل قال: حدّثنا سليمان بن داود عن مسلمة بن علقمة عن داود بن أبي هندٍ عن شهر بن حوشب عن الزبرقان عن النواس بن سمعان قال: قال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم : "لا يصلح الكذب إلا في ثلاثة مواضع الحرب فإنها خدعةٌ، والرجل يصلح بين اثنين، والرجل يرضي امرأته".

حدّثني محمد بن عبيد قال: حدّثنا بربر بن هارون قال: أخبرنا سفيان بن حسين عن الزهري عن حميد لن عبد الرحمن عن أبيه قال: قال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم: "لم يكذب من قال خيراً وأصلح بين اثنين".

لأبي الأسود الدؤلي قال: حدّثني عبدة بن عبد الله قال: حدّثنا أبو داود عن عمران عن قتادة قال: قال أبو الأسود الدؤلي: إذا سرك أن تكذب صاحبك فلقنه.

للنبي صلى الله عليه وسلم في أن المؤمن لا يكون كذاباً حدّثني محمد بن داود عن سويد بن سعيد عن مالك عن صفوان بن سليم قال: قيل للنبي صلى الله عليه وسلم: أيكون المؤمن جباناً قال: "نعم". قال: أفيكون بخيلاً قال: "نعم". قال: أفيكون كذاباً قال: " لا".

بين رجل عاتب رجلا على الكذب قال: حدّثني سهل بن محمد عن الأصمعي قال: عاتب إنسا نٌ كذاباً علبر الكذب؛ فقال: يا بن أخي لو تغرغرت به ما صبرت عنه. قال: وقيل لكذوب: أصدقت قط قال: أكره أن أقول لا فأصدق.

لابن عباس وقال ابن عباس: الحدّث حدّثان: حدّثٌ من فيك وحدّ ثٌ من فرجك.

لمديني وقال مديني: من ثقل على صديقه خف على عدوه، ومن أسرع إلى الناس بما يكرهون قالوا فيه ما لا يعلمون.

لبعض الشعراء ومثله قول الشاعر:

ومن دعا الناس إلى ذمه

 

ذموه بالحق وبالباطـل

مقالة السوء إلى أهلهـا

 

أسرع من منحدر سائل

لمجاهد بلغني عن وكيع عن أبيه عن منصور قال: قال مجاهد: كل ما أصاب الصائم شوًى ما خلا الغيبة والكذب.

وقال سليمان بن سعد: لو صحبني رجل فقال: اشترط خصلةً واحدة لا يزيد عليها، لقلت لا تكذبني.

لابن عباس في الكذب والنميمة كان ابن عباس يقول: الكذب فجور، والنميمة سحرٌ، فمن كذب فقد فجر، ومن نم فقد سحر.

وكان يقال: أسرع الاستماع وأبطئ التحقيق.

قال الأحنف: ما خان شريفٌ ولا كذب عاقلٌ ولا اغتاب مؤمنٌ. وكانوا يحلفون فيحنثون ويقولون فلا يكذبون.

لرجل يذم آخر ذم رجل رجلاً فقال: اجتمع فيه ثلاثة: طبيعة العقعق، يعني السرق، وروغان الثعلب، يعني الخب، ولمعان البرق، يعني الكذب.

أصناف الأذلاء ويقال: الأذلاء أربعة: النمام والكذاب والمدين والفقير.

قال ابن المقفع: لا تهاونن بإرسال الكذبة في الهزل فإنها تسرع في إبطال الحق.

للأحنف في أن الكذب والمروءة لا يجتمعان وقال الأحنف: اثنان لا يجتمعان أبداً: الكذب والمروءة.

وقالوا: من شرف الصدق أن صاحبه يصدق على عدوه.

للأحنف يوصي ابنه وقال: الأحنف لابنه: يا بني اتخذ الكذب كنزاً؛ أي لا تخرجه.

وقيل لأعرابي كان يسهب في حديثه: أما لحديثك هذا آخرٌ فقال: إذا انقطع وصلته.

لابن عمر وقال ابن عمر: زعموا زاملة الكذب.

كان يقال: علة الكذوب أقبح علة، وزلة المتوقي أشد زلة.

اشتهار المهلب بالكذب كان المهلب كذاباً وكان يقال له: راح يكذب. وفيه يقول الشاعر:

تبدلت المنابر من قـريش

 

مزونيًا بفقحته الصلـيب

فأصبح قافلاً كرمٌ وجـودٌ

 

وأصبح قادماً كذبٌ وحوب

بين أبي حنيفة ورجل قال رجل لأبي حنيفة: ما كذبت كذبةً قط؛ قال: أما هذه فواحدةٌ يشهد بها عليك.

لميمون بن ميمون وقال ميمون بن ميمون: من عرف بالصدق جاز كذبه، ومن عرف بالكذب لم يجز صدقه.

لأبي حية النميري وكان كذاباً قال أبو حية النميري - وكان كذاباً - : عن لي ظبيٌ فرميته فراغ عن سهمي فعارضه والله السهم، فراغ فراوغه السهم حتى صرعه ببعض الخبارات.

وقال أيضاً: رميت ظبيةً فلما نفذ السهم ذكرت بالطبية حبيبةً لي فشددت وراء السهم حتى قبضت على قذذه.

لأعرابي يذكر مبلغ حبه لامرأة وصف أعرابي امرأة فقيل: ما بلغ من شدة حتك لها قال: إني لأذكرها وبيني وبينها عقبة الطائف فأجد من ذكرها ريح المسك.

بين الفرزدق وسليمان بن عبد الملك في كذب الشعراء أنشد الفرزدق سليمان بن عبد الملك:

ثلاثٌ واثنتان فهـن خـمـسٌ

 

وسادسةٌ تميل إلـى شـمـام

فبتن بجانبي مـصـرعـا تٍ

 

وبت أفض أغلاق الخـتـام

كأن مفالـق الـرمـان فـيه

 

وجمر غضاً قعدن عليه حامي

فقال له سليمان: ويحك يا فرزدق، أحللت بنفسك العقوبة، أقررت عندي بالزنا وأنا إمامٌ ولا بد لي من أحدك. فقال الفرزدق: بأي شيء أوجبت على ذلك قال: بكتاب اللّه. قال: فإن كتاب الله هو الذي يدرأ عني الحد. قال: وأين قال: في قوله: والشعراء يتبعهم الغاوون ألم تر أنهم في كل وادٍ يهيمون وأنهم يقولون ما لا يفعلون فأنا قلت يا أمير المؤمنين ما لم أفعل.

لبعض الشعراء في ذلك المعنى وقول الشاعر:

وإنما الشاعر مجنونٌ كـلـب

 

أكثر ما يأتي على فيه الكذب

وقال الشاعر:

حسب الكذوب من البـل

 

ية بعض ما يحكى عليه

مهما سمعـت بـكـذبةٍ

 

من غيره نسبـت إلـيه

وقال بشار:

ورضيت من طول العناء بيأسه

 

واليأس أيسر من عدات الكاذب

من أقوال العرب في الكذب والعرب تقول: أكذب من سالئةٍ وهي تكذب مخافة العين على سمنها. وأكذب من مجرب لأنه يخاف أن يطلب من هنائه .

وأكذب من يلمعٍ وهو السراب.

لابن سيرين منصور ابن سلمة الخزاعي قال: حدّثنا شبيب بن شيبة أبو معمر الخطيب قال: سمعت ابن سيرين يقول: الكلام أوسع من أن يكذب ظريفٌ.

وقال في قول اللّه عز وجل: " لا تؤاخذني بما نسيت " لم ينس ولكنهما من معاريض الكلام.

للقيني في الصدق وقال القيي: أصدق في صغار ما يضرني لأصدق في كبار ما ينفغني.

وكان يقول: أنا رجل لا أبالي ما استقبلت به الأحرار.

لجرمي في قلة الحياء نافر رجل من جرم رجلاً من الأنصار إلى رجل من قريش، فقال للجرمي: أبا الجاهلية تفاخره أم بالإسلام فقال: بالإسلام؛ فقال: كيف تفاخره وهم آووا رسول الله ونصروه حتى أظهر اللّه الإسلام قال الجرمي: فكيف تكون قلة الحياء.

وقال آخر: إنما قويت على خصومي بأني لم أستتر قط بشيء من القبيح.

لأعرابي يذكر رجلاً وذكر أعرابي رجلاً فقال: لو دق وجهه بالحجارة لرضها، ولو خلا بأستار الكعبة لسرقها .

لأسدي في غلبته للناس قيل لرجل من بني أسد: بأي شيء غلبت الناس قال: أبهت الأحياء وأستشهد الموتى.

شعر لطريح الثقفي يذم قوماً وقال طريحٌ الثقفي يذم قوماً:

إن يعلموا الخير يخفوه وإن علموا

 

شراً أذيع وإن لم يعلموا كذبـوا

اثنان لا يتفقان واثنان لا يفترقان وكان يقال: اثنان لا يتفقان أبداً: القناعة والحسد، واثنان لا يفترقان أبداً: الحرص والقحة.

وقال الشاعر:

إن يبخلوا أو يغدروا

 

أو يفخروا لا يحفلوا

يغدوا عليك مرجلي

 

ن كأنهم لم يفعلـوا

كأبي براقش كل لو

 

نٍ لونـه يتـخـيل

بين أبي الهول الحميري والفضل بن يحيى هجا أبو الهول الحميري الفضل بن يحيى ثم أتاه راغباً إليه؛ فقال له الفضل: ويلك بأي وجه تلقاني! قال: بالوجه الذي ألقى به ربي وذنوبي إليه أكثر؛ فضحك ووصله.

من أمثال العربي في الوقاح ومن أمثال العرب في الوقاح: رمتني بدائها وانسلت.

لبعض الشعراء وقال الشاعر:

أكولٌ لأرزاق العباد إذا شتـا

 

صبورٌ على سوء الثناء وقاح

الغيبة توجب الوضوء قال رجلٌ لقوم يغتابون ويكذبون: توضؤوا فإن ما تقولون شرٌ من الحدّث.

وبلغني عن حماد بن زيد عن هشام عن محمد قال: قلت لعبيدة: ما يوجب الوضوء قال: الحدّث وأذى المسلم.

لعمر بن الخطاب روى الصلت بن دينار عن عقبة عن أنس بن مالك قال: بعثني أبو موسى الأشعريّ من البصرة إلى عمر؛ فسألني عن أحوال الناس ثم قال: كيف يصلح أهل بلدٍ جل أهله هذان الحيان: بكر بن وائل وبنو تميم، كذب بكرٌ وبخل تميمٌ.

لبعض الحكماء ذكر بعض الحكماء أعاجيب البحر وتزيد البحريين فقال: البحر كثير العجائب، وأهله أصحاب تزيدٍ، فأفسدوا بقليل الكذب كثير الصدق، وأدخلوا ما يكون فيما يكاد لا يكون، وجعلوا تصديق الناس لهم في غريب الأحاديث سلماً إلى ادعاء المحال.

للأصمعي حدّثني أبو حاتم عن الأصمعيّ قال: كان يقال: الصدق أحياناً محرمٌ.

لعبد الله بن مسعود في أيام النبي صلى الله عليه وسلم حدّثني شيخٌ لنا عن أبي معاوية قال: حدّثنا أبو حنيفة عن معن بن عبد الرحمن عن أبيه قال: قال عبد الله بن مسعود: ما كذبت على عهد النبي صلى الله عليه وسلم إلا كذبةً واحدةً، كنت أرحل لرسول الله صلى الله عليه وسلم فجاء رجلٌ من الطائف فقلت: هذا يغلبني على الرحال؛ فقال: أي الرحال أحب إلى رسول اللّه فقلت: الطائفية المكية. فرحل بها؛ فقال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم: "من رحل لنا هذا فقالوا: الطائفي. فقال: "مروا عبد اللّه فليرحل لنا". فعدت إلى الرحال.