الكتاب الرابع: كتاب الطبائع - باب سوء الخلق وسوء الجوار والسباب والشر

باب سوء الخلق وسوء الجوار والسباب والشر

للنبي صلى الله عليه وسلم في سوء الخلق والبخل حدّثني زياد بن يحيى قال: حدّثنا أبو داود عن صدقة بن

موسى عن مالك بن دينار عن عبد الله بن غالب عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : خصلتان لا تجتمعان في مؤمنٍ سوء الخلق والبخل ".

قال: وحدّثني أحمد بن الخليل عن أزهر بن جميل عن إسماعيل بن حكيم عن الفضل بن عيسى عن محمد بن المنكدر عن جابر قال: قيل: يا رسول الله ما الشؤم قال: "سوء الخلق ".

قال: وحدّثني أبو الخطاب قال: حدّثنا بشر بن المفضل قال: حدّثنا يونس عن الحسن قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "المستبان ما قالا فعلى البادئ منهما ما لم يعتد المظلوم ".

لأيوب قال: وحدّثني سهل بن محمد عن الأصمعيّ قال: حدّثني شيخ بمنًى قال: صحب أيوب رجلٌ في طريق مكة فآذاه الرجل بسوء خلقه؛ فقال أيوب: إني لأرحمه لسوء خلقه.

لأبي الأسود، وله أيضاً يوصي بنيه قال: وحدّثني عبد الرحمن عن الأصمعي قال: قال أبو الأسود: لو أطعنا المساكين في أموالنا كنا أسوأ حالاً منهم. وأوصى بنيه فقال: لا تجاودوا اللّه فإنه أمجد وأجود، ولو شاء أن يوسع على الناس كلهم حتى لا يكون محتاجٌ لفعل، فلا تجهدوا أنفسكم في التوسع فتهلكوا هزلاً.

قال: وسمع رجلاً يقول: من يعشي الجائع فقال: عليّ به. فعشاه ثم ذهب ليخرج، فقال: أين تريد قال: أريد أهلي؛ قال: هيهات، عليّ ألا تؤذي المسلمين الليلة، ووضع في رجله الأدهم حتى أصبح.

بين أعرابي وأبي الأسود قال: وأكل أعرابي معه تمراً فسقطت من يد الأعرابي تمرةٌ فأخذها وقال: لا أدعها للشيطان؛ فقال أبو الأسود: لا والله ولا لجبريل.

ابن الزبير لرجل نظر ابن الزبير يوماً إلى رجل وقد دق في صدور أهل الشأم ثلاثة أرماحٍ فقال: اعتزل حربنا فإن بيت المال لا يقوم لهذا.

ولابن الزبير أيضاً وذكر أبو عبيد ة أنه كان يأكل في كل سبعة أيام أكلةً ويقول في خطبته: إنما بطني شبرٌ في شبر وما عسى أن يكفيني.

شعر لأبي وجزة يمدح ابن الزبير وقال أبو وجزة مولى آل الزبير:

لو كان بطنك شبراً قد شبعت وقد

 

أفضلت فضلاً كثيراً للمساكـين

فإن تصبـك مـن الأيام جـائحةٌ

 

لا نبك منك على دنـيا ولا دين

وفيها يقول:

ما زلت في سورة الأعراف تدرسها

 

حتى فؤادك مثل الخز في الـلـين

وفيها يقول:

إن امرأً كنت مولاه فضيعنـي

 

يرجو الفلاح لعندي حق مغبون

ولأخر في ابن الزبير وفيه يقول آخر :

أيت أبا بكر وربك غالبٌعلى أمره يبغي الخلافة بالتمر

هذا حين قال: أكلتم تمري وعصيتم أمري.

لبعض الشعراء وقال بعض الشعراء:

من دون سيبك لون ليلٍ مظلـمٍ

 

وحفيف نافجةٍ وكلب مـوسـد

وأخوك محتملٌ عليك ضـغـينةً

 

ومسيف قومك لائمٌ لا يحـمـد

والضعيف عندك مثل أسود سالخٍ

 

لا بل أحبهمـا إلـيك الأسـود

لأعرابي مدح سعيد بن سلم ثم هجاه ومدح أعرابي سعيد بن سلم فقال:

أيا سارياً بالليل لا تخش ضلةً

 

سعيدبن سلمٍ ضوء كل بلاد

لنا سيدٌ أربى على كل سـيدٍ

 

جوادٌ حثا في وجه كل جواد

فلم يعطه شيئاً، فقال يهجوه:

لكل أخي مدحٍ ثـوابٌ يعـده

 

وليس لمدح الباهلي ثـواب

مدحت ابن سلمٍ والمديح مهزةٌ

 

فكان كصفوانٍ عليه تـراب

الممزق الحضرمي يهجو الباهليين وقال فيهم الممزق الحضرمي :

إذا ولدت حليلة باهـلـيٍ

 

غلاماً زيد في عدد اللـئام

وعرض الباهلي وإن توقى

 

عليه مثل منديل الطعـام

ولو كان الخليفة باهـلـيًا

 

لقصر عن مساماة الكرام

بين قدامة بن جعدة وقتيبة بن مسلم ودخل قدامة بن جعدة على قتيبة بن مسلم فقال: أصلح الله الأمير، بالباب ألأم العرب؛ قال: ومن ذاك قال: سلولي رسول محاربي إلى باهلي، فضحك قتيبة.

وقال آخر :

قومٌ إذا أكلوا أخفوا كـلامـهـم

 

وأستوثقوا من رتاج الباب والدار

لا يقبس الجار منهم فضل نارهم

 

ولا تكف يدٌ عن حرمة الجـار

لعمر بن عبد العزيز الطائي الحمصي وقال عمر بن عبد العزيز الطائي من أهل حمص:

سمت المديح رجالاً دون قدرهم

 

صد قبيحٌ ولفظٌ ليس بالحسـن

فلم أفز منهم إلا بما حمـلـت

 

رجل البعوضة من فخارة اللبن

وقال آخر:

ألام وأعطي والبخيل مجـاوري

 

إلى جنب بيتي لا يلام ولا يعطي

ونحو هذا قولهم: منع الجميع أرض للجميع.

وقال بشار:

أعطى البخيل فما انتفعت به

 

وكذاك من يعطيك من كدره

قيل لخالد بن صفوان: ما لك لا تنفق فإن مالك عريضٌ قال: الدهر أعرض منه؛ قيل له: كأنك تأمل أن تعيش الدهر كله؛ قال: ولا أخاف أن أموت في أوله .

بين الجاحظ والحزامي في البخل والسخاء قال الجاحظ: قلت مرةً للحزامي: قد رضيت بقول الناس: عبد الله بخيل قال: لا أعدمني الله هذا الاسم. قلت: كيف قال: لأنه لا يقال فلانٌ بخيلٌ إلا وهو ذو مال، فسلم لي المال وأدعني بأي اسم شئت؛ قلت: ولا يقال سخي إلا وهو ذو مال، فقد جمع هذا الاسم المال والحمد وجمع هذا الاسم المال والذم؛ قال: بينهما فرقٌ، قلت: هاته؛ قال: في قولهم بخيلٌ تثبيتٌ لإقامة المال في ملكه، وفي قولهم سخي إخبارٌ عن خروج المال عن ملكه، واسم البخل اسم فيه حزم وذم، واسم السخاء اسم فيه تضييعٌ وحمد، والمال راهن نافع ومكرمٌ لأهله معزٌ، والحمد ريحٌ وسخريةٌ واستماعه ضعفٌ وفسولةٌ، وما أقل والله غناء الحمد عنه إذا جاع بطنه وعري جلده وضاع عياله وشمت عدوه! لمحمد بن الجهم وكان محمد بن الجهم يقول: من شأن من استغنى عنك ألا يقيم عليك، ومن احتاج إليك ألا يذهب عنك، فمن ضن بصديقه وأحب الاستكثار منه وأحب التمتع به احتال في دوام رغبته بأن يقيم له ما يقوته ويمنعه ما يغنيه عنه، فإن من الزهد فيه أن تغنيه عنك ومن الرغبة فيه أن تحوجه إليك؛ وإبقاؤك مع الضن به أمر من إغنائك له مع الزهد فيه؛ وقيل في مثلٍ: أجع كلبك يتبعك. فمن أغنى صديقه فقد أعانه على الغدر وقطع أسبابه من الشكر؛ والمعين على الغدر شريك الغادر، كما أن مزين الفجور شريك الفاجر.

وله يوصي قال: وأوصى عند موته، وقال في وصيته: يزعمون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "الثلث، والثلث كثير"؛ وأنا أزعم أن ثلث الثلث كثيرٌ، والمساكين حقوقهم في بيت المال، إن طلبوا طلب الرجال أخذوه، وإن جلسوا جلوس النساء منعوه، فلا يرغم اللّه إلا أنفهم ولا يرحم اللّه من يرحمهم.

بين سوار ورجلين تنازعا أرضاً عنده تقدم رجلان من قريش إلى سوارٍ أحدهما ينازع مولًى له في حد أرض أقطعها أبوه مولاه؛ فقال سوار: أتنازع مولاك في حد أرض أقطعها أبوك إياه !؛ فقال: الشحيح أعذر من الظالم. فرفع سوار يده ثم قال: اللهم اردد على قريش أخطارها.

شعر للخزرجي وقال الخزرجي:

إن جود المكي جودٌ حـجـازيٌ

 

وجود الحجاز فيه اقـتـصـاد

كيف ترجو النوال من كف معطٍ

 

قد غذته الأقـراص والأمـداد

لسليمان بن مزاحم وقد نظر إلى درهم نظر سليمان بن مزاحم إلى درهم فقال: في شقٍ "لا إله إلا الله محمدٌ رسول اللّه " وفي وجه آخر "الله لا إله إلا هو الحي القيوم "، ما ينبغي أن يكون هذا إلا معاذةً وقذفه في ا لصندوق.

شعر للخليل في بخيل أنشدنا عبد الرحمن بن هانئ صاحب الأخفش عن الأخفش للخليل :

كفـاه لـم تـخـلـقـا

 

ولم يك بخلهما بـدعـه

فكفٌ عن الخير مقبوضةٌ

 

كما نقصت مائةٌ تسعـه

وكفٌ ثـلاثة آلافـهـا

 

وتسعمئيها لها شرعـه

أبو عليّ الضرير يهجو المعلى وينسبه للبخل قال أبو عليّ الضرير:

لعمر أبيك ما نسب المعلى

 

إلى كرم وفي الدنيا كـريم

ولكن البلاد إذا آقشـعـرت

 

وصوح نبتهما رعي الهشيم

ولآخر في بخيل وقال آخر:

أمن خوف فقرٍ، تعجلـتـه

 

وأخرت إنفاق ما تجـمـع

فصرت الفقير وأنت الغني

 

وهل كنت تعدو الذي تصنع

رد رجل كريم على رجلٍ خوفه الفقر خوف رجلٌ رجلاً جواداً الفقر وأمره بالإبقاء على نفسه ؛ فكتب إليه: إني أكره أن أترك أمراً قد وقع، لأمر لعله لا يقع.

لأبي الشمقمق يعرض ببخيل وقال أبي الشمقمق:

رأيت الخبز عز لديك حتـى

 

حسبت الخبز في جو السحاب

وما روحتنا لـتـذب عـنـا

 

ولكن خفت مرزئة الذبـاب

مثله لدعبل وقال دعبلٌ:

صدق أليته إذ قال مـجـتـهـداً

 

لا والرغيف، فذاك البر من قسمه

قد كان يعجبني لـو أن غـيرتـه

 

على جراذقه كانت على حرمـه

فإن هممت به فآفتك بخـبـزتـه

 

فإن موقعها من لحـمـه ودمـه

ولبعض الشعراء في مثل ذلك المعنى وقال الشاعر:

ارفق بحفـصٍ حـين تـأ

 

كل يا معاوي من طعامه

المـوت إيسـر عـنـده

 

من مضغ ضيفٍ والتقامه

وتراه من خوف الـنـزي

 

ل به يروع في منـامـه

سيان كـسـر رغـيفـه

 

أو كسر عظمٍ من عظامه

لا تـكـسـرن رغـيفـه

 

إن كنت ترغب في كلامه

وإذا مـررت بـبـابــه

 

فاحفظ رغيفك من غلامه

ومثله لأبي نواس وقال أبو نواس:

خبز إسماعيل كالوش

 

ي إذا ما انشق يرفـا

عجباً من أثر الصـن

 

عة فيه كيف يخفـى

إن رفـاءك هـــذا

 

أحـذق الأمة كـفـا

فإذا قابل بـالـنـص

 

ف من الجرذق نصفا

أحكم الصنعة حـتـى

 

لا ترى موضع إشفى

مثل ماجاء من التـن

 

ور ما غادر حرفـا

وله في الماء أيضـاً

 

عمل أبدع ظـرفـا

مزجه العذب بماء ال

 

بئر كي يزداد ضعفا

فهو لا يشرب مـنـه

 

مثل ما يشرب صرفا