مقدمة
كتبه الفقير إلى رحمة الله تعالى إبراهيم بن عمر بن محمد بن علي الواعظ الجزري وذلك في شهور سنة أربع وتسعين وخمسمائة هجرية.
إلى هنا ينتهي آخر القسم المطبوع من هذا الكتاب بمدينة غوتنغن سنة 1899 م. وأعتمد في مراجعة الجزء الخامس إلى آخر الكتاب على الأصل الفتوغرافي، وعلى المصادر التي يعول عليها في تصحيح الكتاب.
جاء بعد خاتمة الجزء الرابع من النسخة الخطية التي نقل عنها الأصل الفتوغرافيّ ما يأتي: لسديف مولى بني هاشم يناجي ربه كان سُدَيف مولى بني هاشم يقول: اللهم إنه قد صار فينا دولةً بعد القِسْمة، و"إمارتنا غلبةً بعد المشورة؛ وعهدُنا ميراثاً بعد الاختيار للأمة، واشْتُرِيت الملاهي والمعازف بسهم اليتم والأْرْمَلَة؛ وحَكَمَ في أبشار المسلمين أهلُ الذمة وتولى القيام بأمورهم فاسقُ كل محلة. اللهم وقد استحْصَدَ زرعُ الباطل، وبلغ نُهْيتَه، واستجمعَ طريدهُ، اللهم فافتح له من الحق يداً حاصدة تُبدَد شملَه، وتُفرق نامَته، ليظهر الحق في أحسن صوره، وأتم نُوره. والسلام.
دعاء في التوقي من ظلم السلطان وقيل: كانوا يتوقَون ظُلمَ السلطان إذا دخلوا عليه بأن يقولوا هذا الدعاء: "باسم اللّه، "إني أعوذُ بالرحمنِ منكَ إن كُنْتَ تَقِيًّا"، "اخْسَئُوا فيها ولا تُكَمون"، أخذت سمعك وبَصرَك بسمع الله وبصره، وأخذتُ قوّتكَ بقوة اللهّ، بيني وبينك ستْرُ النبوة الذي كانت الأنبياء تَستتر به من سَطَوات الفراعنة؛ جبريلُ عن يمينك، وميكائيلُ عن شِمالك، ومحمد أمامك، والله مطل عليك يَحجزك مني ويمنعني منك. والسلام".
كتاب عمر بن عبد العزيز إلى بعض عماله يعظه وكتب عُمر بنُ عبد العزيز إلى بعض عَمَاله: "أما بعد، فإذا دعتك قدرتُك على الناس إلى ظلمهم، فاذكُرْ قدرةَ اللّه عليك ونَفَادَ ما تأتي إليهم، وبقاءَ ما يأتون إليك. والسلام ".
وقَدِم رجلٌ من بعض النواحي فقيل له: كيف تركتَ الناس قال: مظلوماً لا يَنْتَصِر، وظالماً لا ينْتَهَر. والسلام.
شعر في الحبس في الحبس:
ما يدخُلُ السجنَ إنسانٌ فتسألُه |
|
ما بالُ سجنِك إلا قال مظلومُ |
وقال بعض المُحَدِثين:
إن الليالي التي شُغِفتُ بهـا |
|
غيبها الدهرُ في تقـلُـبـه |
للّه أمري ما ملتُ قط إلـى |
|
شيء بقَلْبِي إلا فُجِعتُ بـه |
عرفتُ حظي من الزمان فلا |
|
ألوم خَلْقاً علـى تـجـبـه |
وكل سَهْم أعمدتُه وقَـفـتْ |
|
به الليالي حتى رُمِيتُ بـه |
بين عبد الملك بن مروان ورجل من الخوارج وحُكي أن عبد الملك بن مروان أتَوْهُ برجل من الخوارج فأراد قتله، فأدخل على عبد الملك ابن له صغير وهو يبكي؛ فقال الخارجي: دعه يا عبدَ الملك، فإن ذلك أرحب لشدقه، وأصح لدماغه، وأذهب لصوته، وأحرى ألاَ تأبى عليه عينه إذا حَفَزَتْهُ طاعةُ الله فاستدعى عَبْرتها. فأعجب عبدُ الملك بقوله وقال له متعجباً: أمَا يشغلك ما أنت فيه عن هذا فقال: ما ينبغي أن يَشغَل المؤمنَ عن قول الحق شيءٌ. فأمر عبدُ الملك بحبسه، وصَفَحَ عن قتله.
في نهي رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الأغلوطات حدثني الزيادي قال: حدثنا عيسىِ بن يُونس عن الأوزاعي عن عبد الله بن سعد عن الضنَابِحِي عن معاوية بن أبي سفيان قال: نهَى رسولُ الله صلى الله عليه وسلم عن الأغْلُوطات، قال الأوزاعي: يعني صِعَاب المسائل.
بين كعب الأخبار وقوم من أهل الشام حدثني سُهَيل بن محمّد عن الأصمعي قال: سمعت عِمْران بن حُدَير يُحدَث عن رجل من أهل الشام قد سماه، قال: قال كعب الأحبار لقوم من أهل الشام: كيف رأيكم في أبي مُسلم الخَوْلاني فقالوا: ما أحْسَنَ رأيَنَا فيه وأخْذَنا عنه! فقال: إن أزهَدَ الناس في الحاكم أهْلُه، وإنْ مثل ذلك الجامة تكونُ في القوم فَيَرْغَبُ فيها الغُرَباء، ويَزْهَدُ فيها القُرَباء، فَبينَا ذلك غَارَ ماؤها وأصاب هؤلاء منفعتها، وبقي هؤلاء ينفكون، أي يتندمون.
لعيسى عليه السلام وفي الإنجيل أن عيسى صلى الله عليه لمّا أراهم العجائب، وضرب لهم الأمثال والحكمة، وأظْهَرَ لهم هذه الآياتِ، قالوا: أليس هذا ابنَ النَّجّار! أوَ لَيْست أمُّه مَرْيَمَ وأخُوه يعقوبَ ويوسفَ وشمعونَ ويَهُوذا وأخواته كلّهن عندنا! فقال لهم عيسى: إنّه لا يُسب النبي ولا يحَقَّر إلا في مدينته وبِيئَتِه.
لدغفل النسّابة وقد سُئل عن تحصيله علمه حدثنا الرياشي قال: حدّثنا الأصمعي قال: قيل لدَغْفَل النسّابة: بم أدركتَ ما أدركتَ من العلم فقال: بلسْانٍ سَؤُول وقلبٍ عَقُول، وكنتُ إذا لَقِيتُ عالِماً أخذتُ منه أعطيته.
بين رؤبة بن العجاج والنسابة البكري حدثني أبو حاتم قال: حدثنا الأصمعي قال: حدثنا العَلاَء بن أسلم عن رؤبة بن العجّاج قال: أتيت النّسابة البكريّ فقال لي: من أنت. فقلت: أنا ابن العجاح. قال: قصرت وعًرفْت، لعلك من قوم إن سكتُّ عنهم لم يسألوني، وإن تكلمتُ لم يَعُوا عنَي. قلت: أرجو ألا أكونَ كذلك. قال: ما أعداءُ المُرُوءَة. قلت: تُخبرنى. قال: بنو عم السوء إن رأوا حسناً ستَرُوه، وإن رَأوا سيئاً أذاعوه. ثم قال: إن للعِلْم آفةً وهُجنة ونَكداً، فآفتُه نسيانُه، ونكده الكذبُ فيه، وهُجنته نشره عند غير أهله.
في طلب العلم كان يقال: لا يَزَال المرء عالماً ما طَلَب العِلْمَ فإذا ظَن أنْ قد عَلِمَ فقد جَهِلَ.
للنبي صلى الله عليه وسلم في أربعة أسباب لطلب العلم تُدخل النار حدثني شيخٌ لنا عن محمد بن عُبيد عن الصلْت بن مِهْرَان
عن رجل عن الشعبي عن عبد اللّه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من تعلم العِلْمَ لأربعة دخل النار. ليُباهِيَ به العلماءَ أو يمارِيَ به السفهاءَ أو يُمِيلَ به وجوهَ الناس أو يأخُذَ به من الأمراء".
وحدثني عن أبي معاوية عن حجاج عن مكحول قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما من عبد يُخْلِص العبادة لله أربعين يوماً إلّا ظهرت ينابيعُ الحِكْمة من قلبه على لسانه".
نصيحة لقمان لابنه
وقرأت في حِكَم لُقمان أنه قال لابنه: يا بُنَي، اغْدُ عالماً أو متعلَماً
أو مُستمِعاً أو مُحِباً، ولا تكن الخامِسَ فتهلك.
وللنبي صلى الله عليه وسلم في حمل العلم حدّثني محمد بن داود عن سُوَيد بن
سعيد عن إسماعيل عن ابن عياش عن مُعَاذ بن رِفاعة عن إبراهيم بن عبد الرحمن
قال: قال النبيّ صلى الله عليه وسلم: "يحمل هذا العِلْمَ من كلّ خَلَف
عدولُه يَنْفُون عنه تحريفَ الغالين وانتحالَ المُبْطِلين وتأويلَ
الجاهلين".
لعلي عليه السلام وروى أبو خالد بن الأحمر عن عمرو بن قيس عن أبي إسحاق قال: قال علي عليه السلام: كَلِماتٌ لو رَحَّلْتم المَطِي فيهنّ لا تُصِيبوهنَّ قبل أن تُحركوا مثلَهن: لا يَرْجُوَنّ عَبْدٌ إلا ربّه، ولا يَخافنّ إلا ذنبَه، ولا يَسْتَحيي من لا يعلم أن يتعلم، ولا يستحيي إذا سُئِل عمّا لا يَعْلَم أن يقول: اللّه أعلمُ. واعلموا أن منزلة الصبر من الإيمان كمنزلة الرأس من الجسد، فإذا ذهب الرأسُ ذهب الجسد، وإذا ذهب الصبر ذهب الإيمان.
وكان يقول: من حق العالِم عليك إذا أتيتَه أن تُسلَم على القوم عامةً وتَخُصَّه بالتحية، وأن تَجْلِسَ قدَّامَة ولا تُشِيرَ بيدك، ولا تَغْمِزَ بعينك، ولا تقولَ قال فلان خلافاً لقوله، ولا تَغتابَ عنده أحداً، ولا تسَارَّ في مجلسه، ولا تأخُذَ بثوبه، ولا تُلَح عليه إذا كَسل، ولا تَغْرَضَ من صحبته لك، فإنما هو بمنزلة النخلة لا يزال يسقط عليك منها شيء.
وله عليه السلام في أن العلم خير من المال وفيما قال علي عليه السلام: يا كُمَيْل، العلم خير من المال، لأن العلم يَحرُسُك وأنت حرُس المال، والمال تَنْقُصه النفقة، والعلم يزكو على الأنفاق.
وقال: قيمةُ كلٌ امرء ما يُحسن.
ويقال إذا أرذل الله عبداً حَظَر عليه العِلمَ.
لبعض الشعراء وقال الشاعر:
يُعد رفيعَ القوم مَن كان عالِمـاً |
|
وإن لم يكن في قومه بحسيبِ |
وإنْ حل أرضاً عاش فيها بعلمه |
|
وما عالِم في بلـدةٍ بـغـريبِ |
لبزرجمهر قال بُزُرْجِمهْر: ما ورًثت الآباءُ الأبناءَ شيئاً أفضلَ من الأدب، لأنها تَكتسِب المال بالأدب بالجهل تُتْلفه فتقعُد عُدما منهما.
بين خالد بن صفوان ورجل وقال رجل لخالد بن صفوان: ما لي إذا رأيتُكم تتذاكرون الأخبار، وتتدارسون الآثار، وتتناشدون الأشعار، وَقَعَ عَلَي النومُ قال: لأنك حِمار في مسلاخ إنسان.
بين الوليد بن يزيد ورجل من ثقيف خرج الوليدُ بن يزيد حاجّاً ومعه عبدُ الله بن معاوية بن عبد الله بن جعفر فكانا ببعض الطريق يَلْعَبان بالشًطْرَنْج فاستأذن عليه رجل من ثَقِيف فأذِنَ له وسَتَرَ الشطْرَنْج بمنْدِيل، فلفا دخل سلم فسأله حاجَتَه؛ فقال له الوليد: أقرأتَ القرآن قال: لا، يا أمير المؤمنين! شغلتني عنه أمورٌ وهَنَات. قال: أفتعرف الفِقْه قال: لا. قال: أفَرَوْيت من الشَعر شيئاً. قال: لا. قال: أفعلِمتَ من أيام العرب شيئاً قال: لا. قال: فكَشَفَ المِنديل عن الشَطْرَنْج وقال: شاهك. فقال له عبد الله بن معاوية: يا أمير المؤمنين! قال: اسْكُت فما معنا أحد.
من كتاب الهند وفي كتاب للهند: العالِمُ إذا اغترب فمعه من عِلْمه كَافٍ،
كالأسد معه قوَتُه التي يَعِيش بها حيثُ تَوجه.
وكان يقال: العلم أشرفُ الأحساب، والمودةُ أشدُّ الأسباب، قال الشاعر:
الحِلْمُ والعِلْـمُ خـلًـتـا كَـرم |
|
للمرءِ زَيْنٌ إذا هما اجتمـعـا |
صِنْوان لا يَستَتِمّ حسنـهُـمـا |
|
إلا بجمـع لـذا وذاك مـعـا |
كم من وضيع سما به العِلْمُ وال |
|
حِلْمُ فنال العَلاءَ وارتـفـعـا |
ومن رفيع البِنا أضَاعَـهُـمـا |
|
أخمله ما أضاع فاتّـضـعـا |
للأحنف ولابن المقفع في العلماء قال الأحنف: كادَ العلماءُ أن يكونوا
أرْبابا، وكل عزٍّ لم يُؤَكَد بعِلْم فإلى ذُلّ ما يصير.
ولابن المقفّع وقال ابن المُقَفَّع: إذا أكرمك الناس لمالٍ أو سُلْطانٍ فلا
تعْجِبَنًك ذلك، فإن زوال الكرامة بزوالهما، ولكنْ ليُعْجِبك إن أكرموك
لِدِين أو أدب.
وفي بعض الحديث المرفوع: "مَثَلُ العلماء في الأرض مَثَل النجوم في السماء".