الكتاب الخامس: كتاب العلم والبيان - الإعراب واللحن

الإعراب واللحن

بين عبد الملك بن مروان ورجل كان يرى رأي الخوارج حدثني أبو حاتمِ عن الأصْمَعِيّ قال: سمِعتُ مَوْلًى لآلِ عُمَر بنِ

الخطاب يقول: أخذَ عبدُ الملك بنُ مَرْوانَ رجلاً كان يَرَى رَأي الخوارج، رأي شَبِيب؛ فقال له: ألستَ القائل:

ومِنّا سوَيْد والبَطِين وقَعْنَب

 

ومِنّا أمِيرُ المؤمنين شَبِيبُ

فقال: إنما قلتُ: "ومنا أميرَ المؤمنين شبيبُ" بالنصب، أي يا أميرَ المؤمنين. فأمر بتخلية سبيله.

رفيع بن سلمة يخاطب أبا عثمان النحوي حدّثني عبدُ اللّه بن حَيان قال: كتب رَفِيع بن سَلَمَة المعروف بحَمَاد إلى أبي عُثمان النَحْوِي :

تَفَكّرْتُ في النَّحْو حتى مَـلـل

 

تُ وأتعبتُ نفسي به والبَـدَنْ

وأتعبتُ بَكْـراً وأصـحـابَـهُ

 

بطولِ المسائل في كـل فَـن

فمِن عِلْـمِـه ظـاهِـر بَـينٌ

 

ومِن عِلْمهِ غامض قد بَطَـنْ

فكنتُ بظـاهـره عـالِـمـاً

 

وكنتُ بباطـنـه ذَا فِـطَـنْ

خلا أنَّ باباً علـيه الـعَـفَـا

 

ءُ للفاء يا لـيتَـه لـم يَكُـن

وللواوِ بـابٌ إلـى جَـنْـبِـهِ

 

من المَقْت أحْسبُه قد لُـعِـنْ

إذا قلتُ هـاتـوا لـمـا يُقَـا

 

ل لستُ بـآتِـيك أو تَـأتِـيَنْ

اجيبُوا لمـا قـيل هـذا كـذا

 

علي النصب قالوا لإضْمار أنْ

أو ما إن رأيتُ لها مَوْضِعـا

 

فاعرِفَ ما قيل إلا بِـظَـنّ

فقد خِفْتُ يا بَكْرُ مِن طُول ما

 

أفَكَر في أمْرِ أنْ أن أجَـنْ

لابن سيرين قال ابن سِيرينِ: ما رأيتُ على رجل أحْسن من فَصَاحة، ولا على امرأة أحسن من شَحْم.

لابن شبرمة في فضل تعلُّم العربية وقال ابن شُبْرُمة: إذا سَرك أن تَعْظُم في عَيْن مَن كنتَ في عينه صغيراً، ويَصْغُرَ في عينكَ من كان في عينك عظيماً فتعلم العربيةَ، فإنها تُجْرِيك على المَنْطِق وتُدْنِيك من السْلطان. ويقال: النحو في العِلْم بمنزلة المِلْح في القِدْر والرامِكِ في الطيب. ويقال: الإعرابُ حِلْيةُ الكلام ووَشْيُهُ.

لبعض الشعراء في النحو وقال بعضُ الشعراء:

النحوُ يَبْسُطُ من لسانِ الألْكَنِ

 

والمرءُ تًكْرِمُه إذا لم يَلْحَن

وإذا طلبتَ من الـعـلـوم

 

فأجَلها منها مُقِيمُ الألْسُـن

بين أعرابي ورجل لحن في سؤاله قال رجل لأعرابي: كيف أهلِك، بكسر اللام. - يُريد كيفَ أهلُك - فقال الأعرابي: صَلْباً، ظن أنه سأله عن هَلَكَته كيف تكون.

وقيل لأعرابي: أتتهْمِ إسراييلَ قال: إني إذاً لرجلُ سُوءٍ؛ قيل له: أتَجُرُّ فِلَسْطِين قال: إني إذاً لَقَوِي.

وقيل لآخر: أتَهْمِز الفارةَ فقال الهِرةُ تَهْمِزُها.

وقيل: كان بِشرٌ المَريسِي يقول لأصحابه: قضى الله لكم الحوائجَ على أحسِن الوجوه وأهنؤُها؛ فقال قاسم التّمار: هذا كما قال الشاعر:

إنَ سُلَيْمَيِ والله يَكْـلَـؤُهـا

 

ضَنتْ بشيءٍ ما كان يَرْزَؤُها

سمِعَ أعرابي مُؤَذناً يقول: أشهَدُ أنّ محمداً رسولَ اللّه، بنصب رسول؛ فقال: وَيْحَك يفعل ماذا لمسلمة بن عبد الملك في اللحن، ومثله لآخرين قال مَسْلَمَةُ بن عبدِ الملك: اللحنُ في الكلام أقبحُ من الجُدَري في الوجه.

وقال عبدُ الملك: اللحن في الكلام أقبحُ من التفتيق في الثوب النفيس.

قال أبو الأسْوَد: إني لأجِدُ غَمْزاً كَغَمز اللحم.

بين الخليل بن أحمد وأعرابي قال الخليل بن أحمد: أنْشدَني أعرابي:

وإن كِلاباً هنه عَشْرُ أبـطُـن

 

وأنتَ بريءٌ من قبائلها العَشْر

فجعلتُ أعجَبُ من قوله: عَشْر ابطُنٍ حين أنَثَ لأنه عَنَى القَبِيلة، فلما رأى عجَبَي ذلك، قال: أليس هكذا قول الآخر:

فكان مَجِنَي عون من كنتُ أتَقي

 

ثلاث شُخُوص كاعِبانِ ومُعْصِرُ

لرجل من الصالحين قال رجل من الصالحين: لئِنْ أعرَبْنا في كلامنا حتّى ما نَلْحَن لقد لحَنا في أعمالنا حتى ما نعرِب .

لأعرابي سمع قوماً يلحنون دخلِ أعرابي السوقَ فسمِعهم يَلْحَنُون، فقال: سبحانَ اللِّه! يَلْحَنُون ويَرْبَحُون ونحن لا نلحَن ولا نربَح! بين رجل وزياد دخل رجل على زِيادٍ فقال له: إنّ أبينَا هَلَك، وإن أخِينا غَصَبنا على ميراثنا من أبانا. فقال زياد: ما ضيعتَ من نفسك أكثرُ مما ضاع من مالك.

بين بلال وشبيب بن شيبة قال الرياشي عن محمد بن سلام عن يُونُسَ قال: قال بلالُ لشَبِيب بن شَيْبَةَ وهو يَسْتَعْدِي على عَبْدِ الأعلى بن عبد الله بنِ عامرٍ قال: أحْضِرْنِيه. قال: قد دعوتُه لكُل ذلك يأبى؛ قال بلال: فالذنبً لكلّ.

لبعض الشعراء قال بعض الشعراء:

إما تَرَيْني وأثوابـي مُـقَـارِبة

 

ليستْ بخَزٍّ ولا من نَسْجِ كَتَّـان

فإن في المَجْدِ هِمًاتِي وفي لُغَتي

 

عُلْوِيَّةً ولسَاني غـير لَـحَّـانِ

بين زياد ومولى له وقال فِيلٌ مَوْلَى زيادٍ لزيادٍ: أهْمَوا لنا هِمَار وَهْشٍ. فقال: ما تقول. وَيْلَك! فقال: أهْدَوْا لنا أيراً؛ فقال زياد: الأوّلُ خَير.

سَمِع أعرابي والياً يَخْطُب فَلَحن مرّةً أو اثنتين، فقال: أشْهَدُ أنك مَلَكتَ بقَدَر.

وسَمِع أعرابي إماماً يقرأ: "وَلاَ تَنْكِحُوا الْمُشْرِكِينَ حَتَى يُؤْمِنُوا" بفتح تاء تنكحوا، فقال سبحانَ الله! هذا قبلَ الإسلام قبيح فكيف بَعْدَه! فقيل له: إنه لحنَ، والقراءةُ "وَلَا تُنْكِحُوا فقال: قبحه الله، لا تجعلوه بعدها إِماماً فإنه يُحِلُّ ما حَرَّمَ اللّه. قال الشاعر في جارية له:

أوّلُ ما اسْمَعُ منها في السحَرْ

 

تذكيرُها الأنْثَى وتأنيثُ الذَكَرْ

والسًوْءَةُ السوءُ في ذِكْر القَمَرْ بين الحجاج ورجل عجمي قال الحجاج لرجل من العَجَم نَخّاس: أتَبِيعُ الدّوابً المَعِيبة من جندُ السلطان فقال: شَرِيكاتنا في هوازها وشًرِيكاتنا في مداينها وكما تجيء تكون". فقال الحجّاج: ما تقول. ففَسَروا له ذلك فضَحِك وكان لا يضحَك.

للحجاج أمَّ الحجّاجُ قوماً فقرأ والعاديات ضبحاً" وقرأ في آخرها "أن رَبَّهُمْ بِهِمْ يَوْمَئِذٍ" بنصب أن، ثم تنبه على اللام في لَخَبِير وأنّ "إنّ لما قبلها لا تكون إلا مكسورة فحَذَفَ الّلامَ من خبير، فقرأ "أن رَبهُمْ بِهِمْ يَوْمَئِذ خَبِير".

للخيل بن أحمد في تصغير واصل قال أبو زيد: قلتُ للخليل بن أحمد: لِمَ قالوا في تَصْغير واصل أو يصل ولم يقولوا وَيْصِل فقال: كَرِهوا أن يُشَبَّهَ كلامهُم بنبح الكلاب.