التلطُّف في الكلام والجواب وحسن التعريض
بين معاوية وعقيل بن أبي طالب حدّثني أبو حاتم عن الأصمعيّ قال: ترك عَقِيل عليَاً وذهب إلى مُعاوية، فقال معاوية: يا أهل الشأم، ما ظنكم برجلٍ لم يصلُحْ لأخيه. فقال عَقِيل: يا أهل الشأم، إن أخي خيرٌ لنفسه وشر لي، وإن مُعاوية شر لنفسه وخير لي.
قال: وقال مُعاوية يوماً: يا أهل الشأم، إن عمّ هذا أبو لَهَب. فقال عَقيل: يا أهل الشأم، إن عمة هذا حَمَالة الحَطَب. وكانت أمّ جميل امرأة أبي لهب وهي بنت حَرْب.
بين عبيد الله بن زياد وقيس بن عباد وحدّثني أبو حاتم عن الأصمعيّ قال: حدّثنا أبو هِلاَل عن قَتَادة قال: قال عُبَيد الله ابن زِيَر لقَيس بن عَبّاد: ما تقول فيّ وفي الحسين. فقال: أعفِني أعفاك الله! فقال: لَتَقُولَن. قال: يجيء أبوه يوم القيامة فيشفَعَ له، ويجيء أبوك فيشفَع لك. قال: قد علمتُ غِشّك وخُبْثك، لئن فارقتني يوماً لأضَعَنّ بالأرض أكثَرك شَعْراً.
لميمون بن مهران قيل لمَيْمُون بن مِهْران: كيف رِضَاك عن عبد الأعلى قال: نِعْمَ المرء عمرُو بن ميمون.
بين عمر بن الخطاب وعبد اللّه بن الزبير مر عمر بن الخطّاب بالصبيان وفيهم عبد الله بن الزبير، ففرّوا ووقف؛ فقال له عمر: ما لك لم تَفِر مع أصحابك فقال: يا أمير المؤمنين، لم أجْرِم فأخافَك، ولم يكن بالطريق ضِيق فأوسعَ لك.
جواب رجل لعبد الله بن طاهر حدّثني الفضلُ بن محمد بن منصور بن زياد كاتب البرامكة قال: قال عبد الله بن طاهر ذاتَ يوم لرجل أمره بعمل: احذر أن تخطئ فأعاقَبك بكذا "لأمر عظيم" قلت له: أيها الأمير؛ كانت هذه عقوبتَه على الخطأ فما ثوابُه على الإصابة!.
بين قرشي وتغلبي
رأى رجل من قريش رجلاً له هيئةٌ رَثَّة، فسأل عنه، فقالوا: مِنْ تَغْلِب. فوقف له وهو يطوف بالبيت، فقال له: أرى رِجْلين قَلّما وطئتا البطحاء، فقال له: البطحاوات ثلاث: بطحاء الجزيرة، وهي لي عونك؛ وبطحاء ذي قار ، وأنا أحقُّ بها منك؛ وهذه البطحاء وسواء العاكفُ فيه والبادي.
بين معاوية وعبد الرحمن بن حسان حدثني سَهْل عن الأصمعيّ عن أبي عَمْرو بن العلاء أو غيره: أنّ معاوية عَرَض فرساً على عبد الرحمن بن حَسّان فقال: كيف تراه قال: أراه أجَشَّ هَزيماً.
يريد قول النجاشِيّ:
ونَجَّى ابن حَرْبٍ سابحٌ ذُو علَالةٍ |
|
أجشُ هَزِيمٌ والرماحُ دَوَانِـي |
بين أبي بكر وطلحة بن عبيد الله حدّثني محمد بن عبد العزيز قال: حدثنا أبو سَلَمة عن حمَاد بن سلمة قال: أخبرنا داود بن أبي هند عن محمد بن عَبَّاد المخزومي أن قريشاً قالت: قيِّضُوا لأبي بكر رجلاًَ يأخذه. فقيضوا له طَلْحَة بن عُبيد الله، فأتاه وهو في القوم فقال: يا أبا بكر قم إليّ. قال: إلامَ تدعوني قال: أدعوك إلى عبادة اللات والعُزَّى. قال أبو بكر: مَنِ الَّلات. قال: بناتُ اللّه. قال: فمن أمّهم. فسكت طلحة وقال لأصحابه: أجيبوا صاحبَكم. فسكتوا؛ فقال طلحة: قم يا أبا بكر، فإني أشْهد أن لا إلهَ إلا الله وأشهد أنّ محمداً رسولُ الله. فأخذ أبو بكر بيده فأتى به النبيَّ صلى الله عليه وسلم فأسلم.
بين عمر ورجل عن قندابيل حدثني محمد بن عُبَيد عن مُعاوية عن أبي إسحاق عن عًبيد اللّه بن عمر أنّ عمر قال: كل يُخبرنا عن قَنْدَابِيل فقال رجل: يا أمير المؤمنين، ماؤها وَشَل، وتمرُها دَقَل، ولصها بَطَل؛ إن كان بها الكثيرُ جاعوا، وإن كان بها القليلُ ضاعوا. قال عمر: لا يسألني الله عن أحدٍ بعثته إليها أبداً.
بين مسروق وشريح في مرض زياد حدّثني أبو حاتم قال حدثنا الأصمعيّ قال: مَرِض زِيادٌ فدخل عليه شُرَيْح، فلما خرج بعث إليه مسروقُ بن الأجدع يسأله كيف تركتَ الأمير قال: تركته يأمر ويَنْهَى. فقال مسروق، : إن شُرَيحاً صاحبُ تعريض فسَلُوه. فسألوه، قال: تركته يأمر بالوصيّة وينَهم عن البكاء.
ولابن شريح أيضاً في موت ابنه ومات ابن لشُرَيح ولم يشعرُ به أحدٌ، فغدا عليه قوم يسألون به، وقالوا: كيف أصبح من تَصِل يا أبا أميّة. فقال: الآن سكن عَلَزُه ورجاه أهلُه.
حدّثني أبو حاتم عن الأصمعيّ قال: حدّثني بعض الأعراب قال: هَوِيَ رجلٌ امرأة ثم تزوّجها، فأهدَى إليها ثلاثين شاةً وزِقّا من خَمْر، فشرِب الرسولُ في الطريق بعضَ الخمر وذبح شاةً؛ فقالت للرسول لمّا أراد الانصراف: اقرأ على مولاك السلام، وقل له إنّ شهرنا نَقَص يوماً وإن سُحَيْما راعي شائِناً أتانا مرثوماً. فلما أتى مولاه فأخبره ضربه حتى أقرِّ.
لأعرابي خطب إلى قوم ثم كره ذلك حدّثني أبو حاتم عن الأصمعي قال: خَطَب أعرابي إلى قوم، فقالوا: ما تبذل مر الصَّدَاق. وارتفع السجْف فرأى شيئاً كَرِهَه، فقال: واللّه ما عندي نَقْد، وأني لأكره أن يكون علي دَيْن.
بين سلم بن قتيبة والشعبي حدّثني عبد الرحمن عن الأصمعي قال: قال سَلْم بن قُتَيبة للشَّعْبيّ: ما تشتهي قال: أعز مفقود، وأهون موجودة قال: يا غلام اسقه ماء.
بين ابن عون وابن عمه المدائني قال: كان لابن عَوْنٍ ابن عمٍّ يُؤذيه، ولَاحَاه يوماً فقال له ابن عون، لمّا بلغ منه: لتسكتُنّ أو لأشتمِنّ مُسَيْلِمَة. فشهد بعد ذلك عند عُبيد اللهّ بن الحسن، فردّ شهادتَه.
بين المُغيرة بن شعبة ورجل شاوره في امرأة يتزوجها المدائني قال: قال المغيرة بن شعْبة: ما خَدَعني أحدٌ قط غير غلام من بني الحارث بن كعب، فإني ذكرت امرأة منهم، فقال: أيها الأمير! لا خير لك فيها، إني رأيت رجلاًَ قد خلا بها يقبلها. ثم بلغني بعدُ أنه تزوّجها، فأرسلت إليه فقلت: ألم تعلمني أنك رأيت رجلاًَ يقبلها. فقال: بلى! رأيت أباها يقبّلها.
من خطب لبائع سنانير على أنه نخاس دواب قال المدائني: أتى شريحاً القاضيَ قومٌ برجل، فقالوا: إن هذا خَطَب إلينا: فسألناه عن حرفته فقال: أبيع الدوابَّ؛ فلما زوّجناه، فإذا هو يبيع السنانير؛ قال: أفلا قلتم أيَّ الدوابّ تبيع وأجاز ذلك.
ابن شبرمة وسؤال عيسى بن موسى له عن رجل لا يعرفه
المدائني قال: دخل رجل على عيسى بن موسى وعنده ابن شُبْرُمَة، فقال له: أتعرفه وكان رُمِي عنده برِيبة؛ قال: نعم، إنّ له بيتاً وشَرَفاً وقَدَماً، فخلى سبيله فلما خرج قال له أصحابه: أعَرَفته قال: لا، ولكني أعلم أن له بيتَاَ يأوي إليه، وشرفه أذناه ومَنْكِباه، وقَدمه هي قدمه التي يمشي عليها.
للشعبي وقد سُئِل عن رجل المدائني قال: سُئل الشعبيّ عن رجل، فقال: إنه لنافذ الطعْنة، رَكِين القعدة. يعني أنه خَياط، فأتوه فقالوا: غَرَرتنا. فقال: ما فعلت! وإنه لَكَما وصفت.
بين العريان بن الهيثم وابن باقلاني المدائني قال: أتيَ العُرْيانُ بن الهيثم بشابٍّ سَكران، فقال له: من أنت فقال:
أنا ابن الذي لا ينزلً الدهرَ قِدْرُهُ |
|
وإن نزلتْ يوماً فسوف تعـودُ |
ترى الناسَ أفواجاً إلى شَوْء نارِه |
|
فمنهم قِيامٌ حولَـهـا وقُـعـودُ |
فظنّ أنه من بعض أشراف الكوفة فخلاه، ثم ندِم على ألاّ يكون سأله مَنْ هو، فقال لبعض الشُرَط: سَلْ عن هذا. فسأل، فقالوا: هو ابن بَيّاع البَاقِلي.
بين زياد وحارثة بن بدر الغداني دخل حارثةُ بن بحر الغُدَاني على زِياد، وكان حارثة صاحب شرابٍ وبوجهه أثر، فقال له زياد: ما هذا الأثر بوجهك فقال حارثة: أصلح الله الأمير، ركِبت فرساً لي أشقر فَحَملني حتى صَدم بي الحائط؛ فقال زياد: أما إنك لو ركبت الأشهب لم يُصبك مكروه: عَنَي زياد اللبنَ، وعني حارثةُ النبيذَ.
لقوم يشربون النبيذ فسقط الذباب في قدح أحدهم قعد قوم على نبيذ فسَقَط ذُباب في قَدَع أحدهم، فقال رجل منهم: غطً التميميّ. فقال آخر: غطَهَ فإن كان تميمياً رسَبَ، وإن كان أزْديَا طَفَا. قال رب المنزل: ما يسرني أنه كان قال بعضكم حرفاً. وإنما عنى أن أزْدَ عُمَان ملاحون.
بين رجل وامرأة كانت تأتيه المدائني قال: رأى رجلِ في يد امرأة كانت تأتيه خاتَمَ ذهب، فقال لها: ادفعي إليّ خاتمك أذكرك به. فقالت: إنه ذهَب، وأخاف أن تذهب، ولكن خذ هذا العود لعلك تعود.
لأبي بكر في النبي صلى الله عليه وسلم حدثني الزياديّ قال: حدثنا عبد الوارث بن سعيد عن عبد العزيز بن صُهَيْب عن أنَس قال: أقبل النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة مُردفاً أبا بكر شيخاً يُعْرَف، ورسول الله شابُّ لا يُعرف، فَيْلقَى الرجلُ أبا بكر فيقول: يا أبا بكر، مَنْ هذا الرجل الذي بين يديك فيقول: هذا الرجل يهديني السبيل. فيحسب السامع أنه يهديه الطريق، وإنما يعني سبيلَ الخير.
بين عمر بن هبيرة وهو يساير سنان بن مكمل على بغلة كان سِنَان بن مُكًمل النمير في يُساير ابن هُبَيْرةً يوماً وهو على بغلة، فقال له عمر بن هبيرة: غُض من بغلتك؛ قال: كلا! إنها مكتوبة. أراد ابن هبيرة قول الشاعر:
فغضُ الطَرفَ إنًك من نُمَيْرٍ |
|
فلا كَعْباً لغتَ ولا كـلَابَـا |
وأراد سنان قولَ الآخَر:
لا تأمَنَن فَزَارياً خَلَوْتَ بـه |
|
على قَلُوصك واكتبْها بأسيارِ |
بين معاوية والأحنف في الشيء الملفف في البجاد حدثني أبو حاتم عن الأصمعيّ قال: قال معاوية للأحنف: يا أحنف، ما الشيء الملفف في البِجَاد فقال: هو السخِينة يا أمير المؤمنين. أراد معاوية قول الشاعر:
إذا ما مات مَيتٌ من تـمـيم |
|
فسرَّك أن يعيش فجيء بزَادِ |
بخُبْزٍ أو بتمر أو بـسـمـنٍ |
|
أو الشي الملًففِ في البِجَادِ |
وأراد الأحنف أن قريشاً تُعًير بأكل السخينة.
المدائني قال: سأل الحَرَسِي أبا يوسف القاضي عن السواد؛ فقال: النور في السواد. يعين نور العينين في سواد الناظر.
بين شيطان الطاق وخارجي المدائني قال: لقي شيطانَ الطاق خارجي فقال: ما أفارقك أو تبرأ من عليّ فقال: أنا من علي ومن عثمان بريء. يريد أنه من علي، وبريء من عثمان.
بين عمر ورجل عرضت به امرأته سمع عمر بن الخَطاب امرأةً في الطوَاف تقول:
فمنهنّ من تُسْقَى عذْب مُبَرَّدٍ |
|
نُقَاخ فتلكم عند ذلك قَـرتِ |
ومنهن من تُسْقَى أخضَرً آجنٍ |
|
أجَاج ولولا خَشْيةُ الله فَرتِ |
فعلم ما تشكو، فبعث إلى زوجها فوجده متغير الفم، فخيره بين خمسمائة درهم أو جمارية من الفَيْء على أن يطلًقها، فاختار خمسمائة، فأعطاه وطلقها.
بين أحمد بن محمد وامرأة في محمد بن زانة حدّثني أحمد بن محمد أبو نصر الكاتب قال: كنت واقفاً بهذا المكان، وأقبلت امرأة من هذه الناحية، وغلامٌ من الناحية الأخرى أبيضُ الوجه رائعه، ونظرت إليه المرأة، فلما التقيا قالت له: ما اسمك يا فتى. قال: محمد. قالت: ابن من. قال: ابن زانة. وتبسم عن ثغر أفلج مختلف قبيح؛ فقالت: واحَرَبَاهُ على ما قال! فقلت لها: قد وقعتُ لك عليها. قالت: من أين قلت: من كنية أبي الخير النصراني كاتب سعيد الحاجب. أراد أن الياء إذا نُقلت عن أبي الخير إلى زانة، صار هذا أبا الخر، وصار هذا ابن زانية.
لابن أبي علقمة في بني ناجية مر ابن أبي عَلْقَمة بمجلس بني ناجية فكَبَا حمارُه لوجهه فضحكوا؛ فقال: ما يضحككم! إنه رَأى وجوه قُرَيش فسَجَد.
للجاحظ في أبى الهذيل يخاطب محمد بن الجهم قال عمرو بن بحر قال أبو الهذيل لمحمد بن الجَهْم وأنا عنده: يا أبا جعفر، إني رجلٌ منخرِق الكفّ لا ألِيق درهماً، ويدي هذه صَنَاعٌ في الكَسْب ولكنها في الإنفاق خَرْقاء، كم من مائة ألف درهمٍ قَسَمتها على الإخوان في مجلس وأبو عثمان يعلم ذلك! أسألُك باللّه يا أبا عثمان، هل تعلم ذلك. قال: يا أبا الهذيل ما أشك فيما تقول. قال: فلم يرضَ أن حَضَرتُ حتى استشهدني، ولم يرض إذ استشهدني حتى استحلفني.
لعلي بن أبي طالب قال المدائنيّ: بعث يزيد بن قَيْس الأرحَبيّ، وكان والياً لعليّ، إلى الحسن والحسين رضي اللّه عنهم بهدايا بعد انصرافه من الولاية وتَرَكَ ابن الحَنَفِيّة، فضرب علي - عليه السلام - على جنب ابن الحنفيّة وقال:
وما شَرُّ الثلاثةِ أمَّ عمرو |
|
بصاحِبِك الًذي لا تَصْبِحينا |
فرجع يزيد إلى منزله وبعث إلى ابن الحنفية بهديّة سنية.
بين أعرابي ورجل في صورة خمسة حدثني أبو حاتم عن الأصمعي قال: حدّثني موسى بن محمد قاضي المدينة، قال: مرّ رجل بأعرابي يوقد في أصل مِيلٍ، فقال: كم على الميل. فقال: لستُ أقرأ، ولكنّ كتابه فيه. قال: وما كتابه. قال: مِحْجَنٌ وحَلْقَةِ سِمْط وثلاثة أطْباء وحَلْقَة مُذَنَبة "يعني صورة خمسة".
بين سعد بن مالك وعمرو بن مالك بن ضبيعة قال أبو اليقظان: إن عمرو بن مالك بن ضُبَيْعة هو الذي قيل فيه:
لذي الحِلْم قبل اليوم ما تُقْرَعُ العصا |
|
وما علَمَ الإنسانُ إلّا لـيَعْـلَـمـا |
وذلك أن سعد بن مالك كان عند بعض الملوك، فأراد الملك أن يبعث رائداً يرتاد له منزلاً ينزِله، فبعث بعمرو فأبطأ عليه، فآلى الملك لئن جاء ذامًّا أو حامداً ليقتلنّه؛ فلما جاء عمرو وسَعْد عنده، قال سعد للملك: أتأذَنُ لي فأكلِّمه قال: إذاً أقطع لسانك. قال: فأشير إليه قال: إذاً أقطع يدك. قال: فأومئ إليه. قال: أقطع حِنْوَ عينك. قال: فأقرَعُ له العصا. قال: اقرَعْ. فأخذ العصا فضرب بها عن يمينه ثم ضرب بها عن شماله ثم هَزَّها بين يديه، فلقن عمرو، فقال: أبيْتَ اللَعْنَ! أتيتُك من أرض زائرها واقف، وساكنُها خائف، والشَبْعىَ بها نائمة والمهزولةُ ساهرة جائعة، ولم أر خِصْباً محلاً، ولا جدباً منزلاً.
بين معاوية وعمرو بن العاص لما حُكَم أبو موسى وقَدِمَ ليحكم، دسّ معاويةُ إلى عَمْرو رجلاً ليعلم علمَه وينظر كيف رأيه؛ فأتاه الرجل فكلّمه بما أمره به، فعَضّ عمرو على إبهامه ولم يُجبه، فنَهَض الرجل فأتى مُعاويةَ فأخبره؛ فقال: قاتله اللّه أراد أن يُعلمني أني فَرَرْتُ قارحاً.
بين الحجاج وجبر بن حبيب في رجل سأله عنه الحجاج حدّثني أبو حاتم قال: حدثني الأصمعي قال: حدّثنا عيسى بن عمر قال: سأل الحجاج جبر بن حبيب عن رجل، وكره أن يعاقبه إن دلّ عليه، فقال: تركته والله جسداً يُحَرك رأسُه يُصَب في حلقه الماء، والله لئن حُمِلَ على سرير ليكونَنّ عليه عورةً؛ قال: فتركه.
لعلي بن أبي طالب في قتل عثمان رضي الله عنه وتفسير محمد بن سيرين لقول علي
حدّثني القاسم بن الحسن عن خالد بن خِدَاش عن حَمّاد عن مُجالد عن عُمَيْر بن روذي قال: خَطَبَنا علي عليه السلام فقال: لئن لم يدخل الجنة إلا من قتل عثمان لا أدخلها ولئن يدخل النار إلا من قتل عثمان لا أدخلها؛ فقيل له: ما صنعتَ! فَرقتَ الناس! فَخَطَبهم فقال: إنكم قد أكثرِتم في قتل عثمان، ألَا وإن الله قَتَله وأنا معه. قال: فحدثنا خالد عن حَمّاد عن حَبِيب بن الشَهِيد عن محمد بن سِيرِينَ قال: كلمة عربيّه لها وجهان. أي وسيقتلني معه.
بين زياد وشريف من أشراف البصرة كنى عن مسكنه وولده سأل زيادٌ رجلاً بالبصرة: أين منزلك. فقال: وَاسِط. قال: ما لك من الولد قال: تسعة. فلما قام، قيل لزياد: كَذَبك في كل ما سألته، ما له إلا ابن واحد، وإن منزلَه بالبصرة. فلما عاد إليه، قال: ذكرتَ أن لك تسعة من الولد، وأن منزلك بواسط قال: نعم قال: خُبٌرتُ بغير ذلك؛ قال: صَدَقتُ وصَدَقوك، دفنت تسعة بنين فهم لي، ولي اليوم ابن واحد ولست أدري أيكون لي أم لا، وأما منزلي إلى جانب الجبان بين أهل الدنيا وأهل الآخرة، فأي منزل أوسط منه؛ قال: صدقت.
للمختار الثقفي حدثني أبو حاتم عن الأصمعي عن عيسى بن عمر قال: قال المختار لجنده: يا شُرْطة الله، ليَخرجَن إلى قريبِ على الكعبة الحرام دابَّةٌ له ستُّ قوائم وله رأسٌ بلا عُنُق، ثم التفت إلى رجل إلى جانب فقاَل: أعني اليَعسوب.
قول إبراهيم إذا لم يعجبه الرجل كان إبراهيم إذا لم يُعجبه الرجل قال: ما هو بأعجب الناس إلي.
قول مسلم بن يسار إذا غضب على البهيمة بلغني عن معاوية بن حَيان عن المبارك بن فَضَالة عن عبد الله بن مسلم بن يَسَار، قال: كان أبي إذا غَضِب على البهيمة، قال: أكلتِ سماً قاضياً.
قول الحسن إذا أخِذ من لحيته شيء حدثني زيد بن أخزم قال: حدثنا أبو قُتَيبة قال: حدثنا أبو المِنهال البَكْرَاويّ قال: كان الحسن إذا أخِذَ من لِحْيته شيء، قال: لا يكن بك السوءُ.
وللحسن أيضاً في الإجابة بآية من آيات القرآن الكريم وقيل للحسن: أتى رجلٌ صاحباً له في منزله وكان يصلي، فقال: أدخل فقال في صلاته: "ادْخُلُوهَا بِسَلاَم آمِنِينَ" فقال: لا بأس.
لمحمد بن علي كان محمد بن عليٍّ إذا رأى مُبتلى أخفى الاستعاذة. وكان لا يسمع من داره يا سائل بورك فيك، ولا يا سائل خذ هذا، ويقول: سَموهم بالحسن الجميل عباد الله، فتقولون: يا عبد الله بورك فيك.
لعلي بن أبي طالب في أبعد ما بين المشرق والمغرب والسماء والأرض قيل لعليّ بن أبي طالب عليه السلام: كم بين السماء والأرض. قال: دعوة مستجابة. قيل: فكم بين المشرق والمغرب قال: مسيرة يوم "يعني للشمس".
رشْم عمر بن مهران كانَ رشْمُ عمر بن مِهْران الذي يرشم به على طعامه: اللهم احفظه ممن يَخْطَفه.
لرجل من بين أسد وابنته وجماعة من بني فزارة خرج رجل من بين أسَد بإبل له يسقيها، ومعه ابنة له جميلة عاقلة، حتى دفع إلى ماء لبني فَزَارة، فسألهم أن يأذنوا له في سقي إبله فقالوا: على ألا تجأجئ بها، قال: فإذاً لا تشرب شُرْبَ خير. قالوا: إن رَضِيتَ وإلا فانصرفْ. فقالت له الجارية: اشْرُطْ لهم ما طلبوا وأنا أكفيك. فأخذ الدلوَ، وجعلت الجارية ترتجز وتقول:
جاريةٌ شَبتْ شبابَ العُسْلُج |
|
ذاتُ وِشاحينِ وذاتُ دملُج |
وذات ثَغْرٍ أشنب مُفلَّـج |
|
وذات خَلْقٍ مُستتب مُدمج |
في أبيات كثيرة، فشربت الإبل حتى رَوِيتْ من غير أن جأجأ بها.
بين أعرابيين تبايعا كبشاً وتبايع أعرابيان على أن يشرب أحدهما لبناً حازراً ولا يتنحنح، فلما شربه وتَقَطّع في حَلْقه؛ قال: كَبْش أملح؛ فقال صاحبه: فَعلَهَا ورب الكعبة! فقال: مَن فعلها فلا أفلح. وكان ما تبايعا عليه كبشا.
جواب أعرابي للأصمعي في شاء قال الأصمعي: قلت لأعرابي معه شَاءٌ: لمن هذه
الشّاء فقال: هي للّه عندي.
جواب سعيد بن جبير للحجاج حدثني أبو الخَطّاب قال: حدّثنا أبو داود عن
عمَارة بن زاذان قال: حدثنا أبو الصهباء قال: قال الحجّاج لسَعيدِ بن
جُبَيْر: اخْتَرْ أيَ قِتْلةٍ شئتَ. فقال له: بل اختر أنت لنفسك، فإن
القصاص أمامك.
قول جعفر بن يحيى لهرثمة وقد ولي الحرس مكانه
وَليَ هَرْثمةُ الحرسَ مكان جعفر بن يحيى، فقال له جعفر: ما انتقلت عني
نعمةٌ صارت إليك.
بين ابن القرية رسول الحجاج إلى هند بنت أسماء في تطليقها، وجواب هند أمر
الحجاجُ ابن القِرية أن يأتي هندَ بنت أسماء فيطلقها بكلمتين، ويُمَتَعها
بعشرة آلاف درهم؛ فأتاها فقال لها: إن الحجّاج يقول لك: كنتِ فبِنْتِ، وهذه
عشرة آلاف مُتْعة لك؛ فقالت: قل له: كنا فما حَمدنا، وبِنّا فما ندمْنَا؛
وهذه العشرة الآلاف لك ببشارتك إياي بطلاقي.
لابن سفيان بن عُيَيْنة سئل سُفيان بن عُيَيْنة عن قول طاوُس في ذَكَاة
السمك أو الجراد. فقال ابنه عنه: ذَكَاتُه جدُه.
ليزيد بن المقنع في بيعة يزيد بن معاوية اجتمع الناس عند معاوية وقام
الخطباء لبيعة يزيد وأظهر قوم الكراهة، فقام رجل من عُذرَة يقال له يزيد بن
المقنّع، واخترط من سيفه شبراً، ثم قال: أمير المؤمنين هذا، وأشار إلى
معاوية، فإن يَهْلِكْ فهذا، وأشار إلى يزيد، فمن أبى فهذا، وأشار إلى سيفه.
فقال معاوية: أنت سيد الخطباء.
بين ابن شبرمة وحجازي قال رجل من أهل الحجاز لابن شُبْرُمَة: مِنْ عندنا
خَرَجَ العلمُ. قال ابن شبرمة: ثم يَعُدْ إليكم.
بين معاوية وابن عباس قال المدائنيّ: قال معاويةُ لابن عبّاس: أنتم يا بني
هاشِم تُصابون في أبصاركم. فقال ابن عباس: وأنتم يا بني أمية تصابون في
بصائركم.
وقال له معاوية: ما لبينَ الشَبَق في رجالكم؛ فقال: هو في نسائكم أبْيَن.
بين ابن ظبيان التيمي وزُرعة بن ضمرة أبو اليقظان قال: قال ابن ظَبْيان التًيْمي لزُرْعة بن ضَمْرَة: لقد طلبتك يوم الأهواز و ظَفِرتُ بك لقطعت منك طَابِقَاً سُخْنا. قال: أفلا أدلُك على طابق هو أسخن وأحوج إلى القطع قال: بلى! قال: بَظْرٌ بين إسْكَتَيْ أمّك.
بين الحجاج والفضيل بن بزوان أبو اليقظان قال: بعث الحجاج إلي الفُضَيْل بن بَزَوَان العدواني، وكان خيراً من أهل الكوفة، فقال: إني أريد أن أوليك. قال: أوَ يُعفيني الأمير فأبى وكتب عهده، فأخذه وخرج من عنده فرمى بالعهد وهَرَب، فأخِذَ وأتِيَ به الحجاجُ، فقال: يا عدو الله؛ فقال: لستُ لله ولا للأمير بعدوّ؛ قال: ألم أكرمك! قال: بل أردتَ أن تُهينني. قال: ألم أستعملك! قال: بل أردت أن تستعبدني. قال: "إِنًمَا جَزَاءُ الًذِينَ يُحَارِبُونَ اللّه وَرَسُولَهُ" الآية؛ قال: ما استوجب واحدةً منهن؛ قال: كل ذلك قد استوجبت بخلافك. وأمر رجلاً من أهل الشأم أن يضرب عُنقه ما كُتب في زوايا مجلس زياد بالكوفة سليمان بن أبي شيخ قال: حدثني حجر بن عبد الجبار عن عبد الملك بن عُمَيْر قال: كان في مجلس زياد، الذي يجلس فيه للناس بالكوفة، في أربع زوياه كتاب بقلم جليل: "الوالي شديد في غير عنف، لين في غير ضعف؛ الأعْطِية لإبًانِها، والأرزاقُ لأوقاتها؛ البُعُوث لا تجَمَر. المحسن يُجْزَى بإحسانه، والمسيء يُؤْخذ على يديه" كلما رفع رأسه إلى زاوية قرأ ما فيها.
بين الحجاج وأبو الجهم بن كنانة قال سليمان: وحدثنا أبو سفيان الحميري قال: أبْلَى أبو جَهْم بن كِنَانة يوم الراوية، فقال له الحجاج: من أنت قال: أنا أبو جهم بن كنانة. قال له الحجاج: قد زدناك في اسمك ألفاً لاماً فأنت أبو الجهم، وزدنا في عطائك ألفاً.
بين معاوية وشدّاد بن أوس في المفاضلة بين علي ومعاوية العباس بن بَكار عن عُبَيد الله بن عمر الغَسّاني عن الشعبيّ قال: قال مُعاوية لشَدّاد بن أوس: يا شدّاد، أنا أفضل أم علي وأينا أحبُّ إليك فقال: علي أقدمُ هِجْرةً، وأكثرُ مع رسول الله إلى الخير سابقةً، وأشجعُ منك قلباً، وأسلمُ منك نَفْساًة وأما الحبّ فقد مضى عليّ، فأنت اليوم عند الناس أرجى منه.
قول الأحنف لمعاوية في يزيد قال الأحنفُ لمعاوية في كلام: أنت أعلمُنا بيزيد في ليله ونهاره، وسرّه وَعلانيَته، فلا تلقمه الدنيا وأنت تذهب إلى الآخرة.
بين جامع المحاربيّ والحجاج
خطب الحجّاجُ فشكا سوءَ طاعة أهل العراق؛ فقال جامع المحاربيّ: أمَا إنهم لو أحبُوك أطاعوك، على أنهم ما شنئوك لنسبك ولا لبلدك ولا لذات نفسك، فدع ما يباعدهم منك إلى ما يقرِّبهم إليك، والتمس العافيةَ فيمن عونك تُعْطَها ممن فوقك، وليكن إيقاعُك بعد وعيدك، ووعيدك بعد وعدِك. فقال الحجاج: واللّه ما أراني أردّ بني اللًكِيعة إلى طاعتي إلا بالسيف. فقال: أيها الأمير، إن السيف إذا لاقى السيف ذهب الخِيار. قال الحجاج: الخِيَار يومئذ لله، قال: أجل! ولكنك لا تدري لمن يجعله الله. فقال: يا هَنَاهُ، إنك من مُحارب! فقال جامع:
وللحرب سميناً وكنـا مُـحـاربـاً |
|
إذا ما القَنَا أمسى من الطعن أحمرا |
فقال الحجاج: والله لقد هَمَمتُ أن أخلع لسانك فأضربَ به وجهك. فقال له: يا حجاج إن صَدَقْناك أغضبناك، وإن كَذَبناك أغضبنا الله، فَغَضبُ الأمير أهونُ علينا من غضب الله.
بين شيخ من قضاعة وعجوز ترشده الطريق قال الأصمعي أخبرنا شيخٍ من قضَاعة، قال: ضَلَلْنا مرةً الطريقَ فاسترشدنا عجوز فقالت: استبطِن الواديَ وكن سيلا حتى تبلُغَ.
كتاب معاوية إلى قيس بن سعد وجواب قيس ابن الكلبي قال: كتب معاوية إلى قيس بن سعد: أما بعد، فإنما أنت يهودي، إن ظَفِرَ أحبُّ الفريقين إليك عَزَلك واستبدل بك، وإن ظفر أبغضُهما إليك قتلك وزرَ بك، وقد كان أبوك وَتَرَ قوسَه ورمى غَرَضَه، فأكثر الحَز وأخطأ المَفْصِل، فخذلك قومُه، وأعردَ يومُه، ثم مات طريداً بحَوْران؛ والسلام. فكتب إليه قيس بن سعد: أما بعد، فإنما أنت وثن ابن وثن، دخلت في الإسلام كرهاً وخِرِجت منه طوعاً، لم يقمُ إيمانك ولم يحدُث نِفاقك، وقد كان أبي وَتَر قوسه ورمى غرضه، وشَغب عليه من لم يبلُغ كعبه ولم يشُق غُباره، ونحن أنصار الدين الذي خرجت منه، وأعداءُ الدين الني خرجت إليه والسلام.
بين الأعمش وخالد بن صفوان قال يحيى بن سَعِيد الأموي: سمعت الأعمش يقول لخالد بن صَفْوان: شَعَرت أن منزلك لا يُعرف إلا بي حتى يقال عند منزل الأعمش؛ فقال خالد: صدقتَ، مثل حمام عنترة، ويقال وردان وبيطار "حيان".
بين الربيع وشريك بين يدي المهديّ قال الربيع لِشَريك بين يدي المهديّ: بلغني أنك خُنت أمير المؤمنين. فقال شَرِيك: لو فعلنا ذلك لأتاك نصيبُك.
بين عربي ورجل من الموالي قال رجل من العرب: أرِيتُ البارحةَ في منامي كأني دخلت الجنةَ فرأيت جميع ما فيها من القصور، فقلت: لمن هذه فقيل: للعرب. فقال رجل عنده من الموالي: أصعِدتَ الغرف قال: لا. قال: فتلك لنا.
بين قتيبة بن مسلم وعبيد اللّه بن زياد بن ظبيان وكتب قُتَيبة بن مسلم إلى عُبيد الله بن زياد بن ظَبْيان: أما بعد، فإن عشمشم أعشى الشجر. فكتب إليه ابن ظَبْيَان: من ذلك الشجر كان بَرْبَطُ أبيك. يعني مسلم بن عمرو، وكان مغنيِّاً ليزيد بن معاوية.
بين بحر بن الأحنف وجارية أبيه قال بَحْر بن الأحنف لجارية أبيه زَبْرَاء: يا فاعلة. فقالت: لو كنتُ كما تقول أتيتُ أباك بمثلك.
مثله بين رجل وابنه وقال رجلاً لابنه: يابن الفاعلة. فقال: واللهّ لئن كنتَ صدقتَ ما فعلَتْ حتى وجدَتْك فحلَ سوء.
بين ابنة الخس ورجل أراد امتحان عقلها أتت ابنةُ الخُسّ عُكَاظ، فأتاها رجل يَمتِحن عقلَها ويمتحِن جوابَها، فقال لها: إني أريد أن أسألكِ. قالت: هاتِ. قال: كاد، فقالت: المنتَعِل يكون راكباً. قال: كاد؛ قالت: الفقر يكون كُفْراً. قال: كاد؛ قالت: العَرُوس تكون مَلِكاً. قال: كاد؛ قالت: النَعَامة تكون طائراً. قال: كاد؛ قالت: السرار يكون سَحَراً. ثم قالت للرجل: أسألك. قال: هاتي. قالت: عجبت؛ قال: للسباخ لا ينبت كلؤُها ولا يجف ثراها. قالت: عجبت؛ قال: للحجارة لا يكبَرُ صغيرُها ولا يَهْرَم كبيرُها. قالت: عجبت؛ قال: لشُفْرِك لا يُحْرَك قعرُه ولا يُملأ حفرُه.
المدائي قال: كان عُرَام بن شُتَيْر عند عمر بن هُبَيْرة، فألقى إليه ابن هبيرة خَاتَمه وفصه أخضر، فعقد عرام في الخاتم سَيْراً. أراد عمر قول الشاعر:
لقد زَرِقَتْ عيناك يابن مُكَعْبَـرٍ |
|
كَما كُل ضَبي من القوم أزرقُ |
وأراد عُرَام:
لا تأمنن فَزَارِياً خلوتَ بـه |
|
على قَلُوصك واكْتُبها بأسيارِ |
قال جرير للأخطل: أزقتُ نومَك، واستهضمت قومَك؛ قال الأخطل: قد أزقت نومي، ولو نِمتُ كان خيراً لك.
لعمرو بن العاص يخطب بصفين أراد معاويةُ أن يخطُب بصِفَينَ فقال له عمرو بن العاص: دعني أتكلم، فإن أتيتُ على ما تريد وإلا كنتَ من وراء ذلك. فأذِنَ له؛ فتكلم بكلمات، قال: قلموا المُسْتَلْئِمَة وأخرو الحُسر، كونوا مِقص الشارب، أعيرونا أيدِيَكم ساعةً، قد بلغ الحق مَفْصِلَه، إنما هو ظالم أو مظلوم.
بين عبد الملك بن مروان وأعرابي يصف الخمر حدثني ابن أبي سعد عن محمد بن الحسن التميمي عن عبد الله بن أحمد بن الوَضَّاح، قال: دخل أعرابي على عبد الملك بن مروان فقال له: يا أعرابي صف الخمر فقال :
شمول إذا شُجت وفي الكأس مُزة |
|
لها في عِظَام الشاربـين دَبـيبُ |
تُريك القَذَى من دونها وهي دونه |
|
لوجه أخيها في الإناء قُطُـوبُ |
فقال: ويحك يا أعرابي! لقد اتهمك عندي حسنُ صفتك لها. قال: يا أمير المؤمنين واتهمك عندي معرفتُك بحسن صفتي لها.
مقطّعات ألفاظ تقع في الكِتاب والكلام
لو أخطأتُ سبيلَ إرشادك، لما أخطأتُ سبيلَ حسن النية فيما بين وبينك.
لو خطر ذلك ببالي من فعلك، ما عرّضتُ سترَ الإخاء للهَتْك بيني وبينك.
قد أحسنت في كذا قديماً. وفعلُك كذا إحدى الحُسْنَيَيْن بل ألطفهما موقعاً.
أنت رجكٌ لسانُك فوق عقلك وذكاؤك فوق حزمك. فقَدِّم على نفسك مَنْ قدمك على اللّه يعلم أنك ما خطرتَ ببالي في وقتٍ من الأوقات إلا مَثَّلَ الذكرُ منك لي محاسنَ تزيدني صبابةً إليك وضَنًّا بك واغتباطا بإخائك.
لعل الأيام أن تُسهِّل لأخيك السبيل إلى ما تقتضيه نفسُك من بِرك ومعَاوضتك ببعض ما سَلَف لك.
ما هذا الغباء العجيب الذي إلى جانبه فِطنةٌ لطيفة.
حكمُ الفَلَتات خِلافُ حكم الإصرار.
من أخطأ في ظاهر دنياه وفيما يُؤخذ بالعين، كان حَرِياً أن يخطئ في باطن دينه وفيما يؤخذ بالعقل.
ومن أوّل ما أحب أن أوثَرِك به وأقضِيَ فيه واجبَ حقك، تنبيهُكَ على عظيم ما لله عندك، وحَثُّك على الازدياد مما يَزيدك.
من كان بمثل موضعك فجُمِعَ له حمدُ إخوانه ورضا مُعامِليه والاستقصاءُ مع ذلك لمن استكفاه، فقد عَظُمت النعمةُ عليه، ولا أعلم بما أسمع فيك إلا أنك كذلك والحمد للّه.
ما أغنى الفقيرَ عن الحمد، وأحوجَه إلى ما يجد به طعمَ الحمد! قد حَسدك من لا ينام دون الشَفاء، وطلبك من لا يُقصِّر دون الظفر، فاشدُد حَيَازِيمَك وكن على حَذر.
أنت تَتَجَنى على مالك لتُتلفه بأسباب العِلَل، كما يدفع عنِ ماله البخيلُ بوجوه الاعتلال.
أنت طالبُ مَغْنَم، وأنا دافعِ مَغْرَم، فإن كنتَ شاكراً لما مَضى، فاعذرْ فيما بَقي.
مكرُك حاضر، ووفاؤك متأخر.
أنا راضٍ بعفوك، باذل لمجهودي.
نوائب الأيام رمَتْ به ناحيتك؛ وإذا رأيتَه أنبأك ظاهرُه عن باطنه ودعاك إلى محبّته قبوله، وهو في الأدب بحيث المستغنى عن النسب.
قد آن أن تَدَع ما تسمع لما تعلم وإلَّا يكون غيرُك فيما يُبلغك أوثَقَ من نفسك فيما تعرِفه.
هذا فلان قد أتاك على رِقَةٍ من حاله وبُعْدٍ من شُقَّته، فَنَشدْتُك الله أن تقدم شيئاً على تصديق ظنّه وسد خَلّته وبَلِّ ما يَبست هذه النكبةُ من أديمه، فإنه غَذِي نعمةٍ وخدينُ مُروعة.
أنا أسأل اللهّ أن يُنجز لي ما لم تزل الفِرَاسة تَعِدُنِيه فيك.
الحِّريةُ نسبٌ.
فهمت ما اعتذرتَ به في تأخرك، وغضضتَ به منى طَرْفاً طامحاً إليك ونفساً تَوّاقةً إلى قُرْبك.
وَصَلَ كتابك فكان موقعه مَوْقِعَ الروح من البَدَن. فإن أمير المؤمنين يحب ألا يَدَع سبيلاً من سُبُل البر وإن عَفَا ودَثَر إلا أناره وأوضح مَحَجًته، ولا خَلَّة من خلال الخير لا أولَ لها: اهتبل الفرصة في إنشائها، واختيار مَكرمة ابتدائها، لتجِبَ له مساهمةُ الفارِط في أجره ويكونَ أسوةَ الغابر في ثوابه.
لولا وجوبُ تقديم العذر لصاحب السلطان، في الذهول عن مواصلة من يجب عليه مواصلته، بما يستولي عليه من الشغل بعمله، إذاً لكَثُرَ العَتْبُ.
إنك لكل حسن أبليته، ومعروف أسديتَه، وجميل أتيتَه، وبَلَاءٍ كان لك
ربيتَه، أهلٌ في الدين والحَسَب القديم.
لك - أعزّك اللهّ - عندي أيادٍ تشفَعُ لي إلى محبّتك، ومعروف يُوجب عليك
الرب والإتمام.
بلغتني عِلّتك فنالني من ألمها، وغالني مما مسّك فيها حسبُ حقّك وما
يخُصّني من كل حالٍ تصرّفت بك.
أعتذر إليك من تأخر كتبي عنك بترامي النُّقلة وتقاذُف الغُرْبة وعدِم
الطمأنينة، فإني منذ شارقتُك كما قال القائل:
وكنتً قذَاة الأرض والأرض عينُها |
|
تُلَجْلج شخصي جانباً بعد جـانـبِ |
إني - أعزَك الله - على تشوّقك متزيد، فما أحاشِي بك أحداً، ولا أقف لك على
حسنةٍ بوماً إلا أنسَتْنِيها لك فَضْلةُ غده.
الحمد للّه الني جعل الأمير معقودَ النيّةِ بطاعته، مطويَ القلب على
مُناصحته، مشحوذَ السيفِ علىِ عدوّه؛ ثم وَهَب له الظفرَ، ودوّخ له البلاد،
وشرّد به العدو، وخصّه بشَرَف الفتوح العِظام شرقاَ وغرباً، وبرّاً وبحراً.
إلى الله أشكو شدّة الوحشة لغَيْبتك، وفَرْطَ الجَزَع من فِراقك، وظلمةَ الأيام بعدك؛ وأقول كما قال حبيب بن أوْس:
بَينَ البَيْنُ فقدَها قلّمـا تـع |
|
رفُ فقداً للشمس حتَى تَغِيَبا |
ورد كتابُك، فيا لَهُ وارداً بالرِّيَ على ذي ظَمَأ! ما أنقعه للغليل، وأعدَلَ شهادتَه لك بكرم العقد، وصدق الود وحُسن المغيب، ورعاية حق التحَرُّم، وبُعدِ الشيمة من شِيَم أهل الزمان إلا من عَصم اللّه، وقليلٌ ما هم، ولله أبواك لقد أوجداك.
قد أجل الله خَطَرَك عن الاعتذار، وأغناك في القول عن الاعتلال، وأوجب علينا أن نقنَعَ بما فعلتَ، ونرضى بما أتيت وَصَلْتَ أو قَطَعت، إذ وَثقنا بحُسن نيّتك ونَقَاء طونتك، وألزِمنا أن نأخذ أنفسَنا لك بما لا نُحمِّلك مثله، ولا نلتمس منك مقابلة به.
ما أخْر كتبي عنك إلا ما أنا عليه من إيثار التخفيف بقطع الكتب، إلا عند حقٍّ يقع فأقضيه، أو نعمةٍ تُحدث فأهنيه بها، والقصدِ للزيادة في البِرّ بالزيادة في الغيب، واستدعاءِ دوام الوِداد بانتهاز فُرَص الوصل.
كتاب المؤلف إلى محمد بن عبد اللّه بن طاهر وكتبتُ إلى محمد بن عبد الله بن طاهر: أمّا شكري للأمير على سالف معروفه فقد غَارَ وأنجد. وأمّا ابتهالي إلى الله في جزائه عني بالحُسْنَى فإخلاص النيّة عند مَظَانّ القَبول. وأمّا أملي فأحياه على بُعد العهد بلاؤه عندي، كان ما تقدّم منه شافعاً في المزيد، وفسحةُ وعدِه إياي عند مفارقتي له، إذ كان مؤذناً بالإنجاز. وأمّا زَلَلي في التأخُّر عما أوجب الله عليّ له، فمقرونٌ بالعقوبة فيما حُرِمته من عز رِياسته، ونَباهة صُحبته، وعلو الدرجة به، وإن كنتُ سائرَ أيام انقطاعي عنه مُعتلقاً بسبب لا خيارَ معه. مكاتبتك - أعزّك اللّه - وأنا مُجاورُك ببلدٍ عون السعي إليك مُجِلاًّ لقدرك مما أكْبِر. لاقِيك بكتابي هذا فلان، وله عليّ حقّان: حقٌّ عمّ المسلمين فلزمني بلزومه لهم، وحق خصّني بالحُرْمة والعِشرا فرأيَكَ في كذا إن سَهُل السبيلُ إلى ذلك ورَحُب، وإن يَعُقْ عائق فلستَ على جميل رأيٍ عندي بمُتَّهَم.
لمتفضِّل أن يُخصّ بفضله من يشاء؛ والله الحمدُ ثم له فيما أعطى، ولا حجّةَ عليه فيما منع مُستعفِي السلطانِ أحدُ ثلاثةٍ: رجلٌ آثر اللَهّ وما عنده، وأسأل اللّه توفيقَه؛ ورجلٌ عَجَز عن عمله فخاف بعجزه عواقبَ تقصيره، وأستعينُ اللّه؛ ورجلٌ سَمَتْ به نفسه عن قليل هو فيه إلى كثير أمّله. وأعوذُ بالله من أن أدَنَس نعمةَ اللّه بك عليّ وعلى سَلَفي قبلي بالتصدَي لمن لا يُشبه دهرُه يومَك، ولا أكثرُ جهده في المعروف أقل عَفْوِك.
كن كيف شئتَ، فإنِّي واحدُ أمري خالصة سَرِيرتي، أرى ببقائك بقاء سُروري، وبتمام النعمة عليك تمامها عندي، فإنه ليس من نعمة يُجددها الله لأمير المؤمنين في نفسه خاصّةً اتصلتْ برعيته عامّة، وشَمِلْت المسلمين كافّة، وعَظُم بلاءُ اللّه عندهم فيها، ووجب عليهم شكره عليها؛ لأن الله جعل بنعمته تمامَ نعمتهم، وبسلامته هدوءَهم واستقامتَهم، وبتدبيره صلاح أمورهم وأمنهم، وبذَبِّه عن دينهم حفظ حريمهم، وبحياطته حَقْن عمائهم وأمْنَ سُبُلهم وبِرِعْيَته اتساقَهم وانتظامَهم؛ فأطال الله بقاء أمير المؤمنين مُؤَيداً بالنصر، مُعَزاً بالتمكين، موصى الطلب بالظفر، ومدّةِ البقاء بالنعيم المقيم.
فهمتُ كتابك ولم تَعْدُ في وعدك ووعيدك سبيلَ الراغبِ في رَبّ عارفته، المحامي على سالف بَلَائه، المُؤثْرِ لاستتمام صَنيعته. وإني لأرجو أن أكون على غاية ما عليه ذُو منِيةٍ حسنةٍ شكر مُصطنعه، وعناية بأداء ما يلزَمُه لولي نعمته، ومراقبةٍ لرئيسه في سرٌ أمره وعَلَانِيته، وإيثار للقليل من جميل رأيه على كثيرِ المنافع مع سَخَطه. وليس مذهبي فيما أشرحه من العذر وأطيل بذكره الكتب، مذهبَ من يموه بالاحتجاج ويَحتالُ في الاعتذار، ومَنْ تُطْعمه نفسه في سلامة النعمة مع فساد النيِّة، وفي محمود العاقبة مع شَرَهِ النفس، وفي زيادة الحال مع التفريطِ في العمل. ولو كنتُ ممن سوّلتْ له نفسه ذلك سائرَ دهره، لقد وجب إلى أن يَضطرّني إلى النزوع عنه تأديبُك وتقويمك، وإني لمجتهدٌ أن يكون أثرُ فعلي هي المخبر عني عون قولي، وأن يكون ما أمُتّ به إليك ظاهرَ كِفايتي دون ذِمَامي.
لولا ما أنا بسبيله من العمل، وما في الإخلال به من تعريضه للانتشار ودخول الخَلَل، وعلمي بأن طاعةَ السلطان مقرونة بطاعة الأمير، وأنه لا فرقَ عنده بين الجاني على السلطان وعليه، لكنتُ الجوابَ راجلاً معظماً لأمره، مُكبِراً لسُخْطه؛ وإن كان الله قد جعل عند الأمير من إيثار الحق والعمل به، وتقديم الرويّة قبل الإيقاع، والاستئناء بمن وَضَح ذنبه وظهر جُرمه عون من وقعتْ الشبهةُ في أمره، ما أمّنني بادرةَ غَضَبه ونازلَ سَطْوته.
لم أكن أحسِبَني أحًلّ عندك محلَّ مَنْ جَهِل حظًه، وعَدم تمييزَه، وغَبِي عَمّا عليه وعمّا له، إذ توهمتَ عليّ أنّي أبيع خطيراً من رضاك، ونفيساً من رَأيك، وشرفاً باقياً على الأيام بطاعتك، وعُدّةً للنوائب أستظهر بها من نصرتك، بالثمن البخس الحقير من كذا، أو أن أستبدلَ بما أنا ذو فاقة إليه من عز كَنَفك ومنيع فَرَاك، ما قد وهب الله الغنيَ عنده بحمده.
كان ورودك وشخوصُك في وقتين انطويا عني، وكان مُقامك في حالِ شغلٍ منك ومني، ولذلك فقدْتَني في القاضِين لحقك والمثابرين على لقائك.
وَرَدَ كتابك مضمَناً من بِرّك وتَطَوُلك ما حسّن شكري، وأثقل ظهري، وأرْتج عن مضاهاتك بمثله قولي؛ فذكرت به - إذ تحيّرت عون تأمُّله، وضَعُفتُ عن تحمُّله، وعَجَزت عن الشكر عليه عند تمحّله - قولَ القائل:
أنت امرؤ أوليتَنـي نِـعـمـاً |
|
أوهَتْ قُوَى شكري فقد ضعُفا |
لا تُـحـدِثَـنّ إلـي عـارفةً |
|
حتّى أقومَ بشكر ما سَـلَـفـا |