الكتاب السادس: كتاب الزهد - الكبر والمشيب

الكِبَر والمشيب

للنبى صلى الله عليه وسلم حدثني أبو الخطاب قال: حدّثنا أبو داود عن عبد الجليل بن عطية عن شَهْر بن حَوْشَب عن عمرو بن عَنْبَسَة قال: سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "مَنْ شابَ شَيبةً في الإسلام كانت له نوراً يومَ القيامة ما لم يَخضبْها أو يَنتِفْها".

في الكِبَر أبو حاتم عن الأصمعي عن شيخ من بني فَزارة قال: مررتُ بالبادية وإذا شيخٌ قاعد على شفِيرِ قبرٍ، وإذا في القبور رجالٌ كأنهم الرماحُ يدفِنُون رجُلاً والشيخُ يقول:

احثُوا على الدَيسَم من بَرْد الثرى

 

قِدْماً أبَى ربك إلا مـا تَـرَى

فقلت له: مَن الميتُ فقال: إبني. فقلت له: مَن الذين يَدفِنونه قال: بنوه.

بين يونس بن حبيب ورجل حدثنا أبو عبد الرحمن قال: دخل يونس بن حبيب المسجدَ يُهادى بين اثنين من الكبر فقال له رجلٌ كان يَتَّهِمه على مودّته: بلغتَ ما أرى يا أبا عبد الرحمن قال: هو ما تَرَى فلا بَلَغْتَه. ونحوه قولُ الشاعر:

يا عائبَ الشيبِ لا بَلَغْتَه

من الزبور ويقال في الزبور: "من بلغ السبعينَ اشتكَى من غير عِلة".

لمحمد بن حسان النبطي وقال محمد بن حسّان النبطِي: لا تسأل نفسَك العامَ ما أعطتك في العام الماضي.

لضرار بن عمرو الضبّيّ رأى ضرار بن عمرو الضبيّ له ثلاثةَ عشر ذكراً قد بلغوا فقال: من سرّه بنوه ساءته نفسه شعر لابن أبي فنن قال ابن أبي فَنَنٍ:

من عاش أخلقت الأيام جِدّتَه

 

وخانه الثِّقتانِ السمعُ والبصرُ

قالت عَهِدتُك مجنوناً فقلت لها

 

إن الشبابَ جنونٌ برؤه الكِبَرُ

لشيخ معمّر أبوعبيدة قال: قيل لشيخ: ما بَقِي منك قال: يسبِقُني مَنْ بين يدَي، ويُدرِكني خلفي، وأنسى الحديثَ، وأذكر القديمَ، وأنعُسُ في الملا، وأسهَرُ في الخلا، وإذا قمتُ قربت الأرضُ منّي، وإذا قعدتُ تباعدتْ عني.

لشاعر في الكِبر قال الشاعر:

قالت عَهِدتك مجنوناً فقلتُ لها

 

إن الشبابَ جنون برؤه الكِبرُ

بين عبد الملك بن مروان والعريان بن الهيثم

قال عبد الملك بن مروان للعُريان بن الهَيثم: كيف تَجدك قال: أجِدُني قد ابيض مني ما كنتُ أحب أن يسود، واسودّ منّي ما كنتُ أحبّ أن يبيَضّ واشتدّ منّي ما أحب أن يلين ولان ما أحِبّ .

شعر لحميد بن ثور، وغيره وقال حميد بن ثور:

أرى بصري قد رابني بعد صحّة

 

وحَسْبُك داءً أن تصِح وتَسلمـا

وقال الكميتُ:

لا تَغبط المـرءَ أن يُقـالَ لـه

 

أمسى فلانٌ لِسِنَـه حَـكَـمـا

إن سرهَ طولُ عمره فلقد أضحَى

 

على الوجه طولُ ما سَـلـمـا

للنًمر بن تَوْلب:

يَود الفتى طولَ السلامة والغنَى

 

فكيف تُرى طولَ السلامةِ يَفعَلُ

وقال آخر:

كانت قناتي لا تَلينُ لغـامـز

 

فألانها الإصباحُ والإمسـاءُ

ودعوتُ ربي بالسلامة جاهداً

 

ليُصِحنِي فإذا السّـلامةُ داءُ

وقال أبو العتاهية:

أسرعَ في نقص امرىءٍ تمامُهُ

وقال عبد الحميد الكاتب:

ترحل ما ليس بالـقـافـل

 

وأعقب ما لـيس بـالآئِل

فلهفي من الخلَف النـازل

 

ولهفي على السلف الراحل

أبكَي على ذا وأبكـي لـذا

 

بكاءَ المولًـهة الـثـاكـل

تُبَكَي من ابن لها قـاطـعٍ

 

وتَبْكي على ابن لها واصل

تقضت غَواياتُ لسُكر الصبا

 

وردً التَقَى عَنَدَ البـاطـل

كتاب الحجاج إلى قتيبة بن مسلم وشعر للحجاج بن يوسف التيمي محمد بن سلاّم الجُمحِيّ عن عبد القاهر بن السري قال: كتب الحجاج إلى قتيبة مسلم: إني نظرتُ في سنَك فوجدتُك لِدَتي وقد بلغت الخمسين وإن امرأً سار إلى خمسين عاماً لقريب منه. فسمع به الحجاج بن يوسف التيمي فقال:

إذا كانت السبعون سِنك لـم يكـن

 

لدائك إلا أن تـمـوت طـبـيبُ

وإن امرأً قد سار سبعـين حِـجة

 

إلى منهل مـن وِرْده لـقـريبُ

إذا ما خلوتَ الدهر يوماً فلا تقـل

 

خلوتُ ولكن قل عـلـي رقـيبُ

إذا ما انقضى القَرْن الذي أنت منهُم

 

وخُلفتَ في قَرْنٍ فأنـت غـريبُ

شعرللبيد وقال لبيد:

أليس ورائي إن تراخت منـيتـي

 

لزومُ العصا تُحنَى عليها الأصابعُ

أخبر أخبارَ القرونِ التي مضـت

 

أدِب كأني كلما قـمـتُ راكـعُ

مثله لآخر وقال آخر في مثله:

حنتني حانيات الدهر حتْى

 

كأني خَاتِلٌ يدنو لصـيد

لرجل من الحكماء وشعر لبعضهم وقيل لرجل مِن الحكماء: ما لك تُدْمِنُ إمساكَ العصا ولستَ بكبيرٍ ولا مريض. فقال: لأذكرَ أني مسافر.

قال الشاعر:

حملتُ العصا لا الضعفُ أوجبَ حملَها

 

علي ولا أني تحنـيتُ مِـن كِـبَـرْ

ولكنني ألزمتُ نفسـيَ حـمـلـهـا

 

لأعلِمَها أن المقيمَ عـلـى سَـفَـرْ

بين شيخ من العرب وغلام ومرَّ شيخ من العرب بغلامٍ فقال له الغلام: أحْصَدْتَ يا عمّاه فقال: يا بنيّ وتُحتَصَدون .
موعظة للحسن قال الحسنُ في موعظة له: يا معشر الشيوخ، الزرعُ إذا بلغ ما يُصنَع به. قالوا: يُحصد.

يا معشر الشباب كم من زرع لم يبلغ أدركته آفةٌ. قال الشاعر:

الدّهر أبلاني وما أبلـيتُـه

 

والدهرُ غيّرني وما يَتَغـيرُ

والدّهر قيّدني بخيطٍ مبـرَمٍ

 

فمشيتُ فيه وكلّ يومٍ يَقصُرً

لعمارة بن عقيل وقال عُمَارة بن عَقِيل:

وأدركتُ مِلءَ الأرض ناساً فأصبحوا

 

كأهل الديار قوَضوا فتحـمًـلـوا

وما نحن إلا رُفقةَ قـد تـرحَـلـت

 

وأخرَى تُقَضَي حاجَهـا وتَـرَحَـلً

لأعرابي يذكر الشيب ذكر أعرابي الشيبَ فقال: واللّه لقد كنتُ انكر الشعرةَ البيضاء فقد صرتُ أنكر السوداء، فيا خير بَدَلٍ ويا شرَّ مبدول.

لبعض الشعراء في الشيب وقال بعض الشعراء:

شاب رأسي وما رأيتُ مشيبَ ال

 

رأس إلا من فضل شَيب الفؤادِ

وكذاك القلوب في كـل بـؤسٍ

 

ونـعـيمٍ طـلائعُ الأجـسـادِ

طال إنكاريَ البياضَ فـإن عُـم

 

رت شيئاً أنكرتُ لونَ السـوادِ

لإياس بن قتادة في الشيب رأى إياس بن قَتادة شَعرة بيضاءَ في لحيته، فقال: أرى الموتَ يطلبني وأراني لا أفوته، أعِوذ بك يا ربّ من فُجَاءاتِ الأمور، يا بني سعد قد وهبت لكم شبابي فهبوا لي شيبتي، ولزم بيته.

أقوال في الشيب قال قيس بن عاصم: الشيب خِطام المنية.

قال آخر: الشيبُ بريدُ الحِمام.

قال آخر: الشيب تَوْأم الموت.

قال آخر: الشيب تاريخ الموت.

قال آخر: الشيب أوّل مراحل الموت.

قال آخر: الشَّيب تمهيد الحمام.

قال آخر: الشيب عنوان الكِبَر.

قال عَبِيدُ بن الأبرص:

والشَّيْبُ شينٌ لمن يشيب

ويقال: شَيْب الشَعرَ موتُ الشَّعَر، وموتُ الشعَرِ عِلَّةُ موتِ البشر.

قال الشاعر:

وكان الشباب الغضُ لي فيه لذةٌ

 

فوقَّرني عنه المشـيبُ وأدبـا

فسَقْياً ورَعياً للشبابِ الذي مضى

 

وأهلاً وسهلاً بالمشيب ومرحبَا

وقال أعرابي - ويقال هي لأبي دُلَفَ:

في كـل يوم مـن الأيام نـابــتةٌ

 

كأنما نبتَتْ فيه علـى بَـصَـري

لئن قَرَضتكِ بالمقراض عن بصري

 

لما قرضتُكِ عن همَي ولا فِكَري

وقال أعرابيّ:

أرَى الشيبَ مذ جاوزتُ خمسين دائباً

 

يَدِت دبيبَ الصبح في غَسَق الظلَمْ

هو السـم إلا أنـه غـيرُ مُـؤلـمٍ

 

ولم أر مثلَ الشيب سُماً بـلا ألَـمْ

 

وقال آخر:

قَصَرالحوادِثُ خطوَه فـتـدانَـى

 

وحَنَيْنَ صدرَ قَناتِه فـتـحَـانَـى

صحِبَ الزمانَ على اختلاف فُنُونه

 

فأراه مـنـه شِـدة ولَـيَانَــا

ما بالُ شيخٍ قدتـخـدد لـحـمُـه

 

أنضَى ثلاثَ عـمـائم ألـوانَـا

سوداءَ داجية وسَحـقَ مُـفَـوفٍ

 

وأجد أخرى بعد ذاك هِـجَـانَـا

ثم الممـاتُ وراء ذلـك كـلَـهِ

 

وكأنما يُعْـنَـى بـذاك سِـوانَـا

وقال آخر يذكر الشبابَ:

لما مضى ظاعِناً عنـا فـودعـنـا

 

وكان كالميْتِ لم يترك له عَـقِـبَـا

عُدنا إلى حالة لا نستـطـيعُ لـهـا

 

وصلَ الغَوانِي وعابَ الشيبَ مَنْ لَعِبا

شعر لمحمود الوراق وقال محمود الوراق:

بكيتُ لقُرب الأجلْ

 

وبُعْدِ فوات الأملْ

 

ووافدِ شيب طـرا

 

بعُقْب شباب رَحَلْ

 

شبَاب كأن لم يكـن

 

وشيب كأن لًم يَزَلْ

 

طَوَاكَ بشيرُ البـقـا

 

وجاء بشيرُ الأجَـلْ

طَوَى صاحب صاحباً

 

كذاك انتقال الـدوَلْ

           

لأبي الأسود يذم الشباب وقال أبو الأسود يذم الشبابَ:

غدا منك أسبابُ الشبابِ فأسرعا

 

وكان كجارٍ بان يوماً فـودعَـا

فقلت له فاذهَبْ ذميماً فليتَـنِـي

 

قتلتُك عِلماً قبل أن تتصـدعَـا

جنيتَ علي الذنبَ ثم خذلتَـنـي

 

عليه فبئسَ الخلتانِ هُمَا مـعَـا

وكنتَ سَراباً ما ضَحَا إذ تركتَني

 

رَهِينةَ ما أجني من الشر أجمعَا

وقال آخر:

استنكرتْ شيبي فقلتُ لـهـا

 

ليس المشيب بناقص عُمْرِي

وتَنفَسَتْ بي هِمة وصـلَـتْ

 

أملي بكل رفيعةِ الـذَكـر

لعمر بن الخطاب في الخضاب روى عبد الله بن حَفْص الطاحِي عن زكريا بن يحيى بن نافع الأزدي عن أبيه أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: اخْضِبُوا بالسواد، فإنه أنْسٌ للنساء وهَيبةٌ للعدو.

شعر لعمر بن المبارك الخزاعي قال عمرُ بن المبارك الخزاعي:

مَنْ لاِذنِـي بـمَـلام

 

ولكَـفـي بـمُـدَام

عَقَّ عظمُ الجْهل مني

 

وانثنَى شَن عُرَامي

وتمشى الفَذ من شَي

 

بي إلى الشَيب التؤام

نَظْمَكَ الذر إلى الدرة

 

في سِلكِ النَـظـاَم

شعر لأبي العتاهية وقال أبو العتاهيةِ:

نعَى لك ظل الشبابِ المشـيب

 

ونادتْك باسم سِواك الخطُـوبُ

فكن مُستعداً لداعي المـنـون

 

فكل الذنىِ هـو أت قَـرِيبُ

وقبلكَ داوَى المريضَ الطبيبُ

 

فعاشَ المريضُ ومات الطبيبُ

يَخافُ على نفسه مَـنْ يتـوبُ

 

فكيف ترى حال مَن لا يتوبُ

ليونس بن حبيب محمد بن سلام قال: سمعتُ يونسَ بن حبيب يقول: لا يأمنُ مَنْ قطع في خمسةِ دراهم خيرَ عُضوٍ منك أن يكون عقابه هكذا غداً.