الدنيا
للنبي صلى الله عليه وسلم حدّثني أبو مسعود الدارمي قال: حدّثنيِ جدّي خِراش عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "مَنْ أصبحت الدنيا همه وسدمه نزَع اللهّ الغِنَى من قلبه، وصير الفقَر بين عينيه ولم يأته من الدنيا إلا ما كُتبَ له، ومن أصبحتِ الآخرةُ همَّه وسدمه نزعَ اللُه الفقرَ من قلبه وصَير الغِنَى بين عينيه وأتته الدنيا وهي راغِمة".
بين النبي صلى الله عليه وسلم والضحّاك بن سفيان حدّثني محمد بن داود قال: حدّثنا أبو الربيع عن حمّاد عن علي بن زيد عن الحسن أن النبي صلى الله عليه وسلم قال للضحّاك بن سفيان: "ما طعَامكَ " قال: اللحمُ واللبنُ. قال: "ثم يصير إلىِ ماذا". قال: ثم يصيرُ إلى ما قد عَلمتَ. قال: "فإنّ اللهّ ضربَ ما يخرجُ من ابن آدم مثلاَ للدنيا".
لبشير بن كعب في الدنيا قال: وكان بشيرُ بنُ كعبٍ يقول لأصحابه إذا فرغ من حديثه: انطلقوا حتى أرِيَكم الدنيا. فيجيءُ فيقفُ بهم على السُّوقِ، وهي يومئذ مَزْبَلَةٌ، فيقول: أنظروا إلى عَسَلهم وسَمْنِهم وإلى دجَاجهم وبطهم صار إلى ما تَروْن.
للنبي صلى الله عليه وسلم حدّثني هارون بن موسى قال: حدثنا محمد بن سعيد القُزويني عن عمرو بن أبي قيس عن هارون بن عنترة عن عمرو بن مرة قال: سُئلَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم عن قول اللّه: "فَمَنْ يُرِدِ الله أنْ يهِديَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلإسْلاَم" فقال: "إذا دخل النورُ القلبَ وانفسحَ شُرِح لذلك الصدرُ"، قالوا: يا نبيّ الله هل لذلكَ آَيةٌ يُعرَفُ بها قال: "نعم الإنابَةُ إلى دار الخلود والتَجافِي عن دار الغرور والاستعدادُ للموت قبل نُزول الموتِ".
لوهب بن منبه
بلغني عن العُتبي عن حبيب العَدوي عن وهب بن منبه قال: رأينا ورقةً يَهفُو بها الريحُ تأرسلْنا بعضَ الفِتيانِ فأتانا لها فإذا فيها: الدنيا دار لا يُسلَمُ منها إلا فيها، ما أخذَ أهلُها منها لها خرجوا منه ثم حُوسِبوا به، وما أخَذَ منها أهلُها لغيرها خرجوا منه ثم أقاموا فيه، وكأن قوماً من أهل الدنيا ليسوا من أهلها،، هم فيها كمن ليس فيها، عمِلوا بما يُبصِرون وبادَرُوا ما يحذَرون، تتقلّبُ أجسادُهم بين ظهَرانَيْ أهل الدنيا، وتتقلّبُ قلوبهم بين ظهرانَيْ أهل الآخرة، يَروْن الناس يُعظّمون وفاةَ أجسامهم وهم أشدُ تعظيماً لموت قلوب أحيائهم. فسألت عن الكلام فلم أجد يعرفه.
للمسيح عليه السلام وقال المسيح عليه السلام: الدنيا قنطرةٌ فاعبُرُوها ولا تعمُرُوها.
ما أوحى به اللّه تعالى إلى الدنيا وفي بعض الكتب: أن اللّه تعالى أوحى إلى الدنيا: "مَنْ خَدمَني فاخدُمِيه، ومَنْ خَدَمك فاستخْدِميه.
لبعض العابدين يذكر الدنيا قال بعضُ العابدين يَذكُر الدنيا:
لقد غَرت الدنيا رجالاً فأصبحوا |
|
بمنزلةٍ ما بعدها مُـتـحَـوًلُ |
فساخِطُ أمرٍ لا يُبَـدَلُ غـيرَه |
|
وراض بأمرٍ غيرَه سَـيُبـدَل |
وبالغُ أمرٍ كـان يأمُـلُ دونـه |
|
ومختَلَجٌ من دون ما كان يأمُلُ |
وقال آخرُ يذكر الدنيا:
حُتوفُها رَصَد وعيشُها رَنق |
|
وكَرُّها نَكدٌ ومُلْكُهَا عُوَلُ |
وقال آخر:
نراعُ لذكر الموت ساعةَ ذكره |
|
وتَعْتَرِض الدنيا فنلهو ونلعـبُ |
ونحن بنو الدنيا خُلِقنا لغـيرهـا |
|
وما كنتَ منه فهو شيء مُحبًبُ |
ليحيى بن خالد وقال يحيى بن خالد: دخلنا في الدنيا دُخولاً أخرجَنَا منها.
لعلي بن أبي طالب في يصف الدنيا ذم رجلٌ الدنيا عند على بن أبى طالب رضى الله عنه، فقال علي عليه السلام: الدنيا دار صِدقٍ لمن صَدّقها، ودارُ نَجاة لمن فَهِم عنها، ودارُ غِنًى لمن تَزود منها، مَهْبِطُ وحي الله، ومصلَى ملائكته، ومَسجِدُ أنبيائه، ومَتْجَرُ أوليائه، رَبِحُوا منها الرحمَةَ واحْتسَبُوا فيها الجنةَ؛ فمن ذا يذمها وقد آذَنَتْ ببينها ونادَتْ بفِراقها وشَبهَتْ بسرُورها السّرورَ وببلائها البلاءَ ترغيباً وترهيباً؛ فيا أيها الذامُّ الدنيا المعلّلُ نفسَه، متى خَدَعَتْك الدنيا أم متى استذمت إليكَ أبمصارع آبائك في البِلَى أم بمضاجع أمهاتك في الثرى كم مَرضتَ بيديك، وعًللتَ بكفّيك، تطلبُ له لشفاء، وتستوصفُ له الأطباءَ، غداة لا يُغني عنه دواؤك، ولا ينفعك بكاؤك.
شعر لإبراهيم بن أدهم العجلي كان إبراهيم بن أدهم العِجلي يقول:
نُرَقَع دنيانا بتَمزِيق دينـنـا |
|
فلا ديننا يبقَى ولا ما نُرَقَعُ |
لأبي حازم في الدنيا قال أبو حازم: وما الدنيا أما ما مضى فحُلْمٌ وأما ما بقي فَأمانيٌ.
لسفيان فيما أوحى به الله لنبي من أنبيائه قال سفيانُ: أوحى اللّه تعالى إلى نبيّ من الأنبياء "اتخِذِ الدنيا ظِئْراً والآخرَة أماً".
للشعبي قال الشعبيّ: ما أعلمُ لنا وللدنيا مَثلاً إلا ما قال كُثَيِّرٌ:
أسيئي بنا أو أحسِني لا مَلُومَة |
|
لَدَيْنَا ولا مَقليةٌ إن تَقـلًـتِ |
لبكر بن عبد اللّه قال بكر بن عبد الله: المستغني عن الدنيا بالدنيا كالمطفئ النارَ بالتِّبْنِ.
لابن مسعود قال ابن مسعود: الدنيا كلّها غمومٌ، فما كان فيها مِن سرورٍ فهو ربح.
لمحمد بن الحنفية قال محمد بن الحنفية: مَنْ كَرُمَتْ عليه نفسُه هانت عليه الدنيا.
في الدنيا والآخرة وقال بعضُ الحكماء: مَثَلُ الدنيا والآخرةِ مَثَلُ رجل له ضَرتان إن أرضى إحداهما أسخط الأخرى.
قال سفيان: ترك لكم الملوكُ الحكمةَ فَاترُكوا لهم الدنيا.
وقال آخر: إن الدنيا قد استودَقَتْ وأنعظَ الناسُ.
قال وُهَيبُ بن الورد: مَنْ أرادَ الدنيا فَلْيتهيأ للذل.
قيل لمحمد بن واسع: إنك لَترضَى بالدون؛ فقال: إنما رِضيَ بالدُونِ مَنْ رضي بالدنيا.
قيل لعليّ بن الحسين: مَنْ أعظمُ الناس خَطَراً. فقال: مَنْ لم ير الدنيا خطَراً لنفسه.
كان يقال: لأنْ تُطلَبَ الدنيا بأقبح ما تُطلَبُ به الدنيا أحسنُ مِنْ أن تُطلَبَ بأحسنِ ما تُطلَبُ به الآخرة.
قالتِ امرأةٌ لبعلها ورأته مهموماً: مم هَمكَ أبالدنيا فقد فرغ الله منها أم بالاخرة فزادك الله هماً.
للمسيح في حب الدنيا الثوري قال: قال المسيحُ: حبُ الدنيا أصلُ كلً خطيئةٍ والمالُ فيها داءٌ كثير؛ قيل: ما داؤه قال: لا يَسلمُ صاحبه من الفخر والكبر؛ قيل: وإن سَلم قال: يَشْغَلُه إصلاحُه عن ذكر الله.
لبأي الدرداء يخاطب أهل حمص بلغني عن محمد بن فُضَيل قال: حدّثنا عبد الله بن عبد الرحمن عن سالم بن أبي الجعد عن أبي الدرداء قال: يا أهل حِمْصَ، ما لي أراكم تجمعونَ كثيراً، وتبنُونَ شَديداً، وتأمُلُون بعيداً إن مَنْ قبلكم جمعوا كثيراً وبَنَوْا شديداً وأمَلوا بعيداً فصار جمعهم بُوراً وصارتْ مساكنُهم قبوراً وأملُهم غُروراً. وفي رواية أخرى: يا أهل دمشق، ما لكم تجمعون ما لا تأكلون، وتبنون ما لا تسكنون، وتأمُلُون ما لا تدركون ألا إن عاداً وثمودَ كانوا قد ملأوا ما بين بُصَرى وعَدَن أموالاً وأولاداً ونَعَماً، فمنْ يَشتَرِي مِني ما تركوا بدرهمين لعبد الواحد بن الخطاب بلغني عن داود بن المحبر عن عبد الواحد بن الخطّاب قال: أقبلنَا قافلين من بلاد الروم نُريدُ البصرةَ، حتى إذا كنا بين الرصَافة وحمص سمعنا صائحاً يصيحً من بين تلك الرمال - سَمِعته الاذانُ ولم تَرَهُ العيون - يقول: يا مستورُ يا محفوظُ أعْقِلْ في سِتْر مَنْ أنتَ فإن كنتَ لا تعقِلُ مَنْ أنتَ فيِ ستْره فاتقِ الدنيا فإنها حِمَى الله؛ فإن كنتَ لا تعقِلُ كيف تتًقِيها فَصَيرْها شوكاً ثم انظر أين تضعُ قدميكَ منها.
للمأمون وشعر لأبي النواس في الدنيا قال المأمون: لو سُئِلَت الدنيا عن نفسها ما أحسَنَتْ أن تصفَ نفسَها صِفَةَ أبي نُواسٍ في هذا البيت:
إذا اختَبَر الدنيا لَبِيب تكشَّفَتْ |
|
له عن عَدو في ثياب صَدِيقِ |
للمسيح عليه السلام قال المسيحُ عليه السلام: أنا الذي كَفَفتُ الدنيا على وجهها، فليسَتْ لي زوجة تموتُ ولا بيتٌ يَخرَبُ.
شعر لأبي العتاهية قال أبو العتاهية:
يا مَنْ ترفَّعَ للدُنـيا وزِينـتـهـا |
|
ليس الترفُّع رفعَ الطين بالطينِ |
إذا أردت شريفَ الناس كُلَـهِـم |
|
فانظُر إلى مَلِكٍ في زِيَ مِسكينِ |
شعر لآخر في الدنيا وقال آخر وذكر الدنيا:
إذا تَم أمر دنا نقصُـه |
|
توَقَعْ زوالاً إذا قيل تَم |
وقال آخر:
لا تَبْكِ للدنيا ولا أهـلِـهـا |
|
وابِك ليوم تسكُنُ الحـافـرهْ |
وابْكِ إذا صِيحَ بأهل الثـرى |
|
فاجتمَعوا فيً ساحة الساهِرَهْ |
ويلك يا دنيا لقد قـصـرت |
|
آمال من يسكنـك الآخـرة |
مقامات الزهاد عند الخلفاء والملوك
مقام صالح بن عبد الجليل بين يدي المهديّ
قام فقال: إنه لما سَهُلَ علينا ما توعَرَ علىِ غيرنا من الوصول إليك، قُمنا مَقَامَ الأداء عنهم وعن رسول اللة صلى الله عليه وسلم بإظهار ما في أعناقنا من فريضةِ الأمر والنهي عند انقطاع عُذر الكِتمان ولا سَيما حين اتسَمْتَ بِمَيسَم التواضع ووَعَدتَ الله وحَمَلَةَ كتابه إيثار الحق على ما سواه، فجمعنَا وإياكَ مَشْهد من مشاهد التمحيص لِيُتَمَ مُؤَدينا على موعود الأداء وقابِلُنَا على موعود القبول، أو يَزيدنا تَمحِيصُ الله إيانا في اختلاف السر والعلانية، ويُحَلَينا حِليةَ الكذابين، فقد كان أصحاب رسول اللّه صلى الله عليه وسلم يقولون: مَنْ حجب اللُه عنه العلم عذبه على الجهل، وأشَدُّ منه عذاباً مَنْ أقبل إليه العلمُ وأدبرَ عنه، ومن أهدى الله إليه علماً فلم يعمَل به فقد رَغِبَ عن هديه الله وقصَر بها، فأقبل ما أهدَى الله إليكَ من ألسنتنا قبولَ تحقيقٍ وعمل لا قبولَ سمعةٍ ورياءٍ فإنه لا يعلَمك منَا إعلامٌ لما تَجهَلُ أو مواطأةٌ على ما تعلمُ أو تذكيرٌ من غفلةَ؛ فقد وطًنَ اللّه عز وجل نبيه عليه السلام على نزولها تعزية عما فات وتحصيناً من التمادي ودلالةً على المخرَج فقال: "وإما يَنْزَغنك مِن الشَيْطَانِ نَزْغٌ فاسْتَعِذْ بِاللّه" فأطْلِع الله على قلبكَ بما يُنَوٌرهُ من إيثار الحق ومًنَابذةِ الأهواء. ولا حول ولا قوة إلا بالله.
مقام رجل من الزهّاد بين يدي المنصور
بينما المنصورُ يطوفُ ليلاً إذ سمع قائلاً يقول: اللَهم إني أشكو إليكَ ظهورٍ البغي والفساد في الأرض وما يحولُ بين الحق وأهله من الطمع. فخرج المنصورُ فجلس ناحية من المسجد وأرسل إلى الرجل يدعوه، فصلى الرجلُ ركعتين واستلَم الركنَ وأقبل مع الرسول فسلم عليه بالخلافة، فقال المنصورُ: ما الذي سمعتُكَ تذكُر من ظهور البغي والفساد في الأرض وما يحول بينِ الحق وأهله من الطمع فوالله لقد حَشَوْتَ مَسَامِعي ما أرمَضَنِي، قال: يا أمير المؤمنين إن أمنتني على نفسي أنبأتُك بالأمور من أصولها، وإلا احتجزتُ منكَ واقتصرتُ على نفسي ففيها لي شاغِل. فقال: أنتَ آمنُ على نفسك فقل فقال: إن النبي دخله الطمعُ حتى حال بينه وبين ما ظهر من البغي والفساد لأنتَ. قال: ويحك وكيف يدخلُني الطمعُ والصفراءُ والببضاءُ في قبضتي والحلو والحامض عندي قال: وهل دخل أحد من الطمع ما دخلكَ إن الله تبارك وتعالى استرعاك المسلمينَ وأموالَهم فأغفلتَ أمورهم واهتممتَ بجمع أموالِهم، وجعلتَ بينك وبينهم حجاباً من الجص والآجُر وأبواباً من الحديد وحَجَبَةً معهم السلاحُ ثم سجنتَ نفسَكَ فيها عنهم، وبعثتَ عُمَالَكَ في جباية الأموال وجمعها وقويتَهم بالرجال والسلاح والكراع، وأمرتَ بألا يدخُلَ عليك من الناس إلا فلانٌ وفلان نفر سميتَهم، ولم تأمر بإيصال المظلوم ولا الملهوف ولا الجائع العاري ولا الضعيفِ الفقير، ولا أحدٌ إلا وله في هذا المال حق، فلما رآك هؤلاء النفر الذين استخلصتَهم لنفسك وآثرتَهم على رعيتكَ وأمرتَ ألا يُحجَبُوا عنك، تَجْبي الأموال وتجمعها ولا تَقسِمُها قالوا: هذا قد خان الله فما بالنا لا نخونه وقد سجن لنا نفسَه فَأتمروا بألا يصلَ إليك مِنْ علم أخبار الناس شيء؛ إلا ما أرادوا، ولا يخرجَ لك عاملٌ فيخالفَ أمرَهُم إلا قصبوه عندك ونَفَوْه حتى تسقطَ منزلتُه ويَصْغُر َقدرُه، فلما انتشر ذلكَ عنكَ وعهم، أعظمَهُم الناسُ وهابوهم، فكان أولَ مَنْ صانعَهم عُمالُكَ بالهدايا والأموال لِيَقْوَوْا بها على ظلم رعيتكَ، ثم فعل ذلك ذوو القدرة والثروة من رعيتك لينالوا به ظلمَ من دونهم، فامتلأت بلادُ الله بالطمع بغياً وفساداً، وصار هؤلاء القوم شُركاءك في سلطانك وأنت غافل، فإن جاء مُتظلم حِيلَ بينه وبين دخول مدينتك؛ فإن أراد رفع قصته إليك عند ظهورك وجدك قد نهيتَ عن ذلكَ، وأوقفت للناس رجلاً ينظر في مظالمهم، فإن جاء ذلك الرجل فبلَغَ بطانَتَكَ خبرُه سألوا صاحبَ المظالم ألا يرفعَ مَظْلِمَتَه إليك، فإن المتظلَم منه له بهم حُرمة، فأجابهم خوفاً منهم؛ فلا يزال المظلومُ يختلف إليه ويلوذ به ويشكو ويستغيث وهو يدفعه ويعتل عليه، فإذا اجهِدَ واحرجَ وظَهَرْتَ، صَرَخ بين يديك، فضُرِبَ ضَرْباً مُبَرّحاً، ليكون نكالاً لغيره، وأنت تَنظر فلا تُنكِر، فما بقاءُ الإسلام على هذا وقد كنتُ يا أمير المؤمنين أسافر إلى الصَين فقدِمتها مرةً وقد أصِيبَ مَلِكُها بسمعه، فبكى يوماً بكاءً شديداً فحثه جلساؤه على الصبر فقال: أمَا إني لست أبكي للبلية النازلة بي، ولكني أبكي لمظلوم بالباب يصرُخُ ولا أسمعُ صوتَه؛ ثم قال: أما إذ ذهب سمعي فإن بصري لم يذهب نادُوا في الناس ألاً يلبَسَ ثوباً أحمرَ إلا متظلمٌ، ثم كان يركب الفيل طرفَيْ نهاره، وينظر هل يرى مظلوماً. فهذا يا أمير المؤمنين مُشركٌ بالله غلبتْ رأفتُه بالمشركين شُحَ نفسه وأنت مؤمنٌ بالله من أهل بيت نبيه لا تغلب رأفتكَ بالمسلمين على شح نفسك فإن كنت إنما تجمع المال لولدك، فقد أراك الله عِبَراً في الطفل يسقط من بطن أمه وما له على الأرض مال، وما من مال إلا ودونه يد شحيحة تحويه فما يزالُ الله يلطُفُ بذلك الطفل حتى تعظُمَ رغبةُ الناس إليه، ولست بالذي تُعطي بل الله يعطي من يشاء ما يشاء، وإن قلت إنما أجمع المال لتَشديد السلطان فقد أراك الله عِبَراً في بني أميةَ: ما أغنى عنهم ما جمعوا من الذهب والفضة وأعدوا من الرجال والسلاح والكُرَاع حتى أراد الله بكم ما أراد، وإن قلتَ إنما أجمع المالَ لطلب غايةٍ هي أجسمُ من الغاية التي أنا فيها، فوالله ما فوق ما أنتَ فيه إلا منزلةٌ لا تدرك، إلا بخلاف ما أنتَ عليه يا أميرَ المؤمنين؛ هل تُعاقب من عصاك بأشد من القتل قال المنصور: لا. قال: فكيف تصنع بالملكِ الذي خولك مُلكَ الدنيا وهو لا يعاقب من عصاه بالقتل ولكنَ بالخلود في العذاب الأليم، قد رأى ما قد عقِدَ قلبك وعَمِلته جوارحُك ونظر إليه بصرُك واجترحته يداكَ ومشت إليه رجلاك، هل يغني عنك ما شَحَحْتَ عليه من مُلك الدنيا إِذا انتزعَه من يدك ودعاكَ إلى الحساب. فبكى المنصور وقال: يا ليتني لم أخْلَقْ ويحكَ فكيف أحتال لنفسي قال: يا أمير المؤمنين إن للناس أعلاماً يفزعون إليهم في دينهم ويرضَوْن بهم فاجعلهم بطانَتك رشدوكَ، وشاورْهم في أمرك يُسددوك. قال: قد بعثت إليهم فهربوا مني. قال: خافوا أن تحمِلَهم على طريقتك ولكن إفتَحْ بابكَ وسَفَل حجابَك وانصُرِ المظلومَ واقمَعْ الظالمَ وخذ الفيء والصدقاتِ مما حل وطابَ واقسِمه بالحق والعدل على أهله وأنا الضامن عنهم أن يأتوك ويُسْعِدوك على صلاح الأمة.
وجاء المؤذَنون فسلموا عليه فصلى وعاد إلى مجلسه وطُلِبَ الرجلُ فلم يوجَدْ.
مقام آخر والمنصور يخطب
خَطبَ المنصورُ فحمِد الله ومضى في كلامه، فلما انتهى إلى أن أشهد أن لا إله إلا الله وثَبَ رجل من أقصى المسجد فقال: أذَكرك مَنْ تذكرُ. فقال المنصور: سمعاً لمن فَهِم عن الله وذكرَ به وأعوذ بالله أن أكون جباراً عصياً وأن تأخذني العزة بالإثم لقد ضَلَلْتُ إذاً وما أنا من المهتدين، وأنتَ واللِه أيها القائل ما أردتَ بها الله ولكن حاولتَ أن يقال: قام فقال فعوقب فصَبَر، وأهوِنْ بقائلها لو هَمَمْت، فاهتَبِلها ويلكَ إذ عفوتُ، وإياكم معشرَ الناس وأختَها؛ فإن الموعظة علينا نزلت ومن عندنا انبثتْ فردوا الأمر إلى أهله يُصْحِرُوه كما أورعوه. ثم رجع إلى خطبته فقال: وأشهد أن محمداً عبدُه ورسولُه.
مقام عَمْرو بن عُبَيد بين يدي المنصور
قال للمنصور: إن الله أعطاك الدنيا بأسرها، فاشتَرِ نفسك ببعضها، واذكر ليلةً تَمَخضُ عن يوم لا ليلةَ بعده. فوجَمَ أبو جعفر من قوله؛ فقال له الربيع: يا عَمْرو غمَمْت أمير المؤمنين.
فقال عَمْرو: إن هذا صَحِبك عشرين سنة لم يَرَ لك عليه أن يَنْصحَكَ يوماً واحداً وما عَمِلَ وراءَ ذلك بشيء من كتاب الله ولا سنة نبيه. قال أبو جعفر: فما أصنع قد قلتُ لكَ: خاتمي في يدك فتعالَ وأصحابك فاكفِنِي. قال عَمْرو: ادعُنا بعدلك تسْخُ أنفسنا بعونك؛ ببابك ألف مَظلِمةٍ ارددْ منها شيئاً نعْلَمْ أنك صادق.
مقام أعرابيّ بين يدي سليمان
قام فقال: إني مُكَلمكَ يا أميرَ المؤمنين بكلام فيه بعضُ الغِلظةِ فاحتَمِلْهُ إن كرهتَه، فإن وراءه ما تُحبه إن قلتَه. قال: هاتِ يا أعرابيٌ. قال: فإني سأطلِقُ لساني بما خَرِسَتْ عنه الألسُنُ، عِظَتكَ تأديةً لِحق الله وحق إمامتك، إنه قد اكتنفَكَ رجال أساءوا الاختيارَ لأنفسهم، فابتاعوا دنياكَ بدينهم ورِضَاكَ بسخط ربهم، خافوكَ في الله ولم يخافوا الله فيكَ، فهم حَرْبٌ للآخرة سلم للدنيا، فلا تأمَنْهم على ما ائتمنك الله عليه، فإنهم لن يألوا الأمانة تضييعاً والأمة عسفاً وخسفاً، وأنت مسؤول عما اجترحوا وليسوا مسؤولين عما اجترَحْتَ، فلا تُصْلِحْ دنياهم بفساد آخرتكَ، فإن أعظم الناس غَبْناً مَنْ باع آخرته بدنيا غيره. قال سليمان: أما أنت يا أعرابي فقد سلَلتَ لسانكَ، وهو أقطعُ سيفيكَ. فقال: أجلْ، لكَ لا عليكَ.
مقام أعرابيّ بين يدي هشام قال: أتتْ على الناس سِنُون، أما الأولى فَلَحَتِ اللحمَ، وأما الثانية فأكلتِ الشحْم، وأما الثالثة فهاضَتِ العظمَ، وعندكم فضولُ أموال، فإن كانت لله فاقسِموها بين عباده، وإن كانت لهم ففيمَ تُحظَرُ عنهم وإن كانت لكم فتصدقوا عليهم بها فإن الله يَجْزِي المتصدقين؛ فأمر هشام بمال فقُسِم بين الناس وأمرَ للأعرابي بمال، فقال: أكل المسلمين له مثل هذا قالوا: لا ولا يقوم ذلك بيتُ مال المسلمين؛ قال: فلا حاجةَ لي فيما يبعثُ لائمةَ على الناس على أمير المؤمنين.
مقام الأوزاعيّ بين يدي المنصور
ذكره عبدُ الله بن المبارك عن رجل من أهل الشأم قال: دخلتُ عليه فقال: ما
الذي بَطأ بك عني قلتُ: يا أميرَ المؤمنين وما الذي تريد مني فقال:
الاقتباسُ منك. قلتُ: انظر ما تقول، فإن مكحولاً حدًثني عن عطية بن بَشيرٍ
أنّ رسول اللهّ صلى الله عليه وسلم قال: "مَنْ بلَغه عن اللّه نصيحةٌ في
دينه فهي رحمة من الله سِيقَتْ إليه، فإن قَبِلَها من الله بشكرٍ وإلا
كانتْ حُجّةً من الله عليه، ليزداد إثماً، وليَزْدادَ الله عليه غضباً، وإن
بلغه شيء من الحق فرضِيَ فله الرضا، وإن سَخِط فله السخط، ومن كرهَه فقد
كره الله، لأن الله هو الحق المبين"، فلا تجهَلَن.
قال: وكيف أجهل قال: تسمع ولا تعمل بما تسمَعُ.
قال الأوزاعي: فسل علي الربيعُ السيفَ وقال: تقول لأمير المؤمنين هذا فانتهرَه المنصور وقال: أمسِكْ. ثم كلمه الأوزاعي، وكان في كلامه أن قال: إنك قد أصبحت من هذهِ الخلافة بالذي أصبحت به، والله سَائَلُكَ عن صغيرها وكبيرها وفتيلها ونقيرها، ولقد حدثني عُروةُ بن رُوَيْم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "ما مِنْ راعٍ يبيتُ غاشّاً لِرعيته إلا حًرّمَ الله عليه رائحةَ الجنةِ" فحقيق على الوالي أن يكون لرعيته ناظراً، ولمَا استطاع من عَوراتهم ساتِراً، وبالقِسط فيما بينهم قائماً، لا يتخوْف محسنُهم منه رهَقاً ولا مسيئهم عدواناً؛ فقد كانت بيد رسول الله؛ جرب يستَاكُ بها ويردعُ عنه المنافقينَ، فأتاه جبريلُ فقال: "يا محمدُ ما هذه الجريدةُ بيدكَ إقذِفْها تملأ قلوبَهم رُعباً. فكيف مَنْ سفكَ دماءهم وشَققَ أبشارهم وأنهبَ أموالهم يا أمير المؤمنين إنْ المغفورَ له ما تقدم من ذنبه وما تأخر دعا إلى القِصاص من نفسه بخدش خدشه أعرابياً يتعمده، فهبط جبريل فقال: "يا محمد إن الله لم يبعَثْكَ جباراً تكسِرُ قرونَ أمَتك". واعلم كل ما في يدك لا يعدِلُ ضربةً منِ شراب الجنة ولا ثمرةً من ثمارها؛ قال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم: "لَقَاب قوس أحدكم من الجنة أو قُذَة خيْرٌ له من الدنيا بأسرها". إن الدنيا تنقطِعُ ويزولُ نعيمها، ولو بقي الملكُ لمن قبلكَ لم يصِل إليكَ. يا أمير المؤمنين، ولو أنّ ثوباً من ثيابَ أهل النار عُلًقَ بين السماء والأرض لأذاهم فكيف مَنْ يتَقمصُه ولو أن ذَنُوباً من صديد أهل النار صُبَّ على ماء الأرض لآجنَه فكيف بمن يتجرعهُ، ولو أنَ حَلقةً من سلاسل جهنم وُضِعَتْ على جبل لذاب فكيف مَنْ سُلِكَ فيها ويُرَدُّ فضلُها على عاتقه وقد قال عمر بن الخطاب: "لا يُقَوَم أمرَ الناس لا حَصيفُ العقدة، بعيدُ الغِرة، لا يَطَّلِعُ الناسُ منه على عَورةٍ، ولا يُحنِقُ في الحق على برةٍ، ولا تأخُذُهُ في الله لومةُ لائم".
واعلم أن السلطان أربعة: أمير يَظْلِفُ نفسَه وعمفالَه، فذلك له أجرُ المجاهد في سبيل الله وصلاتُه سبعونَ ألفَ صلاةٍ ويدُ الله بالرحمة على رأسه تُرفرفُ؛ وأمير رتَعَ ورتَع عُمَالُه، فذاك حمِلُ أثقالَه وأثقالاً مع أثقاله؛ وأمير يَظلِف نَفسَه ويرتَعُ عُمَّالُه، فذاكَ الذي باع آخرتَه بدنيا غيره؛ وأمير يرتَعُ ويَظْلِفُ عُمالَهُ، فذاكَ شر الأكياس.
واعلم يا أمير المؤمنين أنك قد ابتُلِيتَ بأمر عظيم عُرِضَ على السَّمواتِ والأرض والجِبال فأبينَ أن يحملنه وأشفَقَن منه؛ وقد جاء عن جَدَكَ في تفسير قول اللّه عز وجل: الا يُغَادِرُ صغِيرَة ولا كَبِيرَة إلا أحصاها" أنْ الصغيرة التبسمُ، والكبيرةَ الضحكُ.
وقال: فما ظنكم بالكلام وما عملته الأيدي فاعيذك بالله أن يُخيل إليك أن قرابتك برسول اللّه صلى الله عليه وسلم تنفع مع المخالفة لأمره؛ فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يا صفية عمة محمد ويا فاطمة بنت محمد استوهبا أنفسكما من الله إني لا أغني عنكما من الله شيئاً". وكان جدك الأكبر سأل رسولَ الله صلى الله عليه وسلم إمارةً؛ فقال: "أي عمٌ نفسٌ تُحِييها خيرٌ لك من إمارة لا تُحصِيها"، نظراً لعمه وشفقة عليه أن يليَ فيجورَعن سنته جناحَ بعوضة، فلا يستطيعَ له نفعاً ولا عنه دفعاً. هذه نصيحتي إن قبلتَها فلنفسك عملتَ، وإن رددتها فنفسك بَخسْتَ، واللّه الموفق للخير والمعينُ عليه.
قالى: بلى نقبلها ونشكرُ عليها، وبالله نستعينُ.
مقام خالد بن صفوان بين يدي هشام
قال خالد: وفدتُ عليه فوجدته قد بدأ يشربُ الدهنَ، وذلك في عام باكرَ وَسْمِيُّه وتتابعَ وليه وأخفت الأرضُ زُخرُفَها، فهي كالزرابىً المبثوثة والقُبَاطي المنشورة، وثراها كالكافور لو وُضِعَتْ به بَضْعة لم تُتَرّبْ، وقد ضُربتْ له سرادقاتُ حِبَرٍ بعث بها إليه يوسفُ بن عمر من اليمن تتلألأ كالعقْيان، فأرسل إليَ فدخلت عليه، ولم أزل واقفاً، ثم نظر إليئ كالمستنطِق لي؛ فقلت: يا أمير المؤمنين، أتم الله عليك نعمه ودفع عنك نقمه؛ هذا مَقامٌ زَيَّنَ الله به ذكر وأطاب به نَشْري، إذ أراني وجه أمير المؤمنين، ولا أرى لمقامي هذا شيئاً هو أفضل من أنت أنبه أمير المؤمنين لفضل نعمة الله عليه ليحمَدَ الله على ما أعطاه، ولا شيء أحضرُ من حديث سلف لملك من ملوك العجم إن أذن لي فيه حدّثته به. قال: هات.
قلتُ: كان رجلِ من ملوك الأعاجم جُمِعَ له فَتاءُ السن وصِحةُ الطباع وسَعَةُ المُلك وكثرة المال، وذلك بالخَوَرْنق، فأشرف يوماً فنظر ما حوله فقال لمن حضره: هل علمتم أحداً أوتي مثل الذي أوتيتُ؛ فقال رجل من بقايا حَمَلة الحجة: إن أذِنت لي تكلمت. فقال: قل. فقال: أرأيت ما جُمِعَ لك، أشيء هو لك لم يزل ولا يزولُ، أم هو شيء كان لمن قبلك زال عنه وصار إلي وكذلك يَزُولُ عنك قال: لا بل شيء كان لمن قبلي فزال عنه وصار إلي وكذلك يزول عني قال: فسُرِرتَ بشيءِ تذهب لذته وتبقى تَبِعَتُه، تكون فيه قليلاً وتُرْتَهن به طويلاً؛ فبكى وقال: أين المهربُ قال: إلى أحد أمرين: إما أن تُقيمَ في مُلككَ فتعملَ فيه بطاعة ربكَ، وإما أن تُلقي عليك أمساحاً ثم تلحق بجبل تعبد فيه ربكَ حتى يأتي عليك أجلُكَ؛ قال: فما لي إذا فعلت ذلك قال: حياة لا تموت وشباب لا يهرم وصحة لا تسقم وملك جديد لا يبلى؛ فأتى جبلاً فكان فيه حتى مات. وأنشد قول عدي بن زيد:
وتَفَكَرْ رَب الخوَرْنَقِ إذ أص |
|
بحَ يوماً وللهُدَى تَـفْـكِـيرُ |
سَره حالُه وكـثـرةُ مـا يم |
|
لكُ والبحرُ مُعْرِضا والسدِيرُ |
فارعَوَى قلبُه فقال وما غب |
|
طةُ حي إلى الممات يصيرُ |
فبكى هشام وقامِ ودخل؛ فقال لي حاجبه: لقد كسبت نفسَك شراً، دعاك أمير المؤمنين لِتحدثه وتُلهِيَه وقد عرَفت علتَه فما زِدْتَ على أن نَعيتَ إليه نَفْسَه. فأقمتُ أياماً أتوقًعُ الشر، ثم أتاني حاجبُه فقال: قد أمر لك بجائزةٍ وأذِنَ لك في الانصراف.
مقام محمد بن كعب القرظيّ بين يدي عمر بن عبد العزيز
قال: إنما الدنيا سُوقٌ من الأسواق، فمنها خرج الناسُ بما ينفعهم وبما يضرهم، وكم قومٍ قد غرهم مثلُ الذي أصبحنا فيه حتى أتاهم الموتُ فاستوعبَهم فخرجوا من الدنيا مُرمِلينَ لم يأخذوا لِما أحبوا من الآخرة عدَةً ولا لما كرهوا جُنَةً، واقتسم ما جمعوا من لم يحمَدْهم وصاروا إلى من لا يعذِرُهم. فانظر الذي تُحب أن يكون معك إذا قدِمْتَ، فقدَمه بين يديك حتى تخرجَ إليه؛ وانظر الذي تكره أن يكون معك إذا قدمْتَ، فابتغ به البدَل حيث يجوز البدلُ، ولا تذهَبنَ إلى سِلْعَةٍ قد بارت على غيرك ترجو جوازَها عنك. يا أمير المؤمنين، إفتح الأبوابَ، وسهَل الحجابَ، وانصُر المظلومَ.
مقام الحسن عند عمر بن هُبَيرة
كتبَ ابن هُبَيرة إلى الحسن وابن سِيرين والشعبيْ فقُدِم بهم عليه، فقال لهم: إن أمير المؤمنين يكتب إلي في الأمر، إن فعلته خفتُ على ديني، وإن لم أفعله خفتُ على نفسي. فقال له ابن سيرين والشعبيّ قَولاً رَقَّقا فيه، وقال له الحسن: يا بن هبيرة، إن الله يمنعُك من يزيدَ، وإن يزيد لا يمنعُكَ من الله. يا بن هبيرة، خَفِ الله في يزيد ولا تخفْ يزيدَ في الله. يا بن هبيرة، إنه يُوشِكُ أن يبعثَ الله إليك مَلَكاً فيُنزلَكَ عن سريرك إلى سَعَةِ قصرك، ثم يخرجك عن سعةِ قصرك إلى ضِيقِ قبرك، ثم لا يُنْجِيك إلا عملُكَ. يا بن هبيرة إنه لاطاعة لمخلوق فِي معصية الخالق. فأمر له بأربعة آلاف درهم وأمر لابن سيرين والشعبي بألفين فقالا: رَققْنا فَرَقَقَ لنا.