باب الوداع
للنبي صلى اللّه عليه وسلم في معنى هذا العنوان قال: حدثنا محمد بن خالد بن خداش قال: حدثنا مسلم حدثنا سلم بن قتيبة عن إبراهيم بن عبد الرحمن بن يزيد بن أمية عن نافع عن ابن عمر: أنّ رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم كان يقول إذا ودع رجلاً: "أستودعك اللّه دينك وأمانتك وخواتيم عملك وآخر عمرك" قال: وحدثني محمد بن عبد العزيز قال: حدثنا مسلم بن إبراهيم عن سعيد بن أبي كعب الأزدي عن موسى بن ميسرة عن أنس بن مالك: أن رجلاً أتى النبي صلى اللّه عليه وسلم فقال: إني أريد سفراً غداً. فقال: "في حفظ اللّه وكنفه زوّدك اللّه التقوى وغفر ذنبك ووجهّك للخير حيث كنت" للحسن يودع رجلاً المعتمر عن إياس بن دغفل قال: رأيت الحسن
ودّع رجلاً وعيناه تهملان وهو يقول:
وما الدّهر إلا هكذا فاصطبر له |
|
رزيئة مالٍ أو فراق حـبـيب |
شعر لرجل ودّع صديقاً قال: وودّع رجلٌ صديقاً له وهو يقول:
وداعك مثل وداع الربيع |
|
وفقدك مثل افتقاد النـدّيم |
عليك السلام فكم من وفاءٍ |
|
نفارقه منك أو من كرم |
وقال الطائي:
بيّن البين فقدها، قلّمـا تـع |
|
رف فقداً للشمس حتى تغيبا |
وقال جرير:
يا أخت ناجية السلام علـيكـم |
|
قبل الرحيل وقبل لوم العـذّل |
لو كنت أعلم أنّ آخر عهدكـم |
|
يوم الرحيل فعلت ما لم أفعل |
أو كنت أرهب وشك بينٍ عاجلٍ |
|
لقنعت أو لسألت ما لم يسـأل |
بين الواثق وبكر المازني وبلغني عن بكر المازنيّ أنه قال: دخلت على الواثق حين أمر بحملي، فقال لي: ما أسمك فقلت: بكّر. قال: من خلّفت ورائك قلت: بنيّة. قال: ما قلت عند وداعك قلت: قالت:
إذا غبت عنّا وخلّفـتـنـا |
|
فإنا سواءٌ ومن قـد يتـم |
أبانا فلا رمت من عندنـا |
|
فإنا بخـير إذا لـم تـرم |
أبانا إذا أضمرتك الـبـلا |
|
د نجفى وتقطع منّا الرّحم |
قال: فما قلت لها أنت قال: قلت ما قال جرير:
ثقي باللّه ليس له شريكٌ |
|
ومن عند الخليفة بالنّجاح |
شعر لعبد لبني عقيل بعدما باعوه كان ابني عقيلٍ عبدٌ رضيعٌ بلبان بعضهم فباعوه، فقال حين شخص به مواليه شعراً:
أشوقاً ولمّا يمض بي غير لـيلةٍ |
|
فكيف إذا سار المطيّ بنا شهراً |
لمسلم بن الوليد، وغيره، في الوداع وقال مسلم بن الوليد:
وإنّي وإسماعيل عـنـد وداعـه |
|
لكالغمد يوم الرّوع زايله النّصل |
فإن أغش قوماً بعدهم وأزورهـم |
|
فكالوحش يدنيها من الأنس المحل |
وقال آخر عند توديعه:
عجبت لتطويح النّوى من نحبّه |
|
وتدنو بمن لا يستلذّ له قـرب |
وقال آخر:
مالت تودّعني والقلب يغلبهـا |
|
كما يميل نسيم الريح بالغصن |
ثم استمرت وقالت وهي باكيةٌ |
|
يا ليت معرفتي إيّاك لم تكن |
قول رجل لآخر ودّعه وقال آخر لرجل ودّعه: بقي علينا أن نكفّ من غرب الشّؤون، ونستعين على فرقة الوحشة بالكتب، فإنها ألسنٌ ناطقة، وعيونٌ رامقة.
شعر للبحتري وقال البحتري:
اللّه جارك في انطـلاقـك |
|
تلقاء شامك أو عـراقـك |
لا تعذلنّـي فـي مـسـي |
|
ري يوم سرت ولم ألاقـك |
إنّي خـشـيت مـوافـقـاً |
|
للبين تفسح غرب مـاقـك |
وعلمت ما يلقـلا الـمـودّ |
|
ع عند ضمّك واعتنـاقـك |
فتـركـت ذاك تـعـمّـداً |
|
وخرجت أهرب من فراقك |
الهدايا
للنبي صلى اللّه عليه وسلم في المصافحة والهدية قال: حدّثنا يزيد بن عمرو قال:حدّثنا عمير بن عمران قال: حدّثنا الحارث بن عتبة عن العلاء بن كثير عن مكحول قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم "تصافحوا فإنّ المصافحة تذهب غلّ الصدور، وتهادوا فإنّ الهديّة تذهب بالسّخيمة".
وحدّثني أبو الخطاب قال: حدّثنا بشر بن المفضّل عن يونس عن الحسن قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: "لو أهديت لي ذراعٌ لقبلت، ولو دعيت إلى كراع لأجبت".
وفي حديث آخر: "تهادوا تحابّوا فإن الهدية تفتح الباب المصمت وتسلّ سخيمة القلب".
لابن عمر في الهدايا قال: حدّثنا عبد الرحمن بن عبد اللّه عن الأصمعيّ قال: سمعت نافعاً يحدّث قال: كان ابن عمر يقول: الهدايا من أمراء الفتنة.
بين عمرو بن عبيد اللّه والحارث بن عبد اللّه وروى الزّبير بن بكّار عن عمه قال: كان الحارث بن عبد اللّه بن أبي ربيعة يجلس وعمرو بن عبيد اللّه بن صفوان، ما يكادان يفترقان، وكان عمرو يبعث إلى الحارث في كلّ يوم بقربةٍ من ألبان إبله، فاختلف ما بينهما فأتى عمروٌ أهله "فقال": لا تبعثوا للحارث باللبن فإنا لا نأمن أن يردّه علينا. وانقلب الحارث إلى أهله فقال: هل أتاكم اللبن قالوا: لا. فلما راح الحارث بعمرو قال: يا هذا لا تجمعنّ علينا الهجر وحبس اللبن فقال: أمّا إذ قلت هذا فلا يحملها إليك غيري. فحملها من ردم بني جمح إلى أجياد.
للنضر بن الحارث وقد بعث بهدية إلى صديق له وبعث النضر بن الحارث إلى صديق له يسكن عبّادان بنعلين مخصوفتين وكتب إليه: بعثت إليك بهما وأنا أعلم أن بك عنهما غنىً، ولكنّي أحببت أن تعلم أنك مني على ذكرٍ.
لبعض الشعراء وقال بعض الشعراء:
إنّ الـهـديّة حـلـوةٌ |
|
كالسّحر تجتلب القلوبا |
تدني البغيض من الهوى |
|
حتى تصيّره قـريبـا |
وتعيد مضطغن العـدا |
|
وة بعد نفرته حبـيبـا |
بين صديقين أهدى أحدهما للآخر عبداً أسود أهدى رجلّ إلى صديق له عبداً أسود، فكتب إليه: أما بعد، فلو علمت عدداً أقلّ من واحد أو لوناً شرّاً من الأسود لبعثت به إليّ.
وهذا نظير قول الآخر وقد سئل كم لك من الولد قال: خبيثٌ قليل. قيل: وكيف فقال: لا أقلّ من واحد ولا أخبث من بنت.
جواب أمير لرجل أهدى له هدية أهدى رجلٌ إلى بعض الأمراء هديةً، فكتب إليه الأمير: قد قبلتها بالموقع ورددتها بالأبقاء.
لا
بن عباس في الهدية وكان ابن عباس يقول: من أهديت إليه هديّة وعنده قوم فهم شركاؤه فيها؛ فأهدى إليه صديقٌ ثياباً من ثياب مصر وعنده أقوام فأمر برفعها، فقال له رجل: ألم تخبرنا أنّ من أهديت له هديّة وعنده قومٌ فهم شركاؤه فيها! فقال: إنما ذلك فيما يؤكل ويشرب ويشم، فأما في ثياب مصر فلا.
لخلف الأحمر وقال خلفٌ الأحمر:
أتاني أخٌ مـن غـيبةٍ كـان غـابـهـا |
|
وكنت إذا مـاغـاب أنـشـده ركـبـا |
فجاء بـمـعـروفٍ كـثـيرٍ فـدسّـه |
|
كما دسّ راعي السّوء في حضنه الوطبا |
فقلـت لـه هـل جـئتـنـي بـهـديّةٍ |
|
فقال بنفسي قلت أتحف بها الكـلـبـا |
هي النفس لا أرثي لهـا "مـن" بـلـيّةٍ |
|
ولا أتمـنـى أن رأيت لـهـا قـربـا |
أهدي رجل إلى صديق له وكتب إليه: الأنس سهّل سبيل الملاطفة، فأهديت هديّة من لا يحتشم، إلى من لا يغتنم.
بين النبي صلى اللّه عليه وسلم وحدّثنا أحمد بن الخليل قال: حدّثنا أبو سلمة عن حبابة بنت عجلان عن أمّها أم حفص عن صفيّة بنت جرير عن أم حكيم بنت وداع الخزاعيّة قالت: قلت للنبي صلى اللّه عليه وسلم: ما جزاء الغنيّ من الفقير قال: "النصيحة والدعاء". قلت: يكره ردّ اللّطف قال:"ما أقبحه، لو أهديت إليّ ذراع لقبلت، ولو دعيت إلى كراع لأجبت، تهادوا فإنه يضعف الحبّ ويذهب بغوائل القلوب".
ليزيد بن عمر بن هبيرة وقد أهديت إليه هدايا وحدّثني محمد بن سلاّم الجمحيّ قال: حدّثني خلاّد بن يزيد الباهليّ قال: أهديت ليزيد بن عمر بن هبيرة في يوم المهرجان هدايا وهو أمير العراق فضفّت بين يديه؛ فقال خلف بن خليفة وكان حاضراً:
كأنّ شمامـيس فـي بـيعةٍ |
|
تسبّح في بعض عيداتـهـا |
وقد حضرت رسل المهرجا |
|
ن وصفّوا كريم هديّاتـهـا |
علوت برأسي فوق الرؤوس |
|
فأشخصته فوق هاماتـهـا |
لأكسب صاحبتي صـحـفةً |
|
تغيظ بها بعض جارتـهـا |
فأمر له بجامٍ من ذهب، ثم أقبل يفرّق بين جلسائه تلك الهدايا، وينشد:
لا تبخلنّ بدنيا وهي مـقـبـلةٌ |
|
فليس ينقصها التبذير والسّرف |
فإن تولّت فأحرى أن تجود بهـا |
|
فالحمد منها إذا ما أدبرت خلف |
بين رجل من أصحاب السلطان وبعض العمال كتب رجلٌ من أصحاب السلطان إلى بعض العمال يستهديه مهارةً من ناحية عمله. فكتب إليه العامل: أمّا المهارة فإن أهل عملنا يصونونها صيانة الأعراض، ويسترونها ستر الحرم، ويسومون بها مهور العقائل؛ وأنا مستخلص لك منها ما يكون زين المربط وحملان الصديق، إن شاء اللّه.
لبعضهم في الهدية وقال بعضهم: الهديّة إذا كانت من الصغير إلى الكبير، فكلّما لطفت ودّقت كان أبهى لها، وإذا كانت من الكبير إلى الصغير، فكلّما عظمت وجلّت كان أوقع لها وأنجع.
لأبي السمط وكتب أبو السمط:
بدولة جعفرٍ حسن الزمـان |
|
لنا بك كلّ يوم مهـرجـان |
ليوم المهرجان بك اختـيالٌ |
|
وإشراقٌ ونورٌ يسـتـبـان |
جعلت هديّتي لك فيه وشـياً |
|
وخير الوشي ما نسج اللسان |
بين قتادة وحسام بن مصك أهدى حسام بن مصكّ إلى قتادة نعلاً رقيقة، فجعل قتادة يزنها بيده، وقال: إنك تعرف سخف عقل الرجل في سخف هديّته.
وقال الشاعر:
سقى حجّاجنا نـوء الـثـريّا |
|
على ما كان من بخلٍ ومطل |
هم جمعوا النعال وأحرزوهـا |
|
وسدّوا دونها بابـاً بـقـفـل |
فإن أهديت فـاكـهةً وجـدياً |
|
وعشر دجاج بعثوا بـنـعـل |
ومسواكين طولـهـمـا ذراعٌ |
|
وعشرٍ من رديء المقل حسل |
فإن أهديت ذاك ليحملـونـي |
|
على نعلٍ فدقّ اللّه رجـلـي |
أناس تـائهـون لـهـم رواءٌ |
|
تغيم سماؤهم من غير وبـل |
إذا انتسبوا ففرعٌ من قـريش |
|
ولكنّ الفعال فعـال عـكـل |
لرجل أهدى هدية لصديقه كتب رجل إلى صديقه له: لولا أنّ البضاعة قصّرت بي عن بلوغ الهمة لأتبعت المسابقين إلى برّك. وكرهت أن تطوي صحيفة البرّ، وليس لي فيها ذكر، فبعثت إليك بالمبتدأ بيمنه وبركته، والمختوم بطيبه ورائحته: جراب ملح، وجراب أشنان.
شعر للطائي وقد أهدى للحسن بن وهب قلماً أهدي للطائيّ إلى الحسن بن وهب قلماً وكتب إليه:
قد بعثنا إليك أكرمك الـل |
|
ه بشيء فكن له ذا قبول |
لا تقسه إلى ندى كفّك الغم |
|
ر ولا نيلك الكثير الجزيل |
واغتفر قلّة الهديّة منّـي |
|
إنّ جهد المقلّ غير قليل |
مثله من أبي العتاهية إلى الفضل بن الربيع وقد أرسل إليه نعلاً وبعث أبو العتاهية إلى الفضل بن الربيع بنعلٍ وكتب معها:
نعلٌ بعثت بها لتلبـسـهـا |
|
تسعى بها قدمٌ إلى المجـد |
لو كان يمكن أن أشرّكهـا |
|
جلدي جعلت شراكها خدّي |
لبعض الشعراء، وللمهدي وقال بعض الشعراء في نحو ذلك:
أو ما رأيت الورد أتحفنـا بـه |
|
إتحاف من خطر الصديق بباله |
|
||
لو كان يهدي لامريءٍ ما لا يرى |
|
يهدي لعظـم فـراقـه وزيالـه |
|||
لرددت تحفته عليه وإن عـلـت |
|
عن ذاك واستهديت بعض خصاله |
|||
وقال المهديّ:
تفّاحةٌ من عـنـد تـفّـاحةٍ |
|
جاءت فماذا صنعت بالفـؤاد |
واللّه ما أدري أأبصرتـهـا |
|
يقظان أم أبصرتها في الرّقاد |
كتاب بعض العمال إلى صديق له قال: وكتب بعض العمال إلى صديق له: إني تصفّحت أحوال الأتباع الذين يجب عليهم الهدايا إلى الّادة في مثل هذا اليوم والتأسّي بهم في الإهداء، وإن قصّرت الحال عن قدرك، فرأيتني إن أهديت نفسي فهي ملكٌ لك لا حظّ فيها لغيرك، ورميت بطرفي إلى كرائم مالي فوجدت أكثرها منك، فكنت إن أهديت شيئاً منه كالمهدي مالك إليك ومنفق نفقتك عليك؛ وفزعت إلى مودّتي فوجدتهما خالصين لك قديمين غير مستحدثين، ورأيت إن أنا جعلتهما هدّيتي لم أجدّد لهذا اليوم برّاً ولا لطفاً. ولم أقس منزلةً من شكري بمنزلةٍ من نعمتك إلا كان الشكر مقصّراً عن الحق، وكانت النعمة زائدة على ما تبلغه الطاقة؛ ولم أسلك سبيلاً ألتمس بها برّاً أعتدّ به أو لطفاً أتوصّل إليه، إلا وجدت رضاك قد سبقني إليه، فجعلت الأعتراف بالتقصير عن حقّك هديّهً إليك؛ وقد قلت في ذلك:
إن أهد نفسي فهي من ملكه |
|
أو أهد مالي فهو من ماله |
معاوية بن أبي سفيان وقريش لما قدم معاوية المدينة منصرفاً من مكة بعث إلى الحسن والحسين وعبد اللّه بن جعفر وعبد اللّه بن عمر وعبد اللّه بن الزّبير وعبد اللّه بن صفوان بن أميّة بهدايا من كسىً وطيبٍ وصلاتٍ من المال ثم قال لرسله: ليحفظ كلّ رجلٍ منكم ما يرى ويسمع من الردّ. فلما خرج الرسل من عنده، قال لمن حضر: إن شئتم أنبأناكم بما يكون من القوم. قالوا: أخبرنا يا أمير المؤمنين قال: أمّا الحسن فلعله ينيل نساءه شيئاً من الطّيب وينهب ما بقي من حضره ولا ينتظر غائباً. وأما الحسين فيبدأ بأيتام من قتل مع أبيه بصفّين فإن بقي شيء نحر به الجزر وسقى به اللبن وأما عبد اللّه بن جعفر فبقول: يا بديح! اقض به ديني، فإن بقي شيء فأنفذ به عداتي وأما عبد اللّه بن عمر فيبدأ بفقراء عديّ بن كعب، فإن بقي شىء ادّخره لنفسه ومان به عياله. وأما عبد اللّه بن الزبير فيأتيه رسولي وهو يسبّح فلا يلتفت إليه ثم يعاوده الرسول فيقول لبعض كفاته: خذوا من الرسول معاوية ما بعث به، وصله اللّه وجزاه خيراً؛ لا يلتفت إليها وهي أعظم في عينه من أحدٍ ثم ينصرف إلى أهله فيعرضها على عينه ويقول: ارفعوا، لعلّي أن أعود بها على ابن هند يوماً ما. وأما عبد اللّه بن صفوان فيقول: قليلٌ من كثير وما كل رجلٍ من قريش وصل إليه هكذا، ردّوا عليه؛ فإن ردّ قبلناها فرجع رسله من عندهم بنحو مما قال معاوية فقال معاوية: أنا ابن هند! أعلم بقريش من قريش.
بين يونس بن عبيد وابن سيرين قال يونس بن عبيد: أتيت ابن سيرين فدعوت الجارية فسمعته يقول: قولوا له: إني نائم يريد: سأنام؛ فقلت: معي خبيص؛ فقال: مكانك حتى أخرج إليك.
بين رجل وأبي الدرداء قال رجل لأبي الدّرداء: إن فلاناً يقرئك السلام؛ فقال: هديةٌ حسنة ومحمل خفيف.
لرجل بعث بهدية إلى جارية وبعث رجل إلى جارية ييقال لها" راح" براحٍ وكتب إليها:
قل لمن يملك الملو |
|
ك وإن كان قد ملك |
قد شربناك فأشربي |
|
وبعثنا إلـيك بـك |
شعر لعبيد بن الأخطل إلى رجل أهدى له شاة مهزولة أهدى رجل إلى عبيد بن الأخطل شاةً مهزولة فكتب إليه عبيد:
وهبت لنـا يا أخـا مـنـقـرٍ |
|
وعـجـل وأكـرمـهـا أوّلا |
|
||
عجوزاً أضرّ بهـا دهـرهـا |
|
وأنزلها الـذّلّ دار الـبـلـى |
|
||
سلوحاً حسبت بـأن الـرّعـاء |
|
سقوها الغريقون والحنـظـلا |
|
||
وأجـدب مـن ثـور زرّاعةٍ |
|
أصاب على جوعه سنـبـلا |
|
||
وأزهد مـن جـيفةٍ لـم تـدع |
|
لها الشمس من مفصلٍ مفصلا |
|
||
فأهوت يميني إلى جنـبـهـا |
|
فخلت حراقيفـهـا جـنـدلا |
|
||
وأهوت يساري لعرقـوبـهـا |
|
فخلت عراقيبـهـا مـغـزلا |
|
||
فقلت أبـيع فـلا مـشـربـاً |
|
تؤدي إلـيّ ولا مـأكـــلا |
|
||
أم أجعل من جلدها حـنـبـلاً |
|
فأقذر بحنبلـهـا حـنـبـلا |
|
||
إذا هي مرّت على مجلـس |
|
من العجب كبّر أو هلّـلا |
|||
رأو آية خلـفـهـا سـائقٍ |
|
يحثّ وإن هرولت هرولا |
|||
فكنت أمرت بها ضـخـمةً |
|
بشحم ولحمٍ قد اسستكمـلا |
|||
ولكنّ روحاً عـدا طـوره |
|
وما كنت أحسب أن يفعلا |
|||
فعضّ الذي خانني حاجتـي |
|
بإست آمه بظرها الأغرلا |
|||
فلولا مكانك خضّبـتـهـا |
|
وعلّقت في جيدها جلجـلا |
|||
فجاءت لكيمـا حـالـهـا |
|
فتعلم أني بها مـبـتـلـي |
|||
سألتك لحماً لصـبـيانـنـا |
|
فقد زدتني فـيهـم عـيّلا |
|||
فخذها وأنت بها محـسـنٌ |
|
وما زلت بي محسناً مجملا |
|||
لدعبل وقد أهدي له بأضحيّة وبعث رجل إلى دعبل بأضحيّة، فكتب إليه:
بعثت إليّ بأضـحـيّةٍ |
|
وكنت حريّاً بأن تفعلا |
ولكنها خرجت غـثةً |
|
كأنك أرعيتها حرملا |
فإن قبل اللّه قربانهـا |
|
فسبحان ربّك ما أعدلا |
لرجل سئل عن ثمن النعال بمكة قيل لرجل قدم من مكة: كيف أثمان النّعال بمكة قال: أثمان الجداء بالعراق.
شعر لمسلم بن الوليد وقال مسلم بن الوليد:
جزى اللّه من أهدى التّرنج تحـيةً |
|
ومنّ بما يهوى علـيه وعـجّـلا |
أتتنا هدايا منه أشبـهـن ريحـه |
|
وأشبه في الحسن الغزال المكحّلا |
ولو أنه أهـدى إلـيّ وصـالـه |
|
لكان إلى قلبـي ألـذّ وأوصـلا |
شعر لرجل إلى صديق له شرب دواء وكتب رجل إلى صديق له شرب دواءً:
تأنق في الهـديّة كـلّ قـومٍ |
|
إليك غداة شربـك لـلـدواء |
فلمّا أن هممـت بـه مـدلاّ |
|
لموضع حرمتي بك والإخاء |
رأيت كثير ما أهدي قـلـيلاً |
|
لعبدك فاقتصرت على الدّعاء |
وكتب رجل إلى صديق له: وجدت المودّة منقطعة ما كانت الحشمة عليها متسلّطة، وليس يزيل سلطان الحشمة إلا المؤانسة، ولا تقع المؤانسة إلا بالبرّ والملاطفة
العيادة
للنبي صلى اللّه عليه وسلم قال: حدثنا يزيد بن عمرو قال: حدثنا يزيد بن هارون قال: حدثنا شريك عن أبي نصير عن أنس بن مالك، قال: عاد رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم رجلاً من الأنصار من رمدٍ كان بعينه.
ومن حديث أبي هريرة عن النبي صلى اللّه عليه وسلم: "ثلاثة لا يعادون صاحب الدّمل والرمد والضرس" عيادة أبو الدرداء لجارٍ له نصراني وحدثني القاسم بن الحست عن ابن الأصفهاني عن إسماعيل بن عيّاش عن أرطأة بن المنذر: أن أبا الدرداء عاد جاراً له نصرانياً.
للشعبي في عيادة الحمقى "النوكي" قال الشعبي: عيادة النّوكي أشدّ على المريض من وجعه.
بين بكر بن عبد اللّه وقوم عادوه فأطالوا عنده شيبان عن أبي هديّة عن أبي هلال قال: قال بكر بن عبد اللّه لقوم عادوه فأطالوا عنده: المريض يعاد، والصحيح يزار.
مثله لعليل أطال عنده عوّاده عاد قومٌ عليلاً فأطالوا عنده، فقال لهم: إن كان لكم في الدار حقُ فخذوه وانصرفوا.
بين رقبة ورجل عاده فنعى رجالاً عاد رجل رقبة، فنعى رجالاً اعتلّوا مثل علّته، فقال له رقبة: إذا دخلت على مريضٍ فلاتنع إليه الموتى، وإذا خرجت من عندنا فلا تعد إلينا.
لأعرابي يعود أعرابياً عاد أعرابيّ أعرايباً فقال: بأبي أنت! بلغني أنك مريض، فضاق واللّه عليّ الأمر العريض، وأردت إتيانك فلم يكن بي نهوض؛ فلما حملتني رجلان، وليستا تحملان؛ أتيتك بجرزة شيح ما مسّها عرنين قطّ، فأشممها واذكر نجداً، فهو الشفاء بإذن اللّه.
شعر لكثير قال كثير:
ألا تلك عزّة قد أقـبـلـت |
|
تقلّب للبين طرفاً غضيضـا |
تقول مرضت وما عدتـنـا |
|
فقلت لها لا أطيق النهوضا |
كلانا مريضان فـي بـلـدةٍ |
|
وكيف يعود مريضٌ مريضا |
وقال آخر:
إذا مرضنا أتيناكم نعودكم |
|
وتذنبون فنأتيكم فنعتـذر |
لبشار وقال بشار:
لو كانت الفدية مقبولةً |
|
لقلت بي لا بك حمّاكا |
شعر إلى عليل وكتب آخر إلى عليل:
نبئت أنّك معتلٌّ فقلـت لـهـم |
|
نفسي الفداء له من كلّ محذور |
|
||
يا ليت علّته بي غير أنّ لـه |
|
أجر العليل وأنّي غير مأجور |
|||
وكتب آخر إلى عليل:
أقول بحـقٍّ واجـبٍ لـك لازمٍ |
|
وإخلاص شكرٍ لا يغيّره الدهر |
بي السوء والمكروه لا بك كلّما |
|
أراداك كانا بي وكان لك الأجر |
وقال آخر في مثله:
فأن تك حمّى الغبّ شفّـك وردهـا |
|
فعقباك منها أن يطول لك العمـر |
وقيناك! لو نعطى المنى فيك والهوى |
|
لكان بي الشكوى وكان لك الأجـر |
في الأثر وفي الحديث المرفوع "حصّنوا أموالكم بالزكاة، وداووا مرضاكم بالصدقة، واستقبلوا البلايا بالدعاء"
وفي حديث آخر أنه صلى اللّه عليه وسلم قال يوماً لأصحابه: "من أصبح منكم صائماً". قال عمر: أنا. قال: "فمن شيّع جنازةً" قال عمر: أنا. قال: "فمن عاد مريضاً" قال عمر: أنا. قال: "فمن فيكم تصدّق بصدقة" قال عمر: أنا. فقال صلى اللّه عليه وسلم: "وجبت وجبت وجبت".
وفي حديث آخر: أنه صلى اللّه عليه وسلم قال:"إتمام عيادتكم المريض أن يضع أحدكم يده على جبهته أو على رأسه أو يده ويسأله كيف هو، وتمام تحياتكم المصافحة".
لبعض الشعراء وقال الشاعر:
إن كنت في ترك العيادة تاركاً |
|
حظّي فإني في الدعاء لجاهد |
فلربما ترك العيادة مـشـفـقٌ |
|
وأتي على غلٍ الضمير الحاسد |
للعتبي عن أبيه أبو حاتم قال: حدّثنا العتبيّ عن أبيه قال: كان يقال: إذا اشتكى الرجل ثم عوفي ولم يحدث خيراً ولم يكفّ عن سوء، لقيت الملائكة بعضها بعضاً وقالت: إن فلاناً داويناه فلم ينفعه الدواء.
لمعاوية وقد أصيب بلقوة وقال أبو حاتم: حدّثنا القحذميّ قال: أطلع معاوية في بئر بالأبواء فأصابته لقوة، فاعتمّ بعمامةٍ سوداء وسدلها على الشقّ الذي أصيب فيه، ثم أذن للناس فقال: أيها الناس؛ إنّ ابن آدم بعرض بلاء: إما معاتبٌ ليعتب، وإما معاقب بذنب، أو مبتلّي ليؤجر، فإن عوتبت فقد عوتب الصالحون قبلي، وإني لأرجو أن أكون منهم؛ وإن عوقبت فقد عوقب الخطّاؤون قبلي، وما آمن أن أكون منهم؛ وإن مرض منّي فما أحصي صحيحي ولما عوفيت أكثر، ولو أن أمري إلى ما كان لي على ربّي أكثر مما أعطاني. وإني وإن كنت عاتباً على خاصّ منكم فإني حدب على جماعتكم، أحبّ صلاحكم. وقد أصبت ترون، فرحم اللّه امرأً دعا لي بعافية! فرفعوا أصواتهم بالبكاء والدعاء.
بين أبي عمرو بن العلاء ورجل من أصحابه أراد مساهرته مرض أبو عمرو بن العلاء مرضةً، فأتاه أصحابه وأبطأ عنده رجل منهم؛ فقال: ما يبطىء بك قال: أريد أن أساهرك. قال: أنت معافىً وأنا مبتليً، فالعافية لا تدعك تسهر والمرض لا يدعني أنام، فاسأل اللّه أن يسوق إلى أهل العاقية الشكر، وإلى أهل البلاء الصبر والأجر.
لأعرابي اشتكى فجعل الناس يعودونه وأكثروا عليه حدّثني عبد الرحمن عن الأصمعيّ قال: اشتكى رجل من الأعراب، فجعل الناس يدخلون عليه فيقولون: كيف أصبحت وكيف كنت فلما أكثروا عليه قال: كما قلت لصاحبك.
مثله لرجل من أهل المدينة كتب قصته في رقعة قال: وقع رجل من أهل المدينة فوثئت رجلاه، فجعل الناس يدخلون عليه ويسألونه، فلما أكثروا عليه وأضجر كتب قصّته في رقعةٍ، فكان إذا دخل عليه"عائد" وسأله دفع إليه الرقعة.
لرجل محدود من أهل السواد الهيثم بن عديّ قال: كان رجل من أهل السّواد محدوداً لا يقصد في شيء إلا انصرف عنه، فغاب مرّةً فأطال، فلما قدم أتاه الناس فجعلوا يسألونه عن حاله وما كان فيه، وكان فيه برمٌ، فأخذ رقعةً فكتب فيها:
وما زلت أقطع عرض الفلاة |
|
من المشرقين إلى المغربين |
وأطوي الفيافي أرضاً فأرضاً |
|
وأستمطر الجدي والفرقدين |
وأطوي وأنشر ثوب الهمـوم |
|
إلى أن رجعت بخفّي حنـين |
فقيراً وقيراً أخـا عـسـرةٍ |
|
بعيداً من الخير صفر اليدين |
كئيب الصّديق بهيج الـعـدوّ |
|
طويل الشّقا زاني الوالـدين |
وطرحها في مجلسه، فكلّ من سأله عن حاله دفع إليه الرقعة لنبطي وقع في موضع عال وقوم يسألونه كيف وقع قال: حدّثنا عبد الرحمن عن عمه أن نبطيّاً وقع من موضع عالٍ، فدخلوا يسألونه: كيف وقعت فلما أكثروا عليه أخذ جرّةً وألقاها من يده وقال: هكذا وقعت.
لرجل أحدب وقع في بئر فصار آدراً أبو الخطاب قال: كان عندنا رجلٌ أحدب فسقط في بئر فذهبت حدبته فصار آدر، فدخلوا يسألونه ويهنئونه بذهاب حدبته، فجعل يقول: الذي جاء شرّ من الذي ذهب.
شعر ليحيى بن نوفل الحميري في سقوط ابن شبرمة القاضي عن دابته المدائنيّ قال: سقط ابن شبرمة القاضي
عن دابّته فوثئت رجله، فدخل يحيى بن نوفل الحميريّ عليه فقال:
أقول غداة أتاني الـخـبـير |
|
فدسّ أحاديثـه الـهـينـمة |
لك الويل من مخبرٍ ما تقول |
|
أبن لي وعدّ عن الجمجـمة |
فقال خرجت وقاضي القضا |
|
ة مثقلةٌ رجـلـه مـؤلـمة |
فقلت وضاقت عليّ الـبـلاد |
|
وخفت المجلّلة المعـظـمة |
فغزوان حـرّ وأمّ الـولـيد |
|
إن اللّه عافى أبا شـبـرمة |
جزاءً لمعروفه عـنـدنـا، |
|
وما عتق عبدٍ له أو أمـه |
قال: وفي المجلس جار ليحيى بن نوفل يعرف منزله، فلما خرج تبعه وقال: يا أبا معمر، من غزوان وأم الوليد فضحك وقال: أو ما تعرفهما هما سنّوران في البيت.
لأبي الدقيش وقد سئل عن حاله في مرضه قال: حدّثنا الرّياشي عن أبي زيد قال: دخلنا على أبي الدّقيش وهو شاكٍ، فقلنا له: كيف تجدك قال: أجدني أجد ما لا أشتهي، وأشتهي ما لا أجد، ولقد أصبحت في شرّ زمانٍ وشرّ أناسٍ: من جاد لم يجد ومن وجد لم يجد.
مثله لعمرو بن العاص، وغيره قيل: لعمرو بن العاص وقد مرض مرةً: كيف تجدك قال: أجدني أذوب ولا أثوب، وأجد نجوي أكثر من رزئي، فما بقاء الشيخ على هذا!.
سئل عليلٌ عن حاله فقال: أنا مبلٌّ غير مستقلّ، ومتماثلٌ غير متحامل.
وقيل لآخر: كيف تجدك قال: أجدني لم أرض حياتي لموتي.
وقيل لرجل من المعجم: ما حالك قال: ما حال من يريد سفراً طويلاً بلا زادٍ! وينزل منزلاً موحشاً بلا أنيس! ويقدم على جبّار قد قدّم العذر بلا حجّة!.
قيل لعكرمة: كيف حالك قال: بشرٍّ، أصبحت أجرب مبسوراً.
حدّثني أبو حاتم عن الأصمعيّ قال: قيل لشيخ من العبّاد: كيف أنت، وكيف أحوالك فقال: ما كلّها كما أشتهي.
قيل لآخر: ما تشتكي قال: تمام العدّة وانقضاء المدّة.
ل
أبي الدرداء في مرضه وبلغني عن معاوية بن قرّة قال: مرض أبو الدّرداء، فعاده صديقٌ له فقال: أيّ شيء تشتكي قال: ذنوبي. قال: فأيّ شيء تشتهي قال: الجنة. قال: فندعوا لك بالطيب قال: هو أمرضني.
سئل رجلٌ عن حاله فقال:
كنا إذا نحن أردنا لم نجـد |
|
حتى إذا نحن وجدنا لم نرد |
بين معاوية ومصقلة بن هبيرة أرجف الناس بعلّة معاوية وضعفه، فدخل عليه مصقلة بن هبيرة، فأخذ معاوية بيده ثم قال: يا مصقل:
أبقي الحوادث من خلي |
|
لك مثل جندلة المراجم |
قد رامني الأقوام قـب |
|
لك فامتنعت من المظالم |
فقال مصقلة: أمّا قول أمير المؤمنين: "أبقي الحوادث من خليلك"، فقد أبقى اللّه منك جبلاً راسياً وكلأً مرعيّاً لصديقك وسمّاً ناقعاً لعدوّك. وأما قولك: "قد رامني الأقوام قبلك"، فمن ذا يرومك أو يظلمك! فقد كان الناس مشركين فكان أبو سفيان سيّدهم، وأصبح الناس مسلمين وأصبحت أميرهم. فأعطاه معاوية فخرج؛ فسئل عنه فقال: واللّه لغمزني غمزةً كاد يكسر منها يدي وأنتم تزعمونه مريضاً.
بين كثيّر عزّة وعبد الملك بن مروان وقال المدائنيّ: دخل كثيّر عزّة على عبد الملك بن مروان، فقال: يا أمير المؤمنين، لولا أنّ سرورك لا يتمّ بأن تسلم وأسقم لدعوت اللّه أن يصرف ما بك إليّ، ولكن أسأل اللّه لك أيها الأمير العافية ولي في كنفك النعمة. فضحك وأمر له بمال؛ فقال:
ونعود سيّدنـا وسـيّد غـيرنـا |
|
ليت التّشكّي كان بـالـعـواد |
لو كان يقبل فـديةٌ لـفـديتـه |
|
بالمصطفى من طارفي وتلادي |
لآخر وقال آخر:
لا تشكون دهراً صححت به |
|
إنّ لبغني في صحة الجسم |
هبك الخليفة، كنت منتفعـاً |
|
بلذاذة الدنيا مع السّـقـم |
بين المسور وابن عباس
إعتلّ المسور فجاءه ابن عباس يعوده نصف النهار؛ فقال المسور: يا أبا عباس هلاّ ساعةً غير هذه! قال ابن عباس: إنّ أحبّ الساعات إليّ أن أؤدّي فيها الحقّ أشقّها عليّ.
كتاب رجل إلى صديق له يعتذر لتخلّفه عن عيادته وكتب رجل إلى صديق له: كيف أنت بنفسي أنت! وكيف كنت لازلت! وكيف قوتك ونشاطك لا عدمته ما ولا عدمنا هما منك، وأعادك اللّه إلى أحسن ما عوّدك! لولا عوائق يوجب العذر بها تفضّلك لم أدع تعرّف خبرك بالعين، فإنها أشفى للقلب وأنقع للغليل وأشدّ تسكيناً للاعج الشوق.
تهنئة بالعافية واعتذار عن عدم العيادة وقرأت فصلاً في كتاب: لئن تخلّفت عن
عيادتك بالعذر الواضح من العلّة لما أغفل قلبي ذكرك ولا لساني فحصاً عن
خبرك في ممساك ومصبحك وتنقل الحال بك تبعث من تقسم جوارحه وصبك، وزاد في
ألمها ألمك، ومن تتّصل بك أحواله في السراء والضراء. ولما بلغتني إفاقتك
كتبت مهنئاً بالعافية مخبراً بالعذر، معفيّاً من الجواب إلا بخبر السلامة
إرسالاً.
شعر لعبد بني الحسحاس وقال عبد بني الحسحاس:
تجمّعن من شتّى ثلاث وأربـعٌ |
|
وواحدةٌ حتى بلغن ثـمـانـيا |
سليمى وسلمى والرّباب وزينبٌ |
|
وهندٌ ودعدٌ والمنى وقطامـيا |
وأقبلن من بعض الخيام يعدنني |
|
ألا إنّ بعض العـائدات دوائيا |
شعر لعبد اللّه بن مصعب الزبيري "عائد الكلب" وقال عبد اللّه بن مصعب الزّبيريّ:
ما لي مرضت فلم يعدني عائد |
|
منكم ويمرض كلبكم فأعـود |
فسمّي "عائد الكلب"، وولده الآن يسمّون "بني عائد الكلب"
التعازي وما يتمثّل به فيها
لابن جريح يعزّي عبد الوهاب الثقفي حدّثني محمد بن داود عن غسّان بن الفضل قال: قال عبد الوهاب الثّقفيّ: أتاني ابن جريح بمكة يعزّيني عن بعض أهلي، فقال: إنه من لم يسل أهله إيماناً واحتساباً سلا كما تسلو البهائم.
إبراهيم بن يحيى الأسلمي يعزّي المهدي في ابنته كتب إبراهيم بن يحيى الأسلميّ إلى المهديّ يعزّيه عن ابنته: أما بعد، فإن أحقّ من عرف حقّ اللّه فيما أخذ منه من عظّم حقّ اللّه عليه فيما أبقى له. وأعلم أنّ الماضي قبلك هو الباقي بعدك وأنّ أجر الصابرين فيما يصابون به أعظم عليهم من النعمة فيما يعافونة منه مثله لسهل بن هارون ونحوه قول سهل بن هارون: التهنئة على آجل الثواب، أولى من التّعزية على عاجل المصيبة.
لبعض الشعراء وقال بعض الشعراء:
كم من يدٍ لا يستقلّ بشكرها |
|
للّه في ظلّ المكاره كامنه |
يزيد بن معمر السلمي لمعاوية وقد سقطت مقاديم فمه وسقطت مقاديم فم معاوية فشقّ ذلك عليه، فقال له يزيد بن معمر السّلميّ: واللّه يا أمير المؤمنين، ما بلغ أحدٌ سنّك إلا أبغض بعضاً، ففوك أهون علينا من سمعك وبصرك.
لصالح المرّي يعزّي رجلاً وقال صالح المرّيّ لرجل يعزّيه: إن لم تكن مصيبتك أحدثت في نفسك موعظةً فمصيبتك بنفسك أعظم.
ونحوه شرٌّ من المرزئة سوء الخلف عنها.
ومثله قول الشاعر:
إن يكن ما به أصبت جليلاً |
|
فلفقد العزاء فـيه أجـلّ |
لشبيب بن شيبة يعزي المهدي عن ابنته عزّى شبيب بن شيبة المهديّ عن بانوقة، فقال: يا أمير المؤمنين، ما عند اللّه خير لها مما عندك، وثواب اللّه خيرٌ لك منها.
لرجل يعزي عبد اللّه بن طاهر عن ابنته عزّى رجلٌ عبد اللّه بن طاهر عن ابنته فقال: أيها الأمير، مم تجزع الموت أكرم نزّال على الحرم شعر لجرير وقال جرير:
وأهون مفقودٍ إذا الموت نـالـه |
|
على المرء من أصحابه من تقنّعا |
وقال آخر:
ولم أر نعمة شملت كريماً |
|
كنعمة عورةٍ سترت بقبر |
وعزّى رجل رجلاً فقال: لا أراك اللّه بعد هذه المصيبة ما ينسيكها.
شعر لرجل يعزي عمر بن عبد العزيز وقال رجل لعمر بن عبد العزيز:
تعزّ أمير المؤمـنـين فـإنـه |
|
لما قد ترى يغذي الصغير ويولد |
هل ابنـك إلاّ مـن سـلالة آدمٍ |
|
لكلّ على حوض المنيةّ مـورد |
لأبي بكر رضي اللّه عنه يعزي عمر عزّى أبو بكر عمر رضي اللّه عنهما عن طفل أصيب به، فقال: عوّضك اللّه منه ما عوّضه منك.
شعر لمحمود الورّاق وقال محمودٌ الورّاق:
يمثّل ذا اللبّ في نـفـسـه |
|
مصائبه قبـل أن تـنـزلا |
فإن نزلت بغتةً لم تـرعـه |
|
لما كان في نفسه مـثـلاً |
رأى الهمّ يفضي إلى آخـر |
|
فصــيّر آخـــره أولا |
وذو الجهـل يأمـن أيامـه |
|
وينسى مصارع من قد خلا |
فإن بدهته صروف الزمان |
|
ببعض مصـائبـه أعـولا |
ولو قدّم الحزم فـي أمـره |
|
لعلمه الصبر عند الـبـلا |
موسى بن المهدي يعزي سليمان بن أبي جعفر عن ابن له عزّى موسى بن المهديّ سليمان بن أبي جعفر عن ابن له، فقال: أيسرّك وهو بليّة وفتنة ويحزنك وهو صلاة ورحمة! مثله لرجل يعزي موسى بن المهدي عن ابن له وعزّى رجل موسى بن المهديّ عن ابن له فقال: كان لك من زينة الحياة الدنيا، وهو اليوم من الباقيات الصالحات رد عمر بن عبد العزيز على بعض عماله عزّاه عن ابنه سهيلاً توفّي سهيل بن عبد العزيز بن مروان فكتب إلى عمر بن عبد العزيز بعض عمّاله وأطنب في كتابه؛ فكتب إليه عمر:
حسبي حياة اللّه من كل مـيتٍ |
|
وحسبي بقاء اللّه من كل هالك |
إذا ما لقيت اللّه عنّي راضـياً |
|
فإنّ شفاء النفس فيما هنالـك |
لابن السماك يعزّي الرشيد كتب ابن السماك إلى الرشيد يعزيه بابن له: أما بعد فإن استطعت أن يكون شكرك للّه حين قبضه أكثر من شكرك له حين وهبه فإنه حين قبضه أحرز لك هبته، ولو سلم لم تسلم من فتنته؛ أرأيت حزنك على ذهابه وتلهّفك لفراقه! أرضيت الدار لنفسك فترضاها لابنك! أمّا هو فقد خلص من الكدر، وبقيت أنت معلّقاً بالخطر. واعلم أن المصيبة مصيبتان إن جزعت وإنما هي واحدة إن صبرت، فلا تجمع الأمرين على نفسك كتاب عبد اللّه بن طاهر إلى أبي دلف وردّ أبو دلف عليه كتب ابن السّماك إلى الرشيد يعزّيه بابن له: أما بعد، فإن استطعت أن يكون شكرك للّه حين قبضه أكثر من شكرك له حين وهبه، فإنه حين قبضه أحرز لك هبته، ولو سلم لم تسلم من فتنته؛ أرأيت حزنك على ذهابه وتلهّفك لفراقه! أرضيت الدار لنفسك فترضاها لابنك! أمّا هو فقد خلص من الكدر، وبقيت أنت معلقاً بالخطر. واعلم أن المصيبة مصيبتان إن جزعت، وإنما هي واحدة إن صبرت، فلا تجمع الأمرين على نفسك.
كتاب عبد اللّه بن طاهر إلى أبي دلف وردّ أبو دلف عيه كتب عبد اللّه بن طاهر إلى أبي دلف: المصائب حاّلة لا بدّ منها، فمنها ما يكون رحمةً من اللّه ولطفاً بعبده، وآية ذلك أن يوفقّه للصبر ويلهمه الرضا ويبسط أمله فيما عنده من الثواب الآجل والخلف العاجل. ومنها ما يكون سخطاً وانتقاماً، أوّله حزن وأوسطه قنوط وآخره ندامة، وهي المصيبة حقّاً الجامعة لخسران الدنيا والآخرة. ولم تزل عادة اللّه عندك الإخلاف والإتلاف. وإن يك ما نالك الآن أعظم مما أتى عليك في مواضي الأيام، فالأجر المأمول على قدر ذلك.
وكتب أبو دلف إليه: إن تكن المصيبة جلّت، فإن فيما أكرمني اللّه به من جميل رأي الأمير. وما وضح للناس من فضل عنايته وابتدائه إيّاي بكتبه، ما عجّل العوض من المفقود.
وفي كتاب آخر: لئن كانت المصيبة جلّت، إن فيما أبقى اللّه ببقاء الأمير عوضاً وافياً وخلفاً كافياً. وحقيقٌ بمن عظمت النعمة عليه فيما أبقى اللّه أن يحسن عزاؤه عما أخذ منه. وأحق ما صبر علبه ما لا يستطاع دفعه.
لبعض الكتاب في تعزية وقرأت في كتاب لبعض الكتّاب في تعزيةٍ: أسأل اللّه أن يسد بك ما ثملت الأيام من مكانه، ويعمّر ما أخلت من مشاهده وأوطانه حتى لا يعفو الداثر، وأن يستقبل لكم أيامكم بأحسن ما أمضاها لمن منكم، فيجعلكم الخلف الذي لا وحشة معه ولا وحشة عليه، ويتولاكم ويتولانا فيكم بما هو أهله ووليّه.
في التّعازي وقرأت في كتاب تعزيةٍ: لا لوم على دمعةٍ لا تملك أن تسفحها، ولا على ألمٍ في القلب لا يدفع أن يظهر فيك، ولا عذر في سواهما مما أحبط أجرك وأشمت عدوك وضعّف رأيك، ولم يرجع إليك فائتاً ولا إلى شقيقك بمكانه روحاً ولا إلى من خلّف حفظاً. واعلم أن فرق ما بين ذي العقل وذي الجهل في مصيبتهما تعجّل العاقل من الصبر ما يتأجل الجاهل.
وقرأت في كتاب تعزية: لو كانت النوائب مدفوعة عن أحدٍ بكثرة من يقيه ذلك من إخوانه ويفديه منه بالأخص من أعزّته والأنفس من ماله، سلمت من ملمّها، وكان سبقي إلى ذلك أبرز سبق، وحظّي بالتقدّم فيه أوفر حظّ.
وقرأت في كتاب: مصيبتك لي مصيبةٌ، وما نالك من ألمها لي موجع. ولو كان في الوسع أن أعلم كنه ما خامر قلبك من ألمها حملت مثله إلى نفسي، فإني أحبّ أن أكون أسوتك في كل سارّ وغامٍّ، وألاّ أتمتّع بأيام غمومك، ولا أقصّر فيها عن مقدار حالك.
وقرأت في كتاب: نسأل اللّه حسن الاستعداد لما نتوكّفه ونتوقّع حلوله، وألاّ يشغلنا بما يقلّ الانتفاع به وتعظم التّبعة فيه عمّا نحتاج إليه يوم تجد كلّ نفس ما عملت من خيرٍ محضراً، وما عملت من سوءٍ تودّ لو أنّ بينها أمداً بعيداً، وأن يجعل ما وهب لنا من الصبر والعزاء إيماناً وإيقاناً، ولا يجعله ذهولاً ونسياناً.
لأسماء بن خارجة قال أسماء بن خارجة: إذا قدمت المصيبة تركت التعزية، وإذا قدم الإخاء قبح الثناء.
لأعرابية مات ابنها قيل لأعرابية مات ابنها: ما أحسن عزاءك! فقالت: أن فقدي إياه أمّنني من المصيبة بعده.
ونحوه قول الشاعر:
وكنت عليه أحذر الموت وحده |
|
فلم يبق لي شيء عليه أحاذر |
ومثله:
وقد كنت أستعفي الإله إذا اشتكـى |
|
من الأجر لي فيه وإن سرّني الأجر |
شعرلابن العتاهية وقال أبو العتاهية:
وكما تبلى وجوهٌ في الثّرى |
|
فكذا يبلى عليهن الحـزن |
في الأثر وفي الحديث: "من يرد اللّه به خيراً يصب منه".
ويقال: المصيبة الموجعة تدرّ ذكر اللّه في قلب المؤمن.
بين الأصمعي وأعرابية مات ابنها قال الأصمعي: مررت بأعرابيّة وبين يديها فتىً في السّياق، ثم رجعت ورأيت في يدها قدح سويق تشربه، فقلت لها: ما فعل الشابّ فقلت: واريناه؛ فقلت: فما هذا السّويق فقلت:
على كلّ حالٍ يأكل القوم زادهـم |
|
على البؤس والبلوى وفي الحدثان |
لأعرابي قيل لأعرابيّ: كيف حزنك اليوم على ولدك فقال: ماترك حبّ الغداء والعشاء لي حزناً.
لعمر بن عبد العزيز وقال عمر بن عبد العزيز: إنما الجزع قبل المصيبة، فإذا وقعت فاله عمّا أصابك.
لمحمد بن علي بن الحسين في موت بعض أهله اشتكى بعض أهل محمد بن عليّ الحسين فجزع عليه، ثم أخبر بموته فسرّي عنه؛ فقيل له في ذلك، فقال: ندعوا اللّه فيما نحبّ، فإذا وقع ما نكره لم نخالف اللّه فيما أحبّ.
لعبد اللّه في موت عتبة بن مسعود لما مات عتبة بن مسعود قال عبد اللّه: إذا ما قضى اللّه فيه ما قضى فما أحبّ أنّي دعوته فأجابني.
شعر لرجل من طيّيء قال رجل من طيّي:
فلولا الأسى ما عشت في الناس ساعة |
|
ولكن إذا ما شئت أسعدني مـثـلـي |
وقال آخر:
إذا أنت لم تسا اصطباراً وحسبةً |
|
سلوت على الأيام مثل البهـائم |
بين محمد بن الوليد بن عتبة والوليد بن عبد الملك عزّي محمد بن الوليد بن عتبة الوليد بن عبد الملك فقال: يا أمير المؤمنين، ليشغلك ما أقبل من الموت إليك، عمن هو في شغل مما دخل عليه، وأعدد لنزوله عدّة تكون لك حجاباً من الجزع وستراً من النار.
فقال يا محمد، أرجو ألا تكون رأيت غفلة تنبّه عليها ولا جزعاً يستتر منه، وما توفيقي إلا باللّه.
فقال محمد: يا أمير المؤمنين، إنه لو استغنى أحدٌ عن موعظةٍ بفضلٍ لكنته، ولكنّ اللّه يقول: "وذكّر فإنّ الذّكرى تنفع المؤمنين".
شعر للطائي وقال الطائيّ:
ويفرح بالشيء المعـار بـقـاؤه |
|
ويحزن لمّا صار وهو له ذخـرٌ |
عليك بثوب الصبر إذ فيه ملبـسٌ |
|
فإنّ ابنك المحمود بعد ابنك الصّبر |
وقال أيضاً:
أمالك إنّ الحزن أحلام نائم |
|
ومهما يدم فالوجد ليس بدائم |
تأمّل رويداً هل تعدّنّ سالماً |
|
إلى آدم أم هل تعدّ ابن سالم |
وقال آخر:
اصبر لكلّ مصيبةٍ وتجـلّـد |
|
واعلم بأن الدهر غير مخلّد |
أو ما ترى أنّ الحوادث جمّةٌ |
|
وترى المنية للعباد بمرصد |
وإذا أتتك مصيبةٌ تشجي بها |
|
فاذكر مصابك بالنبيّ محمد |
لرجل يعزّي الرشيد
عزّي رجلالرشيد فقال: يا أمير المؤمنين، كان لك الأجر لا بك، وكان العزاء منك لا عنك.
ما يعزي به أهل نجران بعضهم بعضاً يعزّي أهل نجران بعضهم بعضاً بهذا الكلام: لا يحزنكم اللّه ولا يفتنكم، أثابكم اللّه ثواب المتّقين وأوجب لكم الصلاة والرحمة.
لبعض الزبيريين يعزّي رجلاً عزّى بعض الزّبيرّيين رجلاً فقال: ريصفر ربعك، ولا يوحش بيتك، ولا يضع أجرك، رحم اللّه متوفّاك، وأحسن عليك.
لبعض الشعراء قال بعض الشعراء:
أسكّان بطن الأرض لو يقبل الفدى |
|
فدينا وأعطينا بكم ساكن الظهـر |
فيا ليت من فيها عليك وليت مـن |
|
عليها ثوى فيها مقيماً إلى الحشر |
وقاسمني دهري بنيّ بـشـطـره |
|
فلما توفّى شطره مال في شطري |
فصاروا ديوناً للمنايا ومـن يكـن |
|
عليه لها دين قضاه على عـسـر |
كأنّهم لم يعرف الموت غـيرهـم |
|
فثكلٌ على ثكلً وقبرٌ على قـبـر |
وقد كنت حيّ الخوف قبل وفاتهـم |
|
فلما توفّوا مات خوفي من الدهر |
فللّه ما أعطى وللّـه مـا جـزى |
|
وليس لأيام الرّزيّة كالـصـبـر |
فحسبك منهم موحشاً فقد بـرّهـم |
|
وحسبك منهم مسلياً طلب الأجـر |
لشبيب بن شيبة يعزّي يهودياً عزّى شبيب بن شيبة رجلاً من اليهود فقال: أعطاك اللّه على مصيبتك أفضل ما أعطى أحداً من أهل ملّتك.
للعتبي وقال العتبي:
ما عالج الحزن والحرارة في ال |
|
أحشاء من لم يمـت لـه ولـد |
فجعت بأبنيّ ليس بـينـهـمـا |
|
إلا ليال لـيسـت لـهـا عـدد |
وكلّ حزنٍ يبلى علـى قـدم ال |
|
دّهر وحـزنـي يجـدّه الأبـد |
وقال أيضاً:
ألا يزجر الدهر عنا المنونـا |
|
يبقّي البنات ويفني البنـينـا |
وأنحى علـيّ بـلا رحـمةٍ |
|
فلم يبق لي في جفوني جفونا |
وكنت أبا سبعةٍ كـالـبـدور |
|
أفقّي بهم أعين الحاسـدينـا |
فمرّوا على حادثات الزمـان |
|
كمرّ الدراهم بالنـاقـدينـا |
فأفنـتـهـم واحـداً واحـداً |
|
إلى أن أبادتهم أجمـعـينـا |
وألقـين ذاك إلـى ضـارحٍ |
|
وألقين هـذا إلـى دافـينـا |
وما زال ذلك دأب الـزمـا |
|
ن يفني الأوائل فالأوّلـينـا |
وحتّى بكى لي حـسـادهـم |
|
فقد أقرحوا بالدموع الجفونا |
وحسبك من حادثٍ بامـرىء |
|
ترى حاسديه له راحمـينـا |
وكانوا على ظهرها أنجـمـاً |
|
فأضحوا إلى بطنها ينقلونـا |
فمن كان يسليه مرّ السـنـين |
|
فحزني يجدّده لي السنـونـا |
ومما يسكّن وجـدي بـهـم |
|
بأن المنون ستلقى المنـونـا |
تعزية لأبي بكر رضي اللّه عنه كان أبو بكر رضي اللّه عنه إذا عزّى رجلاً قال: ليس مع العزاء مصيبةٌ ولا مع الجزع فائدة؛ الموت أهون مما قبله وأشدّ مما بعده؛ اذكروا فقد رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم تصغر مصيبتكم؛ وعظّم اللّه أجركم.
تعزية لعليّ رضي اللّه عنه وكان عليّ رضي اللّه عنه إذا عزّى رجلاً يقول: إن تجزع فأهل ذلك الرّحم، وإن تصبر ففي اللّه عوضٌ من كل فائتٍ؛ وصلى اللّه على محمد، وعظّم اللّه أجركم.
شعر لأعرابي ولغيره وقال أعرابيّ:
أيغسا رأسي أو تطيب مشاربي |
|
ووجهك معفورٌ وأنت سلـيب |
نسيبك من أمسى يناجيك طرفه |
|
وليس لمن وارى التراب نسيب |
وإني لأستحي أخي وهو مـيتٌ |
|
كما كنت أستحييه وهو قريبٌ |
وقال أعرابيّ:
وما نحن ألا مثلهم غير أننا |
|
أقمنا قليلاً بعدهم وتقدّموا |
وقال آخر:
وقد كنت أستعفي الإله إذا اشتكـى |
|
من الأجر لي فيه وإن سرّني الأجر |
وأجـزع أن ينـأى بـه بـين لـيلةٍ |
|
فكيف ببين صار ميعاده الحـشـر |
وقال آخر:
وإنّا وإخواناً لنا قد تتابعـوا |
|
لكالمغتدي والرائح المتهجّر |
لسليمان الأعجمي وقال سليمان الأعجميّ:
ربّ مغروسٍ يعاش به |
|
عدمته كفّ مغترسه |
|
||
وكذاك الدهر مـأتـمـه |
|
أقرب الأشياء من عرسه |
|||
شعر تمثّل به معاوية بن أبي سفيان وتمثّل معاوية بن أبي سفيان يوماً فقال:
إذا سار من خلف امرىٍ وأمامه |
|
وأوحش من جيرانه فهو سائر |
وقال آخر:
وإذا قيل مات يوماً فـلانٌ |
|
راعنا ذاك ساعةً ما نحير |
نذكر الموت عند ذاك وننسا |
|
ه إذا غيّبته عنا القـبـور |
وقال آخر:
نراع من الجنائز قابلتنـا |
|
ونلهو حين تخفي ذاهبات |
كروعة ثلّةٍ لمغار سبـع |
|
فلما غاب ظلّت راتعات |
وقال أبو نواس:
سبقونا إلى الرّحي |
|
ل وإنا لبـالأثـر |
تعزية رجل إلى بعض الأمراء وكتب رجل ألى بعض الأمراء في تعزية: الأمير أذكر اللّه من أن يذكّر به، وأعلم بما قضاه على خلقه من أن يدلّ عليه، وأسلك لسبيل الراشدين في التسليم لأمره والصبر على قدره والتنجّز لوعده، من أن ينبّه من ذلك على حظّه، أو أن يحتاج معزّيه عند حادث المصيبة إلى أكثر من الدعاء في قضاء حقّه. فزاده اللّه توفيقاً إلى توفيقه، وأحضره رشده، وسدّد للصواب غرضه، وتولاّه بالحسنى في جميع أموره، إنه سميع قريب. وقد كان من حادث قضاء اللّه في المتوفّى ما أنقض وأرمض، وفجع وأوجع، علماً بما دخل على الأمير من النقص، وعلى سروره من اللوعة، وعلى أنسه من الوحشة، إلى ما خصّني منه بماسّ الرّحم وأوشج القرابة. فأعظم اللّه للأمير الأجر، وأجزل له الذّخر، وعصمه باليقين، وأنجز له ما وعد الصابرين؛ ورحم المتوفّى ولقّاه الأمن والرّوح، وفسح له في المضجع، وجمعه وإيّاه بعد العمر الطويل في الدار التي لا خوف عليهم فيها ولا هم يحزنون.
تعزية إلى أمير وفي كتاب: نحن نحمد اللّه أيّها الأمير إذ أخذ على ما أبقى منك، وإذ سلب على ما وهب بك؛ فأنت العوض من كل فائت، والجابر لكلّ مصيبة، والمؤنس من وحشة كلّ فقد؛ وحقّ لمن كنت له وليّاً وعضداً أن يشغله حمد اللّه على النعمة بك عن الجزع على غيرك.
كتاب من سعيد بن حميد لمحمد بن عبد اللّه يعزيه عن أمه وكتب سعيد بن حميد ألى محمد بن عبد اللّه: ليس المعزّي على سلوك السبيل التي سلكها الناس قبله والمضيّ على السنّة التي سّنها صالحو السلف له؛ وقد بلغني ما حدث من قضاء اللّه في أم الأمير، فنالني من ألم الرّزية وفاجع المصيبة ما ينال خدمة الذين يخصهم ما خصّه من النعم، ويتصرفون معه فيما تناوله اللّه به من المحن. فأعظم اللّه للأمير الأجر، وأجزل له المثوبة والذخر، ولا أراه في نعمةٍ عنده نقصاً، ووفّقه عند النعم للشكر الموجب للمزيد، وعند المحن للصبر المحرز للثواب، إنه هو الكريم الوّهاب. ورحم اللّه الماضية رحمة من رضي سعيه وجازاه بأحسن عمله. ولو كانت السبيل إلى الشخوص إلى باب الأمير سهلة، لكان اللّه قد أجلّ الأمير عن أن يعزّيه مثلي بالرسول دون اللقاء، وبالكتاب دون الشّفاه، ولكن الكتاب لقاء من لا سبيل له إلى الحركة، وقبول العذر عمنّ حيل بينه وبين الواجب.
مثله لابن مكرم ولابن مكرم: وممّا حرّكني للكتاب تعزيتك بمن لا ترميك الأيام بمثل الحادث فيه، ولا تعتاض مما كان اللّه جمعه لك عنده من الميل إليك والصبر على مكروه جفائك، مع ما كان اللّه أعاره من قوّة العقل وأصالة الرأي، ومدّ له من عنانه إلى قصوى الغايات، فإنا للّه وإنا إليه راجعون على ما أفاتتنا الأيام منه حين تمّ واستوى، وغالى في المروءة وتناهى، وعند اللّه يحتسب المصاب به؛ وعظّم اللّه لك فيه الأجر، ومهّل لك في العمر، وأجزل لك العوض والذّخر. فكلّ ماضٍ من أهلك فأنت سداد ملته وجابر رزيّته. وقد خلف من أنت أحقّ الناس به من عجوزٍ وليت تربيتك وحياطتك في طبقات سنّك، وولدٍ ربوا في حجرك ونبتوا بين يديك، ليس لهم بعد اللّه مرجع سواك، ولا مقيل إلا في ذراك؛ فأنشدك اللّه فيهم فإنه أخرب أحوالهم بعمارة مروءته، وقطعهم بصلة فضله، واللّه يجزيه بجميل أثره ويخلفه فيهم بما هو أهله.
تعزية من كتاب وفي فصل من كتاب: وقد جرى قضاء اللّه في هذه النازلة ما نطق عما نالك وأبقىعندك، وهو حقّ مثلها وقدر ملمّها.
وفي فصل آخر: لو كان ما يمسّك من أذى يشتري أو يفتدي، رجوت أن أكون غير باخلٍ بما تضنّ به النفوس، وأن أكون ستراً بينك وبين كل ملمٍّ ومحذورٍ. فأعظم اللّه أجرك، وأجزل ذخرك، ولا خذل صبرك ولا فتنك؛ ولا جعل للشيطان حظاً فيك ولا سبيلاً عليك.
بين الوليد وعبسيّ المدائني قال: قدم رجل من عبسٍ، ضريرٌ محطوم الوجه، على الوليد؛ فسأله عن سبب ضرّه، فقال: بتّ ليلةً في بطن وادٍ ولا أعلم على الأرض عبسيّاً يزيد ماله على مالي، فطرقنا سيلٌ فأذهب ما كان لي من أهلٍ ومالٍ وولد إلا صبيّاً رضيعاً وبعيراً صعباً، فندّ البعير والصبيّ معي فوضعته واتّبعت البعير لأحبسه، فما جاوزت إلا ورأس الذئب في بطنه قد أكله، فتركته وأتبعت البعير، فرمحني رمحةً حطم بها وجهي وأذهب عيني، فأصبحت لا ذا مالٍ ولا ذا ولد. فقال الوليد: اذهبوا به إلى عروة ليعلم أن في الناس من هو أعظم بلاءً منه. وكان عروة بن الزّبير أصيب بابنٍ له وأصابه الداء الخبيث في إحدى رجليه فقطعها، فكان يقول: كانوا أربعة - يعني بنيه - فأبقيت ثلاثة وأخذت واحداً، وكنّ أربعاً - يعني يديه ورجليه - فأخذت واحدة وأبقيت ثلاثاً. أحمدك، لئن كنت أخذت لقد أبقيت، ولئن كنت أبقيت لقد عافيت. وشخص إلى إلى المدينة فأتاه الناس يبكون ويتوجّعون؛ فقال: إن كنتم تعدّونني للسّباق والصّراع فقد أودى، وإن كنتم تعدّونني للّسان والجاه فقد أبقى اللّه خيراً كثيراً.
شعر لعلي بن الجهم وقال عليّ بن الجهم:
من سبق السّلوة بالصبـر |
|
فاز بفضل الحمد والأجر |
يا عجباً من هلعٍ جـازعٍ |
|
يصبح بين الذّم والـوزر |
مصيبة الإنسان في دينـه |
|
أعظم من جائحة الدهر |
لبعض الشعراء وقال بعض الشعراء:
ليت شعري ضلةً |
|
أيُّ شيءٍ فتلـك |
والمنـايا رصـدٌ |
|
للفتى حيث سلك |
كلّ شيء قاتـل |
|
حين تلقى أجلك |
ليت نفسي قدّمت |
|
للمنايا بـدلـك |
أيُّ شيءٍ حسـنٍ |
|
للفتى لم يك لك |
وقال آخر:
غرّ امرؤ منتـه نـف |
|
سٌ أن تدوم له السلامة |
هيهات! أعـيا الأولـي |
|
ن دواء دائك يا دعامه |
شعر لصفة الباهلية ترثي أختها وقالت صفيّة الباهليّة في أختها:
كنا كغصنين في جرثومةٍ سـمـوا |
|
حيناً بأحسن ما تسموا له الشجـر |
حتى إذا قيل قد طالت فروعهمـا |
|
وطاب قنواهما واستنظر الثـمـر |
أخنى على واحدي ريب الزمان ولا |
|
يبقي الزمان على شـيءٍ ولا يذر |
كنّا كأنجم ليلٍ وسـطـنـا قـمـرٌ |
|
يجلو الدّجى فهوى من بيننا القمر |
للطائي وغيره ومن هذا أخذ الطائي قوله:
كأنّ بني تبهـان يوم وفـاتـه |
|
نجوم سماءٍ خرّ من بينها البدر |
وقال آخر:
لكلّ أناسٍ مقبـرٌ بـفـنـائهـم |
|
فهم ينقصون والقبـور تـزيد |
وما إن يزال رسم دارٍ قد اخلقت |
|
وبيتٌ لميتٍ بالـفـنـاء جـديد |
هم جيرة الأحياء أمّا جوارهـم |
|
فدانٍ وأمّا الملتقـى فـبـعـيد |
وقال آخر:
لا يبعد اللّه أقواماً لنا ذهبوا |
|
أفناهم حدثان الدهر والأبد |
نمدّهم كلّ يومٍ من بيّتـنـا |
|
ولا يؤوب إلينا منهم أحـد |
وقال النابغة:
حسب الخليلين أنّ الأرض بينهما |
|
هذا عليها وهذا تحتها بـالـي |
وقال آخر:
وقد كنت أرجو أن أملاّك حقبةً |
|
فحال قضاء اللّه دون رجـائيا |
ألا ليمت من شاء بعدك إنمـا |
|
عليك من الأقدار كان حذاريا |
وقال آخر:
لعمرك ما وارى التراب فعاله |
|
ولكنه وارى ثياباً وأعظـمـا |
لفضالة بن شريك فضالة بن شريك:
رمى الحدثان نسوة آل حربٍ |
|
بفادحةٍ سمدن لها سـمـودا |
فردّ شعورهنّ السود بيضـاً |
|
وردّ وجوههن البيض سودا |
وقال آخر:
أمّا القبور فإنّهنّ أوانـسٌ |
|
بجوار قبرك والديار قبور |
عمّت مصيبته فعمّ هلاكه |
|
فالناس فيه كلّهم مأجـور |
ردّت صنائعه عليه حياتـه |
|
فكأنه من نشرها منشور |
لمنصور النّمري منصور النّمريّ:
فإن يك أفنته الليالي فأوشكت |
|
فإنّ له ذكراً سيفني الليالـيا |
شعر لطفيل يذكر الموت وقال طفيلٌ يذكر الموت:
مضوا سلفاً قصد السبيل عليهم |
|
وصرف المنايا بالرجال تقلّب |
وقال هشام أخو ذي الرّمّة:
تعزّيت عن أوفى بغيلان بعـده |
|
عزاءً وجفن العين ملآن مترع |
ولم تنسني أوفى المصيبات بعده |
|
ولكنّ نكء القرح بالقرح أوجع |
لبعض الكتّاب وفي فصل من كتاب لبعض الكتّاب: لست أحتاج مع علمك بما في الصبر عند نازل المصيبة من الفضيلة، وما في الشكر عن حادث النعمة من الحظ، إلى أكثر من الدعاء في قضاء الحقّين. ولا إلى إخبارك عمّا أنا عليه من الارتماض لضرّائك والجذل بسرائك، لمعرفتك بشركتي لك واتصال حالك بي في الأمرين.
التهاني
بين الحسن ورجل يهنّئه حدّثني زيد بن أخزم قال: حدّثنا أبو قتيبة قال: حدّثنا ميمون "قال" حدّثنا أبو عبد اللّه النّاجي قال: كنت عند الحسن، فقال رجل: ليهنئك الفارس. فقال: لعله يكون بغّالا، ولكن قل: شكرت الواهب، وبورك لك في الموهوب، وبلغ أشدّه، ورزقت برّه.
للنبي صلى اللّه عليه وسلم قال مجاهد: كان رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم إذا دعا لمتزوّج قال: "على اليمن والسعادة والطير الصالح والرزق الواسع والمودّة عند الرحمن" أبو الأسود يهنىء رجلاً تزوّج قال أبو الأسود لرجل يهنّئه بتزويج: باليمن والبركة، وشدّة الحركة، والظفر في المعركة.
نهى النبي صلى اللّه عليه وسلم عن قول: بالرفاء والبنين وكان رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ينهى أن يقال: "بالرّفاء والبنين" لعطاء بن أبي صيفي الثقفي يعزّي يزيد بن معاوية ويهنئه في مقام واحد وكان يقال: إن أوّل من هنّأ وعزّى في مقام واحد عطاء بن أبي صيفيّ الثّقفيّ. عزّى يزيد بن معاوية بأبيه وهنّأه بالخلافة، ففتح للناس باب الكلام، فقال: أصبحت رزئت خليفةً وأعطيت خلافة اللّه. قضى معاوية نحبه، فغفر اللّه ذنبه؛ ووليت الرياسة، وكنت أحقّ بالسياسة؛ فاحتسب عند اللّه أعظم الرزّية واشكر اللّه على أعظم العطّية. وعظّم اللّه في أمير المؤمنين أجرك،وأحسن على الخلافة عونك.
مثله لأعرابية والمنصور العباسي وقلت أعرابيّة للمنصور في طريق مكة بعد وفاة أبي العبّاس: أعظم اللّه أجرك في أخيك؛ لامصيبة على الأمة أعظم من مصيبتك، ولا عوض لها أعظم خلافتك.
بين الحجاج وأيوب بن القرّيّة قال الحجّاج لأيوب بن القرّيّة: اخطب عليّ
هند بنت أسماء، ولا تزد على ثلاث كلمات. فأتاهم فقال: أتيتكم من عند من
تعلمون، والأمير معطيكم ما تسألون أفتنكحون أم تردّون قالوا: بل أنكحنا
وأنعمنا. فرجع ابن القرّية إلى الحجّاج فقال: أقرّ اللّه عينك، وجمعٍ شملك،
وأنبت ريعك؛ على الثبات والنبات، والغنى حتى الممات؛ جعلها اللّه ودوداً
ولوداً، وجمع بينكما على البركة والخير.
لبعض الكتّاب يهنّىء رجلاً بدار انتقل إليها كتب بعض الكتّاب إلى رجل يهنئه
بدار انتقل إليها: بخير منتقلٍ، وعلى أيمن طائر، ولأحسن إبّان، أنزلك اللّه
عاجلاً وآجلاً خير منازل المفلحين.
تهنئة ابن الرقاع لمتزوّج وقال ابن لمتزوّج:
قمر السماء وشمسها اجتمعا |
|
بالسّعد ما غابا وما طلعـا |
ما وارت الأستار مثلهمـا |
|
فيمن رأيناه ومن سمـعـا |
دام السّرور له بها ولـهـا |
|
وتهنّأ طول الحياة مـعـاً |
تهنئة رجل لصديق بالدخول على أهله وكتب رجل إلى صديق له يهنئه بالدخول على أهله: قد بلغني ما هيّأ اللّه لك من اجتماع الشّمل، بضمّ الأهل؛ فشركتك في النعمة، وكنت أسوتك في السرور، وشاهدتك بقلبي، ومثلت ما أنت فيه لعيني، فحللت بذلك محلّ المعاين للحال وزينتها، فهنيئاً هنأك اللّه ما قسم لك، وبالرّفاء والبنين، وعلى طول التعمير والسنين.
من بعض الكتّاب إلى عامل
وكتب آخر من الكتّاب إلى عامل: نحن من السرور، بما قد استفاض من جميل أثرك فيماتلي من أعمالك وخطمك وزمّك إيّاها بحزمك وعزمك، وانتياشك أهلها من جور من وليهم قبلك، وسرورهم بتطاول أيّامك والكون في ظلّ جناحك، في غاية من تخّصه وتعمّه نعمك، وتجول به الحال حيث جالت بك، فالحمد للّه الذي جعل العاقبة لك، ولم يردد علينا آمالنا منكوسةً فيك، كما ردّها على غيرنا في غيرك وهنيئأ هنأك اللّه نعمه خاصّها وعامّها، وأوزعك شكرها وأوجب لك بالشكر أحسن المزيدر فيها.
تهنئة كلتب لنصراني أسلم وكتب رجلٌ من الكتّاب إلى نصراني قد أسلم يهنئه: الحمد للّه الذي أرشد أمرك، وخصّ بالتوفيق عزمك، وأوضح فضيلة عقلك ورجاحة رأيك؛ فما كانت الآداب التي حويتها والمعرفة التي أويتها؛ لتدوم بك على غوايةٍ وديانةٍ شائنةٍ لا تليق بلبك ولا يبرح ذوو الحجا من موجبي حقّك ينكرون إبطاءك وتركك البدار إلى الدّين القيّم الذي لا يقبل اللّه غيره ولا يثيب إلا به، فقال:"ومن يبتغ غير الإسلام ديناً فلن يقبل منه"، وقال:"إنّ الدّين عند اللّه الإسلام". والحمد للّه الذي جعلك في سابق علمه ممن هداه لدينه، وجعله من أهل ولايته، وشرّفه بولاء خليفته. وهنأك اللّه نعمته، وأعانك على شكره؛ فقد أصبحت لنا أخاً ندين بمودّته وموالاتهبعد التأثّم من خلطتك ومخالفة الحقّ بمشايعتك؛ فإنّ اللّه عزّ وجلّ يقول:"لا تجد قوماً يؤمنون باللّه واليوم الآخر يوادّون من حادّ اللّه ورسوله ولو كانواآباءهم أو أبناءهم أو إخوانهم أو عشيرتهم".
تهنئة بحجّ وكتب رجلٌ من الكتّاب تهنئةً بحجٍّ: الحمد للّه على تمام مهاجرك، وسلامة بدأتك ورجعتك، وإعظامه المنّة بأوبتك؛ وشكر اللّه سعيك، وبرّ حجّك، وتقبّل نسكك؛ وجعلك ممنٍ قلبه مفلحاً منجحاً، قد ربحت صفقته، ولم تبر تجارته، ولا أعدمك نيّةً تفضل عملك، وتوفيقاً يحوط دينك، وشكراً يرتبط نعمتك؛ فهنأكم اللّه النعمة، وجمعكم في دار الخلافة، وجعلكم ساسة الأمّة والمتقدّمين عند الإمام - أيّده اللّه بالطاعة والنصيحة - فإنّكم زين السلطان، وعمدة الإخوان، وأضداد أكثر أهل الزمان.
تهنئة بفطام مولود وكتب إلى رجل عن صديق له يهنّئه بفطام مولود: أنا - أعزّك اللّه - لما حمّلني اللّه من أياديك، وأودعني من إحسانك، وألزمني من شكرك، آخذ نفسي بمراعاة أمورك، وتفقّد أحوالك، وتعرّف كلّ ما يحدثه اللّه عندك، لأقابله بما يلزمني، وأقضي الحقّ فيه عنّي بميلغ الوسع ومقدار الطاقة، وإن كانا لا يبلغان واجبك، ولا يستقلاّن بثقل عارفتك. وكلّ ما نقّل اللّه الفتى"و" بلّغه من أحوال البلوغ ورقّاه فيه من درجات النموّ، فنعمةٌ من اللّه حادثةٌ تلزم الشكر، وحقّ يجب قضاؤه بالتهنئة. وكتب أليّ وكيلي المقيم ببابك يذكر ما وهبه اللّه من سلامته عند الفطام، وصلاح جسمه عند الطعام، وسلوته عن أوّل الغذاء، وسرورك ومن يليك بما وهب اللّه في هذه الحال من عافيته وحسن المدافعة عنه؛ فأكثرت للّه الحمد، وأسهبت في الدعاء والرغبة، وتصدّقت عنه بما أرجو أن يتقبّله؛ وكتبت مهنئاً بتجدّد النعمة عندكم فيه. فالحمد للّه المتطوّل علينا قبله بما هو أهله، والمجري لنا فيما يوليك على حسن عادته. وهنأك اللّه النعم، وصانها عندك من الغير، وحرسها بالشكر، وبلغ بالفتى أقصى مبالغ الشرف، وجعلك من الأمل فيه والرجاء له على العيان واليقين، بمنّه فضله.
تهنئة بحجّ إلى صاحبه: الحقّ للسادة عندما يجدّده اللّه لهم من نعمه في الدعاء من جلائل حقوقهم على أوليائهم. وقد خصّ اللّه حقّك بما لا يسعني معه ادّخارٍ مجهودٍ في تعظيمه وشكره. ولولا أنّ الطاعة من حدوده، لم أنتظر إذنك لي في تلقّيك راجلاً بالأوبة، إذ كان الكتاب بها دون السّعي بأبلغ نصيبٍ من التقصير. وأنا أسأل اللّه الذي أوفدك إلى بيته الحرام، وعمر بك مشاهدة العظام؛ وأوردك حرمه سالماً، وأصدرك عنه غانماً؛ ومنّ بك على أوليائك وخدمك، أن يهنئك بما أنعم به عليك في بدأتك ورجعتك؛ بتقّبل السّعي ونجح الطّلبة وتعريف الإجابة.
تهنئة بولاية
وكتب بعض الكتّاب تهنئةً بولاية: فإنه ليس من نعمةٍ يجدّدها اللّه عندك، والصنع الجميل تحدثه لك الأيّام، إلا كان ارتياحي له واستبشاري به واعتدادي بما يهب اللّه لك من ذلك، حسب حقّك الذي توجبه، وبرّك الذي أشكره، وإخائك الذي يعزّ ويحلّ عندي موقعه؛ فجعل اللّه ذلك فيه وله، ووصله بتقواه وطاعته. وبلغني خبر الولاية التي وليتها، فكنت شريكك في السرور وعديلك في الإرتياح، فسألت اللّه أن يعرّفك يمنها وبركتها، ويرزقك خيرها وعادتها، ويحسن معونتك على صالح نيّتك في الإحسان إلى أهل عملك والتألف لهم، واستعمال العدل فيهم ويرزقك محبتهم وطاعتهم، ويجعلهم خير رعيّة.
كتاب إلى معزول وكتب رجلٌ إلى معزول: فإن أكثر الخير فيما يقع بكره العباد، لقول اللّه عزّ وجلّ. "وعسى أن تكرهوا شيئاً وهو خيرٌ لكم وعسى أن تحبّوا شيئاً وه شرٌ لكم" وقال أيضاً: "فعسى أن تكرهوا شيئاً ويجعل اللّه فيه خيراً كثيراً" وعندك بحمد اللّه من المعرفة بتصاريف الأمور، والإستدلال بما كان منها على ما يكون، مغنىً عن الإكثار في القول. وقد بلغني انصرافك عن العمل على الحال التي انصرفت عليها من رضا رعيّتك ومحبّتهم وحسن ثنائهم وقولهم، لما بقيّت من الأثر الجميل عند صغيرهم وكبيرهم، وخلّفت من عدلك وحسن سيرتك في الداني منهم والقاصي من بلدهم؛ فكانت نعمة اللّه عليك في ذلك وعلينا، نعمةً جلّ قدرها ووجب شكرها. فالحمد للّه على ما أعطاك، ومنح فيك أولياءك وأرغم به أعداك، ومكّن لك من الحال عند من ولاّك؛ فقد أصبحنا نعتدّ صرفك عن عملك منحاً مجدّداً، يجب به تهنئتك، كما يجب التوجّع لغيرك.
أيضاً تهنئة بحج وكتب رجلٌ من الكتّاب في تهنئة بحجّ: لولا أنّ عوائق أشغالٍ يوجب العذر بها تفضّلك ويبسطه احتمالك، لكنت مكان كتابي هذا مهنّئاً لك بالأوبة، ومجدّداً بك عهداً، ومحيياً نفسي بالنظر إلك. وانا أسأل اللّه أن يشكر سعيك، ويتقبّل حجّك، ويثبت في علّييّن أثرك، ولا يجعله من الوفادة إليه آخر عهدك.
تهنئة لبعض الكتاب وكتب بعض الكتّاب: لا مهنّئ أولى ما يكون مهنئاً، تعظيماً لنعمه فيما جدّد اللّه لك يا مولاي بالولاية، منّي؛ إذ كنت أرجو بها انضمام نشري، وتلافي اللّه بعنايتك المتشتّت من أمري. فهنأك اللّه تجدّد النعم، وبارك لك في الولاية، وافتتحها لك بالصّنع الجميل، وختمها لك بالسلامة، إنه سميع قريب.