الكتاب السابع: كتاب الاخوان - الاعتذار

الاعتذار

كان يقال: الأعتراف يهدم الأقتراف كتاب اعتذار لبعض الكتّاب كتب بعض الكتّاب إلى بعض العمال: لو قابلت حقّك عليّ بمتقدّم ومؤكّد الحرمة إلى ما جدّده اللّه لك بالسلطان والولاية، لم أرض في قضائه بالكتاب دون تجشّم الرّحلة ومعاناة السفر إليك، لا سيما مع قرب الدار منك؛ غير أن الشغل بما ألفيت عليه أموري من الأنتشار وعلائق الخراج وغير ذلك مما لا خيار معه؛ أحلّني في الظاهر محلّ المقصّرين؛ وإن وهب اللّه فرجةً من الشغل وسهّل سبيلاً إليك، لم أتخلّف عمّا لي فيه الحظّ من مجاورتك والتنسّم بريحك والتيمّن بالنظر إليك، غادياً ورائحاً عليك، إن شاء اللّه تعالى كتاب ابن الجهم وهو في الحبس إلى نجاح كتب ابن الهجم إلى نجاح من الحبس:

إن تعف عن عبدك المسىء ففي

 

فضلك مأوىً للصّفح والمنـن

أتيت ما استحـقّ مـن خـطـا

 

فعدّ لما تستحق مـن حـسـن

للحسن بن وهب يعتذر وكتب الحسن بن وهب:

ما أحسن العفو من القـادر

 

لا سيّما عن غير ذي ناصر

إن كان لي ذنبٌ ولا ذنب لي

 

فما له غيرك من غـافـر

أعوذ بالودّ الـذي بـينـنـا

 

أن يفسـد الأول بـالآخـر

اعتذار جعفر بن يحيى لرجل استبطأه العطاء كتب رجلٌ إلى جعفر بن يحيى يستبطئه، فوقّع في ظهر كتابه: أحتجّ عليك بغالب القضاء، وأعتذر إليك بصادق النيّة لبعض الشعراء قال بعض الشعراء:

وتعذر نفسك إمّـا أسـات

 

وغيرك بالعذر لا تـعـذر

وتبصر في العين منه القذى

 

وفي عينك الجذع لا تبصر

وقال بعض الشعراء:

ياذا المميّز لـلأخـاء ولـل

 

إخوان في التفضيل والقدر

لا يقبضنك عن معاشرتـي

 

بالأنس أن قصّرت في برّي

إني إذا ضاق امرؤ بـجـداً

 

عنّي استعنت عليه بالعـذر

في الأثر وفي الحديث المرفوع:"من لم يقبل من معتذرٍ صادقاً كان أو كاذباً لم يرد عليّ الحوض" وفيه: "أقيلوا ذوي الهنات عثراتهم" بين أبي عبيد اللّه الكاتب ورجل اعتذر إليه إعتذر رجل إلى أبي عبيد اللّه الكاتب فقال: ما رأيت عذراً أشبه باستئناف ذنبٍ من عذرك.

ما قيل في أعجل الذنوب وكان يقال: أعجل الذنوب عقوبةً العذر، واليمين الفاجرة، وردّ التائب وهو يسأل العفو خائباً.

وقال مطّرف: المعاذر مكاذب إبراهيم النخعي يرد على رجل اعتذر إليه اعتذر رجل إلى إبراهيم فقال له: قد عذرتك غير معتذرٍ، إن المعاذير يشوبها الكذب.

ويقال. ما اعتذر مذنبٌ إلا ازداد ذنباً وقال الشاعر:

لا ترج رجعة مذنب

 

خلط احتجاجاً باعتذار

اعتذر رجل إلى سلم بن قتيبة، فقبل منه وقال: لا يدعونّك أمر تخلصت منه إلى أمر لعلك لا تتخلص منه.
لبعض الشعراء وقال الشاعر:

فلا تعذراني في الإسـاءة إنـه

 

شرار الرجال من يسيء فيعتذر

وقال ابن الطّثريّة:

هبيني امرأً إما بريئاً ظلمته

 

وإما مسيئاً تاب بعد وأعتبا

وكنت كذي داءٍ تبغّي لدائه

 

طبيباً فلما لم يجده تطبّبـا

اعتذار لبعض الكتّاب

كتب بعض الكتّاب معتذراً: توهّمت، أعزك اللّه، نفرتك عند نظرتك إلى عنوان كتابي هذا بإسمي، لما تضمنتّه من السّخيمة عليّ، فأخليته منه؛ وانتظرت باستعطافك من طويّتك في عاقبة امتداد العهد، وأمنت اضطغانك لنفي الدّين الحقد، واختصرت من الإحتجاج المنتسب إلى الإصرار، والإعتذار المتعاود بين النّظراء، والإقرار المثّبت للأقدام، الإستسلام لك. على أنك إن حرمتني رضاك اتّسعت بعفوك، وإن أعدمنيهما توغّر صدرك لم تضق من الرّقة عليّ من مصيبة الحرمان؛ وإن قسوت رجعت بك عواطف من أياديك عندي نازعةٌ بك إلى استتمامها لديّ. ومن حدود فضائل الرؤساء مقابلة سوء من خوّلوا بالإحسان. ولا نعمة على مجرم إليه أجزل من الظفر، ولا عقوبة لمجرم أبلغ من الندم؛ وقد ظفرت وندمت. كتبت وإنا على ما تحبّ بشراً إن تغمدت زّلتي، وكما تحب ضراً إن تركت إقالتي، وبخيرٍ في كلتا الحالتين ما بقيت.
وكتبت في كتاب اعتذار واستعطاف: كم عسى أن يكون انتظاري لعطفك! وكم عسى أن يكون تماديك في عتبك؛ لولا أني مضطرٌ إلى وصلك وأنت مطبوع على هجري. لقد استحييت واستحييت من ذلّي وعزّك، وخفضي جناحي ونأيٍ بجانبك.

وفي كتاب آخر: قد أودعني اللّه من نعمك ما بسطني في القول مدلاًّ به عليك، ووكّد من حرمتي بك ما شفع لي في الذنوب إليك، وأعلقني من أسبابك مالا أخاف معه نبوات الزمان عليّ فيك، وأمّنتني بحلمك وأناتك بادرة غضبك؛ فأقدمت ثقةً بإقالتك إن عثرت، وبتقويمك إن زغت، وبأخذك بالفضل إن زللت.
من كتاب اعتذار وفي كتاب اعتذار: أنا عليلٌ منذ فارقتك، فإن تجمع عليّ العلّة وعتبك أفدح. على أن ألم الشوق قد بلغ بك في عقوبتي؛ وحضرني هذا البيت على ارتجالٍ فوصلت به قولي:

لك الحق إن تعتب عليّ لأنني

 

جفوت وإمّا تغتفر فلك الفضل

أنهيت عذري لأنتهي إلى تفضّلك بقبوله وإن أبلك يمح إفراطي في البرّ بك تفريطي فيه وإلى ذلك ما أسالك تعريفي خيرك لأراح إليه، وأستزيد اللّه في أسره لك.

وفي فصل آخر: أنا المقرّ بقصوري عن حقكّ واستحقاقي جفاءك، وبفضلك من عذلك أعوذ، فو اللّه لئن تأخرّ كتابي عنك، ما أستزيد نفسي في شكر مودّتك، ولطيف عنايتك.كيف يسلاك أو ينساك أخٌ مغرمٌ بك يراك زينة مشهدة ومغيبة!

وكيف أنساك لا أيديك واحـدةٌ

 

عندي ولا بالذي أوليت من نعم

وفي آخر الكتاب:

إذا اعتذر الصديق إليك يوماً

 

من التقصير عذر أخٍ مقرّ

فصنه عن عتابك واعف عنه

 

فإن الصفح شيمة كلّ حـرّ

شعر للخليل بن أحمد في الإعتذار وقال الخليل بن أحمد:

لو كنت تعلم ما أقول عذرتني

 

أو كنت أجهل ما تقول عذلتكا

لكن جهلت مقالتي فعذلتـنـي

 

وعلمت أنك جاهلٌ فعذرتكـا

لبزر جمهر وقد سئل عن عدم معاتبة الجهلة قيل لبزر جمهر: ما بالكم لا تعاتبون الجهلة قال: لأنا لا نريد من العميان أن يبصروا.

شعر لابن الدمينة وقال ابن الدّمينة:

بنفسي وأهلي من إذا عرضوا له

 

ببعض الأذى لم يدر كيف يجيب

ولم يعتذر عذر البريء ولم تزل

 

به ضعفةٌ حتى يقـال مـريب

لرجل يعتذر إلى صديقه وكتب رجل إلى صديق له يعتذر: أنا من لا يحاجّك عن نفسه، ولا يغالطك عن جرمه، ولا يلتمس رضاك إلاّ من جهته، ولا يستعطفك إلا بالإقرار بالذنب، ولا يستميلك إلاّ بالإعتراف بالزّلة.

وقرأت في كتاب: لست أدري بأيّ شيء استجزت تصديق ظنك حتى أنفذت عليّ به حكم قطيعتك، فواللّه ما صدق عليّ ولا كاد، ولا استجزت ما توهّمته فيمن لا يلزمني حقّه.

وأعيذك باللّه من بدارٍ إلى حكم يوجب الإعتذار، فإن الأناة سبيل أهل التّقى والنّهى؛ والظنّ والإسراع إلى ذوي الإخاء ينتجان الجفاء، ويميلان عن الوفاء إلى اللّقاء.

لإسماعيل بن عبد اللّه يعتذر في آخر يوم من شعبان قال إسماعيل بن عبد اللّه وهو يعتذر إلى رجل في آخر يوم من شعبان: واللّه فإني في غبّر يومٍ عظيم، وتلقاء ليلة تفتّر عن أيامٍ عظامٍ، ما كان ما بلغك.

كتاب اعتذار

وقرأت في كتاب معتذرٍ: إنك تحسن مجاورتك للنعمة، واستدامتك لها، واجتلابك ما بعد منها بشكر ما قرب، واستعمالك الصفح لما في عاقبته من جميل عادة اللّه عندك؛ ستقبل العذر على معرفةٍ منك بشناعة الذنب، وتقيل العثرة وإن لم تكن على يقينٍ من صدق النيّة، وتدفع السيئة بالتي هي أحسن.

بين جعفر البرمكي ورجل اعتذر إليه اعتذر رجلٌ إلى جعفر بن يحيى البرمكي، فقال له جعفر: قد أغناك اللّه بالعذر منّا عن الإعتذار، وأعنانا بالمودّة لك عن سوء الظن بك.

لبعض الشعراء وقال بعض الشعراء:

إذا ما امرؤٌ من ذنبه جاء تائباً

 

إليك فلم تغفر له فلك الذنب

بين الحسن وورد بن عاصم المبرسم وقد هجاه ثم اعتذر له كان الحسن بن زيد بن الحسن والياً للمنصور على المدينة، فهجاه ورد بن عاصم المبرسم فقال:

له حقٌّ وليس علـيه حـقٌّ

 

ومهما قال فالحسن الجميل

وقدكان الرسول يرى حقوقاً

 

عليه لأهلها وهو الرسول

فطلبه الحسن فهرب منه، ثم لم يشعر إلا وهو ماثلٌ بين يديه يقول:

سيأتي عذري الحسن بن زيدٍ

 

وتشهد لي بصفّين القبـور

قبورٌ لو بأحمد أو عـلـيًّ

 

يلوذ مجيرها حفظ المجير

هما أبواك من وضعا تضعه

 

وأنت برفع ما رفعا جدير

فاستخف الحسن كرمه، فقام إليه فبسط له رداءه وأجلسه عليه.

في كتاب لمعتذر وفي كتاب لمعتذرٍ: علوّ الرّتبة واتّساع القدرة وانبساط اليد بالسّطوة، ربما أنست ذا الحنق المحفظ من الأحرار فضيلة العفو وعائدة الصّفح وما في إقالة المذنب واستبقائه من حسن السماع وجميل الأحدوثة، فبعثته على شفاء غيظه، وحرّكته على تبريد غلّته، وأسرعت به إلى مجانبة طباعه وركوب ما ليس من عادته. وهمّتك تجلّ عن دناءة الحقد، وترتفع عن لؤم الظّفر. فصل في الإعتذار وفي فصل: نبت بي عنك غرّة الحداثة فردّتني إليك الحنكة، وباعدتني عنك الثقة بالأيام فأدنتني إليك الضرورة، ثقةً بإسراعك إليّ وإن كنت أبطأت منك، وقبولك العذر وإن كنت ذنوبي قد سدت عليك مسالك الصّفح؛ فأيّ موقفٍ هو أدنى من هذا الموقف لولا أن المخاطبة فيه لك! وأيّ خطّةٍ هي أودى بصاحبها من خطّةٍ أنا راكبها لولا أنها في رضاك!.

بين الحجاج وعمرو بن عتبة أوقع الحجاج يوماً بخالد بن يزيد يعيبه وينتقصه وعنده عمرو بن عتبة: فقال عمرو: إن خالداً أدرك من قبله وأتعب من بعده بقديمٍ غلب عليه وحديث لم يسبق إليه. فقال الحجّاج معتذراً: يا بن عتبة، إنا لنسترضيكم بأن نغضب عليكم، ونستعطفكم بأن ننال منكم، وقد غلبتم على الحلم، فوثقنا لكم به، وعلمنا أنكم تحبون أن تحلموا، فتعرّضنا للذي تحبون.

بين أبي مسلم وقائدٍ له تطاول عليه وقع بين أبي مسلم وبين قائد له كلام، فأربى عليه القائد إلى أن قال له: يا لقيط! فأطرق أبو مسلم، فلما سكتت عنه فورة الغضب ندم وعلم أنه قد أخطأ واعتذر وقال: أيها الأمير، واللّه ما انبسطت حتى بسطتني ولا نطقت حتى أنطقتني فاغفر لي. قال: قد فعلت. فقال: إني أحبّ أن أستوثق لنفسي. فال أبو مسلم: سبحان اللّه! كنت تسيء وأحسن، فلما أحسنت أسيء!

شعر للطائي:

وكم ناكثٍ للعهد قد نكثت بـه

 

أمانيه واستخذي بحقّك باطله

فحاط له الإقرار بالذنب روحه

 

وجثمانه إذ لم تحطه قبـائلـه

وقال آخر:

حتى متى لا تزال معتذراً

 

من زلّة منك ما تجانبها

لا تتّقي عيبها علـيك ولا

 

ينهاك عن مثلها عواقبها

لتركك الذنب لا تقارفـه

 

أيسر من توبةٍ تقاربهـا

أعرابي يخاطب ابن عم له قال أعرابيّ لابن عمٍّ له: سأتخطّى ذنبك إلى عذرك، وإن كنت من أحدهما على يقينٍ ومن الآخر على شكّ؛ ليتمّ المعروف منّي إليك، ولتقوم الحجّة مني عليك.

عتب الإخوان والتباغض والعداوة

للنبي صلى اللّه عليه وسلم حدّثني الزّيّادي قال: حدّثنا عبد الوارث عن يزيد بن القاسم عن معاذة أنها سمعت هشام بن عامر يقول: سمعت رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يقول"لا يحلّ لمسلم أن يصارم مسلماً فوق ثلاثٍ، وأيّهما فعل فإنهما ناكثان عن الحقّ ما داما على صرمهما وإن ماتا لا يدخلان الجنة".

لبعض الشعراء في توارث العداوة، ومثله لأبي بكر رضي اللّه عنه قال بعض الشعراء:

سنّ الضغائن آباءٌ لنا سلفوا

 

فلن تبيد وللآباء أبـنـاء

هذا مثل قول أبي بكر الصّدّيق رضي اللّه عنه: العداوة تتوارث.

من كتاب الهند وقرأت في كتاب الهند: إذا كانت الموجدة عن علّة كان الرضا مرجوّاً، وإذا كانت غير علة كان الرضا معدوماً. ومن العجب أن يطلب الرجل رضا أخيه فلا يرضى، وأعجب من ذلك أن يسخطه عليه طلبه رضاه.

قال بعض لمحدثين:

فلا تله عن كسب ودّ العدوّ

 

ولا تجعلنّ صديقاً عـدوّاً

ولا تغتر بهـدوّ امـرىءٍ

 

إذا هيج فارق ذلك الهدوّا

وقال آخر:

إحـــذر مــــودّة مـــــــاذقٍ

 

شاب الـمـرارة بــالـــحـــلاوة

يحصي العيوب عليك أيام الصداقة والعداوة

 

 

شعر لأبي الأسود الدؤلي وقال أبو الأسود الدّؤليّ:

إذا المرء ذو القربى الضّغن أجحفت

 

به سنةٌ حلّت مصيبـتـه حـقـدي

شعر محمد بن أبان اللاحقي يخاطب أخاه إسماعيل وقال محمد بن أبان اللاّحقي لأخيه إسماعيل:

تلوم على القطيعة من أتاها

 

وأنت سننتها في الناس قبلي

وقال آخر:

وروّعت حتى ما أراع من النّـوى

 

وإن بان جـيران عـلـيّ كـرام

فقد جعلت نفسي على اليأس تنطوي

 

وعيني على هجر الصديق تـنـام

ولأحمد بن يوسف قال أحمد بن يوسف الكاتب:

ما على ذا كنّا افترقنا بسنـدا

 

ولا بيننا عـقـدنـا الإخـاء

نطعن الناس بالمثقّفة الـسّـم

 

ر على غدرهم وننسى الوفاء

لأفلاطون قيل لأفلاطون: بماذا ينتقم الإنسان عدوّه قال: بأن يزداد فضلاً في نفسه.

وكان يقال: إحذر معاداة الذليل، فربما شرق بالذّباب العزيز.

كتاب رجل إلى صديق له تجنّي عليه كتب رجل من الكتاب إلى صديقٍ تجنّى عليه:

عتبت عليّ ولا ذنـب لـي

 

بما الذنب فيه ولا شكّ لـك

وحاذرت لومي فبادرتـنـي

 

إلى اللوم من قبل أن أبدرك

فكنّا كما قيل فيما مـضـى

 

خذ اللّصّ من قبل أن يأخذك

وقال آخر:

رأيتك لما نلت مالاً، ومسّـنـا

 

زمانٌ ترى في حدّ أنيابه شغبا

جعلت لنا ذنباً لتمـنـع نـائلاً

 

فأمسك ولا تجعل غناك لنا ذنبا

وقال آخر:

تريدين أن أرضى وأنـت بـخـيلةٌ

 

ومن ذا الذي يرضي الأخلاّء بالبخل

وجدّك لا يرضى إذا كان عـاتـبـاً

 

خليلـك إلا بـالـمـودّة والـبـذل

متى تجمعني منّـاً كـثـيراً ونـائلاً

 

قليلاً يقطّع ذاك باقـية الـوصـل

من رجل لصديق له كتب رجل إلى صديق له:

لئن ساءني أن نلتني بمسـاءةٍ

 

لقد سرّني أنّي خطرت ببالك

وقال آخر:

إذا رأيت ازوراراً مـن أخـي ثـقةٍ

 

ضاقت عليّ برحب الأرض أوطاني

فإن صددت بوجهي كـي أكـافـئه

 

فالعين غضبي وقلبي غير غضبـان

لإبراهيم بن العباس، وآخرون وقال إبراهيم بن العباس:

وقد غضبـت فـمـا غـضـبـي

 

حتى انصرفت بقلبٍ ساخطٍ راضي

وقال زهير:

وما يك في عدوّ أو صديقٍ

 

تخبّرك العيون عن القلوب

وقال دريد:

وما تخفى الضغينة حيث كانت

 

ولا النظر الصحيح من السقيم

وقال ابن أبي خازم:

خذ من الدهر ما كفى

 

ومن العيش ما صفا

لا تلحّن بـالـبـكـا

 

ء على منزلٍ عـفـا

خلّ عنك العتـاب إن

 

خان ذو الودّ أو هفـا

عين من لا يحبّ وص

 

لك تي لك الجـفـا

لأعرابي يذكر أعداءً وقال أعرابيّ يذكر أعداءً:

يزمّلون جنين الضّـغـن بـينـهـم

 

والضغنّ أشوة أو في وجهه كلـف

إن كاتمونا القلى نمّـت عـيونـهـم

 

والعين تظهر ما في القلب أو تصف

لأبن أبي أمية وقال ابن أبي أمية:

كم فرحةٍ كانت وكم ترحةٍ

 

تخرّصتها لي فيك الظنون

إذا قلوبٌ أظهرت غير ما

 

تضمره أنبتك عنها العيون

وقال آخر:

أما تبصر في عـين

 

يّ عنوان الذي أبدي

وقال آخر:

ومولىً كأنّ الشمس بيني وبينه

 

إذا ما التقينا ليس ممنّ أعاتبه

يقول: لا أقدر"أن" أنظر إليه، فكأن الشمس بيني وبينه.

ومثله:

إذا أبصرتني أعرضت عنّي

 

كأنّ الشمس من قبلي تدور

شعر للنمر بن تولب في الإعراض وقال النّمر بن تولب في الإعراض:

فصدّت كأن الشمس تحت قناعها

 

بدا حاجبٌ منها وضنّت بحاجب

مثله لأبي نواس أخذه أبو نواس، فقال:

يا قمراً للنّصف من شهره

 

أبدى ضياءً لثمانٍ بقـين

يريد أنه أعرض بوجهه فبدا له نصفه.

شعر في الضغينة وقال آخر في الضغينة:

وفينا وإن قيل اصطلحنا تضاغـنٌ

 

كما طرّ أوبار الجراب على النّشر

وقال آخر في نحوه:

وقد ينبت المرعى على دمن الثّرى

 

وتبقى حزازات النفوس كما هـيا

وقال الأخطل:

إنّ الضغينة تلقاها وإن قدمـت

 

كالعرّ يكمن حيناً ثم ينتـشـر

شمس العداوة حتى يستقاد لهـم

 

وأعظم الناس أحلاماً إذا قدروا

من كتاب الهند وقرأت في كتابٍ للهند: ليس بين عداوة الجوهريّة صلحٌ إلا ريثما ينتكث، كالماء إن أطيل إسخانه فإنه لا يمتنع من إطفاء النار إذا صبّ عليها.

بين سعد بن أبي وقّاص وعمّار بن ياسر قال سعد بن أبي وقّاص لعمّار بن ياسر: إن كنا لنعدّك من أكابر أصحاب محمد صلى اللّه عليه وسلم، حتى إذا لم يبق من عمرك إلا ظمء الحمار فعلت وفعلت. قال: أيّما أحبّ إليك: مودّة على دخلٍ أو مصارمةٌ جميلة قال: مصارمةٌ جميلة. قال: للّه عليّ ألاّ أكلمت أبداً.

لبعض الشعراء وقال بعض الشعراء في صديقٍ له تغيّر:

احول عنّي وكان ينظر مـن

 

عيني ويرمي بساعدي ويدي

وقال المثقّب العبديّ:

ولا تعدي مواعد كـاذبـاتٍ

 

تمرّ بها رياح الصيف دوني

فإني لو تعاندني شـمـالـي

 

عنادك ما وصلت بها يميني

إذاً لقطعتها ولقلت بـينـي

 

كذلك أجتوي من يجتوينـي

وقال الكميت:

ولكنّ صبراً عن أخٍ عنك صابرٍ

 

عزاءً إذا ما النفس حنّ طروبها

رأيت عذاب الماء إن حيل دونها

 

كفاك لما لا بدّ منه شروبـهـا

وإن لم يكن إلا الأسنة مركـبٌ

 

فلا رأي للمجهود إلا ركوبهـا

من كتاب الهند وقرأت في كتاب للهند: العدوّ إذا أحدث صداقة لعلةٍ ألجأته إليها فمع ذهاب العلة رجوع العداوة، كالماء يسخن فإذا رفع عاد بارداً.

لمحمد بن يزداد الكاتب قال محمد بن يزداد الكاتب: إذا لم تستطع أن تقطع يد عدوّك فقبّلها قال الشاعر:

لقد زادني حبّاً لنفـسـي أنـنـي

 

بغيضٌ إلى كل امرىءٍ غير طائل

إذا ما رآني قطّع الطرف دونـه

 

ودوني فعل العارف المتجاهـل

ملأت عليه الأرض حتى كأنـهـا

 

من الضّيق في عينيه كفّة حابـل

لعمر بن الخطاب رضي اللّه عنه قال عمر بن الخطاب رضي اللّه عنه: إعتزل عدوّك واحذر صديقك إلا الأمين، ولا أمين إلا من خشي اللّه.

بين أزدي وتميمي الهيثم عن ابن عيّاش قال: أخبرني رجل من الأزد قال: كنا مع أسد بن عبد اللّه بخراسان، فبينا نحن نسير معه مقد مدّ نهرٌ فجاء بأمرٍ عظيم لا يوصف، وإذا رجل يضربه الموج وهو ينادي: الغريق الغريق! فوقف أسد وقال: هل من سابح فقلت: نعم. فقال: ويحك! إلحق الرجل! فوثبت عن فرسي وألقيت عنّي ثيابي ثم رميت بنفسي في الماء، فما زلت أسبح حتى إذا كنت قريباً منه قلت: ممن الرجل قال: من بني تميم. قلت: إمض راشداً. فواللّه ما تأخرت عنه ذراعاً حتى غرق؛ فقال ابن عياش: فقلت له: ويحك! أما اتقيت اللّه! غرّقت رجلاً مسلماً! فقال: واللّه لو كنت معي لبنةٌ لضربت بها رأسه.

طاف رجل من الأزد بالبيت وجعل يدعو لأبيه؛ فقيل له: ألا تدعو لأمك فقال: إنها تميميةٌ.

من كتاب الهند وقرأت في كتاب للهند: جانب الموتور وكن أحذر ما تكون له ألطف ما يكون بك، فإنّ السلامة

بين الأعداء توحّش بعضهم من بعض، ومن الأنس والثقة حضور آجالهم.

لبزر جمهر وقد أراد الملك أن يقتله ويتزوج ابنته

أراد الملك قتل بزر جمهر وأن يتزوّج ابنته بعد قتله؛ فقال: لو كان ملككم حازماً ما جعل بينه وبين شعاره موتورة.

لأبي حازم قال أبو حازم: لا تناصبنّ رجلاً حتى تنظر إللى سريرته؛ فإن تكن له سريرةٌ حسنةٌ فإن اللّه لم يكن يخذله بعداوتك إياه، وإن كانت سريرته رديئةً فقد كفاك مساويه، لو أردت أن تعمل بأكثر من معاصي اللّه لم تقدر.

قال رجل: إني لأغتنم في عدوّي أن ألقي عليه النملة وهو لا يشعر لتؤذيه.

شعر للأفوه الأودي وقال الأفوه الأودي:

بلوت الناس قرناً بعـد قـرنٍ

 

فلم أر غير خلاّبٍ وقـالـي

وذقت مرارة الأشياء جمعـاً

 

فما طعمٌ أمرّ من الـسـؤال

ولم أر في الخطوب أشدّ هولاً

 

وأصعب من معاداة الرجال

وقال آخر:

بلاءٌ لـيس يشـبـهـه بـلاءٌ

 

عداوة غير ذي حـسـبٍ ودين

يبيحك منه عرضاً لم يصـنـه

 

ويرتع منك في عرضٍ مصون