الكتاب الثامن: كتاب الحوائج - الشكر والثناء

الشكر والثناء

للنبي صلى اللّه عليه وسلم حدّثني شيخ لنا عن وكيع عن سفيان عن منصور عن هلال بن أساف قال: قال "النبي" صلى اللّه عليه وسلم: "إذا صلى أحدكم فليدن عليه من ستر بيته فإنّ اللّه عزوجلّ يقسم الثناء كما يقسم الرزق" وحدّثني أيضاً عن وكيع عن سعيد عن أبي عمران الجوني عن عبد اللّه بن الصّامت قال: قال أبو ذرّ: قلت للنبيّ صلى اللّه عليه وسلم: الرجل يعمل العمل ويحبّه الناس قال: "تلك عاجل بشرى المؤمن" وقال النبي صلى اللّه عليه وسلم: "إذا أردتم أن تعلموا ما للعبد عند اللّه فانظروا ماذا يتبعه من الثناء" مضاعفة الثناء كما تضاعف الحسنات حدّثني أبو حاتم عن الأصمعيّ قال: كان يقال: الثناء يضاعف كما تضاعف الحسنات؛ يكون الرجل سخيّاً فيزيد اللّه في سخائه، ويكون شجاعاً فيزيد اللّه في شجاعته.

بين عمر بن الخطاب ورجل وحدّثني أبو حاتم عن الأصمعيّ عن العمريّ قال: قال رجلٌ لعمر بن الخطّاب رضي اللّه عنه: إنّ فلاناً رجل صدقٍ. قال: سافرت معه قال: لا قال: فكانت بينك وبينه خصومة قال: لا. قال: فهل ائتمنته على شيء قال: لا. قال: فأنت الذي لا علم لك به أراك رأيته يرفع رأسه ويخفضه في المسجد! لبعض الحكماء في الشعر قال بعض الحكماء: إذا قصرت يدك عن المكافأة فليطل لسانك بالشكر وقال آخر: حقّ النّعمة أن تحسن لباسها، وتنسبها إلى وليّها، وتذكر ما تناسى عندك منها.

شعر لبعض الحارثيين وقال بعض الحارثّيين:

عثمان يعلم أنّ الحمد ذو ثـمـن

 

لكنّه يشتهي حمـداً بـمـجّـان

والناس أكيس من أن يحمدوا أحداً

 

حتى يروا قبله آثار إحـسـان

لحماد عجرد، ثم لابن حطان وقال حمّاد عجرد:

قد ينقضي كلّ ما أوليت من حسنٍ

 

إذا أتى دون ما أولـيت يومـان

تنأى بودّك ما استغنت عن أحـدٍ

 

وطمعت فأنت الواصل الدّانـي

الشّهد أنت إذا ما حاجةٌ عرضت

 

وحنظلٌ كلّما استغنيت خطبـان

وقال عمران بن حطّان:

وقد عرضت لي حاجةٌ وأظننـي

 

بأنّي إذا أنزلتها بـك مـنـجـح

فإن أك في أخذ العطيّة مربحـاً

 

فإنك في بذل العـطـيّة أربـح

لأنّ لك العقبى من الأجر خالصاً

 

وشكري في الدنيا، فحظّك أرجح

لمعاوية بن أبي سفيان يعاتب قريشاً وقال معاوية بن أبي سفيان يعاتب قريشاً:

إذا أنا أعطيت القلـيل شـكـوتـم

 

وإن أنا أعطيت الكثير فلا شكـر

وما لمت نفسي في قضاء حقوقكم

 

وقد كان لي فيما اعتذرت به عذر

وأمنحكم مالي وتكفر نعـمـتـي

 

وتشتم عرضي في مجالسها فهـر

إذا العذر لم يقبل ولم ينفع الأسـى

 

وضاقت قلوبٌ منهم حشوها الغمر

فكـيف أداوي داءكـم ودواؤكـم

 

يزيدكم غيّاً فقد عظـم الأمـر

سأحرمكم حتى يذلّ صعـابـكـم

 

وأبلغ شيءٍ في صلاحكم الفقـر

لطريح الثقفي، وللخريمي وقال طريح الثّقفيّ:

سعيت ابتغاء الشكر فيما صنعت بي

 

فقصّرت مغلوباً وإني لـشـاكـر

للخريمي ومثله قول الخريميّ:

لأنك تعطيني الـجـزيل بـداهةً

 

وأنت لما استكثرت من ذاك حاقر

ومثله قوله أيضاً:

زاد معروفك عندي عظماً

 

أنه عندك محقور صغير

 

تتنـاسـاه كـأن لـم تـأتـه

 

وهو عند الناس مشهورٌ كبير

           

قول رجل لسلطان قال رجل لبعض السلطان: المواجهة بالشكر ضربٌ من الملق، منسوب من عرف بها إلى التخلق وأنت تمنعني من ذلك وترفع الحال بيننا عنه، ولذلك تركت لقاءك به. غير أني من الاعتراف بمعروفك ونشر ما تطوي منه والإشادة بذكره عند إخوانك والانتساب إلى التقصير مع الإطناب في وصفه، على ما أرجو أن أكون قد بلغت به حال المحتمل للصنيعة، الناهض بحقّ النعمة.

شعر لابن عنقاء الفزاري قال ابن عنقاء الفزاريّ:

رآني على ما بي عميلة فاشتكـى

 

إلى ماله حالي أسرّ كما جـهـر

دعاني فآساني ولو صـدّ لـم ألـم

 

على حين لا بدو يرجّى ولا حضر

فقلت له خيراً وأثنـيت فـعـلـه

 

وأوفاك ما أسديت من ذمّ أو شكر

شعر في الشكر وقال آخر:

سأشكر عمراً إن تراخت منـيتـي

 

أيادي لم تمنن وإن هـي جـلّـت

فتىً غير محجوب الغنى عن صديقه

 

ولا مظهر الشكوى إذا النعل زلت

رأى خلتي من حيث يخفى مكانهـا

 

فكانت قذى عينيه حتى تـجـلّـت

من كتاب الهند وقرأت في كتاب للهند: أربعةٌ ليست لأعمالهم ثمرة: مسار الأصمّ، والباذر في السبخة، والمسرج في الشمس، وواضع المعروف عند من لاشكر له.

لبعض الشعراء في الشكر وقال بعض الشعراء المحدثين، وقيل: إنه للبحتري، فبعثت إليه أسأله عنه فأعلمني أنه ليس له:

فلو كان للشكر شخصٌ يبين

 

إذا ما تأملـه الـنـاظـر

لبينته لـك حـتـى تـراه

 

فتعلم أنّي امرؤ شـاكـر

ولكنه ساكنٌ في الضمـير

 

يسحرّكه الكلم الـسـائر

وقال آخر:

فلو كان يستغني عن الشكر سيدٌ

 

لعزة ملكٍ أو علـوّ مـكـان

لما أمر الله الجليل بـشـكـره

 

فقال اشكروني أيها الثقـلان

وقال آخر:

فأثنوا علينا لا أبا لأبـيكـم

 

بإحساننا إن الثناء هو الخلد

وقال رجل من غنيٍّ:

فإذا بلغتم أهلكم فتحدثـوا

 

ومن الثناء مهالك وخلود

لعائشة رضي الله عنها تتمثل بشعر في شكر النعمة وكانت عائشة رضي الله عنها تتمثل بقول الشاعر:

يجزيك أو يثني عليك وإن مـن

 

أثنى عليك بما فعلت كمن جزى

شعر الحارث بن شداد في علي بن الربيع الحارثي وقال الحارث بن شداد في عليّ بن الربيع الحارثي:

الناس تحتك أقدام وأنـت لـهـم

 

رأسٌ وكيف يسوى الرأس والقدم

فحسبنا من ثناء الـمـادحـين إذا

 

أثنوا عليك بأن يثنوا بما علمـوا

وقال آخر:

بأي الخصلتين عليك أثنـي

 

فإني عند منصرفي مسول

أبالحسنى وليس لها ضـياءٌ

 

عليّ فمن يصدّق ما أقول

أم الأخرى ولست لها بأهلٍ

 

وأنت البحر من ذهبٍ يسيل

لبشار وقال بشار:

أثني عليك ولي حال تكـذبـنـي

 

فيما أقول فأستحيي من الـنـاس

قد قلت إن أبا حفصٍ لأكرم مـن

 

يمشي فخاصمني في ذاك إفلاسي

من بعض الكتاب إلى وزير وكتب بعض الكتاب إلى وزير: لست تشبه حالنا في الحرمة، ولا نشبه حالك في الجاه والقدر، ولا ظاهر ما نحن عليه الباطن. وليس بعد حرمتي حرمةٌ، ولا فوق سببي سبب، ولا بعد حالك حالٌ يرتجى، ولا بعد منزلتك منزلةٌ تتمنى، ولا تنتظر شيئاً ولا أنتظره؛ ولا أتوقع حقاً أزيده في حقوقي، ولا تتوقع فائدة تزيدها في ذات يدك. وكم تحتال بالألفاظ، وتموه بالمعاني، والناس يحتجون بالعمل ويقضون بالعيان.

لبعض الشعراء في قلة الشكر وقال بعض الشعراء:

وزهدني في كل خيرٍ صنـعـتـه

 

إلى الناس ما جريت من قلة الشكر

شعر لأبي الهول في أبي المراء عتبة بن عاصم وقال أبو الهول في أبي المراء عتبة بن عاصم:

إذا فاخرتنا من معـدٍّ عـصـابةٌ

 

فحزناً عليها بابن عتبة عاصـم

يجرّ رياط الحمد في دار قومـه

 

ويختال في عرضٍ من الذم سالم

من رجل لبعض السلطان

وقال رجل لبعض السلطان: مثلك أوجب حقاً لا يجب عليه، وسمح بحق يجب له، وقيل واضح العذر، واسكثر قليل الشكر. لا زالت أياديك فوق شكر أوليائك، ونعمة الله عليك فوق آمالهم فيك.

وكتب آخر: ما أنتهي إلى غايةٍ من شكرك، إلا وجدت وراءها غايةً من معورفك يحسرني بلوغها. وما عجز الناس عنه فالله من ورائه. فلا زالت أيامك ممدودةً بين أمل لك تبلغه، وأمل فيك تحقّقه، حتى تتملّى من الأعمار أطولها، وتنال من الهبات أفضلها.

ونحو هذا قول آخر: كان لي فيك أملان: أحدهما لك، والآخر بك، فأمّا الأمل لك فقد بلغته، وأما الأمل بك فأرجو أن يحقّقه الله ويوشكه.

وفي كتاب آخر: أيام القدرة وإن طالت قصيرةٌ، والمتعة بها وإن كثرت قليلةٌ، والمعروف وإن أسدي إلى من يكفره مشكورٌ بلسان غيره.

لبعض الكتّاب وفي كتاب بعض الكتّاب: وما ذكرت - أعزك الله - من ذلك قديماً ولا جدّدت منه حديثاً، إلا وأصغر أملي فيك فوقه إن كان استحقاقي دونه. فإن أقض واجب حقّ الله عليّ في كشر نعمك فبتوفيقه وعونه، وإن أقصّر عن كنهه فعن غير تقصيرٍ في بلوغ الجهد فيه.

وفي هذا الكتاب: أما ما بذل الأمير من ماله، فذلك ما قد سبق الرجاء بل اليقين إليه، معرفةً مني بطوله وكرمه، وليس ينكر أياديه ولا بدع صنائعه. وما يرشدني أملي بعد الله إلا إليه، ولا أفزع لحادثةٍ إلى غيره، ولا أتضاءل لنائبة معه. ولو عجزت عن النهضة لما حاولت الاستقلال والانتعاش إلا به. ومال الأمير الكثير المذخور عند انقطاع الحيل، ولا معنّفٌ طالبه، ولا مخوّفٌ على الرد عنه واهبه، ولا عائق منعٍ دونه، ولا تنغيص من ورائه؛ ولا كنز أولى بالصون وأن يجعل وقفاً على النوائب والعواقب من كنز من هذه حاله.

بين بني تميم وسلامة بن جندل قالت بنو تميم لسلامة بن جندل: مجّدنا بشعرك؛ فقال: افعلوا حتى أثني.

شعر لعمرو بن معد يكرب ونحوه قول عمرو بن معد يكرب:

فلو أن قومي أنطقطتني رماحهم

 

نطقت ولكن الرمـاح أجـرّت

بين قرشي وأشعب قال رجل من قريش لأشعب: والله ما شكرت معروفي عندك. فقال: إن معروفك كان من غير محتسبٍ، فوقع عند غير شاكر.

شعر لأبي نواس، وآخرين وقال أبو نواس:

أنت امرؤ أوليتنـي نـعـمـاً

 

أوهت قوى شكري فقد ضعفا

فإليك بـعـد الـيوم تـقـدمةً

 

والتك بالتصريح منكـشـفـا

لا تـحـدثـنّ إلـيّ عـارفةً

 

حتى أقوم بشكر ما سـلـفـا

وقال أبو نخيلة:

شكرتك إنّ الشكر حبلٌ من التقى

 

وما كلّ من أقرضته نعمةً يقضي

فأحييت من ذكري وما كان ميّتـاً

 

ولكن بعض الذكر أنبه من بعض

 

 

 

آخر:

لأشكرنّك معروفاً همـمـت بـه

 

إن اهتمامك بالمعروف معروف

ولا ألومك إن لم يمـضـه قـدرٌ

 

فالشيء بالقدر المحتوم مصروف

بين رجل وسعيد بن جبير وقال رجل لسعيد بن جبير: المجوسيّ يوليني خيراً فأشكره، ويسلّم عليّ فأردّ عليه. فقال سعيد: سألت ابن عباس عن نحو هذا، فقال لي: لو قال لي فرعون خيراً لرددت عليه مثله.

شعر لابن الأعرابي أنشد ابن الأعرابي:

أهلكتني بفـلانٍ ثـقـتـي

 

وظنون بفلانٍ حـسـنـه

ليس يستوجب شكراً رجلٌ

 

نلت خيراً منه من بعد سنه

لبعضهم وقال بعضهم: لا تثق بشكر من تعطيه حتى تمنعه؛ فإن الصابر هو لشاكر، والجازع هو الكافر.

لأوس بن حجر وقال أوس بن حجر:

سأجزيك أو يجزيك عني مثوّبٌ

 

وقصدك أن يثنى عليك وتحمدي

من أمثال العرب في الشكور والعرب تقول: فلانٌ "أشكر من البروق" وهو نبت ضعيف ينبت بالسحاب إذا نشأ وبأدنى مطر.

وقال الشاعر:

لئن طبت نفساً عن ثنائي فـإنـنـي

 

لأطيب نفساً عن نداك على عسري

فلست إلى جدواك أعظـم حـاجةً

 

على شدّة الإعسار منك إلى شكري

وقال آخر:

حسب امرئٍ إن فاتني غرضُ

 

من برّه أن فاته شـكـري

إني إذا ضاق امرؤ بـجـداً

 

عني اتسعت عليه بالـعـذر

شعر الطائي إلى إسحاق بن إبراهيم وقال الطائي لإسحاق بن إبراهيم:

ومحجّب حاولتـه فـوجـدتـه

 

نجماً عن الركب العفاة شسوعا

 

أعدمته لما عدمـت نـوالـه

 

شكري فرحنا معدمين جميعا

           

وقال:

فإن يك أربى عفو شكري على ندى

 

أناسٍ فقد أربى نداه على جهـدي

وقال:

وكيف يجور عن قصدٍ لساني

 

وقلبي رائحٌ برضاك غادي

ومما كانت العلماء قـالـت

 

لسان المرء من خدم الفؤاد

وقال:

أبا سعيدٍ وما وصفـي بـمـتّـهـمٍ

 

على الثناء وما شكري بمـخـتـرم

لئن جحدتك وما أوليت مـن نـعـمٍ

 

إني لفي الشكر أحظى منك في النعم

أنسى ابتسامـك والألـوان كـاسـفةً

 

تبسّم الصبح في داجٍ من الـظـلـم

رددت رونق وجهي في صحيفـتـه

 

ردّ الصقال بهاء الصـارم الـخـذم

وما أبالي، وخير القـول أصـدقـه،

 

حقنت لي ماء وجهي أم حقنت دمي

وقال:

فلا تكدر حياضك لي فإني

 

أمتّ إليك آمـالاً طـوالا

وفر جاهي عليّ فإن جاهي

 

إذا ما غبّ يومٌ كان مـالا

وقال:

يا منّةً لك لولا ما أخـفّـفـهـا

 

به من الشكر لم تحمل ولم تطق

بالله أدفع عني ثقل فـادحـهـا

 

فإنني خائفٌ منه على عنـقـي

شعر لبشار في عمر بن العلاء وقال بشار في عمر بن العلاء:

دعاني إلى عمـرٍ جـوده

 

وقول العشيرة بحرٌ خضم

ولولا الذي زعموا لم أكن

 

لأمدح ريحانةً قبل شـمّ

مراتب الشكر ويقال: الشكر ثلاث منازل: لمن فوقك بالطاعة، ولنظيرك بالمكافأة، ولمن دونك بالإفضال عليه.

شعر لإبراهيم بن المهدي يشكر المأمون قال إبراهيم بن المهدي يشكر المأمون:

رددت مالي ولم تمنن علـيّ بـه

 

وقبل ردّك مالي قد حقنت دمـي

فأبت منك وقد جللتني نـعـمـاً

 

هي الحياتان من موتٍ ومن عدم

فلة بذلت دمي أبغي رضاك بـه

 

والمال حتى أسل النعل من قدمي

ما كان ذاك سوى عاريّةٍ رجعت

 

إليك لو لم تعرها كنت لم تـلـم

وقام علمك بي فاحتج عندك لـي

 

مقام شاهد عدلٍ غير مـتّـهـم

للخثعمي وقال آخر، وبلغني أنه الخثعمي:

فاذهبا بي إن لم يكن لكما عق

 

رٌ إلى جنب قبره فاعقراني

وانضحا من دمي عليه فقد كا

 

ن دمي من نداه لو تعلمـان

بين سليمان بن عبد الملك ورجل وفد عليه شاكراً وفد رجل على سليمان بن عبد الملك في خلافته؛ فقال له: ما أقدمك قال: ما أقدمني عليك رغبةٌ ولا رهبةٌ. قال: وكيف ذاك قال: أما الرغبة فقد وصلت إلينا وفاضت في رحالنا وتناولها الأقصى والأدنى منا، وأما الرهبة فقد أمنا بعدل أمير المؤمنين علينا وحسن سيرته فينا من الظلم، فنحن وفد الشكر.

الفرزدق يمدح عمرو بن عتبة وقال الفرزدق في عمرو بن عتبة:

لولا ابن عتبة عمروٌ والرجاء له

 

ما كانت البصرة الحمقاء وطنا

أعطاني المال حتى قلت يودعني

 

أو قلت أودع لي مالاً رآه لنـا

فجوده متعبٌ شكري ومنّـتـه

 

وكلما زدت شكراً زادني مننـا

يرمي بهمته أقصى مسافتـهـا

 

ولا يريد على معروفه ثمـنـا

لأعرابي في كرم أحدهم هذا مثل قول الأعرابيّ: ما زال فلانٌ يعطيني حتى ظننت أنه يودعني ماله. وما ضاع مالٌ أورث المحامد.

خمسة أشياء ضائعة ويقال: خمسة أشياء ضائعةٌ: سراجٌ يوقد في شمسٍ، ومطرٌ جودٌ في سبخةٍ، وحسناء تزفّ إلى عنّينٍ، وطعامٌ استجيد وقدّم إلى سكران، ومعروفٌ صنيع إلى من لا شكر له.

قول في الشكر وكان يقال: الشكر زيادةٌ ف النّعم وأمانٌ من الغير.

لأسماء بن خارجة وقال أسماء بن خارجة: إذا قدمت المصيبة تركت التّعزية، وإذا قدم الإخاء قبح الثناء.

لروح بن حاتم وقد أرسل إلى كاتب له بدراهم بعث روح بن حاتم إلى كاتب له بثلاثين ألف درهم، وكتب إليه: قد بعثت بها إليها، ولا أقلّلها تكبّراً، ولا أكثّرها تمنّناً، ولا أستثيبك عليها ثناء، ولا أقطع عنك بها رجاء.

من كتاب الهندفي ستة أشياء لا ثبات لها وفي كتاب للهند: لا ثناء مع كبر.

وفيه: ستّة أشياء لا ثبات لها: ظلّ الغمام، وخلّة الأشرار، وعشق النساء، والمال الكثير، والسّلطان الجائر، والثناء الكاذب.

من أمثال العرب والعرب تقولك:"لا تهرف قبل أن تعرف" أي تطنبنّ في لثّناء قبل الاختيار.

شعر لأبي نواس وهو في الحبس إلى الفضل بن الربيع وكتب أبو نواس من الحبس إلى الفضل بن الربيع:

ما من يدٍ في الناس واحدةٍ

 

كيدٍ أبو العباس مولاهـا

نام الثّقات على مضاجعهم

 

وسرى إلى نفسي فأحياها

قد كنت خفتك ثم آمننـي

 

من أن أخافك خوفك اللّه

فعفوت عنّي عفو مقتـدرٍ

 

وجبت له نقمٌ فألغـاهـا

والبيت المشهور في هذا قول النّجاشيّ:

لا تحمدنّ امرأً حتى تجرّبه

 

ولا تذمّنّ من لم يبله الخبر

شعر في اختبار الرجال وقال آخر في الاختبار:

إنّ الرجال إذا اختبرت طباعهم

 

ألفيتهم شتّى على الأخـبـار

لا تعجلنّ إلى شريعة مـوردٍ

 

حتى تبيّن خـطّة الإصـدار

لأبي العالية وقال الرّياشيّ: أنشدني أبو العالية:

إذا أنا لم أشكر على الخير أهله

 

ولم أذمم الجبس اللئيم المذمما

ففيم عرفت الخير والشرّ باسمه

 

وشقّ لي اللّه المسامع والفما

لابن التوءم في الجواد قال ابن التّوءم: كلّ من كان، جوده يرجع إليه؛ ولولا رجوعه إليه لما جاد عليك، ولو تهيأ له ذلك المعنى في سواك لما قصد إليك، فليس يجب له عليك شكرٌ. وإنما يوصف بالجود في الحقيقة ويشكر على النفع في حجّة العقل، الذي إن جاد عليك فلك جاد، ونفعك أراد، من غير أن يرجع إليه جوده بشيءٍ من المنافع على جهةٍ من الجهات، وهو اللّه وحده لا شريك له. فإن شكرنا الناس على بعض ما جرى لنا على أيديهم، فلأمرين: أحدهما التعبّد؛ وقد أمر اللّه تعالى بتعظيم الوالدين وإن كانا شيطانين، وتعظيم من هو أسنُّ منّا وإن كنّا أفضل منه. والآخر: لن النفس ما لا تحصّل الأمور وتميّز المعاني، فالسابق إليها حبّ من جرى لها على يديه الخير وإن كان لم يردها ولم يقصدها إليها. إلا ترى أن عطيّة الرجل صاحبه لا تخلو أن تكون للّه أو لغير اللّه؛ فإن كانت للّه فثوابه على اللّه؛ وكيف يجب في حجّة العقل شكره وهو لو صادف ابن سبيل غيري لما أعطاني؛ وإما يكون إعطاؤه إياي للذكر؛ فإن كان كذلك فإنما جعلني سلماً إلى حاجته وسبباً إلى بغيته؛ أو يكون إعطاؤه إيايّ طلباً للمكافأة؛ فإنما ذلك تجارةٌ؛ أو يكون إعطاؤه لخوف يدي أو لساني أو اجترار معونتي ونصرتي، وسبيل هذا معروفٌ؛ أو يكون إعطاؤه للرحمة والرّقة ولما يجد في فؤاده من العصر والألم، فإنما داوى بتلك العطيّة من دائه ورفّه من خناقه.

وكان محمد بن الجهم يقول: نحو هذا قول الشاعر:

لعمرك ما الناس أثنوا علـيك

 

ولا عظّموك ولا عظـمـوا

ولا شايعوك على ما بـلـغ

 

ت من الصالحات ولا قدّموا

ولو وجدوا لهم مـطـعـنـاً

 

إلى أن يعيبوك ما جمجمـوا

ولكن صبرت لما ألـزمـوك

 

وجدت بما لـم يكـن يلـزم

وكان قراك إذا مـا لـقـوك

 

لساناً بما سـرّهـم ينـعـم

وخفض الجناح ووشك النجاح

 

وتصغير ما عظّم المنـعـم

فأنت بفضلك ألـجـأتـهـم

 

إلى أن يجلّوا وأن ينعـمـوا

شعر لخلف بن خليفة الأقطع وقال خلف بن خليفة الأقطع:

وفي اليأس من أن تسأل الناس راحةٌ

 

تميت بها عسراً وتحيي بها يسـراً

ولـيس يدٌ أولـيتـهـا بـغـنـيمة

 

إذا كنت تبغي أن يعدّ لها شـكـرا

غنى النفس يكفي النفس ما سدّ فاقةً

 

فإن زاد شيئاً عاد ذاك الغنى فقـرا

شعر لعبد الرحمن بن حسان قال ابن عائشة: بلغني أنّ عبد الرحمن بن حسّان سأل بعض الولاة حاجةً فلم يقضها له، فسألها آخر فقضاها له؛ فقال:

ذممت ولم تحمد وأدركت حاجتي

 

تولّى سواكم أجرها واصطناعها

 

أبى لك كسب الحمد رأيٌ مقصرٌ

 

ونفسٌ أضاق اللّه بالخير باعها

 

إذا هي حثّته على الخير مـرّةً

 

عصاها وإن همّت بشرٍّ أطاعها

           

بين ابن عيينة ورجل سأله عن الثناء على اللّه تعالى وقال ابن عائشة: قال رجلٌ يوماً لابن عيينة: ما شيء تحدثونه يا أبا محمد قال: ماهو قال: يقولون إن اللّه تعالى يقول: أيّما عبدٍ كانت له إليّ حاجةٌ فشغله الثناء عليّ عن سؤال حاجته، أعطيته فوق أمنيّته. فقال له: يا بن أخي، وما تنكر من هذا! أما سمعت قول أميّة بن أبي الصّلت في عبد اللّه بن جدعان:

أثنى عليه المرء يومـاً

 

كفاه من تعرضه الثناء

فكيف بأكرم الأكرمين! وكان يقال: في طلب الرجل الحاجة إلى أخيه فتنةٌ: إن هو أعطاه حمد غير الذي أعطاه وإن هو منعه ذم غير الذي منعه.

شعر لدكين الراجز حدّثنا الرّياشيّ قال: أنشدنا كيسان لدكين الراجز:

إذا المرء لم يدنس من اللؤم عرضه

 

فكـل رداءٍ يرتـديه جـمــيل

إذا المرء لم يصرع عن اللؤم نفسه

 

فليس إلى حسن الثنـاء سـبـيل

أول منازل الحمد وكان يقال: أول منازل الحمد السلامة من الذم.

شعر لعروة بن أذنية قال عروة بن أذينة اللّيثي:

لا تتركن إن صنيعةٌ سلـفـت

 

منك وإن كنت لا تصغّرهـا

إلى امرىء أن يقول إن ذكرت

 

عندك في الجدّ لست أذكرهـا

فإنّ إحـياءهـا إمـاتـتـهـا

 

وإنّ منّـا بـهـا يكـدّرهـا

وإن تولّى امرؤٌ بـشـكـر يدٍ

 

فاللّه يجزي بها ويشكـرهـا

إحياء المعروف

 ويقال: أحيوا المعروف بإماتته.

لأبي همرو بن مسعدة في خير مواضع المعروف أبو سفيان الحميريّ قال: كان مسعدة الكاتب أبو عمرو بن مسعدة مولىً لخالد القسريّ، وكان في ديوان الرسائل بواسط، وكان موجزاً في كتبه، فكتب إلى صديق له: أما بعد، فإنه لن يعدمك من معروفك عندنا أمران: أجرٌ من اللّه وشكرٌ منّا. وخير مواضع المعروف ما جمع الأجر والشكر. والسلام.

كتاب بعض الكتاب لأحد العمال وكتب بعض الكتّاب إلى بعض العمّال: وما أتأملّ في وقت من الأوقات ولا يومٍ من الأيام آثار أياديك لديّ، ومواقع معروفك عندي، إى نبّهني التأمل على ما يحسر الشكر ويثقل الظهر، لأنك أنعشت من عثرة، وأنهضت من سقطه، وتلافيت نعمةً كانت على شفا زوالٍ ودروس، وتلقّيت ما ألقيت عليك من الكلّ بوجهٍ طليق وباع رحيب. والسلام.