الكتاب الثامن: كتاب الحوائج - الترغيب في قضاء الحاجة واصطناع المعروف

الترغيب في قضاء الحاجة واصطناع المعروف

للنبي صلى اللّه عليه وسلم في معنى هذا العنوان حدثني محمد بم عبيد قال: حدّثنا داود بن المحبّر عن محمد بن الحسن الهمداني عن أبي حمزة عن عليّ بن الحسين عن أبيه عن جدّه عليّ بن أبي طالب رضوان اللّه عليه قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: "من ترك معونة أخيه المسلم والسّعي معه في حاجته قضيت أو لم تقض كلف أن يسعى في حاجة من لا يؤجر في حاجته. ومن ترك الحجّ لحاجةٍ عرضت له لم تقض حاجته حتى يرى رؤوس المحلّقين" وله صلى اللّه عليه وسلم في الشفاعة إليه حدّثني محمد بن عبيد قال: حدّثنا ابن عيينة عن يزيد بن عبد اللّه بن أبي بردة عن أبيه عن جدّه عن أبي موسى قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: "اشفعوا إليّ ويقضي اللّه على لسان نبيّكم ما شاء".

بلغني عن جعفر بن أبي جعفر المازنّي عن ابن أبي السّريّ عن إبراهيم بن أدهم عن منصور بن المعتمر قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: "إن أحببت أن يحبك اللّه فأزهد في الدنيا وإن أحببت أن يحبك الناس فلا يقع في يدك من حطامها شيء إلا نبذته إليهم" لابن عيينة عن ابن المنكدر في أفضل الأعمال حدّثني محمد بن داود عن محمد بن جابر قال: قال ابن عيينة: ليس أقول لكم إلاّ ما سمعت: قيل لابن المنكدر: أيّ الأعمال أفضل قال: إدخال السرور على المؤمن. وقيل: أيّ الدنيا أحبّ إليك قال: الإفضال على الإخوان.

لزرير العطاردي في قضاء أبي رجاء العطاردي حاجات الناس

حدثني أبو حاتم عن الأصمعيّ قال: حدّثنا زرير العطارديّ قال: صلّى بنا أبو رجاء العطارديّ العتمة ثم أوى إلى فراشه، فأتته امرأة فقالت: أبا رجاءٍ، إنّ لطارق الليل حقّاً، وإنّ بني فلان خرجوا إلى سفوان وتركوا كتبهم وشيئاً من متاعهم. فانتعل أبو رجاء وأخذ الكتب وأدّاها وصلّى بنا الفجر، وهو مسيرة ليلةٍ للإبل، والناس يقولون: إنها أربعة فراسخ. للحسن في قضاء الحاجة حدّثني أحمد بن الخليل عن محمد بن سعيد قال: حدّثنا ابن المبارك عن حميدٍ عن الحسن قال: لأن أقضي حاجةً لأخٍ أحبّ إليّ من أن أعتكف سنةً.

دعاء لعمرو بن معاوية العقيلي قال المأمون لمحمد بن عبّاد المهلّبيّ: أنت متلافٌ. فقال: يا أمير المؤمنين، منع الموجود سوء ظنّ بالله، يقول اللّه تعالى: "وما أنفقتم من شيءٍ فهو يخلفه وهو خير الرازقين" لابن عباس، وللنبي صلى اللّه عليه وسلم في المعروف وكان ابن عبّاس يقول: صاحب المعروف لا يقع، فإن وقع وجد متّكأً. هذا نحو قول النبي صلى اللّه عليه وسلم: "المعروف يقي مصارع السّوء" لابن عباس أيضاً في المعروف وكان ابن عبّاس يقول أيضاً: ما رأيت رجلاً أوليته معروفاً إلاّ أضاء ما بيني وبينه، ولا رأيت رجلاً أوليته سوءاً إلاّ أظلم ما بيني وبينه.

لجعفر بن محمد في قضاء الحاجة قال جعفر بن محمد: إن الحاجة تعرض للرجل قبلي فأبادر بقضائها مخافة أن يستغني عنها أو تأتيه وقد استبطأها فلا يكون لها عنده موقع.

شعر في قضاء الحاجة وقال الشاعر:

وبادر بسلطان إذا كنـت قـادراً

 

زوال اقتدارٍ أو غنىً عنك يعقب

وقال آخر في مثله:

بدا حين أثرى بإخـوانـه

 

ففكّك عنهم شباة العـدم

وذكّره الحزم غبّ الأمور

 

فبادر قيل انتقال النّعـم

من كتاب الهند وقرأت في كتاب للهند: من صنع المعروف لعاجل الجزاء، فهو كملقي الحبّ ليصيد به الطير لا لينفعه.

لابن عباس رضي اللّه عنهما قال ابن عباس: ثلاثة لا أكافئهم: رجل بدأني بالسلام، ورجلٌ وسّع لي في المجلس، ورجل قال غبّرت قدماه في المشي إليّ إرادة التسليم عليّ؛ فأما الرابع فلا يكافئه عني إلا الله جلّ وعزّ. قيل: ومن هو قال: رجل نزل به أمرٌ فبات ليلته يفكر بمن ينزله، ثم رآني أهلاً لحاجته.

أقوال في المعروف وقال سلم بن قتيبة: ربّ المعروف أشدّ من ابتدائه.

ويقال: الابتداء بالمعروف نافلة، وربّه فريضة.

قيل لبزرجمهر: هل يستطيع أحد أن يفعل المعروف من غير أن يرزأ شيئاً قال: نعم، من أحببت له الخير وبذلت له الودّ، فقد أصاب نصيباً من معروفك.

لجعفر بن محمد قال جعفر بن محمد: ما توسل إليّ أحدٌ بوسيلةٍ هي أقرب به إلى ما يحب من يدٍ سلفت مني إليه، أتبعتها أختها لأحسن ربها وحفظها؛ لأن منع الأواخر يقطع شكر الأوائل.

لخالد بن عبد الله القسري في رجل كان يبغض قام رجل من مجلس خالد بن عبد الله القسري؛ فقال خالد: إني لأبغض هذا الرجل وما له إليّ ذنب. فقال رجل من القوم: أوله أيها الأمير معروفاً. ففعل، فما لبث أن خفّ على قلبه وصار أحد جلسائه.

لابن عباس في إتمام المعروف قال ابن عباس: لا يتمّ المعروف إلا بثلاثٍ: تعجيله وتصغيره وستره، فإنه إذا عجّله هنّأه، وإذا صغّره عظمه، وإذا ستره تمّمه.

مثله شعر للخريمي وقال الخريمي في نحو هذا:

زاد معروفك عندي عظمـاً

 

أنه عندك محقورٌ صـغـير

تتنـاسـاه كـأن لـم تـأتـه

 

وهو عند الناس مشهورٌ كبير

شعر للطائي وقال الطائي:

جودٌ مشيت به الضراء تواضعاً

 

وعظمت عن ذكراه وهو عظيم

أخفيته فخـفـيتـه وطـويتـه

 

فنشرته والشخص منه عمـيم

وكان يقال: ستر رجلٌ ما أولى، ونشر رجلٌ ما أولي.

وقالوا: المنّة تهدم الصنيعة.

قال الشاعر:

أفسدت بالمنّ ما أسديت من حسنٍ

 

ليس الكريم إذا أسدى بمـنـان

بين ابن شبرمة ورجل قال رجل لابن شبرمة: فعلت بفلانٍ كذا وفعلت به كذا. فقال: لا خير في المعروف إذا أحصي.

في الآثر وفي بعض الحديث: "كلّ معروفٍ صدقةٌ وما لأنفق الرجل على أهله ونفسه وولده صدقةٌ وما وقى المرء به عرضه فهو صدقة وكلّ نفقةٍ أنفقها فعلى اللّه خلفها مثلها إلا في معصيةٍ أو بنيانٍ".

وفي الحديث المرفوع: "فضل جاهك تعود به على أخيك صدقةٌ منك عليه، ولسانك تعبّر به عن أخيك صدقةٌ منك عليه، وإماطتك الأذى عن الطريق صدقةٌ منك على أهله".

وكان يقال: بذل الجاه زكاة الشرف.

لبعض الشعراء وقال بعض الشعراء:

وليس فتى الفتيان من راح واغتدى

 

لشرب صبوحٍ أو لشرب غبـوق

ولكن فتى الفتيان من راح واغتدى

 

لضرّ عدوٍّ أو لـنـفـع صـديق

لابن عباس قال ابن عباس: لا يزهّدنّك في المعروف كفر من كفره، فإنه يشكرك عليه من لم تصنعه إليه.
شعر لحماد عجرد في الجود وقال حمّاد عجرد:

إنّ الكريم ليخفي عنك عسرتـه

 

حتى تراه غنيّاً وهو مجـهـود

إذا تكرمت أن تعطي القليل ولم

 

تقدر على سعةٍ لم يظهر الجود

وللبخيل على أموالـه عـلـلٌ

 

رزق العيون عليها أوجهٌ سود

أورق بخيرٍ ترجّى للنوال فمـا

 

ترجى الثّمار إذا لم يورق العود

بثّ النوال ولا تمنعك قـلّـتـه

 

فكلّ ما سدّ فقراً فهو محمـود

والعرب تقول:"من حقر حرم".

لسلم بن قتيبة حدّثني عبد الرحمن عن عمه قال: قال سلم بن قتيبة: أحدهم يحقر الشيء فيأتي ما هو شرّ منه. يعني المنع.

وقال الشاعر:

وما أبالي إذا ضيفٌ تضـيّفـنـي

 

ما كان عندي إذا أعطيت مجهودي

جهد المقلّ إذا أعطاك مصطبـراً

 

ومكثرٌ من غنىً سيّان في الجـود

في الأثر وفي الحديث المرفوع "أفضل الصّدقة جهد المقلّ".

للبريق الهذلي وقال البريق الهذليّ:

أبو مالكس قاصرٌ فقره

 

على نفسه ومشيعٌ غناه

لخالد بن عبد اللّه في إتيان المعروف، وشعر للحطيئة وكان خالد بن عبد اللّه يقول على المنبر: أيها الناس عليكم بالمعروف، فإنّ فاعل المعروف لا يعدم جوازيه، وما ضعف الناس عن أدائه قوي اللّه على جوازيه. والبيت المشهور في هذا قول الحطيئة:

من يفعل الخير لا يعدم جـوازيه

 

لا يذهب العرف بين اللّه والناس

ويقال: إنه في بعض كتب اللّه عزّ وجل.

لوهب بن منبه في الإفضال على الإخوان قال وهب بن منبّه: إن أحسن الناس عيشاً من حسن عيش الناس في عيشه، وإنّ من أللّذّة الإفضال على الإخوان.

في الأثر وفي الحديث المرفوع "إنّما لك من مالك ما أكلت فأفنيت أو لبست فأبليت أو أعطيت فأمضيت وما سوى ذلك فهو ملك الوارث".

شعر لبشار في إنفاق المال وقال بشار:

أنفق المال ولا تشق به

 

خير ديناريك دينارٌ نفق

لبزر جمهر في الإنفاق وشعر في الجود قال بزر جمهر: إذا أقبلت عليك الدنيا فأنفق فإنها لا تفنى وإذا أدبرت عنك فأنفق فإنها لا تبقة.

أخذه بعض المحدثين فقال:

فانفق إذا أنفقت إن كنت موسـراً

 

وأنفق على ما خيّلت حين تعسر

فلا الجود يفني المال والجدّ مقبلٌ

 

ولا البخل يبقي المال والجدّ مدبر

من كتاب كليلة ودمنة وفي"كتاب كليلة" لا يعدّ عائشاً من لا يشارك في غناه.

مرّ الحسن برجلٍ يقلّب درهماً؛ فقال له: أتحبّ درهمك هذا قال: نعم، قال: أما إنه ليس لك حتى يخرج من يدك.

بين الربيع بن خيثم وأخ له قال الربيع بن خيثم لأخٍ له: كن وصيّ نفسك ولا تجعل أوصياءك الرجال.

لبعض الشعراء وقال بعض الشعراء:

سأحبس مالي علي حاجتي

 

وأوثر نفسي على الوارث

أعاذل عاجل ما أشتـهـي

 

أحبّ من المبطىء الرّائث

لعبيد اللّه بن عكراش قال عبيد بن عكراشً: زمنٌ خؤون، ووارثٌ شفون؛ فلا تأمن الخؤون وكن وارث الشّفون.

لأبي ذرّ وقال أبو ذرّ: لك في مالك شريكان إذا جاءا أخذا ولم يؤامراك: الحدثان والقدر، كلاهما يمرّ على الغثّ والسمين، والورثة ينتظرون متى تموت فيأخذون ما تحت يديك وأنت لم تقدّم لنفسك؛ فإن استطعت ألاّ تكون أخسّ الثلاثة نصيباً فافعل.

لسعيد بن العاص في الحث على الإنفاق وقال سعيد بن العاص في خطبة له: من رزقه اللّه رزقاً حسناً فليكن أسعد الناس به فإنه إنما يترك لأحد رجلين. إمّا مصلحٍ فلا يقلّ عليه شيءٌ، وإمّا مفسدٍ فلا يبقى له شيء. فقال معاوية: جمع أبو عثمان طرفي الكلام.

شعر لحطائط بن يعفر في الجود وقال حطائط بن يعفر:

ذريني أكن للمال ربّا ولا يكن

 

لي المال ربّا تحمدي غبّه غدا

أريني جواداً مات هزلاً لعلّني

 

أرى ما ترين أو بخيلاً مخلّدا

وقلت ولم أعي الجواب تبيّني

 

أكان الهزال حتف زيدٍ وأربد

لأعرابي قال أعرابّي: الدراهم ميسمٌ تسم حمداً أو ذمّا؛ فمن حبسها كان لها، ومن أنفقها كانت له، وما كلّ من أعطي مالاً حمداً، ولا كلّ عديم ذميم.

وقال بعض المحدثين:

أنت للمال إذا أمسكته

 

فإذا أنفقته فالمال لك

للنبي صلى اللّه عليه وسلم حدّثني يزيد بن عمرو عن يزيد بن مروان قال: حدّثنا النعمان بن هلال عن عبد اللّه بن دينار عن عبد اللّه بن عمر قال: قال رسول للّه صلى اللّه عليه وسلم: "تنزل المعونة على قدر المؤونة".

بين معاوية ووردان مولى عمرو بن العاص قال أعرابيّ: الدراهم ميسمٌ تسم حمداً أو ذمّاً؛ فمن حبسها كان لها، ومن أنفقها كانت له، وما كلّ من أعطي مالاً أعطي حمداً، ولا كلّ عديم ذميم.

وقال بعض المحدثين:

أنت للمال إذا أمسكته

 

فإذا أنفقته فالمال لك

للنبي صلى اللّه عليه وسلم حدّثني يزيد بن عمرو عن يزيد بن مروان قال: حدّثنا النعمان بن هلال عن عبد اللّه بن دينار عن عبد اللّه بن عمر قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم:"تنزل المعونة على قدر المؤونة".

بين معاوية ووردان مولى عمرو بن العاص قال معاوية لوردان مولى عمرو بن العاص: ما بقي من الدنيا تلذّهقال: العريض الطويل. قال: وما هو قال: الجديث الحسن أو ألقى أخاً قد نكبه الدهر فأجبره. قال: نحن أحقّ بهما منك. قال: إن أحقّ بهما منك من سبقك إليهما.

لأعرابي في التزود بالمعروف وقال أعرابي:

ومـا هـذه الأيام إلا مـعـارةٌ

 

فما اسطعت من معروفها فتزوّد

فإنـك لا تـدري بـأيّة بـلـدةٍ

 

تموت ولا ما يحدث اللّه في غد

يقولون لا تبعد، ومن يك بـعـده

 

ذراعين من قرب الأحبّة يبعـد

وقال آخر:

إن كنت لا تبذل أو تسـأل

 

أفسدت ما تعطي بما تفعل

قال بعضهم: مضى لنا سلفٌ أهل تواصلٍ، اعتقدوا منناً، واتخذوا أيادي ذخيرةً لمن بعدهم: كانوا يرون اصطناع المعروف عليهم فرضاً، وإظهار البر حقاً واجباً، في حال الزمان بنشءٍ اتخذوا مننهم صناعةً، وبرّهم مرابحةً، وأياديهم تجارةً واصطناع المعروف مقارضة كنقد السوق خذ مني وهات.

بين عمرو بن عتبة وولده قال العتبي: وقع ميراثٌ بين ناس من آل أبي سفيان وبني مروان، فتشاحوا فيه، فلما انصرفوا أقبل عمرو بن عتبة على ولده، فقال لهم: إن لقريش درجاً تزلق عنها أقدام الرجال، وأفعالاً تخشع لها رقاب الأموال، وألسناً تكلّ معها الشفار المشحوذة، وغاياتٍ تقصر عنها الجياد المنسوبة؛ ولو كانت الدنيا لهم ضاقت عن سعة أحلامهم، ولو اختلف ما نزينت إلا بهم. ثم إن أناساً منهم تخلقوا بأخلاق العوام، فصار لهم رفق باللؤم وخرق في الحرص، لو أمكنهم قاسموا الطير أرزاقها؛ إن خالفوا مكروهاً تعجّلوا له الفقر، وإن عجلت لهم نعمة أخروا عليها الشكر، أؤلئك أنضاء فكر الفقر وعجزة حملة الشكر.

لبعض الحجازيين قال بعض الحجازيين:

فلو كنت تطلب شأو الكرام

 

فعلت كفعل أبي البختري

تتبع إخوانه في الـبـلاد

 

فأغنى المقلّ عن المكثر