القناعة والاستعفاف
للنبي (في النهي عن سؤال الناس حدّثني شيخٌ لنا عن وكيع عن ابن ذئبٍ عن محمد بن قيس عن عبد الرحمن بن يزيد عن ثوبان قال: قال رسول الله ): "من يتقبل لي بواحدةٍ وأتقبل له بالجنة". فقال ثوبان: أنا يا رسول الله. قال: "لا تسأل الناس شيئاً". فكان ثوبان إذا سقط سوطه من يده نزل فأخذه ولم يسأل أحداً أن يناوله إياه.
لعمر بن الخطاب في القناعة والاقتصاد وحدّثني أيضاً عن عبد الرحمن المحاربي عن الأعمش عن مجاهد قال: قال عمر رضي الله عنه: ليس من عبدٍ إلا وبينه وبين رزقه حجابٌ، فإن اقتصد أتاه رزقه وإن اقتحم هتك الحجاب ولم يزد في رزقه.
للنبي ): "إن الصفا الزلال الذي لا تثبت عليه أقدام العلماء الطمع".
وقال عليه السلام: "إن روح القدس نفث في روعي أن نفساً لن تموت حتى تستكمل رزقها فاتقوا الله وأجملوا في الطلب".
شعر لابن حازم قال ابن حازم:
للناس مالٌ ولي مالان ما لهـمـا |
|
إذا تحارس أهل المال أحـراس |
مالي الرضا بالذي أصبحت أملكه |
|
ومالي اليأس مما يملك النـاس |
أخذ هذا من قول أبي حازم المدنيّ، وقال له بعض الملوك: مامالك قال: الرضا عن اللّه، والغنى عن الناس.
لبشار بن بشر في الإستعفاف وقال بشار بن بشر:
وإني لعفٌ عن فكاهة جارتـي |
|
وإنيّ لمشنوء إليّ اغتـيابـهـا |
إذا غاب عنها بعلها لم أكن لهـا |
|
زءوراً ولم تأنس إليّ كلابهـا |
ولم أك طلاباً أحاديث سـرّهـا |
|
ولا عالماً من أيّ حوكٍ ثيابهـا |
وإن قراب البطن يكفيك ملـؤه |
|
ويكفيك سوءات الأمور اجتنابها |
إذا سدّ بابٌ عنك من دون حاجةٍ |
|
فذرها لأخرى ليّنٍ لك بابـهـا |
لابن أبي حاوم وقال ابن أبي حازم:
أوجع من وخزة السّنان |
|
لذي الحجا وخزة اللّسان |
فاسترزق اللّه واستعنـه |
|
فإنه خير مسـتـعـان |
وإن نبا منـزلٌ بـحـرٍ |
|
فمن مكانٍ إلى مكـان |
لا يثبت الحرّ في مكـانٍ |
|
ينسب فيه إلى هـوان |
الحرّ حرٌّ وإن تـعـدّت |
|
عليه يوماً يد الـزمـان |
لعامر بن عبد قيس العنبري في أربع آيات من كتاب اللّه تعالى حدّثني محمد بن داود عن جابر بن عثمان الحنفيّ عن يوسف بن عطيّة قال: حدّثني المعلّى بن زياد القردوسي: أن عامر بن عبد قيس العنبري كان يقول: أربع آياتٍ من كتاب اللّه إذا قرأتهنّ مساءً لم أبال على ما أمسي، وإذا تلوتهنّ صباحاً لم أبال على ما أصبح: "ما يفتح اللّه للنّاس من رحمةٍ فلا ممسك لها وما يمسك فلا مرسل له من بعده". "وإن يردك بخيرٍ فلا رادّ لفضله يصيب به من يشاء من عباده". "وما من دابةٍ في الأرض إلاّ على اللّه رزقها". "سيجعل اللّه بعد عسرٍ يسراً" لإبراهيم بن أدهم في القناعة حدّثني عبد الرحمن عن بشر بن مصلح قال: قال إبراهيم بن أدهم: لا تجعل بينك وبين اللّه منعماً عليك، وعدّ النعم منه عليك مغرما.
في أبرع بيت قالته العرب حدّثني الرّياشيّ عن الأصمعي قال: أبرع بيت قالته العرب بيت أبي ذؤيبٍ الهذليّ:
والنّفس راغبةٌ إذا رغبّتها |
|
وإذا تردّ إلى قليلٍ تقنع |
للحجاج بن الأسود قال أبو حاتم عن الأصمعيّ، قال: حدّثنا أبو عمرو الصّفّار عن الحجاج بن الأسود قال: احتاجت عجوزٌ من العجز القدم، قال: فجزعت إلى المسألة ، ولو صبرت لكان خيراً لها ولقد بلغني أن الأنسان يسأل فيمنع، ويسأل فيمنع، والصّبر منتبذٌ ناحيةً يقول: لو صرت إليّ لكفيتك.
وكان يقال: أنت أخو العزّ ما التحفت القناعة، ويقال: اليأس حرّ والرّجاء عبدٌ.
وقال بعض المفسّرين في قول اللّه عزوجلّ: "فلنحيينهّ حياةً طيبةً" قال: بالقناعة وصية سعد بن أبي وقاص لابنه
وقال سعد بن أبي وقّاص لابنه عمر: يا بنّي إذا طلبت الغنى فأطلبه بالقناعة، فإن لم تكن لك قناعةٌ فليس يغنيك مالٌ.
شعر لعروة بن أذينة ولأبي العتاهية في القناعة بالرزق وقال عروة بن أذينة:
لقد علمت وما الإسراف في طمع |
|
أنّ الذي هو رزقي سوف يأتيني |
أسعى له فيعنّينـي تـطـلـبـه |
|
ولو قعدت أتاني لا يعـنّـينـي |
وقال أبو العتاهية:
إن كان لا يغنيك ما يكفـيكـا |
|
فكلّ ما في الأرض لا يغنيكا |
في القناعة وقال بعضهم: الغنى والفقر يجولان في طلب القناعة فإذا وجداها قطناها حجّت أعرابيةٌ على ناقةٍ لها، فقيل لها: أين زادك قالت: ما معي إلا ما في ضرعها. وقال الشاعر:
يا روح من حسمت قناعته |
|
سبب المطامع من غدٍ وغد |
من لم يكن للّه متّـهـمـاً |
|
لم يمس محتاجاً إلى أحـد |
لأردشير في القناعة والتعلّم وقال أردشير: خير الشّيم القناعة، ونماء العقل بالتعلّم شعر للنمر بن تولب، ولآخرين وقال النّمر بن تولب:
ومتى تصبك خصاصة فارج الغنى |
|
وإلى الذي يهب الرغائب فارغب |
|
||
لا تغضبنّ على امرىء في مالـه |
|
وعلى كرائم صلب مالك فاغضب |
|||
وقال أبو الأسود:
ولا تطمعن في مال جارٍ لقربه |
|
فكلّ قريبٍ لا ينـال بـعـيد |
وقال كعب بن زهير:
قد يعوز الحازم المحمود نـيتّـه |
|
بعد الثّراء ويثري العاجز الحمق |
فلا تخافي علينا الفقر وانتظـري |
|
فضل الذي بالغنى من فضله نثق |
وشكا رجلٌ إلى قوم ضيقاً فقال له بعضهم: شكوت من يرحمك إلى من لا يرحمك بين هشام بن عبد الملك وسالم بن عبد اللّه وقال هشام بن عبد الملك لسالم بن عبد اللّه ودخلا الكعبة: سلني حاجتك. قال: أكره أن أسأل في بيت اللّه غير اللّه.
لسالم بن عبد اللّه وقد رأى رجلاً يسأل في الموقف ورأى رجلاً يسأل في الموقف فقال: أفي مثل هذا الموضع تسأل غير اللّه عزوجل! شعر لابن المعذّل في التعفف عن سؤال البشر وقال ابن المعذّل:
تكلفني إذلال نفسـي لـعـزّهـا |
|
وهان عليها أن أهان لتكـرمـا |
تقول سل المعروف يحيى بن أكثم |
|
فقلت سليه ربّ يحيى بن أكثمـا |
لابن عباس في سؤال الناس وقال ابن عباس: المساكين لا يعودون مريضاً ولا يشهدون جنازةً وإذا سأل الناس اللّه سألوا الناس.
وكان الحسن يطرد السؤّال يوم الجمعة، ولا يرى لهم جمعة.
لبعض الشعراء وقال بعض الشعراء:
حبٌ الرياسة داءٌ لا دواء له |
|
وقلّ ما تجد الراضين بالقسم |
شعر لمحمود الورّاق في احتجاب الملوك وقال محمودٌ الورّاق:
شاد الملوك قصورهم وتحصّنوا |
|
عن كلّ طالب حاجةً أو راغب |
غالوا بأبواب الحديد لـعـزّهـا |
|
وتنوقوا في قبح وجه الحاجـب |
وإذا تلّطف للـدّخـول إلـيهـم |
|
راجٍ تلـقّـوه بـوعـدٍ كـاذب |
فارغب إلى ملك الملوك ولا تكن |
|
ياذا الضّراعة طالباً من طالـب |
وجد على ميلٍ في طريق مكة:
ألا يا طالب الدّنـيا |
|
دع الدنيا لشانيكـا |
إلى كم تطلب الدنيا |
|
وظلّ الميل يكفيكا |
بين مطرّف بن عبد اللّه وابن أخيه قال مطرّف بن عبد اللّه لابن أخيه: إذا كانت لك إليّ حاجة فاكتب بها رقعةً فإني أضنّ بوجهك عن ذلّ السؤال.
لأبي الأسود وقال أبو الأسود:
وإن أحق الناس إن كنت مادحـاً |
|
بمدحك من أعطاك والوجه وافر |
شعر كان معاوية يتمثل به وكان معاوية يتمثّل بهذين البيتين:
وفتىً خلا مـن مـالـه |
|
ومن المروءة غير خالي |
أعطاك قبـل سـؤالـه |
|
فكفاك مكروه السـؤال |
وقال آخر:
أبا مالكٍ لا تسأل الناس والتمس |
|
بكفّيك سيب اللّه فاللّه أوسـع |
فلو تسأل الناس التراب لأوشكو |
|
إذا قلت هاتوا أن يميلوا فيمنعوا |
والمشهور في هذا قول عبيد:
من يسأل الناس يحرموه |
|
وسائل اللّه لا يخـيب |
بين سليمان وأبي حازم قال سليمان لأبي حازمٍ: سل حوائجك. فقال: قد رفعتها إلى من لا تخذل الحوائج دونه.
قال بعض المفسّرين في قول اللّه عزّ وجلّ: "وهو خير الرازقين" : أي المخلوق يرزق فإذا سخط قطع رزقه، واللّه عزّ وجل يسخط ولا يقطع.
شعر في كراهة الطلب إلا من اللّه عز وجل وقال الشاعر:
لا تضرعنّ لمخلوقٍ على طمعٍ |
|
فإنّ ذلك وهنٌ منك بـالـدّين |
واسترزق اللّه رزقاً من خزائنه |
|
فإنما هو بين الكاف والـنـون |
شعر للخليل بن أحمد في الإستعفاف وقال الخليل بن أحمد:
أبلغ سليمان أنّي عنه فـي سـعةٍ |
|
وفي غنىً غير أني لست ذا مال |
شحاً بنفسي، إنـي لا أرى أحـداً |
|
يموت هزلاً ولا يبقى على حـال |
فالرزق عن قدرٍ لا الضعف يمنعه |
|
ولا يزيدك فيه حول مـحـتـال |
للمعلوط، وغيره وقال المعلوط:
متى ما ير الناس الغنـيّ وجـاره |
|
فقيرٌ يقولوا عـاجـزٌ وجـلـيد |
وليس الغنى والفقر من حيلة الفتى |
|
ولكن حظوظٌ قسّمـت وجـدود |
وقال آخر:
يخيب الفتى من حـيث يرزق غـيره |
|
ويعطى الفتى من حيث يحرم صاحبه |
وقال أبو الأسود:
ليتك آذنـتـنـي بـواحـدةٍ |
|
تجعلها منك سـائر الأبـد |
تحلف ألاّ تـبـرّنـي أبـداً |
|
فإنّ فيها برداً على كبـدي |
إن كان رزقي إليك فارم به |
|
في ناظري حيّةٍ على رصد |
لعمر بن الخطاب في تفضيل العمل على مسألة الناس وقال عمر بن الخطّاب رضي اللّه عنه: حرفةٌ يقال فيها خيرٌ من مسألة الناس.
لسعيد بن العاص وقال سعيد بن العاص: موطنان لا أستحي من العيّ فيهما: عند مخاطبتي جاهلاً، وعن مسألتي حاجةً لنفسي.
لشريح وقد جاءه رجل يستقرض منه حدّثن محمد بن عبيد عن أبي عبد اللّه عن محمد بن عبد اللّه بن واصل قال: جاء رجلٌ إلى شريح يستقرض دراهم؛ فقال له شريحٌ: حاجتك عندنا فأت منزلك فإنّها ستأتيك، إنّي لأكره أن يلحقك ذّلها.
وصية أبي عاصم لبنيه حدّثني الرّيلشيّ عن الأصمعيّ عن حكيم بن قيس بن عاصم عن أبيه أنه أوصى بنيه عند موته فقال: إيّاكم والمسألة، فإنها آخر كسب الرجل.
شعر في القناعة والتعففّ وقال بعض المحدثين:
عوّدت نفسي الضّيق حتى ألـفـتـه |
|
وأخرجني حسن العزاء إلى الصّبر |
ووسّع قلبي للأذى الأنـس بـالأذى |
|
وقد كنت أحياناً يضيق به صـدري |
وصيّرني يأسي من النـاس راجـياً |
|
لسرعة لطف اللّه من حيث لا أدري |
وقال آخر:
حسبي بعلمي لو نفـع |
|
ما الذّلّ إلا في الطّمع |
من راقب اللّه نـزع |
|
عن قبح ما كان صنع |
ما طار شيء فارتفع |
|
إلا كما طـار وقـع |