الكتاب الثامن: كتاب الحوائج - الحرص والإلحاح

الحرص والإلحاح

من كتاب لبزر جمهر في الحرص والقدر لما قتل بزر جمهر وجد في منطقته كتاباً: إذا كان القدر حقّاً فالحرص باطلٌ وإذا كان الغدر في الناس طباعاً فالثّقة بكلّ أحدٍ عجزّ وإذا كان الموت لكل أحدٍ راصداً فالطمأنينة إلى الدنيا حمقٌ.

لبعض الشعراء وقال بعض الشعراء:

من عفّ خفّ على الصّديق لقاؤه

 

وأخو الحوائج وجهه ممـلـول

من كتاب الهند في الإلحاح وفي كتاب للهند: لا يكثر الرجل على أخيه الحوائج، فإنّ العجل إذا أفرط في مصّ أمه نطحته ونحّته.

شعر لعدّي بن زيد وقال عديّ بن زيد:

قد يدرك المبطىء من حـظّـه

 

والرزق قد يسبق جهد الحريص

لابن المقفع في الحرص والجبن وقال ابن المقفع: الحرص محرمةٌ، والجبن مقتلةٌ، فانظر فيما رأيت وسمعت أمن قتل في الحرب مقبلاً أكثر أم من قتل مدبراً، وانظر من يطلب إليك بالإجمال والتكرم أحقّ أن تسخو نفسك له بالعطّية أم من يطلب ذلك بالشّره والحرص.

وقال الشاعر:

كم من حريص على شىء ليدركه

 

وعلّ إدراكه يدني إلى عـطـبة

وقال آخر:

وربّ ملحّ على بغيةٍ

 

وفيها منيّته لو شعر

قول العرب في الرجل الملحّ والعرب تقول في الرجل الملحّ في الحوائج الذي لا تنقضي له حاجةٌ إلا سأل أخرى:

لا يرسل الساق إلا ممسكاً ساقاً

وأصل المثل في الحرباء، إذا اشتد عليه حرّ الشمس لجأ إلى شجرة ثم توقىّ في أغصانها فلا يرسل غصناً حتىّ يقبض على آخر.

وقال الشاعر:

أنّى أتيح له حرباء تـنـضـبةٍ

 

لا يرسل السّاق إلاّ ممسكاً ساقاً

من كتاب كليلة ودمنة في الحرص والشره وفي كتاب كليلة: لا فقر ولا بلاء كالحرص والشّره، ولا غنى كالرّضا والقناعة، ولا عقل كالتّدبير، ولا روع كالكفّ، ولا حسب كحسن الخلق.

لابن المقفع في الحرص والحسد قال ابن المقفع: الحرص والحسد بكرا الذنوب وأصل المهالك؛ أمّا الحسد فأهلك إبليس، وأما الحرص فأخرج آدم من الجنة.

أيضاً من كتاب كليلة ودمنة في خمسة حرصاء وفي كتاب كليلة: خمسة حرصاء، المال أحبّ إليهم من أنفسهم: المقاتل بالأجرة، وحفّار القنيّ والأسراب، والتّاجر يركب البحر، والحاوي يلسع يده الحيّة، والمخاطر على شرب السمّ.

بين مالك بن دينار ورجل محبوس كان حريصاً بخيلاً دخل مالك بن دينار على رجل محبوسٍ قد أخذ بمال عليه وقيّد، فقال له: يا أبا يحيى، أما ترى ما نحن فيه من هذه القيود! فرفع مالك رأسه فرأى سلّةً، فقال: لمن هذه قال: لي. قال: فأمر بها أن تنزل، فأنزلت فوضعت بين يديه، فإذا دجاجٌ وأخبصةٌ، فقال مالك: هذه وضعت القيود في رجلك.

لأشعب

كان أشعب يقول: أنا أطمع وأمّي تيقن فقلّ ما يفوتنا.

شعر للنابغة وقال النابغة:

واليأس عما فات يعقب راحةً

 

ولربّ مطعمةٍ تعود ذباحـا

لأبي علي الضرير وقال أبو علي الضرير:

فإنّي قد بلوتـكـم جـمـيعـاً

 

فما منكم على شكري حريص

وأرخصت الثناء فعفـتـمـوه

 

وربّتما غلا الشيء الرّخـيص

فعفت نوالكم ورغبت عـنـه

 

وشرّ الزاد ما عاف الخصيص

لأعرابي يهجو الحريص وقل أعرابيّ:

أيّها الدّائب الحريص المعنّى

 

لك رزقٌ وسوف تستوفـيه

قبّح اللّه نـائلاً تـرتـجـيه

 

من يدي من تريد أن تقتضيه

إنما الجود والسماح لمـن يع

 

طيك عفواً وماء وجهك فيه

لا ينال الحريص شيئاً فيكفي

 

ه وإن كان فوق ما يكفـيه

فسل اللّه وحده ودع الـنـا

 

س وأسخطهم بما يرضـيه

لا ترى معطياً لما منـع ال

 

لّه ولا مانعاً لما يعـطـيه

"وجد بالأصل بآخر هذا الجزء ما يأتي": آخر كتاب الحوائج، وهو الكتاب الثامن من عيون الأخبار لابن قتيبة رحمة اللّه عليه. وكتبه الفقير إلى رحمة اللّه تعالى إبراهيم بن عمر بن محمد بن عليّ الواعظ الجزريّ، وذلك في شهور سنة أربع وتسعين وخمسمائة. والحمد للّه ربّ العالمين، وصلاته وسلامه على سيّدنا محمد النبيّ وآله أجمعين. ويتلوه الكتاب التاسع وهو كتاب الطعام، واللّه الموفّق للصّواب.
"وفيه كذلك-وهو من زيادات النسّاخ-": شعر في الاستعفاف وفي الاستعفاف:

علـيك بـالــيأس مـــن الـــنـــاس

 

إنّ غـنـى نـفـســك فـــي الـــياس

كم صـاحـب قـد كـان لـي وامــقـــاً

 

إذ كـــان فـــي حـــالة إفـــلاس

أقول لو قد نال هذا الغنىصيّرنيمنه على الرّاس

 

 

حتى إذا ما صار فيما اشتهى

 

وعـدّه الـنّــاس مـــن الـــنّـــاس

قطّـع بـالـصـدّ حـبـال الـصّـــفـــا

 

منّـي ولـمّـا يرض بـالــقـــاســـي

آخر وقد أحسن:

إنّ للمـعـروف أهـلاً

 

وقـلـيلٌ فـاعـلـوه

أهنأ المعروف مـالـم

 

تبتذل فـيه الـوجـوه

أنت ما استغنيت عن صا

 

حبك الـدّهـر أخـوه

فإذا احـتـجـت إلـيه

 

ساعةً مـجّـك فـوه

إنما يعـرف الـفـض

 

ل من الـنـاس ذووه

لو رأى النـاس نـبـيّاً

 

سائلاً مـا وصـلـوه

من أبي العيناء إلى أبي القاسم بن عبيد اللّه بن سليمان يسأله وكتب أبو العيناء إلى أبي القاسم بن عبيد اللّه بن سليمان رقعة يقول فيها: أنا-أعزّك اللّه-وولدي وعيالي زرعٌ من زرعك، إن سقيته راع وزكا، وإن جفوته ذبل وذوى. وقد مسّني منك جفاءٌ بعد برٍّ وإغفالٌ بعد تعهّد، فشمت عدوٌّ، وتكلّم حاسد، ولعبت بي ظنونٌ؛ وانتزاع العادة شديدٌ. ثم كتب في آخرها:

لا تهنّي بعد إكرامك لي

 

فشديدٌ عادةٌ منتزعـه

آخر:

مالي معاشٌ سوى ضدّ المعاش فلا

 

أغدو إلى عمـلٍ إلاّ بـلا أمـل

وليس لي شغلٌ يجدي عـلـيّ إذا

 

فكّرت فيه وما أنفكّ من شـغـل

كلّ امرىء رائحٌ غادٍ إلى عمـل

 

وما أروح ولا أغدو إلى عـمـل

ولست في الناس موجوداً كبعضهم

 

وإنما أنا بعض الناس في المثـل

وآخر:

المرء بعد المـوت أحـدوثةٌ

 

يفنى وتبقى مـنـه آثـاره

يطويه من أيّامه ما طـوى

 

لكنّه تـنـشـر أسـراره

وأحسن الحالات حال امرىءٍ

 

تطيب بعد الموت أخبـاره

يفنى ويبقى ذكـره بـعـده

 

إذا خلت من شخصـه داره

شعر لحبيب الطائي وقال حبيب الطائي:

وما ابن آدم إلاّ ذكر صالـحةٍ

 

أو ذكر سيّئةٍ يسري بها الكلم

أما سمعت بدهرٍ بـاد أمّـتـه

 

جاءت بأخبارها من بعدها أمم

شعر في البخل في البخل:

طرقت أناساً علـى غـرّةٍ

 

فذقت من العيش جهد البلاء

 

فأمّا الـقـديد وأشـبـاهـه

 

فذاك مفاتيحه في السمـاء

 

وأما السّويق فـفـي عـيبةٍ

 

يشمّ ويدعي له بالـبـقـاء

 

ومن حاول الخبز قالوا له

 

أتذكر شيئاً خبي للـدّواء