الكتاب التاسع: كتاب الطعام - أخبار من أخبار العرب في مآكلهم ومشاربهم

أخبار من أخبار العرب في مآكلهم ومشاربهم

للمعلّى الربعي المعلّى الرّبعيّ قال: مكثت ثلاثاً لا أذوق طعاماًوأشرب فيهنّ شراباً، فدعوت اللّه تعالى، وإذا دعا العبد اللّه بقلبٍ صادقٍ كانت معه من اللّه عينٌ بصيرةٌ، فدفعت إلى ذئبين في جفرٍ، فرميتهما فقتلتهما، ثم أتيت جفراً فيه ماء فاستقيت، ثم أتيتهما وإذا هما علىمهيديتيهما، وإذا لهما نحفةٌ-يعني شبه الزّفير-فاشتويت واحتذيت واذّهنت.

بين ابن قرفة وصياد أعرابي قال ابن قرفة "شيخ من سليم": أضافني رجل من الأعراب فجاءني بقدرٍ جماعٍ ضخمةٍ ليس فيها شيء من طعام إلا قطع لحم، فإذا بضعة تنماتّ في فمي، وبضعة كأنّها بضع ساقٍ، وبضعة كأنها شحمٌ زخمٌ؛ فقلت: ما هذا فقال: إني رجل صيّاد، جمعت بين ذئبٍ وظبيٍ وضبع.

بين مدني وأعرابي قال مدنيّ لأعرابيّ: ما تأكلون وما تدعون قال: نأكل ما دبّ ودرج إلا أمّ حبينٍ. فقال المدنيّ: ليهنيء أمّ حبينٍ العافية.

لرجل من بني هلال على مائدة الفضل بن يحيى قعد على مائدة الفضل بن يحيى رجلٌ من بني هلال بن عامر، فذكروا الضّبّ ومن يأكله، فأفرط الفضل في ذمّه وتابعه القوم، فغاط الهلاليّ ما سمع منهم، ولم يكن على المائدة عربيّ غيره، ثم لم يلبث أن أتي الفضل بصحفةٍ فيها فراخ الزّنانير، فلم يشك الأعرابيّ أنها ذبّان البيوت، فقال حين خرج:

وعلجٍ يعاف الضبّ لؤماً وبطنةً

 

وبعض إدام العلج هام ذبـاب

ولو أنّ مـلـكـاً نـاك أمّـه

 

لقالوا لقد أوتيت فصل خطاب

شعر لأبي الهندي، ثم لبعض الأعراب وقال أبو الهندي "رجل من العرب":

أكلت الضّباب فما عفـتـهـا

 

وإنّي لأشهي قديد الـغـنـم

ولحم الخروف حـنـيذاً وقـد

 

أتيت به فاتراً في الـشّـبـم

فأمّا البهـطّ وحـيتـانـكـم

 

فما زلت منها كثير السّـقـم

وقد نلت منها كمـا نـلـتـم

 

فلم أر فيها كـضـبّ هـرم

ولا في البيوض كبيض الدّجاج

 

وبيض الدجاج شفاء الـقـرم

ومكن الضّباب طعام العـريب

 

ولا تشتهيه نفوس الـعـجـم

وقال بعض الأعراب:

وأنت لو ذقت الكشى بالأكباد

 

لما تركت الضّبّ يعدو بالواد

ونزل رجل من العرب برجل من الأعراب فقدم إليه جراداً؛ فقال:

لحى اللّه بيتاً ضمّني بعد هجعةٍ

 

إليه دجوجيّ من الليل مظلـمٌ

فأبصرت شيخاً قاعداً بفـنـائه

 

هو العنز إلا أنـه يتـكـلـم

أتانا ببرقان الدّبى فـي إنـائه

 

ولم يك برقان الدّبى لي مطعم

فقلت له غيّب إناءك واعتـزل

 

فهل ذاق هذا، لا أبا لك، مسلم

لبعض لعباسين وقال بعض العباسيين:

ليت شعري متى تخبّ بي ال

 

قة نحو العذيب فالصّـنّـين

محقباص زكرةً وخبز رقاقٍ

 

وجبيناً وقطعةً مـن نـون

وقال بعض الأعراب:

أقول له يوماً وقد راح صحبتـي

 

ترى أبتغي من صيده وأخاتـلـه

فلما التقت كفّي على فضل ذيلـه

 

وشالت شمالي زايل الضّبّ باطله

فأصبح محنوذاً نضيجاً وأصبحـت

 

تمشّي على القيزان حولاً حلائله

شديد اصفرار الكشيتين كـأنـمـا

 

تطلّى بورسٍ بطنه وشواكـلـه

فذلك أشهى عندنا من نتـاجـكـم

 

لحى اللّه شاريه وقبّـح آكـلـه

للفرزدق يعيّر بني أسد بأكل الكلاب وبنو أسدٍ تعيّر بأكل الكلاب؛ قال الفرزدق:

إذا أسديّ جاع يوماً ببلـدةٍ

 

وكان سميناً كلبه فهو آكله

لآخر يعير بني أسد بأكل لحوم الناس وتعيّر أيضاً بأكل لحوم الناس، كما قال الشاعر:

إذا ما ضفت ليلاً فقعسـيّاً

 

فلا تأكل له ابداً طعامـا

فإنّ اللحم إنسانٌ فـدعـه

 

وخير الزاد ما منع الحرام

لرجل في قوم يأكلون الحيات قال رجل: كنت بالبادية فرأيت ناساً حول نارٍ، فسألت عنهم فقالوا: صادوا حيّات فهم يشتوونها ويأكلونها.فأتيتهم فرأيت رجلاً منهم قد أخرج حيّةً من الجمر ليأكلها فامتنعت عليه، فجعل يمدّها كما يمدّ عصيب لم ينضج، فما صرفت بصري عنه حتّى لبج به فمات، فسألت عن شأنه فقيل لي: عجل عليها قبل أن تنضج وتعمل في سمّها النار.

بين أعرابي وأولاده يصفون لحماً قال رجل من الأعراب لولده: إشتروا لي لحماً.فاشتروه فطبخه حتى تهرّي، وأكل منه حتى انتهت نفسه، وشرعت إليه عيون ولده فقال: ما أنا بمطعمه أحداً منكم إلا من أحسن وصف أكله؛ فقال الأكبر منهم: آكله يا آبت حتى لا أدع للذةٍ فيه مقيلا. قالك لست بصاحبه. فال الآخر: آكله حتى لا يدري ألعامه هو أم لعامٍ أوّل. قال: لست بصاحبه. فقال الأصغر: أدقّه يا أبت دقّاً وأجعل إدامه المخّ. قال: أنت صاحبه، هو لك.

شعر لأعرابي سقط بعيره فذبحه وأكله بينا أعرابيّ يسير وهو يوضع بعيره إذ سقط بعيره فنحره وأكله، فأنشأ يقول:

إن السّعيد من يموت جمله

 

يشبع لحماً ويقلّ عملـه

شعر لسلولي سكر فذبح بعيره ومرّ رجلٌ من سلول بفتيانٍ يشربون فشرب معهم؛ فلما أخذ منه الشراب قام إلى بعيره فنحره، وقال:

علّلاني إنما الدّنـيا عـلـل

 

ودعاني من ملامٍ وعـذل

وأنشلا ما أغبرّ من قدريكما

 

واسقياني أبعد اللّه الجمـل