الكتاب التاسع: كتاب الطعام - آداب الأكل والطعام

آداب الأكل والطعام

من حديث رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم عن أبي هريرة قال: سمعت رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يقول: "الأكل في السّوق دناءةٌ"

وعن عبد الرحمن بن عراكٍ قال: بلغني أنه من غسل يده قبل الطعام كان في سعة من الرّزق حتى يموت.

للحسن في الوضوء قبل الطعام وبعده عن الحسن أنه قال: الوضوء قبل الطعام ينفي الفقر وبعده ينفي اللّمم سمرة بن جندب

وعنه قال: قيل لسمرة بن جندبٍ: إنّ أباك أكل طعاماً كاد يقتله. قال: لو مات ما صلّيت عليه.

لأبي الدرداء وعن شرحبيل بن مسلم قال: قال أبو الدّرداء: بئس العون على الدّين قلبٌ نخيب، وبطنٌ رغيب، ونعظٌ شديدٌ.

بين الجارود وعمر أكل الجارود مع عمر طعاماً ثم قال: يا جارية هات الدّستورد. فقال عمر: امسح باستك أوذر.

نصيحة فرقد السبخي لأصحابه قال جعفر: كنا نأتي فرقداً السّبخيّ ونحن شببةٌ فيعلمنا: إن من ورائكم زماناً شديداً، فشدّوا الأزر على أنصاف البطون، وصغّروا اللّقم، وشدّدوا المضغ، ومصوا الماء مصّاً. وإذا أكل أحدكم فلا يحلّنّ إزاره فتتّسع أمعاؤه. وإذا جلس أحدكم ليأكل فليقعد على أليتيه، وليلزق بطنه بفخديه، وإذا فرغ فلا يقعد وليجئ وليذهب؛ واحتموا فإن من ورائكم زماناً شديداً.

للنبي صلى اللّه عليه وسلم وعن عبد اللّه بن أبي أوفى قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: "ساقي القوم آخرهم شرباً" طعام عبد الأعلى بن عبد اللّه بن عامر وعن الجارود بن أبي سبرة قال: قال لي بلال بن أبي بردة: أتحضر طعام هذا الشيخ - يعني عبد الأعلى بن عبد اللّه بن عامر -؛ فقلت: أيّهاً واللّه؛ فقال: حدثني عنه. فقلت: نأتيه وكان سكّيتاً، إن حدثنا أحسن الحديث، وإن حدّثناه أحسن الإستماع، فإذا حضر الغداء جاء خبّازه فمثل بين يديه؛ فيقول: ما عندك فيقول: بطّةٌ بكذا، ودجاجةٌ بكذا وكذا. قال: وما يريد بذاك قلت: كي يحبس كلّ إنسانٍ نفسه إلى ما يشتهي، فإذا وضع الخوان خوّى تخوية الظليم فما له إلا موضع متّكئه فيجدّ ويهزل، حتى إذا رآهم قد فتروا وكلّوا أكل معهم الجائع المقرور حتى ينشّطهم بأكله.

ما يستحب أن يجتمع للطعام وكان يقال: إذا اجتمع للطعام أربعٌ كمل: أن يكون حلالاً، وأن تكثر عليه الأيدي، وإن يفتح باسم اللّه، ويختتم بحمد اللّه.

وكان يقال: سمّوا إذا أكلتم ودنّوا وسمتّوا أبرويز لصحابي طعامه وشرابه قال أبرويز لصحابي طعامه وشرابه: إنّي سلّطتكما على المعيشة، وأشركتكما في الحياة، وجعلتكما أمينين على نفسي، وولّيتكما من طعامي وشرابي ما التوسعة فيه مروءةٌ والتضييق فيه دناءة؛ فاجعلاه في فضله على ما سواه كفضلي على من سواي، وفي كثرته ككثرة من معي على من مع غيري. ولا يشهدنّ طعامي الذي آكل عينٌ تراه ولا نفسٌ تحسّه ولا يدٌ تداوله خلا نفساً واحدةً؛ وإنما أفردته بذلك لتستحكم الحجّة فيه على من أضاع، وتنقطع الشبهة فيه عمن غفل ولأجعل صاحب ذاك رهناً بدم نفسه إن هو قصّر في صنعه أو أوقع بغائلةٍ.

إبراهيم بن صالح وحب الرمان الأصمعيّ قال: حدذثني إبراهيم بن صالح: أنه كانم له جامٌ من حبّ رمّانٍ مدقوقٍ يسفّ منه بين كل لونين ملعقةً حتى يعرف اختلاف الألوان.

أبو عبد الرحمن الثوري وولده وفيما أجاز لنا عمرو بن بحرٍ من كتبه قال: كان أبو عبد الرحمن الثّوريّ يقعد ابنه معه على خوانه يوم الرأس، ثم يقول: إياك ونهم الصبيان وأخلاق النوائح، و"دع عنك" خبط الملاّحين والفعلة، ونهش الأعراب والمهنة، وكل من بين يديك؛ فإنّ حظّك الذي وقع وصار إليك. واعلم أنه إذا كان في الطعام شيء طريفٌ أو لقمةٌ كريمةٌ أو بضعة شهيّةٌ، فإنما ذلك للشيخ المعظّم والصبيّ المدلّل، ولست واحداً منهما. وأنت قد تأتي الدعوات، وتجيب الولائم، وتدخل منازل الإخوان، وعهدك باللحم قريبٌ، وإخوانك أشدّ قوماً إليك منك، وإنما هو رأس واحدٌ، فلا عليك أن تتجافى عن بعضٍ وتصيب بعضاً. وأنا بعد أكره لك الموالاة بين اللحم؛ فإن اللّه يبغض أهل البيت اللّحمين.

وكان يقال: مدمن اللحم كمدمن الخمر.

ورأى رجلاً يأكل لحماً، فقال: لحمٌ يأكل لحماً، أفٌ لهذا عملاً وكان عمر يقول: إيّاكم وهذه المجازر، فإنّ لها ضراوةً كضراوة الخمر.

يا بنيّ عودّ نفسك الأثرة ومجاهدة الهوى والشهوى، ولا تنهش نهش السّباع، ولا تخضم خضم البراذين، ولا تدمن الأكل إدمان النّعاج، ولا تلقم لقم الجمال؛ فإن اللّه تعالى جعلك إنساناً وفضّلك، فلا تجعل نفسك بهيمةً ولا سبعاً. واحذر سرعة الكظّة وسرف البطنة.

قال بعض الحكماء: إذا كنت بطيناً فعدّ نفسك من الزّمني. وقال الأعشى:

.....................والبط

 

نة ممّا تسفّه الأحـلامـا

واعلم أنّ الشّبع داعية البشم، وأن البشم داعية السّقم، وأنّ السقم داعية الموت، فمن مات بهذه الميتة فقد مات ميتةً لئيمةً، وهو مع هذا قاتل نفسه، وقاتل نفسه ألأم من قاتل غيره.

يا بنيّ، واللّه ما أدّى حقّ الركوع والسجود ذو كظمة، ولا خشع للّه ذو بطنة، والصوم مصحّة، والوجبات عيش الصالحين.

أي بنيّ، لأمرٍ مّا طالت أعمار الهند، وصحّت أبدان الأعراب. فللّه در الحارث بن كلدة حيث يزعم أنّ الدواء هو الأزم، وأنّ الداء إدخال الطعام إثر الطعام.

أي بنيّ، لم صفت أذهان الأعراب، وصحّت أبدان الرّهبان، مع طول الإقامة في الصوامع حتى لم تعرف النقّرس ولا وجع المفاصل ولا الأورام، إلا لقلّة الرّزء وخفّة الزاد. وكيف لا ترغب في تدبيرٍ يجمع لك صحّة البدن، وذكاء الذهن، وصلاح المعي، وكثرة المال، والقرب من عيش الملائكة! أي بنيّ، لم صار الضبّ أطول شيء ذماءً إلا أنه يتبلّغ بالنسيم؛ ولم قال الرسول صلى اللّه عليه وسلم إنّ الصوم وجاء إلاّ ليجعله حجازاً دون الشهوات. إفهم تأديب اللّه، فإنه لم يقصد به إلاّ إلى مثلك.

أي بنيّ، قد بلغت تسعين عاماً ما نغص لي سنّ، ولا انتشر لي عصبٌ، ولا عرفت ذنين أنف، ولا سيلان عين، ولا سلس بول؛ ما لذلك علّةٌ إلاّ التخفيف من الزاد. فإن كنت تحبّ الحياة فهذه سبيل الحياة، وإن كنت تريد الموت فلا يبعد اللّه إلاّ من ظلم نفسه.

أبو نهشل وابنته، ثم ابنه وقال أبو نهشل: كانت لي ابنة تجلس معي على المائدة فتبرز كفّاً كأنها طلعة، في ذراع كأنه جمّارة، فلا تقع عينها على أكلة نفسية إلا خصّتني بها، فزوّجتها وصرت أجلس معي على المائدة ابناً لي فيبرز كفّاً كأنه كرنافة في ذراع كأنه كربة، فواللّه ما تسبق عيني إلى لقمة طيّبة إلاّ سبقت يده إليها.

وقال بعضهم: غلبت بطنتي فطنتي.سس عمرو بن العاص لمعاوية يوم التحكيم قال عمرو بن العاص لمعاوية يوم تحكّم الحكمان: أكثروا الطعام، فواللّه ما بطن قومٌ قطّ إلا فقدوا بعض عقولهم، وما مضت عزمة رجل بات بطيناً.

وكان يقال: أقلل طعاماً تحمد مناماً.

الأصمعيّ قال: كان يقال: ليس لشعبة خير من جوعة تحفزها.

بين عبد الملك ورجل دعا عبد الملك بن مروان إلى الغداء رجلاً فقال: ما فيّ فضل. فقال عبد الملك: ما أقبح بالرجل أن يأكل حتى لا يبقى فيه فضل! فقال: يا أمير المؤمنين، عندي مستزاد، ولكن أكره أن أصير إلى الحال التي استقبحها أمير المؤمنين.

وقال لشيخ: ما أحسن أكلك قال: عملي منذ ستين سنة.

للحسن وقال الحسن: إنّ ابن آدم أسير الجوع، صريع الشبع.

عبد الملك وأبا الزعيرة وسأل عبد الملك أبا الزعيرة فقال: هل اتّخمت قطّ قال لا؛ قال: وكيف ذاك قال: لأنا إذا طبخنا أنضجنا، وإذا مضغنا دقّقنا، ولا نكظّ المعدة ولا نخليها.

للأحنف وقال الأحنف: جنبوا مجلسنا ذكر النساء والطعام، فإني أبغض الرجل أن يكون وصّافاً لبطنه وفرجه، وإنّ من المروءة أن يترك الرجل الطعام وهو يشتهيه.

للأصمعي الأصمعيّ قال: بلغني أنّ أقواماً لبسوا المطارف العتاق، والعمائم الرّقاق؛ وأوسعوا دورهم،وضيّقوا قبورهم؛ وأسمنوا دوابّهم، وهزّلوا دينهم؛ طعام أحدهما غصب، وخادمه سخرة، يتّكىء على شماله، ويأكل من غير ماله؛ حتى إذا أدركته الكظّة قال: يا جارية هاتي حاطوماً؛ ويلك! وهل تحطم إلا دينك! أين مساكينك! أين يتاماك! أين ما أمرك اللّه به! أين أين!.

لبعض الحكماء في صلاح الأمور قال بعض الحكماء: مدار صلاح الأمور في أربع: الطعام لا يؤكل ألاّ على شهوة، والمرأة لا تنظر إلا إلى زوجها، والملك لا يصلحه إلا الطاعة، والرعيّة لا يصلحها إلا العدل.

من حديث رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم وعن أبي هريرة قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم:"من أكل من سقط المائدة عاش في سعةٍ وعوفي في ولده وولد ولده من لحمق".

وقيل لأعرابي: أتحسن أن تأكل الرأس قال نعم، أبخص عينيه، وأسحى، خدّيه، وأفكّ لحييه،، وأرمي بالدماغ إلى من هو أحوج منّي إليه. وكانوا يكرهون أكل الدماغ؛ ولذلك يقول قائلهم: أنّا من قبيلة تبقي المخّ في الجماجم.

دعبل لابنه دعبل قال: يا بنيّ لا تأكل ألية الشاة لأنها طبق الاست وقبريبٌ من الجواعر.

لبعض الشعراء قال بعض الشعراء:  

إذا لم أرى إلاّ لآكـل أكـلةً

 

فلا رفعت يمنى يديّ طعامي

فما أكلةٌ إن نلتها بـغـنـيمةٍ

 

ولا جوعةٌ إن جعتها بغـرام

للأصمعي عبد الملك بن عمير عن عمه عن الأصمعيّ قال: لا تخرج يا بنيّ من منزلك حتى تأخذ حلمك. يعني حتى تتغذىّ.

وقال هلال بن جشم:

وإنّ قراب البطن يكفيك ملـؤه

 

ويكفيك سوءآت الأمور اجتنابها

وصية رجل لولده وقرأت في الآيين: أن رجلاً من خدم دار المملكة أوصى ابنه فقال: إذا أكلت فضمّ شفتيك، ولا تتلفّتنّ يميناً وشمالاً. ولا تّتخذنّ خلالك قصبا. ولا تلقمنّ بسكّين أبداً، وإذا كان في يدك سكّين وأوردت التقاماً فضعها على مائدتك ثم التقم. ولا تجلس فوق من هو أسنّ منك وأرفع منزلة. ولا تتخلّل بعود آس. ولا تسمح بثياب بدنك. ولا ترق ماء وأنت قائم ولا تحفر أرضاً بأظفارك. ولا تجلس على حائط أو باب أو تكتب عليهما فتلعن، ولا تسترح على أسكفّة فتجهّل، ولا تستنج بمدر فيورثك البواسير، ولا تمتخط حيث يسمع امتخاطك، ولا تبصق في الأماكن المنظّفة.

بين معاوية ورجل يؤاكله وأجلس معاوية على مائدته رجلاً يؤاكله، فأبصر في لقمته شعرة، فقال: خذ الشعرة من لقمتك. فقال له الرجل: وإنك لتراعيني مراعاة من يبصر الشعرة في لقمتي! واللّه لا أكلت معك أبداً! ثم خرج الاعرابيّ وهو يقول:

وللموت خيرٌ من زيارة بـاخـلٍ

 

يلاحظ أطراف الأكيل على عمد

دعاء لسعيد بن جبير وكان سعيد بن جبير إذا فرغ من طعامه قالك اللهمّ أشبعت وأوريت فهنّئنا، وأكثرت وأطبن فزدنا.