الكتاب التاسع: كتاب الطعام - أخبار من أخبار الأكلة

أخبار من أخبار الأكلة

الأصمعيّ قال: قال رجلٌ: أحبّ أن أرزق ضرساً طحوناً، ومعدةً هضوماً، وسرماً نثوراً.

لأنس بن مالك عن إسحاق بن عبد الّه قال: سمعت أنس بن مالك يقول: رأيت عمر يلقي إليه لصلع من التمر فيأكله حتى حشفه.

لبعض الشعراء وقال بعض الشعراء:

همّ الكريم كريم الفعل يفعلـه

 

وهمّ سعدٍ بما يلقي إلى المعدة

لرجل سمين وقيل لرجل رئي سميناً: ما أسمنك قال: أكلي الحارّ، وشربي القارّ، واتكائي على شمالي، وأكلي من غير مالي.

وقيل لآخر: ما أسمنك قال: قلّة الفكرة، وطول الدّعة، والنّوم على الكظّة.

الحجاج والغضبان بن القبعثري قال الحجّاج للغضبان بن القبعثري في حبسه ما أسمنك قال: القيد والدّعة، ومن كان في ضيافة الأمير فقد سمن.

وقال آخر لرجل رآه سميناً: أرى عليك قطيفةً من نسج أضراسك.

وقيل لآخر: إنك لحسن الشّحمة ليّن البشرة. فقال: آكل لباب البرّ بصغار المعز، وأدّهن بدهن البنفسج، وألبس الكتّان.

طعام ميسرة الأكول قيل لميسرة الأكول وأنا أسمع: كم تأكل في كل يوم قال: من مالي أو من مال غيري قالوا: من مالك قال: دونان. قالوا: فمن مال غيرك قال: اخبز واطرح.

والعرب تقول: "العاشية تهيج الآبية" . يريدون أنّ الذي لا يشتهي أن يأكل إذا نظر إلى من يأكل هاجه ذلك على الأكل.

جرير يهجو بني الهجيم قال جرير:

وبنو الهجيم سخيفةٌ أحلامهـم

 

ثطّ اللّحى متشابهو الألـوان

لا يسمعون بأكـلةٍ أو شـربةٍ

 

بعمان أصبح جمعهم بعمـان

متأبطين بنيهـم وبـنـاتـهـم

 

صعر الأنوف لريح كلّ دخان

بين المغيرة ورجل يؤاكله قعد رجلٌ على مائدة المغيرة وكان منهوماً وجعل ينهش ويتعرّق، فقال المغيرة: ناولوه سكّيناً. فقال الرجل: كلّ امرىءٍ سكّينه في رأسه.

لأعرابي في اللحم وقيل لأعرابيّ: ما لكم تأكلون اللحم وتدعون الثريد فقال: لأن اللحم ظاغن والثريد باقٍ.
وقيل لآخر: ما تسمعون المرق قال: السّخين. قال: فإذ برد قال: لا ندعه يبرد نهم هلال بن أسعر وزوجته قال أبو اليقظان: كان هلال بن أسعر التّميميّ، من بني دارم بن مازن شديداً أكولاً؛ يزعمون أنه أكل جملاً إلا ما حمل على ظهره منه، وأكل مرةً فصيلاً، وأكلت امرأته فصيلاً، فلما ضاجعها لم يصل إليها؛ فقال: كيف تصل إليّ وبننا بعيران! أيضاً في نهم هلال بن أسعر الأصمعيّ قال: دعا عبّاد بن أخضر هلال بن أسعر إلى وليمةٍ، فأكل مع الناس حتى فرغوا ثم أكل ثلاث جفانٍ تصنع كلّ جفنةٍ لعشرة أنفسٍ؛ فقال له: شبعت قال: لا؛ فأتوه بكل خبزٍ في البيت فلم يشبع، فبعثوا إلى الجيران؛ فلّما اختلفت ألوان الخبز علم أنه قد أضرّ بهم فأمسك؛ فقالوا: هل لك في تمر شهريزٍ ولبنٍ فأتوه به فأكل منه قواصر؛ فقالوا له: أشبعت قال: لا؛ قالوا: فهل لك في السّويق قال: نعم؛ فأتوه بجرابٍ ضخم مملوء؛ فقال: هل عندكم نبيذٌ قالوا: نعم؛ قال: أعندكم تورٌ تغتسلون فيه من الجنابة فأتي به فغسله وصبّ السّويق فيه وصبّ عليه النبيذ، فما زال يفعل ذلك حتى فني.

نهم سليمان بن عبد الملك

الشّمردل وكيل آل عمرو بن العاص قال: قدم سليمان بن عبد الملك الطائف وقد عرفت شجاعته، فدخل هو وعمر بن عبد العزيز" وأيوب ابنه بستاناً لعمرو؛ قال: فجال في البستان ساعةً ثم قال": ناهيك بمالكم هذا "مالاً" لاولا جرارٌ فيه! فقلت: يا أمير المؤمنين، إنها ليست بجرارٍ ولكنها جرب الزّبيب. فجاء حتى أقلى صدره على غصن، ثم قال: ويلك يا شمردل! أما عندك شيء تطعمني قلت: بلى واللّه! إن عندي لجدياً تغدو عليه بقرةٌ وتروح أخرى؛ قال: اعجل به؛ فأتيته به كأنه عكّةٌ، وتشمّر فأكل ولم يدع ابنه ولا عمر حتى أبقى فخذاً. فقال: يا أبا حفصٍ هلمّ؛ قال: إنّي صائمٌ؛ ثم قال: ويلك يا شمردل! أما عندك شيء فقلت: بلى واللّه! دجاجاتٌ ستٌ كأنهن رئلان النّعام. فأتيته بهنّ، فكان يأخذ رجل الدجاجة حتى يعري عظمها ثم يلقيها "بفيه" حتى أتى عليهنّ: ثم قال: ويلك! أما عندك شيء فقلت: بلى واللّه! إن عندي لحريرةً كقراضة الذّهب. فقال: اعجل بها؛ فأتيته بعسٍّ يغيب فيه الرأس، فجعل يتلقّمها بيده ويشرب، فلما فرغ تجشّأ كأنه صاح في جبّ؛ ثم قال: يا غلام، أفرغت من غدائنا قال: نعم. قال: وما هو قال: نيفٌ وثمانون قدراً،؛ قال: فأتني بها قدراً قدراً؛ فأتاه به وبقناع عليه رقاقٌ؛ فأكثر ما أكل من قدرٍ ثلاث لفمٍ وأقلّ ما أكله لقمةٌ، ثم مسح يده واستلقى على فراشه، وأذن للناس ووضعت الخوانات فجعل يأكل مع الناس.

الخطّابيّ عن الدّيرانيّ أنه قال: إني لأعرف الطعام الذي يأكله سليمان؛ قال: لما استخلف سليمان قال لي: لا تقطع عنّي ألطافك التي كنت تلطفني بها قبل أت أستخلف. فأتيته بزنبيلين أحدهما بيضلإ والآخر تينٌ؛ فقال: لقّمنيه، فجعلت أقشر البيضة وأقرنها بالتينة حتى أكل الزّنبيلين.

طعام عبيد اللّه بن زياد العتبي عن أبيه قال: كان عبيد اللّه بن زياد يأكل كلّ يومٍ أربع جرادق أصبهانية وجبناً قبل غدائه.

طعام الحجاج وعن سلم بن قتيبة قال: عددت للحجاج أربعاً وثمانين لقمةً رغيفٌ من خبز لماء فيه ملء كفّه سمكٌ طريٌ.

معاوية وعبد الرحمن بن أبي بكرة وكان لعبد الرحمن بن أبي بكرة ابن أكولٌ؛ فقال له "معاوية": مافعل ابنك التّلقامة قال: اعتلّ. قال: مثله لا يعدم علّةً.

لأبي الأسود أكل أبو الأسود الدؤلي وأقعد معه أعرابياً فرأى له لقماً منكراً؛ فقال له: ما اسمك قال: لقمان؛ قال: صدق أهلك، إنك لقمان.

مساور الوراق وابن أبي ليلى ولد لابن أبي ليلى غلامٌ فعمل الأخبصة للجيران، فلما أكلوا قام مساورٌ الورّاق فقال:

من لا يدسّم بالثريد سبالنـا

 

بعد لثّريد فلا هناه الفارس

وقال العجيف في أمه:

يا ليتما أمنا شالـت نـعـامـتـهـا

 

إمّـا إلـى جـنّة إمّـا إلـى نـار

ليست بشعبى وإن أسكنتها هـجـراً

 

ولا بريّاً ولو حـلّـت بـذي قـار

تلّهم الوسق مـشـدوداً أشـظّـتـه

 

كأنما وجهها قد طلـي بـالـقـار

خرقاء في الخير لا تهدي لوجهـتـه

 

وهي صناع الأذى في الأهل والجار

لأبي الحارث جميز رأى أبو الحارث جميّزٌ سلّةُ بين يدي رجلٍ من الملوك، فقال له: جعلت فداك، أيّ شيء في تلك السّلّة فقال: بظر أمّك. قال: فأعضّني به.

نهم الحارثيّ قيل للحارثيّ: لم لا تأكل الناس فقال: لو لم تأكل أترك مؤاكلتهم إلا لنزوعي عن الأسواريّ لتركتها، ما ظنّكم برجل نهش بضعة لحم بقرٍ فانقلع ضرسه وهو لا يدري. وكان إذا أكل ذهب عقله وجحظت عيناه وسكر وسدر وتربّد وجهه وغضب ولم يسمع ولم يبصر، فلما رأيته وما يعتريه ويعتري الطعام منه صرت لا آذن له إلا ونحن نأكل الجوز والتمر وتناول القطعة منه كجمجمة الثّور كدمها كدماً، ونهشها طولاً وعرضاً، ورفعاً وخفضاً، حتى يأتي عليها؛ ثم لا يقع عضّه إلا على الأنصاف والأثلاث؛ ولا رمى بنواةٍ قطّ، ولا نزع قمعاً ولا نفى عنه قشراً، ولا فتّشه مخافة السوس والدود.

لبعض الشعراء وقال بعض الشعراء:

تبيت تدهده القرّان حولي

 

كأنك عند رأسي عقربان

فلو أطعمتني حملاً سميناً

 

شكرتك والطعام له مكان

وقال بعض الأعراب:

وإنّ طعاماً ضمّ كفيّ وكفّـهـا

 

لعمرك عندي في الحياة مبارك

 

فمن أجلها أستوعب الزاد كلّه

 

ومن أجلها أهوي يدي فأدارك

           

وقال آخر:

عريض البطان جديد الخوان

 

قريب المراث من المرتع

فنصف النهار لكـرياسـه

 

ونصفٌ لمأكلـه أجـمـع

لأعربي في عسل قصب السكر الأصمعيّ قال: قيل لأعرابيّ: ما يعجبك من هذا القند قال: يعجبني خضده وبرده قال الأصمعيّ: الخضد: المضغ والأكل الشديد خالد بن صفوان وجاريته قال خالد بن صفوان يوماً لجريته: يا جارية، أطعمينا جبنً، فإنه يشهيّ الطعام ويهيج المعدة، وهو يعدّ من حمض العرب، قالت: ما عندنا منه شيء. قال: لأعلمك إنه واللّه ما علمت ليقدح في الأسنن ويستولي على البطن وأنه من طعام أهل الذمّة.

كان يقل: إذا كثرت المقدرة، ذهبت الشهوة.

شعر لبعض الظرفاء وقال بعض الظرفاء:

زرعنا فلما سلّم اللّه زرعنا

 

وأوفى عليه منجلٌ بحصاد

بلينا بكوفّي حليف مجـاعةٍ

 

أضرّ علينا من دبي وجراد

من حديث النبي صلى اللّه عليه وسلم عن نافع عن ابن عمر قال: قال النبي صلى اللّه عليه وسلم: "من دخل على غير دعوة دخل سارقاً وخرج مغيراً ومن لم يجب الدعوة فقد عصى اللّه ورسوله" عن أبي هريرة أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال: "إذا دعي أحدكم فجاء مع الرسول فإنّ ذلك له إذنٌ" ابن عمر وعن مجاهد: أن ابن عمر كان إذا دعي إلى طعام وهو صائم يجيب، وكان يهيء اللقمة بيده ثم يقول: كلوا باسم اللّه فإني صائم للنبي صلى اللّه عليه وسلم وعن أسماء بنت رفيد قالت: دخلنا على النبي صلى اللّه عليه وسلم، فأتي بطعام فعرض علينا فقلنا: لا نشتهيه. فقال: "لا تجمعنّ كذباً وجوعاً" لعلي بن أبي طلب رضي اللّه عنه دعا رجل عليّ بن أبي طالب رضوان اللّه عليه إلى طعام، فقال: نأتيك على ألاّ تتكلّف ما ليس عندك، ولا تدّخر عن ما عندك.
وكان يقول: شرّ الإخوان من تكلّف له.

من آداب الدعوة دعا رجل رجلاً إلى الغداء ثم قال له: هذه بكر زيارة ولم نستعدد، فلعل تقصيراً فيم أحبّ بلوغه. فقال الآخر: حرصك على كرامتي يكفيك مؤونة التكلّف.

بين إسحاق لموصلي والزبير بن دحمان قال إسحاق بن إبراهيم الموصليّ: أتني الزبير بن دحمان يوماً فسألته أن يقيم عندي، فقال: قد أرسل إليّ الفضل بن الربيع وليس يمكنني التخلّف عنه. فقلت له:

أقم يا أبا العواّم ويحـك نـشـرب

 

ونله مع اللاّهين يوماً ونطـرب

إذا مـا رأيت الـيوم قـد خـيره

 

فخذه بشكر واترك الفضل يغضب

وقال بعض المحدثين:

نحن قوم متى دعينا أجبنا

 

ومتى نلس يدعنا التطفيل

ونقل علّنا دعينا فغبـنـا

 

وأتانا فلم يجدنا الرسول

نصيحة طفيل العرائس لأصحابه كان طفيل العرائس الذي ينسب إليه الطّفيليونّ يوصي أصحابه فيقول لأحدهم: إذا دخلت عرساً فلا تتلّفت تلّفت المريب، وتخّير المجالس، وأجد ثيابك، واعمل على أنها العقدة التي تشغل. وإن "كان" العرس كثير الزحام فمر وأنه ولا تنظر في عيون أهل المرأة ولا عيون أهل الرجل، فيظن هؤلاء أنك من هؤلاء أنك من هؤلاء. وإن كان البوّاب غليظاً وقاحاً فأبدأ به ومره وانهه من غير أن تعنّف عليه، وعليك بكلام بين النصيحة والإدلال.

عرض رجل على رقبة الغداء؛ فقال: إن أقسمت عليّ وإلا فدعني.

شعر لطفيلي ومن أشعار الطّفيلين:

دعوت نفسي حين لم تدعني

 

فالحمد لي لا لك في الدعوة

وقلت ذا أحسن من موعـدٍ

 

إخلافه يدعو إلى جـفـوه

وقال آخر:

إذا جاء ضيفّ جاء للضيف ضيفن

 

فأودي بما تقرى الضيوف الضّيافن

شعر لإسحاق الموصلي وقال إسحاق بن إبراهيم الموصليّ:

نعم الصديق صديقٌ لا يكلّـفـنـي

 

ذبح الدّجاج ولا شىءّ الفـراريج

يرضي بلونين من كشك ومن عدس

 

وإن تشهّى فزيتون بـطـسّـوج

لسعيد بن أسعد الأنصاري كان سعيد بن أسعد الأنصاري إمام الجامع بالبصرة طفيليّاً؛ فإذا كانت وليمةٌ سبق الناس إليها، فربما بسط معهم البسط وخدم. فقيل له في ذلك فقال: إني أبادر برد الماء، وصفو لقدور، ونشاط الخباز، وخلاء المكان، وغفلة الذّبّان، وجفاف المنديل.

لطفيلي

وقيل لبعض الطفيليّين: كم اثنان في اثنين قال: أربعة أرغفةٍ.