مقدمة الحكواتي ومقدمة الكتاب

 

كتاب فتوح البلدان

أبو الحسن أحمد بن يحيى بن جابر البلاذري

المولود عام 279 م والمتوفي عام 297 هـ

 

أبو الحسن، وقيل أبو بكر، أحمد بن يحيى بن جابر البلاذري مؤرخ وراوية نسابة وشاعر، مسلم انتقل بين سوريا والعراق.و عمل في بلاط الخلفاء العباسيين,

يعدّ البلاذري من رجال البلاط العباسي، اتصل بالمأمون ومدحه ثم اتصل بالمتوكل على الله (232-247هـ) وأصبح من ندمائه، ويقال إن المتوكل لم يكن يهنأ له طعام إلا بحضوره، وتقرَّب من المستعين بالله (248-251هـ) الذي كان يصله بصلات جليلة حتى لا يحتاج إلى شيء من أمر دنياه، وحظي كذلك عند المعتز بالله (251-255هـ) وأصبح من ثـقاته، ولذا عهد إليه بتربية ولده عبد الله.

مقدمة

بسم الله الرحمن الرحيم

وبه نستعين

قال أحمد بن يحيى بن جابر: أخبرني جماعة من أهل العلم بالحديث والسيرة وفتوح البلدان سقت حديثهم واختصرته ورددت من بعضه على بعض أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما هاجر إلى المدينة من مكة نزل على كلثوم ابن الهدم بن امرئ القيس بن الحارث بن زيد بن عبيد بن أمية بن زيد بن مالك ابن عوف بن عمرو بن عوف بن مالك بن الأوس بقبآء، وكان يتحدث عند سعد بن خيثمة بن الحارث بن مالك أحمد بني السلم بن امرئ القيس بن مالك ابن الأوس حتى ظن قوم أنه نزل عنده.

وكان المتقدمون في الهجرة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن نزلوا من الأنصار بنوا بقبآء مسجدا" يصلون فيه، والصلاة يومئذ إلى بيت المقدس، فلما ورد رسول الله صلى الله عليه وسلم قبآء صلى بهم فيه. فأهل قبآء يقولون إنه المسجد الذي يقول الله تعالى فيه "لمسجد أسس على التقوى من أول يوم أحق أن تقوم فيه" وروى أن المسجد الذي أسس على التقوى مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم.

حدثنا عفان بن مسلم الصفار قال: حدثنا حماد بن سلمة قال: أخبرني هشام بن عروة، عن عروة أنه قال في هذه الآية "والذين اتخذوا مسجدا" ضريرا" وكفرا" وتفريقا" بين المؤمنين وأرصادا" لمن حارب الله ورسوله من قبل" قال: كان سعد بن خيثمة بنى مسجد قبآء، وكان موضعه للبة تربط فيه حمارها. فقال أهل الشقاق: أنحن نسجد في موضع كان يربط فيه حمار لبة؟ لا، ولكنا نتخذ مسجدا" نصلى فيه حتى يجيئنا أبو عامر فيصلي بنا فيه. وكان أبو عامر قد فر من الله ورسوله إلى أهل مكة ثم لحق بالشام فتنصر، فأنزل الله تعالى "والذين اتخذوا مسجدا" ضرارا" وكفرا" وتفريقا" بين المؤمنين وأرصادا" لمن حارب الله ورسوله من قبل"، يعني أبا عامر.

وحدثنا روح بن عبد المؤمن المقري قال: حدثني بهز بن أسد قال: حدثنا حماد بن زيد قال: أخبرنا أيوب، عن سعيد بن جبير أن بني عمرو بن عوف ابتنوا مسجدا" فصلى بهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فيه، فحسدهم اخوتهم بنو غنم بن عوف فقالوا: لو بنينا أيضا" مسجدا" وبعثنا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي فيه كما صلى في مسجد أصحابنا، ولعل أبا عامر أن يمر بنا إذا أتى من الشام فيصلي بنا فيه. فلما قام وبعثوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يسألونه أن يأتيه فيصلي فيه. فلما قام رسول الله صلى الله عليه وسلم لينطلق إليهم أتاه الوحي فنزل عليه فيهم" والذين اتخذوا مسجدا" ضرارا" وكفرا" وتفريقا" بين المؤمنين وأرصادا" لمن حارب الله ورسوله" قال: هو أبو عامر. "لا تقم فيه أبدا". لمسجد أسس على التقوى من أول يوم أحق أن تقوم فيه. فيه رجال يحبون أن يتطهروا والله يحب المطهرين. أقمن أسس بنيانه على تقوى من الله ورضوان" قال: هذا مسجد قبآء.

وحدثنا محمد بن حاتم بن ميمون قال: حدثنا يزيد بن هارون عن هشام، عن الحسن قال: لما نزلت هذه الآية "فيه رجال يحبون أن يتطهروا" أرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أهل مسجد قبآء فقال: ما هذا الطهور الذي ذكرتم به؟ قالوا: يا رسول الله! آنا نغسل أثر الغائط والبول.

وحدثنا محمد بن حاتم قال: حدثنا وكيع عن ابن أبي ليلى، عن عامر قال: كان ناس من أهل قبآء يستنجون بالماء، فنزلت فيهم "فيه رجال يحبون أن يتطهروا" الآية.

حدثني عمرو بن محمد الناقد وأحمد بن هشام بن بهرام قالا: حدثنا وكيع بن الجراح قال: أخبرنا ربيعة بن عثمان عن عمران بن أبي أنس، عن سهل بن سعد قال: اختلف رجلان على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم في المسجد الذي أسس على التقوى. فقال أحدهما: هو مسجد الرسول. وقال الآخر: هو مسجد قبآء. فأتيا النبي صلى الله عليه وسلم فسألاه. فقال: هو مسجدي هذا.

حدثني عمرو بن محمد ومحمد بن حاتم بن ميمون قالا: حدثنا وكيع عن ربيعة بن عثمان التيمي عن عثمان بن عبيد الله بن أبي رافع، عن ابن عمر قال: المسجد الذي أسس على التقوى مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم.

حدثنا محمد بن حاتم قال: حدثنا أبو نعيم الفضل بن دكين قال: حدثنا عبد الله بن عام الأسلمي عن عمران بن أبي أنس عن سهل بن سعد، عن أبي بن كعب قال: سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن المسجد الذي أسس على التقوى فقال: هو مسجدي هذا. حدثني هدبة بن خالد قال: حدثنا أبو هلال الراسي قال: أخبرنا قتادة، عن سعيد بن المسيب في قوله "لمسجد أسس على التقوى" قال: هو مسجد النبي صلى الله عليه وسلم الأعظم.

حدثنا على بن عبد الله المديني قال: حدثنا سفيان بن عيينة عن أبي الزناد، عن خارجة بن زيد بن ثابت قال: المسجد الذي أسس على التقوى مسجد الرسول عليه السلام.

حدثنا عفان قال: حدثنا وهيب قال: حدثنا داود بن أبي هند، عن سعيد بن المسيب قال: المسجد الذي أسس على التقوى مسجد المدينة الأعظم.

حدثنا محمد بن حاتم بن ميمون السمين قال: حدثنا وكيع حدثنا أسامة بن زيد عن عبد الرحمن بن أبي سعيد الخدري، عن أبيه قال: هو مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم، يعني الذي أسس على التقوى.

قالوا: وقد وسع مسجد قبآء بعد وزيد فيه. وكان عبد الله بن عمر إذا دخله صلى إلى الاسطوانة المخلقة، وكان ذلك مصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم.

قالوا: وأقام رسول الله صلى الله عليه وسلم بقبآء يوم الاثنين والثلاثاء والأربعاء والخميس، وركب منها يوم الجمعة يريد المدينة. فجمع في مسجد كان بنو سالم بن عوف بن عمرو بن عوف بن الخزرج بنوه، وكانت تلك أول جمعة جمع فيها.

ثم مر رسول الله صلى الله عليه وسلم بمنازل الأنصار منزلا" منزلا"، وكلهم يسأله النزول عليه، حتى إذا انتهى إلى موضع مسجده بالمدينة بركت ناقته فنزل عنها، وجاء أبو أيوب خالد بن زيد بن كليب بن ثعلبة بن عبد بن عوف بن غنم بن مالك بن النجار بن ثعلبة بن عمرو بن الخزرج فأخذ رحله، فنزل صلى الله عليه وسلم عند أبي أيوب. وأراده قوم من الخزرج على النزول عندهم فقال: المرء مع رحله. فكان مقامه في منزل أبي أيوب سبعة أشهر. ونزل عليه تمام الصلاة بعد مقدمه بشهر، ووهبت الأنصار لرسول الله ه صلى الله عليه وسلم كل فضل كان في خططها، وقالوا: يا بني الله! إن شئت فخذ منازلنا. فقال لهم خيرا".

قالوا: وكان أبو أمامة أسعد بن زرارة بن عدس بن عبيد بن ثعلبة بن غنم بن مالك بن النجار نقيب النقباء يجمع بمن يليه من المسلمين في مسجد له، فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي فيه. ثم إنه سأل أسعد أن يبيعه أرضا متصلة بذلك المسجد كانت في يده ليتيمين في حجره يقال لهما سهل وسهيل ابنا رافع بن أبي عمرو بن عائذ بن ثعلبة بن غنم، فعرض عليهم أن يأخذها ويغرم عنه لليتيمين ثمنها، فأبى رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك وابتاعها منه بعشرة دنانير أداها من مال أبي بكر الصديق رضي الله عنه.

ثم إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر باتخاذ اللبن فاتخذ، وبنى به المسجد، ورفع أساسه بالحجارة، وسقف بالجريد، وجعلت عمده جذعا". فلما استخلف أبو بكر رضي الله عنه لم يحدث فيه شيئا"، واستخلف عمر رضي الله عنه فوسعه وكلم العباس بن عبد المطلب رضي الله عنه في بيع داره ليزيدها فيه، فوهبها العباس لله والمسلمين فزادها عمر رضي الله عنه في المسجد.

ثم إن عثمان بن عفان رضي الله عنه بناه في خلافته بالحجارة والقصة، وجعل عمده حجارة وسقفه بالساج، وزاد فيه، ونقل إليه الحصباء من العقيق. وكان أول من اتخذ فيه شئ إلى أن ولى الوليد بن عبد الملك بن مروان بعد أبيه، فكتب إلى عمر بن عبد العزيز، وهو عامله على المدينة، يأمره بهدم المسجد وبنائه، وبعث إليه بمال وفسيفساء ورخام وثمانين صانعا" من الروم والقبط من أهل الشام ومصر. فبناه وزاد فيه، وولى القيام بأمره والنفقة عليه صالح بن كيسان مولى سعدى مولاة آل معيقيب بن أبي فاطمة الوصي، وذلك في سنة سبع وثمانين، ويقال في سنة ثمان وثمانين. ثم لم يحدث فيه أحد من الخلفاء شيئا" حتى استخلف المهدي أمير المؤمنين صلوات الله عليه.

قال الواقدي: بعث المهدي عبد الملك بن شبيب الغساني ورجلا" من ولد عمر بن عبد العزيز إلى المدينة لبناء مسجدها والزيادة فيه، وعليها يومئذ جعفر بن سليمان بن علي، فمكثا في عمله سنة، وزادا في مؤخره مثئة ذراع، فصار طوله ثلاث مئة ذراع وعرضه مائتي ذراع. وقال على بن محمد المائني: ولى المهدي أمير المؤمنين جعفر بن سليمان مكة والمدينة واليمامة، فزاد في مسجد مكة ومسجد المدينة. فتم بناء مسجد المدينة في سنة اثنتين وستين ومئة، وكان المهدي أتى المدينة في سنة ستين قبل الحج، فأمر بقلع المقصورة وتسويتها مع المسجد. ولما كانت سنة ست وأربعين ومائتين أمر أمير المؤمنين جعفر المتوكل على الله رحمه الله بمرمة مسجد المدينة، فحمل إليه فسيفساء كثير، وفرغ منه سبع وأربعين ومائتين.

حدثني عمر بن حماد بن أبي حنيفة قال: حدثنا مالك بن أنس قال: حدثنا هشام ابن عروة عن أبيه، عن عائشة قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما يفتح من مصر أو مدينة عنوة، فإن المدينة فتحت بالقرآن.

حدثنا شيبان بن أبي شيبة الأبلي قال: حدثنا أبو الأشهب قال: أخبرنا الحسن أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إن لكل نبي حرما" وإني حرمت المدينة كما حرم إبراهيم عليه السلام مكة ما بين حرتيها، لايختلى خلاها ولا يعضد شجرها ولا يحمل فيها السلاح لقتال. فمن أحدث حدثا" أو آوى محدثا" فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين، لا يقبل منه صرف ولا عدل.

وحدثني روح بن عبد المؤمن البصري المقري قال: حدثنا أبو عوانه عن عمر بن أبي سلمة بن عبد الرحمن عن أبيه، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اللهم إن إبراهيم عبدك ورسولك وأنا عبدك ورسولك، وإني قد حرمت ما بين لابتيها كما حرم إبراهيم مكة. فكان أبو هيرية يقول: والذي نفسي بيده لو أجد الظباء ببطحان ماعانيتهاز وحدثنا شيبان بن أبي سيبة قال: حدثنا القاسم بن الفضل الحداني عن محمد بن زياد، عن جده، وكان مولى عثمان بن مظعون وكانت في يده أرض لآل مظعون بالحرة، قال: كان عمر بن الخطاب ربما أتاني نصف النهار واضعا" ثوبه على رأسه، فيجلس إلي ويتحدث عندي، فأجيئه من القثآء والبقل. فقال لي يوما": لا تبرح، فقد استعملتك على ما هاهنا، ولا تدعن أحدا" يخبط شجرة ولا يعضدها، يعني من شجرة المدينة، فإن وجدت أحدا" يفعل ذلك فخذ حبله وفأسه. قال قلت: آخذ ثوبه؟ قال: لا.

وحدثني أبو مسعود بن القتات قال: حدثنا ابن أبي يحيى المدني عن جعفر بن محمد، عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حرم من الشجر ما بين أحد إلى عير، وأذن لصاحب الناضح في الغضا، وما يصلح به محاريثه وعربه.

حدثني بكر بن الهيثم: قال حدثنا عبد الله بن صالح عن الليث بن سعد عن هشام ابن سعد عن زيد بن أسلم، عن أبيه قال: سمعت عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول لرجل استعمله على حمى الربذة نسى بكر اسمه: اضمم جناحك عن كل مسلم، واتق دعوة المظلوم فإنها مجابة، وأدخل رب الصريمة والغنيمة، ودعني من نعم ابن عفان وابن العوف، فإنهما إن تهلك ماشيتهما يرجعا إلى زرع، وإن هذا البائس إن تهلك ماشيته يجيء فيصرخ يا أمير المؤمنين! يا أمير المؤمنين، فالكلاء أهون على المسلمين من غرم المال ذهبه وورقه. والله إنها لأرضهم قاتلوا عليها في الجاهلية وأسلموا عليها في الإسلام، وإنهم ليرون أنى أظلمهم، ولولا النعم التي تحمل عليها في سبيل الله ما حميت عن الناس من بلادهم شيئا" أبدا".

حدثنا القاسم بن سلام أبو عبيد قال: حدثنا ابن أبي مريم عن العمري عن نافع، عن ابن عمر قال: حمى رسول الله صلى الله عليه وسلم النقيع لخيل المسلمين. قال لي أبو عبيد: بالنون. وقال: النقيع فيه قاع ذرق وهو الحندقوق.

وحدثني مصعب بن عبد الله الزبيري عن أبيه عن ابن الدراوردي عن محمد بن ابراهيم التيمي عن أبيه، عن سعد بن أبي وقاص أنه وجد غلاما" يقطع الحمى، فضربه وسلبه فأسه. فدخلت مولاته أو امرأة من أهله على عمر رضي الله عنه فشكت إليه سعدا"، فقال عمر: رد الفأس والثياب أبا إسحاق رحمك الله. فأبى وقال: لا أعطي غنيمة غنمنيها رسول الله صلى الله عليه وسلم. سمعنه يقول: من وجدتموه يقطع الحمى فاضربوه واسلبوه. فاتخذ من الفأس مسحاه فلم يزل يعمل بها في أرضه حتى توفي.

وحدثنا أبو الحسن المدائني،  عن ابن جعدبة وأبي معشر قالا: لما كان النبي صلى الله عليه وسلم بظريب - التأويل مقدمه من غزوة ذي قرد - قالت له بنو حارثة من الأنصار: يا رسول الله! ها هنا مسارح إبلنا ومرعى غنمنا ومخرج نسائنا، يعنون موضع الغابة. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من قطع شجرة فليغرس مكانها ودية( فغرست الغابة.

وحدثني عبد الأعلى بن حماد الترسي قال: حدثنا حماد بن سلمة قال: أخبرنا محمد بن إسحاق عن أبي مالك بن ثعلبة، عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى في وادي مهزور أن يحبس الماء في الأرض إلى الكعبين فإذا بلغ الكعبين أرسل إلى الأخرى، لا يمنع الأعلى الأسفل.

وحدثنا اسحاق بن أبي إسرائيل قال: حدثنا عبد الرحمن بن أبي الزناد.

عن عبد الرحمن بن الحارث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى في سيل مهزور أن الأعلى يمسك على من أسفل منه حتى يبلغ الكعبين ثم يرسله على من أسفل منه.

وحدثني عمر بن أبي حنيفة قال: حدثنا مالك بن أنس عن عبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم الأنصاري، عن أبيه قال: قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم في سيل مهزور ومذينب أن يحبس الماء حتى يبلغ الكعبين تم يرسل الأعلى إلى الأسفل.

قال مالك: وقضى رسول الله صلى الله عليه وسلم في سيل بطحان بمثل ذلك.

وحدثني الحسين بن الأسود العجلي قال: حدثنا يحيى بن آدم قال: حدثنا يزيد ابن عبد العزيز عن محمد بن اسحاق قال: حدثنا أبو مالك بن ثعلبة بن أبي مالك.

عن أبيه قال: اختصم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في مهزور وادي بني قريظة، فقضى أن الماء إلى الكعبين لايحسبه الأعلى على الأسفل.

وحدثني الحسين قال: حدثنا يحيى بن آدم قال: حدثنا حفص بن غياث عن جعفر ابن محمد، عن أبيه قال: قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم في سيل مهزور أن لأهل النخل إلى العقبين، ولأهل الزرع إلى الشراكين، ثم يرسلون الماء إلى من هو أسفل منهم.

وحدثني حفص بن عمر الدوري قال: حدثنا عباد بن عباد قال: حدثنا هشام بن عروه.

عن عروة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: بطحان على ترعة من ترع الجنة.

وحدثني علي بن محمد المدائني أبو الحسن، عن ابن جعدبة وغيره قالوا: أشرفت المدينة على الغرق في خلافة عثمان من سيل مهزور حتى اتخذ له عثمان ردما".

قال أبو الحسن: وجاء أيضا" بماء مخوف عظيم في سنة ست وخمسين ومئة فبعث إليه عبد الصمد بن علي بن عبد الله العباش، وهو الأمير يومئذ، عبيد الله بن أبي سلمة العمري، فخرج وخرج الناس بعد صلاة العصر وقد ملأ السيل صدقات رسول الله صلى الله عليه وسلم، فدلتهم عجوز من أهل العالية على موضع كانت تسمع الناس يذكرونه، فحفروه فوجد الماء منسربا"، فغاص منه إلى وادي بطحان.

قال: ومن مهزور إلى مذينب شعبة يصب فيها.

حدثني محمد بن أبان الوسطي قال: حدثنا أبو هلال الراسي قال: حدثنا الحسن قال: دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم للمدينة وأهلها وسماها طيبة.

وحدثني أبو عمر حفص بن عمر الدوري قال: حدثنا عباد بن عباد عن هشام بن عروة عن أبيه، عن عائشة أم المؤمنين قالت: لما هاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة مرض المسلمون بها، فكان ممن اشتد به مرضه أبو بكر وبلال وعامر ابن فهيرة فكان أبو بكر رضي الله عنه يقول في مرضه:

كل ارمئ مصبح في أهلـه

 

والموت أدنى من شراك نعله

وكان بلال رضي الله عنه يقول:

ألا ليت شعري هل ابتن ليلة"

 

بفخ وحولي أذخر وجـلـيل

وهل أردن يوما" مياه مجـنة

 

وهل يبدون لي شامة وطفيل

 وكان عامر بن فهيرة يقول:

لقد وجدت الموت قبل ذوقه

 

إن الجبان حتفه من فوقه

كل ارمئ مجاهد بطوقـه

 

كالثور يحمي جلده بروقه

قال: فأخبر النبي صلى الله عليه وسلم بذل: فقال: اللهم طيب لنا المدينة كما طيبت لنا مكة، وبارك لنا في مدها وصاعها.


حدثنا الوليد بن صالح قال: حدثنا الواقدي عن محمد بن عبد الله عن الزهري، عن عروة أن رجلا" من الأنصار خاصم الزبير بن العوام في أشراج الحرة. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اسق يا زبير ثم أرسل إلى جارك.

وأخبرني على الأثرم،  عن أبي عبيدة قال: الأشراج مسايل الماء في الحرار، والحرة أرض مفروشة بصخر. قال: وقال الأصمعي: مسايل من الحرار إلى السهولة.

حدثني الحسين بن علي بن الأسود العجلي قال: حدثنا يحيى بن آدم قال: حدثنا يزيد ابن عبد العزيز حدثنا هشام بن عروة.

عن أبيه قال: أقطع عمر رضي الله عنه العقيق حتى انتهى إلى أرض فقال: ما أقطعت مثلها. قال خوات بين جبير: أقطعنيها. فأقطعه إياها.

وحدثني الحسين قال: حدثنا يحيى بن آدم عن يزيد بن عبد العزيز عن هشام بن عروة، عن أبيه قال: أقطع عمر العقيق مابين أعلاه إلى أسفله.

وحدثني الحسين قال: حدثنا حفص بن غياث، عن هشام بن عروة قال: خرج عمر يقطع الناس وخرج معه الزبير، فجعل عمر يقطع حتى مر بالعقيق فقال: أين المستقطعون؟ مذ اليوم ما مررت بقطعة أجود منها. فقال الزبير: أقطعنيها. فأقطعه إياها.

وحدثني الحسين قال: حدثنا يحيى بن آدم قال: حدثنا أبو معاوية الضرير عن هشام بن عروة، عن أبيه قال: أقطع عمر العقيق كله حتى انتهى إلى قطيعه خوات بن جبير الأنصاري فقال: أين المستقطعون؟ ماأقطعت اليوم أجود من هذه.

وحدثنا خلف بن هشام البزار قال: حدثنا أبو بكر بن عياش قال: حدثنا هشام بن عروة، عن أبيه قال: أقطع عمر بن الخطاب خوات بن خبير الأنصاري أرضا" مواتا" فاستريناها منه.

حدثني الحسين بن الأسود قال: حدثنا يحيى بن آدم عن أبي بكر بن عياش عن هشام عن أبيه بمثله.

وحدثني الحسين قال: حدثني يحيى بن آدم حدثنا أبو معاوية عن هشام بن عروة، عن عروة قال: أقطع أبو بكر الزبير ما بين الجرف إلى قناة.

وأخبرني أبو الحسن المدائني قال: قناة واد يأتي من الطائف ويصب إلى الأرحضية وقرقرة الكدر، ثم يأتي سد معونة، ثم يمر على طرف القدوم، ويصب في أصل قبور الشهداء بأحد.

وحدثنا أبو عبيد القاسم بن سلام قال: حدثنا إسحاق بن عيسى عن مالك بن أنس عن ربيعة، عن قوم من علمائهم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أقطع بلال بن الحارث المزني معادن بناحية الفرع.

وحدثني عمرو الناقد وابن سهم الأنطاكي قالا: حدثنا الهيثم بن جميل الأنطاكي قال: حدثنا حماد بن سلمة عن أبي مكين، عن أبي عكرمة مولى بلال بن الحارث المزني قال: أقطع رسول الله صلى الله عليه وسلم بلالا" أرضا" فيها جبل ومعدن. فباع بنو بلال عمر بن عبد العزيز أرضا" منها، فظهر فيها معدن أو قال معدنان، فقالوا: إنما بعناك أرض حرث ولم نبعك المعادن. وجاؤا بكتاب النبي صلى الله عليه وسلم لهم في جريدة، فقبلها عمر ومسح بها عينه وقال لقيمه: أنظر ماخرج منها وما أنفقت وقاصهم بالنفقة ورد عليهم الفضل.

وحدثنا أبو عبيد قال: حدثنا نعيم بن حماد عن عبد العزيز بن محمد عن ربيعة بن ابي عبد الرحمن عن الحارث بن بلال بن الحارث المزني.

عن أبيه بلال بن الحارث أن النبي صلى الله عليه وسلم أقطعه العقيق أجمع.

وحدثني مصعب الزبيري قال: قال مالك بن أنس: أقطع رسول الله صلى الله عليه وسلم بلال بن الحارث معادن بناحية الفرع لا اختلاف في ذلك بين علمائنا، ولا أعلم بين أحد من أصحابنا خلافا" أن في المعدن الزكاة ربع العشر.


قال مصعب: وروى عن الزهري أنه كان يقول في المعن الزكاة، وروى عنه أيضا" قال فيها الخمس مثل قول أهل العراق. وهم يأخذون اليوم من معادن الفرع ونجران وذي المروة ووادي القرى وغيرها الخمس، على قول سفيان الثوري وأبي حنيفة وأبي يوسف وأهل العراق.

وحدثني الحسين بن الأسود قال: حدثنا وكيع بن الجراح قال: حدثنا الحسن بن صالح بن حي، عن جعفر بن محمد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أقطع عليا" رضي الله عنه أربع أرضين الفقيرين وبئر قيس والشجرة.

وحدثني الحسين عن يحيى بن آدم عن الحسن بن صالح عن جعفر بن محمد مثله.

وحدثني عمر بن محمدة الناقد قال: حدثنا حفص بن غياث عن جعفر بن محمد، عن أبيه أنه قال: أقطع عمر بن الخطاب عليا" رضي الله عنهما ينبع فأضاف إليها غيرها.

وحدثني الحسين عن يحيى بن آدم عن حفص بن غياث عن جعفر بن محمد عن أبيه بمثله.

وحدثني من أثق به، عن مصعب بن عبد الله الزبيري أنه قال: نسبت بئر عروة بن الزبير إلى عروة بن الزبير.

ونسب حوض عمرو إلى عمرو بن الزبير. ونسب خليج بنات نائلة إلى ولد نائلة بنت الفرافصة الكلبية امرأة عثمان ابن عفان. وكان بن عفان رضي الله عنه اتخذ هذا الخليج وساقه إلى أرض استخرجها واعتملها بالعرصة.

وأرض أبي هريرة نسبت إلى أب يهريرة الدوسي.

والصهوة صدقة عبد الله بن عباس رضي الله عنهما في جبل جهينة.

وقصر نفيس ينسب فيما يقال إلى نفيس التاجر من محمد بن زيد بن عبيد بن المعلى بن لوذان بن حارثة بن زيد من الخزرج، وهم حلفاء بني زريق بن عبد حارثة من الخزرج، وهذا القصر بحرة واقم بالمدينة واستشهد عبيد بن المعلى يوم أحد. قال: ويقال إنه نفيس بن محمد بن زيد بن عبيد بن مرة مولى المعلى، فلإن عبيدا" هذا وأباه من سبى عين التمر، ومات عبيد بن مرة أيام الحرة، وكان يكنى أبا عبد الله.

قال: وبئر عائشة نسبت إلى عائشة بن نمير بن واقف، وعائشة رجل وهو من الأوس.

وبئر المطلب على طريق العراق نسب إلى المطلب بن عبد الله بن حنطب بن الحارث بن عبيد بن عمر بن مخزوم. وبئر ابن المرتفع نسب إلى محمد بن المرتفع بن النضير العبدري.

حدثني محمد بن سعد عن الواقدي عن عبد الله بن جعفر عن شريك بن عبد الله عن أبي نمر الليثي، عن عطاء بن يسار، مولى ميمونة بنت الحارث بن حزن بن بجير لهلالة، قال: لما أراد رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يتخذ السوق بالمدينة قال: هذا سوقكم لا خراج عليكم فيه.

وحدثني العباس بن هشام الكلبي عن أبيه، عن جده محمد بن السائب وشرقي بن القطامى الكلبي قالا: لما هدم بخنصر بيت المقدس وأجلى، وسبى من سبى من بني إسرائيل، لحق قوم منهم بناحية الحجاز فنزلوا وادي القرى وتيماء ويثرب، وكان بيثرب قوم من جرهم وبقية من العماليق قد اتخذوا النخل والزرع، فأقاموا معهم وخالطوهم، فلم يزالوا يكثرون وتقل جرهم والعماليق حتى نفوهم عن يثرب واستولوا عليها وصارت عمارتها ومراعيها لهم، فمكثوا على ذلك ما شاء الله، ثم إن من كان باليمن من ولد سبأ بن يشجب بن يعرب بن قحطان بغوا وطغوا وكفروا نعمة ربهم فيما آتاهم من الخصب ورفاغة العيش، فخلق الله جرذانا" جعلت تنقب سدا" كان لهم بين جبلين فيه أنابيب يفتحونها إذا شاؤا فيأتيهم الماء منها على قدر حاجتهم وإرادتهم. والسد العرم، فلم تزل تلك الجرذان تعمل في ذلك العرم، حتى خرقته. فأغرق الله تعالى جناتهم وذهب بأشجارهم وأبدلهم خمطا" وإثلا" وشيئا" من سدر قليلا". فلما رأى ذلك مزيقيا-وهو عمرو بن عامر بن حارثة بن ثعلبة بن ارمئ القيس ابن مازن بن الأزد بن غوث بن نبت بن مالك بن زيد بن كهلان بن سبأ بن يشجب بن يعرب بن قحطان-باع كل شيء له من عقار وماشية وغير ذلك ودعا الأزد حتى صاروا معه إلى بلاد عك فأقاموا بها. وقال عمرو: الانتجاع قبل العلم عجز. فما رأت عك غلبة الأزد على أجود مواضعهم غمها ذلك. فقالت للأزد: انتقلوا عنا. فقام رجل من الأزد أعود أصم يقال له جذع فوثب بطائفة منهم فقتلهم، ونشبت الحرب بين الأزد وعك، فانهزمت الأزد ثم عرت، فقال جذع في ذلك:

نحن ينو مازن غير شك

 

غسان غسان وعك عك

سيعلمـون أينـا أرك

 

 

وكانت الأزد نزلت بماء يقال له غسان فسموا بذلك. ثم إن الأزد سارت حتى انتهت إلى بلاد حكم بن سعد العشيرة بن مالك بن أدد بن زيد بن يشجب ابن عريب بن زيد بن كهلان بن سبأ بن يشجب بن يعرب بن قحطان فقاتلوهم. فظهرت الأزد على حكم، ثم إنه بدا لهم الإنتقال عن بلادهم فانتقلوا، وبقيت طائفة منهم معهم. ثم أتو نجران فحاربهم أهلها فنصروا عليهم، فأقاموا بنجرانثم رحلوا عنها إلا قوما" منهم تخلفوا بها لأسباب دعتهم إلى ذلك، فأتوا مكة وأهلها جرهم، فنزلوا بطن مر، وسأل ثعلبة بن عمرو مزيقيا جرهم أن يعطوهم سهل مكة، فأبوا، فقاتلهم حتى غلب على السهل. ثم إنه والأزد استوبئوا مكانهم ورأوا شدة العيش به فتفرقوا، فأتت طائفة منهم عمان، وطائفة السراة، وطائفة الأنبار والحيرة، وطائفة الشام، وأقامت طائفة منهم بمكة. فقال جذع: أكلما صرتم يا معشر الأزد إلى ناحية انخزعت منكم جماعة؟ يوشك أن تكونوا أذنايا" في العرب. فسمى من أقام بمكة خزاعة. وأتى ثعلبة بن عمرو مزيقيا وولده ومن تبعه يثرب وسكانها اليهود فأقاموا بها خارج المدينة، ثم إنهم غنوا وكثروا وعزوا حتى أخرجوا اليهود منها ودخلوها. فنزلت اليهود خارجها، فالأوس والخزرج ابنا حارثة بن ثعلبة بن عمرو مزيقيا بن عامر، وأمهما قيلة بنت الأرقم بن عمرو، ويقال إنها غسانية من الأزد، ويقال إنها عذرية.

وكانت للأوس والخزرج قبل الإسلام وقائع وأيام تدربوا فيها بالحروب واعتادوا اللقاء، حتى شهر بأسهم، وعرفت نجدتهم، وذكرت شجاعتهم، وجل في قلوب العرب أمرهم، وهابوا حدهم، فامتنعت حوزتهم، وعز جارهم، وذلك لما أراد الله من إعزاز نبيه صلى الله عليه وسلم وإكرامهم بنصرته.

قالوا: ولما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة كتب بينه وبين يهود يثرب كتابا" وعاهدهم عهدا". وكان أول من نقض ونكث منهم يهود بني قينقاع، فأجلاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم عن المدينة. وكان أول أرض افتتحها رسول الله صلى الله عليه وسلم أرض بني النضير.