الجزء الأول - البحرين

البحرين

قالوا: وكانت أرض البحرين من مملكة الفرس، وكان بها خلق كثير من العرب من عبد القيس وبكر بن وائل وتميم مقيمين في باديتها. وكان على العرب بها من قبل الفرس على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم المنذر ابن ساوى أحد بنى عبد الله بن زيد بن عبد الله بن دارم بن مالك بن حنظلة وعبد الله بن زيد هذا هو الأسبذى، نسب إلى قرية بهجر يقال لها الأسبذ، ويقال إنه نسب إلى الأسبذيين، وهم قوم كانوا يعبدون الخيل بالبحرين فلما كانت سنة ثمان وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم العلاء بن عبد الله بن عماد الحضرمي، حليف بني عبد شمس، إلى البحرين ليدعو أهلها إلى اإسلام أو الجزية، وكتب معه إلى المنذر بن ساوى والى سيبخت مرزبان هجر يدعوهما إلى الإسلام أو الجزية. فأسلما وأسلم معهما جميع العرب هناك وبعض العجم. فأما أهل الأرض من المجوس واليهود والنصارى فإنهم صالحوا العلاء، وكتب بينه وبينهم كتاباً نسخته: "بسم الله الرحمن الرحيم. هذا ما صالح عليه العلاء بن الحضرمي أهل البحرين: صالحهم على أن يكفونا العمل ويقاسمونا التمر، فمن لم يف بهذا فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين".

واما جزية الرؤوس فإنه أخذ لها من كل حالم ديناراً.

حدثني عباس بن هشام عن أبيه عن الكلي عن أبي صالح، عن أبن عباس قال: كتب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أهل البحرين: "أما بعد، فإنكم إذا أقمتم الصلاة، وآتيتم الزكاة، ونصحتم اللح ورسوله، وآتيتم عشر النخل، ونصف عشر الحب، ولم تمجسوا أولادكم، فلكم ما أسلمتم عليه، غير أن بيت النار اله ورسوله، وإن أبيتم فعليكم الجزية".

فكره المجوس المجوس واليهود الإسلام وأحبوا أداء الجزية. فقال منافقوا العرب: زعم محمد لا يقبل الجزية إلا من أهل الكتاب وقد قبلها من مجوس هجر، وهم غير أهل الكتاب. فنزلت "ياأيها الذين آمنوا عليكم لا يضركم من ضل إذا اهتديتم" وقد قيل إن صلى الله عليه وسلم وجه العلاء حين وجه رسله إلى الملوك في سنة ست.

وحدثني محمد بن مصفى الحمصي قال: حدثنا محمد بن المبارك قال: حدثنا عتاب بن زياد قال: حدثني محمدبن ميمون عن مغيرة الأزدي عن محمد بن زيد بن حيان الأعرج.

عن العلاء بن الحضرمي قال: بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى البحرين أو قال هجر، وكنت آتي الحائط بين الأخوة قد أسلم بعضهم فآخذ من المسلم العشر ومن المشرك الخراج.

وحدثنا القاسم بن سلام قال: حدثنا عثمان بن صالح عن عبد الله بن لهيعة عن أبي الأسود. عن عروة بن الزبير أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كتب إلى أهل هجر: بسم الله الرحمن الرحيم. من محمد النبي إلى أهل هجر. سلم أنتم. فإني أحمد إاليكم الله الذي لا إله إلا هو.

أما بعد، فإني أوصيكم بالله وبانسكم ألا تضلوا بعد إذا هدتم ولا تغووا بعد إذا رشدتم. أما بعد فإنه أتاني الذي صنعتم وأنه من يحسن منكم لايحمل عليه ذنب السيء، فإذا جآءكم أمرائي فأطيعوهم وانصروهم وأعينوهم على أمر الله وفي سبيله فإنه من يعمل منكم عملاً صالحاً فلن يضل له عند الله وعندي، وأما بعد فقد جاءني وفدكم فلم آت إلهم إلا ما سرهم، وإني لو جهدت حقي فيكم كله أخرجتكم من هجر، فشفعت غائبكم وأفضلت على شاهدكم "فاذكروا نعمة الله عليكم".

حدثني الحسين بن الأسود قال: حدثنا عبيد الله بن موسى عن شيبان النحوي، عن قتادة قال: لم يكن بالبحرين في أيام رسول الله صلى الله عليه وسلم قتال، ولكن بعضهم أسلم وبعضهم صالح العلاء على أنصاف الحب والتمر.

وحدثني الحسين قال: حدثني يحيى بن آدم قال: حدثنا الحسن بن صالح عن أشعث، عن الزهري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أخذ الجزية من مجوس هجر.

وحدثني الحسين قال: حدثني يحيى بن آدم قال: حدثنا قيس بن الربيع عن قيس ابن مسلم، عن الحسن بن محمد قال: كتب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى مجوس هجر يدعوهم إلى الإسلام، فإن أسلموا فلهم مالنا وعليهم ما علينا، ومن أبى فعليه الجزية، في غير أكلٍ لذبائحهم ولا نكاح لنسائهم.

وحدثني الحسين قال: حدثني يحيى بن آدم عن ابن المبارك عن يونس بن يزيد الأبلى عن الزهري، عن سعيد بن المسيب قال: أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم من مجوس هجر، وأخذنا عمر من مجوس فارس، وأخذها عثمان من بربر.

وحدثنا الحسين قال: حدثني يحيى قال: حدثنا عبد الله بن إدريس عن مالك ابن أنس عن الزهري بمثله.

وحدثنا عمرو الناقد قال: أخبرنا عبد الله بن وهب عن يحيى بن عبد الله ابن سالم بن عبد الله بن عمر، عن موسى بن عقبة أن النبي صلى الله عليه وسلم كتب إلى منذر ابن ساوى: "من محمد النبي إلى منذر بن ساوى. سلمٌ أنت، فإني أحمد إليك الله الذي لا إله إلا هو. أما بعد فإن كتابك جآءني وسمعت ما فيه، فمن صلى صلاتنا واستقبل قبلتنا وأكل ذبيحتنا فذلك المسلم، ومن أبى ذلك فعليه الجزية".

وحدثني عباس بن هشام الكلبي عن أبيه عن جده عن أبي صالح، عن ابن عباس قال: كتب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المنذر بن ساوى فأسلم ودعا أهل هجر، فكانوا بين راضٍ وكاره. أما العرب فأسلموا، وأما المجوس واليهود فرضوا بالجزية فأخذت منهم.

وحدثنا شيبان بن فروخ حدثنا سليمان بن المغيرة قال: حدثنا حميد بن هلال قال: بعث العلاء بن الحضرمي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم مالاً من البحرين يكون ثمانين ألفاً ما أتاه أكثر منه قبله ولا بعده، فأعطى منه العباس عمه.

حدثني هشام بن عمار عن إسماعيل بن عياش، عن عبد العزيز بن عبيد الله قال: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى وضائع كسرى بهجر فلم يسلموا. فوضع عليهم الجزية ديناراً على كل رجل منهم.

قالوا: وعزل رسول الله صلى الله عليه وسلم العلاء ثم ولى البحرين أبان بن سعيد بن العاص بن أمية.

وقوم يقولون: إن العلاء كان على ناحية من البحرين منها القطيف وإن أبان كان على ناحية أخرى فيها الخط، والأول اثبت.

قالوا: ولما توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم، خرج أبان من البحرين فأتى المدين. فسأل أهل البحرين أبا بكر رضي الله عنه أن يرد العلاء عليهم ففعل. فيقال إن العلاء لم يزل والياً حتى توفي بها سنة عشرين. فولى عمر مكانه أبا هريرة الدوسي، ويقال أيضا" إن عمر رضي الله عنه ولى أبو هريرة قبل موت العلاء، فأتى العلاء توج من أرض فارس، وعزم على المقام بها. قال: ثم رجع إلى البحرين فمات هناك. وكان أبو هريرة يقول: دفنا العلاء ثم احتجنا إلى رفع لبنة فرفعناها فلم نجده في اللحد. وقال أبو مخنف: كتب عمر بن الخطاب رضي الله عنه إلى العلاء ابن الحضرمي، وهو عامله على البحرين، يأمره بالقدوم عليه، وولى عثمان ابن أبي العاصي الثقفي البحرين وعمان. فلما قدم العلاء المدينة ولاه البصرة مكان عتبة بن غزوان، فلما قدم العلاء المدينة ولاه البصرة مكان عتبة بن غزوان، فلم يصل إليها حتى مات، وذلك في سنة أربع عشرة، أو في أول سنة خمس عشرة. ثم إن عمر ولى قدامه بن مظعون الجمحي جباية البحرين وولى أبا هريرة الأحداث والصلاة، ثم عزل قدامة وحده على شرب الخمر، وولى أبا هريرة الصلاة والأحداث، ثم عزله وقاسمه ماله، ثم ولى عثمان بن أبي العاصي البحرين وعمان.

حدثني العمري، عن الهيثم قال: كان قدامة بن مظعون على الجباية والأحداث، وأبو هريرة على الصلاة والقضاء، فشهد على قدامة بما شهد به. ثم ولاه عمر البحرين بعد قدامة، ثم عزله وقاسمه، وأمره بالرجوع فأبى، فولاها عثمان بن أبي العاص. فمات عمر وهو واليه عليها. وكان خليفته على عمان والبحرين وهو بفارس أخوه مغيرة بن أبي العاصي، ويقال حفص بن أبي العاصي.

حدثنا شيبان بن فروخ قال: حدثنا أبو هلال الراسي قال: حدثنا محمد ابن سيرين، عن أبي هريرة قال: استعملني عمر بن الخطاب رضي الله عنه على البحرين، فاجتمعت لي اثنا عشر ألفاً. فلما قدمت على عمر قال لي: يا عدو الله وعدو المسلمين! أو قال وعدو كتابه، سرقت مال الله؟ قال قلت: لست بعدو لله ولا للمسلمين، أو قال لكتابه، ولكي عدو من عاداهما. ولكن خيلاً تناتجت وسهاما اجتمعت. قال: فأخذ منى اثنا عشر ألفاً. فلما صليت الغداة قلت: اللهم اغفر لعمر. قال: فكان يأخذ منهم ويعطيهم أفضل من ذلك، حتى إذا كان بعد ذلك قال: ألا تعمل يا أبا هريرة؟ قلت: لا. قال: ولم؟ قد عمل من هو خير منك يوسف "قال اجعلني على خزائن الأرض". فقلت: يوسف نبي ابن نبي، وأنا أبو هريرة بن أميمة. وأخاف منكم ثلاثاً واثنتين. قال: فهلا قلت خمساً! قلت: أخشى أن تضربوا ظهري وتشتموا عرضي وتأخذوا مالي، وأكره أن أقول بغير حلم وأحكم بغير علم.

حدثنا القاسم بن سلام وروح بن عبد المؤمن قالا: حدثنا يعقوب بن إسحاق الحضري عن يزيد بن ابراهيم التستري عن ابن سيرين، عن أبي هريرة أنه لما قدم من البحرين قال له عمر: يا عدو الله كتابه! أسرقت مال الله؟ قال: لست عدو الله ولا عدو كتابه ولكني عدو من عاداهما، ولم أسرق مال الله. قال: فمن أين اجتمعت لك عشرة آلاف درهم؟ قال: خيلٌ تناسلت وعطاءٌ تلاحق وسهامٌ اجتمعت، فقبضها منه، وذكر من باقي الحديث نحو الذي روى أبو هلال.

قالوا: ولما مات المنذر بن ساوى بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم بقليل ارتد من بالبحرين من ولد قيس بن ثعلبة بن عكابة مع الحطم - وهو شريح بن ضبيعة بن عمرو بن مرثد أحد بني قيس بن ثعلبة - وإنما سمي الحطم بقوله:

قد لفها الليل بسواق حطم

وارتد سائر من بالبحرين من ربيعة خلا الجارود، وهو بشر بن عمرو العبدي، ومن تابعه من قومه، وأمروا عليهم ابناً للنعمان بن المنذر يقال له المنذر، فصار الحطم حتى لحق بربيعة، فانضم إليها بمن معه، وبلغ العلاء بن الحضرمي الخبر فسار بالمسلمين حتى نزل جواثا، وهو حصن البحرين، فدلفت إليه ربيعة، فخرج إليها بمن معه من العرب والعجم، فقاتلها قتالاً شديداً. ثم إن المسلمين لجأوا إلى الحصن فحصرهم فيه عدوهم. ففي ذلك يقول عبد الله بن حذف الكلابي:

ألا أبلغ أبا بـكـرٍ ألـوكـاً

 

وفتيان المدينة أجمـعـينـا

فهل لك في شبابٍ منك أمسوا

 

أسارى في جواث محاصرينا

ثم إن العلاء خرج بالمسلمين ذات ليلة فبيت ربيعة، فقاتلوا قتالاً شديداً وقتل الحطم.

وقال غير هشام بن الكلبي: أتى الحطم ربيعة وهو بجواثا، وقد كفر أهلها جميعاً وأمروا عليهم المنذر بن النعمان فأقام معهم. فحصرهم العلاء حتى فتح جواثا وفض ذلك الجمع، وقتل الحطم. والخبر الأول أثبت.

وفي قتل الحطم يقول مالك بن ثعلبة العبدي:

تركنا شريحاً قد علته بصيرةٌ

 

كحاشية البرد اليماني المحبر

البصيرة من الدم ما وقع في الأرض.

ونحن فجعنا أم غضبان بأبـنـهـا

 

ونحن كسرنا الرمح في عين حبتر

ونحن تركنا مسمعـاً مـتـجـدلاً

 

رهينة ضبعٍ تعتـريه وأنـسـر

قالوا: وكان المنذر بن النعمان يسمى الغرور، فلما ظهر المسلمون قال: لست بالغرور ولكني المغرور. ولحق هو وفل ربيعة بالخط، فأتاها العلاء ففتحها، وقتل المنذر ومن معه. ويقال إن المنذر نجا فدخل إلى المشقر، وأرسل الماء حوله فلم يوصل إليه، حتى صالح الغرور على أن يخلى المدينة، فخلاها ولحق بميلمة فقتل معه.

وقال قوم: قتل المنذر يوم جواثا. وقم يقولون إنه استأمن ثم هرب فلحق فقتل.

وكان العلاء كتب إلى أبي بكر يستمده، فكتب إلى خالد بن الوليد بأمره بالنهوض إليه من اليمامة وإنجاده، فقدم عليه وقد قتل الحطم، فحصر معه الخط. ثم أتاه كتاب أبي بكر بالشخوص إلى العراق، فشخص إليه من البحرين، وذلك في سنة اثني عشر. وقال الواقدي: يقول أصحابنا إن خالداً قدم المدينة ثم توجه منها إلى العراق.

واستشهد بجواثا عبد الله بن سهيل بن عمرو، أحد بنى عامر ابن لؤي ويكنى أبا سهيل، وأمه فاخته بنت عامر بن نوفل بن عبد مناف. وكان عبد الله أقبل مع المشركين يوم بدر ثم انحاز إلى المسلمين مسلماً، وشهد بدراً مع النبي صلى الله عليه وسلم. فلما بلغ أباه سهيل بن عمرو خبره قال: عند الله أحتسبه. ولقيه أبو بكر وكان بمكة حاجاً فعزاه به، فقال سهيل : إنه بلغني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: يشفع الشهيد في سبعين من أهله، وإني لأرجو أن لا يبدأ ابنى بأحدٍ قبلي. وكان يوم استشهد ابن ثمان وثلاثين سنة. واستشهد عبد الله بن عبد الله بن أبى يوم جواثا. وقال غير الواقدي: استشهد يوم اليمامة.

قالوا: وتحصن المكعبر الفارسي صاحب كسرى الذي كان وجهه لقتل بني تميم حين عرضوا لعيره - واسمه فيروز بن جشيش - بالزارة. وانضم إليه مجوسٌ كانوا تجمعوا بالقطيف، وامتنعوا من آداء الجزية. فأقام العلاء على الزارة، فلم يفتحها في خلافة أبي بكر وفتحها في أول خلافة عمر. وفتح العلاء السابون ودارين في خلافة عمر عنوة، وهناك موضع يعرف بخندق العلاء.

وقال معمر بن المثنى: غزا العلاء بعبد القيس قرى من السابون في خلافة عملا بن الخطاب ففتحها، ثم غزا مدينة الغابة فقتل من بها من العجم، ثم أتى الزارة وبها المكعبر فحصره. ثم إن مرزبان الزارة دعا إلى البراز فبارزه البراء بن مالك فقتله، وأخذ سلبه، فبلغ أربعين ألفاً. ثم خرج رجل من الزارة مستأمناً على أن يدل على شرب القوم، فدله على العين الخارجة من الزارة، فسدها العلاء فلما رأوا ذلك صالحوه على أن له ثلث المدينة وثلث كا فيها من ذهب وفضة، وعلى أن يأخذ النصف مما كان لهم خارجها. وأتى الأخنس العامري العلاء فقال له: إنهم لم يصالحوك على ذراريهم وهم بدارين. ودلخ كراز النكري على المخاضة إليهم، فتقحم العلاء في جماعة من المسلمين البحر، فلم يشعر أهل دراين إلا بالتكبير، فخرجوا فقاتلوهم من ثلاثة أوجه، فقتلوا وحووا الذرارى والسبى. ولما رأى المكعبر ذلك أسلم. وقال كراز:

هاب العلاء حياض البحر مقتحماً

 

فخضت قدماً ألى كفار دارينـا

حدثنا خلف البزاز وعفان قالا: حدثنا هشيم قال:أخبرنا ابن عون وينس، عن محمد بن سيرين قال: بارز البراء بن مالك مرزبان الزارة فطعنه فوق صلبه وصرعه، ثم نزل فقطع يديه وأخذ سواريه، ويلمقاً كان عليه، ومنطقة. فخمسه عمر لكثرته، وكان أول سلب خمس في الإسلام.