ابن معاوية الكندي قالوا: ولى رسول الله صلى الله عليه وسلم زياد بن لبيد البياضي من الأنصار حضر موت، ثم ضم إليه كنده. ويقال إن الذي ضم إليه كنده أبو بكر الصديق رضي الله عنه. وكان زياد بن لبيد رجلاً حازماً صليباً، فأخذ في الصدقة من بعض كنده قلوصاً، فسأله الكندي ردها عليه وأخذ غيرها. وكان قد وسمها بميسم الصدقة فأبى ذلك، وكلمه الأشعث بن قيس فيه فلم يجبه، وقال: لست برادٍ شيئاً قد وقع الميسم عليه. فاتقضت عليه كنده كلها، إلا السكون فإنهم كانو معه، فقال شاعرهم:
ونحن نصرنا الدين إذ ضل قومنا |
|
شقاءً وشايعـنـا ابـن أم زياد |
ولم نبغ عن حق البياضي مزحلاً |
|
وكان تقى الرحمن أفضـل زاد |
وجمع له بنو عمرو بن معاوية بن الحارث الكندي، فبيتهم فيمن معه من المسلمين فقتل منهم بشراً فيهم مخةس ومشرح وحمد وأبضعة بن معدي كرب ابن وليعة بن شر حبيل بن معاوية بن حجر القرد، والقرد الجوادفى كلامهم، ابن الحارث بن الولادة بن عمرو بن معاوية بن الحارث. وكانت لهؤلاء الأخوة أوديتٌ يملكونها، فسموا الملوك الأربعة. وكانوا وفدوا على النبي صلى الله عليه وسلم ثم ارتدوا، وقتلت أختٌ لهم يقال لها العمردة، وقاتلها يحسبها رجلا. ثم إن زياداً أقبل بالسبي والأموال فمر على الأشعث بن قيس وقومه، فصرخ النساء والصبيان وبكوا، فحمى الأشعث أنفاً وخرج في جماعة من قومه فعرض لزياد ومن معه. فاصيب ناس من المسلمين، ثم هزموهم. فاجتمعت عظماء كنده إلى الأشعث بن قيس. فلما رأى زياد ذلك كتب إلى أبي بكر يستمده، وكتب أبو بكر إلى المهاجر بن أبي أمية يأمره بإنجاده. فلقيا الأشعث بن قيس فيمن معهما من المسلمين، ففضا جمعه وأوقعا بأصحابه، فقتلا منهم مقتله عظيمة. ثم إنهم لجأوا إلى النجير، وهو حصن لهم، فحصرهم المسلمون حتى جهدوا. فطلب الأشعث الأمان لعدة منهم وأخرج نفسه من العدة. وذلك إن الجفشيش الكندى - واسمه معدان بن الأسود بن معدي كرب - أخذ بحقوه وقال: أجعلني من العدة. فأدخله وأخرج نفسه. ونزل إلى زياد بن لبيد والمهاجر فبعثا به إلى أبي بكر الصديق، فمن عليه وزوجه أخته أم فروة بنت أبي قحافة. فولدت له محمداً واسحاق وقريبة وحبابة وجعدة. وبعضهم يقول: زوجه أخته قريبة. ولما تزوجها أتى السوق فلم ير بها جزوراً إلا كسف عروقوبيها وأعطى ثمنها وأطعمها الناس. وأقام بالمدينة، ثم سار إلى الشام والعراق غازياً، ومات بالكوفة وصلى عليه الحسن بن علي بن أبي طال بعد صلحه معاوية. وكان الأشعث يكنى أبا محمد ويلقب عرف النار. وقال بعض الرواة: ارتد بنو وليعة قبل وفاة النبي صلى الله عليه وسلم. فلما بلغت زياد بن لبيد وفاته صلى الله عليه وسلم دعا الناس إلى بيعة أبي بكر، فبايعوه خلا بني وليعة، فبيتهم وقتلهم. وارتد الأشعث وتحصن في النجير، فحاصره زياد بن لبيد والمهاجر، اجتمعا عليه وأمدهما أبو بكر رضي الله عنه بعكرمة بن أبي جهل بعد انصرافه من عمان. فقدم عليهما وقد فتح النجير. فسأل أبو بكر المسلمين أن يشركوه في الغنيمة ففعلوا.
قالوا: وكان بالنجير نسوة شمتن بوفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم. فكتب أبو بكر رضي الله عنه في قطع أيديهن وارجلهن، منهن الثبجاء الحضرمية، وهند بنت يامين اليهودية.
وحدثني بكر بن الهيثم، قال: حدثني عبد الرزاق بن همام اليماني، عن مشايخ حدثوه من أهل اليمن أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ولى خالد بن سعيد بن العاص صنعاء، فأخرجه العنسى الكذاب عنها، وأنه ولى المهاجر بن أبي أمية على كنده، وزياد بن لبيد الأنصاري على حضر موت والصدف - وهم ولد مالك بن مرتع بن معاوية بن كنده - وأنما سمى صدفاً لأن مرتعا تزوج حضرمية وشرط لها أن تكون عنده، فإذا ولدت لم يخرجا من دار قومها. فولدت له مالكاً. فضى الحاكم عليه بأن يخرجها إلى أهلها. فلما خرج مالك عنه معها قال: صدف عنى مالك. فسمى الصدف.
وقال عبد الرزاق: فأخبرني مشايخ من أهل اليمن قالوا: كتب أبو بكر إلى زياد بن لبيد والمهاجر بن أبي أمية المخزومي، وهو يومئذ على كنده، يأمرهما أن يجتمعا فتكون أيديهما يداً وأمرهما واحداً، فيأخذا له البيعة ويقاتلا من امتنع من أداء الصدقة. وأن يستعينا بالمؤمنين على الكافرين وبالمطيعين على المعاصين والمخالفين. فأخذا من رجل من كندة في الصدقة بكرة من الابل، فسألهما أخذ غيرها فسامحه المهاجر وأبى زياد إلا أخذها وقال: ما كنت لأردها بعد أن وقع عليها ميسم الصداقة. فجمع بن عمرو بن معاوية جمعاً . فقال زياد بن لبيد للمهاجر: قد ترى هذا الجمع، وليس الرأي أن نزول جميعاً. فقال زياد بن لبيد للمهاجر: قد ترى هذا الجمع، وليس الرأي أن نزول جميعاً عن مكاننا، ولكن أنفصل عن العسكر في جماعة فيكون ذلك أخفى للأمر وأستر. ثم أبيت هؤلاء الكفرة. وكان زياد حازماً صليباً. فصار إلى بني عمرو وألقاهم في الليل فبيتهم فأتى على أكثرهم، وجعل بعضهم يقتل بعضاً. ثم اجتمع والمهاجر ومعهما السبي والأسارى، فعرض لهما الأشعث بت قيس ووجوه كنده فقاتلاهم قتالاً شديداً. ثم إن الكنديين تحصنوا بالنجير، فحاصرهم حتى جهدهم الحصار وأضر بهم ونزل الأشعث على الحكم.
قالوا:وكانت حضرموت أتت كنده منجدة لهما، فواقعهم زياد والهاجر فظفرا بهم وارتدت خولان، فوجه إليهم أبو بكر بعلي بن منية فقاتلهم حتى أذعنوا وأقروا بالصدقة ثم أتى المهاجر كتاب أبي بكر بتوليه صنعاء ومخاليفها، وجمع عمله لزياد إلى ما كان في يده. فكانت اليمن بين ثلاثة: المهاجر وزياد ويعلى. وولى أبوسفيان بن حرب ما بين آخر حد الحجاز وآخر حد نجران.
وحدثني أبو الثمار قال: حدثني شريك قال: أنبأنا إبراهيم بن مهاجر، عن ابراهيم النخمي قال: ارتد الأشعث بن قيس الكندي في ناس من كنده فحوصروا فأخذ الأمان لسيعين منهم ولم يأخذه لنفسه فأتى به أبو بكر فقال: إتا قاتلوك، لأنه لاأمان لك إذا أخرجت نفسك من العدة فقال: بل تمن علي ياخليفة رسول الله وتزوجني . ففعل وزوجه أخته.
وحدثنا القاسم بن سلام أبو عبيد قال: حدثنا عبد الله بن صالح كاتب الليث ابن سعد عن علوان بن صالح عن صالح بن كيسان عن حميد بن عبد الرحمن عن عبد الرحمن بن عوف، عن أبي بكر الصديق أنه قال: ثلاث تركتهن ووددت أنى لم أفعل. وددت أني يوم أتيت بالأشعث بن قيس ضربت عنقه، فإنه تخيل إلى انه لايرى شراً إلا سعى فيه وأعان عليه. وودت أني يوم أتيت بالفجاءة قتلته ولم أحرقه. وودت أني حين وجهت خالداً إلى الشام وجهت عمر بن الخطاب إلى العراق فأكون قد بسطت يميني وشمالي جميعاً في سبيل الله.
أخبرني عبدالله بن صالح العجلي عن يحيى بن آدم عن الحسن بن صالح عن فراس أو بنان.
عن الشعبي أن أبا بكر رد سبايا النجير بالفداء لكل رأس أربع مئة درهم، وأن الأشعث بن قيس استسلف من تجار المدينة فداءهم ففداهم ثم رده لهم. وقال الأشعث بن قيس يرثي بشير بن الأودح، وكان ممن وفد على رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم ارتد، يزيد بن أماناة ومن قتل يوم النيجر:
لعمري وما عمري علي بهين |
|
لقد كنت بالقتلى أحق ضنـين |
فلا غرو ألا يوم يقسم سبيهـم |
|
وما الدهر عندي بعدهم بأمين |
وكنت كذات البو ربعت فأقبلت |
|
على بوها إذا طربت بحنـين |
عن ابن أماناة الكريم وبـعـده |
|
بشير الندى فليجر دمع عيون |
قالوا: كان الأسود بن كعب بن عوف العنسى قد تكهن وادعى النبوة فاتبعه عنسى، واسم عنسى زيد بن مالك بن أدد بن يشجب ابن عريب بن زيد بن كهلان بن سبأ، وعنس أخو مراد بن مالك وخالد ابن مالك وسعد العشيرة بن مالك. واتبعه أيضاً قومٌ من غير عنسى، وسمى نفسه رحمان اليمن كما تسمى مسيلمة رحمان اليمن كما تسمى مسيلمة رحمان اليمامة. وكان له حمار معلم يقول له: اسجد لربك. فيسجد، ويقول له: ابرك، فيبرك. فسمى ذا الحمار. وقال بعضهم: هو ذو الحمار لأنه كان متخمراً معتماً أبداً.
وأخبرني بعض أهل اليمن أنه كأن أسود الوجه، فسمى الأسود للونه وأن اسمه عيهلة.
قالوا: فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم جرير بن عبد الله البجلى في السنة التي توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم فيها، وفيها كان إسلام جرير، إلى الأسود يدعوه إلى الإسلام فلم يجبه. وبعض الرواة ينكر بعثة النبي صلى الله عليه وسلم جريراً إلى اليمن.
قالوا: وأتى الأسود صنعاء فغل عليها وأخرج خالد بن سعيد بن العاص عنها، ويقال أنه إنما أخرج المهاجر بن أبي أمية وانحاز إلى ناحية زياد بن لبيد البياض، وكان عنده، حتى أتاه كتاب أبي بكر يأمره بمعاونة زياد فلما فرغ من أمرهما ولاه صنعاء وأعمالها. وكان الأسود متجبراً، فاستذل الأبناء وهم أولاد أهل فارس الذين وجههم كسرى إلى اليمن مع ابن ذي يزن وعليهم وهرز، واستخدمهم فأضر بهم، وتزوج المرزبانة امرأة باذام ملكهم، وعامل أبرويز عليهم. فوجه رسول الله صلى الله عليه وسلم قيس بن هبيرة المكشوح المرادي لقتاله. وإنما سمي المكشوح لأنه كوى على كشحه من داء كان به، ،امره باستمالة الأبناء. وبعث معه فروة بن مسيك المرادي. فلما صار إلى اليمن بلغتهما وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأظهر قيس للأسود أنه على رأيه حتى بينه وبين دخول صنعاء، فدخلها في جماعة من مدحج وهمدان وغيرهم. ثم استمال فيروز بن الديلمي أحد الأبناء. وكان فيروز قد أسلم. ثم أتيا باذام رأس الأبناء، ويقال إن باذام قد كان مات ورأس الأبناء بعده خليفة له يسمى داذويه، وذلك أثبت. فأسلم داذويه. ولقى قيس باب بن ذي الجرة الحميري فاستماله، وبث داذوية دعائه في الأبناء فأسلموا، فتطابق هؤلاء جميعاً على قتل السود واغتياله، ودسوا إلى المرزبانة امرأته من أعلمها الذي هم عليه. وكانت شائنةً له. فدلتهم على جدولٍ يدخل إليه منه. فدخلوا سحراً، ويقال بل نقبوا جدار بيته بالخل نقباً، ثم دخلوا عليه. فسكنوا وأمسكوا. واحتز قيس رأسه ثم علا سور المدينة حين أصبح فقال: الله أكبر ! الله أكبر!. أشهد أن لا إله إلا الله واشهد أ محمداً رسول الله، وأن السود كذابٌ عدو الله. فاجتمع أصحاب الأسود فألقى إليهم رأسه فتفرقوا إلا قليلا، وخرج أصحاب قيس ففتحوا الباب ووضعوا في بقية أصحاب العنسى السيف، فلم ينج إلا من أسلم منهم.
وذكر بعض الرواة أن الذي قتل الأسود العنسى فيروز بن الديلمى، وأن قيساً أجاز عليه واحتز رأسه.
وذكر بعض أهل العلم أن قتل الأسود كان قبل وفاة النبي صلى الله عليه وسلم بخمسة أيام. فقال في مرضه: قد قتل الله السود العنسى. قتله الرجل الصالح فيروز بن الديلمى، وأن الفتح ورد على أبي بكر بعد ما استخلف بعشر ليال.
وأخبرني بكر بن الهيثم قال: حدثني ابن أنس اليماني عمن أخبره، عن النعمان بن برزج أحد الأبناء أن عامل النبي صلى الله عليه وسلم الذي أخرجه الأسود عن صنعاء أبان بن سعيد بن العاص، وأن الذي قتل الأسود العنسى فيروز بن الديملي، وأن قيساً وفيروز ادعيا قتله وهما بالمدينة. فقال عمر: قتله هذا الأسد بعني فيروز. قالوا: ثم إن قيساً اتهم بقتل داذويه، وبلغ أبا بكر أنه على إجلاء الأبناء عن صنعاء، فأغضبه ذلك، وكتب إلى المهاجر بن أبي أمية حين دخل صنعاء وهو عامله عليها يأمره بحمل قيس إلى ما قبله. فلما قدم به عليه أحلفه خمسين يميناً منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه ما قتل داذويه فحلف، فخلى سبيله ووجهه إلى الشام مع من انتدب لغزو الروم من المسلمين.