الجزء الأول - أمر حمص

أمر حمص

حدثني عباس بن هشام عن أبيه.

عن أبي مخنف ان أبا عبيدة بن الجراح لما فرغ من دمشق قدم أمامه خالد بن الوليد وملحان بن زيار الطائي ثم اتبعهما. فلما توافوا بحمص قاتلهم أهلها ثم لجأوا إلى المدينة وطلبوا الأمان والصلح، فصالوه على مئة الف وسبعين الف دينار. قال الواقدي وغيره: بينما المسلمون على أبواب دمشق إذ أقبلت خيل للعدو كثيفة فخرجت إلبهم جماعة من المسلمين فلقوهم بين لهيا والثنية فولوا منهزمين نحو حمص على طريق قارا. واتبعوهم حتى وافواحمص. فألفوهم قد عدلوا عنها . ورآهم الحمصيون وكاتوا منخوبين لهرب هرقل عنهم وما كان يبلغهم من قوة كيد المسلمين وبأسهم وظفرهم فاعطوا بايديهم وهتفوا بطلب الأمان. فأمنهم المسلمون وكفوا أيديهم عنهم. فأخرجوا اليهم العلف والطعام وأقاموا على الأرنط-يريد الأرند وهو النهر الذي ياتي أنطاكية ثم يصب في البحر بساحلها- وكان على المسلمين السمط بن الأسود الكندي فلما فرغ أبو عبيدة من أمر دمشق استخلف عليها يزيد بنأبي سفيان ثم قدم حمص على طريق بعلبك فنزل بباب الرستن فصلحه أهل حمص على أن امنهم على انفسهم واموالهم وسور مدينتهم وكنائسهم وأرحائهم، واستثنى عليهم ربع كنيسة يوحنا للمسجد، واشترط الخراج من أقام منهم.

وذكر بعض الرواة أن السمط بن الأسود الكندي كان صالح أهل حمص فلما قدم أبو عبيدة امضى صلحه، وأن السمط قسم حمص خططاً بين المسلمين حتى نزلوها واسكنهم في كل مرفوض جلا أهله او ساحة متروكة.

وحدثنا أبو حفص الدمشقي.

عن سعيد بن عبد العزيز قال: لما افتتح أبو عبيدة بن الجراح دمشق استخلف يزيد بن أبي سفيان على دمشق وعمرو بن العاص على فلسطين وشرحبيل على الأردن. وأتى حمص فصالح اهلها على نحو صلح بعلبك. ثم خلف بحمص عبادة بن الصامت الانصاري ومضى نحو حماة فتلقاه اهلها مذعنين فصالحهم على الجزية في رؤسهم والخراج في أرضهم. فمضى شيزر فخرجوا يكفرون ومعهم المقلسون ورضوا بمثل ما رضي أهل حماه. وبلغت خيله الزراعة والقسطل ومر أبو عبيدة بمعرة حمص وهي تنسب إلى النعمان بن بشير فخرجوا يقلسون بين يديه. ثم أتى فامية ففعل أهلها مثل ذلك واذعنوا بالجزية والخراج واسلم أمر حمص فكانت حمص وقنسرين شيئاً واحداً.

وقد اختلفوا في تسمية الأجناد فقال بعضهم: سمى المسلمون فلسطين جنداً لأنه جمع كوراً وكذلك دمشق وكذلك الأردن وكذلك حمص مع قنسرين. وقال بعضهم: سميت كل ناحية لها جند يقبضون أطماعهم بها جنداً. وذكروا أن الجزيرة كانت إلى قنسرين فجندها عبد الملك بن مروان، أي أفردها، فصار جندها يأخذون أطماعهم بها من خراجها. وأن محمد بن مروان كان سأل عبد الملك تجنيدها ففعل. ولم تزل قنسرين وكورها مضمومة إلى حمص حتى كان يزيد بن معاوية فجعل قنسرين وإنطاكية ومنبج وذواتها جندا.

فلما استخلف أمير المؤمنين الرشيد هارون بن المهدي أفرد قنسرين بكورها فصير ذلك جنداً واحداً، وأفرد منبج، ودلوك، ورعبان، وقورس، وإنطاكية وتيزين، وسماها العواصم. لأن المسلمين يعتصمون بها فتعصمهم وتمنعهم إذا انصرفوا من غزوهم وخرجوا من الثغر. وجعل مدينة العواصم منبج، فسكنها عبد الملك بن صالح بن علي في سنة ثلاث وسبعين ومئة وبنى بها أبنية.

وحدثني أبو حفص الدمشقي، عن سعيد بن عبد العزيز وحدثني موسى ابن إبراهيم التنوخي عن أبيه، عن مشايخ من أهل حمص قال: استخلف أبو عبيده عبادة بن الصامت الأنصاري على حمص. فأتى اللاذقية فقاتله أهلها. فكان بها باب عظيم لا يفتحه إلا جماعة من الناس. فلما رأى صعوبة مرامها عسكر على بعدٍ من المدين. ثم أمر أن تحفر حفائر كالأسراب يستتر الرجل وفرسه في الواحدة منها. فاجتهد المسلمون في حفرها حتى فرغوا منها. ثم إنهم أظهروا القفول إلى حمص، فلما جن عليهم الليل عادوا إلى معسكرهم وحفائرهم، وأهل اللاذقية غارون يرون أنهم قد انصرفوا عنهم. فلما أصبحوا فتحوا بابهم وأخرجوا سرحهم. فلم يرعهم إلا تصبيح المسلمين إياهم، ودخولهم من باب المدينة. ففتحت عنوةً ودخل عبادة الحصن، ثم علا حائطه فكبر عليه. وهرب قوم من نصارى اللاذقية إلى اليسيد، ثم طلبوا الأمان على ا، يتراجعوا إلى أرضهم. فقوطعوا على خراج يؤدونه قلوا أو كثروا، وتركت لهم كنيستهم، وبنى المسلمون باللاذقية مسجداً جامعاً بأمر عبادة، ثم إنه وسع بعد.

وكانت الروم أغارت في البحر على ساحل اللاذقية فهدموا مدينتها وسبوا أهلها، وذلك في خلافة عمر بن عبد العزيز حتى حرز مدينة اللاذقية وفرغ منها، والذي أحدث يزيد بن عبد الملك فيها مرمةٌ وزيادةٌ في الشحنة.

وحدثني أبو حفص الدمشقي قال: حدثني سعيد بن عبد العزيز وسعيد بن سليمان الحمصي قالا: ورد عبادة والمسلمون السواحل، ففتحوا مدينة تعرف ببلة على فرسخين من جبلة عنوةً. ثم إنها خربت وجلا عنها أهلها. فأنشأ معاوية بن أبي سفيان جبلة. وكانت حصناً للروم جلوا عنه عند فتح المسلمين حمص وشحنها.

وحدثني سفيان بن محمد البهراني، عن أشياخه قالوا: بني معاوية لجبلة حصناً خارجاً من الحصن الرومي القديم. وكان سكان الحصن الرومي رهباناً وقوماً يتعبدون في دينهم.

وحدثني سفيان بن محمد قال: حدثني أبي وأشياخنا قالوا: فتح عبادة والمسلمون معه أنطرطوس، وكان حصناً، ثم جلا عنه أهله. فبنى معاوية أنطرطوس ومصرها، وأقطع بها القطائع، وكذلك فعل بمرقبة وبلنياس.
وحدثني أبو حفص الدمشقي قال، عن أشياخه قالوا: افتتح أبو عبيده اللاذقية وجبلة وأنطرطوس على يدي عبادة بن الصامت. وكان يوكل بها حفظةً إلى انغلاق البحر. فلما كانت شحنة معاوية السواحل وتحصينه إياها شحنها وحصنها، وأمضى أمرها على ما أمضى عليه أمر السواحل.

وحدثني شيخ من أهل حمص قال: بقرب سلمية مدينة تدعى المؤتكفة اتقلبت بأهلها فلم يسلم منهم إلا مئة نفسٍ، فبنوا منزل وسكنوها، فسميت حوزتهم التي بنوا فيها سلم مئة. ثم حرف الناس اسمها فقالوا: سلمية. ثم إن صالح بن علي بن عبد الله بن عباس اتخذها وبنى وولده فيها ومصروها، ونزلها قوم من ولده.

وقال ابن سهم الإنطاكي: سلمية اسم رومي قديم.

وحدثني محمد بن مصفى الحمصي قال: هدم مروان بن محمد سور حمص. وذلك أنهم كانوا خالفوا عليه، فلما مر بأهلها هارباً من أهل خرا سان اقتطعوا بعض ثقله وماله وخزائن سلاحه.

وكانت مدينة حمص مفروشة بالصخر، فلما كانت أيام أحمد بن محمد بن أبي إسحاق المعتصم بالله شغبوا على عاملهم الفضل بن قارن الطبري، أخي مازيار ابن قارن، فأمر بقلع ذلك الفرش فقلع. ثم إنهم أظهروا المعصية وأعادوا ذلك الفرش وحاربوا الفضل بن قارن حتى قدروا عليه وأنهبوا ماله ونساءه، وأخذوه فقتلوه وصلبوه، فوجه أحمد بن محمد إليهم موسى بن بغا الكبير مولى بأمير المؤمنين المعتصم بالله، فحاربوه وفيهم خلق من نصارى المدينة ويهودها. فقتل منهم مقتلة عظيمة، وهزم باقيهم حتى ألحقهم بالمدينة، ودخلها عنوةً، وذلك في سنة خمسين ومائتين.

وبحمص هري يرده قمح وزيت من السواحل وغيرها، مما قوطع أهله عليه وأسجلت لهم السجلات بمقاطعتهم.