الجزء الأول - أمر نصارى بنى تغلب بن وائل

أمر نصارى بنى تغلب بن وائل

حدثنا شيبان بن فروخ قال: حدثنا أبو عوانة عن المغيرة، عن السفاح الشيباني أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أراد أن يأخذ الجزية من نصارى بني تغلب فانطلقوا هاربين، ولحقت طائفة منهم ببعدٍ من الأرض. فقال النعمان بن زرعة أو زرعة بن النعمان: أنشدك الله في بني تغلب! فإنهم قوم من العرب يأنفون من الجزية، وهم قومٌ شديدة نكايتهم فلا تعن عدوك عليك بهم. فأرسل عمر في طلبهم فردهم وأضعف عليهم الصدقة.

حدثنا شيبان قال: حدثنا عبد العزيز بن مسلم قال: حدثنا ليث عن رجل عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس قال: لا تؤكل ذبائح نصارى بنى تغلب ولا تنكح نساؤهم. ليسوا منا ولا من أهل الكتاب.

حدثنا عباس بن هشام عن أبيه، عن عوانة بن الحكم وأبي مخنف قالا: كتب عمير بن سعد إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه يعلمه أنه أتى شق الفرات الشامي، ففتح عانات وسائر حصون الفرات، وأنه أراد من هناك من بنى تغلب على الإسلام فأبوه وهموا باللحاق بأرض الروم. وقبلهم أراد من في الشق الشرقي على ذلك فامتنعوا منه وسألوه أن يأذن لهم في الجلاء، واستطلع رأيه فيهم. فكتب إليه عمر رضي الله عنه يأمره أن يضعف عليهم الصدقة التي تؤخذ من المسلمين في كل سائمة وأرض، وإن أتوا ذلك حاربهم حتى تبيدهم أو يسلموا. فقبلوا أن يؤخذ منهم ضعف الصدقة وقالوا: أما إذ لم تكن جزية كجزية الأعلاج فإنا نرضى ونحفظ ديننا.

حدثني عمرو الناقد قال: حدثني أبو معاوية عن الشيابني عن السفاح، عن داود بن كردوس قال: صالح عمر بن الخطاب بني تغلب، بعدما قطعوا الفرات وأرادوا اللحاق بأرض الروم، على أن لا يصبغوا صبياً ولا يكرهوه على دينهم، وعلى أن عليهم الصدقة مضعفة.

قال: وكان داود بن كردوس يقول: ليست لهم ذمة لأنهم قد صبغوا في دينهم، يعني المعمودية.

فحدثني الحسين بن الأسود قال: حدثنا يحيى بن آدم عن ابن المبارك عن يونس ابن يزيد الأبلى، عن الزهري قال: ليس في مواشي أهل الكتاب صدقة، إلا نصارى بني تغلب، أو قال نصارى العرب، الذين عامة أموالهم المواشي، فإن عليهم ضعف ما على المسلمين.

حدثنا سعيد بن سليمان سعدويه حدثنا هشيم عن مغيرة عن السفاح بن المثنى، عن زرعة بن النعمان أنه كان كلم عمر في نصارى بني تغلب وقال: قوم عرب يأنفون من الجزية، وإنما هم أصحاب حروث ومواس. وكان عمر قد هم أن يأخذ الجزية منهم فتفرقوا في البلاد. فصالحهم على أن أضعف عليهم ما يؤخذ من المسلمين من صدقاتهم في الأرض والماشية، واشترط عليهم أن لا ينصروا أولادهم.

قال مغيرة: فكان علي عليه السلام يقول: لئن تفرقت لبنى تغلب ليكونن لي فيهم رأي. لأقتلن مقاتلتهم ولأسبين ذريتهم، فقد نقضوا العهد وبرئت منهم الذمة حين نصروا أولادهم.

وحدثني أبو نصر التمار قال: حدثنا شريك بن عبد الله عن إبراهيم ابن مهاجر، عن زياد بن حدير الأسدي قال: بعثتي عمر إلى نصارى بني تغل آخذ منهم نصف عشر أموالهم، ونهاني أن أعشر مسلماً أو ذمياً يؤدي الخراج.

حدثني محمد بن سعد عن الواقدي عن أبن أبي سبرة عن عبد الملك بن نوفل، عن محمد بن إبراهيم بن الحارث أن عثمان أمر أن لا يقبل من بنى تغلب في الجزية إلا دهيك الذهب والفضة. فجاءه الثبت أن عمر أخذ منهم ضعف الصدقة. فرجع عن ذلك.

قال الواقدي: وقال سفيان الثوري، والأوزاعي، ومالك بن أنس، وابن أبي ليلى، وابن أبي ذئب، وأبو حنيفة، وأبو يوسف: يؤخذ من التغلبي ضعف ما يؤخذ من المسلم في أرضه وماشيته وماله. فأما الصبي والمعتوه منهم فإن أهل العراق يرون أن يؤخذ ضعف الصدقة من أرضه ولا يأخذون من ماشيته شيئاً. قال أهل الحجاز: يؤخذ من أموال بني تغلب سبيل مال الخراج لأنه بدلٌ من الجزية.

الثغور الجزرية

قالوا: لما استخلف عثمان بن عفان رضي الله عنه كتب إلى معاوية بولايته الشام. وولى عمير بن سعد الأنصاري الجزيرة ثم عزله. وجمع لمعاوية الشام والجزيرة وثغورهما، وأمره أن يغزو شمشاط، وهي أرميني الرابعة، أو يغزيها. فوجه إليها حبيب بن مسلمة الفهري وصفوان بن معطل السلمي ففتحاها بعد أيام من نزولهما عليها على مثل صلح الرها. وأقام صفوان بها، وبها توفى في آخر خلافة معاوية. ويقال بل غزاها معاوية نفسه، وهذان معه. فولاها صفوان فأوطنها وتوفي بها. قالوا: وقد كان قسطنطين أناخ عليها بعد نزوله في ملطية في سنة ثلاث وثلاثين ومئة، فلم يمكنه فيها شيء فأغار على ما حولها، ثم انصرف. ولم تزل شمشاط خرا دية حتى صيرها المتوكل على الله رحمه الله عشرية أسوة غيرها من الثغور.

وقالوا: غزل حبيب بن مسلمة حصن كمخ بعد فتح شمشاط، فلم يقدر عليه. وغزاه صفوان فلم يمكنه فتحه. ثم غزاه في سنة تسع وخمسين، وهي السنة التي مات فيها ومعه عمير بن الحباب السلمي. فعلا عمير سوره ولم يزل يجالد عليه وحده حتى كشف الروم وصعد المسلمون، ففتحه لعمير بن الحباب، وبذلك كان يفخر ويفخر له.

ثم إن الروم غلبوا عليه ففتحه مسلمة بن عبد الملك. ولم يزل يفتح وتغلب الروم عليه. فلما كانت سنة تسع وأربعين ومئة شخص المنصور عن بغداد حتى نزل حديثة الموصل، ثم أغزى منها الحسن بن قحطبة وبعده محمد ابن الأشعث، وجعل عليهما العباس بن محمد وأمره أن يغزو بهم كمخ. فمات محمد ابن الأشعث بآم، وسار العباس والحسن حتى صارا إلى ملطية فحملا منها الميرة ثم أناخا على كمخ، وأمر العباس بنصب المنجنيق، ورموا المسلمين فقتلوا منهم بالحجارة مائتي رجل، فاتخذ المسلمون الدبابات وقاتلوا قتالاً شديداً حتى فتحوه، وكان مع العباس بن محمد بن علي في غزاته هذه مطر الوراق. ثم إن الروم أغلقوا كمخ. فلما كانت سنة سبع وسبعين ومئة غزا محمد بن عبد الله ابن عبد الرحمن بن أبي عمرة الأنصاري، وهو عامل عبد الملك بن صالح علي شمشاط، ففتحه ودخله لأربع عشرة ليلة خلت من شهر ربيع الآخر من هذه السنة. ويقال إن عبيد الله بن الأقطع دفعه إليهم وتخلص ابنه، وكان أسيراً عندهم. ثم إن عبد الله بن طاهر فتحه في خلافة المأمون فكان في أيدي المسلمين، حتى لطف قوم من نصارى شمشاط وقاليقلا وبقراط بن أشوط بطريق خلاط، في دفعه إلى الروم والتقرب إليهم بذلك بسبب ضياع لهم في عمل شمشاط.